رحلات إبن بطوطة السوداني ما بين طنجة وجاكرتا

نعى اليم ...... سودانيز اون لاين دوت كم تحتسب الزميل فتحي البحيري فى رحمه الله
وداعاً فتحي البحيري
مرحبا Guest
اخر زيارك لك: 04-29-2024, 03:00 AM الصفحة الرئيسية

منتديات سودانيزاونلاين    مكتبة الفساد    ابحث    اخبار و بيانات    مواضيع توثيقية    منبر الشعبية    اراء حرة و مقالات    مدخل أرشيف اراء حرة و مقالات   
News and Press Releases    اتصل بنا    Articles and Views    English Forum    ناس الزقازيق   
مدخل أرشيف الربع الثانى للعام 2014م
نسخة قابلة للطباعة من الموضوع   ارسل الموضوع لصديق   اقرا المشاركات فى شكل سلسلة « | »
اقرا احدث مداخلة فى هذا الموضوع »
08-13-2013, 05:14 PM

Mandingoo
<aMandingoo
تاريخ التسجيل: 09-28-2002
مجموع المشاركات: 2316

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: رحلات إبن بطوطة السوداني ما بين طنجة وجاكرتا (Re: Mandingoo)


    الحلقة التاسعة والستين

    نواصل

    الزوار السودانيين وغير ا لسودانيين للمغرب (3)

    أيام كنت في الحي الجامعي مولاي اسماعيل دخل عليّ شاب افريقي عرفت بعد أن تعرفت عليه أنه صومالي، وأنه بحار وعلى ما أذكر كان اسمه عبد الله برعو، وكما أوضح لي أن برعو هذه بلدة أو إقليم في الصومال، وكان هذا الشاب يكبرنا في العمر، وكان يتحدث الانجليزية بطلاقة.. ويبدو أنه سأل عن أفارقة فدلوه على السودانيين الموجودين في الحي الجامعي، وقادته قدماه او دليله الذي استدل به الى غرفتي.. علمت منه انه نزل من الباخرة إذ فقد جواز سفره او اوراقه الثبوتية او شئ من هذا القبيل لم أعد أذكر.. بقي معي عدة أيام، وكان يبادر الى سداد الحساب إذا جلسنا في مقهى وشربنا قهوة او شاياً، ورغم ضآلة المبلغ الذي يدفع فإن ذلك كان يسجل لصالحه، ليس لأنه المبادر بالدفع، ولكن لأنه كان مقطوع، ولم يكن يملك إلا القليل من النقود ومع ذلك كان يبادر بالدفع، وهذه فرصة لوصية لمن يكون خارج بلاده خاصة الطلاب، فإذا كان مقطوع فلا يظهر أنه كذلك، حتى لا ينفر منه الآخرون.. ومن طرائفه التي حكاها لي أنه لم يكن يعلم قيمة النقود، فجلس ذات مرة في المقهى وأراد ان يحاسب الجرسون، فاختار أكبر قطعة نقدية حجماً وقدمها للجرسون، فضحك الجرسون، لأن القطعة تلك كانت من فئة الخمس سنتيم، يعني تعريفة بلهجتنا، وأذكر ان هذه العملة المعدنية كانت من الألمنيوم الأبيض الخفيف الرهيف، وعلى ما يبدو كانت في أيامها الأخيرة، حيث ظهرت في تلك الأيام عملة معدنية فئة الخمس سنتيمات من النحاس، وكانت نسبياً سميكة وكانت واضحة الكتابة التي عليها، ويبدو أنها حلت محل تلك القديمة..

    ذات يوم وجدت منه رسالة باللغة الانجليزية- هو طبعاً يتكلم العربية ولكن يبدو أنه لا يجيد كتابتها- تفيد بأنه قد استلم أوراقه وسافر فجأة وهو يتأسف لأنه لم يقابلني حينما غادر، وودعني في هذه الرسالة.. ولم ألتقه بعدها ولم أسمع عنه، ولعل الشبكة العنكبوتية تجمعني به ذات يوم..

    شخص آخر أيضاً افريقي من بوروندي او رواندا لم أعد أذكر، وكان شاباً يكاد يكون في مثل سننا، وقال انه قادم من امريكا او ذاهب لأمريكا ولديه تأشيرة أو شئ من هذا القبيل، وأيضاً أوصله أحدهم الى غرفتنا في الحي الجامعي السويسي الثاني، وأحد الزملاء ذوي الفراسة او الشكاكين لست أدري، فتح جواز سفره عندما غاب لفترة وجيزة عن الغرفة، فوجد انه قادم من دولته وليس من امريكا.. يعني كب لينا مكنة أمريكا دي ساكت ربما ليسوق نفسه بطريقة افضل، ولكن زي ما قالوا حبل الكذب قصير.. ولم يبق معنا هذا كثيراً ولا أدري أين ذهب وكيف ذهب..

    وصل وفد من طلاب الجامعات السودانية يتبعون الاتحاد الاشتراكي يضم طلاباً من مختلف الجامعات والكليات.. وكانوا في رحلة منظمة من قِبل الاتحاد الاشتراكي، وأول ما لفت نظرنا هو كمية النقد الممنوحة لهم من قِبل الاتحاد الاشتراكي، في حين كنا نشكو من انقطاع المنحة الدراسية المغربية في الصيف والتي تعوضها لنا حكومة السودان، ونذوق الأمرين لكي نحصل عليها، وهي فقط ثمانمائة درهم في مجملها او أقل لتغطي شهري إجازة الصيف.. المهم في الأمر أن هؤلاء كانوا يريدون السكن معنا في الحي الجامعي، ولا أذكر إن سمحت لهم إدارة الحي الجامعي أم لا، ولكننا كنا نأويهم في غرفنا رغم تشدد حراس أجنحة الحي الجامعي، ولكن المشكلة كانت في المطعم، إذ كان لابد من بطاقة السكن لكي يسمح لك بالدخول الى المطعم لتناول الوجبة، وأدى هذا الى حرج بالنسبة لنا.. رغم أننا كنا ندرك أنهم يستطيعون الأكل في المطاعم الخارجية لما لهم من مقدرة مالية جيدة..

    وفد آخر وصل من السودان، وهم طلاب من كلية الإقتصاد جامعة الخرطوم، ولم يكن عددهم كبيراً كطلاب الاتحاد الاشتراكي، وكان ثلاثة منهم نازلين في فندق بسيط في المدينة القديمة، وكانت بينهم آمال النور، وكانوا في رابعة اقتصاد.. وسجلت لهم زيارة في الفندق وسجلوا لي زيارة في بيتي المؤقت، المنزل الذي تركه لي اصدقائي البربر. كان الثلاثة الذين رافقناهم طيلة مكوثهم في الرباط من أبدع وأروع البشر، وقد صادف وجودهم إجازة الصيف وكنا متفرغين تماماً لبرنامج الفسحة لهم.. وأذكر اننا كنا نسير في منطقة قصر الملك، وكنت أنا وهي نسير جنباً الى جنب، وأمامنا يسير زميلها وأحد زملائنا، فسمعنا صوتاً ينادي: يا فطيمة، يا فطيمة، ولم نعبأ به، فليس بيننا فطيمة، وبعد قليل وصلت صاحبة الصوت الينا وكانت تخب في أثرنا، فقالت لنا أن هذه الصورة- أعطتنا إياها- قد سقطت منكما.. وبالفعل كنا نتفرج على الصور ونحن نسير فوقعت تلك الصورة.. سردت هذه الواقعة لأبين أننا كنا نتجول معهم في كل أنحاء الرباط، ومن تلك الجولة كانت منطقة القصر حيث لفت نظرنا ان كل المارين هناك كانوا سمر البشرة، وعلمنا أن هؤلاء سكان القصر الملكي حيث كانوا يُجلبون من افريقيا جنوب المغرب، وكانوا يخدمون في القصر، ويسمون الطواركة، ولا أدري إن كانت الكلمة تحريف لكملة الطوارق ام كلمة غيرها، وأذكر ان إحدى المغربيات الخمريات اللون قالت لي مرة ان المغاربة لا يحبوننا نحن التواركه لأنهم يحسدوننا إذ نعمل في القصر وأن وضعنا المادي أفضل ونلبس الذهب، فقلت لها ما معنى التواركة قالت لي: الكحل، وتقصد السود.. لكن ما أجمل كحلهم، قصدي ما أجمل سوادهم، إنه اللون الخمري كما يقول المرحوم عثمان الشفيع..

    Maroc065copy.jpg Hosting at Sudaneseonline.com

    وجدت أنني كتبت خلف هذه الصورة: ((كمال شرف، جمال ميرغني (طالبين سودانيين بالمغرب)، كمال عبد القادر (طالب بكلية الإقتصاد جامعة ا لخرطوم)، عمر حسن غلام الله (طالب سوداني بالمغرب)، آمال محمد النور (طالبة سودانية بكلية الإقتصاد جامعة الخرطوم)- أمام مطعم صغير قرب سينما رويال- الرباط- المغرب- أغسطس 1977م))..

    وعند وداعنا لهم- وفد كلية الاقتصاد- عند عودتهم الى السودان زرفت دموعهم، وكذلك نحن، وأذكر بعد عودتهم الى السودان أرسلت لي آمال مع أحد الطلاب الذين ذهبوا في اجازة الصيف ذلك العام، أرسلت لي رسالة فيها: (أرسل لكم شيئاً من خيرات السودان) وكانت كسرة ما زالت طرية- الى حد ما- رغم انها (اتعاست) في الخرطوم، ثم سافرت الى روما، وباتت هناك، ثم من ايطاليا وصلت الى المغرب.. وفي الرباط عملنا ليها ويكة تقلية وضربناها حيث عزمت عليها نفر من الزملاء.. ومع الكسرة كانت هناك خيرات أخرى ربما طحنية وكركديه وخلافه.. المهم لم تنس آمال تفرغنا لهم في الرباط فجازتنا بتلك الخيرات، وكانت رسائلها تتري من السودان، تحمل الأخبار والكلام الجميل..
    Maroc037.jpg Hosting at Sudaneseonline.com

    الصورة أعلاه على ما يبدو كانت في وداع وقد كلية الإقتصاد.. وقد وجدت أني كتبت خلفها: (صورة لطلاب سودانيين- يدرسون في المغرب، وبعضهم جاء في رحلة من جامعة الخرطوم- وتشاديين، موقف بصات "الكيران"- الرباط- المغرب- أغسطس 1977م)
    اثنان من طلاب اقتصاد الخرطوم هؤلاء عملا بعد تخرجهما في البنك السوداني للإستثمار- فيما بعد البنك السوداني الفرنسي- أحدهما أصبح مديراً لفرع الأبيض في السنوات الأولى، وآمال أصبحت مدير قسم في الرئاسة بالخرطوم حتى تزوجت من أحد مدراء البنك الكبار وهاجرا الى الإمارات، وعند عودتي النهائية من المغرب للسودان عزمتني آمال وزميلها عشاء في حديقة عامة ربما كانت حديقة المقرن، وقد زرتهم في منزلهم بأبي روف.. لقد كان هذا الوفد أروع وفد يزورنا في المغرب..

    وادرك بن بطوطة الفجر الذي لاح.. فسكت عن الكلام المباح ...
    .. والحديث ذو صلة..
    إلى اللقاء في الحلقة القادمة بإذن الله
                  

08-14-2013, 02:03 PM

Mandingoo
<aMandingoo
تاريخ التسجيل: 09-28-2002
مجموع المشاركات: 2316

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: رحلات إبن بطوطة السوداني ما بين طنجة وجاكرتا (Re: Mandingoo)

    الحلقة السبعين

    نواصل

    الزوار السودانيين وغير السودانيين للمغرب (4)، والامتحانات

    وجدنا أفارقة في الحي الجامعي السويسي الأول، تعارفنا عليهم فعرفنا أنهم من ساحل العاج (كوت ديفوار)، كانوا طلاباً وطالبات، وقد منحتهم إدارة الحي الجامعي غرفاً لإقامتهم، جلسنا على النجيلة التي في طرف الحي وقرب المطعم، وكان هنالك جهاز تسجيل تنطلق منه أغاني غربية، فقام بعضاً من شبابهم يرقصون فطلبوا من بناتنا أن يرقصن معهم، فتمنعت عائشة بذوق رغم اصرار هؤلاء الشباب، ويبدو أن ذلك كان عندهم أمراً عادياً، ورغم وجود فتياتهم في تلك الجلسة إلا انهم طلبوا من السودانيات الرقص معهم، ربما أعجبهم حسنهن وربما أرادوا مجاملة الأجانب (بالنسبة لهم) في تلك الجلسة..

    أعطتني إحداهن رقم غرفتها في الحي الجامعي، فزرتها فيه في اليوم التالي، واستغربت سماح حارس الجناح لزيارتي لها وهو يدري انني فتىً أزور فتاة، فدخلت الى الجناح وانا اترقب ان يناديني في اي لحظة ليمنعني، والغريب ان تلك الغرفة التي تسكن فيها تلك العاجية هي غرفة زميلي عمر الإمام النور، وطبعاً هذا يؤكد ان هذا كان في الإجازة، ولا أدري إن كانت الإجازة الصيفية ام غيرها، وربما كانت بداية الإجازة الصيفية وان عمر سافر الى بريطانيا، وربما كانت إجازة الربيع او إجازة عيد لم أعد أذكر.. المهم طرقت باب الغرفة ففتحت لي العاجية الباب، ولا أذكر هل معها زميلة أخرى في الغرفة ام لا، المهم جلست وتونست معها/ معهما فترة ثم استأذنت وذهبت، وما لفت نظري أن الأمر كان عادياً بالنسبة لها/ لهما، اي زيارة شاب لهن في الغرفة.. طبعاً مؤكد لو كن سودانيات لما سمحن بدخول شاب لغرفهن..

    أذكر ان تلك العاجية راسلتني من أبيدجان وعلى ما أذكر حتى حين عودتي للسودان كانت تراسلني هناك، وأذكر انها ارسلت لي بطاقة بريدية لمنظر عام لأبيدجان، وكانت ابيدجان تبدو كمدينة أوروبية ذات عمارات عالية وشوارع منظمة وجميلة.. وإليكم صورة لها اقتبستها من القوقل:
    abidjan.jpg Hosting at Sudaneseonline.com


    وأخرى مسائية رائعة:
    Abidjan2.jpg Hosting at Sudaneseonline.com


    انتظرت كثيراً لأتذكر بقية الزائرين لنا بالمغرب ولم أفلح بتذكر المزيد، لذا سأنتقل الى موضوع آخر هو موضوع الامتحان.. فقد لاحظت أن بعض الذين يجلسون بجواري في قاعات الامتحانات من كبار السن، فقد قرأت تاريخ ميلاد أحدهم وكان 1945م والآخر 1936م- كنا في العام 1976 أو العام 1977م- ويبدو أنهم من الموظفين الذين رأوا ان يواصلوا دراستهم الجامعية، أكبرت فيهم ذلك، وأيضاً كانت معنا في كلية الحقوق مصرية اسمها عفاف، وكان ابنها يدرس في الجامعة أيضاً في نفس الوقت، وهي كانت قد أكملت دراسة الآداب وعملت معلمة لمرحلة الثانوي، ثم قررت الرجوع للدراسة الجامعية فسجلت في كلية الحقوق.. ومن ذكريات الامتحانات- ربما كانت امتحانات السنة الأولى- فقد كانت القاعة الكبرى مليئة بالطلاب، ربما 1500 او 2000 طالب، وفجأة نسمع صوت طالب يستجدي المراقب أن يسامحه للغش الذي فعله في الامتحان والمراقب ينهره بأعلى صوته: أقعد! كان هذا الطالب فلسطيني، وبالعودة الى العجائز- المذكورين أعلاه- الذين كانوا يمتحنون معنا في قاعة صغيرة من قاعات كلية الحقوق بالرباط؛ فقد كانوا يطلبون مساعدتنا في حل الامتحان، وأذكر أنني - سامحني الله- كنت أُري ورقة إجابتي لأحدهم لينقل منها.. يعني الحركات دي ما قاصرة على جنس معين ولا على سن معينة..

    جلسنا لامتحانات يونيو، وظهرت النتيجة، وكنا نتدافع- طلاب وطالبات- لنرى النتيجة المعلقة على البورد، وكان التدافع والاحتكاك والالتصاق مع التوتر البالغ والقلق يؤدي لاستنزاف طاقات الجسد وسوائله من عرق وغيره.. ليس هنا فقط، ولكن داخل قاعات الامتحانات بسبب التوتر الشديد، واحتياج الجسد للإرتخاء، فسبحان الله لا شئ يرخي تصلب الجسد وينهي التوتر مثل استنزاف سوائل الجسد.. فحالما يتم ذلك يزول التوتر ويستعيد الانسان توازنه وتستقر حالته النفسية ويبدأ في فهم السؤال الذي هو نصف الإجابة..

    أذكر انني كنت قد حفظت آيات أرددها ساعة الامتحان: (قَالَ رَبِّ اشْرَحْ لِي صَدْرِي and#64831;and#1634;and#1637;and#64830; وَيَسِّرْ لِي أَمْرِي and#64831;and#1634;and#1638;and#64830; وَاحْلُلْ عُقْدَةً مِّن لِّسَانِي and#64831;and#1634;and#1639;and#64830; يَفْقَهُوا قَوْلِي and#64831;and#1634;and#1640;and#64830;)، وكنت أنصح بها زملائي السودانيين وغير السودانيين، فتسامع الطلاب بهذا، فأصبحوا يقصدونني- سودانيين وغير سودانيين، بنين وبنات- لأحفظهم إياها، حتى دعاني صديقي محمد أبكر ابراهيم بأنني (عراف الكلية) او شئ من هذا القبيل..

    ورسبت في امتحان دورة يونيو للسنة الثانية، نقصت نمرتين، وكنت أتوقع ذلك.. فقد كنت كثير السرحان في المحاضرات، قليل التركيز في المذاكرة، شاهدت النتيجة في الكلية وخرجت ووقفت في محطة الاتوبيس، وجدت زميلي محمد عثمان الخليفة، حاول أن يواسيني، ومن حيث لا يدري هيِّج في نفسي لواعج الشوق فبكيت.. إذ قال لي: ان شاء الله تمشي الإجازة تشوف أهلك وتجي تمتحن لدورة أكتوبر.. هنا أحسست أنني افتقدت السفر للأهل هذا العام.. ولكني كنت قد قررت بيني وبين نفسي أن أبقى في المغرب هذا العام، ربما لمزيد من الصياعة التي لا أجدها أثناء الدراسة، وربما لأوفر قيمة التذكرة لأهلي، لا أذكر بالضبط لماذا قررت أن أبقى في المغرب ذلك العام- طبعاً القرار كان قبل ظهور النتيجة، وربما قبل الامتحانات أيضاً، فلما ظهرت النتيجة سلبية دعمت قراري بالبقاء.. تذكرت- وأنا أبكي- زميلتي السودانية التي رسبت في العام الماضي، والتي قلبتها مناحة مما أضطر حراس الجناح ان يسمحوا لحبيبها بالدخول الى غرفتها لتهدئتها بعد ان فشلت زميلتاها في ذلك..

    وجلست لامتحان دورة اكتوبر ونجحت، والحمد لله، وجلست لامتحان الشفوي ونجحت والحمد لله.. وتأهلت للالتحاق بالسنة الثالثة.. والأخيرة .

    وادرك بن بطوطة الفجر الذي لاح.. فسكت عن الكلام المباح ...
    .. والحديث ذو صلة..
    إلى اللقاء في الحلقة القادمة بإذن الله
                  

08-15-2013, 10:44 AM

Mandingoo
<aMandingoo
تاريخ التسجيل: 09-28-2002
مجموع المشاركات: 2316

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: رحلات إبن بطوطة السوداني ما بين طنجة وجاكرتا (Re: Mandingoo)

    الحلقة الحادية والسبعين

    نواصل

    أهم الزوار السودانيين للمغرب

    الطيب صالح

    سأكتفي بنقل مقالي الذي أدرجته سابقاً في عدة مواقع الكترونية ليشرح زيارة الراحل المقيم الطيب صالح للمغرب..

    عندما التقيت بالطيب صالح الإنسان

    قرأت "موسم الهجرة الى الشمال" وأنا في بداية مرحلة المراهقة، لذا كان أكثر ما يدهشني وابناء جيلي هو كلام "بت مجذوب" غير المتحرج في الجنس والكوميدي في نفس الوقت، كذلك وصف " مصطفى سعيد" لعلاقاته مع البيضاوات بنات الانجليز اللاتي أصابهن المرض منذ الف عام، قرأتها بشغف في أوائل السبعينات وكنت في المرحلة الدراسية المتوسطة، وقرأت بقية درر العقد، "دومة ود حامد" و "عرس الزين" وبعد سنوات ظهرت "ضو البيت" ثم "مريود" .. وكلما قرأت واحدة من تلك الدرر رجعت فقرأت واسطة العقد ودرته الكبرى "موسم الهجرة الى الشمال" .. ولولا مشاغل الحياة والأسرة لقرأتها للمرة العاشرة ولكن حتما لن تكون العاشرة هي الأخيرة، بل ستكون الأولى بعمق آخر .. فما قرأت "موسم الهجرة الى الشمال" تكرارا ، بل كرواية جديدة ، نعم ، ففي كل قراءة أغوص في عمق جديد واكتشف معنى أعمق وأحس بمتعة أكثر وأجمع لاليء أبدع، انها ليست مجرد رواية ، ولكن ماذا هي إذاً؟ وأعجز عن معرفة ماهيتها وأكتفي بمتعة قراءتها.

    حكيت له عن صديقي المغربي طالب الطب الذي قرأ "ضوء البيت" وأكمل قراءتها عند منتصف ليل الرباط فلم يستطع الصبر حتى الصباح فجاءني يستنجد بي - لكوني سوداني - ويقول "الحقني" فأجبته بأنني أنا نفسي أبحث عمن "يلحقني"، فقد اندمج في الرواية حتى دار رأسه مع غموض أحداثها وميتافيزيقيتها، ولم أشف غليل صديقي مصطفى محفوظ إذ لم أجد أنا ما يشفي غليلي حتى تلك اللحظه، حكيت تلك الواقعة للطيب صالح فشفى من غليلي القليل إذ أوضح أن الذي "أصابنا بالدوار" في الرواية هو اختلاط الواقع بالخيال .

    وكان الطيب صالح في زيارة عمل للرباط في أغسطس 1976م قادما من مقر عمله بدولة قطر، وكنت طالبا بكلية الحقوق بالرباط، فسمعنا بوجوده بالمغرب وتوصلنا لمكان اقامته الذي كان هيلتون الرباط وذهبنا إليه يحدونا الشوق الى "مصطفى سعيد" ، وجاء الينا في بهو الفندق، ورغم انها كانت المرة الأولى التي نلتقيه إلا أنه جعلنا بأسلوبه المميز وسودانيته التي لم تؤثر عليها سنوات الغربة في بريطانيا وغيرها، جعلنا نحس أننا نتعارف منذ أمد بعيد، وسألته بلا تردد ان كان مصطفى سعيد هو الطيب صالح فنفى ذلك، وحاصرناه بالأسئلة أنا وزميلي فأجاب ولكنه كان يحاول ألا يتكلم عن أعماله ولا عن نفسه ولما ازداد حصارنا له قال لنا انه يريد ان يسمع منا ويسألنا عن حياتنا وعن دراستنا وعن المغرب - وكان يزورها للمرة الأولى في حياته - وكانت دردشة سودانية في ليلة رباطية وأوصلنا الى دارنا بالسيارة التي خصصت له ونزل من السيارة ليصافحنا مودعا على أمل اللقاء مساء اليوم التالي لتناول العشاء معه بالفندق بناء على دعوته - وكان الأولى أن ندعوه نحن فهو كان ضيفا على المغرب وكنا نحن مقيمين ولكن ضيق ذات اليد حبسنا عن تقديم واجب الضيافة - واستجبنا لدعوته لحرصنا على الاستماع إليه وحصاره بالاسئلة.

    والتقيناه ثانية في اليوم التالي - وكان معي زميلي عمر الامام النور ومحمد عثمان الخليفه- وكان كريما معنا في الكلام أيضا وصحح لنا بعض نطقنا لأسماء أبطال رواياته وسألنا هو عن نشاطاتنا وهواياتنا واستنكر عدم وجود نشاطات ابداعية أو أدبية لدينا واستحثنا على الكتابة- وقد آتت نصيحته أكلها فيما بعد- وعند الافتراق لم أجد ما أقدمه له هدية تذكارية غير بطاقة بريدية كنت أحتفظ بها من مدة عليها منظر طبيعي لاحدى مدن المغرب، فأمسكها بكلتا يديه متمعنا فيها متمتما بعبارات الشكر والثناء لي وبالاعجاب بالمنظر، ما رأيت تواضعا وأدبا أكثر من تواضع وأدب ذلك الرجل.. وعندما غادر المغرب ترك لي رسالة : (لقد سعدت بمقابلتك أنت وزميليك، أسمح لي أن أترك لك هذه الهدية البسيطة) ولم تكن بسيطة فقد حلت لي مشكلة مادية ملحه، ولكن كلماته تلك كانت الهدية الأكبر مع أتوقراف خطه علي نسختي من (الأعمال االكاملة - الطيب صالح) وهي مجلد يضم رواياته الأربعه، وكان يرى هذا المجلد لأول مرة رغم انه على علم بصدوره.

    وأذكر أنني سألته عن ذريته، فقال لي أن لدي ثلاث بنات، فقلت له كم أعمارهن، فقال لي كبراهن تبلغ الرابعة عشر.. ثم سكت لثوانٍ ثم أردف قائلاً: (صغيرة مش كده؟) فقلت على الفور: (لا .. عز الطلب) فانفجر ضاحكاً .. ألم أقل لكم أنك تحس بالألفة في أول لقاء معه وكأنك تعرفه منذ أمد بعيد!!

    في ديسمبر 1992م استضافه نادي جدة الأدبي في ندوة أدبيه، وانتهزت الفرصة وزرته في مقر اقامته فرأيته أصغر سنا مما رأيته أول مرة في الرباط منذ ستة عشر عاما، وأبديت له تلك الملاحظة مقرونة ب(ماشاء الله) ويبدو أن تواضعه وبساطته وحب الناس له وحبه لهم وراء ذلك، فمازال الرجل كما عرفته أول مرة، متواضعا بلا تكلف، يكره أن يتكلم عن نفسه وعن أعماله، سودانيا رغم امتداد سنوات الغربة الى باريس وبلاد أخرى.

    ثم كانت أصيلة الأصيلة، وكان تكريم الرواية العربية ، وتكريم الروائي العالمي العربي السوداني الطيب صالح، وقرأت أوراق أصيلة على صفحات "الشرق الأوسط" وأبدع محي الدين اللاذقاني في عموده طواحين الكلام عن عرس الطيب وأفاض في وصف "الجلابية السودانية" وأنه "يشع كالأبنوس" ووصف "العمامة الثلجية البيضاء" مما أثلج صدورنا نحن السودانيون، ولخص حفل العرس حاتم البطيوي وعلي انوزلا، ولاتعليق لي على أوراق كبار الأدباء فقد أكفوا وأوفو.. ومن أصيلة عرفت أن "موسم الهجرة الى الشمال" قد ترجمت الى ثلاثين لغة.. وكانت آخر معلوماتي أنها ترجمت الى ثمان لغات كانت ثامنتها الى اللغة العبرية، وأذكر أنني سمعت وقتها أن الطيب صالح طلب تحويل حقوق التأليف الى صالح صندوق القضية الفلسطينية!

    ووددت لو أن مقالات الدكتور معجب الزهراني الأستاذ بالجامعات السعودية والمنشورة في جريدة "الرياض" أضيفت لأوراق أصيلة، فقد كتب الدكتور الزهراني ثلاث مقالات مطولة ومسلسلة في ثلاثة أعداد من صفحة الثقافة في الجريدة المذكورة وعلى كامل الصفحة وبخط ذو بنط صغير، كتب عن ثلاثة أشياء في رواية "موسم الهجرة الى الشمال" هي "السواد والبياض والموت" هذا البحث في تلك الجزئيات الثلاث - الذي يمكن أن يكون كتيبا صغيرا - كان يمكن أن يكون أحد أوراق أصيلة الهامة ، فلم أقرأ دراسة نقدية أبدع من دراسة الدكتور الزهراني وكم تمنيت أن يتكرم الطيب صالح باعطاء المقالات الثلاثة المذكورة للجنة المهرجان - إذ كنت قد أعطيته اياها ابان زيارته لجدة في ديسمبر 1992م وأنا على يقين من أن اللجنة كانت ستدرجها ضمن أوراقها.. التحية موصولة لاصيلة الأصيلة ولأهلها خاصة ولأهلي المغاربة ذوي الكرم والضيافة والأصاله عامة.

    كان هذا المقال قد نشر في جريدة الشرق الأوسط منذ زمن طويل، وقد وددت أن اشارك به في هذا التأبين المفتوح للفقيد والشهيد الطيب صالح الكاتب والقاص والإنسان، له الرحمة والمغفرة، ولا نقول إلا ما يرضي الله.. إنا لله وإنا إليه راجعون، ولا حول ولا قوة إلا بالله.

    والعزاء موصول لأرملته ولبناته ولشقيقه مولانا بشير ولأبناء شقيقته علويه ولكل اهل كرمكول والدبة ولكل اصدقائه وأحبائه ومعجبيه وقرائه وزملائه وكل الشعب السوداني وكل الأمة العربية وكل مثقفي وأدباء العالم أجمع..

    ملاحظة: اليوم (25/2/2009م) بالصدفة وجدت هذا المقال منشور في موقع (مكتوب) بتاريخ 18/2/2009م، وقد اشاروا الى أن النقل تم من موقع (ود مدني)، وبالفعل كنت قد نشرته في الموقع بعد نشره بجريدة الشرق الأوسط بسنوات.

    عمر حسن غلام الله

    TaibSalih002.jpg Hosting at Sudaneseonline.com


    الصورة المرفقة لشخصي والراحل المقيم الطيب صالح في جدة ديسمبر 1992م

    وادرك بن بطوطة الفجر الذي لاح.. فسكت عن الكلام المباح ...
    .. والحديث ذو صلة..
    إلى اللقاء في الحلقة القادمة بإذن الله
                  

08-18-2013, 03:25 PM

Mandingoo
<aMandingoo
تاريخ التسجيل: 09-28-2002
مجموع المشاركات: 2316

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: رحلات إبن بطوطة السوداني ما بين طنجة وجاكرتا (Re: Mandingoo)

    الحلقة الثانية والسبعين

    نواصل

    الطيب صالح.. الإجازة.. والسكن في الشقة

    قبل أن أدلف لموضوع الإجازة أكمل قصة لقاءنا بالراحل المقيم الطيب صالح- والتي حدثت أيضاً في الإجازة- حيث توجهنا من البيت الذي نسكنه في شارع مدغشقر، وما زلت أذكر رقم العمارة (20) ورقم الشقة (9)، الى فندق الهليتون على أقدامنا لزيارة الطيب صالح، وبعد الزيارة التي ذكرت تفاصيلها في الحلقة السابقة أوصلنا بالسيارة المخصصة له حتى مدخل العمارة، ودعانا لتناول العشاء معه في اليوم التالي، فذهبنا متأخرين لأننا مشينا راجلين إلا قبيل الوصول للفندق بقليل، عند مفترق الطريق المؤدي لفندق الهليتون حيث وقف لنا صاحب سيارة وأوصلنا الى الفندق.. وجلسنا نتونس مع الراحل المقيم، ووجدنا عنده السكرتير الثالث في السفارة السودانية- ربما كان إسمه الحاج- ولما توجهنا لمطعم الفندق لتناول الطعام وجدنا أن زمن العشاء قد انتهى، فاكتفينا بالونسة الجميلة مع الطيب صالح، وقد أخذنا معه في سيارته السكرتير الثالث ليوصلنا الى شقتنا، ولكن بعد أن تعشينا معه بالعدس (ابو جبة) في شقته حيث كان عزابياً مثلنا.. وبعد ان تعشينا أوصلنا الى بيتنا مشكوراً حيث لم نكن- ثلاثتنا- نملك ثمن وجبة العشاء ولو كانت بصاره..

    كما أسلفت فقد كانت منحة المغرب لنا عشرة اشهر، على اعتبار ان السنة الدراسية تسعة اشهر، والمفروض الطالب يكون في الشهرين الباقيين في إجازة مع أهله.. المغاربة بالفعل يسافرون لقراهم ومدنهم، وتقفل الأحياء الجامعية أبوابها.. هنا تكمن مشكلة الطلاب الأجانب الذين لا يسافرون لبلدانهم لضيق ذات اليد او لوجود امتحان دورة اكتوبر في جدولهم (كحالتي).. فتواجههم مشكلة السكن في الحي الجامعي.. فيلجأ بعضهم الى السكن مع الزملاء الساكنين في غير الحي الجامعي من منازل أو شقق مستأجرة، أو في شقة مستلفة من أصدقاء كما فعلت أنا، فلقد استلفت شقة اصدقائي البربر الذين سيقضون اجازتهم الصيفية في قراهم نواحي أغادير، وعلى ما أذكر مدينة أنزغان التي هبطت فيها طائرة وفد السودان للمشاركة في المسيرة الخضراء.. وكان هؤلاء الأصدقاء زملاء دراسة، ولكن كان يسكن معهم جندي في الجيش المغربي اسمه احمد نور الهدى، وكان أطيبهم..

    أخذت منهم مفتاح الشقة وسكنت بها، وجاء زميلي محمد عثمان الخليفة وسكن معي.. وكنت أذاكر أحياناً في سطح العمارة، وتعرفت على أطفال الشقة التي تواجه الشقة التي أسكنها، وكنت أترك المذاكرة لأتفرج عليهم وهم يلعبون.. فقد كنت أفتقد مثل هكذا منظر.. وفي أحد المرات احضرت الكاميرا والتقطت معهم صور.. أكبرهم حميد (10 سنوات)، ثم نجاة (7 سنوات)، ثم فايزه (سنتان)..

    Maroc014.jpg Hosting at Sudaneseonline.com

    إحدى تلك الصور، ويبدو شخصي في الوسط وعلى يميني حامد (عليه رحمة الله) وعلى يساري نجاة..
    ويبدو أنهم حكوا لوالديهم ذلك وعندما استخرجت الصور اعطيتهم نسخة منها أروها لهما.. وعلى ما أعتقد أنهما طلبوا مني الحضور الى شقتهم، وأنني زرتهم.. وعندما دعوت عائشه وثريا لتناول أفطار رمضان معي ذات يوم من أيام رمضان طلبت من جيراني صحون إضافية، فمدوني بها مشكورين، ولكن لم أزرهم في منزلهم إلا بعد سنوات من التخرج والعودة للمغرب.. (أعتقد أنني زرتهم بناء على طلبهم بعد إرسال الصور لهما مع الأطفال)..

    وهذه صورة أخرى تضمني ونجاة

    Maroc063.jpg Hosting at Sudaneseonline.com


    وفي هذا البيت استضفت آمال النور وزميلها (وفد رحلة كلية الاقتصاد جامعة الخرطوم).

    ذات مرة سافرت من هذا البيت الى تطوان- ربما- وتركت المفتاح مع محمد عثمان او غيره لا أذكر، فجاء الزملاء السودانيين يسمرون في البيت ويلعبون الكوتشينة، وكانوا كُثر، وجعلوا البيت فوضى و######، وجاء أحد سكان الشقة ووجد هذه الفوضى في شقته.. فغضب وهددهم بإخراجي من البيت وخرج من الشقة غاضباً، فخرج الزملاء من الشقة بعده، وعندما حضرت أخبرني أحدهم بما حصل.. فحملت هماً لتبرير ما حدث.. فما كان لي أن أفرط في الأمانة التي أخذتها منهم.. والأدهى أين أذهب والحي الجامعي ما زال مغلقاً.. عمدت الى تنظيف البيت نظافة ليكون أنظف مما تركوه هم - أصحاب الشقة- واشتريت علبة طلاء وطليت باب الشقة بلون جميل، المهم بعد حضور ساكن آخر تقبل اعتذاري، واعتذر لي عما بدر من زميله من تهديد، بل وقال لي نادراً ما يفعل شخص ما فعلته انت من نظافة للبيت وترتيب وتزيين، وبخور.. (فقد أشعلت الند لتطييب رائحة الشقة).. واستمررت في الشقة..

    وادرك بن بطوطة الفجر الذي لاح.. فسكت عن الكلام المباح ...
    .. والحديث ذو صلة..
    إلى اللقاء في الحلقة القادمة بإذن الله
                  

08-19-2013, 12:12 PM

Mandingoo
<aMandingoo
تاريخ التسجيل: 09-28-2002
مجموع المشاركات: 2316

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: رحلات إبن بطوطة السوداني ما بين طنجة وجاكرتا (Re: Mandingoo)

    الحلقة الثالثة والسبعين
    نواصل

    تأخر المنحة.. والموضوع الذي كتبته حولها في جريدة الصحافة

    تأخرت علينا منحة الإجازة التي تأتينا من السودان تكملة لمنحة المغرب، فكتبت موضوعاً بعنوان: (أغيثوا أولادكم بالمغرب) وأرسلته لجريدة الصحافة السودانية، فلخصوه ونشروه كما يلي:

    (أغيثوا أولادكم بالمغرب

    إلى أهلنا وأحبابنا الطيبين والى كل المسئولين الشوق والتحية

    نحن أولادكم الطلاب بالمغرب وصلنا الى حالة يرثى لها، وذلك لعدم وصول الإعانة الصيفية التي تصلنا من دولتنا وقد بدأت العطلة منذ أكثر من شهر، كنا نسكن فيما مضى في الأحياء الجامعية ولكن في الشهر الأخير أغلقت كل الأحياء الجامعية فإلى أين نتجه والأكثر إلحاحاً أمر الطالبات الى أين يتوجهن؟ أإلى الفنادق أم إيجار المنازل وليس لديهم من المال ما يكفي لإعاشة يوم واحد، أثقلت كواهلنا بالديون وأريق ماء الوجه فأغيثونا فالأمر أصبح أكثر من الاحتمال،، الأمل قوي في الاستجابة السريعة جداً من السادة المسئولين.

    المغترب عمر حسن غلام الله

    جامعة محمد الخامس

    الرباط)

    أُرسلت لي الجريدة التي بها هذا الموضوع على عنوان الشقة التي أسكنها في الإجازة، واستلمتها من الصندوق المخصص لبريد الشقة..

    ولما رجع الطلاب السودانيين الذين كانوا يقضون اجازاتهم في السودان قالوا لنا إن هذا المقال أثار ضجة في السودان، فما إن قرأوه حتى توجه أولياء أمور الطلاب المعنيين الى قسم البعثات بوزارة التعليم العالي للاستفسار عن الموضوع، ويبدو أنهم ضغطوا على المسؤولين فنشروا رداً على موضوعي، وكذلك كتب محمد الطاهر حمدان زميلنا الذي كان في اجازة في السودان رداً أيضاً هذا نصه:

    (إلى طلابنا في المغرب الإعانة في طريقها إليكم

    إلى الأخ عمر غلام الله وبقية الزملاء أؤكد لكم أنني تابعت كل المشاكل في المؤتمر التداولي الثاني للطلاب السودانيين بالخارج وفيما يتعلق بمشكلة الإعانة الصيفية فقد اهتم السيد مكاوي عوض المكاوي أمين الشباب اهتماماً شخصياً بالمشكلة وارسل برقية للسيد السفير الرشيد نور الدين كما تم إرسال شيكين لشهري يوليو وأغسطس الأول برقم 667391 والآخر تحت رقم 667422 وإعانة شهر سبتمبر في الطريق- أما تصديق بنك السودان فسيصل بأول حقيبة لكم.

    محمد الطاهر حمدان

    عضو اللجنة التحضيرية

    للمؤتمر التداولي الثاني للطلاب)

    وتحت هذا الموضوع مباشرة نشر الموضوع التالي:

    (طلابنا بالمغرب أيضاً

    رداً على ما كتبه الطالب عمر حسن غلام الله- الذي يدرس بجامعة محمد الخامس بالرباط (المغرب) ولكي يعرف طالباتنا وطلابنا بالمغرب الحقيقة نفيدهم جميعاً بأن إدارة العلاقات الثقافية الخارجية قد قررت منح 109 طالباً (مائة وتسعة طالباً) يدرسون بالمغرب إعانة شهرية قدرها عشرين جنيهاً في الشهر ابتداء من يوليو 1977، حتى نهاية سبتمبر 1977. بما في ذلك الطالب عمر حسن غلام الله الذي دعا الى إغاثة طلابنا بالمغرب.

    والجدير بالذكر أن الإعانة المقدمة لطلابنا بالخارج يتجدد التقديم لها كل عام..)

    انتهت المواضيع المنشورة في جريدة الصحافة، ورغم انني لم أجد تاريخ النشر إلا أنه كما يبدو مما ذكر فيها انها نشرت في يوليو أو أغسطس.. وبعد مرور كل هذه السنوات- أكثر من ثلث القرن- فإنه تؤرخ لأشياء هامة، أولها ان مكاوي عوض المكاوي كان أمين الشباب وقتها (أكيد في الاتحاد الاشتراكي)، وثانيها ان الرشيد نور الدين (رحمه الله) كان سفير السودان في المغرب، وأن وفاته حدثت بعد يوليو أو أغسطس 1977م ، وثالثها أن عدد الطلاب في ذاك العام كان 109 طالب وطالبة، طبعاً كانت الدفعة الأولى التي وصلت المغرب عام 1974 كان عددها 22 طالب، ودفعتنا التي وصلت عام 1975 كانت 35 طالباً منهم ثلاث طالبات، والدفعة التي وصلت العام 1976 كانت حوالي 52 مما يجعل إجمالي طلاب الدفعات الثلاث 109 طالب وطالبة، ورابعها أن المنحة الشهرية لأشهر الإجازة كانت عشرون جنيهاً، وهذا مؤشر على قيمة الجنيه آنذاك.. فقد كانت المنحة المغربية لنا 380 درهم، ثم زيدت الى 390 قبل أن تصل ونحن في سنة التخرج الى 420 درهم.. وأخيراً فإنه كانت هناك مؤتمرات طلابية تعقد ومنها هذا المؤتمر التداولي الثاني للطلاب السودانيين بالخارج..

    والأهم من ذلك أن ناس إدارة العلاقات الثقافية الخارجية كانوا زعلانين مني في تعقيبهم هذا، ربما بسبب احتجاج أولياء الأمور نتيجة موضوعي إياه.. ولكن نتيجة المقال كانت قاسية علينا من قِبل السفارة السودانية في المغرب!!

    وإليكم نسخة من المقالات:
    sudansudansudansudansudansudansudansudansudansudansudansudansudansudansudansudansudansudansudansudan002.jpg Hosting at Sudaneseonline.com


    وادرك بن بطوطة الفجر الذي لاح.. فسكت عن الكلام المباح ...
    .. والحديث ذو صلة..
    إلى اللقاء في الحلقة القادمة بإذن الله
                  

08-20-2013, 01:58 PM

Mandingoo
<aMandingoo
تاريخ التسجيل: 09-28-2002
مجموع المشاركات: 2316

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: رحلات إبن بطوطة السوداني ما بين طنجة وجاكرتا (Re: Mandingoo)

    الحلقة الرابعة والسبعين

    نواصل

    المقال وتداعياته والسفارة

    كان قلة عددنا يعطينا وضعاً خاصاً لدى السفارة، فكانت علاقتنا بموظفيها ودبلماسييها علاقات أخوية وليست رسمية، وليست كعلاقة إخوتنا المصريين الذين كانوا وقتها يجدون صعوبة في مقابلة السفير فكلما أرادوا مقابلته أفادهم السكرتير بأن (اللمبة حمرا) أي ان السفير في اجتماع، ودائماً تلك اللمبة المثبتة أعلى باب مكتبه حمراء.. أما نحن فكنا نقابل السفير الرشيد نور الدين ونقابل كل أعضاء السفارة وندخل بسهولة الى السفارة ونجلس في الصالون ونقرأ الجرائد السودانية.. ونستلم خطاباتنا المرسلة لنا من السودان، فقد أرسلنا عنوان السفارة لأهلنا لأنه لم يكن لنا عنوان سيما قبل أن نصل الى الحي الجامعي مولاي اسماعيل، فصار عنواننا على السفارة الى حين استقرارنا في الحي الجامعي، وكنا نمشي الى السفارة راجلين رغم انها تبعد كثيراً عن الحي الجامعي وعن آخر محطة اتوبيس نعرفها، وعلى ما أذكر كانت في حي حسان، وكنا نمر في طريقنا إليها بالسفارة السوفيتية، وكان مثبتاً على باب تلك السفارة كاميرا، وعلمنا وقتها ان اي شخص يمر من أمام تلك السفارة كان يراه من بداخلها، وكان ذلك غريباً جداً وقتها (1975)، وكان عنوان السفارة السودانية الذي أحفظه حتى الآن: (9 زنقة تيداس) واستمرت في موقعها ذاك حتى تخرجنا، وفيما بعد انتقلت إلى حي الرياض على ما أذكر في آخر زيارة لي الى المغرب في العام 1997م..

    وكنا كذلك نعرف أسرة السفير وزوجته خالدة، فزميلتنا سامية كانت بنت أخت السفير، فتعرفنا على أسرته عبرها، وكان أطفالها عامذاك اثنين هما نور الدين وأخته الصغيرة.. وزميلنا خالد كان شقيق خالدة، وكان في الدفعة التي سبقتنا، وكان خلوقاً طيباً .. وكانت خالدة كذلك.. واستمرت علاقتنا طيبة بالسفارة وبالسفير والموظفين والدبلماسيين الى أن وصلت الجرائد وفيها مقالي المذكور.. وبدأت المشاكل برفع تلك الجريدة بالتحديد وبقية الجرائد من الصالون.. منذ ذلك اليوم وإلى الأبد.. والذي لا أنساه أنني ذات يوم كنت أبحث في الرسائل الموجودة في دولاب في الصالون عن رسائل تخصني، وكان هذا معتاداً ونعرف مكان الرسائل فنأخذها بأنفسنا، وأثناء بحثي عن رسائل تخصني خرج السفير من أحد المكاتب فلمحته وهو يتجه صوب الباب فبدأ لي أنه قد ذهب، ولكنه بحركة عسكرية- إلى الخلف دور- وجدته واقفاً في باب الصالون، ودون أن يسلم قال لي بصوت صارم وبنهره: بتسوي شنو هنا؟ قلت له: أفتش عن رسائل تخصني! فقال لي: مين أذن ليك تفتش؟ قلت له: أصلنا متعودين ناخد رسائلنا من هنا.. تفاجأت تماماً بما حدث، ولكن أرجعته الى مقالي إياه.. ومنذ ذلك الحين خربت علاقتنا بالسفارة.. ثم بعد ذلك بعدة أيام أو عدة أسابيع لا أذكر أغلق باب الصالون دوننا، فكنا إذا أردنا انتظار الدخول لأحدهم ظللنا واقفين في الممرات حتى يؤذن لنا أو لا يؤذن لنا فننصرف..

    ثم ذات يوم وجدنا باب السفارة الخارجي- باب الحوش- مغلق في وجهنا، ولم يسمح لنا الحارس بالدخول، وقال لنا هذه تعليمات المسؤولين!! وأصبح النظام أن نكتب ورقة ونحن في الشارع ونسلمها للحارس فيدخلها للموظف المراد زيارته فيسمح لنا بالدخول او لا يسمح.. وأذكر أنني في مرة من المرات ظللت انتظر حتى كلت قدماي، فاضطررت للجلوس على الأرض أمام سور السفارة بجانب الباب، وحتى لا تتسخ ملابسي وضعت منديلي تحتي وجلست عليه.. وفي هذه الأثناء خرج من السفارة سودانيان عرفت انهما زائران رسميان قدما من السودان احدهما دكتور، وعلى ما أذكر كانا في زيارة للمغرب لتقييم الجامعات المغربية، أو ربما لغير ذلك، والشئ الذي أذكره انهما كانا شخصيات مرموقة في السودان، وربما كان أحدهم طبيب مشهور.. المهم عندما خرجا من السفارة ألقيا عليّ السلام، وكانت نظراتهما مليئة بالاستغراب كوني جالساً على الأرض خارج السفارة، وربما كانت نظراتهما فيها العتاب للسفارة..

    وبعد هذا المقال تعقدت مسألة المنحة القادمة من السودان، فصاروا في السفارة يعقدونها حتى عند وصولها إليهم.. وأذكر اننا ذهبنا ذات يوم ونحن مجموعة لنناقش الموضوع، فانتدبني الزملاء لمقابلة المسؤولين فاعتذرت لأنني حاد في النقاش وقد أخرب قضيتهم بسبب ذلك، ولأنني مغضوب عليه بسبب ذلك المقال، ولذلك وقع اختيارهم على طالبين او ثلاثة وربما أربعة أذكر منهم زميلنا عمر محمد صالح.. وصعدوا للتفاوض معهم، وعندما نزلوا من عندهم أفادوني- بلسان عمر محمد صالح- بأن المسؤولين في السفارة قد وعدوهم خيراً وأن المنحة ستصرف لهم قريباً.. وبالفعل صرفت لهم المنحة وكنت يومها في تطوان او في رحلة في الشمال، وعندما حضرت قالوا لي أنهم صرفوا منحتهم فذهبت الى السفارة لأخذ منحتي فقال لي الموظف: المنحة كملت! قلت له: هي نبق تكمل؟ مش جايه من السودان محددة لكل طالب؟ قال لي: انت كنت وين لما الطلاب صرفوا؟ قلت له كنت مسافر.. قال لي: خلاص حقك في رجليك – او شئ من هذا القبيل- ويبدو ان الجميع قصدوا تعقيد أموري بسبب هذا المقال..

    من تداعيات هذا الموضوع أنه سرت شائعات أن السفارة خصتني بمنحة دون سائر الطلاب، لا أدري من أطلق هذه الشائعة، فالذي حدث انني لم استلم منحتي مثل بقية الطلاب حينما رجعت من السفر فوجدت المنحة (كملت).. ومما زاد من قوة الإشاعة هو أنني كان لي حساب إدخار في البريد، وحينما تأزمت أموري المالية- مثل بقية الطلاب الباقين في المغرب في الإجازة- ذهبت للبريد لأسترد ما بقي من مدخراتي، فطلبت استرداد كل المتبقي، فقال لي الموظف إنني إذا أردت تصفية المدخرات فعلي ان اكتب طلب ولكن الاستلام يكون بعد اسبوع او عشرة ايام او شهر لا أذكر.. قلت له اريد الدراهم الآن، قال لي إذاً تأخذ جزء منها وتبقي الحد الأدنى، وعلى ما اذكر ان كل المتبقي كان كم وخمسين او كم وستين درهم.. المهم صرفت جزء من هذا المبلغ ومررت على السويقة فاشتريت سكر وشاي وعدس واشياء يمكن أن تكون قوت ضروري لقادمات الأيام العصيبة إذا لم نستلم المنحة القادمة من السودان، وأنا في السويقة وبعد شراء تلك الأشياء وجدت بعض زملائي في مقهى موريطانيا- المقهى المفضل للطلاب السودانيين وقتذاك والذي يقع في السويقة عند تقاطع شارع محمد الخامس مع السويقة- فرأوا ما أحمل من (خيرات) فرأيت في نظراتهم ذلك الاتهام بأنني اخذت منحتي من السفارة دونهم، فأردت نفي الشائعة بطريقة غير مباشرة فحكيت لهم ما حدث في البريد والنقاش الذي دار بيني وبين موظف البريد واضضراري لسحب جزء من المبلغ وليس كله، وأريتهم دفتر الإدخار وما صرفته منه اليوم وما تبقى لي فيه.. ولا أدري إن كانوا قد اقتنعوا أم لا، لكن الذي حدث بعد ذلك عندما رجعت من السفر ولقيت المنحة كملت أيد (روايتي) تلك..

    ما قلت ليكم أجمل الذكريات هي التي في أيام الجامعة بحلوها ومرها؟!!

    وادرك بن بطوطة الفجر الذي لاح.. فسكت عن الكلام المباح ...
    .. والحديث ذو صلة..
    إلى اللقاء في الحلقة القادمة بإذن الله
                  

08-21-2013, 11:47 AM

Mandingoo
<aMandingoo
تاريخ التسجيل: 09-28-2002
مجموع المشاركات: 2316

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: رحلات إبن بطوطة السوداني ما بين طنجة وجاكرتا (Re: Mandingoo)

    اكتب النص هنا الحلقة الخامسة والسبعين

    نواصل

    الأندلس

    قررت في الإجازة القصيرة في نهاية العام 1977م أن أزور الأندلس.. وتجربتي السابقة في زيارة مدريد مدتني بالعزيمة وقوّت الرغبة في زيارة بلاد الأجداد، فأعددت العدة وأخذت التأشيرة من السفارة الإسبانية في الرباط بكل سهولة وتسلحت بتلك الجمل والكلمات الاسبانية التي التقطتها في زيارتي السابقة لاسبانيا، وكذلك حفّظني أحمد محفوظ أخو صديقي مصطفى محفوظ حين مروري الى الأندلس عبر تطوان، بعض الجمل باللغة الاسبانية التي قد احتاجها هناك.. وسأترك مقالي المنشور بجريدة الصحافة الصادرة يوم الاثنين 13/7/1981م يتحدث عن تلك الرحلة:

    الفردوس المفقود

    الأندلس

    الجزيرة المسلمة وسط بحر الفرنجة الصاخب

    منذ ذلك اليوم الذي ألقى فيه الأستاذ في المدرسة الثانوية العامة قصيدة "فتح الأندلس" بدأت أحلم بالأندلس، تلك الجزيرة المسلمة وسط بحر الفرنجة الصاخب.. لابد أن يتحقق ذلك الحلم الذي بدأ في ذلك الزمان أشبه بغزو زحل، ولكنه الآن وأنا متوجه الى بلاد فاس يدنو رويداً رويدا.

    ووصلت بلاد مراكش وبدأت في تلقي العمل وتحصيله والحلم الجميل ينمو ويزهر، وحين ملأ عليّ نفسي تماماً كنت ساعتئذ قد جمعت شيئاً من الدراهم كنت اقتصدها من المنحة الدراسية.. وشددت الرحال الى حلمي الكبير، ولكن آثرت العبور من مدينة سبته تلك المدينة المغربية التي يرتفع عليها العلم الاسباني حتى الآن!

    من سبته هذه عبرنا مضيق جيل طارق بباخرة صغيرة الى مدينة الجزيرة الخضراء على التراب الاسباني.. هأنذا على آثار عقبة بن نافع وطارق بن زياد، ولكن هيهات هيهات ما بيني وبينهم، فهم هبطوا الجزيرة لينشروا دعوة الحق ولينيروا العقول والقلوب، وأما أنا فقد كنت فقط زائراً لبلاد الفرنجة لألقي نظرة على (آثار) الأجداد العرب! الجزيرة الخضراء هي أول بقعة نزل فيها أجدادنا الشجعان لينشروا النور في القارة المظلمة، وما زال الاسبان يسمون الجزيرة الخضراء (الخسيراس) وبقية الأوربيين يسمونها (الجسيراس) ويقصدون (الجزيرات).

    من الجزيرة الخضراء ركبت الحافلة الى ملقه إحدى مدن الأندلس ذات الآثار الإسلامية الباقية.. مررت بها سريعاً ثم توجهت الى غرناطه.

    *****

    غرناطة

    ذلك هو الحلم.. غرناطة.. دخلتها بالليل، وفي نزل صغير قرب محطة القطار قضيت الليل ناشداً الصباح لاتصبح بآثار الأجداد، وعند الشروق استفسرت من صاحبة النزل عن موقع قصر الحمراء فدلتني بواسطة خرائط كتاب السياحة على ضالتي، وقلبي يخفق توجهت الى قصر الحمراء، وكان في مخيلتي صوراً باهتة عن تلك الآثار، وكنت أظنها خرابات وأحجار وأعمدة عارية، ولكني فوجئت بها وكأنها قد خلت من ساكنيها بالأمس فقط.

    (ولا غالب إلا الله).. عبارة منحوتة فوق مدخل قصر الحمراء، وقفت أمامها طويلاً أتاملها في أناة وخشوع ممزوجتان بدمع ترقرق في عيني.. ربما بسبب هيبة المكان وربما بسبب عظمة القرآن.. ولجلال الموقف برمته.. أفي أوروبا أجد هذا مكتوباً؟ لم يخطر لي على بال من قبل.

    وخطوت الى الداخل، إلى قاعة فسيحة الأرجاء عالية الجدران منقوشة جميعها بآي الذكر الحكيم (وما بكم من نعمة فمن الله)، (قل أعوذ برب الفلق)، ومدح للملوك (عز لمولانا الملك المجاهد أبو الحجاج عز نصره)، (عز لمولانا السلطان الملك السلطان المجاهد)، (تبارك من ولاكم أمر عباده فأولى بك الإسلام معلا وأنعما)، (ولا عجب فأنت الشهب في العلى وأرجاؤه فيها المدى المتناهيا).

    الحضارة العربية.

    ودلفت الى قاعة أخرى أروع وأعظم، وتطلعت الى السقف.. مستحيل أن يكون العرب هم أصحاب هذا الإبداع، فمعاشرة هذا العصر لم تقل لي أن العرب يستطيعون أن يفعلوا ذلك.. ودار برأسي تساؤل: لم لا يكون العرب الآن بمثل هذه العظمة؟ عرفت الإجابة بعد تطوفي ببقية تلك البقاع..

    ما أروع هذه الأسود التي تتوسط تلك الباحة! إنها إثنتي عشر اسداً تصب المياه من أفواهها.. ما قصتها يا ترى؟ عرفت أنها كانت ساعة.. وكانت مضبوطة جداً وطريقة عملها متقنة، أما سرها فعلمه عند الله.. أما طريقة عملها فكانت كالآتي:

    عند الساعة الواحدة تماماً يكون الماء مندفعاً من فم الأسد الأول فقط ويكون في قمة الإندفاع، وبعد دقائق من هذا الإندفاع يبدأ الأسد الذي يليه بصب الماء أيضاً وفي منتصف الواحدة يتساوى إندفاع الماء من الأسدين ثم يبدأ إندفاع الماء من الأول في التناقص ليزيد بنفس المعدل إندفاع الماء من الثاني، وفي تمام الساعة الثانية يتوقف إندفاع الماء من الأسد الأول تماماً ويكون في قمته من الأسد الثاني الذي يقل ماؤه بعد الدقيقة الأولى ليبتدئ الأسد الثالث في صب الماء، وهكذا.. فن.. إبداع.. حضارة، وأين أنتم يا عرب اليوم من عرب الأمس؟ أفيقوا.. استجوبوا التاريخ في غرناطة واعلموا أن أجدادكم كانوا أقوياء لأنهم مؤمنين.. كانت لهم حضارة لأنهم كانوا نزيهين.. وعندما أفل الإيمان وولت النزاهة وانغمسوا- أقصد أحفاد الفاتحين الأوائل- في اللهو والمجون كنتيجة للإستغلال السيئ للنعيم الذي ورثوه، وأضاعوا الحضارة وأضاعوا الأندلس وطُرِدوا منها، وفقدوا الفردوس!!

    وادرك بن بطوطة الفجر الذي لاح.. فسكت عن الكلام المباح ...
    .. والحديث ذو صلة..
    إلى اللقاء في الحلقة القادمة بإذن الله
                  

08-22-2013, 11:43 AM

Mandingoo
<aMandingoo
تاريخ التسجيل: 09-28-2002
مجموع المشاركات: 2316

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: رحلات إبن بطوطة السوداني ما بين طنجة وجاكرتا (Re: Mandingoo)

    الحلقة السادسة والسبعين

    نواصل

    الأندلس 2

    نواصل مقالي بجريدة الصحافة

    وندخل الى الحمامات، ما أجملها من حمامات، طريقة بناؤها الهندسية أعجز تماماً عن وصفها، فمثل هذا الإبداع لا يوصف بل يُتذوق.. ونمضي الى قاعة فسيحة على شكل قبة (مثل نصف الكرة المقلوب) وأغرب مافي تلك القبة هو أنه حينما تقف لصق الجدار وتتكلم أو تهمس بحيث لا يسمعك الذي يقف بجوارك يسمعك الذي يقف لصق الجدار من الناحية الأخرى اي في نهاية القطر الذي يبدأ من عندك.. يسمعك بوضوح رغم بعد المسافة بينكما، وعلى ما يبدو فإن الجدار هو الذي ينقل ذلك الصوت، ولكن كيف؟ لست أدري.. كل الذي أدريه أن أجدادي كانوا أذكياء وكانوا فنانين..

    Andalus002.jpg Hosting at Sudaneseonline.com

    صورة لباحة في قصر الحمراء.. الصورة التقطها آرون قرين.. الصديق الأمريكي الذي تعرفت عليه هناك.. وأرسلها لي من أمريكا بعد عودته اليها..

    وهناك تلك القاعات ذات القباب المزخرفة والمنقوشة بدقة.. ومركز القبة يقاصد تماماً فوهة النافورة التي تتوسط ارض القاعة.

    Andalus003.jpg Hosting at Sudaneseonline.com

    صورة لشخصي وبجانبي ميري قرين - قرينة المصور- على يمين الصورة.. ونحن في باحة في قصر الحمراء أقرأ لميري المكتوب على الجدران وأترجمه لها.. الصورة التقطها آرون قرين

    ومجموعة الأعمدة المنقوشة في غاية الإبداع، وذلك الغدير الصناعي الذي يوجد في فناء القصر والذي تقف في أركانه الأربعة أسود أربعة تتدفق من أفواهها المياه الى الغدير، تقف شاهدة على أمجاد العرب وعلى رغد العيش الذي كان يعيشه الأندلسيون.. وما أبهى بهو الشقيقتين!

    Andalus001.jpg Hosting at Sudaneseonline.com

    صورة لشخصي جالس على نافذة في قصر الحمراء تطل على فناء القصر حيث تبدو الحدائق الغناء.. الصورة التقطها لي آرون قرين.. الصديق الأمريكي الذي تعرفت عليه هناك..

    وهذه صورة أخرى لشخصي وأنا أقف أمام إبداع أجدادي الأندلسيين في قصر الحمراء

    Andalus004.jpg Hosting at Sudaneseonline.com


    جنات العريف

    لو أراد أحدكم أن يرى جنة على الأرض فأدله على (جنات العريف) التي يسميها الإفرنج (جنراليف).. حدائق غناء وجداول تجري بالماء العذب وأشجار باسقة وظلال مورفة وأدراج تقود من جزء في الجنة الى جزء آخر.. تنتقل من أسفل الجنة إلى أعلاها بالدرج الذي تنحدر المياه على حوافه.. وأنت صاعد أو هابط على الدرج ينحدر الماء على يمينك وعلى يسارك.. تلك النافورات وهذه الغابة و.. ما أروع الطبيعة ويا لسحرها في غرناطة.

    ولقد حافظ الاسبان على هذه الجنة وعلى غيرها من الآثار لجذب السياح من مختلف ارجاء الأرض- عدا الوطن العربي- لأنني وطيلة تجوالي في بلاد الأندلس كافة لم أصادف إلا أسرة عربية واحدة- عراقية- أما بقية السواح الذين جاءوا من أصقاع الدنيا ليشاهدوا آثار أجدادنا فقد كان جلهم من الولايات المتحدة واليابان، من فرنسا وانجلترا وتايوان.. إذاً فأين العرب؟ لابد انهم يستمتعون بدراهمهم في باريس ولندن وواشنطن حيث المدن الحديثة واللهو والمتعة.. لا.. يجب ان تأتوا الى هنا لتعرفوا ماذا كان العرب وكيف أصبحوا بعد ان اتبعوا أهواءهم وانغمسوا في اللذات، وليس أدل على ذلك من قصة ذلك الملك الذي كان يسمر ويسكر فجاءه الناعي إليه ينعى سقوط طليلطه باضطراب وفزع، فما كان من هذا الملك إلا أن قال له "ثكلتك أمك، ظننتك جئت لتقول لي أن دن الخمر قد إنكسر فتقول لي أن طليلطة قد سقطت؟"

    كان دن الخمر أهم عنده من طليطلة، ولكنه دفع الثمن غالياً فقد طُرد والى غير رجعة من الأندلس.. فيا ناطقي الضاد ويا مسلمي الأرض زوروا فردوسكم المفقود عساكم تعتبروا، وقليل من المال يكفي في هذه البلاد، فهي رخيصة جداً أرخص مما تظنون..

    أبراج الحراسة

    ويحيط بقصر الحمراء مجموعة أبراج عالية تحرس المدينة وأعلاها وأكبرها ذلك البرج الذي يسمى "القصبة" فهو لمراقبة المدينة من الغرق وكذلك لمراقبة الري والحياض، ويطل هذا البرج من جهة على حي "البياسين" وربما عنت هذه الكلمة البائسين وربما البيتين، وحي البياسين حي عربي لم يتغير مع الزمن وسقوف منازله حمراء محدودبة وجدرانها مصبوغة بطلاء أبيض ناصع نصوع الثلج في قمم "سيرا نيبادا" التي تحيط بغرناطة، وعلى سفوح هذه الجبال يمارس الاسبان والسياح رياضة التزحلق على الجليد، ومن القصر يمتد سور قديم الى حي "السكرمنتو" وهو الحي الذي يسكنه الغجر.. هذا السور كان من ضمن الأسوار التي تحمي غرناطة العربية.

    وحي السكرمنتو يوجد على مسافة من قصر الحمراء على مرتفع صغير، أما الحمراء نفسها فتوجد على هضبة عالية، ومن المرتفعات التي تحيط بغرناطة ينحدر نهر "حدرة" ويسميه الاسبان "داروا" وهو الآن يجري تحت أرض المدينة حينما يدخلها.

    عند الخروج من قصر الحمراء تجد مطبوعات معروضة للبيع أهمها ذلك المطبوع الكبير الذي يحمل اسم الحمراء وجنة العريف، ويحتوي المطبوع على صور ملونة كبيرة الحجم للحمراء وجنة العريف، وهناك مطبوع آخر يسمى "الحمراء" وهو مؤلف يحكي تاريخ غرناطة ووصف دقيق لها مع بعض الصور الملونة، وكل هذه المطبوعات تجدها منسوخة بكل اللغات الحية عدا العربية! ولمن يطبعونها بالعربية؟ فالعرب لا يأتون إلى هنا!!

    وقضية اللغة تذكرني بسؤال طريف ألقته عليّ إمرأة أمريكية حينما رأتني مندمجاً في كتابة ما خُط على الجدران في مذكرتي؛ قالت لي: هل تستطيع أن تقرأ هذا؟ وعندما أجبتها بالإيجاب أردفت قائلة: وكيف تقرأه وهو مكتوب قبل قرون عديدة؟ قلت لها إن هذه اللغة المكتوبة هنا هي نفسها التي نستعملها اليوم، فارتسمت الدهشة على وجهها وعبرت عنها بقولها : "مدهش!".. وكنت فخوراً جداً وأنا أترجم وأشرح الكتابة التي على الجدران حتى حسبني الكثيرون مرشداً سياحياً، وكنت أجتهد في تعريف الأجانب بماضينا التليد..

    تلك هي غرناطة الجميلة بآثارها العربية الإسلامية، بل بعروبتها.. الناس هنا دماؤهم عربية.. نساؤهم سود العيون، سود الشعر، وكثير من مفردات لغتهم عربية مثل زيتون ووادي وثور..

    وادرك بن بطوطة الفجر الذي لاح.. فسكت عن الكلام المباح ...
    .. والحديث ذو صلة..
    إلى اللقاء في الحلقة القادمة بإذن الله
                  

08-26-2013, 12:28 PM

Mandingoo
<aMandingoo
تاريخ التسجيل: 09-28-2002
مجموع المشاركات: 2316

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: رحلات إبن بطوطة السوداني ما بين طنجة وجاكرتا (Re: Mandingoo)

    الحلقة السابعة والسبعين

    نواصل مقالي بجريدة الصحافة

    الأندلس 3

    قرطبة الفيحاء

    من غرناطة الرائعة ركبت القطار الى قرطبة الفيحاء التي تقع على نهر "قـوادي الكيفير" وهي تحريف أعجمي لكلمتي "الوادي الكبير"، والوادي الكبير تصل بين ضفتيه قنطرة قيل أن الرومان القدامى هم الذين بنوها، ثم جاء العرب المسلمون فجددوها، ومازالت معبراً حتى اللحظة، وقد عبرتها راجلاً، وأهم أثر عربي مسلم في قرطبة هو مسجدها الأعظم، وحقاً إنه أعظم فهو أضخم مسجد في زمانه، وأضخم مسجد في أوروبا اليوم، وقد حاول الإفرنج أن يحولوه الى كنيسة فلم يستطيعوا لضخامته، كل الذي فعلوه أنهم أقاموا داخله عدة كنائس، أما بقية المسجد الأوسع فبقيت كما هي شاهداً على أن الإسلام قد دخل هذه المدينة يوماً وكان له شأن فيها.

    وفي باحة المسجد توجد نافورة وسط حوض مائي كبير وتتراص أشجار البرتقال في صفوف منتظمة، وندخل الى المسجد بـ "تذكرة"! فنشاهد هذا العدد الضخم من الأعمدة البديعة الصنع والتلوين، ونقترب من المحراب فنجد فن النقش يتمثل فوق المحراب بديعاً رائعاً: آيات من الذكر الحكيم حول باب المحراب، وداخل المحراب أيضاً، وسقف المحراب يبدو على شكل صدفة بحرية (shell) بيضاء مصنوعة على ما يبدو من الجبس، وكان أن سألتني إحدى السائحات الناطقات بالإنجليزية عن ما تعنيه (الصدفة shell ) بالنسبة للمسلمين، وهل لها دلالة تعبدية معينة؟ فأجبتها بالنفي، وأضفت أنه ربما وضعت هنا للزينة فقط (ديكور).

    وفي واجهة المصلى على الجدار توجد آيات من القرآن كتبت بالفسيفساء والزجاج الملون، أما مئذنة المسجد الأعظم فقد علقت فيها الأجراس لتقرع أيام الآحاد والمناسبات الدينية المسيحية.. والشئ المؤلم حقاً هو رؤية غير المسلمين وهم يطأون المسجد والمحراب بأحذيتهم.. متى يعود هذا المسجد مسجداً للصلاة فيه بدلاً أن يكون مزاراً سياحياً؟

    من مسجد قرطبة الأعظم انتقلت الى "القصر" وكما علمت فإنه روماني الأصل ثم جاء المسلمون فجددوه وعمروه وأطلقوا عليه هذه التسمية "القصر" التي ما زالت سارية حتى الآن.. وبعد العرب جاء النصارى ثم أصبح الآن من الآثار التي تزار.. والقصر فسيح الأرجاء وغرفه مبنية بهندسة عجيبة حقاً.. بعض من الغرف يصلها بالبعض الآخر سلم معلق! وبالقصر حديقة كبيرة تتوسطها بحيرة صناعية، وهنا يقل النقش والكتابة العربية لحد كبير ويطغى الطابع الأوروبي.

    وحول منطقة المسجد و"القصر" توجد الدور العربية ا لتي تزين مداخلها وجدرانها النقوش العربية.. ترى أين كان يلاقي بن زيدون حبيبته ولادة بنت المستكفي؟ أفي هذه الدار أم تلك؟ أفي هذا الدرب أم ذاك؟ لابد أنه كان يستلهم الشعر وهو في هذا المكان من الشاطئ يتأمل مياه "الوادي الكبير" ويقرض الشعر في "ولادته":

    يا أخا البدر سناء وسنى * رحم الله زماناً أطلعك
    إن يكن قد طال ليلي * فلكم بتُ أشكو قصر الليل معك

    اشبيلية

    بسيارة خاصة لأصدقاء استراليين تعرفت عليهم هناك سافرت الى اشبيلية الشهيرة برقصة "الفلامينكو"، وبالفتيات ذوات الملابس الاشبيلية المميزة والوردة التي على الشعر، وتلك العربات التي تجرها الدواب.. طابع تقليدي جميل.. والأثر الإسلامي الواضح هنا هو صومعة "الخيرالدا" تلك الصومعة (المئذنة) التي بناها ذلك الملك المغربي المرابطي أو الموحدي لا أذكر، وهو نفسه الذي بنى صومعة حسان في الرباط وصومعة الكتبية في مراكش.. وهذه الصوامع (المآذن) الثلاث تشبه بعضها شبهاً يؤكد أن بانيها واحد..

    وقطعنا "تذكرة" للصعود الى تلك المئذنة العملاقة، وبعد جهد وصلنا الى القمة.. ترى هل كان المؤذن يصعد كل تلك الدرجات وفي كل وقت صلاة ليؤذن في المسلمين الذين كانوا يسكنون اشبيلية؟ وفي أعلى المئذنة هاجت بي الشجون، ودون إدراك مني لنفسي وجدتني أؤذن بصوت خفيض.. ولكن لمن أؤذن غير نفسي؟ فلا أحد هنا يفقه ما أقول.. اللهم أعد مجدها ومجد الإسلام.. وأما المسجد الذي كانت تلحق به الصومعة فقد هُدم وحُوّل الى كاتدرائية!!

    في وسط اشبيلية توجد كاتدرائية كبيرة بها ساحة واسعة، وفي هذه الساحة وعلى طول جدران الكاتدرائية الخارجية توجد مجموعة من اللوحات القديمة المصنوعة من السيراميك، إحدى هذه اللوحات تمثل الملك العربي راكعاً وهو يسلم مفتاح مدينته الى الملك الإفرنجي.. صورة ما أقسى وقعها على نفسي.. الجنود المسلمون يخرجون من بوابة المدينة ذات الأسوار العالية والجنود الإفرنج يتسلمون مفتاح المدينة ليدخلوها منتصرين.. ودالت دولة العرب والمسلمين في اسبانيا، وفي أوروبا..

    وفارقت الأندلس وفي نفسي خليط من المشاعر والأحاسيس.. مشاعر الفرح والسعادة وأنا أتجول بين آثار الأجداد، ومشاعر حزن طاغية وأنا أدرك أن كل ما للإسلام هنا لا يعدو أن يكون أثراً، ربما طيباً يؤكد ماضينا التليد، وربما موجعاً يذكر بحاضرنا المخجل..

    وادرك بن بطوطة الفجر الذي لاح.. فسكت عن الكلام المباح ...
    .. والحديث ذو صلة..
    إلى اللقاء في الحلقة القادمة بإذن الله
                  

08-27-2013, 04:28 PM

Mandingoo
<aMandingoo
تاريخ التسجيل: 09-28-2002
مجموع المشاركات: 2316

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: رحلات إبن بطوطة السوداني ما بين طنجة وجاكرتا (Re: Mandingoo)


    الحلقة الثامنة والسبعين

    الأندلس 4

    نواصل

    إليكم صورة لجزء من المقال أعلاه والمنشور بجريدة الصحافة بتاريخ 13/7/1981م، ودعوني أعيد سرد الرحلة مرة أخرى بتفاصيل غير تلك التي جاءت بالجريدة، فالحيز المتاح في الجريدة والقراء قد لا تسمح بنشر كل شئ..

    Alandalus001.jpg Hosting at Sudaneseonline.com


    تحركت من الرباط الى تطوان ونزلت ضيفاً على أصدقائي مصطفى محفوظ وأسرته حيث بقيت معهم يومين او ثلاثة، ومنها عبر التاكسي على ما أذكر الى مدينة سبته، وكان ذلك في الأسبوع الأخير من عام 1977م يوم 23 أو 24 ديسمبر.. وفي رحلتي هذه الى اسبانيا آثرت العبور من مدينة سبته تلك المدينة المغربية التي يرتفع عليها العلم الاسباني حتى الآن! وفي مدخل مدينة سبته التي وصلنا إليها من حدود المغرب عبر بوابة جمارك، حيث تصل إليها الحافلات المغربية ونترجل حيث نجتاز مكتب الجوازات والجمارك المغربي أولاً، وأذكر انني قدمت جوازي وشنطتي لموظف الجمارك، فلم يدقق معي كثيراً، ثم تفرغ للمغاربة الذين كانوا معي وتعرفت عليهم في البص، وربما كان منهم طنجاوي صاحب المطعم الصغير امام الحي الجامعي مولاي اسماعيل حيث كنا نشتري منه سندوتشات الكفتة، ووجدته في هذه الرحلة مسافراً- وربما مهاجراً – الى اوروبا، وربما اختلط عليّ الزمان والمكان فكان هذا الطنجاوي في رحلتي السابقة الى مدريد عبر طنجة ..



    لا.. الآن تذكرت، لم يكن معي في رحلة طنجة ، بل كان معنا في هذه الرحلة.. المهم أن ضابط الجمارك قال لي – بعد ان لاحظ أنني ما زلت واقفاً رغم انتهائه من فحص حقائبي وجوازي- قال لي: خلاص روح، قلت: له انا انتظر هؤلاء، واشرت الى اصحابي المغاربة، فقال لي: هؤلاء معك؟ فأجبته بالإيجاب، فقال لي: خصنا نقلبك، وترجمتها: كان كدي نفتشك.. اي ما دام هؤلاء المغاربة معك فلابد أن يكونوا قد اعطوك دراهمهم لتمررها لهم عبر الجمارك.. فضحكت، ولكني خفت في نفس الوقت.. والسبب أنني كنت أضع بعض العملة الورقية في شعري! نعم.. كان شعري خنفس وغزير وطويل، فقلت لزملائي المغاربة- قبل أن نصل لموظف الجمارك- انني يمكنني ان أهرب العملة في شعري هكذا.. فبرمت الورقة حتى صارت كعود النالة وأدخلتها في شعري الكثيف فاختفت.. ثم نسيت الورقة في شعري، لذا خفت اذا نفذ كلامه وفتشني تفتيشاً دقيقاً كما كان يفتش المغاربة فحتماً كان سيجد الدولارات في شعري، وحينها لن يصدق انني وضعتها على سبيل التجربة والونسة.. وقد ذكر لي طنجاوي أن ضابط الجمارك قال له بعد ان فتشه تفتيشاً دقيقاً ولم يجد معه عملة، قال له أنه لا يمكن ان تكون مسافراً لأوروبا وليس معك عملة، قال لي الطنجاوي أنه أجابه بأنه ذاهب الى اوروبا لجلب المال وليس لانفاقه.. وكان هذا كلاماً منطقياً ولكن كلاهما ضابط الجوازات والطنجاوي يعلمان أنه يحمل عملة ما في مكان ما.. المهم في الأمر أن ضابط الجوازات قال هذا الكلام (خصنا نقلبك) ثم تركنا نذهب ..

    ثم مشينا خطوات قليلة لنصل الى ضابط الجوازات الاسباني الذي سيختم على جوازاتنا ختم دخول اسبانيا- ونحن ما زلنا في القارة الإفريقية وفي التراب المغربي- وأتذكر أنهم بدأوا يتكملون بلغتهم عني، ثم مسك أحدهم يدي وصار يمرر يده على ساعدي كأنه يتحسس جلدي ليثبت ما كان يقوله لزملائه، فتذكرت ما قاله لي ذات مرة زميل دراستي في المغرب محمد أبكر ابراهيم عن الانجليزيات عندما كن يتحسسن أيادي خالاته أثناء زيارتهن للندن ويبدين اعجابهن بنعومة أجساد السودانيات، وبالفعل فالنساء والرجال الأوربيون بشرتهم خشنة ومشعرة في الجنسين، لذلك فإنهم يستغربون من بشرة السود ونعومتها..

    وندخل سبته- وتنطق باللغات الأوروبية (سوتا)- ونجد ان جل سكانها من المغاربة والبقية اسبان.. وقد تجولت في مدينة سبتة قليلاً، ووضعت شنطتي في مقهى يملكه مغربي، وعلى ما أذكر دلني عليه الطنجاوي، وفي نفس المقهى يتم تغيير العملة المغربية الى بيزيتا اسبانية.. ومدينة سبته صغيرة ولكنها جميلة ومتحضرة نسبياً عن مدن المغرب.. ولم تكن غالية، فالمشروبات كالشاي والقهوة أثمانها كما في المغرب.. وبعد التجوال واكتشاف ما استطعنا اكتشافه من معالم سبته ركبنا الباخرة المتوجهة الى الجزيرة الخضراء، ولم تكن المسافة من سبتة إليها كبيرة، بل عبرنا المضيق في ساعة واحدة فقط- من طنجة كانت الرحلة ثلاث ساعات- وهبطنا في الجزيرة الخضراء، ولم أبق فيها غير وقت انتظار الحافلة، ثم من الجزيرة الخضراء ركبت الحافلة الى ملقه إحدى مدن الأندلس ذات الآثار الإسلامية الباقية.. مررت بها سريعاً ثم توجهت الى غرناطه..

    وادرك بن بطوطة الفجر الذي لاح.. فسكت عن الكلام المباح ...
    .. والحديث ذو صلة..
    إلى اللقاء في الحلقة القادمة بإذن الله
                  

08-28-2013, 02:26 PM

Mandingoo
<aMandingoo
تاريخ التسجيل: 09-28-2002
مجموع المشاركات: 2316

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: رحلات إبن بطوطة السوداني ما بين طنجة وجاكرتا (Re: Mandingoo)


    الحلقة التاسعة والسبعين

    نواصل

    الأندلس 5

    لا أذكر هل استبدلت الحافلة بالقطار في ملقة او في مكان آخر، لكن الذي أذكره أنني وصلت غرناطة بالقطار، وأول ما خرجت من محطة القطار وجدت أمامي عبر الساحة فندق صغير أو قل نزل (بنسيون)، فذهبت إليه واستأجرت فيه غرفة، وعلى ما أذكر لم تكن غالية على ميزانية طالب.. وكانت صاحبة النزل تديره ومعها أولادها الصغار منهم صبية في أواسط سني المراهقة وأخرى صغيرة لم تبلغ العاشرة، وكانوا دائماً معها في استقبال الفندق.. أعطوني مفتاح الغرفة فصعدت إليها ونمت، وفي الصباح الباكر سألت صاحبة النزل عن موقع قصر الحمراء، فأعطتني خريطة فذهبت راجلاً، وكان الطريق جميلاً والأشجار تزينه ووصلت الى قصر الحمراء وتجولت في جنباته وغرفه وقاعاته وكنت استصحب معي دفتري لكي اسجل ما أراه، فقد أخذ موظفو الجمارك الاسبان كاميرتي، وكان قد نبهني زميلي المغربي بأن أخفي الكاميرا التي كنت أعلقها على صدري، فقلت له انها كاميرا عادية ولا أعتقد انهم سيتكلمون عنها.. ولكن خاب ظني فقد أشار إليها موظف الجمارك قائلاً: (la paree) أي أعطني هذه الكاميرا.. فخيروني بين أن ادفع جماركها او أتركها امانة عندهم لحين رجوعي للمغرب.. وبما أنني أوفر كل درهم وبيزيتا لهذه الرحلة فتركت الكاميرا لديهم واعطوني ورقة بموجبها استردها حين مغادرتي لاسبانيا..

    وكنت قد نسيت قلمي في النزل، لذا عندما رأيت أحدهم يضع قلماً في جيبه أشرت إلى القلم في جيبه- دون أن أتكلم- فأعطاني إياه، وكنت أظن أنه لا يتكلم الانجليزية، ولكن عندما سمعته يتكلم مع زوجته بالانجليزية فرحت، ففي هذا المكان من يتكلم بالانجليزية يكون كمن يتكلم معك بلغة بلدك.. فقلت له هل تتكلم الانجليزية فقال نعم، فسألته من أين هو فقال انه من امريكا، من شيكاقو بالتحديد ويعمل مدير الإحصاء في مستشفى شيكاقو، و.. أنه يهودي! ويبدو أنني صدمت وظهر ذلك على محياي، والدليل أنه قال لي بعد ردة الفعل تلك: Don’t be complex فاستدركت بسرعة وطرحت وجهي وابتسمت وقلت له ما معناه: لا.. لاشئ، لا شئ.. أي أنني لم (أتعقد ولا حاجة).. ويبدو أن الصدمة جاءت من كوني لم ألتق يهودياً من قبل!

    بدأت أكتب ما كان على الجدران والأبواب من شعر وآيات قرآنية تزين غرف وقاعات قصر الحمراء.. وعرف هذا الأمريكي اليهودي من نقلي لما هو مكتوب في جدران القصر انني عربي، ومسلم، فبدأ يناقشني في بعض الأمور الخاصة بالقضية الفلسطينية، والعبارة التي أذكرها من ذلك الحوار والتي قالها لي: وهل ترمي اسرائيل في البحر؟ ويبدو ان هذه العبارة جاءت بعد أن قلت له أن اسرائيل اغتصبت أرض فلسطين.. المهم الخواجه السبعيني الذي اخذت منه القلم تجول ثم رجع لي فلما انتبهت له حسبته جاء ليسترد قلمه، لكنه قال لي welcome for the pen يعني خليتو ليك، فشكرته، ثم ذهب وعاد بعد دقائق وقال لي أنه يريد أن يعزمني على العشاء، لأنه يريد ان يتناقش معي أكثر.. فوافقت على دعوته، فقال لي نلتقي الساعة الثامنة مساء في وسط غرناطة في ساحة معروفة سماها لي.. ثم ذهب، وبقيت اتجول ما بين قصر الحمراء وبهو الأسود والساعة المائية ذات الأسود الاثنتي عشر، وجنة العريف التي ما رأيت أجمل منها..

    كما أسلفت في مقالي المنشور بجريدة الصحافة، فقد كان السائحون يستغربون كتابتي لما في الجدران ويسألونني هل استطيع قراءة وكتابة تلك المدونة هنا منذ ألف عام؟ وعندما اجبتهم بالإيجاب استغربوا وصرت اشرح لهم المكتوب، وأذكر انني اثناء شرحي لمجموعة منهم وجه احدهم الكاميرا ليلتقط لي صورة قائلاً: لنصور المرشد.. يقصد المرشد السياحي، فأحسست بأنني ذا شأن هنا رغم انني لا آخذ أجراً على ذلك، بل افتخاري بأني حفيد هؤلاء الذين تركوا هذا الأثر العجيب في اوروبا.. وقد لاحظت أن إحدى الأسر تتكون من رجل وإمرأة وفتاة شابة ربما لا تتجاوز الخمسة عشر عاماً، والذي لفت نظري ان كل المجموعات من السياح يكون عددها كبيراً ومعهم مرشد سياحي، ولكن هذه الأسرة لها مرشد خاص بها..

    يبدو ان الفتاة أعجبت بذلك الأسمر الذي يقرأ ويكتب تلك اللغة المكتوبة منذ ألف عام، فتعرفت بي وعرفتني بنفسها، وهي ايضاً امريكية، وقد لاحظت من الزي الذي تلبسه هي والذي يلبسه والدها ووالدتها أنهما إما دبلماسيين او من علية القوم، فزيهم شبه رسمي، وحتى هي تلبس ذلك الفستان الطويل الذي يذكرني بالأفلام الأمريكية الكلاسيكية.. هذه الفتاة صارت كلما ذهبت الى قاعة او الى بهو أجدها بقربي، تترك والديها والمرشد وتأتي لتقف معي ونتحدث، وتتجاهل نداء والديها لها، حتى وفي مرة نادتها أمها وبررت ذلك بأن تأتي لكي لا يفوتها شرح المرشد.. فذهبت، ولكن ليس فوراً.. وقد التقيتها مرة أخرى في أعلى القصبة التي تبعد مسافة طويلة عن قصر الحمراء، وكنت أطل من أعلى القصبة الى تحت حيث تبدو مدينة غرناطة والمزارع.. وفجأة أجد من يناديني بإسمي من خلفي، فالتفت فإذا بتلك الفتاة الأمريكية الجميلة تقف خلفي وتسلم علي وتقول ما معناه ها نحن قد التقينا ثانية..

    وادرك بن بطوطة الفجر الذي لاح.. فسكت عن الكلام المباح ...
    .. والحديث ذو صلة..
    إلى اللقاء في الحلقة القادمة بإذن الله
                  

08-29-2013, 10:12 AM

Mandingoo
<aMandingoo
تاريخ التسجيل: 09-28-2002
مجموع المشاركات: 2316

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: رحلات إبن بطوطة السوداني ما بين طنجة وجاكرتا (Re: Mandingoo)


    الحلقة الثمانون

    نواصل

    الأندلس 6

    أيضاً وقفت معي طويلاً فوق سطح القصبة- وهي أكبر وأعلى أبراج الحراسة المذكورة آنفا- وتأملنا المزارع وقنوات الري تحتنا والبيوت العتيقة محدودبة الأسطح، وعلى البعد تأملنا سلسلة جبال سيرا نيبادا المغطاة بالثلوج.. كانت لحظات رومانسية رائعة.. فتى من وادي النيل تؤانسه فتاة من بلاد العم سام على سطح أثر من آثار الأجداد في الأندلس، في القارة العجوز الجميلة الراقية.. ثم استدعاها والداها فذهبت معهم..

    طبعاً صليت الظهر والعصر جمعا وقصرا في قصر الحمراء.. ثم واصلت تجولي حتى المغيب، فخرجت من القصر وعند موقف السيارات استوقفني زوج خواجات في منتصف العمر، وسلما علي، وسألاني من أين أنا فأخبرتهم، وسألتهم هل تعرفون السودان قالا نعم، ومن أين أنتما قالا من أمريكا- كاليفورنيا- وقد لاحظت ان الأمريكان ودودون جداً وانهم ميالون للتعارف أكثر من غيرهم، ويجيدون الدخول إليك بكلمات بسيطة وبأريحية وبثقة، ويبدو أن تنوع الأعراق والألوان في امريكا يجعلهم متعودين على الأفارقة وغيرهم، دون الأوربيين الذين قد لا يلتقون بأفارقة كثيراً- باستثناء بريطانيا وفرنسا ذات التواجد الكبير من الأفارقة والجامايكيين- فكل الذين تعرفوا عليّ، او بالأصح بادروا بالتعرف عليّ، هم من الأمريكيين.. سألت هذا الزوج- واسمه آرون قرين- من أين في كاليفورنيا قالوا من سان فرانسسكو، قلت لهم إن خالي- عبد الغفار الحاج سعيد- يدرس الدكتوراة في كاليفورنيا- لوس انجلز وفي مدينة ريفر سايد بالتحديد، فوعداني أن يتصلا به حين رجوعهما لأمريكا ويخبرانه بلقائنا هذا..

    رغم أن لغتي الانجليزية لا بأس بها، ولكني أحسست أنهم جاملوني حينما قالوا لي أن لغتك الانجليزية جيدة (فيما بعد أرسلت لي ميري قرين كتابها الذي عنوانه: "كيف يمكن أن تسافر حول العالم وتكون رحلتك مدفوعة" وفيه ذكرت أنها حينما تقابل شخص ليست لغته الانجليزية ويتكلم معها بالانجليزية فإنها تشجعه بأن تقول له إن لغتك الانجليزية جيدة.. لذا بعد قراءة كتابها فيما بعد تأكدت من أنهما كانا يجاملانني..)

    كنا نتونس ونحن في موقف السيارات، وهما يتكآن على سيارة، فيأتي صاحبها، فيتحولان إلى أخرى، ثم يأتي صاحب هذه فيتحولان إلى ثالثة، فعلقا على ذلك، وقد لاحظت أن أصحاب السيارات كانوا يتعاملون برقة مع المتكيئ على سيارته.. ورويداً رويداً بدأ الموقف يخلو من السيارات، وبدأ المكان يتسم بالهدوء لقلة المارة حيث بدأ الغروب يغطي المنطقة بظلاله.. ونظرت الى ساعتي فوجدت أن موعدي مع الأمريكان اليهود قد اقترب، فاستأذنت من هذا الزوج الظريف وانطلقت عبر شوارع غرناطة وازقتها الهادئة الخالية من البشر وكأنني أعيش فيها منذ زمن، ويبدو أن منطقة قصر الحمراء كانت في هضبة او مرتفع، فالشوارع منها الى وسط المدينة تنحدر بصورة واضحة، بل وأحياناً أحس أن ركبي تتيبس لانثنائهما بزاوية للمحافظة على توازني، إذ كنت أمشي وأنا منكب على وجهي، وأحياناً أجري لأخفف الضغط على ركبي، ولألحق الموعد في نفس الوقت.. وكنت إذا أحسست بالتعب وأردت التوقف أضطر الى تخفيف سرعتي بالإمساك بالأشجار التي على جانب الطريق او أعمدة الهاتف، فتجدني أميل تدريجياً الى جانب الطريق ثم أحاول مسك الشجرة بلف ساعدي حولها، او حول عمود هاتف ثم أتركه بسرعة حتى لا ألف بكاملي حوله او يتخدش ساعدي- وقد تخدش بالفعل- فتخف سرعتي قليلاً ثم أكرر نفس الحركة مع شجرة أخرى او عمود آخر ثم في النهاية استطيع الوقوف وأنا ألهث..

    وأنا ألهث دخلت الى الميدان المضروب فيه الموعد، وكان مكتظاً بالناس، وتوجهت الى أمام عمارة عالية- بل هي الأكبر في هذه الساحة- زجاجية الواجهة، ويبدو أن أمامها موقف حافلات او شئ من هذا القبيل، ومن على البعد رأيت الزوج العجوز واقفاً وهما يشرفان برأسيهما من مكانهما الى البشر المتواجدين في الساحة، وما إن وقعت عيناهما عليّ حتى أشارا لي فتوجهت نحوهما، وكانت ساعتي تشير الى الثامنة مساء تماماً.. موعد اللقاء.. وما إن وصلتهما حتى قالا لي: "من النادر أن يأتي الناس في موعدهم".. فأحسست بالفخر إذ أعطيت هؤلاء الأمريكان انطباعاً إيجابياً عن السودانيين (وهم ما عارفيين طبع السودانيين والعرب في حكاية المواعيد)، ومعناها إنني صنفت من الذين يحترمون مواعيدهم.. حتى على مستوى الأمريكان.. وتحركنا ثلاثتنا، وقالا لي أننا سنذهب الى مطعم صغير وقريب.. وبالفعل بعد مسيرة قصيرة على الأقدام دخلنا المطعم، ورغم أنه كان صغيراً الى أنه كان فاخراً..

    وادرك بن بطوطة الفجر الذي لاح.. فسكت عن الكلام المباح ...
    .. والحديث ذو صلة..
    إلى اللقاء في الحلقة القادمة بإذن الله
                  

09-01-2013, 02:40 PM

Mandingoo
<aMandingoo
تاريخ التسجيل: 09-28-2002
مجموع المشاركات: 2316

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: رحلات إبن بطوطة السوداني ما بين طنجة وجاكرتا (Re: Mandingoo)


    الحلقة الحادية والثمانين

    نواصل

    الأندلس 7

    جلسنا ثلاثتنا على الطاولة، فإذا بي أفاجأ بهارون وميري قرين في نفس المطعم.. يا الله! انتو جايين لنفس المطعم وخليتوني أجي جاري المسافة دي كلها من قصر الحمراء وأنتو جايين راكبين؟

    ولم تمض دقائق حتى سمعت من يناديني بإسمي، ولكن بلهجة أعجمية: (هاي أومار).. معقول؟ في غرناطة، في اسبانيا، في أوروبا.. زول يناديني بإسمي وأنا يادوب لي 24 ساعة؟ والتفت فإذا هي فتاتي الأمريكية (المعجبة).. فهييتها (هاي فلانة) أي حييتها.. وعلى طول جابت والديها وأجلستهم في الطاولة المجاورة لطاولتنا.. إيه الهناء الأنا فيه ده؟! فعرّفت مضيفيّ بهذه الأسرة وبأسرة قرين.. أنا السوداني أعرّف الأمريكان ببعضهم البعض.. أكيد كان فيه حاجة في الزول الاسمو عمر ده ، انا شخصياً ما عارفها شنو!

    وبدأنا الونسة مرة أخرى.. وبما أنني علمت أنها تعرف اللغة الفرنسية (ما قلت ليكم ماهي أمريكية عادية، بل من علية القوم)، فقد قلت لها tu est tres belle ومعناها بلغة الضاد (أنت جميلة جداً)، فردت بصيحة امريكية مع تقليبة عيونها الجميلة.. طبعاً دقّست والديها والناس المعاي والتانيين.. ولو كنت قلت لها هذا الغزل بلغتها لما كانت هناك ردة فعل منهم أكثر من ردة فعلها.. فهؤلاء امريكان! وقالت لي بالفرنسية أن امها تعرف بعضاً من اللغة الإيطالية تعلمتها حينما كانت هناك، وبما أن سيرة أمها قد وردت باللغة الفرنسية فقد استفسرت منها الأم فترجمت ما قالت الى الانجليزية.. وهنا زاد يقيني بأن هذه الأسرة دبلماسية، وربما كان والدها سفيراً لبلده او دبلماسياً كبيراً.. وكأنها ذكرت لي ذلك في سياق هذا الكلام او فهمت انا ذلك من تلقاء نفسي..

    كانت قائمة الطعام (المينو) بسبع لغات، وأعطوني واحدة فقرأت التي بالانجليزية، ومع ذلك لم أفهم شئ، ليس لأنني لا أعرف الإنجليزية ولكن لأن اسماء الوجبات غريبة بالنسبة لي، فلما رأي مضيفيّ ما أنا فيه من الحيرة قالوا لي نحن سنختار لك، قلت لهم نعم ولكن إلا الخنزير، فقالا لي نحن أيضاً معشر اليهود محرم علينا الخنزير.. وتلك المعلومة لأول مرة أعرفها.. فاختاروا لي لحم عجل مطهي بطريقة تجعله أشبه بالكبده عندنا، ولم أذق لحماً أطعم منه من قبل ولا ألذ.. وهما طلبا مأكولات بحرية، وقالا لي أنهما اختاراها لأنهما كبيران في السن، فهي تمنحهما بعض الطاقة.. وكانت هذه المأكولات البحرية أشياء غريبة، التي استطعت أن أصفها تشبه حلقوم الخروف المقطع دوائر، والثانية لا استطيع وصفها من غرابتها..

    ثم جاء دور التحلية، فقلت لهما اختارا لي أنتما أيضاً، فقال لي أحدهما: (ارضاؤك سهل يا عمر).. فاختارا لي شيئاً بداخله شئ.. فهمتو حاجة؟ حأوصف ليكم الحاجة الجوه.. حاجة زي الكستر وما كستر، زي الكريمة وما كريمة.. زي الآيس كريم وما آيس كريم.. حاجة لذيذة وتتاكل بالملعقة.. فبدأت أغرف بالمعلقة هذا الشئ من داخل الشئ الآخر، والشئ الآخر يشبه برميل البيره بتاع الكاوبويات، لكنه صغير طبعاً ولا يتعدى حجمة قبضة اليد، ولونه بني زي برميل البيره.. ولما وصل المحتوى الى النصف تقريباً، وأنا لا أدري ما كنه هذه الحاوية، نادتني فتاتي الأمريكية قائلة: Omar, you can eat the outside of it وترجمتها: يا عمر ممكن تأكل الجزء الخارجي أيضاً، فضحكت وضحك مضيفيّ وضحك والديها وهارون وميري.. فبدأت بقطع الجزء الخارجي بالمعلقة واتضح انه ثمرة حلوة وضعوا داخلها هذا المحتوى من التحلية.. أهو اتعلمنا حاجة..

    كانت ليلة جميلة، وأغرب ما فيها أنني خلال 24 ساعة فقط في مدينة أزورها لأول مرة في حياتي؛ التقي في مطعم بسبعة أشخاص سبق أن عرفتهم في مكان ما من تلك المدينة، ومعظمهم التقيه بالصدفة البحته!! ضحكنا كثيراً وتونسنا ونسة عبر طاولات الطعام، وافترقنا بعد ذلك، على أمل اللقاء غداً في بقية آثار غرناطة.. وسجلت تلك اللحظات في ذاكرتي، وقبل أن أهرم، وأقول.. هرمنا.. هرمنا.. أخرجت ما استطعت من ذكريات هنا، ورغم أنها جاءت متأخرة، لكن أن تأتي متأخراً خيرٌ من ألا تأتي!

    ونصيحة لكل من يسافر أن يسجل كل شئ في دفتره مهما كان بسيطاً ولا معنى له، فسيأتي اليوم الذي يكون له معنى، وكلما مضى الزمن ستنمحي من الذاكرة التفاصيل الصغيرة او حتى الكبيرة.. ولا تنسو الاحتفاظ بالصور! ونصيحة لمن لم يسافر.. سافروا فللأسفار خمس فوائد: (تفريج هم واكتساب معيشة وعلم وآداب وصحبة ماجد).

    وادرك بن بطوطة الفجر الذي لاح.. فسكت عن الكلام المباح ...
    .. والحديث ذو صلة..
    إلى اللقاء في الحلقة القادمة بإذن الله
                  

09-02-2013, 03:22 PM

Mandingoo
<aMandingoo
تاريخ التسجيل: 09-28-2002
مجموع المشاركات: 2316

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: رحلات إبن بطوطة السوداني ما بين طنجة وجاكرتا (Re: Mandingoo)


    الحلقة الثانية والثمانين

    نواصل

    الأندلس 8

    رجعت بعد تلك الدعوة الجميلة والأنس الظريف مع أولاد جون الجايين من بلاد العم سام، وكنت قابض الجو (ما عارف بشنو)، وكملت الظرافة مع بنات ست الفندق- واحدة في الطاشر والتانية صغيره واظن معاهم اخوهم صغير، وأذكر انني كنت اغني لهم اغنية انجليزية كانت سائدة في تلك الأيام وهم يضحكون مطلعها I LOVE YOU

    في اليوم التالي ذهبت مرة أخرى الى قصر الحمراء بعد الوعد مع آرون وميري قرين بأن نلتقي هناك ويلتقطوا لي صور بعد أن علموا بقصة كاميرتي التي حُجزت في الحدود.. تجولنا في قصر الحمراء سوياً والتقطوا لي كثيراً من الصور، وكانا ودودين معي جداً، وكلما قلت لهم يكفي تصوير لي قالوا لي أن الصورة لا تكلفهم شيئاً ، ففي امريكا طباعة الصور الملونة رخيصة..

    وبعد يوم طويل وحافل قالا لي يجب ان نودعك، وأخذا عنواني البريدي في المغرب، وقالت لي ميري انها ستراسلني، فقال لي آرون: ستراسلك ميري ولكني سأكتفي بإرسال الصور لك.. وفي مقهى شربنا فيه الشاي والقهوة التي دعياني إليها، ورسم لي آرون صورة في ورقة بيضاء وأعطاني إياها، وهو كما علمت من ميري مهندس معماري، ويبدو أنه مهندس كبير ومشهور لأنها قالت لي حينما دُهشت من تلك القاعة التي في شكل قبة وتسمع همس الذي في الطرف الآخر منها إذا وضعت أذنك على الجدار، وحينما أوضح لي آرون أن كل قاعة مبنية بهذا الشكل يحدث فيها مثل هذا، حينها قالت لي أنه- أي آرون قرين- قد بنى قاعة مشابهة في إيران ولكنها تكبرها بخمسة أضعاف او ثمانية أضعاف لا أذكر.. إذاً فالرجل ما هين أبداً..

    ثم وقفا ليودعاني.. مددت يدي الى ميري.. فصافحتني ثم جذبتني من يدي إليها وقبلتني على خدي! بحماسة وعاطفة شديدة.. كانت مفاجأة بالنسبة لي، فارتبكت، لم أكن أتوقع أن يكون الوداع بهذه الحميمية، ومددت يدي الى آرون فمد يده إليّ وصافحني مودعاً.. وغادرتهما وأنا في حيرة..

    ولقد أوفياء بعهدهما، فأرسل آرون الصور، كمية كبيرة منها التي انا بها، ومنها لمناظر عامة لقصر الحمراء، وسأريكم بعضها، ثم واصلت ميري مراسلتي لفترة طويلة حتى رجوعي النهائي للسودان، ومع إحدى تلك المراسلات كان كتابها المذكور آنفاً: (HOW YOU TRAVEL AND PAY FOR YOUR VISITS)..

    حاولت التأكد من إسم الكتاب، فبحثت في القوقل، فكانت النتيجة أن قادني البحث إلى بعض المواقع، من بعضها وجدت مكتوباً:

    (Mary Green is an innovative lingerie designer located in San Francisco. She has been in the apparel industry for 25 years, and millions of people all over the world are devoted to her products.)

    ثم بحثت أكثر فوجدت أن لها موقعاً، ووجدت هذه النبذة عنها

    (“Mary Green is a visionary of ethical and sustainable entrepreneurship, a creative and compassionate strategy that other American business leaders might find rewarding, encompassing both good humanism and good business….along with her design skills, her commitment to creating better lives for people living in the shadow of poverty and deprivation throughout the third world. Mary Green’s signature is adapting and uniting the unique artistic skills of workers in various countries with their innate entrepreneurship. By doing so she has created stable business communities that have emerged to produce her exceptional fashion designs. It is her creative humanism that truly makes her a woman of vision.”

    Speaker of the House Nancy Pelosi,

    in The House of Representatives,

    The Congressional Record, June 20, 2008

    “She is the queen of lingerie”

    VANITY FAIR ITALY

    Mary Green has taken her love of both international travel and cultures and people of the world, and, with her great sense of style and design, has created an internationally recognized lingerie firm. The firm specializes in silk undergarments combining the beauty of the finest Chinese silk with the creativity and design sense that has always been her hallmark.

    With Mary Green’s business savvy and sense of ethical entrepreneurship, what had started as a small business headquartered in San Francisco, has grown into a modest empire that counts over seven thousand vendor locations around the world with reps all over the U.S., Canada and the EEC. During the course of her business, Mary Green has become a hands-on vital force in undergarment fashions, turning Mary Green Enterprises into one of the most successful and trend-setting high-fashion lingerie firms. The high quality luxurious designs have become noted for bringing to the world of lingerie a vast and spectacular array of new colors, color combinations, prints and designs rarely found in this fashion genre.

    The Mary Green/Mansilk designs have become a wardrobe staple for some of Hollywood’s most recognizable faces including Renee Zellweger, Jessica Biel, Jennifer Lopez, Eva Longoria and Kate Hudson. They are often featured on the top stars and starlets in films and leading television shows. The luxurious undergarments are displayed repeatedly in top fashion magazines around the world including InStyle, Vogue, Glamour, W, Vanity Fair, Cosmopolitan, Elle, Self, Essence, Marie Claire, Redbook, Allure and Lucky. Mary Green’s designs have also made their way to the O List, Oprah Winfrey’s personal recommendation of a product, considered the country’s most coveted and sought-after magazine placement.

    Mary Green’s status as an international businesswoman has brought her invitations to serve on the Boards of Directors of top charitable and business organizations, including the Women’s Leadership Board at Harvard’s Kennedy School of Government. Her business and humanitarian accomplishments were accorded international recognition when she was honored with the prestigious Leading Women Entrepreneurs of the World Award. In 2006, Mary Green was invited to participate in China’s first high-end fashion trade show and was the only American lingerie designer present at this historic event. In 2008, along with the two founders of You Tube, she was accorded the Vision Award for world leadership. Her recent CILA Award wins have made her the only designer to have won the fashion industry’s prestigious trophy on two consecutive years in multiple categories.

    mary.jpg Hosting at Sudaneseonline.com


    ومن الصورة المرفقة في موقعها (أعلى) ومقارنتها بصورتها التالية والتي تضمني معها، تظهر من ظهرها فقط وأنا واقف أمامها (الناس اللي على اليمين)،

    Andalus1.jpg Hosting at Sudaneseonline.com


    تأكدت من أن هذه هي التي قابلتها قبل ما يزيد عن ثلث القرن رغم أن وجهها ليس واضحاً، وكذلك لأن عنوان مؤسستها في سان فرانسسكو والذي كانت اوراق خطاباتها المرسلة لي والمروسة تذكره، هو هنا ايضا في سان فرانسسكو.. فأرسلت لها رسالة عبر إيميل موجود في الموقع، وهذا نص الإيميل، لنرى ما إذا كانت ستتذكرني وترد علي..

    Dear Lili,
    I am an old friend of Mary Green, met her in Spain in 1977, I found your site, but I found no email for her, if you don't mind please forward this email to her..
    Attached is a photo of her and myself, shoted by her husband Aaron Green in December 27, 1976 at Alhambra Palace in Granada, Andalus, Spain.

    Best regards,
    Omar Ghoulam Allah Vice Chairman Office Manager ROTANA Media Group
    Tel: +966 12110000x2212 Fax: 966 12112166

    وادرك بن بطوطة الفجر الذي لاح.. فسكت عن الكلام المباح ...
    .. والحديث ذو صلة..
    إلى اللقاء في الحلقة القادمة بإذن الله
                  

09-03-2013, 04:06 PM

Mandingoo
<aMandingoo
تاريخ التسجيل: 09-28-2002
مجموع المشاركات: 2316

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: رحلات إبن بطوطة السوداني ما بين طنجة وجاكرتا (Re: Mandingoo)


    الحلقة الثالثة والثمانين

    نواصل

    الأندلس 9

    تذكرت اسم كتاب ميري قرين، وهو (How to Be an Importer and Pay for Your World Travel).. وبعد أن ودعتني هي وزوجها عدت إلى الفندق.. ثم بالقطارغادرت غرناطة الجميلة التي رأيت فيها جمال الطبيعة وجمال المعمار الإسلامي القديم، ورأيت من على البعد الثلوج في قمة سيرا نيبادا- رغم أن اصدقائي الأمريكيين صعدوها وتزلجوا على ثلوجها حتى أصيبت إحداهن بنزلة برد- غادرت غرناطة وقصر الحمراء وجنة العريف بذكريات جميلة وصداقات جديدة..

    كان القطار الذي استقليته يتكون من ثلاث عربات فقط (ذكرني بقطار الوحدة الذي كان يربط مدينة ود مدني بالعاصمة الخرطوم في ستينات وأوائل سبعينات القرن الماضي حيث كان يتكون من ثلاث عربات فقط وكان سريعاً جداً).. قطار اسبانيا هذا المتجه من غرناطة الى قرطبة توقف في محطة من المحطات ولاحظت ان كل من بقي من الركاب- وكانوا شخصين فقط، شاب وفتاة- نزلوا من القطار وتركاني وحيداً.. ثم جاءاني - او ربما جاءني الكمساري لا أذكر- وقالوا لي أن القطار سيتوقف هنا لفترة طويلة، ويمكنني استبداله بقطار آخر سيأتي بعد وقت قليل.. فقلت في نفسي أنا الآن (ماخد قطر طلب)، على وزن تاكسي طلب، بمعنى أنني الآن استقل كامل القطار وانا بمفردي، زي الواحد لما ياخد تاكسي طلب لوحده- وليس طراحه- يعني على حسابه.. لكن فكرة انزل وآخد قطار آخر حرمتني من تلك الميزة.. وأنا في القطار لوحدي في أحد محطات الأندلس تذكرت القطار الذي استقليته من مدريد الى فرنسا ثم إلى إيطاليا في صيف العام الماضي، وكيف أنه كان مزدحماً لدرجة انني كنت أنام في الممر الذي بنهاية العربة.. وكيف انه من الزحام كان هذا المكان الضيق ما بين جدار آخر قمره وما بين الفاصل بين العربتين، كان هذا المكان الضيق ينام فيه شخصي وبجانبي أمريكية تعرفت عليها في القطار- وكنا نرقد - وبريطانية جالسة ومتكئة على جدار القمرة الأخيرة ووجهها ناحيتنا ولم تجد مكان لترقد فيه، فظلت جالسة- مسكينة- وظهرها على جدار القمرة ورأسها على ركبتيها المرفوعتين بموازاة كتفيها.. وقد لاحظت أنها كلما أرادت أن تمد رجليها او ترفع ركبتيها الى أعلى رفعت تنورتها (الاسكيرت) الى أعلى وغطت بها ركبتيها وساقيها، ولكن عند الرفع ينكشف كل شئ قبل ان يغطي..

    ثم غالبها النعاس فنامت.. ووصل طرف التنورة السفلي الى ركبتيها.. وكلما مر شباب فرنسيون- وكنا قد عبرنا الحدود الفرنسية- ورأوا المنظر أطلقوا من أفواههم صفارة تعجب.. حتى على الفرنسيين كان المنظر ملفتاً للنظر.. ومدعاة للصفير.. لم يكن من أعلى الركبتين وحتى القدمين شئ يسترها غير ورقة التوت.. وحتى ورقة التوت كانت تنحسر الى جانب كاشفة نصف ما كان يجب أن تغطيه.. وعندما رأت الأمريكية هذا المنظر أخذت بشكيري الصغير (الذي كنت أضعه على كتفي لزوم التنشيف بعد الغسيل أو الوضوء وأحياناً أضعه كمخدة) - وغطت به عيوني! يعني ما تعاين! ما عارف نظام غيره يا ربي واللا شنو؟ الغريب ان البريطانية كانت تستيقظ من حين لآخر وتعرف أنها مكشوفة على الآخر ولكنها لا تبالي فتعود الى نومها وكأنها في غرفة نومها وليس في عربة قطار مزدحم وعلى مقربة منها شاب لا يبعد عنها سوى سنتمرات، تساوي المسافة بين جنب شابة أمريكية وجنبها الآخر!

    تذكرت كل ذلك وأنا استمتع بركوب قطار كامل لوحدي.. ثم هبطت منه وانتظرت الآخر، وركبته ووصلت الى قرطبة الفيحاء.. وتجولت في مسجدها الكبير والقصر واستمتعت بمنظر (الوادي الكبير) وقنطرته التي عبرتها بين ضفتيه، وإليكم نبذة عن قرطبة استقيتها من الويكيبيديا:

    قرطبة الإسلامية

    عصر الولاة

    فتح المسلمون الأمويون قرطبة على يد القائد مغيث الرومي مولى الخليفة الوليد بن عبد الملك في سنة 92 هـ/ 710 م، بعد أن عبر بقواته إلى أيبيريا التي سماها المسلمون ببلاد الأندلس) وقتل ملكها لذريق (رودريك)، وقد جعل الأمويون الأندلس ولاية تابعة لولاية المغرب، حتى جعلها عمر بن عبد العزيز ولاية الأندلس تتبع للعاصمة الأموية في دمشق بشكل مباشر. وجعل الأمويون قرطبة مقراً لولاتهم على الأندلس فظلت كذلك حتى سقوط الدولة الأموية على أيدي العباسيين عام 750 م.

    العصر الأموي

    و لكن لم يعل شأن قرطبة إلا مع قدوم الأمير الأموي عبد الرحمن الداخل إلى الأندلس فاراً من العباسيين، فاستولى على مقاليد الأمور في الأندلس الإسلامية وجعل قرطبة عاصمة له عام 756 م. وقد كان هذا بداية لعصر قرطبة الذهبي، حيث أصبحت عاصمة الأندلس الإسلامية بأكملها وأهم مدينة في شبه الجزيرة، وفي عهد الداخل بدأ العمل على جامع قرطبة الكبير الذي لا زال قائماً في المدينة اليوم.

    CordobaMosque.jpg Hosting at Sudaneseonline.com


    مسجد قرطبة (الصورة ملطوشة من القوقل)

    واستمر الحكم بيد الأمويين من سلالة عبد الرحمن الداخل في هذه الفترة.

    و قد تعرضت الدولة الأموية لعدد من الثورات المتعاقبة وفقد أمراؤها مقاليد الأمور حتى تمكن أحد أحفاد الداخل- عبد الرحمن الثالث الملقّب بالناصر- من إعادة توطيد ملك الأمويين وإخضاع معظم الأندلس لسلطته في قرطبة، وذلك في القرن العاشر الميلادي (الرابع الهجري). وقد بلغت به القوة إلى أن اتخذ لنفسه لقب خليفة المسلمين، مستنداً إلى ما اعتبره حق أسرته القديم في الخلافة السابق لحق بني العباس. وقام الناصر بنقل حكومته إلى مدينة جديدة اختطها على بعد أميال من قرطبة أسماها الزهراء، إلا أن قرطبة ظلت المدينة الرئيسية في البلاد. بعد أحداث وقعة الربض وصلت المدينة لأوج مجدها في عهد الخليفة عبد الرحمن الناصر (912 - 961)، وابنه الحكم الثاني (961-976)، ثم تلاهم الحاجب المنصور بن أبي عامر (981 - 1002)، الذي استولى على مقاليد السلطة في قرطبة وصيّر الخليفة الأموي سجيناً في قصوره في الزهراء وابتنى له قصراً للحكم في طرف قرطبة أسماه بالمدينة الزاهرة. وقد كانت دولة قرطبة من أهم الدول الأوروبية في القرن العاشر، كما كانت منارة للعلم والثقافة في أوروبا، وعاصمة من عواصم الأدب والثقافة العربية والإسلامية، وأنجبت المدينة في هذه الفترة الشاعر ابن زيدون، والشاعرة الأموية ولادة بنت المستكفي، والفقيه ابن حزم، والعالم عباس بن فرناس، كما أنتقل إليها الموسيقي زرياب وأسس دار المدنيات.

    وادرك بن بطوطة الفجر الذي لاح.. فسكت عن الكلام المباح ...
    .. والحديث ذو صلة..
    إلى اللقاء في الحلقة القادمة بإذن الله
                  

09-04-2013, 12:43 PM

Mandingoo
<aMandingoo
تاريخ التسجيل: 09-28-2002
مجموع المشاركات: 2316

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: رحلات إبن بطوطة السوداني ما بين طنجة وجاكرتا (Re: Mandingoo)


    الحلقة الرابعة والثمانين

    نواصل

    الأندلس 10

    متابعة النبذة عن قرطبة

    عصر ملوك الطوائف والمرابطين

    جمهورية قرطبة

    في العقدين 1020، 1030 سقطت الخلافة بسبب ثورة البربر ونشوء ملوك الطوائف الذين قسموا الدولة إلى أكثر من 12 دويلة، منها غرناطة وإشبيلية والمرية وبلنسية وطليطلة وسرقسطة والبرازين وبطليوس. وتنازع حكام إشبيلية وطليطلة المسلمين على قرطبة حتى استقرت المدينة بيد ملك إشبيلية الطموح المعتمد بن عباد سنة 1078 م، ففقدت قرطبة مكانتها كعاصمة لدولة، وبزغ نجم إشبيلية المجاورة لها بدلاً منها.
    وبينما ورثت تلك دويلات الطوائف ثراء الخلافة، إلا أن عدم استقرار الحكم فيها والتناحر المستمر بين بعضها البعض جعل منهم فريسة لمسيحيي الشمال. إلى أن أفتى الفقهاء وأهل الشورى من المغرب والأندلس ليوسف بن تاشفين، زعيم دولة المرابطين في المغرب العربي بخلعهم وانتزاع الأمر من أيديهم وصارت إليه بذلك فتاوى أهل الشرق الأعلام مثل : الغزالي والطرطوشي فاقتحم عامة الأندلس من أيدي ملوك الطوائف وانتظمت بلاد الأندلس، بما فيها قرطبة، في مملكة يوسف بن تاشفين، وذلك عام 1091 م.

    عصر الموحدين.

    وسقطت دولة المرابطين على يد حركة إسلامية أخرى هي حركة الموحدين، فصارت قرطبة وباقي الأندلس الإسلامية بأيديهم في منتصف القرن الثاني عشر. وقام الموحدون بإعادة عاصمة الأندلس إلى قرطبة، فاستعادت شيئاً من مكانتها السابقة. وفي هذه الفترة ظهر في قرطبة الفيلسوف المسلم ابن رشد، بالإضافة إلى العالم الديني اليهودي ابن ميمون، أشهر فلاسفة اليهودية في العصور الوسطى.
    و لم يصمد الموحدون طويلاً بعد ذلك، فقد انهزموا هزيمة قاصمة في معركة العقاب "لوس ناباس دي تولوزا" بالإسبانية عام 1212م، فتهاوت بعد ذلك معظم المدن الإسلامية في الأندلس في أيدي مملكة قشتالة المسيحية، فسقطت قرطبة عام 1236 م على يد فرناندو الثالث بعد ما يزيد على خمسة قرون من الحكم الإسلامي للمدينة.

    قرطبة الإسبانية

    فرغت قرطبة سريعاً بعد ذلك من معظم سكانها المسلمين، وسمح الملوك الإٍسبان لمن تبقى منهم بالبقاء على الإسلام بعد استيلائهم على المدينة، أسوة بباقي المسلمين في الأندلس، واستخدموا العمال والمهندسين المسلمين في تصميم مباني وقصور وكنائس لهم على الطراز الأندلسي، وسمي المسلمون الباقون تحت حكم الإسبان بالمدجنين ("مديخار" بالإسبانية)، ولكن ذلك لم يستمر طويلاً، إذ بدؤوا بعد ذلك بالتضييق عليهم ثم إجبارهم على اعتناق المسيحية من خلال محاكم التفتيش، التي أستخدمت أنواع التعذيب والقتل حتى أن البعض منهم يخشى أن يُكتشف إسلامه حتى لايقتل، إلى أن قرّرت إسبانيا طرد المسلمين وأحفادهم ممن اعتنق المسيحية من سائر البلاد، كما تم طرد اليهود منها أيضاً، وذلك في بداية القرن السابع عشر، وتم توزيع الأراضي والإقطاعيات على مهاجرين مسيحيين من الشمال أعادوا توطين المدن مثل قرطبة.

    و لا يزال الحيّان الإسلامي واليهودي القديمان معروفين في قرطبة الحالية، كما بقي مسجدها الضخم قائماً في وسطها، إلا أنه تم بناء كنيسة في قلب المسجد في القرن السادس عشر، ويستخدم الجامع الآن ككاتدرائية تتبعالكنيسة الكاثوليكية. وقد جعلت اليونيسكو وسط مدينة قرطبة (أي الحي القديم بما فيه المسجد والحي اليهودي) موقعاً من مواقع التراث العالمي، بالإضافة إلى مدينة الزهراء المجاورة لقرطبة.

    وقد مرت جنوب إسبانيا ("أندلسيا" كما أسماها الإسبان) بفترة من الانحدار الاقتصادي والثقافي بعد ذلك مقارنة بباقي إسبانيا، وازدهرت إشبيلية على حساب قرطبة بسبب استخدامها كميناء يربط إسبانيا بالعالم الجديد، إلا أن المنطقة بأسرها باتت تعيش رخاء اقتصادياً في الوقت الحالي بفعل تنشيط السياحة وإنشاء منطقة أندلسيا ذات الحكم الذاتي. وتشكّل قرطبة مقر محافظة قرطبة داخل هذه المنطقة، وسكانها يتجاوزون الثلاثمائة ألف نسمة.

    وادرك بن بطوطة الفجر الذي لاح.. فسكت عن الكلام المباح ...
    .. والحديث ذو صلة..
    إلى اللقاء في الحلقة القادمة بإذن الله
                  

09-05-2013, 12:53 PM

Mandingoo
<aMandingoo
تاريخ التسجيل: 09-28-2002
مجموع المشاركات: 2316

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: رحلات إبن بطوطة السوداني ما بين طنجة وجاكرتا (Re: Mandingoo)


    الحلقة الخامسة والثمانين

    نواصل

    الأندلس 11

    متابعة النبذة عن قرطبة

    مواقع أثرية

    أهم معالم قرطبة الرومانية

    • الجسر الروماني، الذي يقطع نهر الوادي الكبير، وقد تم ترميمه في العصر الإسلامي، ولا يزال مستخدماً اليوم.
    • المعبد الروماني، إلى الشمال من المدينة القديمة.
    • الضريح الروماني.
    أهم معالم قرطبة الإسلامية
    • مسجدها الجامع من أجمل ما أبدعه المسلمون في الأندلس، وقد صنفه اليونسكو كموقع تراث عالمي.
    • مدينة الزهراء التي أنشأها عبد الرحمن الناصر باسم زوجته. وقد احترقت تماماً خلال ثورة البربر عام 1020. ويجري حاليا ترميمها، إلا أن مجرّد 10% فقط من إجمالي مساحتها قد تم التنقيب عنه حتى الآن. وتقع في قلبه دار الروضة، وهي قصر "عبد الرحمن الناصر"، وجلب إليه الماء من الجبل.
    • الحمامات العربية
    • الحي اليهودي بقرطبة، وتسمى في الإسبانية بالخوديريا أي "مكان اليهود"، رغم أن اليهود قد طردوا من قرطبة منذ القرن السابع عشر.
    • قلعة "كالاهورا"، وهي قلعة إسلامية تقع على الجانب الآخر (الجنوبي) للوادي الكبير عند نهاية الجسر الروماني، أجرى عليها الملوك الإسبان إضافات فيما بعد، وتحوي الآن متحفاً.
    • بقايا أسوار المدينة وبعض بواباتها، خصوصاً في الجانب الغربي.
    • الناعورة، وتقع بجوار الجسر الروماني.

    آثار أخرى

    • قصر قرطبة (Alcazar) وهو قصر ابتناه حكام قرطبة المسيحيون بعد استيلائهم عليها على موقع قصر قرطبة القديم، ومنه تم السماح لكريستوفر كولمبوس عام 1492 بالسفر بحثاً عن طريق جديد إلى الهند.

    انتهت النبذة المقتبسة من الويكيبيديا (التي عدلت ونقحت فيها).. ونواصل حكايتي في قرطبة الفيحاء..

    وهناك في قرطبة التقيت بسياح بيض يتكلمون الانجليزية فتعرفت عليهم- إذ من يتكلم الانجليزية في هذه المناطق كأنه أخوك او كأنه يتكلم معك بلهجة سودانية- وكانوا ثلاثة: زوج وزوجته واخته، من استراليا، قافن كول وزوجته صوفيا الاسترالية التي بها دم ايطالي او يوناني حسبما ذكر لي قافن، لذا كان لونها لون سكان البحر الأبيض المتوسط، اما قافن فكان ابيض شديد البياض وغليظ الجثة كثيف اللحية- رغم انه لا يؤمن بدين- وكان استاذا للرياضيات في استراليا، وشقيقته شقراء يكاد الدم يبان في جلدها، وشعرها أصفر.. وكانت طالبة ثانوي او شئ من هذا القبيل، أذكر انني سألته عن استراليا وعن موقعها من العالم (حضارياً ومدنياً) فقال لي انها في الدرجة التي بين امريكا واوروبا، اي أقل من امريكا وأحسن من أوروبا.. كان هو وزوجته لطفاء معي جداً، وكانت شقيقته حذرة او (مفترية) لذلك لم نتبادل كثير حديث انا وهي..

    ورغم انهم كانوا غربيي الحضارة والثقافة وعديمي الديانة؛ فإنهم كانوا مؤدبين ومنضبطين في تصرفاتهم، على عكس شابين مغربيين التقيانهم هناك، فقد كان الشاب يلعب مع فتاته- التي قال للاستراليين انها صديقته- في الشارع حيث كان يتسلق ظهرها ونحن نسير، بينما الاستراليين يمشون مؤدبين رغم انهم زوج وزوجته..

    سألاني عن وجهتي التالية بعد قرطبة فقلت لهم اشبيليه، فقالوا لي أنهم ايضاً متوجهين اليها، فدعاني قافن الى السفر معهم في سيارتهم إذا لم أكن أحمل عفشاً كثيراً (لأنني سأضعه على حجري إذ أن ضهرية السيارة ملأي بعفشهم)، وبما أنني كنت أحمل شنطة واحدة فقط فقد قبلت دعوتهم وشكرتهم عليها، واتفقنا على السفر في صباح اليوم التالي، وبالفعل جئتهم في المكان والزمان المحددين وركبت في المقعد الخلفي بجانب اخته بينما هو يقود السيارة وبجانبه زوجته.. وفهمت منهم ان السيارة شحنوها من استراليا واستلموها في اوروبا وعند انتهاء رحلتهم سيشحنونها الى استراليا ثم يركبون الطائرة.. وقد لاحظت ايضا انهم ما إن يصلوا الى مدينة حتى يذهبوا الى مكتب البريد ويتسلموا رسائل رغم انهم يكونون قد وصلوا هذه البلدة او المدينة لأول مرة في حياتهم، وسألتهم عن كيف يتم ذلك فقالوا لي ان هناك طريقة ان تصلهم الرسائل من ذويهم على مكاتب البريد في تلك المدن حيث يبعثون لأهلهم واصدقائهم خط سيرهم، فيرسل هؤلاء الرسائل الى بريد تلك المدن في وقت معين معلوم للطرفين، ولا يمكن ان يتأخر او يتقدم، فيذهب هو ويبرز جواز سفره فيسلمونه الرسالة.. ما تنسوا ان ذلك كان في العام 1976م!!


    وادرك بن بطوطة الفجر الذي لاح.. فسكت عن الكلام المباح ...
    .. والحديث ذو صلة..
    إلى اللقاء في الحلقة القادمة بإذن الله
                  

09-08-2013, 02:21 PM

Mandingoo
<aMandingoo
تاريخ التسجيل: 09-28-2002
مجموع المشاركات: 2316

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: رحلات إبن بطوطة السوداني ما بين طنجة وجاكرتا (Re: Mandingoo)


    الحلقة السادسة والثمانين

    نواصل

    الأندلس 12

    بعد رحلة رائعة في ربوع الأندلس ووسط سهولها الخضراء وجبالها المزدانة بالأحراش الجميلة وقراها ذات البيوت المحدودبة سقوفها، وأبقارها وأغنامها التي ترعى في مراعي حديثة، وكنت لأول مرة أسافر في سيارة صغيرة، وكنت أتخيل أن السفر بالسيارة الصغيرة متعب والجلسة ستكون مؤلمة، ولكن وجدتها مريحة ربما أكثر راحة من البص.. ووصلنا إلى إشبيلية.. وبحث قافن كول عن فندق، ووجد فندق غالي نسبياً عن فنادق قرطبة وغرناطة، وسألني إن كان يناسبني السعر، فأجبته بالإيجاب رغم انه لم يكن في حساباتي ذلك السعر العالي، ولكن لكي أظل معهم وافقت، فأخذنا ثلاث غرف، واحدة له وزوجته وواحدة لشقيقته وواحدة لي- مش كان نوفر حق غرفه وناخد غرفتين بدل ثلاثة!- وكان الجو بارداً، وكذلك الغرفة، وفي الليل قال لي قافن انهم ذاهبون لحفلة (فلامنكو) وما إذا كنت أرغب الذهاب إليها، وبما ان التذكرة كانت غالية فاعتذرت وذهبوا وبقيت في غرفتي.. سيما واننا قادمون من سفر ولابد من التمدد في السرير بعد تلك الجلسة الطويلة في السيارة من قرطبة الفيحاء الى إشبيلية..

    في الصباح تجولنا سوياً في الآثار الإسلامية مثل صومعة الخيرالدا التي ذكرتها في مقالي المذكور آنفاً، وكذلك الكاتدرائية الشهيرة في وسط اشبيلية.. لا أدري إن كنا بتنا ليلة أخرى في اشبيلية ام لا.. لكن بعد إنتهاء زيارتنا لإشبيلية غادرناها بسيارة أصدقائي الاستراليين الى الجزيرة الخضراء (الجزيراس أو الخسيراس) كما في اللغتين الإنجليزية والإسبانية، في طريقنا على ما أذكر مررنا بمدينة الزهراء، (لامدينا الزهرا) حسب نطقها بالإسبانية، ولم نتوقف فيها، وهي أيضاً من مدن الأندلس الإسلامية كما يبدو من اسمها.. طبعاً ما زالت الأندلس تسمى الأندلس، ويسمونه (أندلوثيا) أو أندلوسيا، وهو إقليم من أقاليم أسبانيا..

    وصلنا الى الجزيرة الخضراء، وتناولنا طعامنا دجاج شوايه- لأول مرة آكل هذا النوع الذي وجدته فيما بعد في السعودية في أوائل الثمانينات- ومع نصف الدجاجة كانت شرائح البطاطس المحمرة بالزيت.. كان طعاماً لذيذاً جداً أو أنني كنت جوعاناً جداً.. فقد بدأت التهم الدجاجة والبطاطس بشراهة، ويبدو أن أحدهم أداني عين- سأخبركم فيما بعد كيف- وربما كان صاحبي الاسترالي الذي لاحظ ذلك قال لي أنك تأكل بسرعة، فقلت له لأنني جوعان..

    عندما وصلنا الميناء علمت أن أصدقائي مسافرون للمغرب أيضاً، وكانت فرصة لي أن أسافر معهم حتى المغرب، ولكنهم آثروا ان يسافروا الى طنجة بينما رغبت انا العودة عن طريق سبته لأزور مرة أخرى اصدقائي في تطوان.. وافترقنا بعد ان شكرتهم وودعتهم وركبوا العبارة المتوجهة الى طنجة..

    لم أنس أن استرد كاميرتي التي حبسها عني موظف الجمارك عند دخولي الأراضي الأسبانية هنا في الجزيرة الخضراء، وذهبت الى جمارك الميناء واسترددت كاميرتي التي لم استفد منها في تلك الأماكن السياحية الجميلة، ولولا آرون وميري قرين لما كانت تلك الصور التي نشرت بعضها هنا.. وتوجهت نحو العبارة المتوجهة الى سبته، وركبتها، وكانت صغيرة والمقاعد مرصوصة كما في البصات السفرية، ولكن صفوف كثيرة متجاورة، واتخذت أحدها مقعداً لي..

    وادرك بن بطوطة الفجر الذي لاح.. فسكت عن الكلام المباح ...
    .. والحديث ذو صلة..
    إلى اللقاء في الحلقة القادمة بإذن الله
                  

09-09-2013, 02:14 PM

Mandingoo
<aMandingoo
تاريخ التسجيل: 09-28-2002
مجموع المشاركات: 2316

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: رحلات إبن بطوطة السوداني ما بين طنجة وجاكرتا (Re: Mandingoo)


    الحلقة السابعة والثمانين

    نواصل

    الأندلس 13

    نواصل رحلة العبور من الأندلس الى المغرب:

    وتحركت الباخرة، وبما أن الموسم كان شتاء فقد كان البحر هائجاً، رغم أنه كان مضيقاً وليس بحراً مفتوحاً، وبدأت الأمواج تلعب بالباخرة، فتعلو فوقها ثم تهبط، وبتكرار تلك الحركة بدأ الجميع يحس بدوار البحر، وبدأ الاكتئاب يبدو عليهم، ثم تحركت البطون، وما في البطون.. وبما أن المسؤولين عن البواخر يتوقعون مثل ذلك فقد وضعوا اكياس امام كل كرسي لتفرغ فيها ما في بطنك إذا استدعى الأمر.. وقد استدعى الأمر بالفعل.. وبدأ (العزف) فردياً ثم أضحى جماعياً، وتسابق الناس نحو الحمامات، ولكن عددها كان قليلاً مقارنة بالعدد الكبير للركاب، فصارت رائحة الباخرة لا تطاق، وامتلأت براميل النفايات الموضوعة بالباخرة بأكياس مليئة بمحتويات البطن غير المهضومة، ومنها دجاجة مشوية بالشواية وشرائح البطاطس المقلية بالزيت.. ما قلت ليكم أن أحدهم أداني عين!

    قافن كول.. بعد أن فارقته في نهاية العام 1977، لم أسمع عنه، ثم ظهر ابتكار الانترنت، وتذكرت قافن، وقلت أبحث عنه في الفضاء الأثيري، فبحثت عبر محركات البحث، ووجدت عدد ممَنْ إسمه قافن كول ، ومن بينهم استاذ رياضيات، فتذكرت أنه ذكر لي مهنته تلك، فكتبت إليه إيميل أسرد له بعض تلك الذكريات ليؤكد لي أنه هو الذي كان طرفاً فيها، أو له الإعتذار إن لم يكن هو.. كان ذلك منذ عدة سنوات، وربما كانت في بداية الألفية هذه، أي كانت رسالتي له بعد أكثر من عقدين من الزمان منذ ذلك اللقاء.. ورد عليّ بأنه هو الشخص المعني، وسألته عن صوفي زوجته وعن أخته فقال انهما بخير، ومما أذكر قلت له في رسالتي توضيحاً للشخص الذي أعنيه أنه كان ملحداً، فقال لي في رده أنه ما زال كذلك، وقال لي أنه يتأسف لأنه يقول لي ذلك- تمنيت من كل قلبي أن يكون مسلماً لأن اخلاقه كانت أخلاق إسلام، فهو باسم المحيا ودوداً حيياً، وتفضل عليّ بفضل ظهر..

    اقتربت العبارة من شاطئ سبته بعد ساعة من الإبحار في مضيق جبل طارق، وبعد تأرجحها فوق موج الشتاء العالي، وبعد توتر نفسي شديد.. وعندما وصلت الى رصيف الميناء دارت دورة شبه كاملة لكي تكون بوابة الخروج بموازاة الرصيف..ورغم أن هذه الدورة لم تأخذ غير دقائق معدودة إلا أنها كانت كالدهر بالنسبة لي.. ثم توقفت أمام الرصيف وفتحت الأبواب وهبطنا إلى الرصيف.. ما أحلى الأرض.. ما إن وطأت أقدامي أرض الميناء حتى أحسست بالأمان وبالراحة النفسية.. معهم حق أهلنا في السودان يسمون الأرض (الجابرة)، وأهلنا في المغرب يسمونها (الرحبة).. ولا تحس بقيمتها إلا حينما تكون خارجها في بحر او في جو، سيما إذا مررت بمثل الظروف التي مررنا بها للتو..

    تجولت في سبته الجميلة قليلاً، وفيها قابلت أستاذي في جامعة محمد الخامس الدكتور موسى عبود- اللبناني الجنسية- وزوجته الاسبانية، وسلمت عليهما، وهو أستاذ القانون الدولي الخاص- قانون الجنسية- وهو يدرّس في المغرب وفي اسبانيا وفي لبنان، وكان عمره فوق السبعين أيامذاك.. ثم ركبت البص المتوجه الى تطوان الجميلة حيث اصدقائي آل محفوظ..

    ذكرت لكم سابقاً أن حصيلتي من اللغة الاسبانية ازدادت منذ رحلتي السابقة في يوليو 1976 فاستفدت منها في رحلتي الأخيرة هذه، وكان أن حفّظني احمد محفوظ جملاً وكلمات ضرورية للتعامل بها في اسبانيا.. كان احمد الابن الثالث لآل محفوظ، اكبرهم عبد الوهاب، والذي يليه هو مصطفى زميلي في جامعة محمد الخامس- كلية الطب، وثالثهم احمد الذي التحق فيما بعد بكلية الآداب- قسم اللغات، ورابعهم حسن وخامسهم هشام.. في رحلتي الأخيرة الى ماليزيا، وفي جزيرة لانكاوي قابلت بالصدفة البحتة صديقنا المشترك وإبن تطوان ايضاً وزميل دراستنا في نفس الجامعة وفي كلية الآداب قسم الفلسفة الأمين بوخبزه- وقد جاءت سيرته في مقالي المنشور بجريدة "المستقلة"، وهو بن عم زوجة مصطفى محفوظ- التقيته بالصدفة في جزيرة لانكاوي الماليزية في شهر يوليو المنصرم 2011م وهو يشارك في لقاء برلمانات الدول الإسلامية، وفي عجالة أعطاني أخبار المغرب وخاصة تطوان، وكانت الأخبار قد انقطعت لضياع رقم مصطفى محفوظ مني، حيث كانت آخر زيارة لمصطفى لبيتي في السعودية في العام 2006 حينما جاء للعمرة..

    وفجر بوخبزه القنبلة في وجهي.. لقد رحل احمد محفوظ عن دنيانا منذ عامين إثر ورم في الدماغ، ولحقه شقيقه هشام منذ نحو ثلاثة أشهر إثر جلطة أصابته.. لا حول ولا قوة إلا بالله، وإنا لله وإنا إليه راجعون ونسأل الله أن يتغمدهما ووالديهما برحمته ويجعل مثواهم الجنة..


    OmarsudanFes2.jpg Hosting at Sudaneseonline.com


    صورة تجمعني مع مجموعة سودانيين ومغاربة في حي الليدو بفاس.. المرحوم أحمد محفوظ الأول على يسار الصورة.. فبراير 1978م

    وانتهت رحلة الأندس..

    وادرك بن بطوطة الفجر الذي لاح.. فسكت عن الكلام المباح ...
    .. والحديث ذو صلة..
    إلى اللقاء في الحلقة القادمة بإذن الله
                  

09-10-2013, 04:41 PM

Mandingoo
<aMandingoo
تاريخ التسجيل: 09-28-2002
مجموع المشاركات: 2316

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: رحلات إبن بطوطة السوداني ما بين طنجة وجاكرتا (Re: Mandingoo)


    الحلقة الثامنة والثمانين

    نواصل

    الأندلس (ملحق)

    بعد انتظار طويل وصلني رد رسالتي لميري قرين، وكنت أتوقع الرد وإن كان قد طال الانتظار والترقب.. فالأمريكان لا يطنشون أبداً، وكنت متأكداً أن الذي وجدته في النت- وهو موقعها وشركتها- لابد ان يكون صحيحاً، ورغم انني لم أجد عنوانها شخصياً في الموقع إلا أنني أرسلت الرسالة عبر الإيميل المتوفر وهو يخص موظفة في شركتها.. فرحت جداً بالرد، لا سيما وأنه تضمن معلومات هامة سأشرحها حين أترجم لكم رسالتها:
    ________________________________________
    From: Mary Swig
    Sent: Saturday, September 10, 2011 10:38 AM
    To:
    Subject:

    Dear Omar - how amazing to hear from your after, literally, decades!!!sorry for the delay in responding- our daughter was married on august 20 and for several months that seemed to be all I could do- the planning!!

    Of course I remember who you are. I have remarried and have told my husband - Steve - about out encounter many times. It had a powerful Impact on me that has endured for decades. He very much wants to go to the Alhambra with me.

    Tell me what you are doing now? My memory was that you were a student. I remember that you were reading the arabic inscriptions on the walls.

    I have been married to Steven for 27 years. We have a wonderful daughter Samantha - 26 years old - who married a few weeks ago to the man of her dreams. My other daughter has three sons aged 9, 7 and 4. They are, of course, perfect - as all grandchildren are!! My business still goes on. I remember that you lived in the Sudan?? So much happening there. It turns out that I have discovered that one of my great great aunts - who was a nun - was a missionary there in the late 1800s - amazing really. I have several original letters from her about her time there written while she was there . Remarkable that they survived I think.

    I would love to hear from you about what you are doing and how your life is. Thank you so much for persevering and getting in touch with me. As I said I have never forgotten you.

    With warm regards
    Mary
    ********

    وإليكم الترجمة:

    عزيزي عمر

    من المدهش أن أسمع عنك بعد عقود!!! آسفة للتأخير في الرد- والسبب أن ابنتنا تزوجت في 20 أغسطس ولعدة أشهر بدأ لي أن كل ما يمكن فعله هو التخطيط لهذا العرس!!

    بالطبع أتذكر من أنت. وقد تزوجتُ مرة أخرى، وقد أخبرت زوجي-ستيف- عدة مرات عن اللقاءات التي حدثت في الخارج والتي كان لها تأثير قوي على نفسي الشئ الذي أعانى منه لعقود. لذلك ستيف يود كثيرا الذهاب إلى الحمراء معي.

    أخبرني ماذا تعمل الآن؟ في ذاكرتي أنك كنت طالب. وأذكر أنك كنت تقرأ الكتابات العربية على الجدران.

    تزوجت ستيفن منذ 27 عاماً. لدينا إبنة رائعة سامانثا-عمرها 26 عاماً-التي تزوجت قبل بضعة أسابيع إلى فتى احلامها. ابنتي الأخرى لها ثلاثة أبناء أعمارهم 9 و 7 و 4 وهم بالطبع حلوين-شأنهم شأن جميع الأحفاد!! أعمالي لا تزال مستمرة.

    أتذكر أنك كنت تعيش في السودان؟ يحدث الكثير هناك. تبين أنني اكتشفت أن واحدة من العمات القديمات -التي كانت راهبة- كانت تبشيرية هناك في نهاية القرن التاسع عشر- شئ مذهل حقا. لدي عدة رسائل أصلية منها حول أيامها هناك كتبتها حين كانت هناك. وأعتقد أن الشئ الرائع أن هذه الرسائل بقيت لحد الآن.

    أنني أحب أن أسمع منك عما تعمل وكيف الحياة الخاصة بك. شكرا جزيلا للمثابرة على الإتصال بي. وكما أسلفت فإنني لم أنساك ابدأ.

    مع تحياتي الحارة
    ميري
    ************
    وأهم ما أود قوله في هذه الرسالة تلك الرسائل التي تحتفظ بها ميري والتي كانت من عمتها التي عاشت في السودان في نهاية القرن التاسع عشر.. لذلك سأحرص على طلب الحصول على نسخ منها علها تعطينا شيئاً من تاريخ المنصرين الأمريكان في السودان في ذاك الزمان..

    والملاحظة الثانية أن صديقي آرون- زوجها في ذلك الزمان البعيد (1976) قد فارقها لتتزوج من آخر، ولم تعطيني أي اخبار عن آرون..

    وادرك بن بطوطة الفجر الذي لاح.. فسكت عن الكلام المباح ...
    .. والحديث ذو صلة..
    إلى اللقاء في الحلقة القادمة بإذن الله
    ..
                  

09-12-2013, 05:53 PM

Mandingoo
<aMandingoo
تاريخ التسجيل: 09-28-2002
مجموع المشاركات: 2316

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: رحلات إبن بطوطة السوداني ما بين طنجة وجاكرتا (Re: Mandingoo)


    الحلقة التاسعة والثمانين

    نواصل

    المغرب مرة أخرى

    بعد عودتي من رحلة الأندلس استقررت في الرباط مندمجاً في الكلية والمذاكرة.. فقد كانت السنة الدراسية الثالثة والأخيرة لي.. كانت معظم المحاضرات في مقر الكلية الرئيسي بأكدال، وأحياناً كنت أتردد على المقر الجديد في السويسي قرب الحي الجامعي، وكنا قد عاصرنا بناء تلك المباني ذات الثلاث طوابق، والتي بنيت بنظام التركيب- أي يؤتى بالجدران والأسقف جاهزة البناء من مكان آخر ويتم تركيبها الى بعضها البعض لتكون قاعات وغرف ومكاتب- وكانت تلك طريقة غريبة في الهندسة في ذلك الزمان.. ولا أذكر إن كنا قد حضرنا فيها محاضرات أم لا، ولكني أذكر اننا كنا ندرس الدروس التطبيقية في قاعات صغيرة (فصول) في أحد المعاهد في أكدال، وكانت الدروس التطبيقية يعطيها اساتذة مساعدون لمجموعات صغيرة من طلاب الدفعة..

    يوم 17 يناير احتفلت بعيد ميلادي الثاني والعشرون، ودعوت الأصدقاء المقربون، ودعوت زميل جديد سمعت أنه يغني، فقلت لعلنا نحتفل بعيد ميلادي مع الطرب والغناء والفرفشة، كان ذلك الطالب يسمى عز الدين عبد الماجد.. ولكن في يوم عيد ميلادي ذاك سقطت أمطار حالت دون حضوره.. وقد كتبت في مذكراتي التي أحرص أن أسجل في كل ذكرى ميلاد ما حدث في العام المنصرم، كتبت أنه ربما يغني في هذا اليوم فنان سيكون له شأن، وبالفعل كان لعز الدين عبد الماجد شأن في مجال الغناء، وقد حضرت له بروفه في التلفزيون بعيد العام 1978 وربما في العام 1979م في منافسات مهرجان الشباب، وقد كنت برفقة خالي المرحوم علي ميرغني العازف المعروف فيما كان يدرب عز الدين وإنعام صالح وحنان الصغيرة..

    أرفق صورة تضم الفنان عز الدين عبد الماجد وهو يمسك بالرق، وثلاثة (يبشرون) فيه، هم من اليمين:محمد أبكر إبراهيم، ثم شخصي وقد غطت يد محمد أبكر وجهي، ثم جمال دهب، ويبدو جالساً فيصل الحلفاوي، وفي الجدار توجد بوسترات فيها كتابة وفيها تاريخ (يوليو 1978) لو كان التاريخ صحيحاً فلربما كان حفل وداع للدفعة الأخيرة، لأن يوليو هذا ليس فيه مناسبة وطنية تخص السودان..

    Maroc095.jpg Hosting at Sudaneseonline.com


    في هذا اليوم أيضاً فاجأني الزميل عبد اللطيف بالحضور بدون دعوه، حيث كنا متخاصمين، فأكبرت فيه ذلك وسلم عليّ بالأحضان، رغم أن الخصام طال، والغريبة ان المفروض من يخاصمني ليس هو وإنما النور، حيث يتعلق الموضوع بجكسويته هو وليس عبد اللطيف، وكل الموضوع انه تآمر جكسويات مغربيات وفتنة منهن.. ونجحن في تلك الفتنة بيني وبين عبد اللطيف، إلا أن النور من وقتها فهم اللعبة وتجاوز الحاصل، ثم دفع عبد اللطيف للمجئ الى غرفتي في يوم عيد الميلاد، وكان ذلك موقفاً لا أنساه له.. انتبهو يا سادة من مؤامرات بنات حواء..

    بمناسبة الاحتفالات وجدت صوراً من بينها صور لحفل فيه أعضاء السفارة السودانية بالمغرب، ويبدو أنها كانت بمناسبة عيد الاستقلال أو مناسبة أخرى لم أعد أذكر، وعلى ما أذكر كانت في الحي الجامعي السويسي الأول.. وأوردها هنا

    Maroc090.jpg Hosting at Sudaneseonline.com


    في أقصى يمين الصورة ولا يظهر غير جزء من شعرها وجانب منها، هي عائشة عمر، ثم في واجهة الصورة بعدها فيصل الحلفاوي، ثم عبد الله الحلفاوي، ثم جمال دهب (الحلفاوي برضو)، ثم شخصي عمر حسن غلام الله، ثم شخصين واقفين خلفهم لم أتعرف عليهم، ثم جالساً خلفهم عمر الإمام النور، ويبدو الذي يلبس قميص أحمر ولا نرى إلا ظهره أنه عز الدين عبد الوهاب، ثم محمد المنير حماد..

    وادرك بن بطوطة الفجر الذي لاح.. فسكت عن الكلام المباح ...
    .. والحديث ذو صلة..
    إلى اللقاء في الحلقة القادمة بإذن الله
                  

09-15-2013, 05:04 PM

Mandingoo
<aMandingoo
تاريخ التسجيل: 09-28-2002
مجموع المشاركات: 2316

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: رحلات إبن بطوطة السوداني ما بين طنجة وجاكرتا (Re: Mandingoo)


    ملحق للصور:

    الصورة المرفقة في نفس الاحتفال المذكور أعلاه، وفي واجهة الصورة اثنان من أعضاء السفارة ثم شخصي الضعيف- عمر حسن غلام الله- الخنفس المضيقها بالبدلة والكرافتة، وخلفي مباشرة- أبو عمه وجلابيه- عمنا المرحوم إبراهيم النيل، وهو مقيم من قبل مجيئنا للمغرب بعدة سنوات، وهو من قيادات حزب الأمة السوداني، وكان تاجر سلاح في المغرب، وهو زوج نور الشام عبد الله عبد الرحمن نقد، إبنة زعيم حزب الأمة بمدني، وشقيقة زميلتنا فاطمة التي جاءت ونحن في السنة الثانية او الثالثة، وتظهر في الصورة بالثوب السوداني البرتقالي اللون، وعلى يمينها يبدو وجه عائشه عمر الخبير، وأمام فاطمة أحد أعضاء السفارة الذي على يساره عثمان عمر رضوان الإداري بالسفارة، ويبدو وراءه من جهة كتفه اليسار زميلنا عمر الإمام النور.. والوجه الذي يظهر خلف المرحوم ابراهيم النيل هو حمو (على ما أظن) يجاوره سيف الدولة عبد المنعم، يجاور سيف وعلى يساره أيضاً زميلنا جمال ميرغني الذي يغطي جزء من وجهه وجه عائشه..

    sudansudansudansudansudansudan-sudansudansudansudansudansudan-1005.jpg Hosting at Sudaneseonline.com


    وصورة في حدائق الحي الجامعي السويسي الأول، حيث يبدو خلفنا أحد أجنحة الحي، وفي الصورة من على يمينك:
    نادية حسن، محمد البيلي، كوكا حسن كاشف، فاطمة عبد الله نقد الله، عائشه عمر الخبير، سامية إبراهيم احمد، ثم شخصي
    ويرقد على النجيلة امامنا هاشم منزول نسأل الله أن يتغمده بواسع رحمته ويجعل مثواه الجنة

    sudansudansudansudansudansudan-sudansudansudansudansudansudan-1004.jpg Hosting at Sudaneseonline.com


    وهذه صورة لشخصي جالساً على حافة شرفة غرفتي- 222 جناح 2 الحي الجامعي السويسي 2 بالرباط، والصورة في ديسمبر 1977، وقد التقط الصورة زميل لي وهو في الأرض خارج الجناح، وغرفتي في الطابق الثاني..

    Maroc001.jpg Hosting at Sudaneseonline.com


    والصورة التالية لشخصي أجلس على حافة مثلث من الأرض عليه نخيل ونجيلة، ومعي زميل في الكلية او في الحي الجامعي، وعلى ما أذكر فالصورة في مدينة الـقنيطرة، قرب محطة الحافلات التي تأتي من الرباط باتجاه الشمال- طنجه او تطوان- ولو لم تخني الذاكرة فقد كنا في طريقنا الى الشمال في رحلة الحي الجامعي او رحلة منظمات شبابية، وقد توقفت الحافلة للاستراحة في محطة الحافلات بالـقنيطرة شمال الرباط.. وربما الصورة في العام 1977م

    Maroc062.jpg Hosting at Sudaneseonline.com


    وادرك بن بطوطة الفجر الذي لاح.. فسكت عن الكلام المباح ...
    .. والحديث ذو صلة..
    إلى اللقاء في الحلقة القادمة بإذن الله
                  

09-16-2013, 03:00 PM

Mandingoo
<aMandingoo
تاريخ التسجيل: 09-28-2002
مجموع المشاركات: 2316

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: رحلات إبن بطوطة السوداني ما بين طنجة وجاكرتا (Re: Mandingoo)


    الحلقة التسعون

    نواصل

    المغرب .. السنة الأخيرة

    يبدو أنني أتثاقل في الكتابة لكي لا أغادر المغرب الحبيب! فكما تلاحظون لي مدة لم أكتب في هذا البوست، وإذا كتبت فموجز، والسبب أن هذه هي السنة الأخيرة لي في المغرب أبان الدراسة، بل إنها الشهور الأخيرة.. وكأن نفسي تأبى- بأثر رجعي لثلث قرن- أن تغادر المغرب.. وبالفعل قلت مرة لزملائي في السنة النهائية لي بالكلية: لا أريد أن أتخرج.. أريد أن أكرر (أعيد) السنة الأخيرة هذه حتى لا أفارق المغرب.. فنصحني هؤلاء الزملاء بألا أفعل.. فقد تكون لي سبباً في عدم النجاح فيما بعد، وأكون كما قال وردي: (براي سويتا في نفسي).. لذلك عدلت عن الفكرة، وفكرت في خيار آخر هو العمل بعد التخرج في المغرب نفسها، وبالتحديد في تطوان التي أحب..

    جاء وقت الامتحان فجلست لامتحانات التحريري كالمعتاد، ونجحت، ثم بعد شهر جلست لامتحان الشفوي، وأذكر انه كانت من ضمن الشفوي مادة العرض والمناقشة، وكان أستاذ المادة هو الدكتور العراقي سهام شاكر شلال، وهو قادم من امريكا التي أمضى فيها 13 عام كما قال، وكانت لجنة الامتحان تتكون من الدكتور سهام واثنين من الأساتذة أحدهم كان أستاذاً لنا في أحد مواد الدروس التطبيقية، وكنت في أثناء العام دائم النقاش معه حول الشأن السياسي، وكنت أدافع عن الإسلاميين فيما يبدو هو يدافع عن اليسار واليساريين، وكانت الموضة في السبعينات موضة اليسار والإشتراكية، ونقيضها الممقوت هو الإمبريالية، فكان اليساريون يصنفون من لا يؤيدهم بأنه إمبريالي.. وهذا ما يبدو أنه كان يظنه بي استاذي- نسيت إسمه- وكان أثناء مناقشتي من قِبل اللجنة يقرأ في جريدة، وواقع الحال أنه كان يستمع لما يدور، لأنه عندما جاء دوره ليسألني، قال لي: أنك قلت بالحرف الواحد كذا وكذا وأنا أعرف موقفك من هذه القضايا، موقفك واضح، فضحكت وقلت له نعم، موقفي واضح، وقلت في نفسي (خربانة خربانة، خليني أموت بشجاعة)، وعلى ما أذكر كانت العبارة التي قلتها ولفتت نظره هي متعلقة بأمريكا والإمبريالية، حيث انتقدتها، ويبدو انه حسب ما صنفني فيه يستغرب مهاجمتي للإمبريالية.. والحمد لله لم يكن سبب خلافي الإيديولوجي معه قد أثر على نتيجة امتحان المادة، بل على ما أذكر تحصلت فيها على درجة كويسة، وكان أستاذ المادة لطيفاً معي، فيوم وصوله الى الكلية لأول مرة، وفي أول محاضرة له شرع يسرد لنا المراجع بالعربية، ثم بالإنجليزية وكنت استوقفه لأتأكد من اسم المرجع باللغة الانجليزية، ولم يكن الطلاب المغاربة يعرفون الانجليزية لذا لم يكترثوا بالمراجع الانجليزية، وهذا جعله يتعرف بي، وذكر لي خارج المحاضرة أنه يذكرني إذ كنت استوقفه لأكتب اسماء المراجع الانجيلزية..

    Maroc031.jpg Hosting at Sudaneseonline.com


    صورة تضمني وعائشه عمر الخبير، ثم ثريا احمد السيد حمد، ثم زميلة لبنانية، ثم محمد الطاهر حمدان، والصورة في حوش كلية الحقوق- أكدال- الرباط، وتظهر لوحة الكلية في الأعلى، وخلفنا المدخل الرئيس للكلية، كما يظهر الدور العلوي الذي توجد به بعض المدرجات، والصورة على ما يبدو في صيف العام 1976م.. لست متأكد..

    وعلى ذكر المناقشة مع الأساتذة ولكن خارج قاعات المحاضرات ومجالس الامتحانات، فقد سألت الدكتور إبراهيم دسوقي أباظة، وهو استاذ قانون مصري معروف، وكان يدرسنا مادة المالية العامة، ومادة القانون الاقتصادي، وقد أفرد جانباً منه للنظرية الماركسية في الاقتصاد وانتقدها، كذلك أورد لنا بعض نصوص الدستور السوفيتي الذي يبيح ممارسة الأديان، ثم في المادة التالية يبيح محاربة الأديان.. وقد سأله طالب هل أنت يا دكتور من الأخوان المسلمين فكان رده: (أنا مع كل فكر أصيل وضد كل فكر دخيل)، وعندما انتهت المحاضرة وخرجنا من القاعة سألته إن كان كما يقول فلماذا لم يكن مع الأخوان؟ فسرد لي بعض أخطاء الإخوان ومن ضمنها مقتل الهضيبي أو الدهبي لا أذكر..

    وادرك بن بطوطة الفجر الذي لاح.. فسكت عن الكلام المباح ...
    .. والحديث ذو صلة..
    إلى اللقاء في الحلقة القادمة بإذن الله
                  

09-17-2013, 03:23 PM

Mandingoo
<aMandingoo
تاريخ التسجيل: 09-28-2002
مجموع المشاركات: 2316

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: رحلات إبن بطوطة السوداني ما بين طنجة وجاكرتا (Re: Mandingoo)


    الحلقة الحادية والتسعين

    نواصل

    المغرب .. الإمتحانات الأخيرة

    من أساتذتنا في جامعة محمد الخامس الدكتور عبد الله إبراهيم رئيس حزب الإستقلال وأول وزير أول (رئيس وزراء) للمغرب بعد الإستقلال وعلى ما أذكر كان يدرس لنا مادة المدخل لدراسة القانون، والدكتور أمل جلال وهو مغربي وأظن أنه أصبح من السياسيين وزعماء الأحزاب الآن، والدكتور رشدي فكار المصري المعروف وعالم الفلسفة، بل إنه كان يترأس مؤتمرات فلاسفة العالم، وكان يدرس لنا مادة علم الاجتماع (السوسيولوجي)، وكان محبوباً جداً من الطلاب سواء في قسمنا أو من الأقسام الأخرى فقد كان هؤلاء يزاحموننا في قاعتنا لحضور محاضرته فتمتلئ القاعة تماماً بالطلاب من الأقسام الأخرى بما فيها الأقسام التي تدرس بالفرنسية، فقد كان يحكي الطُرف وكان له أسلوب فكاهي محبب، وكان لبسه يدل على أنه فيلسوف لا يكترث للزينة ولا للأناقة، وأذكر من عباراته التي كان يرددها عندما يطلب منه الطلاب راحة أثناء المحاضرة – التي عادة ما تكون ساعتان أو أكثر- فيقول لهم: أنتم في حاجة إلى الراحة من الراحة!

    ومن أساتذتنا الدكتور عاصم وهو مغربي أيضا وكان يدرسنا قانون الشغل، والدكتور الخمليشي استاذ القانون الجنائي، والدكتور محمد ميرغني وهو مصري نوبي وكان يدرسنا مادة القانون الإداري، وقال لنا من بداية السنة الدراسية أنه سيفهمنا المادة، وقد فعل، وقد أحرزت فيها أكبر درجة مقارنة ببقية درجاتي في المواد الأخرى.. وكان صديقاً للحلفاويين زملاءنا حيث كان يرطن رطانتهم، والدكتور البوزيدي كان يدرس لنا مادة القانون الدستوري، والدكتور المصري محمد بنونه الذي قال لنا مرة أنه أصلاً مغربي هاجر جده الى مصر حيث استقروا هناك.. وأذكر أنه في نهاية العام كان كثير المرض، ومرة أرسل إبنه الأصغر إلى الكلية لإيصال رسالة خاصة بالإمتحان، وصادفته في مدخل الكلية وسلمني الرسالة، فكتبتها على سبورة القاعة، وعقب الامتحانات وقبل أن نغادر المغرب نعى الناعي الدكتور محمد بنونه رحمه الله رحمة واسعة..

    كما أسلفت جلسنا لامتحان التحريري ونجحت والحمد لله، ثم جلسنا لامتحان الشفوي ونجحت كذلك والحمد لله، وفرحت بالنجاح وفرحت أنني سأعود الى أهلي بعد غياب عامين، ولكن حزنت لفراق المغرب الجميل.. وكان استلام الشهادة من شباك في الكلية خلف المدرجات، نقف في زحمة خارج الشباك ليسلمنا الموظف من ورائه الشهادة.. لا احتفالات ولا حفلات ولا روب تخرج ولا تصوير ولا شهادة جدارية لتعليقها في المنزل، فقط شهادة ورقية، من ورق خفيف، فيها المعلومات الأساسية وكلمة ناجح والسنة الدراسية والتقدير (الدرجة) وعبارة: (لا يستخرج من هذه الشهادة إلا نسخة واحدة)، ثم توقيع الشهادة من عميد الكلية، وكان عامذاك محمد بنونة (ليس استاذنا الذي توفيّ في نفس العام) وتطابق الأسماء يؤكد ما قاله لنا المرحوم بأنه أصلاً من المغرب، كذلك فإن إسم (بنونه) نادر في مصر، ومن شباك آخر وفي وقت آخر تحصلنا على تفاصيل درجات المواد.. ولم أنس أن أسجل في السنة الأولى من دبلوم الدراسات العليا- ويسمونه هناك السلك الثالث- وهو يعادل الماجستير.. واستلمت شهادة التسجيل، وما زلت احتفظ بها، ولم يسعفني الحظ لمواصلة الدراسة بسبب عبارة واحدة قالها لي أحد أقربائي عندما جاء إلى منزلنا وسلم عليّ وبارك لي التخرج وسألني: ماذا ستفعل بعد التخرج؟ قلت له: سأواصل دراستي، فقال لي: (يا ولدي أبوك ده ما راجيك)! وكانت عبارته – رحمه الله ورحم الله والدي- هي القاصمة، فصرفت النظر عن الرجوع للمغرب، وبحثت عن العمل، واشتغلت بالبالكالوريس، وبعد ربع قرن التحقت بماجستير في جامعة الجزيرة!!

    نعود الى المغرب وإلى الإجازة في الحقوق فرع العلوم السياسية (هذا مسمى شهادتنا التي تخرجنا بها) حيث قمنا بجولة لتوثيق الشهادات، من مكتب إلى آخر ومن وزارة التعليم العالي إلى وزارة الخارجية.. عدد كبير من الأختام والتوقيعات على ظهر الشهادة، والملاحظ أن استخراج الشهادة وتوثيقها كل هذه التوثيقات لم ندفع رسوم إلا في مرة واحدة وفقط مبلغ بسيط جداً ربما 12 درهم- فهمنا فيما بعد أن دفعنا له خطأ وما كان المفروض ان يطلبوه منا- عجيب أيها المغاربة، ندرس مجاناً ونُمنح منحة شهرية، ونسكن في الحي الجامعي برسوم رمزية، ونأكل في المطعم الجامعي برسوم رمزية أيضاً، ونسافر في رحلات ترفيهية برسوم رمزية، ولا ندفع شيئاً في استخراج شهاداتنا، ولا أي ورقة أخرى.. ونجد كل احترام وتقدير من المجتمع ومن الحكومة.. تالله ما أروعك يا المغرب، يا مغرب الأحباب (والأحباب في الدارجة المغربية تعني الأهل) ..

    وهذه صورة لمجموعة من الطلاب السودانيين في الحي الجامعي السويسي الثاني حيث يظهر أحد الأجنحة خلفنا.. ولاحظوا الى تلك الشجيرات والأزهار التي امامنا.. فعلاً كنا نعيش في بحبوحة من العيش في تلك البلاد الجميلة.. وأهلها الأجمل.. الصورة فيها (على يمينك): كمال شرف، ثريا حمد السيد حمد، شخصي، محمد أبكر إبراهيم، محمد السماني عبد الرازق..

    Maroc035.jpg Hosting at Sudaneseonline.com


    وادرك بن بطوطة الفجر الذي لاح.. فسكت عن الكلام المباح ...
    .. والحديث ذو صلة..
    إلى اللقاء في الحلقة القادمة بإذن الله
                  

09-18-2013, 03:51 PM

Mandingoo
<aMandingoo
تاريخ التسجيل: 09-28-2002
مجموع المشاركات: 2316

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: رحلات إبن بطوطة السوداني ما بين طنجة وجاكرتا (Re: Mandingoo)


    الحلقة الثانية والتسعون

    نواصل

    وداعاً مغرب الأحباب

    كان لي زميل مصري اسمه محمد سيد، وكنا نحن السودانيين نقول للمصريين زملاءنا دوماً أن السودانيين شعب مضياف، فقال لي سأثبت لك ان المصريين ايضاً شعب مضياف، ودعاني لزيارتهم في مصر، كذلك صديقي النوبي مجدي عواض الذي سبق ذكره دعاني لزيارتهم في القاهرة.. لذلك كان خط سيري هذه المرة من المغرب الى السودان يمر عن طريق القاهرة، لذلك قطعت تذكرة الرباط القاهرة الخرطوم..

    وبعد ظهور النتيجة وانتهاء العام الدراسي أغلق الحي الجامعي أبوابه، فنقلت الى أصدقائي البربر في شقتهم بحي المحيط- شارع مدغشقر- وبما أنها قريبة من وسط المدينة حيث السويقة وشارع محمد الخامس فقد تسوقت للسفر بارتياح، واشتريت ما استطعت شراؤه مما توفر لدي من المنحة المغربية هدايا للأهل بالسودان، بالإضافة لما كنت قد اشتريته من تطوان من بضائع اسبانية..

    حددت موعداً لسفري الى القاهرة يوم 6 أغسطس 1978م (ذكرى إلقاء القنبلة النووية على هيروشيما اليابانية)، وفي آخر ليلة لي بالمغرب كنت في شقة اصدقائي ولم يكن يوجد غير أحمد نور الهدى العسكري في الجيش المغربي، ثم جاءت صديقة له فأنكرها وأبعدها عنه وقال لها إنه لم يعد يريدها وأنه ينتظر أخرى، وكالمعتاد في المغربيات تمسكت به إلا أنه لم يتراجع وقال لها إذا إردت وإذا أراد السوداني إذهبي له..

    في صبيحة اليوم التالي توجهت للمطار حيث استقليت الطائرة المتوجهة الى القاهرة مودعاً مغرب الأحباب بعد ثلاثة سنوات إلا ثلاثة أشهر كانت من أجمل سني عمري، حاملاً شهادة الإجازة في الحقوق فرع العلوم السياسية، وفوقها أجمل الذكريات والتجارب الجميلة وحب المغرب وأهل المغرب وتجوال جميل في دول البحر المتوسط؛ اسبانيا وفرنسا وإيطاليا.. وتحركت الطائرة على مدرج المطار، وتجاذبتني مشاعر شتى، فرح للقاء اهلي وأصدقائي وحبيبتي، وحزن لفراق المغرب الجميل وأهله الطيبون وزملاء عزيزون من مختلف أنحاء العالم، آخرهم كوريان جنوبيان مسلمان قدما للمغرب في منحة دراسية لدراسة اللغة العربية، تذكرتهما الآن لأنني قابلتهما في مكتب الخطوط المغربية حيث كنت استلم تذكرتي للسفر الى القاهرة والخرطوم، وأذكر أن احدهما كان يسمى جون، وأحدهما كان يعرف قليلاً من اللغة العربية ولا يعرف شيئاً من الإنجليزية، والثاني كان يعرف قليلاً من الإنجليزية ولا يعرف شيئاً من العربية، وكنت أجتهد لأترجم لهما ولموظف الخطوط المغربية ما يريدان منه..

    ثم فارقت عجلات الطائرة الأرض، وارتفعت في الجو.. وتحتنا كان المغرب الجميل يبتعد عن ناظرينا قليلاً قليلاً حتى لم نعد نرى غير قمم جبال الأطلس ونحن نتجه شرقاً صوب قاهرة المعز.. وداعاً أيها المغرب الجميل، وداعاً مغرب الأحباب، وداعاً أحبابنا المغاربة..

    Maroc107001.jpg Hosting at Sudaneseonline.com

    صورة لشخصي ويظهر في خلفية الصورة الزميل إبراهيم ميرغني، وعلى ما يبدو الصورة في الحي الجامعي السويسي الأول أو قربه، وغالباً الصورة اخذت في العام 1977م حيث أن ابراهيم تخرج في نفس العام لأنه سبقني في الدخول للجامعة، حيث كان من الدفعة الأولى قدوماً الى المغرب.. والبدلة تلك التي ارتديها تشير الى العام 1977م حسب ما تورده ذاكرتي التي بدأت تخرب.. كذلك الشعر الكثيف والخدود المكتنزة.. وكانت لنا أيام..

    OmarsudanMolayIsmail001.jpg Hosting at Sudaneseonline.com


    صورة تضمني (على يمينك) ثم أبو زيد محمد صالح، ثم النور محمد احمد، ثم عبد الله خالد في حديقة بالحي الجامعي مولاي اسماعيل ويظهر في الخلفية أحد أجنحة الحي.. وعلى ما يبدو الصورة في صيف أو ربيع العام 1976م - الرباط

    وادرك بن بطوطة الفجر الذي لاح.. فسكت عن الكلام المباح ...
    .. والحديث ذو صلة..
    إلى اللقاء في الحلقة القادمة بإذن الله

    (عدل بواسطة Mandingoo on 04-24-2018, 03:38 PM)

                  

09-19-2013, 12:50 PM

Mandingoo
<aMandingoo
تاريخ التسجيل: 09-28-2002
مجموع المشاركات: 2316

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: رحلات إبن بطوطة السوداني ما بين طنجة وجاكرتا (Re: Mandingoo)


    محلق الصور لرحلة المغرب

    M.BEELY.jpg Hosting at Sudaneseonline.com

    صورة للزميل محمد البيلي، دفعتنا وفي نفس الكلية.. مهداة لشخصي

    M.BEELY001.jpg Hosting at Sudaneseonline.com

    مكتوب خلف الصورة:
    الأخ عمر أهديك رسمي عنواناً للصداقة والإخاء
    محمد البيلي
    15/1/77
    وكما يبدو من ختم الاستديو فهو استديو اطلس بالرباط- المغرب، وتاريخ ختم الاستديو هو 27 ديسمبر 1976م

    M.Khalid001.jpg Hosting at Sudaneseonline.com

    صورة للزميل محمد خالد، دفعتنا وفي نفس الكلية.. مهداة لشخصي

    مكتوب خلف الصورة:
    صديقي عمر
    للذكرى والتاريخ
    النيل يجري في الوادي
    وحبك يجري في فؤادي
    ولو كانت القلوب تهدى
    لأهديتك حبك وقلبي
    اخوك ابداً
    محمد خالد محمد عثمان
    الرباط في 24/3/1967 وهو يقصد 24/3/1976

    وكما يبدو من ختم الاستديو فهو استديو اطلس بالرباط- المغرب، وتاريخ ختم الاستديو هو 20 نوفمبر 1975م

    MohamadOmar001.jpg Hosting at Sudaneseonline.com


    صورة للزميل محمد عمر حامد، دفعتنا وفي نفس الكلية.. مهداة لشخصي..

    وختم الاستديو خلف الصورة يشير الى أنه ستديو اطلس بالرباط- المغرب، وتاريخ ختم الاستديو هو 29 ابريل 1977م
                  

09-22-2013, 03:44 PM

Mandingoo
<aMandingoo
تاريخ التسجيل: 09-28-2002
مجموع المشاركات: 2316

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: رحلات إبن بطوطة السوداني ما بين طنجة وجاكرتا (Re: Mandingoo)


    ملحق الصور لرحلة المغرب (2)

    MohammadOthman001.jpg Hosting at Sudaneseonline.com


    الزميل محمد عثمان الخليفة.. من أبناء القضارف.. شايقي.. شقيق وزير التربية والتعليم- أيام دراستنا الجامعية- محمد خير عثمان أمد الله في عمره.. درس بكلية الآداب- قسم الفلسفة- بالرباط
    الصورة للزميل محمد عثمان على شاطئ الأطلسي خلف الحي الجامعي مولاي اسماعيل بالرباط.. ربما تاريخها في العام 1977م ..
    محمد عثمان حالياً استاذ في القضارف.. قابلته قبل حوالي ثلاث أو اربع سنوات بمنزله بالقضارف بعد فراق دام ثلث قرن او على الأقل ثلاثة عقود.. له التحية

    OmarAlImam001.jpg Hosting at Sudaneseonline.com

    الزميل عمر الإمام النور.. من أبناء حليوه بالجزيرة.. زميل دراسة بمدني الثانوية ثم بجامعة محمد الخامس.. كلية الآداب..
    حالياً عمر الإمام مقيم بالرباط - المغرب حيث يمتلك ويدير مطعماً هناك.. وقد كتب خلف صورته المهداة لي:

    هدية الى
    رفيق الدرب
    الصديق الوفي
    بل الأخ العزيز
    أبداً
    عمر حسن غلام الله
    اخوك/ عمر الإمام

    OmarAlImam002.jpg Hosting at Sudaneseonline.com


    وللأسف لم يكتب تاريخ ويبدو ان لصق الصورة في الألبوم قد أزال ختم الاستديو بما فيه الختم بالتاريخ.. ولكن أخمن انها كانت في العام 1977 تقريباً

    OmarAlFarooq001.jpg Hosting at Sudaneseonline.com


    صورة للزميل الأخ عمر الفاروق.. من العاصمة.. درس معي بنفس الكلية.. أهداني هذه الصورة وكتب خلفها:
    OmarAlFarooq002.jpg Hosting at Sudaneseonline.com


    الأخ عمر
    لك رسمي اوراق اعتمادي
    أخاً وصديقاً
    مدى الحياة

    والاستديو هو اطلس كما يظهر من الختم.. كذلك ختم التاريخ يشير إلى 18/5/1976
    انقطعت اخباره عني منذ ايام الدارسة بالمغرب
                  

10-07-2013, 04:12 PM

Mandingoo
<aMandingoo
تاريخ التسجيل: 09-28-2002
مجموع المشاركات: 2316

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: رحلات إبن بطوطة السوداني ما بين طنجة وجاكرتا (Re: Mandingoo)


    ملحق الصور لرحلة المغرب (3)

    TajAlsir001.jpg Hosting at Sudaneseonline.com


    الزميل تاج السر

    TajAlsir002.jpg Hosting at Sudaneseonline.com


    والثلاثة زملاء بجامعة محمد الخامس بالرباط وفي نفس الدفعة التي دخلت العام 1975م.. تاج السر وعبد اللطيف معي في كلية الحقوق، وطلحة بكلية الآداب..

    وخلف الصورة كتب:

    الى.. حواس مرهفة جياشة
    وبعد معرفة....
    أصبحت صداقته
    حمامة بيضاء
    رفرفت
    على شغاف قلبي
    ومصاريعه الصدئة
    عمر غلام الله

    وختم ستديو اطلس- الرباط
    وتاريخ الصورة حسب ختم الاستديو 10 يناير 1978م

    TalhaJibreel001.jpg Hosting at Sudaneseonline.com


    الصورة الثانية للزميل طلحه جبريل

    TalhaJibreel002.jpg Hosting at Sudaneseonline.com


    وخلف الصورة خط بيده:
    عمر العزيز
    مع اجمل تحياتي لك
    طلحه

    وختم ستديو اطلس- الرباط
    وتاريخ الصورة حسب ختم الاستديو 7 ديسمبر 1976م

    sudansudansudansudansudansudansudansudansudansudansudansudansudansudansudansudansudansudan.JPG Hosting at Sudaneseonline.com


    الصورة الثالثة للزميل عبد اللطيف محمد خير
    وهي وصلتني مؤخراً عبر الشبكة العنكبوتية من أحد الزملاء الذين درسوا معنا في المغرب..
                  

10-23-2013, 03:12 PM

Mandingoo
<aMandingoo
تاريخ التسجيل: 09-28-2002
مجموع المشاركات: 2316

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: رحلات إبن بطوطة السوداني ما بين طنجة وجاكرتا (Re: Mandingoo)


    ملحق الصور لرحلة المغرب (4)

    Talhasudanothers.jpg Hosting at Sudaneseonline.com


    الصورة أعلاه نسختها من بوست الأخ عمر عبد السلام (الى الذين تسللوا الى جامعات فاس) في منبر سودانيز اونلاين، او ربما أرسلت إلي بالإيميل،
    والتقطت في ضريح محمد الخامس- حسبما يتضح من الخلفية- او أمام صومعة حسان، وربما في مكان آخر.. ولا أعرف تاريخها ولكن أخمن- حسب هيئة الذين فيها ولبسهم وما حفظته الذاكرة من أشكال الزملاء في الأيام الأولى لوصولهم للمغرب- أنها كانت في العام 1975 او العام 1976م..

    وتضم الصورة:
    من يمينك وقوفاً: سيف الدولة عبد المنعم، محمد السماني عبد الرازق، محمد عمر حامد، أبو زيد محمد صالح
    من يمينك جلوساً: طلحة جبريل موسى، محمد عثمان الخليفة، عمر الإمام النور، النور محمد أحمد

    ويا حليل أيامكم يا شباب.. ويا حليل مغرب الأحباب

    Talhasudanothers2.jpg Hosting at Sudaneseonline.com


    الصورة الثانية أيضاً نسختها من بوست الأخ عمر عبد السلام (الى الذين تسللوا الى جامعات فاس) في منبر سودانيز اونلاين، او ربما أرسلت إلي بالإيميل،
    والتقطت في الحي الجامعي مولاي إسماعيل- حسبما يتضح من الخلفية- او ربما في مكان آخر.. ولا أعرف تاريخها ولكن أخمن- حسب هيئة الذين فيها ولبسهم وما حفظته الذاكرة من أشكال الزملاء في الأيام الأولى لوصولهم للمغرب- أنها كانت في العام 1975

    وتضم الصورة:
    من يمينك وقوفاً: أحمد المصري- رحمه الله رحمة واسعة وأسكنه الفردوس الأعلى من الجنة، فقد علمت بوفاته قبل أشهر من الآن- ثم طلحه جبريل موسى، ثم كمال شرف، ثم عز الدين عبد الوهاب (ربما)، ثم حماد (ربما)..

    من يمينك جلوساً: محمد أبكر إبراهيم، حسن عبد اللطيف قرناص، محمد خالد محمد عثمان (ربما)، ثم النور محمد احمد..

    وجميع الذين في الصورة هم من دفعتي التي وصلت الى المغرب في العام 1975م- عدا حماد الذي كان من الدفعة التي سبقتنا- والجميع كانوا في الرباط..

    وإلى اللقاء في الحلقة القادمة بمشيئة الله..
                  

10-24-2013, 04:49 PM

Mandingoo
<aMandingoo
تاريخ التسجيل: 09-28-2002
مجموع المشاركات: 2316

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: رحلات إبن بطوطة السوداني ما بين طنجة وجاكرتا (Re: Mandingoo)


    الحلقة الثالثة والتسعون

    نواصل

    بن بطوطة السوداني في أرض الكنانة

    كان بجانبي في الطائرة سوري يكبرني في السن، فعلق على شعري الخنفس إيجابياً وسألني إن كان شعراً طبيعياً أو مستعاراً فمسكت جزء من شعري وجذبته لأثبت له انه شعري الطبيعي، فأسرع بالقول: (لا لا مصدق مصدق، بس أنا قلت كده علشان انا كنت في الصومال ورأيتهم هناك يضعون صوف الأغنام وشعر الماعز على رؤوسهم فحسبتكم مثلهم).. المهم الونسة مع هذا الشامي قصر وقت الرحلة إلى أن وصلنا مطار القاهرة..

    هبطنا من الطائرة الى أرض المطار ومنها إلى الصالات حيث ختمنا ختم الدخول على جوازاتنا، وتوجهنا الى سير العفش حيث استلمنا الشنط ووضعناها على العربات، ثم توجهنا صوب بوابة الخروج.. هأنذا حقيقة في أرض الكنانة، ففي المرة السابقة حينما كنا على متن طائرة وفد السودان المشارك في المسيرة الخضراء هبطت سودانير على مدرج المطار للتزود بالوقود، وبقينا جميعاً داخل الطائرة حتى أقلعت باتجاه أغادير.. أما الآن فأنا أمشي على تراب مصر هبة النيل..

    خلف السياج الذي يفصل المستقبلين عن ممر العبور إلى الخارج رأيت زميلي محمد سيد القالع، سلمت عليه وعلى من معه- كان سائق التاكسي- وتوجهنا صوب مواقف السيارات حيث التاكسي الذي كان يستأجره من بيته للمطار وبالعكس، وركبنا التاكسي وتوجهنا نحو حي البساتين، وفي شارع البساتين العمومي كان مسكنهم .. صعدنا إلى الشقة ، وسلمت على والده ووالدته وإخوته الذين يصغرونه سناً كلهم، واخواته واحدة شابة تصغرنا وأخرى طفلة، وخصصوا لي غرفة.. غيرت ملابسي وأخدت دوش.. وكنت قد اكتشفت وجود سائل غليظ في ملابسي الداخلية عندما دخلت حمام الطائرة، فتوجست خيفة، وعند وصولي الى أصدقائي شكوت لهم ما رأيت، فاستدعى محمد صديق له طبيب يسكن بجوارهم فجاء الى الشقة وفحصني في غرفتي فقال لي أنني مصاب بإلتهاب من النوع القوي.. هذا بسبب تلك الليلة الليلاء الأخيرة في المغرب وكما أسلفت في الحلقة السابقة (وبالفعل وصلت الأخرى فاقتنعت الأولى.. ونفذت وصيته وليتها لم تفعل.. وستعلمون لماذا عندما أصل الى أرض الكنانة..).. ها قد وصلت الى ارض الكنانة وقد أصبت من جراء ما فعلت إصابة بالغة.. ما كان يجب أن يكون وداعي للمغرب ووداع المغرب لي هكذا.. انتبهوا يا شباب، فما كل متعة تنتهي براحة.. وأصر الطبيب أن آخذ حقن، وأخبرته بما حدث لي حينما أخذت الحقن- شرحت ما حدث لي في الحلقات السابقة- ولكنه أصر على الحقن على أساس أن العدوى شديدة وأن الإلتهاب حاد جداً ولا ينفع معه غير الحقن.. اقتنعت على مضض..

    وفي دكان اللب والسوداني الذي يملكه والدهم والقريب من دارهم، وللتأكد من أنه ليس عندي حساسية من البنسلين، حقنني على ظاهر ساعدي بحقنة تجربة (حقنة صغيرة وإبرتها قصيرة وبها دواء يكشف إذا كان المريض يتحسس من البنسلين) وما إن بدأ في إدخال الإبرة في جلدي حتى أحسست بشئ في جوفي يصعد للأعلى فتابعته بيدي، وعندما وصلت يدي الى الصدر وضعت يدي على قلبي وبدأت عيناي تزغللان وبدأت أحس بدوشة، ثم لم أعد أرى شيئاً أو أسمع شيئاً.. لقد فقدت الوعي..

    ثم بدأت أسمع أصوات متداخلة أشبه بأصوات الناس في السوق، جوطه، ثم بدأت أستعيد وعيي، فأحسست بشئ يدلك صدري، فتبينت فإذا هو الدكتور يدلك مكان القلب، وحوله مجموعة من الناس منهم صاحبي محمد وأصدقائه وأخيه، وكانوا عندما دخلنا الدكان لأخذ الحقنة يجلسون خارج الدكان.. ووجدت نفسي أتصبب عرقاً، وناولوني عصير ليمون معبأ في كيس ألمنيوم، فشربته وبدأت أستعيد حالتي الطبيعية..

    الغريبة أن الطبيب لم يرَ ما يدل على وجود حساسية عندي ضد البنسلين، فالدائرة التي خطها بالقلم حول موقع طعنة الإبرة ظلت عادية ولم تنتفخ كما كان يتوقع في حالة وجود حساسية، فصنف ما أصابني بأنه حساسية نفسية.. المهم أنه أبدل الحقن بالحبوب، والحمد لله أنها أدت الغرض.. تاني تمشي تهبش!

    وادرك بن بطوطة الفجر الذي لاح.. فسكت عن الكلام المباح ...
    .. والحديث ذو صلة..
                  

10-27-2013, 03:55 PM

Mandingoo
<aMandingoo
تاريخ التسجيل: 09-28-2002
مجموع المشاركات: 2316

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: رحلات إبن بطوطة السوداني ما بين طنجة وجاكرتا (Re: Mandingoo)


    الحلقة الرابعة والتسعون

    نواصل

    قاهرة المعز


    يملك والد محمد ثلاث محلات لبيع اللب والسوداني والحلويات وما شابهها، وهي على ما يبدو تدر عليهم دخلاً جيداً بدليل مستوى المعيشة الذين يعيشونه، فما من سفرة طعام وإلا بها ما لذ وطاب من فراخ وبط ولحم، بكميات كبيرة عادة ما تبقى بعد الأكل بقية كثيرة.. مما استدعى جيشاً من الذباب في البيت، وكان عندما يرش بالمبيد يخرج من الشباك مثل سرب من طيور الزرزور ساعة مغربية يطير من حواشات العيش قرب مدني في طريقه للسراية في حي 114 حيث مسكنه.. ويتكرر إخراج (التير) كما تقول ميرفت شقيقة محمد وتقصد (الطير)- أي الذباب- بالمبيد الحشري أسراباً، ويتكرر رجوعه فرادى..

    صادف وصولي لأرض الكنانة شهر رمضان المبارك، ومصر كلها تسهر حتى الصباح، وبعد الفجر البعض ينام والبعض يواصل النهار، ولكن الحياة كانت معظمها تدب في الليل القاهري.. كان اختلافاً كبيراً بين المغرب ومصر، فالمغرب تنام مبكراً- بحد أقصى العاشرة مساء- والقاهرة لا نوم لها، أو على الأقل لا نوم بالليل فيها.. المواصلات تجدها في أي وقت، المحلات مفتوحة دوماً، الشارع يزدحم بالناس، رجالاً ونساء وأطفال..

    في مرة وانا جالس أمام أحد محلات عم محمد القالع لفت نظري خروج مجموعة من الصعايدة يتجاوز عددهم العشرة بجلاليبهم المميزة وعممهم الصغيرة من زقاق ومعهم عسكري، فسألت أخو محمد الذي كان يجلس معي عن هذا الحشد الصعيدي المفاجئ، فقال لي بكل بساطة: (فيه قريمة أتل)، فاندهشت لرده وكأنه يحكي عن فيلم.. فقلت له: (فين القتل ده)، فقال: (في الأهوه اللي قنبنا) وترجمتها (في القهوة اللي جنبنا).. وماذا يفعل هؤلاء الصعايدة؟ فأفادني بأنهم أهل القتيل، وأنهم يبحثون عن القاتل.. لماذا؟ قال لي أنهم لو وجدوه قبل ان يجده البوليس فسيقتلونه! هذا في القاهرة، وليس في الصعيد..

    بنفس التاكسي الذي أحضرني من المطار كانت زياراتي لمعالم القاهرة، فزرت برج القاهرة حيث قطعنا تذكرة وصعدنا الى أعلاه، وتفرجنا على القاهرة من أعلى نقطة فيها، وكان النادي الأهلي يبدو تحت البرج مباشرة بميادينه الخضراء.. وكذلك زرنا الإهرامات حيث شرح لنا الدليل كيف ان قدماء المصريين قطعوا الحجارة التي بنوا بها الإهرامات في عشر سنين ونقلوها في عشر سنين وبنوا الأهرامات في عشر سنين.. ودخلنا الهرم الأكبر عبر النفق الضيق- الذي كان طولي عاقه وليس كما يقول المثل: (القصر عاقه والطول فاقه)- فقد أعاقني طولي حيث اضطررت طيلة الممر الذي يصعد الى القمة حيث غرفة التابوت أن أنحني وأنا أسير، مما جعلني مشدود عضلات الظهر والعنق والكتفين لحد الألم إلى أن وصلنا الى غرفة التابوت الخالية من التابوت..

    وادرك بن بطوطة الفجر الذي لاح.. فسكت عن الكلام المباح ...
    .. والحديث ذو صلة..
    إلى اللقاء في الحلقة القادمة بإذن الله
                  

10-28-2013, 02:58 PM

Mandingoo
<aMandingoo
تاريخ التسجيل: 09-28-2002
مجموع المشاركات: 2316

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: رحلات إبن بطوطة السوداني ما بين طنجة وجاكرتا (Re: Mandingoo)


    الحلقة الخامسة والتسعون

    نواصل

    أسكندرية الرائعة

    جاءني زميلي النوبي مجدي علي إدريس عواض (شوفو كيف أنا متذكر إسمه الرباعي حتى الآن؟ ومع ذلك أقول أن ذاكرتي خربة) وأخذني معه الى منزلهم، وهو جناح في منزل سفير تشيكوسلوفاكيا حيث كان والده يعمل طباخاً او سفرجياً في المنزل، كان الجناح صغيراً وبسيطاً ولكنه كان أنيقاً ومرتباً، وكان منزل السفير في حي الدقي الراقي وقرب مستشفى السلام الدولي.. كان والديه طيبين للغاية، وكان له أخوات يصغرنه إحداهن شابة والثانية طفلة وأخ صغير، والجميع سمر اللون مثلي.. رأيت صوراً لأهله في النوبة فكأنني رأيت سودانيين في قرى الشمالية في السودان.. البيوت تشبه بيوت أهلنا في الشمال، والرجال يلبسون الجلاليب والعمم تماماً كجلاليبنا وعممنا، وفي يوم قال لي نذهب لنرى منزلهم الخاص الذي يبنونه، فخرجنا أنا وهو ووالدته، وللمفاجأة كانت والدته تلبس التوب السوداني.. تماماً كما تلبسه امي واهل السودان عامة، فسألته إن كان هذا هو لبسهم، فأجاب بالإيجاب، وكما يبدو فهو لبس الخروج كما حدث في ذلك اليوم، رغم أنها في البيت تلبس الجلابية الطويلة..

    كانت مائدة الطعام عندهم مرتبة، ليس فيها إسراف، يأكلون بالشوكة والسكين، يجلسون جميعهم على سفرة حولها كراسي، طبخاتهم ممتازة وغير دسمة، يطبخون ما يأكلون فقط بلا تبذير.. كرماء بلا تكلف، تحس بينهم بدفء العشيرة.. وأنك اقتربت كثيراً من السودان.. وكان لمجدي رغبة أن يأخذ الجنسية السودانية لتفادي التجنيد في مصر..

    تجولنا في منطقة الدقي واشتريت براويز مزخرفة ومذهبة وبعض تذكارات مصرية، مع ملاحظة أن المصنوعات الجلدية المصرية من أحزمة وشنط يد وتكايات أقل جودة وجمالاً من تلك التي تصنع في المغرب..

    سافرت الى الإسكندرية حيث أهل جيراننا في السودان- مدني- حي 114، وكانت والدتهم فوزيه وقتذاك بالإسكندرية في منزل والدتها- التركية من جهة الأم والنوبية من جهة الأب- ومكثت معهم عدة أيام في بكوس الرمل، حيث قابلت شقيقها فاروق الذي كان سابقاً يسكن أيضاً في مدني حي 114 ويعمل بورشة 114، وتعرفت على إخوانه عيد وخميس وطه وجمعة.. وأيضاً تجولنا في الإسكندرية حيث زرنا بنت أخيها رقية (دقدق)، وكانت رقية قد زارت عمتها في السودان في أوائل السبعينات، وتعرفت علينا وتعرفنا عليها.. طبعاً ناس اسكندرية مميزين جداً وطباعهم تشبه طباع السودانيين الى حد كبير، ويحبون الناس ويحفظون العشرة.. كذلك هم أولوا مروءة، فما إن تسأل أحدهم عن مكان ما او عنوان ما إلا ويرشدك إليه بدقة، وإذا أحس أنك لم تفهم منه مشى معك حتى يوصلك الى العنوان.. وهم كريمون مضيافون، يمتازن بالشهامة والإستقامة، وهكذا هي دائماً الموانئ سكانها مميزون لأنهم يختلطون بالأجانب المقيمين والعابرين فيأخذون منهم حضارات وعادات تمتزج بمرور الوقت في بوتقة المدينة..

    لاحظت ذات مساء ونحن نركب الترام انا والخالة فوزيه أن الساعة تجاوزت الثانية بعد منتصف الليل، وكأن الدنيا نهار، فاسكندرية مثل القاهرة تسهر حتى الصباح، سيما ونحن في رمضان.. وخط الترام هذا يوازي كورنيش البحر من محطة الرمل الى سيد جابر.. والإسكندرية منظمة وهادئة بالمقارنة بالقاهرة.. ونظيفة وجوها معتدل.. أحببتها أكثر من القاهرة، تحس فيها بالنفس الأوروبي، فكثير من المحلات أصحابها يونانيون، او بنيت على الطراز اليوناني أو الإيطالي، حتى أسماء المحلات والسينمات ما زالت أسماءها أجنبية..

    وادرك بن بطوطة الفجر الذي لاح.. فسكت عن الكلام المباح ...
    .. والحديث ذو صلة..
    إلى اللقاء في الحلقة القادمة بإذن الله
                  

10-29-2013, 03:07 PM

Mandingoo
<aMandingoo
تاريخ التسجيل: 09-28-2002
مجموع المشاركات: 2316

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: رحلات إبن بطوطة السوداني ما بين طنجة وجاكرتا (Re: Mandingoo)


    لحلقة السادسة والتسعون

    نواصل


    الشيخ عبد الحميد كشك


    رجعت من الإسكندرية القاهرة مرة أخرى حيث زرت شقيقة الخالة فوزية وزوجها هو أيضاً عم أولاد فوزية، أي عم محمد عابدين، ويسكنون في حي امبابه، وإبنهم صلاح يعيش في السودان منذ أواخر الستينات مع عمه وخالته جيراننا في مدني.. وبقيت في منزل زميلي محمد سيد في البساتين..


    عندما زرت تطوان في المغرب وجدت شرائط خطب صلاة الجمعة للشيخ عبد الحميد كشك، ولم أسمع به من قبل، فاشتريت منها وسمعتها، فاشتريت المزيد منها، كانت مميزة ونارية ومبكية ومضحكة في نفس الآن.. لذلك عندما وصلت قاهرة المعز كان في بالي أن أحضر صلاة جمعة معه، وبالفعل أخذنا نفس التاكسي أنا ومحمد سيد الى حدائق القبة حيث المسجد الذي يخطب فيه الشيخ كشك.. ورغم أننا ذهبنا مبكرين إلا أننا وجدنا المسجد الأساسي ملأى بالمصلين، وكذلك الملحق الواقع خلف المسجد الأصلي والذي تزيد مساحته كثيراً عن المسجد الأصلي، والأدوار الثلاث للملحق ملأى بالمصلين وأيضاً الحوش الذي يحيط بالمسجد، وكذلك خارج الحوش..

    وجلسنا ننتظر الآذان، وعندما أذن المؤذن آذان الجمعة وختمه رأيت عدداً كثيراً من الناس قاموا يشغلون المسجلات التي على حافة جدار الدور الذي نحن فيه والذي يقع أمام المصلين، ولاحظت أن هناك أعداد كبيرة متراصة من فيشات الكهرباء- بين كل فيش وآخر حوالي خمسة أو عشرة سنتيمترات- لتوصيل الكهرباء لأجهزة التسجيل التي تخص بعض المصلين- فضغط كل صاحب مسجل على زرار التشغيل وعاد يجلس في مكانه.. ثم بدأت الخطبة، وكان صوت كشك جهورياً وقوياً، وكالمعتاد منتقداً لكل خلل في المجتمع، واثقاً من نفسه، ثم في نهاية الخطبة واعظاً بصوت حزين.. وانتهت الخطبتان ووقفنا لنصلي الجمعة، وصلى بنا الشيخ كشك وانتهت الصلاة.

    وبعد الصلاة بدأ في درس، فهبطنا سلالم الدور الذي كنا فيه، وتوجهنا نحو باب المسجد الرئيسي، ولم نستطع الدخول إذ لم يخرج أحد منه، فوقفنا في باب المسجد لنرى الشيخ كشك الذي ذاع صيته في المغرب ثم المشرق، فرأيته بجلابيته وعمامته وقامته القصيرة التي يكاد لا يصل فمه الى المايك رغم أن حاملة المايك كانت الأساسية- أي بغير تطويل بحديدة أخرى- لذلك فهو يرفع رأسه عالياً ليكون فمه في مستوى المايك.. وسمعنا الدرس الذي يعقب صلاة الجمعة، وفيه أضحكنا بحكاويه وقفشاته.. رحم الله الشيخ كشك رحمة واسعة وأسكنه الفردوس الأعلى من الجنان.. ودعوني أسجل هنا سيرته الذاتية التي اقتبستها من موقع ويكيبيديا:

    عبد الحميد كشك (10 مارس1933م - 6 ديسمبر1996م الموافق للجمعة 25 رجب1417 هـ). عالم وداعية إسلامي، كفيف، يلقب بفارس المنابر ومحامي الحركة الإسلامية، ويعد من أشهر خطباء القرن العشرين في العالم العربي والإسلامي. له أكثر من 2000 خطبة مسجلة. خطب مدة أربعين سنة دون أن يخطأ مرة واحدة في اللغة العربية.

    وُلد عبد الحميد بن عبد العزيز كشك في شبراخيت بمحافظة البحيرة في العاشر من مارس لعام 1933م، وحفظ القرآن وهو دون العاشرة من عمره، ثم التحق بالمعهد الديني بالإسكندرية، وفي السنة الثانية ثانوي حصل على تقدير 100%. وكذلك في الشهادة الثانوية الأزهرية وكان ترتيبه الأول على الجمهورية، ثم التحق بكلية أصول الدين بجامعة الأزهر. وكان الأول على الكلية طوال سنوات الدراسة، وكان أثناء الدراسة الجامعية يقوم مقام الأساتذة بشرح المواد الدراسية في محاضرات عامة للطلاب بتكليف من أساتذته الذين كان الكثير منهم يعرض مادته العلمية عليه قبل شرحها للطلاب، خاصة علوم النحو والصرف.

    وادرك بن بطوطة الفجر الذي لاح.. فسكت عن الكلام المباح ...
    .. والحديث ذو صلة..
    إلى اللقاء في الحلقة القادمة بإذن الله
                  

10-30-2013, 03:55 PM

Mandingoo
<aMandingoo
تاريخ التسجيل: 09-28-2002
مجموع المشاركات: 2316

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: رحلات إبن بطوطة السوداني ما بين طنجة وجاكرتا (Re: Mandingoo)


    الحلقة السابعة والتسعون

    نواصل

    الشيخ عبد الحميد كشك (2)

    عُين عبد الحميد كشك معيداً بكلية أصول الدين عام 1957م، ولكنه لم يقم إلا بإعطاء محاضرة واحدة للطلاب بعدها رغب عن مهنة التدريس في الجامعة، حيث كانت روحه معلقة بالمنابر التي كان يرتقيها من سن 12 سنة، ولا ينسى تلك الخطبة التي ارتقى فيها منبر المسجد في قريته في هذه السن الصغيرة عندما تغيب خطيب المسجد، وكيف كان شجاعاً فوق مستوى عمره الصغير، وكيف طالب بالمساواة والتراحم بين الناس، بل وكيف طالب بالدواء والكساء لأبناء القرية، الأمر الذي أثار انتباه الناس إليه والتفافهم حوله.

    بعد تخرجه في كلية أصول الدين، حصل على إجازة التدريس بامتياز، ومثل الأزهر الشريف في عيد العلم عام 1961م، ثم عمل إماماً وخطيباً بمسجد الطحان بمنطقة الشرابية بالقاهرة. ثم انتقل إلى مسجد منوفي بالشرابية أيضاً، وفي عام 1962م تولى الإمامة والخطابة بمسجد عين الحياة، بشارع مصر والسودان بمنطقة حدائق القبة بالقاهرة. ذلك المسجد الذي ظل يخطب فيه قرابة عشرين عاماً.

    سجنه

    اعتقل عام 1965م وظل بالمعتقل لمدة عامين ونصف، تنقل خلالها بين معتقلات طرة وأبو زعبل والقلعة والسجن الحربي. تعرض لتعذيب رغم أنه كان كفيفا لا يبصر في هذه الأثناء ورغم ذلك احتفظ بوظيفته إمامًا لمسجد عين الحياة.
    في عام 1972 بدأ يكثف خطبه وكان يحضر الصلاة معه حشود هائلة من المصلين. ومنذ عام 1976 بدأ الاصطدام بالسلطة وخاصة بعد معاهدة كامب ديفيد حيث اتهم الحكومة بالخيانة للإسلام وأخذ يستعرض صور الفساد في مصر من الناحية الاجتماعية والفنية والحياة العامة. وقد ألقى القبض عليه في عام 1981 مع عدد من المعارضين السياسيين ضمن قرارات سبتمبر الشهيرة للرئيس المصري محمد أنور السادات، بعد هجوم السادات عليه في خطاب 5 سبتمبر1981. وقد أفرج عنه عام 1982 ولم يعد إلى مسجده الذي منع منه كما منع من الخطابة أو إلقاء الدروس. لقي كشك خلال هذه الاعتقالات عذاباً رهيباً ترك آثاره على كل جسده وكان اعمى البصر.

    في رحاب التفسير

    ترك عبد الحميد كشك 108 كتاب تناول كافة مناهج العمل والتربية الإسلامية، وصفت كتاباته من قبل علماء معاصرين بكونها مبسطة لمفاهيم الإسلام، ومراعية لأحتياجات الناس. وكان له كتاب من عشرة مجلدات سماه "في رحاب التفسير" ألفه بعد منعه من الخطابة وقام فيه بتفسير القرآن الكريم كاملاً، وهو تفسير يعرض للجوانب الدعوية في القرآن الكريم.
    كان عبد الحميد كشك مبصراً إلى أن صار عمره ثلاثة عشر عاماً ففقد إحدى عينيه، وفي سن السابعة عشرة، فقد العين الأخرى، وكان كثيراً ما يقول عن نفسه، كما كان يقول ابن عباس:

    إن يأخذِ الله من عينيّ نورهما * ففي فؤادي وعقلي عنهما نورُ

    وفاته

    قبل وفاته في يوم الجمعة وقبل أن ينتفل قصّ على زوجته وأولاده رؤيا وهي رؤية النبي محمد (صلى الله عليه وسلم) وعمر بن الخطاب بالمنام حيث انه رأى في منامه الرسول (صلى الله عليه وسلم) وقال له الرسول (صلى الله عليه وسلم) سلم على عمر، فسلم عليه الشيخ كشك، ثم وقع على الأرض ميتا فغسله الرسول (صلى الله عليه وسلم) بيديه فقالت له زوجته لِمَ قصصت علي هذه الرؤيا وقد علمتنا حديث النبي انه من رأى رؤيا يكرهها فلا يقصصها فقال الشيخ كشك ومن قال لك انني اكره هذه الرؤيا والله انني ارجو ان يكون الامر كما كان. ثم ذهب وتوضأ في بيته لصلاةالجمعة وكعادته، بدأ يتنفل بركعات قبل الذهاب إلى المسجد، فدخل الصلاة وصلى ركعة، وفي الركعة الثانية، سجد السجدة الأولى ورفع منها ثم سجد السجدة الثانية وفيها توفي. وكان ذلك يوم الجمعة الموافق 26 رجب 1417 هـ / 6 ديسمبر 1996م.

    وادرك بن بطوطة الفجر الذي لاح.. فسكت عن الكلام المباح ...
    .. والحديث ذو صلة..
    إلى اللقاء في الحلقة القادمة بإذن الله
                  

10-31-2013, 04:22 PM

Mandingoo
<aMandingoo
تاريخ التسجيل: 09-28-2002
مجموع المشاركات: 2316

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: رحلات إبن بطوطة السوداني ما بين طنجة وجاكرتا (Re: Mandingoo)


    الحلقة الثامنة والتسعون

    نواصل

    الحسين.. ورمضان.. والتجهيز للعيد

    في أمسيات رمضان تجولنا في الحسين، ذلك الحي العتيق، واشتريت بخور من النساء اللاتي يبعن مثل هكذا بضائع حول الحسين، ولم يكن البخور سوى نشارة خشب عليها قليل من عطر يعطي رائحة البخور.. وكان التلفزيون يعرض أنشودة جميلة تدعو النائمين للإستيقاظ للسحور هي أنشودة (وحوي يا وحوي.. أصحى يا نايم.. صحى النوم)، وبطلة الفيديو كليب طفلة صغيرة أضحت فيما بعد المطربة الكبيرة هيام يونس- التي اشتهرت بأغنية تعلق قلبي طفلة عربية:

    تعلق قلبي طفلةً عربيةً تنعمُ في الديباج والحلي والحلل
    لها مقلة لو انها نظرت بها إلى راهب قد صام لله وابتهل
    لأصبح مفتوناً معنى بحبها كأن لم يصم لله يوماً ولم يُصَل
    ولي ولها في الناس قولٌ وسُمعهٌ ولي ولها في كل ناحيهِ
    وكافٌ وكفكافٌ وكفّي بكفّها وكافٌ كَفوف الودْقِ من كفها انهمل
    حجازية العينين نجدية الحشى عراقيّة الأطراف رومّية الكَفلْ
    تِهاميّة الأبدانِ عبسيَّة اللَّمى خزاعيةُ الأَسنانِ دُرية القُبَلْ
    ولا عبتُها الشَّطْرَنْجَ خيلي ترادفتْ ورُخِّي عليها دار بالشاهِ بالعجل
    فقبّلتها تسعاً وتسعين قبلةً وواحدةً أخرى وكنت على عَجَلْ
    وعانقْتها حتى تقطَّع عقدُها وحتى فصوص الطَّوْق من جيدها انفصلْ

    - وقد قمت بتسجيل أنشودة (وحوي يا وحوي) بجهاز التسجيل الذي اشتريته في المغرب، ولكن للأسف نسيت أن آخذ الشريط معي للسودان.. وهاهي التكنولوجيا والعولمة تمكنني من سماع هذه الأنشودة الآن بكل سهولة بعد البحث عنها في القوقل وسماعها مسجلة في أحد مواقع الإنترنت.. يعني لميت في الأنشودة الضائعة مني منذ ثلث القرن.. سبحان الله..

    وكان أن اقترب عيد الفطر المبارك، والمصريون مثلنا يجهزون الكعك والبسكويت للعيد، وجلسن البنات اخوات محمد وبنت عمه التي تسكن معهم على الأرض يجهزن الكعك، فشاركتهن إعداد الكعك، فأعطتني بنت عمه ككر لأجلس عليه، وقالت لي: حط ده على .... ويبدو أن الكلمة التي قالتها عادية عندهم، إذ قالتها بوجود بنات عمها ولم تلفت نظرهن أو أرى خجلاً في وجوههن، ونحن السودانيون لا نستطيع أن ننطقها، ومعنى جملتها تلك أن إجلس على ذلك المقعد الخشبي الصغير بدلاً عن الجلوس على الأرض..

    لاحظت أن بنت عمهم هذه أحياناً أبناء عمها يضربونها، وقالت لي أيضاً زوجة عمها مرة أنها تخدمهم و(تاخد قرشين).. وفهمت ان أسرتها فقيرة، وفهمت من محمد بأن أسرته هو أيضاً كانت فقيرة وحكى لي أن أباه- وحكى لي الأب أيضاً نفس الحكاية- كان يدخن، وجاءه محمد يطلب منه قروش بسيطة لشراء كراس او أدوات مدرسية فقال له ليس عندي فلوس.. ثم قال الوالد في نفسه: (إبني يطلب كراسات ولا أعطيه حقها وأنا أشتري السجائر! والله لا أشربها إلا في غنى) ورمى بالسيجارة التي في يده.. ثم فتح الله عليه بهذا المحل الذي يبيع التسالي والفول السوداني والحلويات، ثم فتح محل آخر، فثالث وتحسنت أوضاعهم.. لذا استغربت من استغلال- أو قل استئجار- بنت عمهم في خدمتهم ومعاملتها بخشونة وصبرها على ذلك لفقرها.. ويبدو أن ذلك كله كان سبباً لطلبها الزواج مني.. ولو كان لي رغبة في الزواج وقتذاك لفكرت في شقيقة محمد ميرفت، او ربما كان اسمها فاتن لم أعد أذكر فقد اختلط عليّ اسمها واسم شقيقتها الصغرى، فقد كانت جميلة جداً وتدرس في المدرسة.. أو لكنت قد تزوجت من المغرب، سيما وأن آخر من طلب مني هذا الطلب تلك التي أصابتني بإلتهاب حاد.. لكن انتظار أهلي لي صرفني عن هكذا تفكير..

    وادرك بن بطوطة الفجر الذي لاح.. فسكت عن الكلام المباح ...
    .. والحديث ذو صلة..
    إلى اللقاء في الحلقة القادمة بإذن الله
                  

11-03-2013, 03:49 PM

Mandingoo
<aMandingoo
تاريخ التسجيل: 09-28-2002
مجموع المشاركات: 2316

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: رحلات إبن بطوطة السوداني ما بين طنجة وجاكرتا (Re: Mandingoo)


    الحلقة التاسعة والتسعون

    نواصل

    وداعاً أرض الكنانة..

    أسمعني محمد سيد شريطاً كان متداولاً في تلك الأيام في مصر، وهو أهازيج كروية حيث تسمع فيه مشجعي نادي الزمالك يغنون لناديهم، والذي علق بذاكرتي منذ ذلك الوقت- رغم أنني لا كروي، أي لا أهتم بالكرة ولا بالتشجيع سواء لفرق سودانية او مصرية او غيرها- عبارة: (وقرن شطة ملهلب الميدان) وسبب بقائها في ذاكرتي حتى الآن هي أن المقصود فيها هو سوداني لعب لنادي الزمالك أيامئذ، وهو اللاعب شطة..

    لاحظت أن محمد حينما كان يقف في دكانهم ويحتد معه زبون لسبب ما أو يتعامل معه على أساس أنه مجرد بائع لب، كان يقول له: (أنا جامعي وبأدرس في الخارج)، أي أنه ليس مجرد بائع لب وسوداني، طبعاً نحن السودانيين لا نقول ذلك حتى لو فهم الطرف الآخر ما فهم، ونرى من العيب أن نقول انا خريج او انا دكتور ما لم يستدعي الظرف ذلك أو نسأل مباشرة عن نوع الدراسة أو الوظيفة، ولكن لاحظت ان المصري عندما يعرفك بنفسه لابد ان يقرن اسمه ب: ليسانس آداب، او بكالوريوس حقوق، او المهندس او الدكتور او ماجستير كذا.. بينما نحن نذكر الإسم فقط دون ألقاب أو وظيفة او نوع الدراسة..

    أذن وقت الرحيل الى الوطن فحجزت على الطائرة السودانية المتجهة الى الخرطوم، ورتبت شنطي رغم أنني لم استطع شراء كل ما وددت، وذلك أنني كنت أعطي محمد الدولارات ليصرفها لي جنيهات حيث كان يعرف مكان الصرافات، وكان يسلمني الجنيهات، ولكن آخر دفعة لم يسلمني الجنيهات، فاستحيت أن أسأله عنها، واستغربت تصرفه هذا، ولكن كأنه قد أخذ ثمن ضيافته لي! إذاً فلم يكن كما قال لي في المغرب: (سأثبت لك ان المصريين ايضاً شعب مضياف)!! وقد علم زميلنا مجدي عواض بذلك فاستغرب هذا التصرف.. ليس هذا فحسب، بل إنه عندما ركبنا التاكسي متوجهين للمطار وودعتهم وكان والدهم في وداعي في سيارة التاكسي ورأيته يدس جنيهات في يد محمد الراكب معي ليوصلني المطار، وخمنت أن تلك الجنيهات هي لسداد أجرة التاكسي أو لإعطائي إياها، ولكنه لم يسلمني شيئاً، بل إن مجدي هو الذي أعطاني جزاه الله خيراً على ذلك، وجزا الله خيراً أبا محمد الرجل الكريم الأصيل، وجزا الله محمد وعفا عنه هذه الهفوات أو الهنات..

    احتفظت ببعض صور إخوة محمد التي أعطوني إياها، وكذلك كروت معايدة- أذكر منها واحدة فضية عليها سورة ياسين- من محمد إلى والدي ووالدتي بمناسبة قرب عيد الفطر المبارك، ولكن مطر مدني أتلف معظم صوري بما فيها صور إخوان محمد..

    خانتني الذاكرة هذه المرة فلم استطع تذكر أكثر من هذا في أرض الكنانة، لذا سأودعها وأرحل ممتطياً صهوة جواد سودانير، مودعاً محمد ومجدي في مطار القاهرة، حيث استغرقت الرحلة ساعتان، ووصلت الى مطار الخرطوم بعد غياب عن الخرطوم والسودان دام لحوالي عامين إلا قليلاً..

    وانتهت رحلة الدراسة الجامعية في المغرب..

    وادرك بن بطوطة الفجر الذي لاح.. فسكت عن الكلام المباح ...
    .. والحديث ذو صلة..
    إلى اللقاء في الحلقة القادمة بإذن الله
                  

11-04-2013, 01:52 PM

Mandingoo
<aMandingoo
تاريخ التسجيل: 09-28-2002
مجموع المشاركات: 2316

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: رحلات إبن بطوطة السوداني ما بين طنجة وجاكرتا (Re: Mandingoo)


    الحلقة المائة

    نواصل

    عدتُ إلى أرض الوطن

    وصلت الخرطوم وفجعني رحيل بن عمي (والده بن خالة والدي) السر التوم عماره الى دار البقاء، وسبب تذكري وفاته بعد ثلث قرن وأنا أسرد رحلة المغرب وعودتي منها هو أنه من حول لي الجنيهات الى دولارات والى شيكات سياحية حين سفري لأول مرة الى المغرب، حيث كان يعمل رحمه الله في البنك التجاري السوداني.. وثاني الكوارث حينما وصلت الى مدني وخلال أيام قليلة فقدنا بنت خالتي الطفلة ذات الخمس سنوات في حادث سير مؤلم، إنها رجاء عبد العاطي عمر.. ورغم هذه التراجيديا فقد سعدت بعودتي إلى أهلي ولقائي بوالديّ واخي الوحيد الصغير قمر الدولة واخواتي وبنات اختي، وبالحبيبة التي أصبحت خطيبة حيث طلبتها أمي من أمها إلى حين الخطوبة الرسمية..

    قضيت أياماً جميلة بين ظهراني الأهل والأصدقاء والجيران، إضافة للمعارف الجدد من زملاء الدراسة بالمغرب وأهليهم، وأجمل الأوقات مع الحبيبة الخطيبة.. وكما أسلفت فقد كانت نيتي أن أعود للمغرب لمواصلة دراسة دبلوم الدراسات العليا (الماجستير) بعد أن سجلت وحصلت على شهادة التسجيل، ولكن قريبنا وجدنا عبد الكريم عبيد رحمه الله ألقمني حجراً حين جاء ليسلم عليّ وسألني ماذا سأفعل- أي عقب التخرج- فقلت له سأعود لمواصلة الدراسة، فقال لي: (يا ولدي أبوك ده ما راجيك)! فغيرت تفكيري تماماً، سيما وأن ما قاله قد قاله بحضور أهلي ولم يعقبوا مما أشعرني بأنه قال ما لم يقولوه او قال ما في نفوسهم.. فصرفت النظر عن الرجوع للمغرب للدراسة، ولكن كنت أمني نفسي بالدارسة في المغرب إذا جاءتني موافقة للعمل في عمالة تطوان التي تقدمت بطلب وظيفة فيها.. ولكن تبخرت الأحلام بمرور الوقت.. وأصبح ألا مناص من العمل في السودان او في غيره من دول البترول التي لم أكن أحبذها لما سمعت من إساءة معاملة الأجانب بها، وأنا قد درست في بلد يحترم أهلوه أضيافهم..

    بعد ان قضيت وقتاً ممتعاً مع الأهل والأصدقاء والجيران والحبيبة في مدني الحبيبة سافرت للعاصمة مرة أخرى وقدمت أوراقي لزميل رحلة وفد السودان للمسيرة الخضراء الذي كان أيام المسيرة مسجل إحدى الكليات بجامعة الخرطوم، وحين قدمت له الأوراق كان مدير إداري لشركة خاصة بالخرطوم، ثم عبر خالي (بن خالة أمي) ذهبت الى قريبه وكيل وزارة الخارجية عامذاك- ووزير الخارجية فيما بعد- المرحوم هاشم عثمان بمكتبه بالدور الرابع بمبنى الوزارة القديم بشارع النيل، وأذكر وأنا في بوابة الخارجية رأيت شابين يريدان الدخول للخارجية ويحملان ظرف مكتوب عليه: عمر السيد طه، وهو دبلوماسي كان يعمل بسفارة السودان بالمغرب، توفي فيما بعد رحمة الله عليه، والشابين يبدو من أشكالهم أنهم إخوان المرحوم.. المهم وجدت اسمي مكتوباً في دفتر الزيارات في المكتب الخارجي وسمحوا لي بالدخول الى الدور الرابع الذي كان له إجراء خاص للدخول إليه لأن فيه مكتب الوزير ومكتب الوكيل.. قابلت الوكيل وعرضت عليه شهادتي لا سيما دبلوم اللغة الفرنسية، وأذكر أنه قال لي لو تقدمت ثلاثة شهور لكنت صادفت اختيارنا لأول دفعة كان امتحانها فقط اللغة الفرنسية ولأول مرة في تاريخ الوزارة- من هذه الدفعة علي قاقارين- خلاصة المقابلة أنه يجب ان أنتظر الامتحان القادم الذي قد يكون بعد سنتين بسبب التقشف الذي حرم الوزارة من تعيين دبلوماسيين جدد في ذلك العام..

    وقصدت آمال النور التي كانت تعمل في تلك الأثناء في البنك السوداني للإستثمار بعمارة الأخوة وكان أملي أن ألتحق بفرع البنك الذي سيفتح في مدني.. ذكرت لها فيما بعد في منزلهم العامر بأبي روف، بعد انتظار طال للوظيفة؛ أنني أحس بأنني عالة على أهلي وأنا الذي يجب أن أعولهم، فهونت عليّ الأمر وهدهدت خاطري بأن الوضع ليس من تقصيري ولكن بسبب عدم وجود وظائف.. طبعاً هذا العام الذي وصلت فيه الى السودان- 1978م- هو بداية التدهور في السودان، ففيه حدثت أول أزمة وقود في السودان، حيث اصبح الناس يترحلون داخل العاصمة باللواري والكارو بعد أن عاشوا عهداً زاهر حيث شركة مواصلات العاصمة- ابو رجيلة- والطراحات السهلة والتاكسيات الأنيقة.. وزامنت هذه الأزمة أزمة في السكر حيث صادفت شهر رمضان واضطر الناس لإذابة حلاوة كرملة في العصائر والحلو مر.. لقد وصلت السودان في وقت صعب..

    وادرك بن بطوطة الفجر الذي لاح.. فسكت عن الكلام المباح ...
    .. والحديث ذو صلة..
    إلى اللقاء في الحلقة القادمة بإذن الله
                  

11-04-2013, 02:42 PM

ولياب
<aولياب
تاريخ التسجيل: 02-14-2002
مجموع المشاركات: 3785

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: رحلات إبن بطوطة السوداني ما بين طنجة وجاكرتا (Re: Mandingoo)

    مادينقو

    تحية وتعظيم

    فاتني هذا القطار الجميل ، ولم أدرك الدرجة الأولى وعزاي أنني لحقت الدرجة الرابعة (الصفحة 4) وأن تلحق الرابعة خير من عربة الفرامل .

    حاجة روعة .
                  

11-05-2013, 06:21 PM

Mandingoo
<aMandingoo
تاريخ التسجيل: 09-28-2002
مجموع المشاركات: 2316

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: رحلات إبن بطوطة السوداني ما بين طنجة وجاكرتا (Re: ولياب)



    شكرا ولياب على المرور وعلى المداخلة وعلى الكلمات الجميلة دي

    انا حأحجز ليك صالون يا صديقي

    بس ما تنسى - لما تلقى وقت- تمر على الصفحات الأولى..

    تحياتي لك
                  

11-05-2013, 06:30 PM

Mandingoo
<aMandingoo
تاريخ التسجيل: 09-28-2002
مجموع المشاركات: 2316

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: رحلات إبن بطوطة السوداني ما بين طنجة وجاكرتا (Re: Mandingoo)


    الحلقة 101

    نواصل

    أول وظيفة بعد التخرج

    بعد شهور عدة أعلنت لجنة الإختيار للخدمة العامة في الصحف عن وظائف في مجلس الوزراء، فقدمت اوراقي وانتظرت مع بقية الزملاء خريجي المغرب.. وظهرت النتيجة.. وقُبلت مبدئياً على أن أجلس لمعاينة، وجلست للمعاينة، وظهرت نتيجتها.. لقد تم تعييني في المؤسسة العامة للثقافة العمالية.. ويبدو أن نقاشي حول العمالة وما درسته في العلوم السياسية في المغرب قد رشحني لهذه المؤسسة، وقد علمت فيما بعد أن مدير عام تلك المؤسسة جاء بنفسه لاختيار من يريد من الخريجين، حيث كان قبل ذلك يعمل بمصلحة العمل.. رحم الله العم حسن الطاهر البشير..

    وقد تم إلحاق بعض الزملاء خريجي المغرب بمجلس الوزراء منهم من الدفعة التي سبقتنا في التخرج من المغرب مثل عمر محمد صالح- الأمين العام للمجلس حالياً- ومن دفعتنا مصطفى البطل، وتم إلحاق إبن دفعتنا ابو بكر محمد صالح (البيبي) بالقصر الجمهوري، وفيما بعد لحقه طلال الملك، وتم إلحاق أبو بكر عبد العزيز (وكنا نلقبه في المغرب بوزير الصحة لنحافته) تم إلحاقه بمكتب العمل.. وحتى لا أنسى ففي السنوات القليلة التي تلت تم استيعاب زملاءنا عادل شرفي – دفعتنا- وأسامة نقد الله – الدفعة التي تلينا او التي تليها – بوزارة الخارجية.. وقد لحقنا بالمؤسسة العامة للثقافة العمالية من خريجي دفعة العام 1980م- وقد عاصرناهم ونحن في السنة الأخيرة- زملاءنا صلاح حسن خليفه وآخر أرجو أن أتذكر إسمه قريباً، ولابد أن أتذكره لأنه رفيقي في رحلة التقدم الى وظيفة مرة أخرى في البنك السوداني الفرنسي- البنك السوداني للإستثمار- سابقاً .. تذكرته.. إسمه عباس، ونلقبه بعباس ريكس.. عموماً سأذكر تلك القصة فيما بعد بمشيئة الله..

    وتسلمت عملي في الثقافة العمالية حيث كان مقرها بشارع 57 بامتداد الدرجة الأولى – العمارات- بالخرطوم، وكان ذلك في مارس 1979م وبعد مضي أسبوع واحد صدر قرار بمأمورية لي إلى مدينة عطبرة حيث يحتاجون لمساعد مدير مركز عطبرة بديلاً لأحمد الطيب، ورجعت مدني لأبشرهم بتوظيفي، ولأودعهم لأسافر الى عطبرة التي وصلتها في أوائل ابريل 1979م وكان بانتظاري بمحطة القطار مدير المركز فاروق سند- رحمه الله- وحاول أن يأخذني الى منزله لكني طلبت منه إيصالي الى منزل عمي- بن خالة والدي- الحاج بشير محمد احمد - رحمه الله- حيث نزلت ضيفاً عليه وعلى أسرته لمدة مأموريتي التي امتدت لثلاثة أشهر، وفيها بقي فاروق سند بالعاصمة معظم الفترة وكنت أدير المركز مع خمس كاتبات وكاتب ولكن لم يكن موسم دورات تدريبية، لذلك لم يكن هناك عمل يذكر، فقمت بتنظيم عمل المكتب وضبطه.. ثم عدت للعاصمة لحضور المؤتمر التداولي للثقافة العمالية، وبعد انتهاء المؤتمر صدر قرار بنقلي الى مركز بورسودان.. فتمردت.. فقد كنت أريد النقل الى مسقط رأسي ومهوى فؤادي ومقر أسرتي وموطن حبيبتي.. لكن في النهاية أقنعوني بتنفيذ النقل على أن يعيدوني في أقرب فرصة.. وكانت أقرب فرصة بعد عام حكومي..

    سافرت الى مدني لأودع أهلي، وكان وداع حبيبتي مميزاً، فقد بقيت معي حتى الواحدة بعد منتصف ليل مدني الذي سأسافر في غده الى الخرطوم ومنها الى بورسودان.. وكانت قد اتفقت مع بنت الجيران انها ستعود عبر جدار بيتهم، من بيتنا الى بيت الجيران الى بيتهم، وخرجنا لنجلس أمام باب بيتنا تحت النيمة- التي ما زالت باقية الى يومنا هذا- كان وداعاً حاراً.. بل حباً جارفاً في ليلة هادئة ساكنة لم يعكر صفونا شئ، ولا حتى عابر سبيل.. وانصرفت، ونمت، وفي الصباح الباكر ودعت أسرتي وتوجهت نحو موقف بصات الخرطوم حيث استقليت احدها نحو العاصمة الخرطوم، واستصدرت من المؤسسة تذكرة طائرة سودانير من الخرطوم الى بورسودان، وبالطائرة وصلت الى ميناء السودان الأول حيث كان في استقبالي خالي عابدين محمد الصادق- بن عم أمي وزوج خالتي- رحمه الله- في مطار بورسودان حيث أخذني الى منزلهم العامر بترب هدل..

    وادرك بن بطوطة الفجر الذي لاح.. فسكت عن الكلام المباح ...
    .. والحديث ذو صلة..
    إلى اللقاء في الحلقة القادمة بإذن الله
                  

11-05-2013, 11:26 PM

بكري عباس علي
<aبكري عباس علي
تاريخ التسجيل: 10-26-2009
مجموع المشاركات: 2264

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: رحلات إبن بطوطة السوداني ما بين طنجة وجاكرتا (Re: Mandingoo)

    سرد ممتع ورائع دكتور عمر عشنا معك اللحظات كاننا معك

    تحياتي
                  

11-06-2013, 10:26 AM

Mandingoo
<aMandingoo
تاريخ التسجيل: 09-28-2002
مجموع المشاركات: 2316

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: رحلات إبن بطوطة السوداني ما بين طنجة وجاكرتا (Re: بكري عباس علي)


    تسلم أخي بكري عباس
    شكرا لمرورك الكريم
    وشكرا لمداخلتك القيمة
    وشكرا لكلماتك الرائعة في حقي
    وخالص مودتي لك
                  

11-06-2013, 10:38 AM

Mandingoo
<aMandingoo
تاريخ التسجيل: 09-28-2002
مجموع المشاركات: 2316

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: رحلات إبن بطوطة السوداني ما بين طنجة وجاكرتا (Re: Mandingoo)


    الحلقة 102

    نواصل

    بورسودان.. والخطاب المدمر

    كان وصولي الى بورسودان في أوائل سبتمبر من العام 1979م وكان الجو لطيفاً.. وفي اليوم التالي ذهبت الى مقر مركز الثقافة العمالية ببورسودان، وكان داخل نادي العمال الذي يجاور نادي الخريجين القريب من موقف البصات الداخلية، تسلمت مهام عملي كمساعد لمدير المركز وكان مدير المركز الأخ حيدر إدريس، وقد نفذت عدة دورات خاصة بهيئة الموانئ البحرية، وكما حدث في مركز عطبرة فقد غادر المركز مديره الى العاصمة وتركني وحيداً في المركز، ولم يكن بالمركز أي كادر آخر سواء كتابي او حسابي او غيره، للمقارنة فقط فقد كان مركز عطبرة به ستة كتبة.. لذا كان عليّ أن أقوم بدور المدير ومساعده والكتبة والفراشين والمراسلين وكل شئ.. لحسن الحظ ان موقع المركز كان قريباً من كل المصالح الحكومية المتركزة في قلب المدينة، وبقية المشاوير كانت تتم بالمواصلات التي موقفها الرئيسي في السوق قريب جداً من موقع المركز..

    زرت أهلي الموجودين في بورسودان في أحيائها المختلفة؛ ترب هدل حيث أسكن مع خالتي، سلبونا وسلالاب وديم أبو حشيش وديم النور وديم المدينة، ولكن كان تواصلي الأكثر مع أصدقائي وأقربائي آل حمور، فقد كنت أزورهم في الأمسيات بصورة مستمرة حيث يوجد أولاد في سني وكانوا غاية في الظرف.. رغم ذلك ورغم الرحلات العلمية الترفيهية التي كانت تقام في الدورات وبعضها كان الى سواكن الأثرية فلم تكن بورسودان تروق لي، فقد كانت نفسي تهفو لمدني، ومن بمدني..

    فاصل حلمي (من حلم أو بالأصح رؤيا لأنها ستصدق) قصير: استيقظت ذات صباح وتذكرت حلماً رأيته في الليلة السابقة، وكان الحلم كئيباً، وأصبحت وأنا مكتئب، وطوال النهار ظللت كذلك، وقد أخبرت خالتي فاطمة بأنني رأيت حلماً غريباً وسيئاً وأنني ما زلت أحسه ونفسي مكتئبة بسببه– والله يستر- فقالت لي (الله يستر)!

    ومن مدني جاء والدي- رحمه الله رحمة واسعة- في مأمورية قصيرة الى بورسودان، فكان يوماً سعيداً، فسلمني خطاب من أهلي بمدني.. كان الخطاب مدمر (يبدو أن الحلم قد آن أوان تحققه)، قرأته وكأنني أقرأ حكم قضائي بإعدامي.. ، وخلاصته أن حبيبتي قالت أنها لا تريديني، وتعتبرني مثل أخيها، وأنهم- أي أهلي- (حيشوفوا) لي واحدة تانية، أو ربنا يعوضك بغيرها.. كيف هذا وأنها كانت معي لآخر ساعات لي في مدني؟ كيف هذا وأن آخر ليلة كانت من أحلى ليالي العمر وما زلت أحس بطعم القبل حتى الآن! قولوا شيئاً آخر يا أهلي غير هذا الكلام!! بعد ذلك الوداع الحار والعناق كانت هناك رسائل متبادلة من مدني والى بورسودان وبالعكس وكلها هيام وغرام.. فما الذي استجد فجأة ليقلب كل شئ رأساً على عقب؟

    استلمت الخطاب حين عودتي من المكتب حوالي الساعة الثانية او الثالثة عصراً، او عند المغرب لم أعد أذكر.. وجاء الغداء او العشاء لا أدري ولم أستطع الجلوس معهم، ولم أستطع أكل شئ.. ونام الجميع.. ولم يغمض لي جفن، وظللت أحدق في السقف بلا تفكير ولا مشاعر ولا حزن ولا غضب.. وكأن عقلي قد أصابه الشلل، وإحساسي قد تم تجميده في القطب الجنوبي.. إلى أن قال المؤذن الصلاة خير من النوم.. فقمت فصليت في المسجد المجاور ورجعت أستلقي على السرير حتى موعد العمل.. ودعت أبي الذي كان سيرجع في ذلك الصباح إلى مدني، وسألني ماذا سأفعل، قلت له سأسافر الى مدني، قال لي أحسن..

    لبست ثيابي وركبت مع خالي عابدين وشقيقه فتحي وركب معنا جار لهم، وعندما رجعت السيارة للوراء لتأخذ الطريق خنقتني عبرة.. كابدتها.. ولكن دموعي انهمرت فأخفيتها عن الذي يجلس بجانبي واجتهدت ألا يحس بأزيز البكاء داخل صدري.. لم أكن لحظة تلك العبرة أفكر بشئ، ربما فقط تذكرت الخطاب وما فيه، لم تكن المسافة بين المنزل والمركز طويلة.. أنزلوني في الشارع العام قرب المركز وواصلوا مشوارهم الى حيث عملهم في شركة الجزيرة- جلاتلي هانكي سابقاً- وما إن هبطت من السيارة ومشيت خطوات باتجاه المركز حتى أحسست بزهو عجيب.. أحسست كأنني خفيف تكاد لا تلامس أقدامي الأرض.. كأنني أقفز أو أطير ولا أسير في الأرض.. إحساس بسعادة مفاجئة وغامرة وغريبة.. والأغرب أنها عقب تلك العبرة الحرى..

    ووصلت المركز، وكانت هناك دورة تعقد، وكان عليّ حصة إدارية مع الدارسين، ولم أستطع أداءها، فكلفتهم بواجبات ورجعت لمكتبي.. ثم غادرت الى موقف البصات الذي تتخلله أكشاك لبيع المرطبات، لا أدري هل ذهبت لأفطر أم لأشرب ليمون لا أذكر، وهذه الأكشاك تبث أغاني من مسجلاتها ذات الصوت الأستريو، وكان أحد المغنين هو عثمان حسين .. وما إن سمعته حتى أحسست بالعبرة مرة أخرى، لا، بل بنشيج حاولت كتمانه.. فأسرعت بالعودة لمكتبي.. وفشلت في كتمان نشيجي.. فأسرعت بإغلاق باب المكتب المؤدي للفصل والباب المؤدي للممر، وكذلك الشبابيك.. ثم انفجرت باكياً بأعلى صوتي.. لقد فقدت السيطرة على نفسي.. ولحسن الحظ لم يكن بجوار المكتب مكاتب أخرى سوى مكتب خاص بشركة الجزيرة للأقطان- وبينه وبين مكتبي ممر وباب لكل مكتب- ولم يكن يتواجد فيه غير شخص او اثنان، ويحيط بالمكتبين حوش النادي والشارع العام.. بعد أن سكت عن النحيب استأذنت من الدارسين وقلت لهم بعد أن يكملوا واجباتهم أن يغلقوا الفصل ويغادروا الى بيوتهم.. ورجعت الى بيت خالتي باكراً- قبيل منتصف النهار- وقبل موعد انتهاء العمل..

    وادرك بن بطوطة الفجر الذي لاح.. فسكت عن الكلام المباح ...
    .. والحديث ذو صلة..
    إلى اللقاء في الحلقة القادمة بإذن الله
                  

11-07-2013, 02:59 PM

Mandingoo
<aMandingoo
تاريخ التسجيل: 09-28-2002
مجموع المشاركات: 2316

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: رحلات إبن بطوطة السوداني ما بين طنجة وجاكرتا (Re: Mandingoo)


    الحلقة 103

    نواصل

    محكمة!

    ما إن رأتني خالتي حتى صاحت فيّ: (مالك؟) لم أرد عليها.. فقد كنت معبوراً.. ثم أنفجرت باكياً.. صاحت مرة أخرى: (المات منو)، فلم أستطع الرد، فأردفت: (فلانة ماتت؟) ولا أدري لماذا جاء في بالها فلانة (خطيبتي) فسألت عنها مباشرة .. رددت عليها: (يا ريتها كان ماتت!)، وألقيت إليها بالخطاب الذي كان ما يزال في جيبي وقتها.. قرأته، ثم حاولت أن تصبّرني.. قلت لها سآخذ حبة منومة لأنني لم أذق طعم النوم منذ صباح الأمس، قالت لي انتظر حتى يستوي الطبيخ فتتغدى، ثم غرفت لي من الحلة وهي ما زالت على النار- ما زلت أذكر الطبيخ حتى اللحظة.. كان طبيخ بطاطس- فأكلت على عجل ثم ذهبت الى المضيفة حيث أنام، وكانت خالتي معي في المضيفة تواسيني وتخفف عليّ، ثم أرادت الذهاب لتواصل عملها في المطبخ.. فطلبت منها ألا تتركني وحدي! لقد فاجأني حينها خوف مبهم.. خوف من لا شئ.. فبسملت خالتي وقالت لي: (قول بسم الله).. ويبدو أنني كنت قاب قوسين أو أدنى من الإنهيار العصبي، بل وصلت بالفعل لمرحلة الإنهيار العصبي منذ البارحة.. وبحثت في دولاب خالي فتحي عن حبوب منومة كان يستعلمها عندما يشتد عليه الصداع، وبالفعل وجدت حبة فاليوم 5 فبلعتها ثم فعل الفاليوم فعله فلم أدر بنفسي إلا في صبيحة اليوم التالي.. نمت من منتصف النهار حتى صباح اليوم التالي.. سألني خالي فتحي عن حالي، وقال لي: (لا أريد أن أسألك عما حدث لك، ولكن فقط أريد أن أطمئن عليك، فقد رأيتك تنهار فجأة).. طمأنته على صحتي.

    أجريت اتصالاً مع زميلي مدير المركز- والمتواجد وقتها في الخرطوم- لأخبره بعزمي على السفر إلى مدني، وأعددت نفسي للسفر بالقطار، وعلى ما أذكر فقد استخرجت تصاريح سفر بالقطار على الدرجة الثانية من مكتب العمل حيث لا يوجد شئون إدارية تابعة لنا في بورسودان.. ثم استقليت القطار المتجه إلى الخرطوم والذي تحرك مساءاً، وحينما مرّ الكمساري وأبرزت له التصريح أخذ الصفحة الأولى والثانية وأرجع لي الثالثة بعد أن أشر عليها، ثم رجع لي فيما بعد حيث لاحظ حين مراجعة التصاريخ في قمرته أن الرقم المتسلسل في الصورة الأولى للتصريح غير مطابقة للصورة الثانية، فأخبرني بذلك وخيرني بين أن أدفع قيمة التذكرة نقداً أو أن يعمل لي اورنيك 200، حاججته بأن هذا تصريح صادر من جهة حكومية ولا ذنب لي إن كان هناك خطأ في التسلسل الرقمي، فقال لي أن ليس هناك غير الخيارين المذكورين، فاخترت أن انزل بأورنيك 200، ومعناه أنزل معتقلاً في محطة الخرطوم.. ثم فيما بعد فكرت فيما أنا فيه ونبذت العناد جانباً ودفعت قيمة التذكرة، وقد اتضح فيما بعد- حينما رجعت لبورسودان وراجعت موظف مكتب العمل الذي أصدر لي التصريح- أن التصاريح بالفعل فيها خطأ مطبعي، وقد عوضوني عن قيمة التذكرة، وكفى الله المؤمنين القتال، وكفاني الإعتقال..

    وصلت الخرطوم في اليوم التالي مساء، اي بعد حوالي 24 ساعة، وبما أن المواصلات الى مدني لا توجد بالليل فقد كان لابد من المبيت في الخرطوم، ثم انطلقت في الصباح الى موقف البصات في السوق الشعبي حيث استقليت احد بصات الصباح ووصلت الى مدني.. كان الجو مكهرباً.. حكى لي أهلي الحاصل.. أحسست من الوهلة الأولى بسخافة الإدعاء، أتوا لي بالشهود الذين رأوها مع أحدهم.. كان بعضهم أقربائي من الدرجة الأولى، وكان أحدهم- رأس الحية – صديق قريبي ومن أبناء الحي، حكوا لي ما رأوه، وكل الذي رأوه أنها كانت تقف مع أحد الطلاب الذين يستضيفهم أحد بيوت الحي، أين رأوهما؟ قالوا في الشارع! عجباً! ألهذا السبب حدث لي كل ما حدث؟ ألأنها وقفت معه في الشارع يُحْكَم بفسخ خطوبتنا؟ ومن هو هذا الدون جوان الذي هو الوحيد الوقفته معها تدل على علاقة بينهما؟ ومنذ متى وقفة فتاة مع شاب في الشارع تدعو لكل هذه الضجة؟ ففي الحي يعرف السكان بعضهم البعض، ويتزاورون ويعتبرون أهل، ويلاقي هذا بنت الجيران فيسلم عليها ويتكلم معها، وتلاقي هذه ولد الحي فربما أوصلها الى بيتها إذا كان الوقت ليلاً أو كانت ذاهبة الى مكان خارج الحي.. حي شعبي بسيط أهله متعارفون ومتآلفون.. لكن قدري أن يفسر هذه الوقفة بهكذا تفسير ليكون سبباً في تعاستي.

    ثم أرسلت في طلبها، وطلبت منهما أن يحكيا أمامها ما شاهداه، فحكى أحدهما حكاية وحكى الآخر حكاية أخرى- رغم أن المفروض انهما رأيا منظراً واحداً- فسألتها أيهما أصدق رواية، فقالت فلان!.. سألت أحدهما في أي وقت رأيتها؟ قال في الليل، وأين كانت؟ قال قرب منزل الدون جوان- منزل مضيفيه- وأين كنت أنت؟ قال كنت عند منزل علان.. ما شاء الله، قلت له لو كنت زرقاء اليمامة لما رأيت شخصين من هذا البعد وفي ظلام الليل (لا توجد أعمدة كهرباء بها أنوار في هذا الجزء من الحي)، ولو كان يرى بمنظار يعمل بالأشعة تحت الحمراء لما ميز ملامح هذين الشخصين ولما عرف هل هما ولدين أم بنتين أم ولد وبنت..

    لقد كانت حبيبتي ثابتة وتتكلم بهدوء، بل وتضحك أحياناً سخرية مما قالوا، حتى انتهرتها كيف تضحك في مثل هكذا ظروف، ولكن فيما بعد عرفت أن ذلك من قوة شخصيتها وسلامة موقفها، لقد انهزم الشاهدان- بل هما الفتّانان- أمامها، وأما الذي قيل أنها قالت له أن عمر اصبح مثل اخي فلم التفت إليه لأنه لا يصح أن ينقل مثل هكذا كلام الى أسرتي لأن الأمر لا يعنيه، ثم إنه كان أكبرهم سناً، ويكبرني بأكثر من خمس سنوات.. لم استطع أن اسامحه حتى اليوم الذي أكتب فيه هذه الذكريات الأليمة، وإن كنت قد عذرت قريبي الآخر لصغر سنه عامذاك ولأنه ضحك عليه صاحبه..

    ثم لما لم يقتنعوا بهزيمتهم أمامها أرادوا أن يأتوا ببرهان آخر ليؤكدوا لي صدق زعمهم- بعد أن فندته محبوبتي وسفّهت أقوالهم وبددت (أحلامهم)- فأتوا إليّ بالدون جوان المذكور، فوجدته إنساناً ساذجاً أقرب إلى الهبالة منه الى السذاجة، فقد تبرع لي باعترافه بأن هناك علاقة بينهما، بل وعلاقة متطورة فيها ما فيها، فقلت له: (هل تستطيع أن تقول هذا الكلام أمامها؟) قال نعم.. فسحبته من يده، فسألني إلى أين سآخذه؟ قلت له: إليها! فحاول أن يتملص من قبضة يدي ومن أقواله، ويبدو أنه مغرر به من طرف أولئك الفتّانين الذين لقنوه هذه الفرية، ولكني جذبته بإصرار باتجاه بيتها.. ووصلنا الى بيتها.. ورأيت من شباك مضيفتهم شخصاً نائماً- وقد كان الوقت ليلاً- فأسقط في يدي، إذ قد يكون هذا النائم هو والدها، فلا أستطيع طلبها، فعدلت عن مواجهته بها- لحسن حظه- وتركته وأنا أكثر اقتناعاً بأن ما حدث لعبة سخيفة ساذجة من شباب حقود استغل أهلي للتفريق بيني وبين محبوبتي الجميلة – أجمل بنات الحي بشهادة الكل- والتي لم أحبها لأنها جميلة، بل لأنني أحببتها- من النظرة الأولى- لذاتها، لشخصها، لروحها، حيث لم تكن أنوثتها قد اكتملت..

    وادرك بن بطوطة الفجر الذي لاح.. فسكت عن الكلام المباح ...
    .. والحديث ذو صلة..
    إلى اللقاء في الحلقة القادمة بإذن الله
                  

11-10-2013, 04:18 PM

Mandingoo
<aMandingoo
تاريخ التسجيل: 09-28-2002
مجموع المشاركات: 2316

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: رحلات إبن بطوطة السوداني ما بين طنجة وجاكرتا (Re: Mandingoo)


    الحلقة 104

    نواصل

    وداعاً بورسودان

    قال لي أهلي أن هذه حياتك وأنت الذي تقرر.. لكن بعد إيه؟ بعد أن غرزوا سكيناً في قلبي؟ صحيح أن العاصفة قد عدت، ولكن الزلزال ما زالت هزاته التابعة تزلزل كياني.. عشت أياماً في مدني بعد هذه المأسأة، محاولاً لعق جروحي الغائرة.. أنّبتها على تهاونها في التعامل مع هكذا أشكال من البشر، كان حسن النيّة سبباً في ما حدث لي ولها.. وقفت في الشارع مع شاب تعرفه، وهذا ليس بدعاً في البنات، فكل بنات الحي يسلمن على شباب الحي، فلماذا هذه بالذات.. ليست وحدها من نالت عقاباً مثل ذلك بسبب جمالها، فقد حدث لخطيبة قريبي وكلاهما من نفس الحي، حدث لها ما حدث لخطيبتي، إدعاء بأنها وقفت مع فلان في الشارع، وأن تلاميذ مدرسة السني يشاغلونها، وخزعبلات من هذا القبيل، فكان نصيبها أن تسببت أخواته في إنهاء علاقتهما وفُسخت الخطوبة وأضحى كل منهما في وادي..

    قضيت مع خطيبتي أياماً- لا أستطيع أن أقول إنها أياماً سعيدة- رغم إثبات براءتها مما نُسب إليها، فقد كانت حالة عدم التوازن ما تزال تلازمني، كنت التقيها يومياً في بيتنا أو في بيتهم.. ثم عدت إلى بورسودان، وسألتني خالتي لتطمئن عليّ فحكيت لها كل شئ، وسألتني لماذا فعل هؤلاء ما فعلوا، فقلت لها حسداً من عند أنفسهم! وعدت الى عملي.. وخلال فترتي في بورسودان رجعت الى مدني مرتين، مرة لزواج شقيقتي حياة من إبن عمي أنور خضر، حيث رقصت مع الخطيبة في الحفلة، وكان تركيز الجميع علينا، لقد كانوا يريدون معرفة نتائج المؤامرة علينا، وبالفعل لم يكن المزاج كما ينبغي، لقد بدأ واضحاً تأثير ما حدث علينا في تلك الليلة.. وزاد الطين بلة أحد أقربائي من الخرطوم كان (يقصنا) أثناء الرقص.. بمعنى أنه كان يدخل بيني وبينها عمداً، ورغم سذاجة قريبي هذا فالأمر كان يزيد توتري.. والمرة الثانية التي رجعت فيها لمدني كانت للعزاء في جدتي لأبي الزهره طه عليها رحمة الله وغفرانه وجعلها في الفردوس الأعلى من الجنة.. ثم عدت لبورسودان حيث أكملت التسعة أشهر وأزف وقت المؤتمر التداولي السنوي للثقافة العمالية في الخرطوم فودعت بورسودان وودعت خالتي وزوجها وأطفالها وخالي فتحي وبقية الأهل والأصدقاء وغادرت بورسودان الى العاصمة الخرطوم، وهناك حضرت المؤتمر، وبعده صدر قرار بنقلي إلى مدني مساعداً لمدير مركز الثقافة العمالية بمدني.. أخيراً سأستقر في مسقط رأسي، ومهوى فؤادي.. و.. دهراً تولى يا بثين يعود!

    عدت إلى مدني الحبيبة في يونيو 1980 وتسلمت مهام عملي بدلاً عن الريح – رحمه الله- وكان مدير المركز وقتها عبد الكريم يس، وكما حدث في المراكز الأخرى ترك لي المدير المركز ومكث بالخرطوم، كان مقر المركز في مباني المدرسة العربية بشارع الدكاترة، مع مكتبة البلدية ودار اتحاد فناني الجزيرة- الذين كانوا لا يتواجدون إلا في الأمسيات فقط- يفصل المبنى الذي يضم هذه المكاتب عن الجزء المخصص من المدرسة العربية للمجمع التعاوني الإستهلاكي سور، وعن معهد الصناعات التقليدية الموجود أيضاً في جزء من المدرسة العربية؛ شارع الدكاترة.. وكانت لنا علاقات مع مدراء هذه المؤسسات.. خاصة مكتبة البلدية وأمينها محجوب إبراهيم النور- رحمه الله- وخفيرهم عم عثمان ومراسلهم عباس ريكس وكاتبتهم سميه، أما موظفينا فقد كان الكاتب عبد الجبار- رحمه الله- والكاتبات مريم الإمام وست أبوها، وفيما بعد الريله نصر وعبد الكريم والمراسل عادل.. وكانوا كلهم في مكتب واحد، والمدير ومساعده في مكتب، ثم هناك فصل للدارسين..

    وادرك بن بطوطة الفجر الذي لاح.. فسكت عن الكلام المباح ...
    .. والحديث ذو صلة..
    إلى اللقاء في الحلقة القادمة بإذن الله
                  

11-11-2013, 03:01 PM

Mandingoo
<aMandingoo
تاريخ التسجيل: 09-28-2002
مجموع المشاركات: 2316

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: رحلات إبن بطوطة السوداني ما بين طنجة وجاكرتا (Re: Mandingoo)


    الحلقة 105

    نواصل

    مدني، والنهاية المحزنة

    بدأت علاقتي بخطيبتي تسوء بسبب خشونتي في التعامل معها، وبدأت أحس بالتوتر، كنت أجعل من كل حبة قبة.. حولت حياتها وحياتي لجحيم.. لقد بدأ مفعول الصدمة يسري.. لقد بدأت المؤامرة تؤتي ثمارها.. وجودي في مدني كان منى عمري لكي أكون بقرب الحبيبة.. ولكن يبدو أن الحاصل غير ذلك.. لم يكن الشك مصدر هذا التوتر، لأنني على يقين بأن ما حدث كان مؤامرة دنيئة دناءة من أحدثوها- على فكرة، لحد الآن وبعد مرور ثلث قرن بالتمام والكمال ما زال هؤلاء يعانون من (حق) المسكينة خطيبتي هذه، ما زالت لعنة ما قاموا به تطاردهم، لم يستقر أحد منهم في حياته، ولم يهنأ من استقر.. كبيرهم الذي علمهم السحر ما زال ينصب على خلق الله بعد أن كان ينصب على مدرسيه في المدرسة العربية، وفصل من الجامعة بفضيحة غش في الإمتحانات، وصار نصاباً معروفاً وسار صيته السيئ هذا في الركبان..

    ثم ازدادت حالتي سوءاً.. وفي لحظة توتر شديدة ذهبت إلى خطيبتي في بيتهم ودار بيننا نقاش وختمته بأن قلت لها إن حياتنا معاً أصبحت جحيماً ولابد من الفراق.. فأمنت على كلامي.. فقلت لها سأخبر أخاك لكي يخبر والدك بأن خطوبتنا قد فُسخت.. قمت من مقعدي معتقداً بأنني قد أزحت جبلاً عن كاهلي.. لقد حسمت الأمر أخيراً.. بكت أختها التي كانت حاضرة هذا الحوار وهذا القرار.. وصلت باب الغرفة والتفت إليها، لم أجد تعبيراً في وجهها يدل على شئ، لا أدري هل كانت سعيدة بهذا القرار ام حزينة.. أم مصدومة؟ خرجت من بيتهم.. ولسان حالي يقول أين تلك اللحظة العصيبة من ذلك اليوم الذي دخلت فيه منزلهم لأول مرة.. شتان ما بين رئبال وسنور.. شتان ما بين جنة ونار..

    بعد هذا اليوم العصيب قل نومي ولاذ النعاس بالفرار.. وحتى قليل النوم الذي كنت أجده أحياناً لم يكن نوماً عميقاً ولا مريحاً.. ثم بدأت أفقد شهيتي للأكل، ووصلت الى مرحلة أن أجلس في مائدة الطعام مع أهلي جبراً محاولاً عدم توتيرهم معي بعزوفي عن الأكل، ولكن كنت أمد يدي للطعام فلا أجد رغبة في الأكل، فأقطع من الخبزة وأمدها الى الملاح فتتوقف يدي في الطريق الى صحن الملاح، فأوجه الخبزة الناشفة الى فمي وأضعها فيه وأحاول أن ألوكها فلا أستطيع؛ فأشرب عليها جرعة ماء لتليينها كي أستطيع بلعها، ثم أقوم من السفرة.. والأسوأ من ذلك هو القلق، والخوف الغامض من لا شئ، ثم قلة الكلام خاصة في البيت.. كنت فقط أتحدث الى صديقي عماد سليمان- رحمه الله- رغم أنه كان أصغر مني سناً، وكان ينقل لي ما يدور في أذهان أهلي والذي يخبرونه به، وينقل لهم ما بي..

    إزداد توتري مما جعلني متحفزاً تجاه البنات وشرساً للغاية، كنت أحذّرهن مني.. وأبعدهن عني رأفة بهن، ولكن دون جدوى.. يبدو أن البنات يردن من يبعدهن، ويبعدن من يريدهن.. كنت أقول لإحداهن إنني أشتهيك فقط، وليس لي قلب يحب، فتقول لي أنا اتعلقت بيك أكتر.. كانت إحداهن قد كتبت بدمها- طعنت إبهامها بإبرة كمن يريد أخذ عينة لفحص الملاريا ثم غمست القلم فيه- على علبة الحبوب التي أعطتنيها من صيدلية مصنع النسيج الذي تعمل به: حبة كل ست ساعات! لماذا فعلت هذا؟ قالت ليشارك دمي في علاجك! تذكرت رواية الطيب صالح موسم الهجرة الى الشمال، وقول مصطفى سعيد: أنا لست عطيلاً.. أنا صحراء الظمأ..

    كنت أرى حبيبتي- التي كانت خطيبتي- في الصباح وأنا ذاهب الى العمل، وفي رحلة العودة أيضاً، حيث طريقها الى مدرسة الجزيرة حيث تدرس هو نفس طريقي الى مركز الثقافة العمالية بمباني المدرسة العربية القديمة.. وكنت أحياناً أراها في زيها المدرسي الرصاصي اللون.. فيحترق قلبي ولهاً.. ويلتهب فؤادي سيما إذا رأيت من ينظر إليها أو يعاكسها.. لقد أضعتها وتندمت.. بل لقد أضاعوها مني وأمرضوني ولا أستطيع ان أقول سامحهم الله.. وذات صباح مشيت خلفها حتى دخلت من باب المدرسة، ثم دخلت وراءها.. وكانت ما زالت في الحوش الذي يلي بوابة المدرسة وقد وقفت مع زميلة لها.. فغرت فاها دهشة، فقد حسبت أنني (جننت) وتبعتها حتى داخل المدرسة.. فتوجهت نحوها وطلبت منها ان تدلني على استاذة فلانه- حيث كان بيننا عمل- فدلتني عليها.. كذلك كنت أزور بيتهم من حين لآخر بحكم الجيرة وبحكم زمالة شقيقها الأكبر لي أيام الدراسة المتوسطة.. وأحياناً كنت أجدها فتسلم عليّ عادي، وكانت هي أحياناً تأتي الى بيتنا بحكم علاقتها بأسرتي..

    كان بعض الأطباء لهم علاقة بمركز الثقافة العمالية، حيث كنا نساعدهم في الحجز على بصات شركة مواصلات الجزيرة التي كانت نقابتها على صلة طيبة بالمركز نظراً للدورات التي كنا نعقدها لهم، أحد هؤلاء الأطباء وعلى ما أظن اسمه عبد الله حمدت الله كان بصدد فتح عيادة خاصة في حي مايو فأخذني معه لأساعده في وضع اللمسات الأخيرة لمكتبه في العيادة، وبينما كنا نرتب عيادته سألته هل مستشفى الأمراض النفسية والعصبية بمدني يعالج الأمراض العصبية فقط ام النفسية.. قال لي لماذا تسأل، فشرحت له ما أعاني من أرق وقلق وخوف مبهم، فأعطاني من عيادته حبوب وشرح لي كيفية استعمالها.. وبعد عدة أيام قابلني وسألني عن الحبوب فأجبته بأنها زادت الحالة سوءاً، فقال لي: (إنت لسه ما كملتها وتقول ما نفعت؟ إذاً علاجك ما عندي ولازم أوديك لاختصاصيين)، فكتب لي ورقة لزميله الدكتور حسن في مستشفى الأمراض النفسية والعصبية بمدني..

    وادرك بن بطوطة الفجر الذي لاح.. فسكت عن الكلام المباح ...
    .. والحديث ذو صلة..
    إلى اللقاء في الحلقة القادمة بإذن الله
                  

11-12-2013, 02:58 PM

Mandingoo
<aMandingoo
تاريخ التسجيل: 09-28-2002
مجموع المشاركات: 2316

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: رحلات إبن بطوطة السوداني ما بين طنجة وجاكرتا (Re: Mandingoo)


    الحلقة 106

    نواصل


    إكتئاب

    أخذت الورقة وذهبت الى الدكتور حسن وشرحت له ما شرحت للدكتور عبد الله، وسألني عن حياتي العاطفية فأخبرته بالقصة.. فقال لي إذاً عرفنا المشكلة، ثم تركني في مكتبه وذهب الى الاخصائي الدكتور جعفر، ثم رجع إلىّ وطلب مني الدخول الى الدكتور جعفر وهو معي، فأعدت الحكاية مرة أخرى، وسألني عدة أسئلة، ثم طلبا مني الجلوس على الكنبة المقابلة لطاولته داخل المكتب- بعيداً عنهما قليلاً- وتحادثا لفترة ثم قام د. حسن وطلب مني مرافقته لمكتبه ثم كتب لي وصفة العلاج، وكانت ثلاثة أنواع من الحبوب أذكر إسم واحد منها هو (طفرانيل)، وعلمت منهم بأن ما أعانيه هو نوع من الإكتئاب..

    بدأت بتناول تلك الأقراص بانتظام وكنت آخذ 7 حبات في اليوم، وكلما نفدت رجعت للدكتور حسن فيصرف لي حصتي منها لمدة شهر، ولكن كان في كل مرة يقلل عدد الحبات التي أتناولها في اليوم، ثم أصبحت نوعين بدلاً من ثلاثة، ثم في النهاية أصبحت نوعاً واحداً.. وأذكر أنني ذهبت في مأمورية للحصاحيصا، وعندما رجعت منها وكانت عندي مقابلة مع الدكتور حسن لاحظ نمو لحيتي وسألني عن حالتي فقلت أنها في تحسن فقال لي لِمَ لحيتك هكذا؟ فقلت له قصدت إرسالها وليست بسبب الإكتئاب.. وواضح من تقليل أنواع الحبوب وكميتها أن حالتي بدأت في التحسن، فصرت أنوم بارتياح وآكل بشهية وبدأ القلق يخف والخوف المبهم يختفي، وتحسنت صحتي البدنية التي كانت في تدهور مستمر..

    في الحصاحيصا تعرفت على دارسات في دورات الثقافة العمالية التي نفذتها بمصنع الصداقة للغزل والنسيج، كانت أجملهن، توطدت علاقتي بها حتى وصلت للأسرتين، وكانت مخطوبة، وخطيبها في السعودية، وكانت علاقتي بها لا تتعدى حدودها، ولكن وصل الخبر مزوراً الى خطيبها في السعودية، فكتب لها خطاب يقول لها فيه ما معناه لماذا قطعتي الخطابات، ام أن ناس الثقافة (العمالية) مثقفين.. فردت إليه بخطاب ساخن- كما أخبرتني- تفند فيه تلك الإشاعات المغرضة وتتهمه بعدم الثقة بها، وأنه يجب أن يثق بها ولا يسمع كلام الناس.. والغريب في الأمر أن إحدى زميلاتها- وكانت قريبتي- عندما حكيت لها موضوع الخطاب ذاك، قالت لي لماذا لا يكون؟ قلت لها يكون ماذا؟ قالت يكون الذي ظنه خطيبها.. عقدت الدهشة لساني.. قالت بوضوح لماذا لا تتزوجها أنت؟ قلت ولكنها مخطوبة! ردت بكل ثقة: ولو! أو : يعني! ففهمت جزءاً من تفكير البنات، اي يمكن أن تبيع إحداهن خطيبها في أي لحظة دون أن يطرف لها جفن، وإذا دخل أحدهم في الخط فما المانع أن تقارن بينه وبين خطيبها او حبيبها؟ ويمكن بعد ذلك ان ترجح كفة هذا أو ذاك.. عجيب أمركن يا بنات حواء، هو الحاصل بأولاد آدم بسببكن شويه؟

    وعندما حضر الخطيب للزواج وكنت وقتها في الخرطوم وبعثوا لي بالدعوة، ركبت البص من الخرطوم الى الحصاحيصا لحضور زواجها، ولم أنسى أن اشتري لها خاتم ذهب هدية زواج، وحينما هنأتهما قدمت للعريس الخاتم وقلت له ألبسه لعروسك، وكانت هي عندما رأتني في الحفل أشارت له الى شخصي وعرفته مَنْ أكون.. ثم زرتهم بعد ذلك في منزلهم بالححصاحيصا وتعرفت عليه أكثر.. واستمرت علاقتي بأسرتها في الحصاحيصا الى اليوم.. لقد خففت عني مثل هذه العلاقات الصدمة التي سببت لي الإكتئاب.

    بعد التحسن في حالتي الصحية بدأت أحس بأنني ظلمت حبيبتي- التي كانت خطيبتي- وظلمت نفسي، ولم أكن أنقطع عن بيتهم بحكم الجيرة والصلة مع أسرتها وعلاقة الزمالة المدرسية القديمة في المدرسة المتوسطة مع شقيقها الأكبر- كما أسلفت- وأحست هي بتحسن حالتي وتغير موقفي تجاهها، فبدأت تتقارب معي مرة أخرى.. وبدأت أسمع كلاماً متداولاً صادراً من أهلي بأنها بعد أن بدأتُ أطيب رجعت لحياتي مرة أخرى لكي تعيدني الى مرضي واشياء من هذا القبيل، وكأنها هي السبب فيما جرى.. في هذه الأثناء بدأت بعض الجارات يلمحن لي ببناتهن، وبعض البنات من الجيران وبنات الأهل يبتعدن عني في رسالة مفادها أنك (مشوكش) وتبحث عمن ينقذك ويعوضك حبك الضائع وبالتالي انت ستجري ورائي.. وهن لا يدرين ما كنت أقوله للأخريات البعيدات عن الحي والعائلة ممَنْ يتعلقن بي أكثر حينما أقول لهن إن قلبي متحجر لا ينبض بالحب.. وأنني صحراء الظمأ وليس عطيلاً..

    وادرك بن بطوطة الفجر الذي لاح.. فسكت عن الكلام المباح ...
    .. والحديث ذو صلة..
    إلى اللقاء في الحلقة القادمة بإذن الله
                  

11-13-2013, 10:32 AM

Mandingoo
<aMandingoo
تاريخ التسجيل: 09-28-2002
مجموع المشاركات: 2316

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: رحلات إبن بطوطة السوداني ما بين طنجة وجاكرتا (Re: Mandingoo)


    الحلقة 107

    نواصل

    تلفزيون الجزيرة الريفي

    كان تلفزيون الجزيرة الريفي يقدم برنامجاً خاصاً بالعمال هو برنامج "مجلة العمال" وكان معد ومقدم البرنامج سكرتير اتحاد عمال الجزيرة عبد اللطيف الأحمر- رحمه الله- وقد كنت ضيفاً على البرنامج في إحدى حلقاته وتكلمت عن الثقافة العمالية على الهواء مباشرة.. ثم تقدمت لإدارة التلفزيون باقتراح ان نعمل حلقة تعريفية عن الثقافة العمالية، فوافقوا، وكنت مقدم البرنامج وكان أول ضيوفي مساعد المحافظ للعمل- مدير مكتب العمل بالجزيرة- سعيد محمد الخير- رحمه الله- وقد سجلت الحلقة باستديوهات تلفزيون الجزيرة الريفي بودمدني.. ولم تبث الحلقة أبداً لوفاة سعيد في حادث مروري أليم في طريق مدني الخرطوم تسبب فيه جرار زراعي، وكان يرافق المرحوم سعيد زميلنا الريح- سلفي في مركز مدني للثقافة العمالية- الذي أصيب بجروح شفي بعدها.

    قضيت في مدني حوالي العام ونصف، جزء منها كان مأمورية للحصاحيصا، وكان مركز مدني نشطاً في مجال إقامة دورات التثقيف العمالي، فكان يتم عقد دورات لمصانع النسيج كالنيل الأزرق ونسيج مدني ونسيج الحصاحيصا وشركة مواصلات الجزيرة، كذلك كان يقيم دورات خاصة بتلاميذ التدريب المهني.. وكان المحاضرون من مكتب العمل ومن الصحة المهنية ومن التدريب المهني وبعضهم مدرسون من المدارس التجارية.. وكانت هناك مخصصات مالية لكل محاضرة- عدا المحاضرات التي يلقيها موظفو الثقافة العمالية من الدرجة بي فأعلى- والمفروض ان تدفع مخصصات المحاضر عند خروجه من محاضرته فيوقع على الكشف ويستلم مخصصاته، ثم نرجع الكشف لقسم المالية في المديرية حيث ميزانية المركز هناك..

    وفي يوم قال لي أحد المحاضرين أنه لم يستلم مخصصاته عن دورات سابقة.. كيف هذا وتوقيعك على الورقة، قال لي أن مدير المركز كان يأخذ توقيعهم على الورقة بحجة أنه سيستلم المخصصات بناء على توقيعهم.. فسألت ثاني وثالث وكلهم أجمعوا على أنهم لم يستلموا مخصصات دورتين سابقتين عقدتا في وجود مدير المركز.. فكتبت في التقرير الشهري لنشاط المركز المرفوع لرئاسة المؤسسة: (يبدو أن بعض محاضري الدورة الفلانية والدورة العلانية لم يستلموا مخصصاتهم حتى الآن).. فوصل التقرير للمدير العام الذي حول الموضوع للتحقيق، فأرسلوا مساعد مدير المركز السابق لمدني ليحقق في الأمر، وكان التوجيه له بأن يسأل المحاضرين: هل استلموا مخصصاتهم ام لا؟ وكان قد سبقه الى مدني مدير المركز الذي سلم المحاضرين مخصصاتهم.. فسأل الريح – رحمه الله- المحاضرين فقالوا انهم استلموا مخصصاتهم.. فكتبوا لي خطاباً مفاده أنك اتهمت زميلك باختلاس اموال المحاضرين وبسؤال هؤلاء المحاضرين قالوا انهم استلموا مخصصاتهم.. رددت عليهم بأنهم إذا استلموا مخصصاتهم قبل تاريخ تقريري المرفوع لرئاسة المؤسسة فالحق عليّ، وإلا فواصلوا التحقيق في الأمر الى آخره.. وبما أنهم كانوا متواطئين معه فلم يردوا عليّ وكتموا على الموضوع.. وجعلوني عدوهم..

    وادرك بن بطوطة الفجر الذي لاح.. فسكت عن الكلام المباح ...
    .. والحديث ذو صلة..
    إلى اللقاء في الحلقة القادمة بإذن الله
                  

11-17-2013, 03:53 PM

Mandingoo
<aMandingoo
تاريخ التسجيل: 09-28-2002
مجموع المشاركات: 2316

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: رحلات إبن بطوطة السوداني ما بين طنجة وجاكرتا (Re: Mandingoo)


    الحلقة 108

    نواصل

    معهد الثقافة العمالية

    ثم سافرت للخرطوم لحضور المؤتمر التداولي للثقافة العمالية، وعقب المؤتمر صدر قرار بترقيتي من مساعد مفتش الى مفتش (هذه وظائف الحكومة) وعليه فقد تم نقلي مساعداً لمدير معهد الثقافة العمالية بالسودان، ومقره الخرطوم، وكان قد صدر قرار إنشاؤه للتو، وكان قد تم تعيين مديري السابق في عطبرة فاروق سند- رحمه الله- مديراً للمعهد.. ولم يكن هناك مقر للمعهد وبالتالي لا أثاث ولا موظفين ولا كتبه ولا شئ سوى شخصي والمرحوم فاروق.. وكنا نعقد دورات نوعية بمعهد الكفاية الإنتاجية- لاحقاً مركز تطوير الإدارة- حيث كل المحاضرين من هناك، وكان مدير إدارة الإستثمار- تاج السر- يلقي على الدارسين محاضرة ويستلم مخصصاتها، فكتب اليّ مدير الإدارة عمر الصائغ – بصفتي أمسك ميزانية الدورة - استيضاح لماذا أدفع لتاج السر مخصصات وهو موظف بالمؤسسة، فرددت عليه بأن المعهد له مدير ويجب مخاطبة مدير المعهد وليس شخصي، فهناك تسلسل إداري، ثانياً إذا كان ممنوعاً على موظفي الثقافة العمالية من الدرجة بي فأعلى أخذ مخصصات مالية مقابل محاضرات، فلماذا خصصتم للمدير العام وآخرون من نفس درجة تاج السر في دورات سابقة مقابل محاضرات؟ ولماذا الآن تسألون عن تاج السر بالتحديد؟ ولم يستطع أن يرد على إجابتي تلك فابتلعها و(لبد لي في الدرة) كما يقول المصريون.

    كانت تأتي دورات وتدريب من الخارج للمؤسسة عبر منظمة العمل العربية، وكان أن رشحني مدير الإدارة لدورة في تونس، ويبدو أن عصابة الأربعة- أيامئذ كانت عصابة الأربعة تتكون من زوجة ماو تسي تونق وثلاثة رجال، وعصابتنا هذه كانت تتكون من ثلاثة موظفين وموظفة- تدخلت سلباً وعطلت ذلك الترشيح، وفي مرة وأنا أبحث عن خطاب في الملف العام الذي به صور لكل الخطابات الصادرة والواردة وجدت خطاب ترشيحي للدورة، وللأسف كان تاريخ الدورة في نفس يوم وجدت فيه الخطاب.. فدخلت على المدير العام- الذي جاء بديلاً للمدير العام الذي انتدب لليمن، وهذا الموجود للأسف كان معمياً عليه من هذه العصابة، فاحتد معي وقال لي كيف عرفت قلت له من الفلوت فايل، قال لي لماذا تفتح الفلوت فايل، قلت له انا موظف في هذه المؤسسة ومن حقي الاطلاع على الفلوت فايل، واحتددت معه واحتد معي وخرجت من مكتبه يتطاير الشرر من عينيه، وفقدت أنا الدورة بسبب ما سبق من كشف للباطل وتحديات بالحق..

    كنت عازفاً عن فكرة الإغتراب، ولكن ما كان يحدث في المؤسسة وما آل إليه حال البلد من أزمات متتالية مثل أزمة البنزين وبالتالي أزمة المواصلات وأزمة السلع مثل الخبز والسكر وغيره، وضيق العيش أثر في عزوفي هذا وجعلني أفكر في الإغتراب جدياً.. وتذكرت الطيب صالح وأنه في قطر قد يفيدني، فجاءت فكرة في رأسي للحصول على عنوانه، وهو علي مهدي الذي مثل دور الزين في فيلم عرس الزين، وكنت بحكم ترددي على شقيق خطيبتي بوزارة الثقافة قد رأيت علي مهدي، فذهبت إليه أسأله عن عنوان الطيب صالح، فدلني على شقيقه بشير- القاضي في المحكمة والتي لا تبعد كثيراً عن مقر وزارة الثقافة- فذهبت الى مولانا بشير ودخلت عليه وسلمت عليه وطلبت منه عنوان الطيب صلاح، فقال لي أن العنوان هو وزارة الثقافة – قطر، فبعثت رسالة للطيب صالح على وزارة الثقافة القطرية ولكن لم أتلق رد..

    وادرك بن بطوطة الفجر الذي لاح.. فسكت عن الكلام المباح ...
    .. والحديث ذو صلة..
    إلى اللقاء في الحلقة القادمة بإذن الله
                  

11-18-2013, 12:56 PM

Mandingoo
<aMandingoo
تاريخ التسجيل: 09-28-2002
مجموع المشاركات: 2316

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: رحلات إبن بطوطة السوداني ما بين طنجة وجاكرتا (Re: Mandingoo)


    الحلقة 109

    نواصل

    زملاء المغرب بالخرطوم

    في بدايات وصولنا الى السودان نحن الدفعة التي تخرجت في العام 1978 وكذلك الذين تخرجوا في العام 1977 من الدفعة التي سبقتنا في الوصول الى المغرب، تجمعنا عدة مرات، مرة في مقهى أتني بشارع الجمهورية، وكان أيامذاك مشهوراً ولكننا حينما تجمعنا فيه وجدنا الخدمة فيه سيئة، فلا أحد يأتيك لتعلمه بطلباتك، وكان يعمل به أحباش.. فقررنا أن يكون لقاءنا التالي في مكان غيره.. وبالفعل تجمعنا في حديقة المقرن وكانت بإشراف شعبة الشباب في الإتحاد الإشتراكي، وكان يديرها هؤلاء الشباب.. وكان عددنا أكبر من أن تسعه ترابيزة واحدة، فجمعنا تربيزتين ورصصنا الكراسي حولهما، فجاءنا أحد موظفي الحديقة وقال لنا ممنوع التجمع! فقلت له من قال لك هذا قال لي مدير الحديقة، فذهبت إليه وسألته لماذا ممنوع التجمع؟ فقال لي: انتو جايبين حاجة معاكم؟ ويقصد طبعاً الشراب، فقلت له: آه.. شاي بلبن.. هم منعوه واللا إيه؟ (مقلداً عادل إمام) فضحك وقال لي إجلسوا كما تريدون، فرجعت للزملاء وأخبرتهم بما حصل وقضينا وقتاً جميلاً مع الشاي بلبن بعد أن كانت جلستنا ستضيع بسبب بلاهة البعض..

    إنضم إلينا في المؤسسة العامة للثقافة العمالية زميلان من زملاء الدراسة في المغرب، كنت قد ذكرت اسم احدهما ونسيت الثاني، وقد تذكرته أخيراً وهو أخينا عباس (ريكس) وقد عملا معي في الرئاسة بشارع 57 وكانا ككل خريجي المغرب طيبين مرحين فاضلين.. وقد التحق الأول صلاح حسن خليفه لاحقاً بقسم الخرائط بوزارة الداخلية، وكان في الأمسيات يعمل بصيدلية شقيقه في محطة حجازي بشارع الديم زلط، وكنت أقضي معه أوقاتاً جميلة في الأمسيات عندما أكون نازلاً بمنزل عمي خضر غلام الله – رحمه الله- وكان صلاح وناساً لكن صوته كان منخفضاً جدا لدرجة أنك لا تكاد تسمعه إلا بشق الأنفس، وكان يكره ان يتحدث أحد معه بصوت عالي..

    أبلغني عباس ريكس بأن هناك زميل لهم ودفعته عمل بالبنك السعودي الفرنسي، وهو مجدي يوسف، ولم أتذكره، فقال لي عباس إن مجدي يعرفك، وكانت قد أبلغتني آمال النور أن هناك وظائف في البنك الفرنسي، كما أكدت لي أن زميلنا مجدي يوسف قد تم تعيينه في البنك بوظيفة المساعد الثاني للمدير العام، وقد مررت على مجدي في مكتبه في إحدى زياراتي لآمال، وعرفته بنفسي فقال أنه يعرفني، ولم أكن أعرفه كما حصل لي مع الأخوين صلاح وعباس ريكس اللذين التحقا بالعمل معي بالثقافة العمالية، فقد كنت في عام التخرج وهم كانوا في السنة الأولى، وعادة الجدد يعرفون القدامى وبالكاد يتذكر القدامى الجدد..المهم عرفت من آمال أن لجنة المعاينة تتكون من زميلنا مجدي ومن صلاح المهدي شقيق الصادق المهدي، فاستبشرنا خيراً، وذهبنا للمعاينة وكانت بعد المغرب بمقر البنك بالخرطوم، والتقيت بصاحبي عباس ولم يكن البنك مفتوحاً فانتظرنا أمامه حتى حضر مجدي ونزل من سيارته وهو يحمل الشنطة الدبلماسية ومر بجانبنا ولم يسلم علينا ولم يلقي تحية الإسلام على المنتظرين أمام البنك رغم أنه توقف قليلاً ريثما يفتح له الحارس باب البنك! فاستبشرنا شراً..

    وادرك بن بطوطة الفجر الذي لاح.. فسكت عن الكلام المباح ...
    .. والحديث ذو صلة..
    إلى اللقاء في الحلقة القادمة بإذن الله
                  

11-19-2013, 02:06 PM

Mandingoo
<aMandingoo
تاريخ التسجيل: 09-28-2002
مجموع المشاركات: 2316

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: رحلات إبن بطوطة السوداني ما بين طنجة وجاكرتا (Re: Mandingoo)


    الحلقة 110


    نواصل


    زميلي خريج المغرب بعدي بسنتين.. يمتحنني!


    بعد أن فتح الحارس الباب وسمح لنا بالدخول انتظرنا في القاعة للدخول للجنة المعاينة المكونة من مجدي يوسف- المساعد الثاني للمدير العام- وصلاح الهادي المهدي (رحمه الله) شقيق الصادق المهدي- المساعد الأول للمدير العام- وجاء دوري في المعاينة فجلست أمامهما ولسان حالي يقول:

    خربانه أم بناياً قش * مالا الدنيا دار الغش * تكتر في النصائب..

    الذي أسبقه بسنتين خبرة على الأقل، وسنتين دراسة يمتحنني؟!!! عجباً والله.. لقد كان لعلاقة المصاهرة بينه وبين رئيس مجلس الإدارة آنذاك- خالد فرح- حيث زوجته بنت خالة مجدي القدح المعلى في تعيينه في البنك بهذه الوظيفة.. المهم كنت قد ضمنت سيرتي الذاتية أن لدي لغة فرنسية، فتحدث معي صلاح الصادق باللغة الفرنسية، وفي اول جملة غالطني فيها، فغالطته وقال لي الحكاية غلاط؟ أو شئ من هذا القبيل عندما صممت على رأي.. ومن هنا عرفت النتيجة سلفاً.. وكان يمكن أن تكون زمالة مجدي لي سبباً في إيجابية النتيجة، لا سيما أن البنوك تفضل من تعرفه بالإضافة للكفاءة، ولكن زميلي الذي ورائي بعامين دراسيين وعامين في الخبرة وجدني لا أصلح أن اكون من ضمن موظفيه.. وكذلك كانت النتيجة سلبية بالنسبة لصديقي عباس ريكس.. ثم أشاع مجدي أنني وعباس قلنا أنه كان السبب في عدم قبولنا في البنك او شئ من هذا القبيل..

    وحتى لا أنسى فسوف أسرد مآل وظيفة مجدي في البنك السوداني للإستثمار الذي اضحى البنك السوداني الفرنسي، فقد حدثت مشكلة اضطرت السفارة الفرنسية في الخرطوم للتدخل، وكان نتيجتها ان أزيح خالد فرح من رئاسة مجلس الإدارة، فتأثر مجدي نفسياً بذلك ويبدو أنه شعر بأن وجوده في البنك مهدد، فقد قالت لي آمال انه كان يأخذ الشيك المراد توقيعه منه وينزل من مكتبه الى خارج البنك وبطريقة لا إرادية يعفص الشيك بيده حتى يكرفسه، ثم يصعد الى مكتبه.. قلت لها لقد ظلمه نسيبه بتعيينه في هذا المنصب مباشرة، فكان أفضل لمجدي ان يتدرج – ولو بسرعة- من أدنى وظيفة متدرباً فيها الى وظيفته الحالية مروراً بكل الوظائف حتى يلم بعمل كل وظيفة ويكون مصرفياً حقيقياً وليس مجرد موقّع ثاني أو ثالث على الشيكات.. وقد كان يحز في نفوس موظفي البنك أن مجدي بالبكالوريوس كان يرأس حملة الدكتوراة الذين هم رؤساء لبعض الأقسام..

    خلال تواجدي بالعاصمة انتهزت الفرصة لأواصل دراسة اللغة الفرنسية التي كنت قد بدأتها في الرباط في المركز الثقافي الفرنسي، وكنت قد درست فترة واحدة في كل سنة دراسية، اي كان مجموع الفترات ثلاث اي ما يعادل سنة ونصف، ولكن من الواضح انني كنت انتقل الى السنة الثانية ثم الثالثة بحصيلة الفترة الواحدة التي كانت دائماً هي الفصل الثاني لتأخر وصول المنحة في السنة الثانية والثالثة، ولتأخر وصولي للمغرب في السنة الأولى، مما أفقدني فرصة اللحاق بالفصل الأول.. المهم ذهبت الى المركز الثقافي الفرنسي بالدور الرابع بعمارة النيل الأزرق بالخرطوم- شارع القصر قرب تقاطعه مع شارع الجمهورية- وشرحت لهم شفاهة ما درست ولم تكن معي أوراق تخص دراستي بالمغرب، فطلبوا مني الجلوس لامتحان – ربما تحديد مستوى- ثم صححوا الورقة وقالوا لي إدخل السنة الرابعة- الفصل الثاني.. رائع، لقد اختصرت سنوات الدراسة، وبالفعل أكملت السنة الرابعة معهم ثم في السنة التالية بدأت معهم السنة الخامسة- الفصل الأول (لأول مرة أدرس الفصل الأول على الإطلاق)، وأكملته وامتحنت ونجحت ودرست الفصل الثاني وامتحنت وحصلت على شهادة السنة الخامسة..

    وادرك بن بطوطة الفجر الذي لاح.. فسكت عن الكلام المباح ...
    .. والحديث ذو صلة..
    إلى اللقاء في الحلقة القادمة بإذن الله
                  

11-20-2013, 03:13 PM

Mandingoo
<aMandingoo
تاريخ التسجيل: 09-28-2002
مجموع المشاركات: 2316

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: رحلات إبن بطوطة السوداني ما بين طنجة وجاكرتا (Re: Mandingoo)


    الحلقة 111

    نواصل

    امتحان سونا

    كانت الدراسة بالمساء، وكنت أكمل العمل في النهار ثم أمر على بيت عمي خضر غلام الله في الديوم الشرقية أو بيت خالي سراج حسن الصادق في الصحافة مربع 35 وأقيل معهم وفي المساء أذهب للمركز في وسط الخرطوم ثم بعد إنتهاء الحصة أعود لمكان سكنتي في منزل خالي الدكتور الصادق حسن الصادق في شمبات الزراعة.. لاحظت أن معظم الدارسين في المركز الفرنسي من أبناء الذوات، بنين وبنات، وتعرفت على بعضهم وما زال راسخاً في ذهني بعضهم مثل نجيب القاضي وهو رجل أعمال شاب وقد تزوج لاحقاً بزميلتنا في المركز (ساميه)، وامتدت علاقتي بهما لفترة طويلة قبل أن ينتقلا للعيش في أمريكا، كذلك كان طالب الطب علي إدريس الذي كان دفعة بنت عمي- آمنة بشير- في الكلية وكنت أزورهم في الكلية في الأمسيات من حين لآخر، وعلي هذا من القلائل الذين قبلوا في السنة السادسة في المركز الفرنسي رغم أنه كان يدرس في كلية الطب بالتوازي مع المركز الفرنسي.. وقد استفاد من دراسته للغة الفرنسية حيث حضّر الدكتوراة في فرنسا، وهو حالياً اخصائي جراحة التجميل في السلاح الطبي.. أما أنا فقد كان الإمتحان الأخير قبل سفري الى السعودية بيوم أو يومين وقد أخرت السفر مخصوص لأجلس للإمتحان..

    وكنت قد تقدمت لامتحان تحديد مستوى للالتحاق بكورس للغة الإنجليزية، وانعقد الامتحان في إحدى القاعات الكبيرة بجامعة الخرطوم، وكانت القاعة ملآى بالممتحنين، وأذكر أنني أول من سلم ورقة الإجابة، وظهرت النتيجة وبناء عليها التحقت بكورس متقدم للغة الإنجليزية بجامعة الخرطوم وقد حضرت حصة واحدة ولم أواصل والسبب كان السفر للسعودية..

    وبذكر الإمتحانات، فقد جلست لامتحان الإلتحاق بوزارة الخارجية، ولم أوفق في الإلتحاق بها.. وكذلك جلست لامتحان للإلتحاق بوكالة السودان للأنباء (سونا) وكان الإمتحان في مقرها، واذكر أنني قبل الدخول للإمتحان تعرفت على فتاة قالت لي: (أنا فراعية "خريجة جامعة القاهرة فرع الخرطوم" وبالتالي ماسحة انجليزي)، فأجبتها بأنه لا مشكلة، وسألتها كيف هي في المعلومات العامة؟ قالت كويسة.. أول ما دخلت القاعة اخترت ترابيزة فاضية وجلست عليها، فجاءت تلك الفتاة ومعها أخرى- فراعية أيضاً- وجلستا على نفس الترابيزة وبعد قليل تداعى الفراعة الى طاولتنا بمعرفة الفتاتين فامتلأت الكراسي التي حول الترابيزة.. فجاء السيوبرفايزر وطلب منا الإنتقال الى قاعة أخرى خالية لتخفيف الضغط على هذه القاعة المكتظة، فقمت وقام جميع الجالسين معي حول تلك الترابيزة وتبعوني الى القاعة الأخرى، وجلست في ترابيزة خالية، فجلسوا جميعهم معي في نفس الترابيزة، ثم جاء السوبرفايزر مرة أخرى وقال: (ليه التربيزة دي مليانة كده.. انا عايز فيها ثلاثة بس!) فقام البعض وظللت انا جالس ومعي الفتاتين وشاب آخر.. وكنت أثناء الونسة قبل الإمتحان قلت لهم أتوقع سؤال معين في موضوع كان يذاع آنذاك في الإذاعة في شكل تنويه او شئ من هذا القبيل حول الإتحاد الإشتراكي، وبالفعل جاء السؤال في الإمتحان، فاتهموني بعد الإمتحان بأنني كاشف الإمتحان لا سيما وأن أحد زملائي السباقين في الثقافة العمالية يعمل الآن بسونا، قلت لهم لو كنتم تتابعون الإذاعة لعلمتم أن مثل هكذا سؤال لابد أن يرد في امتحان سونا.

    عندما بدأ الإمتحان وجدت أربعتهم يعانون من رهاب الإمتحانات.. أما سعاد فكانت تنقل من ورقتي.. وكانت تقول لي بين الفينة والفينة: أنا ما راجياك! أي هي تنتظر إنتهائي من الإجابة لتنقلها.. ووجدتها ماسحة في الإنجليزي والمعلومات العامة وكل شئ، وكذلك زملاءها لأنهم كانوا ينقلون منها.. وقد أصابت زميلتها هستيريا فأصبحت تضحك باستمرار وبلا سبب وبطريقة تدل أن ضحكها غير عادي، وزميلهم الشاب طلب حبوب صداع حيث فاجأه صداع حاد كما قال.. ومرّ أحد المراقبين فقال لسعاد: أوعي تكوني نقلتي اسمو برضو في ورقتك! إشارة إلى نقلها من ورقتي كل إجاباتها، لذلك عندما جاء المراقب ليجمع الورق سلمته ورقتي وطلبت من سعاد أن تنتظر قليلاً فلا تسلم ورقتها بعدي مباشرة، وكانت في هذه اللحظة قد مدت الورقة للمراقب الذي مسكها ولم تفلتها هي، وسألتني لماذا، قلت لها بس انتي استني شويه، فأصرت ان تعرف وظلت ممسكة بالورقة من طرف والمراقب من طرف.. حتى قال لها المراقب انا فهمت بس انتي فكيها، فقلت لها فكيها ليهو، فأفلتتها له.. فأوضحت لها أن المصحح لو وقعت الورقتان متتابعتان في يده فسوف يدرك أنهما نسخة كربونية من بعضهما، ولكن المراقب الظريف تصرف وأبعدهما عن بعضهما..

    كذلك لم انتظر نتيجة هذا الإمتحان، فقد سافرت قبل ظهور النتيجة الى السعودية، وفي أول إجازة زرت سعاد في مكتبها بمكتب العمل وتذكرت امتحان سونا فسألتها هل النتيجة ظهرت فأجابت بالإيجاب وقالت لي إنها نحجت، فقلت لها: (وأنا؟) فقالت: (شوف ده بالله، انا اقول ليك انا نجحت.. انت كيف ما تنجح؟) فضحكت، وعرفت من أخينا قرناص زميلنا في الثقافة العمالية الذي نجح ايضا في امتحان الدخول الى سونا ان ترتيبي كان الرابع من حوالي ثلاثمائة ممتحن.. أما سعاد فرغم نجاحها في الإمتحان إلا أن نتيجة المعاينة لها كانت سلبية.. حيث قالت لي أنهم أروها صورها وهي في الجامعة تتظاهر ضد النميري.. فقد كانت حزب أمة.. لذا استمرت في عملها في مكتب العمل.. ثم حدثت الإنتفاضة فانتقلت الى القصر الجمهوري مديرة لمكتب عضو مجلس رأس الدولة عن حزب الأمة، ثم رشحت نفسها في الإنتخابات- الديمقراطية الثانية- عن فئة الخريجين.. سعاد أرتني في مفكرتها عبارة: (الليله لاقيتو) ثم تاريخ كتابتها للعبارة.. وقالت لي هل تذكر التاريخ؟ قلت لها لا.. قالت هو تاريخ امتحان سونا.. ويبدو أن الشخص الذي لاقته في الليلة ديك.. هو أنا!

    وادرك بن بطوطة الفجر الذي لاح.. فسكت عن الكلام المباح ...
    .. والحديث ذو صلة..
    إلى اللقاء في الحلقة القادمة بإذن الله
                  

11-21-2013, 10:43 AM

Mandingoo
<aMandingoo
تاريخ التسجيل: 09-28-2002
مجموع المشاركات: 2316

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: رحلات إبن بطوطة السوداني ما بين طنجة وجاكرتا (Re: Mandingoo)


    الحلقة 112

    نواصل

    حبيبتي خطبوها

    ويبدو أنني لم أحس بها وقتها لأنني كنت في حالة عدم توازن، لا سيما حينما جاء زميلي ومديري في بورسودان حيدر إدريس الى المؤسسة ذات نهار وفجر في وجهي قنبلة من العيار الثقيل- أشبه بقنبلة بوروسودان، بل أثقل منها- قال لي أن فتاتي قد خُطبت! قلت له أكيد انت غلطان، فقد بدأت المياه تعود لمجاريها بيننا.. قال لي أوليس إسمها (.....) قلت نعم، قال فقد تمت خطبتها لقريبي.. من قريبك هذا وماذا يعمل؟ قال فلان ويعمل عامل وكان في ليبيا.. ماذا تعني بكلمة عامل؟ قال لي (طُلبه- أي صبي عامل)، حينها ضحكت وقلت له إذاً المعلومة غير صحيحة.. كيف لهذه الحسناء ان تتزوج طُلبه- مع احترامي للمهنة- لا سيما وأنها قد التحقت بالجامعة..

    توجهت من المؤسسة الى الديم حيث منزل جدها وأعمامها القريب جداً من المؤسسة، وسألت إبن عمها صديقي فأمن على المعلومة.. فأصابتني نوبة من البكاء المكتوم.. طُلبه يا أيتها الحسناء الذي بسبب حسنك كانت الكارثة؟ لقد تبدد الأمل تماماً، والعودة أمست مستحيلة.. قال لي حيدر إن البنات واقعيات أكثر من الرجال، فهي حتماً قد رأت أن المستقبل معك محفوف بالمخاطر، وأنها وأسرتك لن يتفقا، بالتالي لن تعيش في سعادة معك حتى لو كانت تحبك.. أما أنا فقد عزيت ذلك إلى أنها قد جُرحت واتُهمت بتهمة تؤثر على سمعة الفتاة مهما كانت.. وخطبتها ستقطع عنها الألسن، وستثبت أنها مرغوبة، وأنها لو كانت كما أُشيع عنها لما تقدم لها أحد.. هذا تفسيري.. وحينما قابلتها في مدني لاحقاً سألتها عن هذا القبول الغريب قالت لي بما معناه أنه لو كان قبول حقيقي- أي برغبة حقيقية- لما اخترت مثل هكذا شخص، اي كان قبولها لأي طارق لبابها والسلام! وبالفعل لم تستمر الخطبة كثيراً..

    وجودي في الخرطوم خفف عني كثيراً تلك الصدمة، فوسعت من دائرة اجتماعياتي وصداقاتي- خاصة مع الجنس اللطيف- فكنت أزور صديقي عماد سليمان- رحمه الله- الذي كان يدرس في جامعة القاهرة فرع الخرطوم بالمساء ويعمل بالنهار في وزارة المالية، وهناك في وزارة المالية تعرفت على بعض البنات، كذلك في وزارة الثقافة حيث كنت أزور زميلتنا ساميه فتعرفت على بعضهن، كذلك عبر دورات الثقافة العمالية وبنات مركز تطوير الإدارة، هذا غير بنات الأهل، وكانت أجمل زياراتي تلك لكلية الطب جامعة الخرطوم حيث تدرس بنت عمي آمنة بشير حيث تعرفت على زملائها وزميلاتها منهم بابكر البشير خليفة الشاعر الفذ وكذلك علي ادريس زميلي بالمركز الثقافي الفرنسي- وهو ايضاً من ابناء مدني وشقيقه الأكبر دفعتي في مدرسة الأهلية الوسطى (أ)- وعلى الدكتورة مها محجوب زميلة شقيقتي حياة في المدرسة الوسطى.. هذه العلاقات البريئة خففت عني كثيراً..

    كذلك ساعدني وجودي بشمبات الزراعة حيث الخضرة والنيل الذي يقع بجوار منزل خالي وليس بينه وبين المنزل غير الجروف الخضراء حيث بوابة المنزل الغربية يصلها ماء الفيضان في وقت الدميري، كذلك حديقة البيت الغناء الواسعة ذات الأشجار الباسقة والتي منها القشطة الهندية والتمر هندي واللبلاب التي زُرعت في عهد الإنجليز، وكنت كذلك أزور زملائي القدامي- في مدرسة الأهلية الوسطى (أ)- والذين يدرسون في كلية الزراعة والبيطرة بجامعة الخرطوم والتي مقرها شمبات الزراعة- التي سميت شمبات بإسم الكلية- ومنهم عبد الإله محمد الحسن، وعبد العظيم عوض دفع الله، وكذلك ميرغني فضل المولى وعبد المنعم سيد أحمد من أبناء حينا 114 بمدني، وكنت أتمشى من بيت خالي الى الكلية وأجلس معهم وأحياناً أحضر مناشطهم وندواتهم وحفلاتهم.. لقد ملأت وقتي لكي أنسى!

    وقد واصلت علاجي بمستشفى بحري حيث حولني مستشفى مدني الى مستشفى بحري حسب طلبي حيث كنت اقيم في شمبات الزراعة وبالتالي مستشفى بحري كان الأقرب، فقابلت مساعدة طبية ويبدو أنها كانت شاطرة، فقد قلت لها متى اتوقف عن تناول الحبوب؟ فقالت لي إن الأعصاب تتوتر بالتدريج، ولابد أن ترتخي بالتدريج فلا تستعجل، وواصلت مراجعتها دورياً لأحصل على الحبوب التي أراحتني كثيراً..

    وادرك بن بطوطة الفجر الذي لاح.. فسكت عن الكلام المباح ...
    .. والحديث ذو صلة..
    إلى اللقاء في الحلقة القادمة بإذن الله
                  

11-24-2013, 04:09 PM

Mandingoo
<aMandingoo
تاريخ التسجيل: 09-28-2002
مجموع المشاركات: 2316

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: رحلات إبن بطوطة السوداني ما بين طنجة وجاكرتا (Re: Mandingoo)


    الحلقة 113

    نواصل

    مقالي بجريدة الأيام حول الثقافة العمالية

    نرجع للثقافة العمالية، فقد وجدت مقالاً كنت قد كتبته في جريدة (الأيام) السودانية- لم يكن في تلك الأيام غير صحيفتين يوميتين هما (الصحافة) و(الأيام)، والموضوع رد على مقال كتبه اتحاد الموظفين والمهنيين، وإليكم المقال المكتوب بجريدة الأيام الصادرة يوم الإثنين 21/3/1983م فهو يعطي ضوء على تلك الحقبة من تاريخ السودان الحديث، وعلى الثقافة العمالية ومؤسستها والعمال واتحاداتهم:

    تعقيب حول:استراتيجية الثقافة العمالية بالسودان

    اطعلت على الموضوع الذي كتبه اتحاد الموظفين والمهنيين تحت نفس العنوان بجريدة الأيام الصادرة بتاريخ 14/2/1983م.. وأسعدني أن تجد الثقافة العمالية اهتماماً من جانب الإتحاد، وراقني أنه موضوع للنقاش، وهأنذا أدلي بدلوي في الموضوع وأشير في البدء أن موضوعي هذا يحمل وجهة نظري الخاصة ولا يحمل بالضرورة وجهة نظر المؤسسة العامة للثقافة العمالية التي أنا موظف بها، كما أرجو أن يتسع النقاش لنستطيع أن نناقش دقائق الأمور لتعم الفائدة.

    من ناحية الهدف فأنا متفق معكم، وفي الموضوع برمته أتفق معكم في كثير من نقاطه، فقط أوضح بعض النقاط وأناقش أخرى، وأبدأ بما ورد بموضوعكم حول النظرة الفوقية.

    النظرة الفوقية:
    إن وضع قانون الثقافة العمالية كقانون ولوائح وتنظيم إداري بواسطة خبير أو فني لا يؤثر بالضرورة على ما يُقدم للعامل وما يحتاجه، فالتنظيم المالي والإداري شئ عام وكل مؤسسة أو منشأة وشركة تحتاجه وبنفس القدر تقريباً، أما المدة التي تُقدم وهي التي تهم العامل الدارس مباشرة- وأقصد المحاضرات التي تقدم له- فإن للخبير دور فيها محدد، فالمشاركون في تحديد المواد التي تُدرس للعامل جهات متعددة، فبالإضافة للخبراء هناك القائمون بأمر الثقافة العمالية من إداريين، وهناك العمال أنفسهم الدارسين في الدورات وذلك عن طريق استمارة (تقييم الدارس للبرامج) وفيه يذكر الدارس في نهاية الدورة وبصراحة رأيه في البرنامج أولاً من حيث استفادته من البرامج وهل هي كبيرة أم متوسطة أو ضعيفة، ثم رأيه في مدة البرامج وهل هي مناسبة أم لا، وكذلك في زمن المحاضرة، والأهم رأيه في المواد التي درسها وهل يرى أن هنالك محاضرة أو محاضرات يجب حذفها من البرامج أم لا، وهل هنالك مواد يجب إضافتها للبرامج أم لا.. ثم تجمع هذه البيانات وتفرغ في استمارة معينة ترسل لقسم الإحصاء بالمؤسسة فتتجمع لديه استمارات جميع الدورات المعقودة في كل أنحاء السودان فيستخلص منها إن كان 40% من الدارسين في البلاد قد اتفقوا على شئ واحد فسينفذ فوراً، ونشير إلى أن استمارة تقييم الدارسين للبرامج لا يكتب فيها الدارس اسمه حتى يُعطى فرصة لإبداء رأيه بصراحة وموضوعية.

    هذا من ناحية، ومن ناحية أخرى فهناك طرف آخر يشارك في تحديد المواد، بل وفي تسيير المؤسسة بوضع الخطط العريضة للمؤسسة وإجازة ميزانيتها ألا وهو مجلس الإدارة والذي يمثل العمال فيه بستة أعضاء من مجموع الـ 21 عضواً الذين يمثلون 15 جهة، وأرى أن وجود أكثر من 28.5% من العمال في مجلس الإدارة يوفر لهم فرص التأثير وخلق ما يرونه مناسباً لهم، أما العقبة الكبيرة التي تعترض الثقافة العمالية والتي يعاني منها القائمون عليها وهي عزوف العمال عن الحضور لدورات الثقافة العمالية فهي في نظرنا ليست بسبب عدم إشباع تلك المواد لحاجات العمال الثقافية، وإنما لأسباب عدة من بينها صعوبة الإتصال الشخصي بالعمال المرشحين أو المراد ترشيحهم بسبب شح وسائل الإتصالات والمواصلات، وشح الأطر الإدارية التي تقوم بذلك العمل كنظرة العمال إلى معنى الثقافة العمالية من خلال إسمها، فمعظم العمال الذين يحضرون الدورة الأساسية لأول مرة يفاجأون بالواقع الذي هو خلاف ما كانوا يتصورونه، فهم كانوا يفهمون الثقافة العمالية على أنها غسيل مخ، ولذا كانوا يتهيبون الدخول الى دوراتها، وكثير منهم كان يعتقد أنها دراسة سياسية بحتة. وبعد حضور الدورة الأساسية تزداد الرغبة في حضور دورات الثقافة العمالية المتقدمة كالقيادية والتخصصية، بل إنهم يلاحقون القائمين بأمر الثقافة العمالية ليعقدوا تلك الدورات ويشركوهم فيها، وتقل عددية هذا النوع من الدورات للعوائق المذكورة آنفاً.

    أيضاً قصور الإعلام له ضلع كبير في عزوف العمال عن الثقافة العمالية، فالشئ الذي تجهله تخافه، ورغم أننا نعرف أهمية الإعلام إلا أننا لم نستفد منه الفائدة المرجوة رغم محاولاتنا الجادة للوصول إلى العامل وإلى المخدم وإلى الإداري عبر وسائل وأجهزة الإعلام المختلفة، وفي أحيان يرجع السبب الى غير القائمين بتلك الأجهزة، وقد تشارك بعض النقابات وبعض النقابيين في تعتيم رؤية العامل للثقافة العمالية، أو جهلاً لأهميتها، أو عن قصد، أو بسبب موقف معين، أو بسبب فهم خاطئ لها.

    وبعض المخدمين لهم باع في مسألة العزوف تلك، فهم يمانعون في منح العامل إجازة دراسية مدفوعة الأجر والممنوحة له بحكم القانون لحضور دورات الثقافة العمالية.. أيضاً بسبب جهلهم لفائدة الثقافة العمالية او لحساسيات داخلية بين المخدم والنقابة. وأخيراً تدخل المعيشة وصعوبة الحياة باب تلك المسألة بالعرض، فهي سبب مباشر وأساسي لعزوف العمال؛ فإنهم يفضلون العمل الإضافي الذي هو المساعد الأول على مواجهة قسوة الحياة.

    (نواصل المقال في الحلقة القادمة بإذن الله)

    وادرك بن بطوطة الفجر الذي لاح.. فسكت عن الكلام المباح ...
    .. والحديث ذو صلة..
    إلى اللقاء في الحلقة القادمة بإذن الله
                  

11-25-2013, 01:41 PM

Mandingoo
<aMandingoo
تاريخ التسجيل: 09-28-2002
مجموع المشاركات: 2316

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: رحلات إبن بطوطة السوداني ما بين طنجة وجاكرتا (Re: Mandingoo)


    الحلقة 114

    نواصل

    مقالي بجريدة الأيام حول الثقافة العمالية (2)

    (نواصل المقال)

    الوسائل والأساليب:
    هناك الوسائل السمعية والبصرية المستخدمة في الثقافة العمالية خاصة في العاصمة بالإضافة لأداء الأدوار ودراسة الحالة وأعمال الجماعات ومجلس الإدارة الذاتي وليس المحاضرة فقط هي الوسيلة الوحيدة كما ذكرتم، وتلك الوسائل لها نسب محفوظة في البرنامج، وهنالك حصص للنقاش كما أن كثير من المحاضرين- إن لم يكن كلهم- يجزئون المحاضرة يتخللها نقاش، كما ان معظم المحاضرين بالثقافة العمالية تمرنوا على تعليم الكبار ودرسوا، ولو بالتجربة، الدورات- كدورة المثقفين العماليين- سيكولوجية العمال، وفي بعض أنواع الدورات تكون التدريبات العملية بنسب عالية تكاد تكون مساوية في زمنها للمحاضرات.. إلا أننا نعترف بقصور الوسائل السمعية والبصرية المستخدمة في الأقاليم، إذ تفتقر إليها كل المراكز.. والسبب الإمكانات..

    الهيئات المشرفة:
    لقد أشركت المؤسسة العامة للثقافة العمالية العمال في تقديم محاضرات الثقافة العمالية واستفادت كثيراً من خبرتهم، بل وهناك إداري بالمؤسسة أصلاً كان عاملاً في السابق وكان رئيساً بل أو لرئيس لاتحاد عمال السودان، بالإضافة إلى عقد ثلاث دورات للمثقِفين العماليين بالسودان ورابعة بمصر هدفها خلق المثقِفين (بكسر القاف) العماليين ليحملوا راية الثقافة العمالية، ونحن ندري أنهم أكثر فهماً لزملائهم منا.. ونرجو أن يكونوا أهلاً لذلك، أما التمويل فنوافقكم بأنه لا تطيقه الحركة النقابية لأن الحكومة أقدر منها، ورغم ذلك فإن تمويل الثقافة العمالية قاصر فما بالك بمن موارده محدودة.. وبتساؤلكم عن أن تقديم الدولة للتمويل سيتضمن عنصراً من عناصر الوصاية أو التوجيه، فنقول أنه ليس هنالك وصاية أو توجيه، وإنما يضع مجلس الإدارة الخطوط العريضة ويقوم السيد المدير العام ونوابه وموظفيه بتنفيذ الخطة السنوية باستقلال تام، وأبرز دليل على ذلك ان مديري المراكز في العاصمة والأقاليم يديرون المراكز باستقلالية تامة دون الرجوع الى الرئيس المباشر في الرئاسة إلا نادراً، ولا تتدخل الرئاسة إلا لماما، فما بالك بالمؤسسة ككل.. وأؤكد لك أنه ليس هنالك وصاية حكومية بل ان التمويل الحكومي كما ذكرتم هو جزء من قيام الحكومة بواجباتها ومسؤولياتها القومية.

    مستويات الثقافة:
    فعلاً تركيز الثقافة العمالية على الدورات العامة مرجعه كما أسلفت ضيق ذات اليد، أما الحاجة الماسة لتكوين معهد الدراسات العمالية التخصصية فقد أدت فعلاً إلى تكوين (المعهد المركزي للثقافة العمالية) والذي يقوم بعقد الدورات التخصصية تاركاً الدورات العامة والدورات القيادية لتقوم بها المراكز في العاصمة والأقاليم، وللأسف فإن هذا المعهد الذي يحمل هذا الإسم العملاق والمسؤولية الأكثر كبراً ليس به سوى مدير ونائبه (.... وبس!) ولا مبنى له ولا ميزانية ولا أطر إدارية أخرى ولا أطر مساعدة، وحين يقرر المعهد عقد دورة تخصصية، وبدلاً أن يركز جهده على الترشيح والتفرغ وإعداد البرنامج والإتصال بالمحاضرين؛ نجده يبذل مجهوداً كبيراً في الحصول على قاعة ليعقد عليها الدورة، فيتصل تارة بمركز تطوير الإدارة وأخرى بأكاديمية السودان للعلوم الإدارية وثالثة بدار العاملين بجامعة الخرطوم للحصول على قاعة دراسية لمدة اسبوعين او ثلاثة هي مدة الدورة.وبخصوص معالجة الثقافة العمالية لقضايا مثل المطلبية والنقابية والتنظيم والبنيان النقابي ودور الحركة النقابية في التنمية؛ فإن هناك مجموعة محاضرات تغطي جزءاً من القضية الأولى والثالثة وكل القضية الثانية، أي التنظيم والبنيان النقابي.وأضم صوتي لصوتكم مطالباً بدعم الدولة للثقافة العمالية متمثلاً في توفير الإمكانات والميزانيات ووضع الهيكل المناسب للعاملين وإيجاد مقر دائم للمؤسسة ومراكزها ومعهدها المركزي.وفقكم وإيانا الله لخدمة الوطن الحبيب إنه سميع مجيب.

    عمر حسن غلام الله
    مؤسسة الثقافة العمالية

    (انتهى المقال)

    وإليكم صورة من الجريدة التي بها المقال:

    sudansudansudansudansudansudansudansudansudansudansudansudansudansudansudan001.jpg Hosting at Sudaneseonline.com


    وادرك بن بطوطة الفجر الذي لاح.. فسكت عن الكلام المباح ...
    .. والحديث ذو صلة..
    إلى اللقاء في الحلقة القادمة بإذن الله
                  

11-26-2013, 02:17 PM

Mandingoo
<aMandingoo
تاريخ التسجيل: 09-28-2002
مجموع المشاركات: 2316

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: رحلات إبن بطوطة السوداني ما بين طنجة وجاكرتا (Re: Mandingoo)


    الحلقة 115

    نواصل

    فيزة للسعودية

    عندما كنت بالخرطوم كنت متعدد مقار السكن، فمرة عند خالي سراج بالصحافة ومرة عند عمي خضر في الديوم الشرقية ومرة عند خالي الصادق في شمبات الزراعة، حتى أن أحد الزملاء الظرفاء قال لي لو حصلت ليك حاجة ما حد حيعرف، لأنو ناس الصحافة حيقولوا انت في الديم وناس الديم يقولوا انت في شمبات وناس شمبات يقولوا انت في الصحافة.. والحمد لله لم يحدث شئ لي، ولكن مرة بحث عني بن عمي انور خضر في كل مكان ولم يجدني، وبدأ بمؤسسة الثقافة العمالية القريبة من بيتهم، فوجد أنني قد خرجت باكراً، ثم بدأ يبحث عني ليعرفني بسعودي قابله مع علي (ود حلتهم في الديم) والذي يعمل سائق تاكسي وكان معه هذا السعودي، وسأل انور السعودي عن فيزة له- إن شاء الله داده- حسب فكاهته المعهودة، فقال له السعودي: (هل عندك لغات؟ أنا أبحث عن من عنده لغات)، فقال له بن عمي: (ليس عندي لغات ولكني اعرف من عنده لغات)، وطفق يبحث عني ليقابلني به..

    وبالفعل قابلني براشد الحارثي الذي كانت لديه تأشيرات من ضمنها كاتب ومهندس لمؤسسته، وتأشيرة مربية وعامل مطعم لآخرين فوضوا مكتبه لاستقدامهم.. وقابلته في فندق في وسط الخرطوم وقدمت له شهاداتي، وقبلني على الفور وأخذ جوازي للسفارة وأخذ عليه التأشيرة بعد مقابلة مكتب العمل، وحدد لي الراتب بـ 1200 ريال، فقلت له انا لا اعرف كم يساوي هذا الراتب ولا هل يعيشني ام لا، لذلك أترك الأمر لك.. ولكن حسب مكتب العمل فإن الراتب الذي وقع عليه العقد معهم هو 2000 (ربما اكثر وربما اقل لا أذكر)، المهم قبلت بالعرض باعتباره تجربة لو نجحت لاستمررت ولو لم تنجح سأعود لوطني، وكانت المعيشة وقتذاك تزداد صعوبة (أوائل عام 1983م)، وأذكر ان الـ 1200 ريال كانت تساوي 600 جنيه، وكان راتبي في الثقافة العمالية وأنا في درجة مفتش (DS) قدره 135 جنيه..

    وكان من ضمن المختارين للسفر سائق التاكسي (علي) المذكور اعلاه، الذي صادف راشد وهو خارج من المطار فلم ينتظره حتى يصل إلى بوابة الخروج، بل قفز السياج وقابله وأخذ شنطة راشد ليفوز بتوصيله، وقد أعجبت هذه الحركة راشد الذي اعتبر ذلك التصرف فهلوة وأعجبه ذلك فاختاره ليكون من ضمن المرشحين للسفر الى السعودية.. (علي) هذا بحكم احتكاكه براشد طيلة مكوثه في السودان حيث كان يأخذه في مشاويره داخل العاصمة، فقد (كب لي مكنات تقيله) عن كلام راشد عني وأنه سيجعل لي مكانة خاصة لأنه (وين يلقى ليهو زول زيك عندو لغتين- انجليزية وفرنسية- وسيخصص لك شقة وشغاله) وقد صدقته والمؤمن صديق.. وكان مقر العمل بمدينة الطائف، وهذه أيضاً مزية حيث شهرة الطائف في جوها الجميل البارد..

    هذه المغريات وما أكابده من معاملة سيئة في المؤسسة وضيق الحال الذي بدأ يعم السودان، كل ذلك غلّب فكرة السفر للسعودية.. ثم سافر الكفيل على أن ألحق به، وأخرت السفر لأجلس لامتحان السنة الخامسة والأخيرة بالمركز الثقافي الفرنسي، ولأودع أهلي بمدني.. وسافرت الى مدني حيث عملوا لي حفل وداع (بارتي) وتجمع شباب الجيران من الأولاد والبنات.. وكانت هي معهم.. حبيبتي التي كانت خطيبتي.. وكان في كلامها ما يدل على شئ غير مريح، ولم أكن أتوقع أن تعدني بشئ مفرح، رغم فسخها لخطوبتها من الخطيب الثاني الذي فسرته بأنها قد وافقت في البدء لتخرج من الحالة التي وُضعت فيها ثم ما لبثت أن اكتشفت عدم قدرتها على الاستمرار في هذه الخطوبة.. فقد صدقت مقولة زميلي حيدر ادريس بأن البنات واقعيات أكثر من الأولاد، وأنهن ينظرن الى أبعد مما ننظر إليه..

    ثم ودعتها، ولم يكن هناك وداع مثل الذي كان ليلة سفري الى بورسودان في يونيو 1979م، لقد ولى زمان الحب وليالي الغرام وأيام الهناء..
    وودعت أهلي في مدني، وسافرت الى الخرطوم ..

    وادرك بن بطوطة الفجر الذي لاح.. فسكت عن الكلام المباح ...
    .. والحديث ذو صلة..
    إلى اللقاء في الحلقة القادمة بإذن الله
                  

11-27-2013, 03:10 PM

Mandingoo
<aMandingoo
تاريخ التسجيل: 09-28-2002
مجموع المشاركات: 2316

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: رحلات إبن بطوطة السوداني ما بين طنجة وجاكرتا (Re: Mandingoo)


    الحلقة 116

    نواصل

    الهجرة إلى السعودية

    جاءت أمي معي الى الخرطوم لوداعي، وفي يوم 12 رجب 1403هـ الموافق 5 مايو 1983م ودعت أمي وأهلي في الخرطوم وصديقتي الصغيرة بنت خالي وفاق الصادق حسن ذات السنتين التي كنت أسكن معهم، وتذكرتها الآن لأن فراقها كان صعباً عليّ فقد كانت متعلقة بي جداً، وهي الآن أم وتعيش بأمريكا مع زوجها..

    مرفق صورة الأمورة وفاق وبجانبها شقيقها حسن وشخصي جالس على الأرض- الصورة بعد سفري للسعودية واستقراري بها لحوالي ثلاث أو أربعه سنوات- والصورة في حديقة منزل والدهما الخال البروف الصادق حسن الصادق بشبمات الزراعة ببحري- السودان..

    OmarHasan003.jpg Hosting at Sudaneseonline.com


    وأقلعت الطائرة من مطار الخرطوم، وبعد حوالي الساعة ونصف هبطت بمطار جدة، وبعد اجراءات الجوازات والتقاط العفش والجمارك خرجت من المطار وسألت عن بصات النقل الجماعي المتوجهة نحو الطائف، فدلوني عليها فقطعت تذكرة وصعدت الى البص الذي تحرك بنا ومر على قسم من مدينة جدة التي أراها لأول مرة، ثم خرج الى الصحراء حتى وصل الى مكة المكرمة ودخل الى موقف حافلات النقل الجماعي حيث نزل ركاب وصعد آخرون، ونزلنا لنتناول شئ من البوفيه الموجود هناك، وعزمني سوداني كان يجلس بجانبي في البص على مشروب، فنظرت الى الرف فرأيت علب البيبسي والميراندا والتمر هندي، فاخترت التمر هندي الذي شربته فإذا هو شراب العرديب، وقرأت الكتابة على العلبة فوجدته مصنوع ومعبأ في أمريكا، والغريب ان ثمن علبة البيبسي والميراندا كانت بريال، بينما العرديب كان بريالين ونصف! ولم أره بعد ذلك في السعودية طيلة الثلاثين سنة التي تلت.

    ثم ركبنا البص وانطلق بنا الى الطائف، وفي نقطة تفتيش قبل الطائف صعد عسكري الجوازات الى البص وتفقد هويات الركاب، ومد يده إلىّ فناولته جواز سفري فنظر فيه ثم نزل الى الأرض، ثم عاد واستدعاني فنزلت معه الى الضابط، الذي أعاد قلب صفحات الجواز ثم أعاده إليّ فرجعت الى مقعدي بالبص الذي كان ينظر إليّ ركابه باستغراب، وقلبت الأمر في رأسي لماذا العسكري فعل ما فعل؟ فخمنت أن يكون بسبب وجود تأشيرات سفارات ودخول من المغرب واسبانيا وفرنسا وإيطاليا، ويبدو أن العسكري لم يتعود إلا على جوازات خالية إلا من تأشيرة السعودية.. المهم واصل البص مسيره الى الطائف التي دخلناها حوالي العصر أو قبيله بقليل..

    وكان الكفيل قد شرح لي عندما كان في الخرطوم كيفية الوصول الى مقر مؤسسته في الطائف، حيث يجب أن أنزل من البص عند المحكمة القريبة من مقر مؤسسته، وبالفعل نبهت سائق البص منذ وقت مبكر قبل أن يدخل الطائف أن ينزلني عند المحكمة الكبرى، وبالفعل توقف البص في الشارع وأشار لي إلى المحكمة فنزلت وأخذت شنطتي وتوجهت نحو المحكمة، ثم نظرت قبالتها فرأيت لافتة المؤسسة: (مكتب الميزان للإستقدام)، فمشيت نحوه وبعد خطوات قليلة في أرض فضاء وصلت المكتب وكان مغلقاً فطرقت الباب- حسب توجيهات الكفيل لي في السودان حيث أن هناك موظف مصري سكناه في المكتب – وبالفعل فتح الباب من الداخل، وربما وصل من المسجد ووجدني أقف عند باب المكتب لا أذكر- وأدخلني الى المكتب حيث هناك غرفة داخلية يتخذها سكناً له، فرحب بي مصطفى وفرح بوصولي- حيث فهمت فيما بعد أنه كان يريد السفر الى بلده فأخّره الكفيل حتى أصل أنا- وشاركته غداءه الذي طبخه في سكنه، ثم أبلغ بالهاتف الكفيل بوصولي، فطلب منه أن يوصلني اليه في منزله..

    أخذني مصطفى الى الكفيل في منزله القريب من المؤسسة وجلسنا في صالونه العربي حيث الجلوس على مراتب اسفنجية مقوية على الأرض، وسألني سؤال: (لماذا تحيرت؟) واحترت في (تحيرت) هذه.. لكني فهمت معناها وهو: (لماذا تأخرت).. فشرحت له أنني كنت أسلم عملي وأودع أهلي في مدني.. وأذكر أن بنته الصغيرة (5 او 6 سنين) قالت لإبيها عندما سمعتنا نتحدث: هو يتكلم عربي؟ قال لها نعم، قالت له: طيب ليه هو عبدي؟ فوكزها بكوعه على جنبها فسكتت.. وفهمت أن كلمة عبدي عندهم تعني أسود.. والأمر سيان عندي، فقلت هذه من أولها!

    وادرك بن بطوطة الفجر الذي لاح.. فسكت عن الكلام المباح ...
    .. والحديث ذو صلة..
    إلى اللقاء في الحلقة القادمة بإذن الله
                  

11-28-2013, 06:52 PM

Mandingoo
<aMandingoo
تاريخ التسجيل: 09-28-2002
مجموع المشاركات: 2316

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: رحلات إبن بطوطة السوداني ما بين طنجة وجاكرتا (Re: Mandingoo)


    الحلقة 117

    نواصل

    أول أيامي في الطائف الجميلة



    خصص لي الكفيل ملحق في سطح العمارة التي يسكنها، يتكون من غرفة كبيرة أشبه بالقاعة بالإضافة الى الحمام والمطبخ وحوش، وبقي مصطفى المصري كما هو في المكتب، ثم بعد يومين وصل مهندس معماري سوداني ليعمل في مؤسسة المقاولات التابعة للكفيل، فأسكنه معي في نفس الملحق.. ثم مارست عملي في المكتب فتسلمت العمل من مصطفى الذي سافر الى مصر في إجازة، وكما أسلفت فالكفيل يمتلك مؤسسة مقاولات ومكتب استقدام- كان الوحيد المرخص له في الطائف بالإستقدام- وكان موقع المكتب مميز، حيث يواجه المحكمة الكبرى التي يجاورها من جهة رئاسة شرطة الطائف ومن الجهة الأخرى قصر شبرا التاريخي الذي يفصل بينه وبين مسجد الملك فيصل- رحمه الله- الذي كان يصلي فيه عندما كان يقيم في قصر شبرا، والذي نصلي فيه نحن الآن حيث يبعد حوالي مائة متر أو أقل من مكتبنا- يفصل بينهما شارع شبرا . كذلك يواجه المكتب الضيافة العسكرية التي يفصل بينها وبين رئاسة الشرطة شارع شبرا.

    وفي الأيام الأولى، وربما اليوم الثالث لوصولي، رن جرس الهاتف فرفعت السماعة فتكلم من في الطرف الآخر وقال لي: (معك العقيد فلان الفلاني مدير سجن الطائف)، قلت اهلاً وسهلاً.. قال: (لدينا خدامة في السجن نريدكم أن ترحلوها، فتعال الى مكتبي في السجن).. قلت له ان صاحب المكتب غير موجود ولا أستطيع أن أترك المكتب، قال لي: (تجي واللا أرسل لك دورية تاخدك؟) قلت له ارسل دورية لتأخذني.. فصمت قليلاً كأنه تفاجأ بردي، وقال لي: (ليش؟) قلت له: (لأنه إذا سألني صاحب المكتب لماذا تركت المكتب اقول له أخذتني الدورية).. فقال لي: (لا تذهب هنا واللا هنا)، بمعنى لا تزوغ.. قلت له: (سيجدني في المكتب ما لم يأتي في وقت الصلاة فسيجد المكتب مغلق فينتظرني حتى اخرج من المسجد..)

    وبالفعل بعد صلاة الظهر فتحت المكتب وجلست فيه فجاءت سيارة شرطة (خاصة بالسجن) ونزل منها الشرطي ودخل المكتب وسلم وطلب الإذن للتحدث بالهاتف فأذنت له، فتكلم في الهاتف وسأل الذي بالطرف الآخر ما هو اسم المكتب، فتحدثت إليه وقلت له أنا المطلوب، فأعطاني السماعة فتكلم معي مدير السجن وقال لي تعال معه..

    ركبت مع الشرطي في المقعد الأمامي حتى دخل السجن وأدخلني الى مكتب المدير الذي وجدته يتكلم بالهاتف حول نفس الموضوع، فأشار لي بالجلوس فجلست في المقعد الذي امام مكتبه، وسمعته يقول لمحدثه: (هاهو السوداني عندي)، ثم وهو يتكلم مد يده إليّ بورقة وقلم، فنظرت فيها ولم امد يدي لاستلامها، فلما فرغ من محادثته قال لي: (وقّع..) قلت له: (أوقع ماذا؟) قال لي: (توقع اقرار بأن ترحل الخدامة المصرية الى بلادها).. قلت له: (ما أقدرش!) قال لي: (إذاً احطك في العنبر) "يعني أضعك في السجن"! قلت له: (فليكن!) فنظر إلىّ ملياً ومستغرباً من هذا الرد الذي يبدو انه لم يكن يتوقعه.. فقال لي: (أين صاحب المكتب؟)، قلت: (له في بيته)، قال: (ا تصل به)، فأخذت الهاتف من أمامه واتصلت بكفيلي وأبلغته بما حدث فقال لي اعطني الضابط فأعطيته السماعة وبعد انهاء المكالمة قال لي الضابط ممكن تمشي، فعدت راجلاً الى مكتبي.. من أولها كده!

    قصة الخدامة المصرية هذه هي انها ضربت كفيلها حتى أودع المستشفى، وهو عقيد في الجيش! لذلك أودعوها السجن لحين موعد ترحيلها الى بلادها.. ولو كنت وقعت لهم الإقرار فحتماً سأكون مسؤولاً عن ترحيلها ولن يسألوا كفيلي صاحب المكتب - الذي استقدمها قبل حضوري للسعودية بزمن- عن أي شئ يتعلق بها، والذي حدث بعد ذلك ان صاحب المكتب وعدهم بترحيلها، لذا (أفرج) عني!

    وادرك بن بطوطة الفجر الذي لاح.. فسكت عن الكلام المباح ...
    .. والحديث ذو صلة..
    إلى اللقاء في الحلقة القادمة بإذن الله
                  

12-01-2013, 03:45 PM

Mandingoo
<aMandingoo
تاريخ التسجيل: 09-28-2002
مجموع المشاركات: 2316

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: رحلات إبن بطوطة السوداني ما بين طنجة وجاكرتا (Re: Mandingoo)


    الحلقة 118

    نواصل

    مكتب الميزان للإستقدام

    بعيد وصولنا الى الطائف بقليل كانت ليلة 27 رجب، فقررنا انا والمهندس ان نؤدي العمرة، فأعطانا الكفيل احرامات من عنده فأحرمنا وذهبنا الى موقف تاكسيات مكة القريبة من موقع مكتبنا وأظن كانت الأجرة عشرة ريالات للشخص، ونقلتنا التاكسيات الى امام باب الحرم المكي حيث أدينا العمرة لأول مرة في حياتنا.. وبعد ذلك كنت أواظب على أدائها كل حين وآخر، بل كنت في فترة من الفترات أنزل مكة كل جمعة لأصلي صلاة الجمعة بالحرم المكي الشريف..

    تلخص عملي في مكتب الميزان للإستقدام في استلام تأشيرات استقدام السائقين والخادمات والعمال من الزبائن وكذلك وكالة لصاحب المكتب لمراجعة السفارات المعنية، بالإضافة الى مبلغ يتراوح بين 4 و 5 آلاف ريال للتأشيرة- الخادمة- اما السائقين والعمال فالمبلغ أقل بسبب ان هؤلاء عادة ما يدفعون هم للمكتب بالإضافة الى تكفلهم بتذاكر سفرهم، اما الخادمات فالمبلغ يشمل ما ندفعه للمكاتب في الدول المعنية والتي تقوم بإجراءات التأشيرة وحجز الطيران وشراء التذاكر، وعامذاك كان استقدام الخادمات يتم من سيريلانكا، وقبل أن أحضر كان من الفلبين التي توقف الاستقدام منها قبيل وصولي.. وكان هناك مكاتب وسيطة في البحرين هي التي تتعامل مع سريلانكا..

    وكنا حينما تصل الخادمات الى مطار جدة نذهب انا وكفيلي لاستلامهن من مطار جدة ونحضرهن الى الطائف حيث نتصل على كفلائهن للحضور لاستلامهن، والسريلانكيات يشبهن في ملامحهن وزيهن الهنديات، فهن أقرب للسمرة وشعرهن أسود لامع طويل، ويلبسن الساري الذي يبدي جزء من بطونهن مكشوفاً.. كان هذا منظراً غريباً في بلد مثل السعودية، ولكن المطارات في العالم كلها تتعود على غرائب المسافرين، وعلى عاداتهم، فكما هو معلوم فإن المكان الوحيد المسموح فيه بالقُبَل والعناق- إذا كان ممنوعاً في البلد- هو المطار.. طبعاً قُبَل وعناق توديع او استقبال.. بس!

    ثم فُتح باب استقدام الخادمات والسائقين من اندونيسيا، فذهب صاحب المكتب- كفيلنا- إلى اندونيسيا واتفق مع مكتب هناك، وبدأت تصلنا تأشيرات الزبائن على اندونيسيا، والاندونيسيات يشبهن الفلبينيات وهن مسكينات وهادئات ولا يبكين في الأيام الأولى كما تفعل السريلانكيات اللائي يظلن يبكين أيام وأحياناً أسابيع لفراق اهلهن او اولادهن، وقد يستاء كفيلها ويطلب ردها لبلدها بسبب هذا البكاء، لذلك كان مكتب البحرين يرفق مع كل خادمة سريلانكية ملف فيه ورقة مطبوعة تشير الى ذلك وتدعو الكفلاء الى الصبر عليهن حتى يتعودن على الغربة وبعد ذلك سكيونن فأفضل حال..

    تسلمت جزئياً عمل زميلي مصطفى حينما سافر في اجازة لمصر، وكنت امسك حسابات مؤسسة المقاولات بالإضافة الى حسابات مكتب الإستقدام، وكان صاحب المكتب لا يعطي العمال- بما فيهم انا- رواتبهم بانتظام، فكلما طالبوا برواتبهم يعطيهم سلفة مائة أو مائتين، وبما ان ايراد الاستقدام كان مجزياً فكان يقول لي اعطي العامل الفلاني مائتي ريال والعلاني مائة ريال.. تلك المعاملة أدت الى أن يحتد أحد العمال المصريين مع صاحب المكتب ويخرج من المكتب غاضباً ويختفي بعد ذلك من السكن الخاص بالعمال، ومن الطائف، ومن السعودية، ويظهر في اسرائيل كما قال زملاؤه..

    وادرك بن بطوطة الفجر الذي لاح.. فسكت عن الكلام المباح ...
    .. والحديث ذو صلة..
    إلى اللقاء في الحلقة القادمة بإذن الله
                  

12-02-2013, 04:38 PM

Mandingoo
<aMandingoo
تاريخ التسجيل: 09-28-2002
مجموع المشاركات: 2316

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: رحلات إبن بطوطة السوداني ما بين طنجة وجاكرتا (Re: Mandingoo)


    الحلقة 119

    نواصل ...

    أعدت المياه لمجاريها بين الحبيبين

    طيلة الفترة الماضية مذ بدأت حكاوي الطائف وأنا أحاول تذكر اسم المهندس الذي سكن معي وللأسف لم أتذكره حتى الآن رغم أنني كنت السبب في عودته لخطيبته، فقد كنا نحكي عن حياتنا لبعض، وحكى لي كيف أنه تخلى عن خطيبته لأن بن عمها او بن خالها أراد خطبتها رغم انها لا تريده، بل تريد صاحبي المهندس، ولا أتذكر التفاصيل جيداً لكنني أذكر أنني قلت له اتصل على شقيقها- الذي قال لي المهندس أنه موجود بالرياض- وأشرح له رغبتك ورغبة شقيقته في الإرتباط.. فراقت له الفكرة واتصل بالفعل على شقيقها في الرياض الذي طلب منه الحضور إليه في الرياض للتفاهم، فشد الرحال الى الرياض، ورجع مستبشراً فقد سارت الأمور كما يروم، ثم بدأت اتصالات بينه وبين خطيبته- القديمة الجديدة- ثم عندما عاد الى السودان ارتبط بها وتزوجها، وعندما رجعت أنا الى السودان في اجازة سألت عليه لديها حيث كان قد أخبرني أنها تعمل في مكتب الضرائب بشارع الجمهورية، وانتظرته حتى أتى ليأخذها عند انتهاء دوامها، وقد دعاني للغداء بمنزلهم بأركويت فلبيت الدعوة وتغديت معهم.. لقد كنت سعيداً أن أعدت المياه لمجاريها.. بينما لم يستطع أحد أن يعيد المياه لمجاريها بيني وبين محبوبتي..

    هذا المهندس لم يكمل الثلاثة أشهر معنا، حيث ضايقه الكفيل ولم يتحمل فظاظته، رغم أنني قلت لهذا الكفيل أن المهندس صغير في السن وحديث عهد بدنيا العمل عكسي أنا حيث أكبره سناً وخبرت العمل واتحمل ما لا يتحمله، فاستغرب الكفيل: هل هو فعلاً صغير في السن؟ قلت له نعم، ولكن رغم ذلك استمر في مضايقته، وربما استكثر عليه الخمسمائة وألفين ريال التي كان يعطيها إياه كراتب، وربما كان يريده ان يشتغل مهندس وملاحظ ومراقب عمال وعامل- حيث كان يقول له: (لماذا هذه القمطه مرميه هنا؟) عندما يرى حديدة من تلك التي يمسكون بها خشب التسليح في العمارة ملقاة على الأرض- فيثور المهندس ويقول له هل أنا عامل لألتقط ما يقع على الأرض؟ يريده أن يعمل كل شئ مقابل هذا الراتب.. وفي النهاية عمل له خروج نهائي وعاد الى الوطن وعمل هناك واستقر وتزوج كما أسلفت..

    بدأت نوبات المغص (القبضة) تنتابني في أوقات متقاربة وبصورة أقوى، فقد عانيت منها في السودان في السنوات الأخيرة قبل حضوري للسعودية، فكانت حبتين من (اللوسبازمين) تكفي لشفائي، ولكن النوبة الثانية احتاجت الى نصف العلبة، والثالثة الى كامل العلبة، والرابعة الى حقنة، والخامسة الى عودة مرة أخرى الى المستشفى لأن الحقنة لم توقف الألم حيث أخذت حقنة ثانية.. وقد تكررت هذه النوبات وانا في الطائف، وقد كان يسأل عني اللواء المتقاعد بكر فلاح المزيني الذي كان يسكن قريب من المكتب ويصلي معنا في نفس مسجد شبرا، كان يسأل عني زميلي مصطفى عندما أغيب عن المسجد، فيجيبه مصطفى بأن عمر مريض في البيت، وعندما تكرر غيابي عن المسجد بسبب هذا المغص قال له: خلي عمر يجي أوديه المستشفى العسكري- وهو مستشفى خاص بالضباط والعساكر- ولكن لوضعه الوظيفي وعلاقته الطيبة بإدارة المستشفى أخذني الى هناك وسمحوا لي بالعلاج فيه رغم أنني أجنبي، علماً بأنه حتى السعوديين غير العاملين في الجيش لا يسمح لهم بالعلاج فيه..

    وادرك بن بطوطة الفجر الذي لاح.. فسكت عن الكلام المباح ...
    .. والحديث ذو صلة..
    إلى اللقاء في الحلقة القادمة بإذن الله
                  

12-03-2013, 02:32 PM

Mandingoo
<aMandingoo
تاريخ التسجيل: 09-28-2002
مجموع المشاركات: 2316

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: رحلات إبن بطوطة السوداني ما بين طنجة وجاكرتا (Re: Mandingoo)


    الحلقة 120

    نواصل ...

    (داخل كل منا قنبلة لا يدري متى ستنفجر)

    قابلت هناك طبيب باكستاني متجنس سعودي، فكشف عليّ وطلب صور أشعة ملونة للمعدة وللأمعاء.. لعمل صورة المعدة كان عليّ شرب مزيج أبيض مثل الطباشير، وابتلاع عجينة منه، وكان هذا هيناً مقارنة مع ما يحدث للأمعاء، فقد كان بطريقة الحقن الشرجي لهذا المزيج، والأسوأ أن يظل بداخلك حتى يفرغوا من التصوير.. تصور أن هذا المزيج يدافعك وأنت تقاوم، ثم بعد إنتهاء التصوير كان عليّ أن أذهب الى الحمام من خارج المبنى لأن الممر الذي يؤدي من الداخل الى الحمامات يمر عبر عيادة نساء وغير مسموح بمرور الرجال، فاضطررت الى الالتفاف حول المبنى وأنا ألبس مريلة المرضى القصيرة وأركض ومعي الممرض ليدلني على الحمام والناس تنظر إليّ باستغراب وبشفقة.. كان موقفاً عصيباً، ثم وصلت الى الحمام والحمد لله انني وجدته غير شاغر وإلا كانت حالتي بائسة.. وأفرغت هذا المزيج الأبيض..

    حدد الطبيب علتي، وهو أن المصران عصبي وملتهب، وسألني اسئلة وصل بموجبها إلى أنني كنت أتعاطى حبوب طفرانيل واخواتها، وعرف مني أنني توقفت عن تناولها، فقال لي يجب ان تستمر فيها.. وأعطاني حبوب للإلتهاب وأخرى للعصبي وأذكر أنها (بسكوبان)، على أن أراجعه بعد اسبوعين، وعندما قابلته أول سؤال سألنيه هو هل استمريت في تناول العلاج النفسي؟ أجبته بالنفي، فقال لي يجب الاستمرار فيه، وتكرر ذلك في اللقاء الثالث، وفي الرابع الذي أجبته بالإيجاب لأنني بالفعل راجعت مستشفى الصحة النفسية في الطائف والمشهور بمستشفى (شهار) حيث يقع في هذا الحي.. وحينما أجبت الدكتور بالإيجاب اطمأن وكتب لي آخر دفعة من الحبوب وكان ذلك آخر عهدي بهذا الدكتور الشاطر، وآخر عهدي بالمغص (القبضة) فجزاه الله خيراً وجزا الله خيراً عمنا بكر فلاح المزيني ورحمه رحمة واسعة.

    في ذلك الزمان كانت الخطابات المرسلة عبر البريد ما تزال هي سيدة الموقف بالإضافة الى شرائط التسجيل كوصيفة لها.. وكان من ضمن من تصلني رسائلهم صديقي الصغير عماد سليمان حسن، بن خالة صديقي وزميل دراستي في الأهلية عبد الواحد محمد احمد، وإحدى رسائله كانت تحمل عبارات غريبة مثل: (داخل كل منا قنبلة لا يدري متى ستنفجر)، فرددت عليه بما معناه: (ماذا بك يا عماد، هل اتشوكشت واللا شنو؟ ولماذا هذه العبارات المتشائمة؟) فجاءني رده بما يفيد أن رسالتي الأولى وصلته وهو في حالة معينة، فكان إما أن يرد وهو بهذه الحالة وإما ألا يرد، فآثر أن يرد، فجاءت رسالته هكذا..

    ذات نوبة من نوبات المغص (القبضة) تلك وكنت راقداً في السكن وأحضر لي المهندس خطاباً وردني بالبريد، وكان واضحاً من الخط أنه من صديقي عبد الواحد محمد احمد، فتحت الخطاب فإذا به يبدأ بنعي.. نعي من هذا؟ لعلها خالته التي يسكن معها في مدني، أو لعله زوج خالته.. وتابعت بسرعة الرسالة إلى أن وصلت الى اسم عماد سليمان حسن.. بن خالته.. فصرخت، وبدأت انتحب بصوت عالي، فأسرع المهندس إلى الشبابيك وأغلقها وكذلك الباب.. تذكرت إسم المهندس الآن، إسمه الشيخ!

    صورة قديمة للراحل عن دنيانا المقيم في دواخلنا عماد سليمان حسن رحمه الله رحمة واسعة وأسكنه الفردوس الأعلى من الجنة، ورحم والديه اللذين لحقاه إلى دار الخلود..

    sudansudansudansudansudansudansudansudansudansudan75.jpg Hosting at Sudaneseonline.com


    وادرك بن بطوطة الفجر الذي لاح.. فسكت عن الكلام المباح ...
    .. والحديث ذو صلة..
    إلى اللقاء في الحلقة القادمة بإذن الله
                  

12-04-2013, 01:26 PM

Mandingoo
<aMandingoo
تاريخ التسجيل: 09-28-2002
مجموع المشاركات: 2316

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: رحلات إبن بطوطة السوداني ما بين طنجة وجاكرتا (Re: Mandingoo)


    الحلقة 121

    نواصل ...

    وانفجرت القنبلة

    علمت فيما بعد كيف مات عماد، فقد كان يخطب في تجمع لطلاب الجزيرة بجامعة القاهرة فرع الخرطوم – حيث كان يدرس- وذلك بدار اتحاد عمال الجزيرة في مساء يوم 6 أغسطس 1983م بعد أن أدى صلاة المغرب بجامع الصائم القريب من الدار، وحدثني فيما بعد صديقه عبد العظيم سليمان أنه بعد الصلاة قال المرحوم له: (خلاص صليت) موجهاً راحة كفيه للأمام إشارة إلى تأكيد الإنتهاء، علماً بأن عماد- وما زال الكلام لعبد العظيم- كان يقول حينما يفرغ من الصلاة: (ركّعت)، ولأول مرة يقول (صليت) في تلك المرة الأخيرة، في تلك الصلاة الأخيرة..

    وأثناء إلقاء كلمته رحمه الله عبر مكبرات الصوت، بدأ صوته ينخفض تدريجياً، فنادى عليه الحاضرون: أرفع صوتك.. أرفع صوتك.. ولكن صوته ازداد انخفاضاً ثم وقع على الأرض، فاعتقد الحاضرون أن التماساً كهربائياً أصابه فتنادوا أن أفصلوا الكهرباء، ففصلوها، ولم يكن هناك التماس كهربائي، فنقلوه الى المستشفى التي كانت بينها وبين الدار شارع.. فقال لهم الطبيب أنه ميت.. لقد مات واقفاً، وبعد أن خرجت الروح من قدماه لم تعودا تحملانه فسقط على الأرض وصعدت الروح الى بارئها.. لقد كان إبلاغ أسرته أمراً صعباً، وقد علم كل سكان حي 114 إلا أهل بيته، وكان الناس يحومون حول منزله ولا يجرأون على الدخول لإبلاغهم، رغم أن الحي كان غارقاً في مياه الأمطار وفي الوحل.. وأخيراً أبلغوا شقيقه الكبير صلاح، الذي بدوره أوصل الخبر الكارثة لوالديه- رحمهما الله- العم سليمان الذي التحق بعماد قبل ثلاثة أعوام ونصف، ولكن سبقته الخالة بخيته إلى إبنها قبل حوالي عقدين وعامين من الزمان من الآن، نسأل الله أن يجمعهم وإيانا في جنة النعيم..

    لقد كان موتاً فجائياً مريحاً له ومتعباً لمن خلفه، أمه الثكلى وأختاه المكلومتان وأشقائه صلاح وكمال وحسن، وأخيه الذي تربى معهم وهو بن خالتهم عبد الواحد.. وأصدقائه عبد العظيم سليمان، وعلي ميرغني دافوري وحسن شوه – الذي لحقه بعد ذلك بعدة سنوات- وقد كانوا شلة جامع الجعلي، يصلون كل الأوقات فيه ويقومون على نظافته وملئ الأزيار وتجهيز الفرش للصلاة في الحوش.. حتى إن عماد سُمي حمامة المسجد، وقد نعاه خطيب الجمعة في نفس المسجد في صلاة الجمعة وعدد مآثره وما كان يقدمه للمسجد، وفي زاوية حي 114 أقاموا له ما يشبه التأبين حيث خطب فيهم استاذ الأجيال محمد يوسف معدداً مآثر المرحوم عماد سليمان.. لقد كان فقداً جللاً لحي 114 ولجامع الجعلي ولجامعة القاهرة فرع الخرطوم وللمديرية في مدني حيث كان يعمل.. رحم الله عماد سليمان وحسن شوه الذي قضى ايضاً فجأة في حادث كهرباء شهير بحي 114 حيث انقطع سلك الكهرباء العام في الشارع بفعل شاحنة وسقط داخل منزلهم وكان اليوم ماطراً فتكهربت المياه المتراكمة في الحوش فخرجت اخته فتكهربت، وجاءت امها لتنقذها فتكهربت، وجاء حسن فحدث له ما حدث لهما، فما كان من والده إلا أن أغلق باب الغرفة على من بقي من أبنائه..

    كانت أختي حياة حبلى وعلى وشك الوضوع، فأرسلت لهم برقية أن سمو المولود عماد تخليداً لذكرى صديقي الراحل، فوضعت توأم أسمتهما عماد وعلاء.. عمرهما الآن أكثر من 30عام..

    عندما زرت زملاء العمل القدامى في الثقافة العمالية وكانت هدى عبد الله قد انتقلت للعمل بالمديرية، فقالت لي أن مكتبها الحالي هو مكتب الراحل عماد سليمان، وقالت لي أنها وجدت في درج مكتب المرحوم أحد بطاقات المعايدة التي أرسلتها له من الطائف.. وتذكرت عبارته في خطابه قبل الأخير: (داخل كل منا قنبلة لا يدري متى ستنفجر)..

    وادرك بن بطوطة الفجر الذي لاح.. فسكت عن الكلام المباح ...
    .. والحديث ذو صلة..
    إلى اللقاء في الحلقة القادمة بإذن الله
                  

12-05-2013, 02:43 PM

Mandingoo
<aMandingoo
تاريخ التسجيل: 09-28-2002
مجموع المشاركات: 2316

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: رحلات إبن بطوطة السوداني ما بين طنجة وجاكرتا (Re: Mandingoo)


    الحلقة 122

    نواصل ...

    العمرة والحج

    أديت عمره في رمضان ثم عمرة أخرى بعد وفاة عماد ووهبتها لروحه أسأل الله ان يتقبلها..

    بعد حوالي خمسة اشهر من وصولي للسعودية أزف موسم الحج، فأحرمت ومعي زميلي مصطفى وكاتب المكتب الذي يقابل مكتبنا حسين مهران وتوجهنا الى مكة المكرمة يوم 8 ذي الحجة من عام 1403هـ حيث طفنا حول الكعبة وسعينا، ثم توجهنا الى منى في نفس اليوم الذي يصادف يوم التروية حيث قضينا الليل في العراء، ثم في الصباح توجهنا نحو عرفات مشياً على الأقدام، ولكن حسين قال ان أوراكه (متسلخة) ولا يستطيع السير على الأقدام، وقد تشعلقنا في بص متجه الى عرفات وتفرقنا بسبب ذلك..

    عادة في الحج- حسب التجارب اللاحقة- يفترق الذاهبون معاً، وتلتقي بأشخاص صدفة وتكون مجموعة جديدة، فقد التقيت بالصدفة بزميل دراسة في الإبتدائية بمدرسة السكة حديد الغربية هو محمد عبد السلام الذي كنت قد التقيته آخر مرة بمستشفى ود مدني- حيث كان يعمل في قسم الحسابات- منذ عدة سنوات، وعلمت منه حين التقيته في عرفات بأنه يعمل حالياً بمكة المكرمة محاسباً لدى مجموعة صيرفة..

    في عرفات كان الحجاج عددهم كبيراً جداً قُدر عامذاك بثلاثة ملايين، وهو أول حج يصل إليه هذا العدد على الإطلاق، لذلك كان هناك ضغط عالي على الخدمات من مواصلات وحمامات ومراحيض وطعام وشراب، وقد رأيت عدة أشخاص ميتون، وأتذكر بوضوح أن هناك شخص مغمى عليه ونبه أحد الحجاج عسكري قريب من المكان الى الشخص المريض، فقال له العسكري بتجهم: خليه يموت!

    بعد مغرب يوم عرفة نفرنا الى مزدلفة على أقدامنا، وكان الجو حاراً جداً ولا ماء طيلة الطريق حتى وجدنا خزان ماء حديدي مربع الشكل على جانب من الطريق فتدافع الناس إليه، فما كان من أحد اليمانيين إلا ووقف بجانبه ونادى في الناس ان ملء الزجاجة بخمس ريال، فصار الناس يبحثون عن الزجاجات الفارغة في المنطقة ويدفعونها اليه ليدخلها مباشرة في الخزان ويستلم من كل واحد خمس ريالات، وكانت بعض الزجاجات البلاستيكية الفارغة ملقاة في التراب وبعضها يبدو عليه انه استعمل في الاستنجاء، ومع ذلك يدخل هذا النصاب الزجاجة في الماء بما علق بها من تراب ونحوه ليملأها بالماء الحار جداً- إذ أنه تعرض للشمس طوال النهار- ولكن العطش قد أخذ من الناس مبلغه فاضطروا الى دفع الريالات الخمس لشراء ماء ملوث وحار جداً، اشتروه ممن لا يملكه، وأذكر أنني هجت فيه ووبخته على ذلك ولكنه لم يكترث ولم يرد عليّ فقد جمع الكثير من المال ولم يؤثر فيه كلامي.

    وصلنا الى مزدلفة منهوكي القوى وجمعنا الحصيات لنرمي بها الجمرات، ورقدنا على امل ان ننام، ولكن الإرهاق والتعب والعطش جعل نومنا (هزاز)، ثم اصبح الصبح ووجدنا طوابير على الحمامات وأماكن الوضوء.. توجهنا الى منى حيث رمينا جمرة العقبة الكبرى، ثم توجهنا لمكة لنؤدي طواف الإفاضة.. كان الزحام ايضاً شديداً، ورغم وجود المياه في منى إلا ان الضغط عليها جعلها غالية ونادرا ما تجدها باردة.. وأذكر أنني كنت أمسك علبة مياه غازيه (كولا) في يدي أشرب منها فمر من أمامي سوداني أخذها مني دون استئذان ودون حتى أن يلتفت إليّ ليرى ردة فعلي، فواصلت سيري وكأن شيئاً لم يكن.. وبعد الطواف رجعنا الى منى حيث بقينا فيها ثلاثة ايام ننام في العراء وتحت الكباري.. وفي اليوم الثالث رمينا الجمرات وتوجهنا الى موقف العدل حيث استقلينا التاكسي الى الطائف عقب أول حج لي..

    وادرك بن بطوطة الفجر الذي لاح.. فسكت عن الكلام المباح ...
    .. والحديث ذو صلة..
    إلى اللقاء في الحلقة القادمة بإذن الله
                  

12-08-2013, 02:29 PM

Mandingoo
<aMandingoo
تاريخ التسجيل: 09-28-2002
مجموع المشاركات: 2316

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: رحلات إبن بطوطة السوداني ما بين طنجة وجاكرتا (Re: Mandingoo)


    الحلقة 123

    نواصل ...

    رحم الله إمرأة الكفيل

    بمناسبة الحج، قبيل الحج وبعيده كنا نلاحظ وجود سيارات ذات دفع رباعي لوحاتها يمنية في الطائف، متوقفة في الساحات الخالية – كما في تلك التي أمام مكتبنا- وتزدحم المساجد وحماماتها بهؤلاء اليمنيين الذي يأتون للحج بسياراتهم فيبيتون في الطائف قبل التوجه الى مكة القريبة من الطائف.. ولفت نظري تصرف غريب من هؤلاء، فعندما أذهب إلى المسجد أرى على جانبي الباب من الخارج لباسات رجالية (سراويل قصيرة) فاستغرب وجودها أمام باب المسجد، ثم بعد الصلاة أشاهد هؤلاء اليمنيين يأخذون تلك اللباسات ويلبسونها امام باب المسجد، مع العلم انهم يلبسون الجلاليب وفوقها الجاكتات.. وقد علمت فيما بعد بأنهم يشكّون دائماً في طهارة لباساتهم تلك، لذلك يخلعونها قبل دخولهم للصلاة في المسجد..

    لاحظت أن الطائف ليس بها مجاري، فقد كان هناك نظام البيارات في كل عماره، ثم جاءت شركة- ربما سعودي أوجيه- معظم عمالها كوريين وبدأوا في حفر أنفاق عميقة قيل لنا أنها مجاري الصرف الصحي، ثم فيما بعد حفروا أنفاقاً اخرى قالوا انها مجاري السيول والمطر، وكان أحد هذه الأنفاق امام مكتبنا مباشرة، وكانت هناك إمرأة عجوز تعيش في كوخ من الزنك في وسط الساحة الخالية التي امام المكتب والتي كما اسلفت تمتد من شارع شبرا المقابل للمحكمة الكبرى ورئاسة الشرطة ومن مسجد شبرا ومن أمام مكتبنا وبعض العمارات السكنية، هذه العجوز تربي كثيراً من الغنم والخراف، وتبيع منها، ويقال أنها تعيش حالة نفسية أقرب الى الجنون بسبب وفاة ابنتها الوحيدة في حادث حريق، وهي تتهم (الغوالب) بأنهم وراء الحادث، والغوالب (آل غالب) هم أغلب سكان حي العقيق الذي تعيش في طرفه.. لذلك سألت العجوز عما يحدث من حفريات فقالوا لها هذه للمجاري، فثارت ثائرتها وقالت: (زقان الغوالب يأتي بجنب بيتي؟) فصارت ترمي العمال الذين هم داخل النفق بالحجارة فيخرجون مسرعين هاربين من رجم تلك العجوز، وعندما كررت ذلك استدعوا لها الشرطة التي أخذتها ثم بعد ايام أطلقت سراحها، ولم تعاود الكرة برجم العمال.. عندما ماتت وجدوا في كوخها أموال طائلة منها اموال معدنية منذ عهد الملك عبد العزيز، وقد شاهد أحد سكان العمارات المقابلة لكوخها جثتها ملقاة خارج كوخها وداخل الحوش المبني من الزنك، فأبلغ الشرطة التي ظنت في أول الأمر أن وراء الموت جريمة بقصد السرقة، وبعد ان راقبت المكان لعدة ايام دخلوا واخذوا الجثة، رحم الله (غزوه) وأسكنها الفردوس الأعلى من الجنان..

    علمت قبل قليل (25/1/2012) بنبأ وفاة طيبة الذكر المغفور لها بإذن ربها زوجة كفيلي الأول في الطائف راشد الحارثي، أسأل الله أن يجعل مثواها الجنة، فقد كانت إمرأة طيبة.. فقد كانت ترسل لنا الشاي وأحياناً العشاء مع ابنها البكر عبد العزيز في الملحق الذي كنا نسكنه في الملحق فوق عمارتهم، وذكرت ذلك لمن بلغني بوفاتها وهو الصديق إبن الطائف عايض الشلوي وهو قريب زوجها.. وأذكر أن عبد العزيز ذات مرة اسرع بجمع أواني الشاي التي جاء بها لنا حينما أحس بقدوم والده، فاستغربت ذلك منه، وقلت له ماذا لو رأي والدك اواني الشاي عندنا او علم بأنك جلبت لنا الشاي من منزله، فقال لا يرضى ويقول دعوهم – اي نحن- نعد الشاي بأنفسنا، اي ان المرحومة كانت ترسل لنا الشاي والطعام أحياناً (من وراء ظهره)، ولا أنسى أيضاً أنها قالت لي- عبر الهاتف- أنها معجبة ببنت جيرانهم السودانية وتريدني أن أتزوجها، فقلت لها اننا تعودنا في السودان أن نتعرف على البنت ونراها قبل ان نخطبها، وأن هؤلاء الذين أشارت عليهم هم قد وُلدوا وتربوا هنا منذ عشرات السنين وأصبحت عاداتهم كعادات اهل البلد- السعودية- ومن الواضح انني لن أراها، وبالفعل لم أرها قبل تلك المحادثة، ولم أرها بعد ذلك رغم انني كنت أذهب الى منزلهم لآخذ الإيجار من والدها لصالح كفيلي، وقد ذكر لي مرة والدها أن أم عبد العزيز أخبرتهم بأنها معجبة بإبنتهم وبشخصي (عمر) ولذلك تريد تزويجنا.. شكر الله لها صنيعها رغم انه لم يتم شئ من هذا ولكن رغبتها في الجمع بين راسين في الحلال أسعدتني، فاسأل الله لها الجنة بغير حساب.. لقد توفيت قبل حوالي ثلاثة اسابيع بسكتة، اي كانت وفاتها فجأة وفاجعة على أسرتها وعلى جيرانها.. فقد اخبرني عايض ان هناك جارة لهم (أجنبية- اي غير سعودية) سمعت الجلبة وسألت ماذا هناك فقالوا لها ان ام عبد العزيز توفيت فأصبحت تبكي بحرقة، وقد علموا منها أنها كانت تسدد رسوم المدارس لأولاد تلك الجارة..

    وادرك بن بطوطة الفجر الذي لاح.. فسكت عن الكلام المباح ...
    .. والحديث ذو صلة..
    إلى اللقاء في الحلقة القادمة بإذن الله
                  

12-09-2013, 10:53 AM

Mandingoo
<aMandingoo
تاريخ التسجيل: 09-28-2002
مجموع المشاركات: 2316

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: رحلات إبن بطوطة السوداني ما بين طنجة وجاكرتا (Re: Mandingoo)


    الحلقة 124

    نواصل ...

    قال شقة وخدامة قال

    اتضح ان زميلي في الإغتراب (علي) الذي (كب لي مكنة تقيلة) عندما قال لي ان الكفيل قال انه سيمنحني شقة وخدامة و.. و.. فكانت الشقة ذلك الملحق في السطوح ومعي المهندس الذي بعدما رجع حل محله ثلاثة صعايدة أحدهم مليس والآخران عاملان بنفس المهنة وهم يتبعون لنفس الكفيل في فرع مؤسسة المقاولات.. وأما الخدامة فكنا نستقدمها لكفلائها عبر مكتب الميزان ولا نراها إلا عندما نستلمها من المطار، او نوصلها للمطار، وبين ذلك إذا أتى بها كفيلها يشتكي منها او يريد تسفيرها، وأسباب التسفير كثيرة وغالبها ان زوجته ضبطته متلبساً مع الخدامة فتركت له البيت تحت شرط تسفيرها، او انها ليست جميلة وهو قد طلب ان تكون جميلة (عشان الأطفال وكده)، او قد يكون السبب انها جميلة وقد خافت الزوجة على زوجها منها (رغم اني واثقة من زوجي لكن صراحة خايفة على بيتي).. لذلك كانت تبقى معنا الخدامة قبل تسليمها لكفيلها، أو قبل تسفيرها عندما يسلمها للمكتب هي وجوازها وشنطتها.. وكانت السريلانكيات صعبات المراس، واما الاندونيسيات فليس أسلس منهن..

    وجود الصعايدة بشقة السطوح معنا أراني بعض عاداتهم التي تشبه عاداتنا.. فذات يوم دخلت المطبخ فوجدت حلة بها ملاح ويكه خضراء مفروكه.. تعجبت، فأنا لم أطبخ، وزميلي المهندس الشيخ لا يعرف يسلق بيض، فمن أين أتت هذه الويكه؟ هل زوجة الكفيل أرسلت لنا تلك الحله؟ أكيد لا لأن السعوديين لا يفركون الويكه.. فانتظرت حتى جاء الصعايده فسألتهم عنها قالوا نعم نحن فركناها! وهل في بلدكم تفركون الويكه؟ قالوا نعم! وأيضاً مما يميز الصعايدة شهامتهم ورفضهم للخضوع والذل كشأن السودانيين، فأذكر انهم اختلفوا مع الكفيل، فقال لهم بصيغة تهديد مبطنة أنه سيعمل لهم خروج نهائي- وكانت هذه العبارة أداة من أدوات الضغط يمارسها الكفلاء على العمال- فما كان من المليس سيد إلا أن رد عليه فوراً وبقوة بعد أن أخرج الإقامة من جيبه وسلمها له: كم يكفيك من وقت حتى تعمل لنا الخروج النهائي؟ فسقط في يد الكفيل، ورضخ لطلبهم فهم يجلبون له المال كما قالوا له من قبل: نحن اللي بنأكّلك ونأكّل عيالك، وذلك عندما قال لهم أنا أأكلكم.. اي نحن سبب رزقك ورزق عيالك وليس كما تدعي انت..

    تعرفت على أولاد صاحب العمارة التي بها مكتبنا، وكان اقربهم لي احمد، وكانوا يجلسون أمام المكتب وأتجاذب معهم أطراف الحديث، وكنت أساعد أحمد في دروسه، وكذلك بناتهم على حل دروسهن عبر كراساتهن، لأنه حسب العرف والتقاليد لا أراهن ولا أقابلهن.. ولكن كان أحد اخوانه يده خفيفه، فما إن يجد درج خزانة الملفات الذي أضع فيه إيراد المكتب حتى يأخذ منه المائة والمائتين، وكنت أعتقد أن السعودية بلد أمان وثقة لأن أجدادنا وآباءنا كانوا يخبروننا أنهم عندما يأتون للحج يلاحظون أن الدكاكين لا تغلق أبوابها للصلاة بل يوضع خشبة او ملاية على الباب او على البضاعة الموضوعة على الطاولات، لذلك كنت مهملاً في إغلاق الصندوق، إلا أن نبهني زميلي مصطفى..

    في الشارع الذي يقع فيه المكتب وجدت سوداني له 35 سنة في السعودية، وآخر له 28 سنة، وذات مرة رأيت الذي له 28 سنة هذا يدخل من باب حوش كبير فظننت أنه منزله، وقلت في نفسي أكيد استطاع بناء هذا البيت الكبير طالما له كل هذه المدة، واتضح لي فيما بعد ان الذي دخله هو مبنى الضيافة العسكرية الذي يشتغل فيها، وعلمت أن لا مجال لأجنبي أن يتملك عقار- قبل خمس سنوات سمح بذلك عدا في مكة المكرمة والمدينة المنورة- وحتماً لن يستطيع اجنبي ان يشتري مثل هذه المساحة التي بها مقر الضيافة العسكرية..

    وقبل أن أنسى مكنة علي في شأن الشقة والخدامة، فقد اضطررت أن أنظف وأكنس المكتب بعد أن سافر زميلي المصري الذي كان يفعل ذلك، وقال لي الكفيل لن أجلب لك شخص ينظف لك المكتب، فإما أن تنظفه او تجلس فيه وسـخان.. سبحان الله! مساعد مدير المعهد المركزي للثقافة العمالية يكنس مكتبه!

    وادرك بن بطوطة الفجر الذي لاح.. فسكت عن الكلام المباح ...
    .. والحديث ذو صلة..
    إلى اللقاء في الحلقة القادمة بإذن الله
                  

12-10-2013, 09:51 AM

Mandingoo
<aMandingoo
تاريخ التسجيل: 09-28-2002
مجموع المشاركات: 2316

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: رحلات إبن بطوطة السوداني ما بين طنجة وجاكرتا (Re: Mandingoo)


    الحلقة 125

    نواصل ...

    شتاء الطائف

    جاء الشتاء البارد في الطائف، واضطررنا لتشغيل المدفأة، مما ذكرني بالمغرب، ولابد في كل حمام من جهاز تسخين المياه إذ لا يستطيع احد ان يستحم بالماء البارد، وقد لاحظت عدم وجود مكيفات الهواء في اي شقة او فيلا في الطائف، ونادراً ما ترى مروحة.. كذلك ينزل المطر في الشتاء، والطائف كثير المطر، ولكن التصريف جيد في الطائف لا سيما أنها أصلاً منطقة مرتفعة وشبه جبلية، ومياه المطر تتجمع وتصب غالباً في مزارع مثل تلك التي تقع قرب مكتبنا في حي العقيق، وأحياناً تصبح بعض الشوارع أنهاراً صغيرة من كثافة المياه وتدفقها بحيث لا تستطيع ان تعبرها- حتى لو كنت في طولي (182سم)، فهي تصل الى الركبة او فوقها، ومندفعة بقوة قد تفقدك توازنك، ولكن ما إن يتوقف المطر وتمضي ساعة حتى يرجع الشارع كما هو أسفلت يمر فيه الناس والسيارات..

    لاحظت في الطائف أن الماء لا يرد الى البيوت بالمواسير كما عندنا في السودان، بل بالوايتات (فنطاز) حيث يصب في خزان أرضي أمام كل عمارة، حيث يرفع الماء بواسطة موتور الى خزان آخر في سطح العمارة ومنه عبر المواسير الى الشقق.. كان هذا غريباً علينا، فكيف لمدينة في السعودية أن لا يكون بها شبكة مياه ولا شبكة صرف صحي؟ والماء المنقول عبر هذه الحاويات السيارة (الوايتات) يجلب من آبار يملكها مواطنون، ويختلف طعم الماء من بئر لآخر، فبعضها يكون مالحاً وبعضها عذباً.. فيما بعد- بعد حوالي خمسة عشر او عشرين عاماً- تم تمديد شبكة مواسير مياه الشرب وتم جلب المياه المحلاة من البحر الأحمر عبر أنبوب من معمل معالجة المياه المالحة بالشميسي قرب جده، علماً بأن مدينة جدة بها شبكة مياه محلاة تصل الى البيوت ولكن غالباً لا تكفي حيث تصب مرتين او ثلاث مرات في الأسبوع، وفي بعض الأحياء قد لا تصب مرة في الشهر خاصة في الصيف حيث يزيد استهلاك المياه، وربما احتاج السكان الى جلب الماء عبر الوايتات لتكملة النقص في الماء حتى يصل ماء التحلية..

    ذات نهار رأيت من خلال زجاج المكتب الناس يسرعون نحو البرحة (الفسحة) التي أمام المكتب، فخرجت استطلع الخبر، فرأيت هليوكوبتر تهبط في طرف الميدان جهة مقر الضيافة العسكرية ومقابل رئاسة الشرطة، ومجموعة من الشرطة تخرج من رئاسة الشرطة باتجاه المروحية، والناس يتدافعون نحو المكان، ورأيت الشرطة تُنزل شاباً من المروحية مخفوراً وتتجه به نحو مقر رئاسة الشرطة، وعلمت أنه شاب سعودي قتل والدته واخته وهرب الى الجبال حول الطائف، فتتبعته الشرطة بالمروحية حتى عثرت عليه فاقتادته الى رئاستها..

    كان اقرب جامع- وجامع تعني مسجد يصلى فيه صلاة الجمعة، اما مسجد فيصلى فيه كل الصلوات عدا الجمعة- هو جامع عبد الله بن العباس رضي الله عنهما، وكان يوجد في قلب سوق الطائف، وكنا نتحرك من حي العقيق الذي به المكتب والسكن ونتوجه مشياً على الأقدام للجامع، وقد يأخذ المشوار ربع ساعة، وكان الجامع كبيراً وواسعاً، وكان يومها اكبر جامع في الطائف.. وكان أمامه برحة (ساحة) حينما نجدها مليئة بالشرطة قبل صلاة الجمعة نعرف ان هناك قصاص، اي ضرب عنق الجاني بالسيف بعد تلاوة الحكم عليه.. وكنت عقب انتهاء الصلاة أغير مسار رجوعي المعتاد الذي يمر أصلاً بقرب هذه الساحة، فأسلك طريقاً أبعد، بل عكس اتجاه بيتنا، تفادياً للمرور بقرب الساحة حتى لا أرى القصاص، بينما أشاهد الناس يسارعون بل ويجرون جرياً لمشاهدة القصاص، وأذكر انني بعد الصلاة كنت أصلي صلاة السنة عقب صلاة الجمعة، وكان الجامع مزدحم فصليت خارجه، فوجدت المصلين يتدافعون نحو الساحة حتى لم يعملوا حسابي وأنا اصلي فمروا من أمامي، وما زلت أذكر بوضوح تعابير وجه احدهم- باكستاني- وهو يجري فرحان كأنه ذاهب لمشاهدة حاوي او لعبة كرة قدم او شئ ظريف.. وما إن انتهيت من صلاتي حتى توجهت في اتجاه معاكس الى ان خرجت من منطقة الجامع، ومع اني لم أشهد القتل فقد جف حلقي وتوترت أعصابي وأصابني حزن غريب رغم انني لا أعرف الجاني الذي سينفذ فيه الحكم، فكيف لهؤلاء ان يشهدوا مثل هكذا منظر؟ بل وعرفت أنهم يصفقون بعد أن يضرب السياف رأس الجاني!

    وذات مرة في نفس المكان وانا أمر بالسوق رأيت سيارة السجن تنزل شابين سعوديين يضعان الغطرة حول وجوههم ليخفوه عن أعين المارين، ثم رأيت الشرطي يقرأ الحكم: هذا الماثل أمامكم قد حُكم عليه بالجلد اربعين جلدة لأنه تكتم على أمر فاضح، ثم بدأ الشرطي بجلد الشابين، ولاحظت أن الشرطي يضم ساعده الى جنبه؛ فقط يتحرك كفه بالعصا (البسطونة) ويضرب مرة في أعلى ظهره والتالية في أعلى إليتيه، وقد علمت أنه يُسمح للمحكوم عليه بالجلد بارتداء ما يشاء من ملابس (يعني يردّف) حتى يخفف وقع الجلد عليه، ويسمح له بتغطية وجهه من الجمهور، ولا يُذكر اسمه.. وتذكرت في السودان الجلد بسوط العنج وأن الشرطي يرفعه الى أعلى ما تستطيع يده وينزله على جسد المجلود بأقوى ما عنده، بل ويُشهّر به عبر وسائل الإعلام بذكر اسمه وشهرته وشهرة أبيه أو أبيها إن كان مشهوراً..

    وادرك بن بطوطة الفجر الذي لاح.. فسكت عن الكلام المباح ...
    .. والحديث ذو صلة..
    إلى اللقاء في الحلقة القادمة بإذن الله
                  

12-11-2013, 10:54 AM

Mandingoo
<aMandingoo
تاريخ التسجيل: 09-28-2002
مجموع المشاركات: 2316

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: رحلات إبن بطوطة السوداني ما بين طنجة وجاكرتا (Re: Mandingoo)


    الحلقة 126

    نواصل ...

    الصيفية في الطائف

    ذات مرة وأنا جالس في مكتبي إذ جاء شخصان بدويان من اقرباء الكفيل يسألون عنه، فقالا لي: انت صبيّو؟ أصبحت يا مساعد مدير المعهد المركزي للثقافة العمالية صبي مكتب (على وزن صبي جزار وصبي خياط...)، هانت الزلابية.. وفي حكاية أخرى جاء إلى المكتب كهل ومعه زوجته العجوز يسألان عن السائق الذي طلباه من مصر عن طريق مكتبنا، فقلت لهما إن السائق قد وصل بالفعل إلى جدة، فلم يصدقاني، وطلبا لي الشرطة، وفي هذه الأثناء اتصل الكهل على صاحب المكتب وتحدث معه وجاء في سياق كلامه: أن خادمك قال لي... الخ، وهنا أصبح الصبي خادماً.. سبحان الله.. بكالوريوس الحقوق فرع العلوم السياسية، ولغة انجليزية ودبلوم لغة فرنسية، ويصنف من الخدم!! مين جابرك على المرّ يا جحا قال الأمرّ منو! عندما جاء الشرطي ليأخذني إلى القسم قلت له إن السائق موجود في جدة فاتصل على جوازات ميناء جدة فأكدوا له وجود السائق معهم!

    كان مكتبنا بالإضافة الى الاستقدام يمارس عمل عقود الإيجار، فلدينا دفتر عقود لمن يريد أن يؤجر شقة لديه، فجاءنا ذات يوم إمام مسجد شبرا- المسجد الذي نصلي فيه وكان يصلي فيه الملك فيصل رحمه الله، وبين المسجد وقصر شبرا كما أسلفت شارع صغير- ومعه فلبيني استأجر شقة في عمارته، وطلب منا إعداد العقد، ودفع مائة ريال مقابل ذلك، ثم ذهب وترك الفلبيني لنسلمه نسخة العقد، فكانت المفاجأة أن قال لي الفلبيني أن المؤجر أخذ منه مائتي ريال نظير هذا العقد! علماً بأن المعتاد أن يدفع صاحب العقار رسوم إعداد العقد وليس المستأجر، ومائة ريال، وليس مائتين!!

    يذكرني هذا أسعار ايجار الشقق في ذلك الزمان، فقد كانت تتراوح بين عشرين الى خمس وعشرين الف للشقة في حي العقيق الذي نسكنه والذي به المكتب، وهو من الأحياء شبه الراقية الى حد ما، وهناك حي شهار وحي السلامة من الأحياء الراقية في الطائف، وأما الشقق الأقل كلفة في الإيجار فمثل حي شرقرق المجاور لحي العقيق وكذلك حي بني سويلم وكلاهما أحياء بدوية، وهناك حي البخارية الذي يغلب عليه السعوديون من أصل بخاري وداغستاني وتركمانستاني، وهناك حي الشرقية وحي القمرية ووادي نمل وهي احياء شعبية والأخير بالذات غالبية سكانه من التكارنه.. والإيجار في الأحياء الشعبية والبدوية أقل من الأحياء الجديدة والراقية.. وكان أصحاب العقارات يفضلون تأجير شققهم في الصيفية فقط- أي في موسم الصيف- حينما تنتقل الحكومة من الرياض الى الطائف، فينتقل الملك والوزراء وموظفي القصور ومجلس الوزراء وتدار المملكة من الطائف في فصل الصيف ولمدة ثلاثة أشهر، لذلك يستفيد صاحب العقار من الإيجار بكامل المبلغ السنوي الذي يدفعه المصيفون ولا يسكنون غير ثلاثة أشهر فيحافظ صاحب العقار على عقاره جديداً الى الصيف القادم..

    وكان من ضمن المسؤولين المصيفين في الطائف في ذلك العام مدير مكتب العمل بالطائف، وجاء الى المكتب بغرض التفتيش، وقابل صاحب المكتب وتناقش معه وسأله عن نشاط المكتب (الاستقدام) ولكن رفض صاحب المكتب الإدلاء بأي تفاصيل مالية، واستغربت انا ذلك حيث ان المسؤول طلب تلك المعلومات فكيف لصاحب المكتب ان يرفض إعطاءها إياه.. والى أن انتهت الزيارة لم يعطه المعلومات على أساس انها رزق من الله ويجب إخفاؤه.. ودعاه الى طعام في بيته فلبى الدعوة وتزاورت الأسرتان، وطلب مني هذا الرجل تدريس بنته وأخيه وكلاهما في الثانوية، فكانت تأتيني سيارة المرسيدس لتأخذني الى حي شهار حيث يسكنون في شقة مفروشة لتدريس البنت، وفي يوم آخر يأتيني اخوه بسيارته الجمس ليأخذني الى نفس البيت لتدريسه.. يعني طلعت من الزيارة بفائدة قرشين ساعدوني قليلاً وعلى ما أذكر كان الشهر لكل منهم بحوالي ألف وخمسمائة ريال.. ومن الطرائف أن البنت عندما كنت أدرسها كانت تلبس عبايتها وطرحتها ولكن وجهها مكشوفاً، ثم تصادف أن دخلت جدتها الكفيفة الى الغرفة التي كنا بها ولم تكن تعلم أن هناك غرباء، وكان وجهها مكشوفاً فقالت لها حفيدتها: الرجّال (الراجل) يا جدة.. فما كان من الجدة إلا أن أسرعت بكفيها الى وجهها تغطيه وقد بدأ عليها الإنزعاج ووقع المفاجأة، وانسحبت من الغرفة.

    وأيضاً كنت أدرّس أخو أحد موظفي مجلس الوزراء وعلى ما أذكر انه كان في المتوسطة، وأدرّس الموظف لغة فرنسية.. هذا غير التبرع لسودانيين يسكنون بجوار المكتب بتدريس أبناءهم.. كذلك درست ولد وبنت في المتوسطة يسكنون في حي العقيق قرب المكتب، وأذكر أنني اتفقت معهم على كامل الفترة بحوالي أربعة آلاف أو أربعة آلاف وخمسمائة ريال.. وأذكر أن أول يوم درّست فيه البنت كانت تلبس العباية والطرحة، وفي اليوم الثاني تخلت عن الطرحة، وفي الثالث عن العباية، وبقيت في الأيام التالية بجلابية البيت..

    وادرك بن بطوطة الفجر الذي لاح.. فسكت عن الكلام المباح ...
    .. والحديث ذو صلة..
    إلى اللقاء في الحلقة القادمة بإذن الله
                  

12-15-2013, 03:31 PM

Mandingoo
<aMandingoo
تاريخ التسجيل: 09-28-2002
مجموع المشاركات: 2316

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: رحلات إبن بطوطة السوداني ما بين طنجة وجاكرتا (Re: Mandingoo)



    الحلقة 127

    نواصل ...

    إجازة في الوطن وزواج شقيقتي

    بن عمتي الرشيد عكاشه خطب اختي اخلاص وحدد موعد الزفاف وكان لابد من السفر في الإجازة الى السودان لحضور مراسم الزواج سيما وأنني قد قضيت عاماً في الشغل، فتسوقت من الطائف ثم سافرت الى جدة حيث أخذت من هناك الطائرة المتوجهة الى الخرطوم، وعلى ما أذكر كان ذلك في الأسبوع الأول من شهر ابريل عام 1984م، وبعد السلام على أخوالي سراج والصادق وأبناء عمي خضر، زرت منزل جد وأعمام الحبيبة وسألت بن عمها نصر الدين الذي أفادني بأنها تدرس في الفرع وتسكن في الداخلية بشارع علي عبد الرحمن، وفي المساء أخذني الى هناك، وسألنا إحدى الطالبات الداخلات الى الداخلية عنها، فدخلت وسألت عنها ثم خرجت وأخبرتنا بأنها في الكوافير القريب من الداخلية ووصفته لنا فتوجهنا إليه، ودخل نصر الدين فوجدها تجهز شعرها وأخبرها بأن عمر معه، فقالت له: لا.. فجاء ونقل لي هذه اللا! فاستغربتها وتوجست خيفة وسألته عن معناها.. فقال لي معناها أنها: لا.. ما ممكن! أي ما بصدق.. ثم بعد قليل جاءت مسرعة والفرحة تبدو على وجهها الباسم أصلاً.. فاحتضنتني بحرارة وشوق..

    بعد يومين- أي يوم 7/4/1984م سافرت الى مدني وكان يوم حنة العريس، وبمجرد وصولي الى مدني ذهبت الى منزل عمتي- منزل العريس- في المزاد فسلمت على أهل الدار ثم من هناك الى منزل الراحل عماد سليمان بحي 114، دخلت فوجدت أخيه صلاح واخته سلوى وصديقي عبد الواحد فبدأت بتعزيتهم، ولكن ما إن رأيت والدته حتى انفجرت باكياً، وفوجئت بأمي تدخل وتحضنني وهي تبكي، وعلمت فيما بعد أنها كانت تتوقع مروري أولاً على منزل عماد بعد ان علمت أنني وصلت منزل عمتي، فوقفت على ناصية شارعنا حيث من هناك ترى الداخل الى منزل أسرة عماد.. وبالفعل رأتني أدخل إليهم.. رحم الله عماد، ورحم الله بخيته والدته، ورحم الله سليمان والده.. ثم توجهت الى منزلنا حيث سلمت على أبي رحمه الله واخي قمر واخواتي وعلى الجيران وناس خالتي ام شرفين القريبين من منزلنا.. ثم وزعت الهدايا على أسرتي..

    في المساء ذهبت الى منزل عمتي لأشارك في حنة العريس، وكانت الحفلة بصديق متولي.. وفي اليوم التالي 8/4/1984م كان الزواج بمنزلنا، وبدأت الإستعدادات منذ الصباح الباكر حيث جهزت الخراف ونظف الشباب الشارع امام المنزل ونصبوا الصيوان الذي احتل المساحة ما بين بيتنا ومدرسة شدو وبدأت النساء بإعداد البيت وشرع الطباخ في إعداد طعام الوليمة، والعروس ذهبت الى الكوافير.. وفي العصر تجمع الرجال لحضور عقد القران الذي تم بعد صلاة العصر..

    في المساء أعد الشباب الكراسي للحفلة، وكانت الحفلة أيضاً بالفنان صديق متولي، وكنت قد أحضرت مسجل ستيريو كبير فسلمته لبنات عمي أذكر منهن آمونة عبد الرحيم وفاطمة الحاج حيث كانوا في الصف الأمامي ووضعت شريط في المسجل ليسجلوا الحفل عليه، فسجل غناء صديق متولي وونستهن أيضاً!

    الصورة المرفقة يبدو أنها في صبحية العرس، حيث يظهر فيها والدي - رحمه الله رحمة واسعة- وهو يحمل (عماد انور خضر) وهو إبن شقيقتي حياة، والذي اسميته عماداً على إسم صديقي الراحل عماد سليمان حسن، وبجوار والدي يظهر إبن خالتي أمين محمد علي سركيس وخلفه يظهر إبن خالتي ماهر مبارك عبد الغفار..

    OmarHasan001.jpg Hosting at Sudaneseonline.com


    والصورة الثانية أيضاً التقطتها صبحية يوم العرس، وتضم من يمينك بثينة حاج بليل - إبنة عمي- ثم جدتي لأمي نعيمة محمد عبد الله- رحمها الله رحمة واسعة- ثم شقيقي قمر الدولة حسن غلام الله، ثم قريبي الذي يسكن معنا عمر خضر عبد الماجد، ثم إبن خالتي حسن محمد علي سركيس..

    OmarHasan002.jpg Hosting at Sudaneseonline.com


    والصورتان في الشارع أمام بيتنا في حي 114 بمدني.. ويظهر في كلتيهما المزرعة التي أنشأتها في الزاوية المحصورة ما بين بيتنا وبيت العم خضر عبد الرحمن، أنشأتها عندما كنت أعمل في الثقافة العمالية بمدني في العام 1980م حيث أشغلت بها نفسي عن التفكير في الواقع المرير، ولأخفف بالخضرة والماء جفاف الحياة التي عشتها عامذاك..

    في الصباح أخذ العريس عروسه وتوجه الى الخرطوم حيث سيسافر من هناك الى القاهرة.. وامتلأ منزلنا بالجكسي من بنات الأهل من خارج مدني ومن مدني وبنات الجيران.. وما تنسوا إنني أصبحت الآن مغترب.. وفي نظرهن إنني حر (فري) يعني خالي الوفاض.. ولكن واقع الحال إنني ملئ بحب افروديت ما زلت!



    وادرك بن بطوطة الفجر الذي لاح.. فسكت عن الكلام المباح ...
    .. والحديث ذو صلة..
    إلى اللقاء في الحلقة القادمة بإذن الله
                  

12-16-2013, 02:25 PM

Mandingoo
<aMandingoo
تاريخ التسجيل: 09-28-2002
مجموع المشاركات: 2316

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: رحلات إبن بطوطة السوداني ما بين طنجة وجاكرتا (Re: Mandingoo)


    الحلقة 128

    نواصل ...

    العودة إلى الطائف

    قضيت أياماً في مدني ثم عدت للخرطوم وذهبت عدة مرات للحبيبة في الداخلية، وقد علمت أنها خطبت مرة أخرى لمغترب في الإمارات وفسخت خطبتها أيضاً، ومرة أخرى تدحض خطبتها ما قيل عنها أبان الحملة المغرضة ضدنا، وكأن الشباب ما صدقوا فسخ خطبتي منها حتى تواتروا يخطبونها الواحد تلو الآخر، وفسخ خطبتها من هذا الأخير ربما بسبب حبها لي، والظاهر الآن في مقابلاتي لها.. قد يظن البعض أن السبب لعودتها لي هو أنني قد اغتربت.. وهذا ليس منطقي، فالذي تقدم لها مؤخراً وفسخت خطبتها منه مغترب أيضاً.. وأعتقد أن السبب هو ما قاله لي زميلي حيدر إدريس؛ وهو أن البنات واقعيات أكثر من الأولاد، فهن ينظرن الى بعيد، إلى ما بعد الزواج، وإلى علاقتهن بأهل الزوج، فطالما كانت أسرة الزوج ترفضهن فلابد من المشاكل، ولذا آثرت هذه الإبتعاد لأن أهلي لا يريدونها والدليل سماعهم للوشاية وتصديقها و(قرارهم) بتركها- كما أسلفت- ولكن لماذا إذاً تقابلني وتخرج معي ومعاني ومباني الحب ظاهرة وبادية لا تخطئها عين زميلاتها ولا أبناء عمومتها، وأما الآخرين من طرفي فكان لابد من إخفاء كل شئ عنهم تفادياً لما قد يحدث مثلما حدث في السابق، وإن كان الجميع بدأ يعمل لي ألف حساب بعد أن وقفت ضد تلك المؤامرة وألجمت كل من تفوه بكلمة في حقها، وصُمْتُ عن الكلام مع أهلي خاصة أيام الإكتئاب، لذا فالجميع يتحاشى الكلام معي حول هكذا مواضيع؛ بعضهم رأفة وشفقة وبعضهم خوفاً من ردة فعلي..

    تذكرت الآن شيئاً، وهو أنني بعد أن ألقيت لها بقنبلة الإنفصال في دارهم قبل عدة سنوات جمعتُ كل خطاباتها وصورها وصورنا المشتركة التي كنا قد التقطناها بكاميرتي الخاصة في ستديو إشراقة حيث التقطها لنا الشيخ وحمضها وطبعها لنا، بالإضافة الى صورة كبيرة لها كنت قد رافقتها ذات يوم الى ستديو اشراقة لتلتقط تلك الصورة (بوستال) فكانت الصورة روعة لدرجة أن صاحب الاستديو كبرها لأكبر مقاس ووضعها في فاترينة الاستديو.. كل هذه الصور والرسائل أعدتها لها لكي تطمئن على أسرارها وخصوصياتها ولا تقلق بأنها في يد غريب.. ولكنها قالت لي بعد ذلك بزمن طويل- جداً- أنها لم تكن لتقلق على اسرارها وهي بيدي، فهي تطمئن لي حتى لو لم تستمر علاقتنا، وأنها قد ظنت أنني لا أريد شيئاً يذكرني بها لذلك أرجعتُ لها كل شئ!

    كم منزل في الحي يألفه الفتى * وحنينه أبداً لأول منزل
    نقل فؤادك حيث شئت من الهوى * ما القلب إلا للحبيب الأول

    ما بين الخرطوم ومدني قضيت إجازتي وعدت إلى الطائف وإلى عملي المعتاد.. ثم أرسلت شيكات الحج لوالديّ، وهذه أول فائدة للإغتراب الذي خططت أن يكون قصيراً، حيث أحج أنا ثم أحضر والداي للحج وأبني البيت وأتزوج، لذا تكفيني سنتين ثلاثة في الغربة.. وهي الآن وصلت الى ثلاثة..... عقود فقط!!!

    المكتب الذي يقابل مكتبنا هو مكتب عبد الله سيف المتخصص في النقليات وحفر الآبار، وكان يدير المكتب إبنه سيف، وذات يوم قال لي إنه مسافر الى تايلاند ويريدني أن أسافر معه- لأنني أعرف اللغة الإنجليزية وهو لا يعرف- فوافقت، وأستأذنت كفيلي فأذن لي، ولكن علمت من سيف لاحقاً أنه لم يكن يقصد تايلاند وإنما فرانكفورت في ألمانيا حيث يريد شراء سيارات، وذهبنا الى مكتب الحجز والسياحة حيث وجدنا عايض الشلوي قريب صاحب مكتبنا وقريب سيف أيضاً حيث كانوا كلهم من فخذ واحد (الشلوي) من قبيلة بني حارث.. وكان عايض يبحث عن حجز الى القاهرة فلم يجد حيث أن موسم الحج قد اقترب والعودة من مصر الى السعودية شبه مستحيلة لضغط الحجاج على الطيران في الموسم.. فقال له سيف لم لا ترافقنا الى المانيا؟ فوافق وقطع سيف لي وله تذاكر جدة فرانكفورت جدة، وقطع عايض نفس الخط.. وكان موعد السفر في نفس وقت الحج، ووالداي قد أبلغاني أنهما قد أتما إجراءات الحج وحددا وقت الحضور الى جدة.. فاستعنت بإبن خالتي احمد محمد احمد وقيه- عليه رحمة الله- والذي يعيش في جدة بأن يذهب إليهم في المطار ويطمئنهم ويطمئن عليهم، على أن يواصلوا هم مع بعثة الحج الى مطوفهم المخصص لهم حتى عودتي من ألمانيا..

    وادرك بن بطوطة الفجر الذي لاح.. فسكت عن الكلام المباح ...
    .. والحديث ذو صلة..
    إلى اللقاء في الحلقة القادمة بإذن الله
                  

12-17-2013, 03:05 PM

Mandingoo
<aMandingoo
تاريخ التسجيل: 09-28-2002
مجموع المشاركات: 2316

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: رحلات إبن بطوطة السوداني ما بين طنجة وجاكرتا (Re: Mandingoo)


    الحلقة 129

    نواصل ...

    السفر الى ألمانيا

    في الأسبوع الثالث من شهر أغسطس تقريباً عملت تأشيرة خروج وعودة وعملنا نحن الثلاثة تأشيرات دخول لألمانيا من السفارة الألمانية بجدة ثم عدنا للطائف حيث أعددنا حقائبنا، ثم ركبنا سيارة سيف الرينج روفر وتوجهنا نحو جدة عبر طريق الهدا، ونزلنا في فندق الواحة ببني مالك بجدة، وكانت غرف الفندق على شكل شاليهات أرضية منفصلة عن بعضها ومنتشرة على مساحة واسعة، ودخلنا بالسيارة عبر بوابة الفندق الرئيسية حتى توقفنا أمام الغرفة المخصصة لنا، وكان فندقاً هادئاً، فقضينا ليلة فيه، وفي الليلة الثانية تحركنا من أمام الغرفة بالسيارة وتوجهنا الى مطار الملك عبد العزيز بجدة- الصالة الشمالية (المخصصة للخطوط الأجنبية غير السعودية)- حيث ستقلع الرحلة في الثانية بعد منتصف الليل.. ونزلنا من السيارة وتركناها في مواقف المطار ودخلنا صالة المغادرة، ثم وقفنا في الكاونتر المخصص لخطوط لوفتهانزا ووزنا العفش واستلمنا بطاقات صعود الطائرة، ثم جلسنا في الكراسي ننتظر إعلان الدخول لصالة بوابات المغادرة.. وعندما اقترب موعد الإقلاع ولم نسمع عبر مكبرات الصوت أي إعلان عن الرحلة ذهبنا نستطلع الخبر، فقال لنا الموظف أين أنتم، نحن نبحث عنكم منذ ساعة وطلبناكم عبر مكبرات الصوت بالإسم.. قلنا له لم نسمع شيئاً، ثم أخذنا إلى بوابة المغادرة حيث استقلينا سيارة صغيرة لأن البصات نقلت كل الركاب الى الطائرة ولم يبق غيرنا فأخذونا بالسيارة الصغيرة- VIP- وعندما صعدنا الى الطائرة كان الجميع ينظر إلينا – لا ندري بزعل لأننا تسببنا في تأخير الطائرة، أم بحسد لأننا VIP ونقلونا الى الطائرة بسيارة صغيرة، وأن الطائرة انتظرت وصول سعادتنا! المهم ما إن جلسنا في مقاعدنا حتى أغلقت أبواب الطائرة ثم تدحرجت فوق مدرج المطار ثم ما لبثت أن أقلعت باتجاه الشمال فوق البحر الأحمر متوجهة الى أوروبا.. إلى مطار فرانكفورت..

    قضينا الليلة في الطائرة، وفي الصباح وصلت الى مطار فرانفكورت، ويا له من مطار.. عندما نزلنا من الطائرة ودخلنا صالة المطار ثم تابعنا اللوحات الإرشادية، وإذا بنا نمشي على سير أفقي متحرك لمسافة مئات الأمتار، ثم وصلنا لمكان الأمتعة حيث أخذنا شنطنا، ولاحظت أن هناك عاملاً مكتوب على ظهره (Zool) فقلت الزول ده الجابو هنا شنو؟ ولكن لاحظت أنه أحد مجموعة عمال يلبسون زياً موحداً علمت أنهم من عمال الجمارك، أي ان كلمة زول تعني جمارك.. وتوجهنا الى كاونترات الجوازات حيث ختمنا ختم الدخول، وفي صالة المطار الرئيسية وجدنا مكاتب تأجير الفنادق، وقالوا لنا إن فرانكفورت ليس بها فنادق شاغرة، ولكن هنالك مدينة قريبة منها يمكن الحجز في فنادقها، وبالفعل حجزوا لنا في فندق بمدينة (دارمشتاد).. فاستقلينا تاكسي وتوجهنا الى تلك المدينة التي لم تكن بعيدة عن فرانكفورت، بل تعتبر من ضواحيها، وتشتهر دارمشتاد هذه بالقاعدة الجوية الأمريكية فيها.. وبالفعل عندما وصلنا الفندق وجدنا كثير من نزلائه من الجنود الأمريكان، وهم العساكر الوحيدين الذين رأيناهم في ألمانيا، فلا ترى في أي شارع شرطي سواء مرور او شرطي عادي او سيارة نجدة أو سيارة مرور، وهذا لفت نظرنا منذ اليوم الأول.. فيبدو أن الألمان وصلوا درجة من الرقي والمدنية أن داخل كل فرد شرطي يضبطه، فوجدوا ألا داعي لنشر شرطة في الشوارع.. عجيب يا ألمان!

    وصلنا الى الفندق وقابلنا موظفو الإستقبال الذي كان بينهم فلسطيني وألمانيتان جميلتان، فسلمناهم جوازاتنا وأعطونا مفتاح الغرفة حيث وجدناها جميلة وأنيقة وبها ثلاث أسرة بجانب كل سرير كومودينو، ودولاب ملابس وثلاجة صغيرة بها مشروبات غازية وروحية- خمر- فإذا أخذت منها واحدة استبدلتها الموظفة عند مرورها اليومي وجردت الناقص لتسجله على فاتورة الغرفة، اي إنك لا تطلب المشروبات من الإستقبال أو من المطعم، فكل شئ موجود بالثلاجة.. وعندما انحنت الموظفة فوق الثلاجة الصغيرة لتجرد ما فيها وكنت مستلقياً على السرير وبيني وبين الثلاجة سنتمترات فقط، وكانت تلبس فستاناً من قصره بانت ملابسها الداخلية كاملة.. ده شنو ده يا ألمان؟ ولم تكن تعبأ بمن ينظر إليها ولا إلى وضعيتها تلك، بل استمرت في تسجيل ما بالثلاجة، فثارت نفس صاحبي وقال لابد أن يطلب منها قبلة، فرجوته ألا يفعل لمعرفتي بالأوربيين.. فلم يسمع كلامي وتابعها إلى باب الغرفة وطلب منها، ولكنها اعتذرت له بلطف..

    OMAR-GERMANY003.jpg Hosting at Sudaneseonline.com


    الصورة المرفقة لشخصي وعايض وموظف الإستقبال الفلسطيني امام كاونتر الإستقبال بالفندق

    وادرك بن بطوطة الفجر الذي لاح.. فسكت عن الكلام المباح ...
    .. والحديث ذو صلة..
    إلى اللقاء في الحلقة القادمة بإذن الله
                  

12-18-2013, 04:38 PM

Mandingoo
<aMandingoo
تاريخ التسجيل: 09-28-2002
مجموع المشاركات: 2316

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: رحلات إبن بطوطة السوداني ما بين طنجة وجاكرتا (Re: Mandingoo)


    الحلقة 130

    نواصل ...

    دارمشتاد

    غرفتنا بها شرفة (بلكونة) تطل على الشارع وعلى حديقة عامة جميلة، وكان الجو لطيفاً ومشمساً وصحواً، ووقفنا لنتفرج على المنطقة من الشرفة، وقد لفت نظرنا منظراً شبيهاً بما رأيناه قبل قليل في الفندق من موظفة الثلاجة، ولكن التي رأيناها كانت كأنها ترفع فستانها وتخلع ما تحته، و لا ندري لماذا تفعل ذلك في حديقة عامة، ربما لأن شرفتنا لم تكن تطل مباشرة على الحديقة وبالتالي لم ترانا ولم يكن بالحديقة غيرها، او انها لا تكترث لأحد.. كل شئ جائز في المانيا..

    تجولنا حول الفندق ولاحظنا أن إشارات المرور بها إشارة خاصة للمشاة، فلا يعبر المشاة الشارع إلا حين تضاء تلك الإشارة بالأخضر، فكنا نقلدهم في الإنضباط الذي لم نتعود عليه في بلادنا ولا في مغتربنا، فأحياناً نكون الساعة الثانية بعد منتصف الليل وتقل السيارات العابرة ومع ذلك ننتظر إشارة المشاة الخضراء لنعبر.. في هذا الوقت المتأخر من الليل نكون عائدين من الديسكو الذي لا يبعد كثيراً عن الفندق، ومدخل الديسكو كان في شكل بص، تدخل من بابه وتمر بين المقاعد لتصل من الباب الآخر الى قاعة الديسكو، كان ثلاثتنا لا يشربون إلا المياه الغازية.. وعندما توجهت ذات مرة الى دورات المياه لأفرغ ما تكون من مياه داخلي بسبب تلك المشروبات، ودخلت أحد الحمامات الخاصة بالرجال، وإذا بي أسمع في الحمام المجاور أصوات همس وهمهمات وزمر (على قول عادل إمام لناهد جبر في مسرحية شاهد ما شافش حاجة عندما قالت له عندما تدخل السينما ومعاك واحدة وتقعد- مثلت له الفعل بصوت يخرج من فمها- فقال لها أزمّر يعني؟)، ولو لم يكن الحمام خاص بالرجال لقلت أن الأمر عادي.. ولكن.. ومالو؟ برضو عادي في ألمانيا.. وأكيد لم تدخل إمرأة إلى حمام الرجال..

    لاحظنا بعض التاكسيات عليها رسمة سلويت لأمرأة مستلقية على ظهرها وإحدى ركبتيها إلى أعلى ومكتوب فوق الصورة: (كريزي سكس)، فقادنا حب الإستطلاع الى سؤال صاحب تاكسي عن هذا الإعلان او هذه الدعاية، فأخذنا الى مبنى في أطراف البلدة يقف وحيداً في ذلك المكان.. كان مدخل البناية مفتوحاً ولكن تنسدل من أعلاه شرائط بلاستيكية سميكة وعريضة نسبياً في شكل ستارة، دفعنا الستائر البلاستيكية ودخلنا فوجدنا غرفاً مفتوحة وأخرى مغلقة.. المفتوحة تجلس بقرب بابها فتاة تلبس قطعتين صغيرتين جداً من الملابس، ثم صعدنا درجاً (سلماً) فإذا الطابق الثاني بنفس النمط.. وكذلك الثالث.. كانت الأجرة 70 مارك، وأي لمسة او أي مقدمات أخرى بـ 20 مارك إضافية.. تقولها لك بطريقة آلية تذكرك بالجرسون في مطاعم السودان في العهود الغابرة عندما تسأله: عندكم شنو؟ فيسرد لك قائمة الطعام بطريقة آلية، أو كالشرطي الذي يعتقل أحدهم في أمريكا فيسرد عليه حقوقه وواجباته ومنها عبارة مشهورة معناها: (وأي كلام تقوله يمكن أن يسجل ضدك)..
    كان الحرص مطلوباً منهن، فإما واقي وإما غسيل بالصابون..رأيت فتاة إفريقية على خدودها وشم إفريقي.. قالت لي إنها من قبيلة الأشانتي الإفريقية.. وتعرف الإنجليزية، ورأيت عجوزاً أوروبياً يدخل إليها.. بعضهن كن لا يعرفن الإنجليزية، وصديقي يعرف القليل جداً من الإنجليزية.. ناداني لأتكلم مع إحداهن لأنه أعطاها مائة مارك ولم ترجع له الثلاثين.. سألتها لماذا؟ قالت: قلت له Welcome for change? فأجابني قائلاً (ok)، قلت لها لم يفهمك، قالت هذا شأنه..

    في يوم آخر ذهبنا إلى حديقة عامة كبيرة فيها بحيرة استأجرنا قوارب تعمل بالبدال، وتجولنا في البحيرة حتى تعبت عضلات أفخاذنا من التبديل.. وكانت الحديقة غناء وبها ميادين خضراء مزروعة بالنجيلة، وملأى بأشجار التفاح المثمر، فقطفت واحدة وتذوقتها فكان طعمها لا يطاق، لقد ذكرتني بأشجار البرتقال المزروعة في الشوارع في المغرب، تراها مثمرة ولونها برتقالي فاقع وتظن أنها حلوة كلونها فتفاجأ بطعمها الحامض الذي لا يستساغ، والهدف كان الزينة وليس الأكل، وكأنهم يتعمدون ألا تكون مستساغة حتى يتركها الناس وشأنها..

    OMAR-GERMANY002.jpg Hosting at Sudaneseonline.com


    الصورة المرفقة لشخصي في شرفة الغرفة بالفندق، وتبدو الحديقة التي ذكرتها في أول فقرة أعلاه..

    وادرك بن بطوطة الفجر الذي لاح.. فسكت عن الكلام المباح ...
    .. والحديث ذو صلة..
    إلى اللقاء في الحلقة القادمة بإذن الله
                  

12-19-2013, 10:58 AM

Mandingoo
<aMandingoo
تاريخ التسجيل: 09-28-2002
مجموع المشاركات: 2316

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: رحلات إبن بطوطة السوداني ما بين طنجة وجاكرتا (Re: Mandingoo)


    الحلقة 131

    نواصل ...

    استأجرنا سيارة وعملنا حادث

    عندما خرجنا من الحديقة بحثنا عن تاكسي فلم نجد في الشارع، وكان هناك صبي يلعب بدراجته الهوائية فلاحظ أننا نبحث عن تاكسي، فرطن معنا بالألمانية التي لم يكن أحد منا يجيدها، وهو لا يتحدث الإنجليزية، فمد يده لنا وفهمنا أنه يطلب عملة معدنية، فوضعناها في يده فتوجه نحو الكشك القريب حيث يوجد هاتف عملة، فاتصل مع شخص ما، ثم وضع السماعة وأشار إلينا أن ننتظر في مكاننا، وبعد قليل جاء تاكسي بناء على تلك المحادثة من الصبي، ولاحظنا أن في كل تاكسي جهاز لاسلكي، وقد اتصل الصبي بشركة التاكسي الذين طلبوا من أقرب تاكسي للمنطقة التي اتصل منها الصبي أن يتوجه إلى العنوان المطلوب، وفي دقائق كان التاكسي معنا.. كان ذلك في العام 1984م!

    مسبح الفندق كان في الطابق تحت الأرضي، فنزلنا ذات يوم ووجدنا الخواجات رجالاً ونساء- خاصة الجنود الأمريكان- يسبحون فيه، وبما أننا لا نلبس لبس السباحة فكنا نكتفي بالجلوس على حافة الحوض ونتفرج على الماء..

    في الفندق هناك ثلاث طرق لتناول الطعام، الأول هو في الغرف حيث تطلب الطعام فيؤتى إليك، وهذا فيه زيادة رسوم خدمة، والثاني في المطعم على الطاولات وهذا فيه رسوم خدمة ولكن أقل من خدمة الغرف، والثالث في الكاونتر مباشرة حيث تجلس على الكراسي العالية ويكون الكاونتر الذي خلفه المطبخ ومقدم الخدمة، وهذا أقل أسعاراً حيث يشبه نظام (اخدم نفسك بنفسك).. وذات مساء قال سيف نطلب الأكل هنا في الغرفة، فقلت له إن ذلك يكلف أكثر مما لو نزلنا الى المطعم، وأصر سيف على رأيه وعزيت إصراره إلى عدم اعتياده على الأكل بالشوكة والسكين ويظن أن تناوله الطعام بيده أو استخدام الشوكة والسكين بطريقة تنم عن عدم معرفته باستخدامهما سيلفت نظر الخواجات او يجعله سخرية، فقلت له هنا الناس لا يعبأون بغيرهم، فلو أكلت بيدك او بالشوكة والسكين فلن يلتفت إليك احد لأن لا أحد ينظر إلى أحد، فالكل هنا مؤدب وكل واحد في شأنه.. فأصر سيف وقال لي أنا من يدفع الحساب!

    وعندما احتد النقاش وحصل الزعل انسحب عايض وتركنا ونزل إلى الأسفل ثم رجع بعد قليل ومعه ساندوتشات – شرائح الخبز المربع وبين الشريحتين قطعة لحم مسطحة- فسلم كل واحد منا واحد، فقضمت ركن الخبزة وبها طريف صغير جداً من اللحم.. وفجأة استدركت، فتوقفت عن المضغ، وسألت عايض: هل سألتهم عن نوع اللحم؟ فأجاب بالنفي.. فاتصلت على المطعم وسألت المسؤول هناك عن اللحم في الساندوتشات التي طلبها زميلنا قبل قليل، فقال لي: لا أدري ولكن غالباً تكون لحم خنزير! فألقيت الساندوتش من يدي في سلة المهملات، وكذلك فعل سيف ببقية الساندوتش، اما عايض فقال انه أكل واحداً في المطعم وهاهو يتناول الثاني.. ثم أردف قائلاً: أتاري بطني كركربت بعد أكلت الساندوتش!

    تعارفنا على ثلاثة فلسطينيين يعملون في الفندق، أحدهم الذي يعمل في الإستقبال، فاشاروا علينا أن نستأجر سيارة لنوفر مصاريف التاكسيات المكلفة، وبالفعل اتصلوا على مندوب الشركة الذي حضر للفندق وحرر لنا العقد.. ثم سألني: هل تريدون أن أعمل لكم تأمين ضد الحوادث؟ فترددت ثم سألته كم يكلف؟ قال 30 مارك، فوافقت فوراً على عمل التأمين.. فعمل التأمين وسلمنا السيارة التي أوكلنا قيادتها لأحد الفلسطينيين..

    وذات يوم ونحن في السيارة ويقودها الفلسطيني مرقت سيارة من شارع جانبي فاصطدمت بسيارتنا، فنزلنا منها ولم يصب أحدنا بأذى وكذلك سائق السيارة الأخرى، فانفتحت شبابيك في الأدوار العليا في العمارات المطلة على الشارع، وأذكر منهم رجل وإمرأة أطلا من شباك شقتهما ورطنا بالألمانية ففهمها الفلسطيني وأجابهما، وكان سؤالهما: هل هناك دم؟ أي هل هناك إصابات؟ ثم دخلا الى الداخل وبعد قليل وصلت سيارة الشرطة.. كما أسلفت ففي ألمانيا لا ترى سيارات شرطة مرور ولا نجدة في الشوارع.. فإذا حدث تصادم مثل هذا فيتصل أحدهم – كما فعل الزوج المذكورين أعلاه- على الشرطة التي تسأل نفس السؤال: هل هناك إصابات؟ فإذا كان هناك إصابات ترسل إسعاف ويستعجلون بالمجئ، وإلا فتأتي سيارة الشرطة بتمهل..

    أول شئ لفت نظرنا في الشرطي ضخامة عضلات يده، فأجزم بأن حجم عضل اليد الواحدة يساوي فخذي أو ربما أكبر منه، والشئ الثاني أنه أخرج شريط لقياس أثر فرامل سيارتنا على الأسفلت، ثم رسم الحادث في أوراقه، والغريب انه لم يطلب من أيٍ من السائقين أوراقه او رخصته.. فقط قال لهما راجعوا مركز شرطة المرور، وأعطاهم ملاحظة بأن سيارتنا كانت مسرعة رغم خطأ الآخر الذي دخل من شارع جانبي.. المهم ذكرت للفلسطيني أنني قد أمنت على السيارة فصار ينطط من الفرح، وقال لي إذاً لن أذهب حتى لمركز شرطة المررو، فالذي سيذهب هو مندوب شركة التأمين.. فحمدت الله أنني أمنت على السيارة.. وفقط بثلاثين مارك..

    Omar-Germany010.jpg Hosting at Sudaneseonline.com


    الصورة المرفقة لشخصي وعايض في ممرات الفندق.

    وادرك بن بطوطة الفجر الذي لاح.. فسكت عن الكلام المباح ...
    .. والحديث ذو صلة..
    إلى اللقاء في الحلقة القادمة بإذن الله
                  

12-23-2013, 10:41 AM

Mandingoo
<aMandingoo
تاريخ التسجيل: 09-28-2002
مجموع المشاركات: 2316

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: رحلات إبن بطوطة السوداني ما بين طنجة وجاكرتا (Re: Mandingoo)


    الحلقة 132

    نواصل ...

    Frankfurt

    في فرانكفورت دخلنا مركزاً تجارياً ضخماً حيث اشترينا بدلات اختار لنا موظفو المركز الألوان حيث كان البنطلون أسود والجاكيت أبيض كريمي والكرافتة فيونكه (بابيونه) سوداء والقميص أبيض، وقد اخترنا ثلاثتنا نفس البدلة، وبالنسبة لي كان البنطلون بدون كفة للرجلين لأن طولي لم يكن متوفراً لديهم، لذلك خصموا لي 10 مارك، وأخذ أحد موظفي المركز البنطلون والعشر ماركات وخرج من المركز لمنزل قريب ليخيطوا كفة البنطلون مقابل 10 مارك بينما كنا نكمل تسوقنا في المركز، فاشتريت بنطلون آخر كوردروي وقميص شبه صوفي، وبعد قليل رجع الموظف ومعه البنطلون جاهز وعلى مقاسي.. (الصور المرفقة كلها بالبدل التي اشتريناها من المركز)، ولاحظنا أن أقمشتها راقية جداً سواء الجاكيت أو البنطلون أو القميص، ونادراً ما تجد مثل تلك الخامات في السعودية او في السودان او في مصر.. ولأول مرة أرى القارئ الرقمي الذي يمرره المحاسب (الكاشيير) على القطعة المشتراة فينزلها في الفاتورة مباشرة ويجمع أسعار كل المشتريات، وبعد سنين طويلة دخل هذا النظام الى السعودية.

    واشتريت لأخواتي أقراط ذهب وسلاسل خفيفة، طبعاً المصوغات الذهبية في أوروبا دائماً بسيطة وصغيرة وخفيفة، وسألت البائعة بكم الجرام فقالت لي هنا السعر بالقطعة بصرف النظر عن وزنها، وقالت لي أنا أتفهم سؤالك لأنني أعرف ان في بلادكم كل قطعة بالوزن.. وبما أن الرحلة بطلب من سيف فكانت تلك المشتريات على حسابه أيضاً.. كذلك اشتريت الكاميرا التي التقطنا بها هذه الصور، ولاحظت أن البائعة تلبس بلوزة قماشها من حبال رفيعة أشبه بالتريكو المنسوج في شكل حبال متقاطعة، ولا شئ يفصل البلوزة عن جسدها، لذلك ظهر سنام أحد صدريها خارج فتحات التريكو..

    وذات يوم ذهبنا الى حديقة الحيوان بفرانكفورت، وهي حديقة ضخمة جداً لم أر مثلها في حياتي من حيث المساحة.. حديقة الحيوان بالخرطوم- زمن الزمن زين وكان في الخرطوم حديقة حيوان- تساوي عشرها او أقل بكثير.. لذلك ظللنا طوال اليوم فيها ولم نكمل التفرج على كل شئ فيها، وقد وجدنا أحدهم لديه جهاز وكاميرا، يلتقط لك صورة ويحولها لهذا الجهاز الذي يضع فيه تي شيرت فيطبع صورتك عليه، ويطبع خلف التي شيرت عبارة (Zoo Frankfort) كتذكار لتلك الحديقة، وقد عمل لكل منا صورته على تي شيرت، وكذلك صور مشتركة لنا في تي شيرت أيضاً، وكل حسب مقاسه.. فيما بعد أيضاً ظهر هذا الفن في الدول العربية وغير العربية، لكنه في ذلك العام 1984 كان شيئاً استثنائياً وغريباً علينا..

    اقتربنا من عرين الأسد فتذكرت مقولة سمعتها من قبل، فذكرتها لزميليّ عايض وسيف؛ وهي أن الأسد لو برمت له شنبك فإنه سيغضب ويزأر.. ثم وصلنا إلى عرين الأسود فرأينا أسداً صغيراً يبدو أنه هندي، وهو يمشي بحركة دائبة داخل القفص من أول القفص إلى آخره وبالعكس، فبرمت له شنبي فلم يتمعر وجهه ولم يتغير شئ فيه وهو ينظر إليّ كأنه لا يراني.. وهناك أسد ضخم- يبدو أنه إفريقي- وبجواره اللبوه، وكان وقتذاك وجهه للجهة الأخرى وذيله لجهتنا، ثم استدار ناحيتنا، وأنا ما زلت ممسكاً بطرف شاربي أبرمه، ثم وقعت عيناه عليّ.. فزأر بقوة كأنه ينتهرني.. فما كان من سيف الذي يقف بجواري إلا أن قفز وتشبث بي محيطاً عنقي بكلتا يديه كأنه يطلب الحماية مني، او كأنه طفل صغير يدفن رأسه في صدر أمه من الخوف... وكانت هناك إمرأة أوروبية جالسة على حافة أحد الأقفاص المواجهة لعرين الأسد فقفزت من مكانها مرتعبة.. وجاء عايض الذي كان وقتها خارج العرين يستطلع الخبر عندما سمع ذلك الزئير.. ولاحظت أن السياج الذي يفصلنا عن الأسد أسياخه رفيعه، بمعنى أن الأسد لو ضربه بيده لتحطم.. وحينها حتلاقوني في المشرحة.. مشرحة إيه.. هو حيخلي فيّ حاجة!!

    OMAR-GERMANY008.jpg Hosting at Sudaneseonline.com


    الصورة المرفقة لشخصي (بالبدلة المذكورة أعلاه) بجانب شجيرة أمام الفندق، ويبدو في خلفية الصورة جنديين من جنود القاعدة الأمريكية بدارمشتاد والذين سكنوا معنا في نفس الفندق

    وادرك بن بطوطة الفجر الذي لاح.. فسكت عن الكلام المباح ...
    .. والحديث ذو صلة..
    إلى اللقاء في الحلقة القادمة بإذن الله
                  

12-23-2013, 10:41 AM

Mandingoo
<aMandingoo
تاريخ التسجيل: 09-28-2002
مجموع المشاركات: 2316

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: رحلات إبن بطوطة السوداني ما بين طنجة وجاكرتا (Re: Mandingoo)


    الحلقة 132

    نواصل ...

    Frankfurt

    في فرانكفورت دخلنا مركزاً تجارياً ضخماً حيث اشترينا بدلات اختار لنا موظفو المركز الألوان حيث كان البنطلون أسود والجاكيت أبيض كريمي والكرافتة فيونكه (بابيونه) سوداء والقميص أبيض، وقد اخترنا ثلاثتنا نفس البدلة، وبالنسبة لي كان البنطلون بدون كفة للرجلين لأن طولي لم يكن متوفراً لديهم، لذلك خصموا لي 10 مارك، وأخذ أحد موظفي المركز البنطلون والعشر ماركات وخرج من المركز لمنزل قريب ليخيطوا كفة البنطلون مقابل 10 مارك بينما كنا نكمل تسوقنا في المركز، فاشتريت بنطلون آخر كوردروي وقميص شبه صوفي، وبعد قليل رجع الموظف ومعه البنطلون جاهز وعلى مقاسي.. (الصور المرفقة كلها بالبدل التي اشتريناها من المركز)، ولاحظنا أن أقمشتها راقية جداً سواء الجاكيت أو البنطلون أو القميص، ونادراً ما تجد مثل تلك الخامات في السعودية او في السودان او في مصر.. ولأول مرة أرى القارئ الرقمي الذي يمرره المحاسب (الكاشيير) على القطعة المشتراة فينزلها في الفاتورة مباشرة ويجمع أسعار كل المشتريات، وبعد سنين طويلة دخل هذا النظام الى السعودية.

    واشتريت لأخواتي أقراط ذهب وسلاسل خفيفة، طبعاً المصوغات الذهبية في أوروبا دائماً بسيطة وصغيرة وخفيفة، وسألت البائعة بكم الجرام فقالت لي هنا السعر بالقطعة بصرف النظر عن وزنها، وقالت لي أنا أتفهم سؤالك لأنني أعرف ان في بلادكم كل قطعة بالوزن.. وبما أن الرحلة بطلب من سيف فكانت تلك المشتريات على حسابه أيضاً.. كذلك اشتريت الكاميرا التي التقطنا بها هذه الصور، ولاحظت أن البائعة تلبس بلوزة قماشها من حبال رفيعة أشبه بالتريكو المنسوج في شكل حبال متقاطعة، ولا شئ يفصل البلوزة عن جسدها، لذلك ظهر سنام أحد صدريها خارج فتحات التريكو..

    وذات يوم ذهبنا الى حديقة الحيوان بفرانكفورت، وهي حديقة ضخمة جداً لم أر مثلها في حياتي من حيث المساحة.. حديقة الحيوان بالخرطوم- زمن الزمن زين وكان في الخرطوم حديقة حيوان- تساوي عشرها او أقل بكثير.. لذلك ظللنا طوال اليوم فيها ولم نكمل التفرج على كل شئ فيها، وقد وجدنا أحدهم لديه جهاز وكاميرا، يلتقط لك صورة ويحولها لهذا الجهاز الذي يضع فيه تي شيرت فيطبع صورتك عليه، ويطبع خلف التي شيرت عبارة (Zoo Frankfort) كتذكار لتلك الحديقة، وقد عمل لكل منا صورته على تي شيرت، وكذلك صور مشتركة لنا في تي شيرت أيضاً، وكل حسب مقاسه.. فيما بعد أيضاً ظهر هذا الفن في الدول العربية وغير العربية، لكنه في ذلك العام 1984 كان شيئاً استثنائياً وغريباً علينا..

    اقتربنا من عرين الأسد فتذكرت مقولة سمعتها من قبل، فذكرتها لزميليّ عايض وسيف؛ وهي أن الأسد لو برمت له شنبك فإنه سيغضب ويزأر.. ثم وصلنا إلى عرين الأسود فرأينا أسداً صغيراً يبدو أنه هندي، وهو يمشي بحركة دائبة داخل القفص من أول القفص إلى آخره وبالعكس، فبرمت له شنبي فلم يتمعر وجهه ولم يتغير شئ فيه وهو ينظر إليّ كأنه لا يراني.. وهناك أسد ضخم- يبدو أنه إفريقي- وبجواره اللبوه، وكان وقتذاك وجهه للجهة الأخرى وذيله لجهتنا، ثم استدار ناحيتنا، وأنا ما زلت ممسكاً بطرف شاربي أبرمه، ثم وقعت عيناه عليّ.. فزأر بقوة كأنه ينتهرني.. فما كان من سيف الذي يقف بجواري إلا أن قفز وتشبث بي محيطاً عنقي بكلتا يديه كأنه يطلب الحماية مني، او كأنه طفل صغير يدفن رأسه في صدر أمه من الخوف... وكانت هناك إمرأة أوروبية جالسة على حافة أحد الأقفاص المواجهة لعرين الأسد فقفزت من مكانها مرتعبة.. وجاء عايض الذي كان وقتها خارج العرين يستطلع الخبر عندما سمع ذلك الزئير.. ولاحظت أن السياج الذي يفصلنا عن الأسد أسياخه رفيعه، بمعنى أن الأسد لو ضربه بيده لتحطم.. وحينها حتلاقوني في المشرحة.. مشرحة إيه.. هو حيخلي فيّ حاجة!!

    OMAR-GERMANY008.jpg Hosting at Sudaneseonline.com


    الصورة المرفقة لشخصي (بالبدلة المذكورة أعلاه) بجانب شجيرة أمام الفندق، ويبدو في خلفية الصورة جنديين من جنود القاعدة الأمريكية بدارمشتاد والذين سكنوا معنا في نفس الفندق

    وادرك بن بطوطة الفجر الذي لاح.. فسكت عن الكلام المباح ...
    .. والحديث ذو صلة..
    إلى اللقاء في الحلقة القادمة بإذن الله
                  

12-24-2013, 03:14 PM

Mandingoo
<aMandingoo
تاريخ التسجيل: 09-28-2002
مجموع المشاركات: 2316

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: رحلات إبن بطوطة السوداني ما بين طنجة وجاكرتا (Re: Mandingoo)


    الحلقة 133

    نواصل ...

    قاع المدينة (Frankfurt)

    في يوم آخر قاد السيارة المستأجرة الفلسطيني وقال لنا سآخذكم إلى (قاع المدينة)، مدينة فرانكفورت، ووصلنا الى قاع المدينة الذي وجدناه مجمع مربع كبير يطل على أربعة شوارع، ولاحظنا وجود بعض الفتيات يبدو من زيهن وأشكالهن وطريقة مشيهن أنهن فتيات ليل، ولكن الفلسطيني أوضح لنا إنهن لسن بفتيات، بل فتيان، أي رجال، يلبسون زي النساء ويحومون حول هكذا مكان بانتظار زبائن من نوع خاص..

    كل المحلات المطلة على الشوارع الأربعة متخصصة في بيع حاجيات وأدوات للبالغين (فقط)، ابتداء من الواقيات الذكورية ومجسمات للأشياء التي تركب عليها تلك الواقيات، وبكل الأحجام بدءاً من حجم يماثل أصبع اليد الصغير وانتهاء بحجم يماثل اليد كاملة بساعدها وزندها، ومجسمات لأنصاف أنثى مهيئة.. ومروراً بالمجلات الوضيـعـة.. وأما خلف المحلات تلك فيوجد كبائن صغيرة بها مقعد أمامه مرآة في أعلى الجدار وخلفه شاشة تقابل المرآة، يضع الزبون قطعة نقدية معدنية من فئة المارك في مكان ما في الكابينة فتبدأ الشاشة تعرض فيلم وضيـع لمدة دقيقة حتماً ستنتهي في أي لقطة وليس في نهاية الفيلم، والشاشة تنعكس صورتها في المرآة التي أمامه..

    إذا توغلت الى داخل المجمع تجد صالة الـ Peep Show وتعني استراق النظر، حيث يضع الزبون قطعة نقدية معدنية من فئة المارك بجوار شباك فينفتح الشباك فيرى منصة دوارة حولها كبائن في شكل دائري- منها الكابينة التي بها الزبون- حيث يرى شبابيك مفتوحة في تلك الكبائن تطل منها وجوه تنظر الى المنصة الدائرة الدوارة التي بها فتاة لابسة من غير هدوم تتقلب، ثم تلحق بها أخرى.. ثم ينتهي مفعول المارك فتغلق النافذة تلقائياً..

    وجدنا أحدهم واقفاً خارج باب صالة يدعو المارين للدخول، فرطن الفلسطيني له بلهجة حادة فرد عليه الرجل بنفس الطريقة، فاستغربنا لهذا الهجوم، فقال لنا الفلسطيني إن هذا الرجل يهودي.. فقلنا له كيف عرفت انه يهودي، قال نحن نعرفهم من اشكالهم (متعودين عليهم في فلسطين)، ويبدو ان اليهودي عرف الفلسطيني ايضاً من شكله.. فعلاً هذه المحلات وهذه الأعمال هي من صنع اليهود وترويجهم كما اعترفوا بذلك في بروتوكولات حكماء صهيون..

    هناك قاعة كبيرة بها مسرح وأمام المسرح طاولات وكراسي، هي قاعة (التربتيز)، حيث تعزف الموسيقى فتصعد إحداهن وترقص ثم تبدأ بخلع ملابسها قطعة إثر أخرى حتى إذا ما خلعت آخر قطعة غادرت المسرح لتأتي أخرى، وهكذا.. فإذا خرجت من المسرح عبر كواليسه رجعت الى القاعة حيث تجلس مع من أراد، وتلزمه مديرة القاعة بشراء كأس شراب لها- وله إذا أراد- وطيلة بقائها معه فهي تشفط الكأس تلو الكأس – رغماً عنها- لأن مديرة القاعة تريد ثمن تلك الكاسات.. ولا مانع من مداعبة الجالسة معك..

    خلف هذه المحلات والقاعات يوجد ما يشبه موقف السيارات، حيث هناك فقط الأعمدة التي تحمل البناية، ولا شئ غيرها إلا فتيات تلبس كل منهن قطعتين وتقف بجوار عمود، ويمر الزبائن عليهن فإذا اتفق معها صعدت معه إلى غرفتها في الطوابق العليا من البناية والتي خصصت لهذا الغرض حتى لا يتعب الزبون بالتجول في الطوابق كلها ويصعد سلم وينزل من سلم فيسروا له ذلك بوجودهن هنا، والسعر 50 مارك، وأي لمسة أو غيرها تصبح 70 مارك.. وتلك قاع المدينة..

    Omar-Germany012.jpg Hosting at Sudaneseonline.com


    الصورة لشخصي وعايض وبيننا الفلسطيني، ولا أذكر إن كان هو الذي قاد سيارتنا أم لا، فالذين تعرفنا عليهم في الفندق كانوا ثلاثة. والصورة في شرفة الفندق في دارمشتاد..

    وادرك بن بطوطة الفجر الذي لاح.. فسكت عن الكلام المباح ...
    .. والحديث ذو صلة..
    إلى اللقاء في الحلقة القادمة بإذن الله

    (عدل بواسطة Mandingoo on 12-24-2013, 03:35 PM)

                  

12-25-2013, 10:50 AM

Mandingoo
<aMandingoo
تاريخ التسجيل: 09-28-2002
مجموع المشاركات: 2316

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: رحلات إبن بطوطة السوداني ما بين طنجة وجاكرتا (Re: Mandingoo)


    الحلقة 134

    نواصل ...

    حسن عبد الوهاب (سهرة السبت)

    كنا عائدين بسيارتنا من فرانكفورت الى دارمشتاد حيث الفندق الذي نقيم فيه، فقال لنا الفلسطيني الذي يقود السيارة أن الطريق الذي نسلكه فيه حادث لذلك لابد أن نسلك طريقاً آخر، سألناه كيف عرفت؟ قال من الإذاعة.. فالإذاعات المحلية في اوروبا تقطع برامجها المعتادة لتنبه السائقين إلى أن هناك حادث في الطريق السريع ليخفضوا من سرعتهم وينتبهوا، او أن هناك زحمة في مكان ما يمكن تفاديها بالسير عبر طريق آخر.. لذلك تجد سائقي السيارات دائماً يفتحون راديو السيارة ويستمعون الى الإذاعة المحلية..

    والطرق داخل المدن محددة السرعة القصوى فيها، وغالباً تكون ما بين ثلاثين الى خمسين كيلو في الساعة حسب الشارع، اما خارج المدن وفي الطرق السريعة فهناك سرعة دنيا يجب عدم (تجاوزها)، أي يجب ألا تقل السرعة عنها، وأظن أنها 160 كيلو في الساعة..

    في طريقنا الى الفندق كنا نرى معرض للسيارات المستعملة- ومعظمها مرسيدس- فدلفنا إليه لنستفسر عن أسعار السيارات، فلاحظنا أنها لا تختلف كثيراً عن أسعارها في السعودية، ولم يكن سيف متحمساً لشراء سيارة أو حتى تسجيل ملاحظاته حول السيارات وموديلاتها وأنواعها وأسعارها، لذا استنتجت أنه لم تكن زيارته لألمانيا بغرض شراء سيارات وإنما للنزهة والسياحة فقط.. بالمناسبة كان عمره آنذاك 19 سنة، وعايض 24 سنة وشخصي 29 سنة، وكان سيف متزوج وأنا وعايض ما زلنا (شباب)..

    وأنا في ألمانيا تذكرت حسن عبد الوهاب مقدم برنامج (سهرة السبت) وغيرها من البرامج في تلفزيون السودان في السبعينات، وهو شقيق زميل دراستي في المغرب عز الدين عبد الوهاب، وهم من أبناء مدني وأبناء الخليفة عبد الوهاب (الطهار) الذي طهرني أنا شخصياً (مش تطهير عرقي).. وقد كان حسن عبد الوهاب في معية الرئيس جعفر نميري في رحلته الشهيرة والطويلة الى أوروبا وأمريكا أواخر السبعينات، وفي ألمانيا فاجأت حسن عبد الوهاب أزمة مرضية بسبب الكلى، فاضطر للبقاء في المانيا حيث أجريت له فيها عملية زرع كلية، وبقي هناك لمتابعة العلاج، ولما طال أمد العلاج ألحقوه بوظيفة ملحق ثقافي بسفارة السودان في بون..

    طلبت من سنترال الفندق أن يمدني برقم سفارة السودان في بون، وقد فعلوا، فاتصلت بالسفارة وسألت عن حسن عبد الوهاب، فقالوا لي أنه بالبيت وأعطوني رقم البيت، فاتصلت فرد عليّ شقيقه- الذي يصغره- صلاح، فسلمت عليه وعرفته بنفسي وأنني كنت زميل شقيقه عز الدين في المغرب، وسألته عن حسن فقال إنه الآن في الحمام، ودردشت معه قليلاً ثم وعدته بالإتصال بعد قليل لأتكلم مع حسن.. وبالفعل اتصلت مرة أخرى ورد عليّ حسن وسألته عن صحته فقال لي أنه بخير لكنه يعيش على الحبوب- حبوب تقليل مناعة الجسم لكيلا يرفض الكلية- وهي حبوب يستمر في تناولها الى ما شاء الله، وقال إنه يتكئ على عكاز في مشيه، تمنيت له الشفاء وودعته.. وفي إحدى إجازاتي في مدني لاحقاً صادفت رجوعه للسودان، ودعاني عز الدين لوليمة أعدت لهذه المناسبة في بيتهم بحي الدرجة، فذهبت وسلمت عليه، وكان يستقبل ضيوفه وهو راقد على السرير، فتذكرت ما قاله لي في تلك المحادثة الهاتفية في ألمانيا..

    وسبحان الله قبل حوالي ثلاث سنوات ونصف علمت بوفاة شقيقه صلاح.. فتذكرت قول أمي الذي كانت تردده في مثل هكذا أحداث: (سألوهم مريضكم كيف؟ قالوا شديدنا مات!)، فعلاً لقد كان صلاح يمارض شقيقه حسن أمد الله في عمره، ورحم الله صلاحاً رحمة واسعة وأسكنه االفردوس الأعلى من الجنان.. وما زال حسن مقيماً في ألمانيا إلى تاريخه..

    OMAR-GERMANY1.jpg Hosting at Sudaneseonline.com


    الصورة الأولى لشخصي في أحد شوارع دارمشتاد،

    Omar-Germany014.jpg Hosting at Sudaneseonline.com


    والثانية لشخصي جالس في صالة الفندق الرئيسية

    وادرك بن بطوطة الفجر الذي لاح.. فسكت عن الكلام المباح ...
    .. والحديث ذو صلة..
    إلى اللقاء في الحلقة القادمة بإذن الله
                  

12-26-2013, 05:33 PM

Mandingoo
<aMandingoo
تاريخ التسجيل: 09-28-2002
مجموع المشاركات: 2316

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: رحلات إبن بطوطة السوداني ما بين طنجة وجاكرتا (Re: Mandingoo)


    الحلقة 135

    نواصل ...

    وداعاً دارمشتاد، وداعاً فرانكفورت، وداعاً ألمانيا..

    بينما كنا نمشي في الشارع القتتنا إمرأة كبيرة في السن وكانت تطيل النظر إلينا- ربما من حب الاستطلاع- فبادرناها بالتحية فوقفت وسلمت علينا وسألتنا بالإنجليزية من أين نحن فقلت لها أنا من السودان وهؤلاء من السعودية، فقالت أين تقع هذه السعودية، فأُحبِط صاحباي! أتكون السودان معروفة لهذه الألمانية والسعودية لا؟ وحينما أوضحت لها أين تقع السعودية وأنها من منتجي النفط الكبار عرفتها.. فقال أصيحابي فقط عرفتها عندما اقترنت بالنفط؟ وعرفنا منها أنها أستاذة جامعية، وكانت تمشي في الشارع لوحدها.. ثم قابلنا فتاة سمراء اللون يبدو من هيئتها أنها إفريقية وأنها طالبة، وأيضاً نظرت إلينا فحييناها فحيتنا بابتسامة لطيفة فقال صاحباي لي: (اللون حن).. وفعلاً اللون يحن في بلاد الغربة لا سيما في التي لا يوجد فيها من شاكلة لونك الكثير من البشر.. ولم تتوقف تلك الفتاة بل مرت من جانبنا في الإتجاه المعاكس.. وفي إحدى الحدائق رأيت أسرة سودانية، رجل وزوجته وطفلاه، يجلسون على النجيلة، ورأونا، ولكنهم لم يعيرونا التفاتاً كالإفريقية إياها، بل تعمدوا ألا تقع عيونهم على عيوني، باختصار لم يريدوا أن يتعرفوا على شخصي ذي الملامح السودانية الواضحة- كما هم ملامحهم سودانية واضحة عرفتهم بها أنهم سودانيون.. يا ترى قد يقرأون هذا البوست فيتذكرونني أو يتذكرون تلك اللحظة؟ طبعاً واصلنا طريقنا وأنا في غاية الاستغراب..

    قضينا حوالي 12 يوم في ألمانيا، جلها ما بين دارمشتاد- حيث الفندق الذي نقيم فيه- وفرانكفورت حيث حديقة الحيوانات وقاع المدينة والمولات الكبيرة.. ثم قرر سيف أن نقطع رحلتنا الى المانيا لنغشى مصر! قلت لهم لو كانت البداية مصر ثم أتينا الى المانيا لكان ذلك منطقياً، أما أن نكون في ألمانيا أولاً ثم نغشى مصر ثانياً فهذا غريب.. كيف تتعود عيوننا على ناطحات السحاب في فرانكفورت ثم تصطدم بعمارات القاهرة المتربة والمغطاة جدرانها الخارجية بعوادم السيارات؟ كيف تصم أذاننا أبواق السيارات في القاهرة وقد تعودت في دارمشتاد ألا تسمع إلا حفيف أوراق الشجر في حدائقها.. ولكنه أصر، قلت له سنجد صعوبة في الحصول على مقاعد من القاهرة الى جدة بسبب موسم الحج وذكرته بأن عايض لم يجد حجز العودة من القاهرة الى جدة حينما قابلناه في مكتب السفر في الطائف.. قالوا ان احدهم وعدهم بأن يجد لهم مقاعد.. المهم في النهاية وافقت مرغماً على السفر الى القاهرة..

    حجزنا للقاهرة واستعددنا للسفر، ورتبنا أمتعتنا وغادرنا الفندق بعد أن ودعنا اصحابنا الفلسطينيين وتوجهنا بالتاكسي (نسيت أن أقول لكم التاكسي في ألمانيا يعمل بالعداد والسائقون منضبطون جداً ولا يخادعون ولا يسلكون إلا أقصر الطرق لهدف الراكب) من دارمشتاد الى مطار فرانكفورت عابرين مدينة فرانكفورت ذات العمارات الشاهقة والشوارع الفخيمة والنظيفة والحدائق العامة الغناء والمساحات الخضراء، ومطارها الضخم الحديث المنظم.. وضعنا الشنط في جهاز الكشف ثم توجهنا الى كاونتر الخطوط حيث أنهينا إجراءات وزن العفش وسحب بطاقة صعود الطائرة، ثم الى كاونتر الجوازات حيث ختمنا جوازاتنا بختم الخروج ثم بالسير المتحرك الى صالة المغادرة، وعبر الأنبوب الى داخل الطائرة.

    Omar-Germany1.jpg Hosting at Sudaneseonline.com


    الصورة المرفقة لشخصي وموظف الإستقبال (الفلسطيني) (الذي نسيت إسمه) وعايض في شرفة غرفتنا في الفندق بمدينة دارمشتاد بألمانيا

    Omar-Germany011.jpg Hosting at Sudaneseonline.com


    وهذه الصورة لشخصي وموظف الإستقبال (الفلسطيني) في بهو استقبال الفندق في مدينة دارمشتاد بألمانيا

    وأقلعت الطائرة من مطار فرانكفورت ورأينا الجمال تحتنا والروعة المعمارية والتخطيطية، وغادرنا فرانكفورت التي بدأت تبتعد عنا قليلاً قليلا، أو بالأصح نحن بدأنا نبتعد عن أرضها، ثم ما لبثت أن غُمّت علينا، وغادرنا ألمانيا وأوروبا وعبرنا البحر الأبيض المتوسط باتجاه إفريقيا، إلى وادي النيل..

    وادرك بن بطوطة الفجر الذي لاح.. فسكت عن الكلام المباح ...
    .. والحديث ذو صلة..
    إلى اللقاء في الحلقة القادمة بإذن الله
                  

12-29-2013, 04:14 PM

Mandingoo
<aMandingoo
تاريخ التسجيل: 09-28-2002
مجموع المشاركات: 2316

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: رحلات إبن بطوطة السوداني ما بين طنجة وجاكرتا (Re: Mandingoo)


    الحلقة 136

    نواصل ...

    أرض الكنانة مرة أخرى


    دخلنا الأجواء الإفريقية، أجواء مصر، ثم حلقنا فوق سماء قاهرة المعز، ثم هبطت الطائرة أرض المطار، واستأجرنا تاكسي من المطار حيث أخذنا إلى فندق يعرفه وقال لنا إنه فندق 4 نجوم، وعندما وصلناه رأينا في أعلى جداره الخارجي 4 نجوم مرسومة بالأسمنت.. ودخلنا الفندق فما وجدنا ما يدل على نجمة واحدة، ويبدو أن رسم النجوم على واجهة الفندق (ضحك على الذقون)، وعلى ما يبدو سائق التاكسي نال (حلاوته) من مسؤولي الفندق، وعندما دخلنا الغرف وجدناها سيئة لدرجة أن باب الحمام لا يمكن غلقه.. قضينا ليلة واحدة فيه وقررنا الرحيل عنه..

    ومن فندق لا نجوم له إلى فندق ذو 5 نجوم، شيراتون الجزيرة، فانتقلنا الى هناك حيث البرج الأسطواني الداخل جزء منه في النيل، كان البرج رائعاً وموقعه أروع وغرف الفندق راقية، فرق شاسع بين هذا الفندق وذاك.. ولفت نظرنا أن الذين يعملون فيه لا يقبلون منك بقشيشاً حتى لو سيجارة، فهم ممنوعون من ذلك.. وهذا غريب في أرض الكنانة، ولكن رقي الفندق هو السبب.. وعلى ما اذكر كانت غرفتنا في الدور العاشر، وهي تطل على النيل وكان المنظر من علٍ رائعاً.. وفي المساء كانت هناك فرق غنائية واستعراضية، فكانت الراقصة المصرية الشهيرة فيفي عبده تؤدي وصلة، تليها خواجيتان تلبسان شورت جداً أشبه بلبس السباحة تؤديان رقصاً غربياً مع موسيقى غربية، وكان الرقص والغناء يقدم في وقت العشاء، ويكون سعر العشاء زائداً عنه قبل تقديم فقرات الرقص، فقد جلسنا في أول المساء وطلبنا العشاء فقالوا لنا وقت العشاء لم يحن، فطلبنا عصائر وشاي، وقالوا لنا إذا طلبنا العشاء بعد بدء فقرات الرقص فهناك زيادة في ثمن الوجبة، وأذكر أنني التقيت بطالبتين سودانيتيين لا أذكر الآن أين التقيتهما ولا أذكر إسميهما، ولكن دعيناهما إلى تلك الجلسة على شاطئ النيل في ساحة فندق الجزيرة شيراتون، ولم أرهما بعد ذلك.

    لاحظت أن أجرة التاكسي زادت كثيراً عما كانت عليه في العام 1978 حينما زرت مصر لأول مرة، فأقل مشوار كان يطلب ثمانية جنيهات أو عشرة، وقلت في نفسي أن الغلاء استفحل في مصر، لا سيما تلك التاكسيات الواقفة أمام الفندق، ولا سيما إذا كان معي زميليّ السعوديين أو أحدهما.. علماً بأن في العام 1978 كانت الأجرة لا تزيد عن جنيه أو ربما نصف جنيه..

    ذهبت إلى شارع البساتين أسأل عن أسرة القالع، ووجدت محلاتهم التجارية وسلمت على أولاد القالع الذين يشتغلون فيها، وأخذوني إلى شقتهم وهي نفسها التي نزلت فيها سابقاً، وسلمت على والدهم الذي استقبلني استقبالاً طيباً، ولكن والدتهم سلمت عليّ ببرود مما دفع أحد أبنائها أن يذكر لها إسمي ظاناً أنها لم تعرفني، ولكن ردت عليه: (عارفاه).. مما دفعني للظن بأنها زعلانة مني ربما بسبب الخطاب الذي بعثته لهم بعد عودتي للسودان في العام 1978 أشكر فيه زميلي مجدي عواض الذي سدد أجرة التاكسي للمطار، ولربما كشف خطابي إياه أن محمد لم يعطني شئ مما أعطاه أبوه ونحن نتحرك بالتاكسي من أمام منزلهم باتجاه المطار – كما أسلفت- وقد خمنت أن والده لامه فغضبت والدته له.. المهم سلمت عليهم وجلست قليلاً ثم غادرتهم..

    زرنا أيضاً مكتب الصادق الشريف الذي كان مكتبنا في الطائف يتعامل معه في استقدام العمال المصريين، وكان موقع المكتب في شارع 26 يوليو قرب دار القضاء العالي، وكانت تعمل معه فتاة مليحة، فتعلقت بي، ولمحت بحبها، وأعجبتني، ولم تستمر العلاقة كثيراً لأن فترتنا كانت قصيرة في مصر، وعندما سألت عنها لاحقاً أخبرني صاحب المكتب أنها لا تصلح لي؟ لماذا؟ لأنها قبطية! وتذكرت كيف أنها كانت تحضر لي سجادة الصلاة إذا أردت الصلاة وأنا في مكتب الصادق!

    وادرك بن بطوطة الفجر الذي لاح.. فسكت عن الكلام المباح ...
    .. والحديث ذو صلة..
    إلى اللقاء في الحلقة القادمة بإذن الله
                  

12-30-2013, 10:52 AM

Mandingoo
<aMandingoo
تاريخ التسجيل: 09-28-2002
مجموع المشاركات: 2316

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: رحلات إبن بطوطة السوداني ما بين طنجة وجاكرتا (Re: Mandingoo)


    الحلقة 137

    نواصل ...

    وداعاً أرض الكنانة.. ومرحباً بالحج

    سافرت إلى الإسكندرية حيث بن خالي عادل سراج يدرس هناك في معهد تبريد وتكييف، وأظن أنني كنت أعرف عنوانه فقد كان يراسلني في الطائف منه، وكان يسكن في الإبراهيمية فنزلت عنده وتجولنا معاً في شاطئ الإسكندرية الجميل والتقطنا صوراً هناك لم يبق منها غير صورتين على ما أظن،

    Egypt001.jpg Hosting at Sudaneseonline.com


    الصورة الأولى لشخصي واقفاً على سور يفصل الشارع عن البلاج، في الإسكندرية- مصر وتاريخ الصورة يوليو 1984م

    Egypt005.jpg Hosting at Sudaneseonline.com


    والثانية لشخصي مع إبن خالي عادل سراج في نفس المكان والزمان..

    وزرنا كذلك منزل والدة جارتنا فوزيه حيث قابلنا والدتها وإخوانها فاروق وخميس وكذلك بنت أخيها رقيه (دقدق).. كذلك تعرفت على صديق عادل المصري معتز في شارع شيديا، وسجلنا لهم زيارة في بيتهم وكان بيت كرم وضيافة خاصة والدهم مصطفى شنكل الذي يشبه في صفاته أكرم السودانيين..

    بقيت في اسكندرية ربما يوم أو يومين، ثم رجعت للقاهرة، التحقت بزميليّ السعوديين ثم تجهزنا للعودة الى السعودية.. استقلينا الطائرة المتوجهة الى جدة، وهبطنا في مطار جدة، وكان سيف قد ترك سيارته في موقف المطار طيلة فترة غيابنا خارج السعودية، فركبنا السيارة وتوجهنا الى داخل جدة حيث سيلحق سيف بزوجته عند أهلها في حي بني مالك، وعايض أيضاً بقي في جدة وكان عليّ أن أسافر الى الطائف، فاجتهدت أن أحصل على أجرة السفر من جدة الى الطائف من سيف الذي كنت اتخاصم معه في ألمانيا لكي يقتصد في الصرف، كمثال ما حكيته عن الأكل في الغرفة بدلاً عن المطعم في الفندق في دارمشتاد بألمانيا..

    في جدة ذهبت إلى أحمد ود أحمد (بن خالتي الذي وكلته ليستقبل والداي) وعلمت منه أنه استقبلهم في المطار وطلب من المسؤولين في مدينة الحجاج إخراجهم منها فطلبوا منه التنازل عن المطوف، ففعل، وأخذهم الى البيت، ثم اضطر مرة أخرى ان يبحث عن مطوف آخر وبرسوم أخرى، وبعد جهد جهيد وجد مطوف يقبلهم، وكانوا حين وصلت جدة قد غادروا الى مكة المكرمة.. (لست متأكد من أنني ذهبت لأحمد في بيته أم إنني اتصلت عليه بالهاتف، ولا أستطيع التأكد من هذه المعلومة بعد الآن- من غير سبيل الذاكرة والتذكر- حيث فارق دنيانا احمد قبل اقل من عام أسأل الله أن يتولاه برحمته ويجعل مثواه الجنة في أعلى عليين).

    وصلت الطائف، وارتحت قليلاً من وعثاء السفر، وأحرمنا أنا وزميلي مصطفى المصري وتوجهنا الى مكة، وقابلت والداي هناك وأصرا على أن نبيت معهم في سكنهم بمكة، وتحسس مصطفى وأبى، لكن والداي أصرا عليه، فنمنا معهم في الغرفة التي كان بها غيرنا من الحجاج السودانيين، وكذلك سكنا معهم في مخيمهم في عرفات، ولكن دخول مصطفى الى مخيم السودانيين وهو مصري كان معضلة، حيث كانوا يعترضون دخوله إلا بمعيتي.. وأتممنا الحج معهم والحمد لله، ثم عدت بعد الحج الى الطائف وصرت أزورهم في مكة ثم في جدة حتى سافرا الى السودان.

    وادرك بن بطوطة الفجر الذي لاح.. فسكت عن الكلام المباح ...
    .. والحديث ذو صلة..
    إلى اللقاء في الحلقة القادمة بإذن الله
                  

12-31-2013, 02:36 PM

Mandingoo
<aMandingoo
تاريخ التسجيل: 09-28-2002
مجموع المشاركات: 2316

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: رحلات إبن بطوطة السوداني ما بين طنجة وجاكرتا (Re: Mandingoo)


    الحلقة 138

    نواصل ...

    الإتصالات والرسائل

    كان الاتصال الهاتفي في تلك الأزمان الى السودان في غاية الصعوبة، هذا إذا كان هنالك هاتف أصلاً لدى أهلك تتصل عليه، ففي مدني لا توجد إلا عدة خطوط لتجار ومصالح حكومية وبعض الموسرين، وفي معظم الأحيان لا تعمل أو تتشابك الخطوط فتجد نفسك تسمع كل المحادثات التي تدور في تلك اللحظة في المدينة.. لذا كانت الرسائل الخطية و أشرطة التسجيل هي الوسيلة المتاحة للتواصل مع الأهل..

    من الرسائل التي بقيت في الذاكرة، وبقيت كذلك بذاتها، رسالة من الصديق بابكر البشير خليفة الذي كان يدرس أيامئذ في كلية الطب بجامعة الخرطوم، وتعرفت عليه عندما كنت أزور إبنة عمي آمنة بشير وذلك في العام 1982م حينما كان مقر عملي في الخرطوم.. المهم تلقيت رسالة مكتوب العنوان عليها بخط جميل جداً ومميز جداً، حيث لم أعرف مثله في الخطوط المتعارف عليها من نسخ ورقعة وثلث وكوفي.. كان نوعاً آخر من الخطوط مبتكر، وخاص بصديقي بابكر البشير.. فتحت الظرف وأخرجت الرسالة المؤرخة 18/7/1984م والتي لم تكن سوى قصيدة.. قرأتها وفهمت الرسالة دون شروحات على الهامش أو في المتن، وحتماً ستفهمون الرسالة دون أن أشرحها أنا هنا، وإليكموها:

    نادي منادي القلب الواجف * ولبى البشر الصوت الخاطف
    جينا البلد الطاهر عمره * وسال الدمع السابل وزارف
    ركعنا.. سجدنا.. طفنا.. سعينا * جلسنا دعينا تلينا مصاحف
    زرنا الهمزه وسبعه مساجد * وزرنا بقيع الجيل السالف
    بقيت بالحب النبوي متيم * مليت بالشعر الصوفي صحائف
    قلت أزورك أعانق نورك * ونبض القلب الشوق الجارف
    نويت أسقيك إحساس بالنيل * وغنوة ريد بصوت الكاشف
    سألت عليك مليون متغرب * سألت عليك أحزاب وطوائف
    طلبت العقل الآلي السنتر * لعله يحدد نمرة هاتف
    كان الرد السلبي مسطر * قال العقل البنضم آسف
    خلاص الأمل الشايلو اتبعثر * ورفض الحظ القاسي يحالف
    ولما العقل احتار واتحير * قلت أسافر ليك وأجازف
    أركب عربه ظريفه خفيفه * أأجر هنتر، وطبعاً عارف
    لو تترحل خالي إقامة * تكون في حساب الشرطي مخالف
    مهما تحاول تختا الكشه * ليك العسكر لازم يصادف
    يقول لك وخّر وري هويتك * جنب عندك وخليك واقف
    رجعنا بلدنا وما تلاقينا * وماتهنينا بالونسات الفيها طرائف
    ليك وصية تتم بالنية * من القلب الكلو عواطف
    تعال اتهنى* وكمّل دينك * شقى في الغربة الزول العازف
    ألف تحية لكل مهاجر * صان العشرة معاك في الطائف
    حي جمال الطقس الساحر * وكل ثمار الشجر الوارف
    وأقبل من سودانا تحية * إنت ضميرو وجرحو النازف

    ("تعال اتهنى*" شرحها أسفل الصفحة: "تعال اتحنن")

    فأين صاحب الرسم بالكلمات من هذه الرسمة الجميلة التي لم يجهد صاحبها نفسه فيها كثيراً فخرجت سلسة منمقة ومموسقة؟

    وادرك بن بطوطة الفجر الذي لاح.. فسكت عن الكلام المباح ...
    .. والحديث ذو صلة..
    إلى اللقاء في الحلقة القادمة بإذن الله
                  

01-01-2014, 02:09 PM

Mandingoo
<aMandingoo
تاريخ التسجيل: 09-28-2002
مجموع المشاركات: 2316

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: رحلات إبن بطوطة السوداني ما بين طنجة وجاكرتا (Re: Mandingoo)


    الحلقة 139

    نواصل ...

    إجازة أخرى في السودان

    مضت بقية العام في الطائف عادية، ثم حان موعد إجازتي السنوية، فسافرت عن طريق مطار جدة، الى مطار الخرطوم الذي بدأ لي كئيباً ومزدحماً وغير منظم وفوضى- خاصة العفش- فقد تكدس في صالة ضيقة لا تستطيع ان تمشي فيها من تراكم العفش، لقد ازدادت حركة الطيران وازدادت أعداد المسافرين ولم يواكب ذلك المطار الصغير البدائي..

    بعد زيارة اهلي بالعاصمة علمت بأن أفروديت في الخرطوم، فتوجهت إليها في داخلية البنات قرب صينية سانت جيمس، بعد أن انتقلت إليها من داخلية شارع علي عبد اللطيف.. فرحت بلقائي وفرحت بلقائها.. ثم سافرت إلى مدني وسعدت بلقاء أسرتي وأقاربي وأصدقائي وجيراني.. ثم رجعت مرة أخرى للعاصمة، وبدأت أتردد على افروديت في الداخلية، ما إن أرى طالبة متوجة نحو باب الداخلية حتى أطلب منها أن تنادي فلانة، وانتظر قليلاً فتأتيني أفروديت.. التي كتب فيها زميل دراسة في الجامعة قصيدة ألقاها في رحلة للكلية.. وذكرها بالإسم الصريح، الذي لا أستطيع أن أذكره هنا.. وحينما تأتي كنا نجلس على حافة جدار الداخلية ونتونس..

    وذات مرة دخلنا سينما قاعة الصداقة، العرض المتأخر، وأتذكر أن الفيلم كان يحكي قصة فدائيين كوريين ضد الغزو الياباني لبلادهم.. وبعد انتهاء الفيلم في حوالي الحادية عشرة ليلاً تمشينا في شارع النيل، ثم جلسنا على أحد الكنبات المطلة على النيل.. لم تكن جلسة رومانسية- رغم أن المفروض تكون كذلك- كان ثمة شئ يعكر صفو جلستنا.. شيء غامض لم أفهمه، كلمات مبهمة تصدر منها من حين لآخر.. تبدو ساهمة أحياناً.. وتلمح بأشياء تغلق الأفق أمامي.. فينقبض صدري.. على شاطئ النيل نعم، وحبيبي الساهر معاي، نعم، أسمر وجميل، نعم، كانت أيام يا وطني، نعم، زي الأحلام يا وطني، نعم.. ولكن...

    قمنا من جلستنا على شاطئ النيل وتمشينا نحو الداخلية.. كان الصمت يلفنا معظم الطريق.. ثم وصلنا إلى الداخلية، ودعتها ودخلت هي للداخلية ورجعت أنا..

    حكيت لقريبتي ما يقلقني، فتطوعت لمقابلتها لتعرف خبايا نفسها، ولتقرب بيني وبينها.. أخذتها بسيارتها لاستضافتها في بيتها.. و
    كانت لنا أيام ... في قلبى ذكراها
    مازلت أطراها ...
    ياليتنا عدنا ... أو عادت الأيام
    إن أنسى ما أنسى ... ذكراك يا سلمى
    فى وكرنا المهجور والصمت قد عم
    تحلو لنا الشكوى ... والحب والنجوى
    لن أنسى نجواكى والهمسة والبسمة
    وحرارة الانفاس ... فى قبلتى لما
    ضمتك يمنايا ... يا سعد دنياي
    وغفوتى في صدرى ... نشوانه بالأحلام
    كيف أنسى أيامى يا فتنتي الكبرى
    يا وحى إلهامى أنا همت بالذكرى
    ذكرى لياليكى ... في خدر واديك
    الليل أهواه في شعرك الناعم
    النور والنوار في ثغرك الباسم

    في وسط ذلك كله كانت تقول لي: الكلام القلتو ليك علقو حلقه في أضانك.. فيسقط في يدي.. كيف كل ذلك وأعلق ما قالت حلقه في أذني؟ كيف يجتمع المتناقضان؟ كتبت إسمها في لحى أشجار اللبخ وفي أوراق شجيرات الصبار في حديقة المنزل، وذكريات تلك الأيام الجميلة:
    في لحى الأشجار كتبتو نحتو في صم الحجارة
    وبحت للشمس البتقدل..
    في مدارها
    عيوني في الدمعات وحيله
    اسمحيلا تشوف عيونك
    اسمحيلا
    أنا لا الصبر قادر عَلَىّ
    ولا عندي حيله
    وأنتِ منك لا بداية..
    عرفت لسّه ولا نهايه
    مرة أسرح..
    ومرة أفرح..
    ومرة تغلبني القرايه

    وادرك بن بطوطة الفجر الذي لاح.. فسكت عن الكلام المباح ...
    .. والحديث ذو صلة..
    إلى اللقاء في الحلقة القادمة بإذن الله
                  

01-02-2014, 11:05 AM

Mandingoo
<aMandingoo
تاريخ التسجيل: 09-28-2002
مجموع المشاركات: 2316

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: رحلات إبن بطوطة السوداني ما بين طنجة وجاكرتا (Re: Mandingoo)


    الحلقة 140

    نواصل ...

    الزيارة الثالثة لأرض الكنانة

    رجعت إلى مدني لأصطحب الوالد للسفر به الى القاهرة لعلاجه، فسافرنا من مدني الى الخرطوم وقبل أن نغادرها الى القاهرة طلبت من قريبتي التي استضافت افروديت ان تحل لي اللغز، وتكشف ذلك الغموض، وتسبر أغوارها لأعرف كنه تينك العبارات المبهمة..

    أقلعت الطائرة صوب القاهرة، وبعد ساعتين من الطيران وصلنا مطارها، أخذنا تاكسي بعشرة جنيهات الى الألف مسكن حيث بيت طيبة الذكر المغفور لها بإذن ربها حاجة مسكة إبنة أخ جارتنا فوزية، وقد تعرفنا على حاجة مسكة حينما كانت تأتي السودان لتزور بنات عمتها فوزية في مدني، وكانت بحكم الجيرة القديمة لعمتها فوزية تزورنا، لم أر أطيب من تلك المرأة النوبية الملامح السمراء اللون صبيحة الوجه الباسمة دوماً.. نزلنا ضيوفاً عليها في بيتها حيث كان زوجها يسكن مع زوجته الثانية، وكان هناك شابين من أهلها يسكنان معها..

    قابلنا الطبيب وطمأننا على الوالد إذ لم يكن هناك ما يقلق في صحته، وكتب له العلاج وبدأ في تناوله مع حمية في الأكل.. ثم سافرنا إلى الإسكندرية، وقصدنا إبن خالي عادل سراج حيث يسكن في سيدي جابر، وفي محطة المترو في سيدي جابر رأي والدي عادل في الشارع فلفتني إليه، فناديته، فالتفت وفوجئ بي، فوضع يديه على رأسه وتشهد.. لم يكن يتوقع أن يقابلني بالصدفة في الإسكندرية.. ثم اقترب منا فرأي والدي- ولم يكن رآه حينما رآني- فدمعت عيناه.. سلم علينا وهو يبكي، ثم أخذنا الى شقتهم حيث يقيم معه بعض الطلاب أذكر منهم حسن رشوان، استضافونا في شقتهم، ومنها انطلقنا في زيارات معارفنا هناك.. الحاجة فوزية وإخوتها فاروق وخميس ووالدتها.. والحاج مصطفى شنكل والد صديق عادل، وفي نفس الوقت قريب حسن رشوان.. وكذلك زرنا قريب للحاجة فوزية أنستني السنون إسمه، يسكن وحده مع بنته الوحيدة، وقد أصر أن يدعونا للغداء في بيته، فلبينا الدعوة ومعنا عادل وبعض زملاءه في الشقة..

    Egypt002.jpg Hosting at Sudaneseonline.com


    صورة تضمني وإبن خالي عادل سراج حسن الصادق.. التقطت لنا في مصر في تلك الزيارة

    قريب من الشقة كان هناك مستوصف يسمى نور الإسلام، وكانت في تلك الأيام منافسة بين المسلمين والأقباط لتقديم الخدمات الإنسانية والخيرية، وكان مستوصف نور الإسلام خيري، حيث رسوم الكشف تكاد تكون رمزية- للمصريين ولغيرهم- وعلى ما أذكر كانت جنيه ونصف أو جنيهين او ثلاثة لا أكثر، وأذكر أن الدكتور الذي كشف عليّ يلبس زي الشرطة، فهو عقيد طبيب، وأذكر أنني راجعت المستوصف بخصوص القولون، فقال لي أكيد السبب أكل الشطة، وأنتم السودانيون تكثرون من أكلها لذلك كلكم مصابون بأمراض القولون، قلت له أنا لا آكل الشطة، قال لي أكيد كنت بتاكلها ولما أمرضتك تركتها، وقد كان صادقاً.. وفي تاريخي المرضي ذكرت له ما كنت اتناوله من مضادات الإكتئاب، فقال لي أن الطب النفسي في السودان متقدم جداً.. فقلت سبحان الله.. مصري يعترف لنا بالريادة في شئ؟ أي شئ؟ لقد كان صادقاً، فالطب النفسي في السودان متقدم والدليل ما أوردته سابقاً عن مستشفى الصحة النفسية في الطائف حيث معظم الأطباء النفسيين المقيمين سودانيون، وكذلك الأطباء الزائرون مثل الراحل حسبو وشيخ إدريس..

    في المستوصف التقيت بفتاتين سودانيتين تدرسان في جامعات الإسكندرية، إحداهما تدعى فاتن، وعلى ما أذكر قالت إنها من الحلفاية، تعرفت عليهما، ودعوتهما إلى تناول وجبة معي في أحد المطاعم الذي صادف انه بقرب محطة المترو.. وأخذ عادل والدي الى السينما، وأخذت الفتاتين الى المطعم، وعند خروج والدي وعادل من السينما وانتظارهما في محطة المترو لأخذ المترو المتجه الى سيدي جابر رآني عادل عبر زجاج المطعم أتعشى مع الفتاتين داخل المطعم، وقال لي فيما بعد أنه خاف وقتها أن تقع عين والدي عليّ وأنا مع الفتاتين..

    وادرك بن بطوطة الفجر الذي لاح.. فسكت عن الكلام المباح ...
    .. والحديث ذو صلة..
    إلى اللقاء في الحلقة القادمة بإذن الله
                  

01-05-2014, 04:58 PM

Mandingoo
<aMandingoo
تاريخ التسجيل: 09-28-2002
مجموع المشاركات: 2316

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: رحلات إبن بطوطة السوداني ما بين طنجة وجاكرتا (Re: Mandingoo)


    الحلقة 141

    نواصل ...

    الزيارة الثالثة لأرض الكنانة (2)


    غادرنا الإسكندرية وعدنا إلى القاهرة مرة أخرى وحضر معنا عادل سراج، وزرت مكتب الصادق الشريف، وعرفت منه أن القبطية قد تزوجت قبطي وتركت العمل.. ولم أزر هذه المرة منزل القالع، وما زلت محتاراً في عدم تذكري لماذا لم أزر منزل صديقي وزميلي مجدي عواض!

    Egypt003.jpg Hosting at Sudaneseonline.com

    صورة لشخصي في حديقة عامة بالقاهرة- 1985م

    لاحظت شئ لفت نظري في التاكسي في القاهرة، فقد كان سائق التاكسي يطلب مني جنيه وربع، جنيه ونص، يعني قريب مما كان في زيارتي الأولى لمصر في العام 1978م (ربع جنيه، نص جنيه)، وبالمقارنة مع العام السابق يبدو الأمر غريباً.. كيف يقل سعر المشوار، وبهذه الدرجة؟ فكما تذكرون فقد كانوا يطلبون منا في العام السابق ثمانية جنيهات تقريباً.. ثم استنتجت أن السبب في هذا أن في العام السابق كنت اتنقل مع سعوديين، والآن اتنقل لوحدي أو مع أبي، يعني سودانيين!! وأدركت أن سائقي التاكسي يرفعون السعر للسعوديين أضعاف أضعاف ما يطلبون من السودانيين.. عارفين من أين يؤكل الكتف..

    Egypt004.jpg Hosting at Sudaneseonline.com

    صورة لشخصي في أحد شوارع القاهرة - 1985م

    ذكرني هذا أنه في العام السابق، اي عندما زرنا مصر في طريق عودتنا من ألمانيا، أننا دخلنا كازينو في الهرم، ولم أكن أرغب في الذهاب إلى كازينو لأنني لا أحب التفرج على الرقص الشرقي، ولكن زملائي أصروا على الذهاب فذهبت معهم، ولاحظت أن المغني في الكازينو كان يذكر اسم دول الخليج التي يتواجد مواطنوها في الكازينو في تلك اللحظة، فذكر السعودية، وذكر اليمن رغم أنه لم يكن هناك يمني، ولكن أحد رفقائي كان يشبه أهل اليمن فظنه المغني يمنياً، والغريب أنه لم يذكر اسم السودان رغم أن ملامحي سودانية واضحة.. ولكن يعرف انه لن يستفيد مني، فلِمَ يوجع خشمو فيني؟!

    Egypt006.jpg Hosting at Sudaneseonline.com

    صورة لشخصي في حديقة عامة بالقاهرة- 1985م

    من الطرائف التي حدثت لي أننا كنا نسير في حي الألف مسكن مع أحد أقرباء الحاجة مسكة القاطنين معها، وكان كثير المزاح، فرأينا صعيديين يقودان معزتين، فقال لهم صاحبنا هذا: تبيعون المعزات؟ فتحاوروا معه وعلى ما أذكر أبدوا عدم رغبة في البيع بحجة أنني لا أملك ثمنهن، ويبدو أن كلامهم استفزني فأخرجت المحفظة من جيبي وأريتهم الفلوس، وأظن أنهم ازدادوا استفزازاً لي فأخرجت مبلغاً من المال وسلمته للصعيدي الذي ترك المعزتين في يد صاحبنا ثم (فص ملح وداب)، واختفى وزميله في أزقة الحي، وشربت المقلب.. فقد تابعت صاحبنا في هزله وحسبت أنه يدرك ما أقدم عليه، ولكن فيما بعد اتضح انه من السذاجة بمكان، وكنت أنا أكثر سذاجة منه لأنني وثقت فيه وفي عقله.. وكان واضحاً من (زوغان) الصعايده أن الثمن الذي قبضاه أكثر من سعر المعزتين الحقيقي.. وسحبنا المعزتين الى منزل الخالة مسكة، ثم أخذهم صاحبنا (وكان إسمه عادل، وقد ذكرني بإسمه عادل سراج اليوم) إلى مكان ما بمعرفته.. وبدأنا نصرف عليهما بإطعامهما، ثم بعد عدة أيام بعناهما بالخسارة.. مزحة انتهت بخسارة مادية.. ولكن استفدنا تجربة، فاستفيدوا أنتم منها دون أن تدخلوها، وبنقلها لغيركم حال قراءتكم لها هنا يستفيد آخرون..

    لم أنس أن أشتري هدية رمزية لأفروديت، فوجدت سلسلة من الفضة ودلاية مكتوب عليها إسم الجلالة.. فاشتريتها لها..

    ثم أزف وقت الرحيل من قاهرة المعز، فتوجهنا الى المطار، وتقدمنا إلى كاونتر الخطوط حيث قدمنا التذاكر ووضعنا العفش في الميزان، ولم يكن عفشنا يزيد عن الوزن المسموح به، ومع ذلك طلب العامل- الذي يأخذ العفش من الميزان ليضعه في السير- بقشيش، فاعتذرت له، فما كان منه إلا أن رفع الشنطة إلى أعلى وتركها تسقط من علٍ، نكاية في شخصي الذي لم يعطه بقشيش، فقلت له خذها مرة أخرى وأحذفها في السماء لتسقط من ارتفاع أعلى، تحدياً له لما قام به.. فابتسم موظف الكاونتر وابتسم أبي.. وهكذا حال هؤلاء، إما إن تعطيهم وإما أن يؤذوك.. وكأن البقشيش واجب عليك..

    ثم أقعلت الطائرة متوجهة صوب الجنوب فوق النيل حتى وصلت الى مقرن النيلين، وهبطت في مطار الخرطوم.. لأجد في الخرطوم مفاجأة من العيار الثقيل.. عيار لم يُخترع عيار أثقل منه حتى الآن!

    وادرك بن بطوطة الفجر الذي لاح.. فسكت عن الكلام المباح ...
    .. والحديث ذو صلة..
    إلى اللقاء في الحلقة القادمة بإذن الله
                  

01-06-2014, 04:53 PM

Mandingoo
<aMandingoo
تاريخ التسجيل: 09-28-2002
مجموع المشاركات: 2316

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: رحلات إبن بطوطة السوداني ما بين طنجة وجاكرتا (Re: Mandingoo)


    الحلقة 142

    نواصل ...

    مفاجأة من العيار الثقيل جداً

    فور وصولي الى الخرطوم اتصلت من هاتف جيران اختي في الديم على قريبتي التي وعدت بتقصي الحقائق ومعرفة الحقيقة وسبر أغوارها.. فجاء الرد صاعقاً.. ومباشراً.. وقاطعاً:

    - عقدت!

    توقعت كل شئ إلا هذا!

    - عقدت؟

    سألتُ قريبتي لأتأكد من الكلمة، ومن المعنى، ولكي تستوعب أذني ضخامة الكلمة، وليستوعب عقلي هول المفاجأة..
    أكدت لي قريبتي ما قالته، وأضافت أن ذلك حدث يوم الخميس، أي قبل يومين!

    الآن فقط بدأت استوعب ما كانت تردده لي: (الكلام القلتو ليك علقو حلقه في أضانك).. الآن فقط فهمت ذاك الشئ الذي كان يعكر صفو جلستنا على شاطئ النيل في تلك الليلة.. ذلك الشيء الغامض الذي لم أفهمه، تلك الكلمات المبهمة التي كانت تصدر منها من حين لآخر.. وكيف أنها كانت تبدو ساهمة أحياناً.. وتلمح بأشياء تغلق الأفق أمامي.. فينقبض صدري..

    وهأنذا أكمل أغنية عثمان حسين التي بدأتها أعلاه:

    لكن تباعدنا دهرا ... وما عدنا
    للوكر يا سلمى ... او عادت الأيام

    وأضيف:

    عشرة الأيام ما بصح تنساها
    كأنو ما حبيتك وكأنو ما عشناها
    وضمانا أحلى غرام

    ليه فجأة دون أسباب
    من غير عتاب أو لوم
    أخترت غيري صحاب
    وأصبحت قاسي ظلوم
    هان ليك فراقي خلاص
    وانا برضي حولك أحوم
    كان عهدي بيك ترعاني
    وأجمل صلاتنا تدوم
    أمل المحبة سلام

    بعدك أماني هواي
    ياما جنيته عدم
    ولا عرفت صديق
    لي قلبي غير الهم
    كم غيري يشدو سعيد
    وأنا في هواك مغرم
    ما اظني انا انساك
    ومن العذاب اسلم
    أسلم من الأوهام

    ما كان فراقنا المر
    في نيتي أو في إيدي
    لكن ظروفك أبت
    وقست ظروفي علي
    واتلاشت الأحلام
    وين حسن ظنك بي
    وريني أيه ضراك
    لو كا صبرت شوية
    عمر السنين أيام

    رحم الله عثمان حسين، ورحم أيامنا تلك..

    وقبل أن أفيق من الصدمة ذهبت إلى الداخلية، وسألت عنها زميلاتها فقالت لي إحداهن- من اللائي كن أسألهن عنها في السابق- أنها خرجت مع فلان (الذي عقد عليها)، فسلمتها ظرفاً لتسلمه لها، فيه الهدية التي اشتريتها لها من مصر (السلس الفضي ودلايته "إسم الجلالة") وورقة فيها مباركة العقد لها وتمنياتي لها بحياة سعيدة، وسؤال: لماذا حدث ما حدث، وكيف يستقيم:

    (فى وكرنا المهجور والصمت قد عم
    تحلو لنا الشكوى ... والحب والنجوى
    لن أنسى نجواكى والهمسة والبسمة
    وحرارة الانفاس ... فى قبلتى لما
    ضمتك يمنايا ... يا سعد دنياي
    وغفوتى في صدرى ... نشوانه بالأحلام)

    مع:

    (ليه فجأة دون أسباب
    من غير عتاب أو لوم
    أخترت غيري صحاب
    وأصبحت قاسي ظلوم
    هان ليك فراقي خلاص)

    وفي نفس الرسالة عرضت عليها أن نكون أصدقاء.. وطال إنتظاري للإجابة.. عقود..
    وهنا أكمل أغنية وردي (جميلة ومستحيلة) التي بدأتها أعلاه:

    ولّمن أكتبلك وداعاً..
    قلبي ينزف في الدواية

    عيوني في الدمعات وحيله
    اسمحيلا تشوف عيونك
    اسمحيلا
    أنا لا الصبر قادر علىْ..
    ولا عندي حيله

    وادرك بن بطوطة الفجر الذي لاح.. فسكت عن الكلام المباح ...
    .. والحديث ذو صلة..
    إلى اللقاء في الحلقة القادمة بإذن الله
                  

01-07-2014, 01:04 PM

Mandingoo
<aMandingoo
تاريخ التسجيل: 09-28-2002
مجموع المشاركات: 2316

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: رحلات إبن بطوطة السوداني ما بين طنجة وجاكرتا (Re: Mandingoo)


    الحلقة 143

    نواصل ...

    انتهاء الفصل ما قبل الأخير من قصة أفروديت


    سافرنا أنا ووالدي إلى مدني بعد إنتهاء رحلة الإستشفاء في مصر.. زارنا الأهل والجيران ليطمئنوا على صحة الوالد ويهنئونا على سلامة الوصول، وكان من بينهم شقيق افروديت- زميل دراستي بالمدرسة الوسطى- الذي زارنا في المساء، وعند خروجه خرجت معه وتمشيت قليلاً معه في شارعنا، ثم واصلت المسير معه إلى شارعهم الذي يقع خلف شارعنا، وأمام منزلهم رأيت آثار صيوان العقد وآثار مياه جافة واضح انها من آثار يوم الخميس، وقبل الدخول إلى بيته سألته: هل تم عقد قران فلانة؟ فأجاب نعم، قلت له: لأدخل وأهنئ.. وبالفعل دخلت معه وهنأت أسرتها بعقد قرانها.. وكنت متماسكاً وجَلِداً وكأن الأمر لا يهمني..

    يبدو أن أهلي تنفسوا الصعداء.. فقد أضحت الجميلة مستحيلة.. وانغلق هذا الباب إلى الأبد، ويبدو أن الفتيات تنفسن الصعداء أيضاً، فقد تم تحييد منافس خطير.. وبعضهن كن ولابد شامتات، وبعضهن قد يزددن دلالاً بفهم أن أنظاري قد تتجه لهن حيث أنني أصبحت (خالي الوفاض) أو خالي القلب.. وأنا لسان حالي يقول كما قال الشاعر:
    كم منزل في الحي يألفه الفتى * وحنينه أبداً لأول منزل
    نقل فؤادك حيث شئت من الهوى* ما القلب إلا للحبيب الأول

    قضيت بقية الإجازة بين مدني والخرطوم ثم غادرت السودان الى السعودية ورجعت لعملي المعتاد في الطائف، ونقلنا الكفيل من الشقة التي بسطح عمارته التي يسكن بها إلى عمارته التي تحت الإنشاء.. في شقة لم تكتمل بعد، ركب لها ابواب وشبابيك مؤقتة.. وأسكن فيها معي عدد من العمال.. إذاً تدنى وضع السكن بالنسبة لي..

    في إجازة عيد الفطر قررت السفر إلى الرياض لقضاء إجازة العيد مع خالي- بن خالة أمي- الدكتور عبد الغفار الحاج سعيد، المحاضر بكلية الزراعة بجامعة الملك سعود- وبما أن الحال كان شلش ولا أستطيع السفر بالطائرة فقد استقليت بصات النقل الجماعي، وأذكر أنه في اثناء سير البص في الطريق سمعت صوت رجل يتحدث بطريقة غاضبة- يهرج- ثم إزداد صوته علواً ونبرته حدة، فالتفت لمصدر الصوت فرأيت شاباً أسمر يرتدي الزي السعودي وبجانبه فتاة وإمرأة كبيرة في السن بدأ أنهما أخته وأمه ويجلسان في آخر كراسي في البص- خلفي تقريباً- وكان الشاب ينظر إلى الأمام باتجاه شخص جالس في منتصف البص تقريباً وكأنه يوجه حديثه إليه، ويبدو أن الأمر تحول إلى مشادة كلامية حينما قام الشاب الأسمر من مقعده وتوجه نحو الراكب الآخر، مما إضطر سائق البص للتوقف في أقرب بلدة بها مركز شرطة، فنزل الشاب الأسمر والشخص الآخر والسائق وعدد من الركاب..

    ثم بعد مدة صعد الى البص الجميع ومعهم شرطي، وتابع الشاب الأسمر حتى أجلسه في مقعده، ثم وجه الشرطي كلامه لي- لا أدري لماذا اختارني أنا بالذات مع ملاحظة أنني السوداني الوحيد في البص والبقية سعوديون وباكستانيون وعرب آخرون- طالباً مني أن أطلب من السائق أن يتوقف في أقرب مركز شرطة في الطريق إذا بدر من هذا الشاب الأسمر أي تصرف.. وفهمت أن هذا الشاب اتهم الراكب الآخر ظلماً، ولذا هددته الشرطة بأن تسلمه لأقرب مركز شرطة إن هو أبدى أي تصرف آخر غير طبيعي.. ثم نزل الشرطي وواصل البص سيره.. وبعد قليل سمعت الشاب الأسمر وهو يتكلم بحدة مع شقيقته، ثم بدأ يضربها، وبدأت أمه تدعو عليه، فالتفت للخلف فرأيتها تخبئ بنتها في حجرها وتنحني عليها وتحوطها بذراعيها حماية لها من ضربات أخيها.. وما إن رآني ألتفتُ إليه حتى ابتسم ابتسامة مداهنة، ويبدو أنه أدرك أنني مكلف بإيداعه مركز الشرطة وأن تصرفه الأخير هذا قد يقودني لتنفيذ طلب الشرطي.. حينها توقف عن ضرب أخته.. وقد استنتجت أن هذا الشاب مصاب بمرض الوسواس القهري، فما تصرفه تجاه الراكب إياه إلا تخيل بأنه يعاكس اخته، علماً بأن الراكب أمامه بمسافة ولا يستطيع النظر إلى اخته كون أن هناك عدد من الركاب يفصلون بينهم..

    وادرك بن بطوطة الفجر الذي لاح.. فسكت عن الكلام المباح ...
    .. والحديث ذو صلة..
    إلى اللقاء في الحلقة القادمة بإذن الله
                  

01-08-2014, 02:29 PM

Mandingoo
<aMandingoo
تاريخ التسجيل: 09-28-2002
مجموع المشاركات: 2316

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: رحلات إبن بطوطة السوداني ما بين طنجة وجاكرتا (Re: Mandingoo)


    الحلقة 144

    نواصل ...

    زيارتي الأولى لعاصمة السعودية الرياض


    وصلنا الرياض عند الصباح واتصلت من أمام محطة النقل الجماعي على هاتف منزل الخال عبد الغفار، ولكن لا مجيب، وكان ذلك في آخر أيام رمضان، ويبدو أنهم يسهرون حتى الصباح ثم ينامون نهاراً.. ولما طال انتظاري وسهري- طبعاً مسافر طوال الليل بدون نوم- تطوع أحد الأخوة السودانيين الذين كانوا في النقل ا لجماعي ولا أذكر إن كان معي في نفس الرحلة أو كان ينتظر أحد، وأخذني معه لبيتهم – عزابه- فقضيت النهار معهم ثم في المساء اتصلت على منزل خالي فردوا عليّ وجاء وأخذني إلى بيته في السكن التابع لجامعة الملك سعود بمدينة الدرعية..

    وكان في نفس السكن الجامعي يسكن الدكتور عبد المجيد كمبال، وهو زوج بنت اخت أبناء خالتي، وكان الجميع يقضون الليل في الونسة ولعب الكتشينة حتى الثامنة صباحاً ثم ينامون.. وبحثت عن زملاء الدراسة بالمغرب فوصلت إليهم في سكناهم وأذكر منهم جمال ميرغني وكمال شرف، وكذلك زرت بن عمي عثمان حاج بليل غلام الله وإبن حي 114 عبد العظيم سليمان الذي كان يعمل بمكتبة جرير في الكاشيير، ولشدة الزحمة لم نستطع أن نتونس معه، فصفوف المتسوقين متراصة وهو لا يرفع رأسه عن البضاعة المباعة ودرج الكاش، فقلت له: كيف تشرب الماء؟ فرد علي فوراً: قول لي كيف تقدر تمشي الحمام! الآن هو مدير جرير بقطر.

    بعد أسبوع ونيف، وربما عشرة أيام رجعت الى الطائف، وتوجهت الى الشقة (غير المكتملة التشطيب في العمارة غير المكتملة البنيان) ودخلتها لأفاجأ بأن الحلة التي طبخنا فيها أنا وعلي آخر طبخة ما زالت كما هي ببقية الطبيخ الذي تحول إلى مستعمرة من الدود.. وكنت قد أوصيت علي بأن يغسلها عقب الإنتهاء من التهام ما فيها من طعام.. ولكنه تركها كما هي وذهب الى اصدقائه وبقي معهم طيلة الفترة التي غبت فيها عن الطائف، ولا أذكر لِمَ كان علي يسكن معي في تلك الشقة، فالمفروض أنه يعمل في مطعم ويسكن فيه أو بقربه، ولكن ربما كان قد ترك العمل في المطعم والتحق بالعمل مع كفيلي- الذي ربما كان كفيله أيضاً أو ربما نقل كفالته عليه- لم أعد أذكر.. وبمناسبة عمله في المطعم؛ أذكر أنني كنت أزوره في ذلك المطعم حيث يعمل، وجاء شاب سعودي ليحاسب على ما أكله، فقال له علي: (حسابك عشره ريال).. فقال الشاب أنا أكلت أرز فقط.. فأصر عليّ على أنه أكل دجاح مع الرز.. واحتد مع الشاب ومسك بخناقه، فذهب الشاب وأحضر شرطي.. واستفسر الشرطي عن الموضوع فقال له إن الزبون أكل دجاج مع الرز، فقال الشرطي للشباب إذاً هي عشرة ريال.. وخرج الشرطي وخرج الشاب.. فسألت علي عن الحاصل.. فقال لي وهو يضحك: (أكل رز بس).. وما زلت صورة ذلك الشاب في ذاكرتي حتى اليوم.. وما زلت متحسراً عليه وكأنني أنا الذي ظلمته، رغم أنني لم أعرف الحقيقة إلا بعد ذهابه، وما زلت أجهل سبب ما فعله عليّ مع ذلك الشاب الذي يبدو أنه فقير لدرجة أنه أكل رز فقط، وبالظلم دفع قيمة دجاج مع الرز!

    تعرفت على سودانيين يسكنون بالعمارة المجاورة للعمارة التي بها مكتبنا، وكلاهما يعملان مترجمان في مدرسة الأمن الخاص بالطائف، احدهما صالح عمر والآخر خليل محمد خليل، وكان لهما زميل سعودي إسمه كريّم أبلغوني برغبته في عمل مشروع في المملكة المغربية، وعرف أنني درست بالمغرب فرغب أن يبعثني الى المغرب لدراسة الأوضاع هناك قبل الإقدام على تنفيذ المشروع، واقترح مشروع مطعم، حيث لديه مثل هذا المشروع في السعودية، ويعتقد أن مشروع الأكل والشرب لا يفشل أبداً.. راقت لي الفكرة، فهاهي المغرب الحبيبة تتراءى لي.. وهاهو الحلم بالعودة الى رباط الفتح وتطوان الهادئة وكازا العملاقة يلوح في الأفق..

    سافرت الى جدة للتقديم إلى تأشيرة الدخول للمغرب من القنصلية المغربية، وكانت في حي مشرفة على ما أذكر، فقدمت جواز سفري فطلبوا مني إرسال برقية على حسابي الى وزارة الخارجية بالمغرب لطلب التأشيرة وانتظار ردهم الذي سيأتي عبر القنصلية، فأرسلت البرقية حسب العنوان الذي أعطوني إياه.. ثم رجعت للطائف، وانتظرت، وطال انتظاري، وكلما اتصلت على القنصلية يأتيني الرد نفسه: ما جاء شئ! فبدأت أحلامي تتبخر، وبدأت المغرب تبتعد قليلاً قليلا..

    وفي مرة وأنا مستلق في شقة أصدقائي الصيادلة السودانيين الذين يعملون في صيدلية بقرب مكتبنا، وكانوا قد قدموا مؤخراً للسعودية، وسكنوا بحي الشرقية أو شارع أبو بكر لا أذكر، وطاف بذهني سيناريو لقائي المرتقب بأصدقائي المغاربة خاصة صديقي الدكتور مصطفى محفوظ، ففاضت عيناي بالدمع.. ولكن مال وزارة الخارجية لا ترد على برقيتي؟ وفجأة تذكرت وسام المسيرة الخضراء، فنهضت من رقدتي وخرجت أبحث عن تلفون عملة في الشارع.. واتصلت على القنصلية، فردت عليّ الموظفة التي ترد عليّ دائماً، فعرفتها بنفسي، فشغلت الأسطوانة: ما جاء شئ من الخارجية، فقلت لها أعطيني القنصل، فقالت لي لا يوجد قنصل ولكن يوجد نائب القنصل، فقلت لها بلهجة آمرة: أعطيني القنصل، وكنت أتكلم بثقة مفرطة.. فأعطتني القنصل..

    وادرك بن بطوطة الفجر الذي لاح.. فسكت عن الكلام المباح ...
    .. والحديث ذو صلة..
    إلى اللقاء في الحلقة القادمة بإذن الله
                  

01-09-2014, 01:42 PM

Mandingoo
<aMandingoo
تاريخ التسجيل: 09-28-2002
مجموع المشاركات: 2316

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: رحلات إبن بطوطة السوداني ما بين طنجة وجاكرتا (Re: Mandingoo)



    الحلقة 145

    نواصل ...

    زيارتي الأولى للمغرب بعد التخرج

    قلت له: أنا أرسلت برقية للخارجية المغربية لطلب تأشيرة دخول للمغرب.
    رد علي: باقي ما زال ما جات
    قلت له: أنا حاصل على وسام المسيرة الخضراء.. يعني شاركت في تحرير التراب المغربي من الإستعمار الأسباني..
    قال لي: اتصل عليّ بكره..
    اتصلت عليه في اليوم التالي، فقال لي تعال خد التأشيرة!
    هذه كانت أول فائدة لوسام المسيرة الخضراء، وقد علمت من أحد السودانيين الذين حصلوا عليها أنهم حصلوا على تذاكر سفر مجانية للمغرب، ولكني لم أحاول الحصول على أي امتيازات أخرى، لا سيما وأنني قد أضعت بطاقة المسيرة الخضراء الخاصة بي والتي عليها إسمي ورقم البطاقة وتاريخها، ولكن الوسام ما زال معي..

    سافرت الى جدة وقدمت جوازي للتأشيرة التي ختمت عليه، واستعددت للسفر، واشتريت بعض المستلزمات والهدايا البسيطة، وحجزت على الطائرة، ووصلت مطار جدة، وأنا بانتظار إقلاع الطائرة المتوجهة للدار البيضاء كنت أراقب لوحة إقلاع وهبوط الطائرات شبه الإليكترونية الضخمة المعلقة في جدران صالة المطار، وقد كتب على رحلات السودان القادمة: (ألغيت).. والسبب إنتفاضة رجب حيث أن مطار الخرطوم أغلق، لذلك تأكدت أن سفري للمغرب كان في الأيام الأولى من شهر إبريل 1985م لأن الانتفاضة التي أسقطت نظام مايو كانت في 6 ابريل 1985م..

    أقلعت الطائرة من مطار الملك عبد العزيز بجدة باتجاه ليبيا حيث حطت في مطار طرابلس الدولي، ونزل بعض الركاب، وقمت أتمشى في الطائرة حتى وصلت الى باب الطائرة ووقفت عليه وتفرجت على مطار طرابلس.. وأثناء وقوفي بالباب جاء سوداني يعمل بمطار طرابلس ووجه كلامه لي بما معناه: خلاص جهزنا الطائرة، او خلاص زودناها بالوقود او شئ من هذا القبيل، وممكن تقلعوا.. معتقداً أنني أحد موظفي الطائرة، وقد كنت ألبس بنطلوناً أسود وقميصاً أبيض نصف كم، ومما زاده يقيناً بأنني أحد موظفي الخطوط السعودية هو أن بكتف القميص يوجد لسان بزراره مما يوضع فيه شريط او أشرطة رتبة الموظف (المضيف أو الكابتن).. فابتسمت وأوضحت له أنني لست من ضمن طاقم الطائرة السعودية..

    ثم أقلعت الطائرة صوب الغرب باتجاه المغرب.. وبعد حوالي الثلاث ساعات وصلت إلى مطار الدار البيضاء.. هأنذا مرة أخرى في مغرب الأحباب.. البلد الذي اشتقت إليه كثيراً.. مهد الذكريات الجميلة والعشرة النبيلة.. بلاد العلم والثقافة.. بلاد الجمال بكل ضروبه، جمال الطبيعة، وجمال المناخ والطقس وجمال البشر وجمال الجمال..

    هبطت الطائرة أرض المغرب، وتملكني إحساس يشبه إحساسي عندما هبطت الطائرة مطار الخرطوم بعد إنقضاء السنة الأولى للدراسة بالمغرب، اي في العام 1976م.. نعم إحساس العائد لوطنه يحدوه الشوق الجارف.. إحساس الذي ظن أنه لن يلتقى بأصدقائه مرة أخرى فإذا به قاب قوسين أو أدنى منهم.. لأماكن حُفرت في الذاكرة بأجمل ما تكون الذكريات، لريحة المكان.. نعم.. رائحة المكان.. رائحة السويقة في الرباط التي تغلب عليها رائحة الزيتون.. وسوق الخضار الذي يغلب عليه رائحة المندرين (اليوسفي)، ورائحة المقاهي التي يغلب عليها رائحة التبغ.. كل تلك الروائح أتذكرها وأنا بعيد عن المغرب جنباً إلى جنب مع الصور التي تمر كشريط في الذاكرة..

    (جلست أكثر من اسبوع لأتذكر أين نزلت في تلك الرحلة فلم استطع، هل سافرت للرباط فوراً ام بقيت في الدار البيضاء، فلم استطع التذكر.. فقررت المضي في الكتابة دون تلك التفاصيل التي استغرب نسياني إياها على هذا النحو..)

    طرحت ما أتى بي الى المغرب للأخوة السودانيين هناك وعلى رأسهم الصديق الفاضل محجوب البيلي الذي اقترح مشروع مقهى وسأل بعض معارفه من سماسرة العقار وأعطاني فكرة عن الإيجارات، وقد راجعت وزارة السياحة لمعرفة المشاريع السياحية الممكن تنفيذها، وقد جمعت بروشورات من وزارة السياحة..

    وادرك بن بطوطة الفجر الذي لاح.. فسكت عن الكلام المباح ...
    .. والحديث ذو صلة..
    إلى اللقاء في الحلقة القادمة بإذن الله
                  

01-12-2014, 06:24 PM

Mandingoo
<aMandingoo
تاريخ التسجيل: 09-28-2002
مجموع المشاركات: 2316

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: رحلات إبن بطوطة السوداني ما بين طنجة وجاكرتا (Re: Mandingoo)


    الحلقة 146

    نواصل ...

    عبق الذكريات

    وقد وجدت من الزملاء الباقون في المغرب غير محجوب البيلي الذي كان يعمل بجريدة مغربية، زميلي طلحه جبريل الذي أصبح مديراً لمكتب جريدة الشرق الأوسط بالمغرب، وقد زرته في مكتبه ودعاني إلى تناول الغداء معه في بيته، وكان قد تزوج بمغربية، ولبيت الدعوة، وما إن جلسنا على مائدة الغداء حتى بدأ المذياع يذيع نشرة أخبار الساعة الثانية من إذاعة الرباط، وبدأ طلحة يسجل في ورقة بعض الأخبار ، ثم جلس لمواصلة غدائه فرن جرس التلفون فتناول السماعة وبدأ يسرد الأخبار المغربية على موظف في الجريدة برئاستها في لندن، والتفت إليّ وقال لي ولقرينته: كلو، فهذه هي الحال دائماً.. وبعد أن فرغ من سرد الأخبار ووضع سماعة الهاتف عاد ليواصل غداءه.

    الشرق الأوسط والصحافة ذكرتني المقال الذي كتبته في جريدة العلم المغربية عن موضوع التأشيرة السالف ذكره، وسأدرجه هنا لاحقاً، ولكن الشاهد أنني تذكرت أين كتبت هذا المقال.. كتبته في منزل أخي وصديقي محجوب البيلي في الرباط، حي أكدال، وتذكرت أنني التقيت محجوب امام محطة القطار الرئيسية في الرباط، وكنت سائراً من جهة شارع محمد الخامس باتجاه المحطة فوجدته واقفاً امام المحطة..

    كان أيضاً من الزملاء القدامي الذين بقوا في المغرب إبن دفعتي عبد المنعم بيومي الذي كان يعمل وقتها في الملحقية الثقافية السعودية حسبما أذكر، أو في مطبعة الشرق الأوسط في الدار البيضاء (في زيارتي اللاحقة في اواخر عام 1987م كان يشغل إحدى هاتين الوظيفتين)، كذلك كان هناك ابراهيم اب زعانف، وهو من الدفعة السابقة لنا، وهو يعمل عامذاك في السفارة السعودية.. أيضاً من دفعتنا عصام قطر الذي كان يعمل في سفارة قطر مع خاله حسن قطر، كذلك كان الراحل ابو بكر الشريف يعمل في إحدى الصحف المغربية، والمرحوم ابو بكر كان قد قدم الى المغرب من ليبيا أواخر أيام دراستنا بالمغرب..

    تذكرت أصدقائي القدامى في الشقة التي كنت أقيم فيها في إجازة صيف 1977م، وتساءلت هل يا ترى يكونوا موجودين؟ الطلاب قد يكونوا قد تخرجوا ورجعوا الى بلادهم في الجنوب، او التحقوا بوظيفة في مدينة أخرى، ولكن الجندي أحمد نور الهدى هل يكون باقياً في تلك الشقة أم أنه تزوج وانتقل الى شقة أخرى.. المهم توجهت الى شارع مدغشقر قرب حي المحيط، ووصلت الى العمارة رقم 20 ورأيت البقالة التي تحت العمارة كما هي منذ سبع سنوات، وكذلك المخبز، ومكتب مدرسة تعليم قيادة السيارات.. وبينهما دلفت الى مدخل العمارة، وصعدت السلالم.. وتنسمت عبق الذكريات.. ويا لها من ذكريات..

    وصلت الى الطابق الأخير ونقرت على باب الشقة، فخرج لي شاب سألته عن أصدقائي فقال أنه سكن هنا قريباً ولكن سمع بهم، ولا يدري أين هم الآن.. شكرته وقفلت راجعاً، ودخل هو الى الشقة.. ولكني تذكرت جيراننا القدامى الذين نسيت أسماءهم، سكان الشقة التي تواجه شقة أصدقائي والذين استلفت منهم في رمضان أواني طعام يوم استضفت زميلاتي عائشة وثريا على إفطار رمضاني.. ويوم كنت أذاكر في سطح العمارة وكان أطفالهم يلعبون حولي وأنا أتفرج عليهم ثم التقطت لهم صور..

    المهم تجرأت ونقرت على باب الشقة ولا أدري إن كان السكان هم نفسهم ام تغيروا كما تغير سكان الشقة الأخرى.. فتحت الباب بنت صغيرة عمرها حوالي 13 او 14 سنة، فسلمت عليها ثم سألتها سؤال بدأ غريباً: (إيش حال أنتم في هادي الشقة؟) وترجمتها (كم لكم في الشقة دي؟) فقالت لي: لحظة، ثم دخلت وبعد ثوانٍ خرج رجل فسلمت عليه ثم كررت له السؤال، فلم يفهم، فقلت له هل لكم في هذه الشقة 7 سنوات؟ فقال: أكتاااااااار.. فقلت له على الفور- بعدما تأكدت انهم هم جيراني القدامى ما دام لهم اكتر من سبعة سنوات-: هل تعرفني؟ فقال لي: عمر؟!!

    وادرك بن بطوطة الفجر الذي لاح.. فسكت عن الكلام المباح ...
    .. والحديث ذو صلة..
    إلى اللقاء في الحلقة القادمة بإذن الله
                  

01-13-2014, 12:54 PM

Mandingoo
<aMandingoo
تاريخ التسجيل: 09-28-2002
مجموع المشاركات: 2316

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: رحلات إبن بطوطة السوداني ما بين طنجة وجاكرتا (Re: Mandingoo)


    الحلقة 147

    نواصل ...

    أصدقائي القدامى

    أدخلني إلى داخل الشقة حيث زوجته وإبنه حميد الذي أصبح عمره 17 سنة، ونجاة التي فتحت لي الباب ثم دخلت وقالت لوالدها ان هناك سوداني بالباب، وسألتها كيف عرفت أنني سوداني، فقالت لي أنها تذكرتني أول ما رأتني، ولكنها ربما لم تتذكر الإسم، بل تذكرت الشخصية.. وأما الثالثة فكانت فايزة التي أصبح عمرها الآن 9 سنوات.. فرحوا بي أيما فرح، واستعدنا ذكريات الماضي رغم قصر فترة معرفتي بهم، بل وأخرجوا لي الصور التي التقطها لهم وطبعت لهم نسخ منها والتي كانوا يحتفظون بها إلى ذلك الوقت.. قضيت أجمل وقت معهم في ذلك اليوم، وزرتهم أكثر من مرة خلال فترة تواجدي بالرباط، وقد عرفتهم بصديقي محجوب البيلي الذي اصطحبته معي ذات زيارة لهم، وبعد أن نزلنا من العمارة لحق بنا حميد إبنهم وبلغني دعوة والديه لي لتناول الغداء معهم في اليوم التالي، فلبيت الدعوة وحدي، فسألوني أين محجوب؟ وقبل أن أجيب- وقد لاحظوا ارتباكي- قالوا لي أوعى يكون حميد وجه لك الدعوة لوحدك؟ فأجبت بالإيجاب، فبدأ الحرج عليهم والإنزعاج، فقالوا لي كيف نصلح هذا الخطأ؟ فقلت لهم إن محجوب دائم التردد على مقهى في شارع محمد الخامس حددته لهم، فأرسلوا حميد وأحضره ليشاركنا الغداء..

    كنت قد علمت أن صديقي مصطفى محفوظ قد تخرج من كلية الطب وعمل معيداً بنفس الكلية، ثم استاذاً، وفي نفس الوقت طبيباً في مستشفى إبن سينا، وكانت بيننا مكاتبات.. فتوجهت الى المستشفى وسألت عنه، ومن توجيه هذا الى توجيه ذاك وجدته جالساً في ساحة الكافتيريا الخاصة بالأساتذة، فالتفت إلى يمينه فرآني، فقال: أهلاً يا عمر يا حسن يا غلام الله! عجبت لبروده.. وأنا الذي كلما تذكرته في الماضي وتخيلت لحظة لقائي به تدمع عيناي! ثم قام من مكانه واحتضنني وسلم عليّ ثم أخذني إلى شقته في نفس مجمع المستشفى.. وذكرت له بعد ذلك هذا البرود حينما رآني، ففسر لي ذلك بأن مرد ذلك البرود هو تفاجؤه برؤيتي.. وكان كلما قابلنا صديق مشترك أحكي له هذه الواقعة، فكان يبادر ويقول لي وهو يضحك عندما يحدث ذلك: أشكيلو يا عمر أشكيلو!

    كان مصطفى قد تزوج بإبنة الشيخ محمد بوخبزه العالم التطواني المعروف في تطوان وفي المغرب كذلك، وكان وقتها يعمل أميناً لمكتبة بلدية تطوان.. وهي إبنة عم زميلنا الأمين بوخبزة الذي كان يدرس معنا في جامعة محمد الخامس- كلية الآداب – قسم الفلسفة، والذي أصبح عضواً بمجلس النواب المغربي.. وقد استضافني مصطفى في شقته لليلة، ثم سافرت الى تطوان، ولا أدري هل سافر معي ام سافرت لوحدي حيث اسرته التي احبها والتي كانت لي أسرة في مغتربي الدراسي..

    وصلت الى تطوان وأظن بالحافلات، وهبطت في محطتها الأخيرة والتي منها على الأرجل الى شارع العيون، ثم دلفت الى درب المصطفى، ثم الى رقم 9 حيث بيت آل محفوظ، واستعدت ذكريات جميلة في هذا المنزل الحبيب، ولم أنس زيارة أقربائهم مثل خال مصطفى وزوجته وابنته بالتبني وفاء، وكذلك زرت باب النوادر القريب جداً من المنزل حيث البضائع الإسبانية.. ولم أنس زيارة حديقة روضة العشاق وتناول الشاي الأخضر بها..

    ولا أذكر أحدث هذا في هذه الزيارة ام التي تليها في العام 1987م، حيث زرت الشيخ محمد بوخبزة في مكتبة بلدية تطوان حيث يعمل، وأراني مصحف غرناطة المكتوب على رق (جلد) الغزال.. فطلبت منه تصويره لي، وكان في بالي أن أصوره بكاميرتي، ولكنه وضعه في طاقية الرأس للجلابة التي يلبسها والمتصلة بالجلابة (الجلابية) والتي تنسدل على ظهره، وتوجه نحو مكان تصوير مستندات، وصوروا صفحات المصحف، وكان الورق آنذاك هو الورق المعالج كيمائياً وليس الورق العادي المستخدم الآن في ماكينات التصوير.. وإليكم صورة من أحد صفحاته.. وتذكروا أني صورته من الأصل.

    omar55.jpg Hosting at Sudaneseonline.com


    وادرك بن بطوطة الفجر الذي لاح.. فسكت عن الكلام المباح ...
    .. والحديث ذو صلة..
    إلى اللقاء في الحلقة القادمة بإذن الله
                  

01-14-2014, 02:05 PM

Mandingoo
<aMandingoo
تاريخ التسجيل: 09-28-2002
مجموع المشاركات: 2316

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: رحلات إبن بطوطة السوداني ما بين طنجة وجاكرتا (Re: Mandingoo)


    الحلقة 148

    نواصل ...

    أصدقائي القدامى (2)

    وسألت عن زميلنا وشيخنا في مصلانا في الحي الجامعي السويسي الأول الأمين بوخبزة، والذي أصبح إبن عم زوجة صديقي مصطفى محفوظ، وعرفت أنه يدرس في مصر دراسات عليا، وبالفعل نال درجة الدكتوراة من جامعة القاهرة، ولكني لم ألتقه في تلك الرحلة.. وكذلك لم ألتق بكثير من أبناء تطوان اصدقائي القدامي إذ بعضهم خارج المغرب وبعضهم توزع في مدن المغرب المختلفة طلباً للعمل..

    زرت أيضاً صديقي المغربي أحد أضلاع مثلث معهد الإحصاء الذين عرفوا طريق مصلانا بعد أن كانوا مثل السواد الأعظم من الطلاب في المغرب في ذلك الزمان، وقد ذكرت قصتهم في روايتي عن نشأة النهضة الإسلامية في الجامعات المغربية (وقفة مع سنوات مضت في المغرب: الشباب بدأ يجني ثمار ما زرعنا)، وثاني الأضلاع هو التونسي مصطفى الشريف، وثالث الأضلاع هو الراحل علي أبو بكر التشادي الذي استشهد في الطائرة الفرنسية التي فُجرت فوق سماء النيجر وأشارت أصابع الإتهام الى القذافي.. المهم زرت لريبي حسن الذي كانت بيننا مكاتبات، وكان عنوان المراسلة هو عنوان بيته، لذا كان الوصول إليه سهلاً، بيته لم يكن يبعد كثيراً عن شارع محمد الخامس.. كان قد وصل في الوظيفة الى مدير قسم الإحصاء في وزارة التعليم العالي، ولم يتغير طبعه ابداً، فهو ذلك الهادئ الخافت الصوت خفيض الجناح، وكان قد تزوج ورزق الذرية، وقد وجدت معه صبي عرفني به بأنه إبن شقيقه الراحل، وقد سلمت عليه وتحدثت معه ولكنه لم يجبني، فسألت حسن ألا يعرف العربية إبن أخيك؟ فأجابني بأنه مولود في فرنسا وأمه فرنسية وقد تربى في فرنسا لذلك لا يعرف العربية، وقد أحضره حسن الى المغرب بعد وفاة والده- رحمه الله - شقيق حسن..

    في مرة وأنا في الشارع بعد أن نزلت من شقة طلاب سودانيين في حي اكدال بالرباط سمعت من ينادي بإسمي، فالتفتُ إلى مصدر الصوت، فرأيت شخصاً متجهاً نحوي ومعه فتاة، وما إن اقترب مني حتى عرفته.. إنه على أبو بكر، زميلنا التشادي المذكور أعلاه- أحد مثلث معهد الإحصاء- كانت مفاجأة سارة وغير متوقعة إطلاقاً.. وفهمت منه أنه قد أكمل السلك الأول- الدبلوم- من معهد الإحصاء، ثم رجع إلى تشاد وعاد ليكمل السلك الثاني – ما يعادل البكالوريوس- ثم السلك الثالث- ما يعادل الماجستير- وإنه قد تزوج بتشاديه- هي التي معه الآن- وقد عرفني كذلك بإمرأة فرنسية كبيرة في السن تعمل في وزارة التعاون الدولي الفرنسية، وقد سألتني عن السودان وعما إذا كان يستفيد من وزارتهم تلك، وكنت أجتهد أن أتحدث معها بالفرنسية وهي تتجاوب معي بكل أريحية، ثم قالت لي أن الكلام الذي تريد أن تقوله لي مهم لذلك ستتحدث معي بالإنجليزية- أي أن فرنسيتي تلك ليست كافية للنقاش حول الموضوع- وهو كما أسلفت موضوع كيفية استفادة السودان من خدمات وكالة التعاون الدولية، وعلى ما أتذكر أن السودان لم تكن لديه علاقة ثقافية كالتي بين فرنسا وتشاد، فتشاد مستعمرة فرنسية، وفقيرة وتحتاج الى دعم تعليمي وثقافي من فرنسا، وعلى ما أظن كان علي ابو بكر من المستفيدين من تلك العلاقة، وما معرفته بتلك المرأة الفرنسية إلا نتاج تلك العلاقة..

    خطرت لي فكرة أن أكتب مقالاً في أحد الصحف المغربية بشأن التأشيرة المطلوبة من السودانيين للدخول للمغرب، فبدأت كتابة المقال في بيت العزيز محجوب البيلي، وبعد أن أكملته سألني محجوب أي الصحف سأرسله لها، فقلت له أنه جاء في بالي جريدة "العلم" المغربية، فقال لي أنه فكر فيها كذلك، فهي جريدة محلية وعتيقة وواسعة الإنتشار في المغرب ومن كبريات صحف المغرب.. وبعد أن نقحت المقال كتبته باليد في صيغته النهائية، وسلمته لمحجوب الذي كان يعمل في جريدة مغربية أخرى، فقام بتسليمه لأحد معارفه بجريدة العلم..

    بعد ذلك بيومين كنت في زيارة لمقر جريدة الشرق الأوسط، وبينما كنت أنتظر في مكتب السكرتيرة لحين خروج الضيف الذي عند طلحه جبريل لأدخل عليه، رأيت عدداً من الصحف في مكتب السكرتيرة، فسألتها هل هذه صحف اليوم؟ فأجابتني بالإيجاب، وأردفت: (اليوم فيه مقال جميل كاتبه طالب سوداني في جريدة العلم)، قلت لها: (وريني، يمكن أكون أنا هذا الطالب السوداني)، وأعطتني الجريدة وأشارت الى المقال الذي كان بأعلى الصفحة الأخيرة.. وللمفاجأة كان هو مقالي نفسه.. المفاجأة أنه نُشر في وقت قياسي، فأكيد اليوم الذي سلم فيه في المساء لا يحسب، وعادة المواد غير الخبرية تجهز قبل النشر بوقت كافٍ، اي على أقل تقدير قبل يومين من صدور الجريدة التي عادة يبدأ توزيعها في مساء اليوم السابق، ولو تذكرون كنت قد ذكرت في حكاوي أيام الدراسة في المغرب كيف اننا عندما نخرج من السينما عند منتصف الليل نجد باعة الصحف ينادون: (لوبنيون ديال غده، العلم ديال غده) أي جريدة العلم ولوبنيون ليوم الغد.. معنى هذا أن المقال تم طباعته بمجرد استلامه ووضع في الجريدة ونشر في العدد التالي مباشرة..

    فأوضحت للسكرتيرة أن الطالب السوداني هو شخصي الجالس أمامها، فأكملت حديثها عن المقال بقولها أن أحمد البقالي قال لطلحة جبريل اليوم ان هناك سوداني كتب مقالاً (مره جميل)، فقلت لها من احمد البقالي؟ فقالت لي هو شاعر وأديب مغربي ويعمل بالديوان الملكي، (الآن بحثت عن احمد البقالي في القوقل فقادني الى الويكيبيديا حيث وجدت معلومات أخرى عنه، وهي أنه من أشهر الكتاب للأطفال كما يعتبر من رواد الخيال العلمي والقصة البوليسية في بلاده، وقد عمل البقالي في ميداني الدبلوماسية والثقافة في الرباط، وللأسف وجدت أيضاً خبر وفاته بتاريخ 30 يوليو 2010م)..

    وادرك بن بطوطة الفجر الذي لاح.. فسكت عن الكلام المباح ...
    .. والحديث ذو صلة..
    إلى اللقاء في الحلقة القادمة بإذن الله
                  

01-14-2014, 06:45 PM

عبدالعزيز عثمان
<aعبدالعزيز عثمان
تاريخ التسجيل: 05-26-2013
مجموع المشاركات: 4037

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: رحلات إبن بطوطة السوداني ما بين طنجة وجاكرتا (Re: Mandingoo)

    والله ياوغلام الله،،،ما نسحرك،،،راسك مدونة ،،ما شاءالله..
    حين تسقط الذاكرة تضيع الحياة،،،فما عشناه هو مانتذكره..
    تكتب بحنين وصدق ووضوح ،،ولا بد ان اتصل بك ،بريدي [email protected]
                  

01-15-2014, 02:57 PM

Mandingoo
<aMandingoo
تاريخ التسجيل: 09-28-2002
مجموع المشاركات: 2316

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: رحلات إبن بطوطة السوداني ما بين طنجة وجاكرتا (Re: عبدالعزيز عثمان)


    Quote: والله ياوغلام الله،،،ما نسحرك،،،راسك مدونة ،،ما شاءالله..
    حين تسقط الذاكرة تضيع الحياة،،،فما عشناه هو مانتذكره..
    تكتب بحنين وصدق ووضوح ،،ولا بد ان اتصل بك ،بريدي


    يا عبد العزيز سايبنا مشحتفين بهناك في بوست جدك كرداش وانت حايم بهنا؟
    وكمان تعمل مداخله.. ياخي بكده ضيعت علينا حلقة من حلقات حكيك الجميل..
    طيب كان على الأقل تورينا الكواريك الجات من جهة الحلة سببها شنو.. أصلك وقفت قلوبنا بهناك.. وبعد داك تجي بهنا..

    شرفت كتير والله.. يوم سعيد ان تقرأ ما أكتب..

    تصدق يا عبد العزيز- ودي نصيحة حقو انت تمسك فيها بيدينك وكرعينك- انو انا بشتكي من خراب الذاكرة.. بأعتبر ذاكرتي خربة.. والدليل:

    إني أول ما بديت كتابة الرحلات دي كتبتها مباشرة في موقع ود مدني دوت كوم- مباشرة يعني من الكيبورد لصفحة المنتدى، وما كتبتها في أوراق خارجية ولا في جهاز الكمبيوتر الخاص بي في شكل word أو أي صيغة تانية- ويقووووم يحصل طوفان لموقع ود مدني.. ويضيع كل الكتبت.. وأولاد الحلال المتخصصين في تقنية المعلومات وتقنية المواقع يقوموا يعملوا جهدهم لاسترجاع بعض ما كان في البوست.. ولغاية هسه فيه مشاركات ضائعة ما لاقيها وما قادر اتذكرها عشان اعيد نسخها هنا وفي المواقع التانية..

    شكرا لك مرة أخرى على زيارتك الغالية عندي
                  

01-15-2014, 04:03 PM

Mandingoo
<aMandingoo
تاريخ التسجيل: 09-28-2002
مجموع المشاركات: 2316

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: رحلات إبن بطوطة السوداني ما بين طنجة وجاكرتا (Re: Mandingoo)


    الحلقة 149

    نواصل ...

    مقالي بجريدة العلم

    وإليكم المقال:


    سفراء بلا جوازات سفر حمراء

    كان المغاربة في القديم يعرفون السودان جيداً خاصة حجاج بيت الله منهم، إذ كانوا يمرون عبره إلى الأراضي المقدسة، ومنهم من استقر في إيابه بالأراضي السودانية وتزوج فيها وأنجب حتى أن بعض أحياء مدن السودان تحمل إسم "حي المغاربة" وكثير من العائلات السودانية الكبيرة تحمل لقب "المغربي".. كما أن الجعافرة الذين يسكنون منطقة الدويم على النيل الأبيض بالسودان والذين يعدون إحدى قبائل السودان المعروفة هم أصلاً من الجزر الجعفرية المغربية..

    جاءت المرحلة الاستعمارية فاستعمرت فرنسا المغرب واستعمرت بريطانيا السودان.. وما أدراك ما الإستعمار.. فرق تسد.. وقد استعمرت فرنسا كذلك السودان الغربي- مالي.

    المغرب ذلك الجزء الأصيل من الوطن العربي كان أهل السودان يعرفونه من قديم الزمان رغم أنهم كانوا بعيدين عنه جغرافياً. إلا أنني لم أسمع عن هجرات أو زيارات سودانية للمغرب، فقد كانت الإمكانات المادية لا تسمح لهم بالتواصل مع هذه البقاع البعيدة والتي كانوا يقولون عنها "فاس ال ما وراها ناس" أي أنها آخر الدنيا.. وهم صادقون في ذلك.. إذ بنهاية المغرب الفاسي ينتهي العالم القديم غرباً ليبدأ المحيط اللامنتهي..

    المتصوفة من أهل السودان كانوا يعرفون المغرب بمعرفتهم للسيد أحمد التيجاني، وبعضهم أخذ عن الطريقة التيجانية المنتشرة الآن في أنحاء السودان.

    في العام 1974م بدأ تبادل دبلوماسي بين المغرب والسودان، في نفس العام وصلت للمغرب أول دفعة من طلاب العلم السودانيين في إطار التبادل الثقافي بين المغرب والسودان.. كان عدد الطلاب عامذاك لا يتعدى 22 طالباً ثم تضاعف العدد في العام التالي، ثم وصل هذا العام لأكثر من خمسمائة طالب وطالبة انتشروا في شتى مدن المغرب بعد أن كانوا يتمركزون في الرباط ثم فاس والدار البيضاء في السنوات الأولى..

    كان كاتب هذه السطور من الرعيل الأول، وكنا في نظر المغاربة- خاصة الطلاب زملاء الدراسة- كنا في اعتقادهم "أفارقة" من دول الفرانكفون، لأن هؤلاء الأخيرين سبقونا بالمجيء إلى المغرب، لذلك كان المغاربة يبادروننا بالكلام باللغة الفرنسية، فإذا ما طلبنا منهم التحدث معنا باللغة العربية دهشوا.. فكيف للزنوج أن يتكلموا "بالعربية ديالنا"!! فإذا ما أوضحنا لهم أننا عرب ولساننا عربي فصيح سألونا من أين نحن، فنجيب بأننا من السودان فيتجه فكرهم نحو السودان الغربي "مالي" وما جاورها، فهو أقرب إلى علمهم من السودان الشرقي الذي يعرفون عنه القليل، وهذا راجع للإستعمار.. أما كبار السن فكانوا يعرفون بلادنا بأنها السودان المصري!

    وتواترت البعثات الطلابية السودانية إلى المغرب وبدأ المغاربة- خاصة في المدن الكبيرة وفي الأوساط الطلابية- في التعرف أكثر فأكثر على السودان وعلى السودانيين.. بل إن عدداً من الفتيات المغربيات قد استقررن في السودان بعد زواجهن من سودانيين خريجي الجامعات المغربية..

    هذا العدد المتواتر المتزايد من الطلاب السودانيين بالمغرب هو الذي اسميه بالسفراء غير الرسميين.. فهم الذين ينقلون بصدق وأمانة وتلقائية العادات والأعراف والأخلاق السودانية إلى المغرب، وهم الذين ينقلون بصدق وأمانة وتلقائية مشاعرهم تجاه المغرب والمغاربة إلى السودان.. لا يتأثرون بمتغيرات السياسة ولا برياح التغيير التي تجتاح العالم العربي مخربة ما بين الشعوب من علاقات أزلية طيبة.. ولا يتلونون- أي السفراء غير الرسميين- بألوان العلاقات الرسمية غير الثابتة.. بل إنهم يترجمون نبض القلوب الشعبية.. نبض الشعوب بلا تزويق ولا رتوش..


    وللمقال تتمة..

    وادرك بن بطوطة الفجر الذي لاح.. فسكت عن الكلام المباح ...
    .. والحديث ذو صلة..
    إلى اللقاء في الحلقة القادمة بإذن الله
                  

01-16-2014, 04:04 PM

Mandingoo
<aMandingoo
تاريخ التسجيل: 09-28-2002
مجموع المشاركات: 2316

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: رحلات إبن بطوطة السوداني ما بين طنجة وجاكرتا (Re: Mandingoo)


    الحلقة 150

    نواصل ...

    تتمة مقالي بجريدة العلم

    سفراء بلا جوازات سفر حمراء

    لم أعرف سودانياً واحداً قد فارق المغرب بعد انتهاء دراسته ولم تغرورق مآقيه حزناً لفراق المغرب وأحبابه المغاربة.. هذه هي مشاعرنا نحن خريجي جامعات المغرب، فهي مشاعرنا البسيطة التلقائية تجاه شعب فتح ذراعيه لنا بكل حنان، وتجاه وطن استضافنا بكل كرم وجود، وتجاه إدارة احترمته ومنحته فرص العلم واسعة، وتجاه مليك كان وراء كل ذلك.

    كل تلك المشاعر تجتاحني وأنا بعيد عن مغرب الأحباب.. اتحدث عن المغرب وأهله بحماسة وصدق مشاعر ومودة لا منتهية، وكثير منا قد حنّ إلى المغرب بعد فراقه وود عوداً إليه حميداً مستطابا بعد غياب عنه طال عند بعضنا.

    صدمنا بأنه يجب علينا للدخول للمغرب أن نطلب تأشيرة من السفارة المغربية.. صدمنا لأننا كنا نتوقع مزيداً من التقارب والتراحم والتوادد.. لا مزيدٍ من الأسوار والأبواب والتأشيرات. واستجبنا لداعي التأشيرة.. فكل شيء يهون في سبيل وصالك يا مغرب الأحباب.. وتقدمنا للحصول عليها من القنصلية المغربية، فكان الإجراء المطلوب هو إرسال برقية (على حسابنا) إلى الخارجية المغربية، وانتظار ردها الذي قد يطول لأسابيع وأحياناً لأشهر.

    فإذا ما جاء رد الخارجية المغربية كانت مدة الإقامة الممنوحة لنا بالمغرب هي أسبوعان فقط.

    رغم أننا تخرجنا من جامعات المغرب وعشنا بين ظهراني المغاربة لسنوات؛ إلا أننا عوملنا معاملة غيرنا.. بل إن بعضنا يحمل وساماً مغربياً رفيعاً هو وسام المسيرة الخضراء، أي أنه كان لبعضنا شرف المشاركة في تحرير التراب العربي المغربي الغالي من ربقة الاستعمار الإسباني.. فمثل هؤلاء أتمنى أن يكون لهم وضع خاص، خاصة في مسألة تأشيرة الدخول للمغرب الذي يحبونه ولا يطيقون حاجزاً بينه وبينهم.. فهو وطنهم الثاني بلا منازع.
    ملاحظة: المغربي الذي يريد زيارة السودان لا يطلب منه إرسال برقية من مقر إقامته الى الخارجية السودانية، بل يمنح التأشيرة من القسم القنصلي بالسفارة المعنية مباشرة.

    عبارة مشهورة في المغرب، هي: "مرحباً بيك في المغرب" تعبر عن مشاعر الكرم والضيافة المغربية الأصيلة المشهودة للشعب المغربي.. وربما هي مشاعر الإدارة ا لمغربية أيضاً.. فهلا ترجمتها الإدارة إلى فعل، إجراءات؟!

    عمر حسن غلام الله

    السودان

    (مرفق صورة المقال بجريدة العلم)

    Sufraa001.jpg Hosting at Sudaneseonline.com


    وادرك بن بطوطة الفجر الذي لاح.. فسكت عن الكلام المباح ...
    .. والحديث ذو صلة..
    إلى اللقاء في الحلقة القادمة بإذن الله
                  

01-20-2014, 01:02 PM

Mandingoo
<aMandingoo
تاريخ التسجيل: 09-28-2002
مجموع المشاركات: 2316

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: رحلات إبن بطوطة السوداني ما بين طنجة وجاكرتا (Re: Mandingoo)


    الحلقة 151

    نواصل ...

    كيف أنسى أيامي

    لم أنس طبعاً زيارة الحي الجامعي السويسي الثاني مهد الذكريات الأجمل.. ووجدت أن البوابة الرئيسية على الشارع الرئيسي بها حارس، وفي عهدنا لم تكن تغلق وليس بها حارس، فاستأذنت الحارس وشرحت له بأنني خريج سابق فسمح لي بالدخول، فتجولت في الحي ولكني لم استطع دخول غرفتي 222 في الجناح 2 أو الجناح (ب) حيث أنه أصبح مخصصاً للبنات.. خساره .. ولاحظت وجود سور يفصل بين الحيين السويسي الأول والثاني مما أعطاني إحساس بأن مساحة الحي قد ضاقت.. كما لاحظت وجود مباني أخرى جديدة في الحي وعلى ما أذكر كانت أجنحة جديدة..

    كذلك زرت الحي الجامعي مولاي اسماعيل، وفي الباب سألني الحارس كالمعتاد إلى أين أنا ذاهب، فقلت له لا أسكن في الحي لكني سكنت فيه قبل عشر سنوات وأريد أن ألقي عليه نظرة، وقد سمح لي بالدخول، فتجولت فيه ولاحظت وجود مطعم لم يكن في وقتنا موجوداً.. يا بخت عشاق السكن في مولاي إسماعيل، فقد كانوا يفضلونه على السويسي رغم عدم وجود مطعم فيه.. أما الآن فقد اكتمل مناهم..
    أيضاً زرت كلية الحقوق بأكدال وتجولت فيها ودخلت بعض قاعاتها، وكذلك المباني الجديدة للكلية بالسويسي حيث بنيت أواخر أيامنا في الجامعة، وقد امتلأ المكان بمباني كثيرة خاصة بالجامعة هناك مما جعل المساحة الخالية بين الحي الجامعي السويسي ومستشفى بن سيناء تختفي وتتجاور المباني وتكتظ.. وتتغير المعالم القديمة للمنطقة برمتها.. ترى أين يذاكر سكان الحي الجامعي السويسي الآن، فقد كانوا في عهد دراستنا يزرعون المساحة الفاصلة بين الحي الجامعي السويسي والغابة التي بالقرب من مستشفى بن سينا وهم يقرأون في كتبهم، حيث الهدوء يخيم على تلك المنطقة فلا تجد إلا القليل من الطلاب فقط وبعض الطالبات أيضاً.

    وتجولت كثيراً في السويقة خاصة شارعها الرئيسي حيث محلات بيع الزيتون الذي ما إن تمر بجانبه حتى تزكمك رائحة الزيتون القوية، وقد كنت أكتم نَفَسي حينما أمر بجانبه إذ لم أكن آكل الزيتون ولا أطيق رائحته، ولكن بعدما أقنعني أحد الأصدقاء بأكل حبة واحدة منه عندما كنا جلوساً في مطعم الحي الجامعي السويسي الثاني- أيام الدراسة الجامعية- ويومها اقشعر بدني وتنملت فروة رأسي وأغمضت عيوني وأكلتها.. ثم طلب مني تناول أخرى ففعلت.. ومن ديك وعيك.. ولم أعد أكتم نفسي حينما أمر بجانب محل الزيتون الذي يبيع عشرات الأنواع منه.. ومررت على تلك المطاعم الشعبية والتي أدمنت أحدها في السنة الأخيرة للدراسة (1978) حيث كان يقدم نظام الوجبة المتكاملة: سلطة وطبق رئيسي من اللحم أو الدجاج وشوربه ومياه غازية أو شاي، وبسعر معقول، وتتغير الوجبة من يوم لآخر.. وأذكر أن أحد العاملين في هذا المطعم وقتها كان يسكن مع زملاء سودانيين منهم بانقا، وقد كان يحكي لهم كل يوم ماذا أكلت عندهم وماذا طلبت، وهم يحكوا لي.. يا لها من أيام.. ولم أنس أن أمر على الخياط محمد الذي كنا نخيط عنده البنطلونات والبدل..

    وكذلك سرت في شارع محمد الخامس من محطة القطار مروراً بمبنى البرلمان والخزانة العامة والبريد وسينما Renaissance (النهضة) في الجهة المقابلة، والجزيرة الخضراء ذات النجيلة والأشجار النخلية الباسقة بين الطريقين الصاعد والنازل.. وكذلك امتداد شاعر محمد الخامس في السويقة والذي ينتهي بالمقابر التي على شاطئ المحيط الأطلسي.. ولم أنس المرور على سوق أكدال حيث يوجد مكتب البريد الذي كنا نرسل منه، وأتذكر أن الموظف الذي كنا نتعامل معه اسمه مدني، ولونه اسمر.. وقد وجدته كما هو في مكتب البريد وتذكرني.. يا لهم من قوم طيبون هؤلاء المغاربة..

    سبب توقفي عن الكتابة لمدة هو عدم رغبتي في مغادرة المغرب.. فلو تذكرون توقفت عن الكتابة في الحلقات الأخيرة قبل مغادرتي للمغرب في العام 1978م حين انتهت دراستي.. وهأنذا استعد لمغادرة المغرب بعد انقضاء عشرين يوماً بها في ابريل من العام 1985م.. وأحس بأنني نسيت الكثير عن هذه الرحلة، وربما لم أنس شيئاً ولكن المدة كانت قصيرة بالمقارنة مع الفترة الأولى التي قضيتها في المغرب (حوالي ثلاثة أعوام).. المهم ودعت أصحابي محجوب البيلي ومصطفى محفوظ وآل النحيلة وبقية قدامى المحاربين- قصدي زملاء الدراسة من السودانيين الذين آثروا البقاء بالمغرب- ثم ودعت مغرب الأحباب عوداً إلى مقر إقامتي بالسعودية..

    استقليت الطائرة التي حطت بي في مطار جدة، وزرت أقاربي بجدة ثم سافرت للطائف، واتصلت على الضابط الذي أوكل لي مهمة السفر للمغرب ولم يهتم بنتيجة زيارتي للمغرب، وفهمت من جارنا صالح عمر الذي عرفني به أول مرة أن كريم قد خسر في مشروع له في السعودية وبالتالي لم يبق له مال ليقيم مشروع في المغرب..
    الصورة المرفقة لشخصي داخل كلية الحقوق وتبدو لوحة الكلية خلفي في الأعلى، وكذلك لوحة الإعلانات..

    Maroc083.jpg Hosting at Sudaneseonline.com


    وادرك بن بطوطة الفجر الذي لاح.. فسكت عن الكلام المباح ...
    .. والحديث ذو صلة..
    إلى اللقاء في الحلقة القادمة بإذن الله
                  

01-21-2014, 02:12 PM

Mandingoo
<aMandingoo
تاريخ التسجيل: 09-28-2002
مجموع المشاركات: 2316

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: رحلات إبن بطوطة السوداني ما بين طنجة وجاكرتا (Re: Mandingoo)


    الحلقة 152

    نواصل ...

    الطائف الميمون.. ومقدمات اندونيسيا

    عمنا عبد الحميد عباس كان بيته في نفس الشارع الذي فيه مكتب الميزان بحي العقيق، وكنت أزورهم دائماً وأتونس معه ومع أبنائه : عادل الذي كان يدرس وقتها بكلية الطب بجامعة الخرطوم، وعدنان الذي كان يدرس بكلية الهندسة بجامعة السودان، وأما عباس فقد جلس لامتحان الشهادة الثانوية في السعودية وحصل على 98 أو 97% وكان الأول على منطقة الطائف في ذلك العام، وقد التحق بجامعة السودان وجامعة الخرطوم في نفس الآن- فيما بعد حصل على الماجستير من ألمانيا، ومنحته الجامعة منحة لدراسة الدكتوراة- وكان أخيهم الأصغر ما زال في الإبتدائية وقتها، وشقيقتهم التي التحقت فيما بعد بجامعة القاهرة – فرع الخرطوم-

    وقد حكى لي العم عبد الحميد مرة أنه التقى إندونيسي يسمى سوركتي، ولما كان هذا الاسم لا يسميه إلا السودانيون، بل وقبيلة الضناقلة- التي ينتمي لها العم عبد الحميد- هي التي تسمي به ، إذ هو برطانة الضناقله معناه (مجلد الأحجبة)، أي الفكي، فقد استغرب عمنا عبد الحميد تسمية إندونيسي بهذا الاسم ، وعند استفساره عن سر تسميته ب (سوركتي)، أفاده الإندونيسي بأنه سمي بهذا الاسم تيمنا برجل دين قام بتدريس آبائهم العلوم الإسلامية في إندونيسيا، وان هذا الرجل العالم هو سوداني فعلاً.. يا للعجب.. سوداني في اندونيسيا؟ ومن قديم الزمان؟ تلك الحكايات تأسرني، وتجعل خيالي يذهب معها بعيداً..

    كان مكتبنا يتعامل مع مكتب في اندونيسيا لاستقدام السائقين والخادمات، هذا المكتب يملكه اندونيسي من أصل حضرمي يدعى محمد العكاس، ويقع في فندق كارتيكا بلازا.. ثم سافر صاحب مكتب الميزان الى اندونيسيا وتحول في التعامل مع مكتب آخر يملكه حضرمي آخر اسمه عبد الرحمن العطاس، ثم فيما بعد تعاقد مع عبد القادر العطاس أخو عبد الرحمن.. ويبدو أن عبد القادر عرض خدماته بأقل من سعر عبد الرحمن.. ولكن وصول السائقين والخادمات أصبح أسرع، فكان في الماضي يأخذ حوالي الشهرين، لكن بعد التعاقد مع عبد القادر اصبح اقل من شهر وأحياناً في اسبوع تصل الخادمة إذا صادف وصول تأشيرتها لمكتب اندونيسيا خادمات جاهزات في المكتب، وأعطى هذا سمعة طيبة لمكتب الميزان مما جذب زبائن كُثر من أهل الطائف كان بعضهم يذهب الى المكاتب التي في جدة، بل وقد اجتذب زبائن من مكة المكرمة أيضاً كانوا يتعاملون مع مكاتب جدة..

    وقد اقترحت على صاحب المكتب أن يلتزم بإرسال رسوم الإستقدام أولاً بأول الى وكيلنا باندونيسيا حتى يرسل المكتب الخادمات في زمن أسرع ( فقد كان يستخدم إيرادات مكتب الإستقدام في تشغيل مؤسسة مقاولاته المعمارية) وفي نفس الوقت يزيد رسوم مكتبنا المأخوذة من العملاء في الطائف، اي نستفيد من سمعة المكتب بوصول الخادمات بسرعة مقابل الخمسائة ريال الزيادة، حيث كنا نأخذ خمسة آلاف عن كل خادمة، وقد نجحت هذه السياسة ودرت مكسب جيد للمكتب.. وقد قمت أيضاً بتنقيح عقد الاستقدام القديم وعدلت فيه، وأُعيد طبعه مرة أخرى.. وأذكر من ضمن بنوده أنه لا تعاد الخادمة أو السائق على حساب المكتب إلا في ثلاث حالات: الأولى أن تكون مريضة مرضاً معدياً، والثانية أن تكون مريضة مرضاً يمنعها من العمل، والثالثة أن لا تجيد العمل..

    في هذه الأثناء أكمل صاحب المكتب بناء العماره التي أسكننا بها، وفي الطابق الأرضي بنى مكتب نقل إليه مكتبه من مقره القديم المستأجر في عمارة مقابل قصر شبرا والمحكمة الكبرى ورئاسة الشرطة، وأسكننا في شقة مجاورة للمكتب، وبينهما باب.. وكان معنا بعض معلمي مؤسسة المقاولات، فكان يسكن معنا سباك مصري بالإضافة الى شخصي وزميلي في المكتب وعلي السوداني.. وأذكر أن السباك المصري كان يقرأ في جريدة مصرية وقرأ بصوت عالٍ وصفة للأرق؛ وهي ملعقة عسل مع ملعقتين خل – وفي حالة عدم وجود الخل ليمون- تخلط في كأس وتلعق منها ملعقة واحدة، فإذا لم تنم خلال خمس دقائق خذ الملعقة الثانية من المزيج.. وما إن سمعت بهذه الوصفة حتى نهضت- وقد كنت أعاني من الأرق- وذهبت للبقالة القريبة واشتريت علبة عسل نحل (عادي) ونفذت الوصفة ولعقت ملعقة واحدة من المزيج.. ولم أضطر للثانية.. فقد علا شخيري في أقل من الخمس دقائق، مما استغرب له زملاء الغرفة.. أهي أعطيناكم وصفة للأرق.. وقد جربها غيري أيضاً ونجحت معهم.. جربوها..

    وادرك بن بطوطة الفجر الذي لاح.. فسكت عن الكلام المباح ...
    .. والحديث ذو صلة..
    إلى اللقاء في الحلقة القادمة بإذن الله
                  

01-22-2014, 02:31 PM

Mandingoo
<aMandingoo
تاريخ التسجيل: 09-28-2002
مجموع المشاركات: 2316

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: رحلات إبن بطوطة السوداني ما بين طنجة وجاكرتا (Re: Mandingoo)


    الحلقة 153

    نواصل ...

    سنقافورا

    كثر الطلب على مكتبنا نتيجة للسرعة التي أصبحنا نستقدم بها الخادمات والسائقين من اندونيسيا، وكثرت التأشيرات المرسلة الى مكتب عبد القادر العطاس في جاكرتا، ويبدو أن مكتبه لم يعد بإمكانه الإيفاء بكل تلك الطلبات، فبدأ يتأخر في إرسال المطلوب.. وبدأ صاحب المكتب يتأخر في إرسال الرسوم، وبدأ الزبائين يتذمرون.. وبدأت أحلم بإندونيسيا.. وبسوركتي!

    وجاءت المبادرة من صاحب المكتب.. (يا عمر ما تمشي تشوف الحاصل شنو في اندونيسيا).. على وزن (يا عمر ما تمشي طرف الشارع تشوف الولد ده مالو اتأخر كدي).. فرحت أيما فرح، فأنا أحب السفر، ولكن أن يكون البلد اندونيسيا؟ وأن يكون في اندونيسيا شخص اسمه سوركتي؟ أحمدك يا رب..

    عمل لي كفيلي صاحب المكتب تأشيرة خروج وعودة، وسافرت الى جدة لأخذ تأشيرة دخول من السفارة الإندونيسية، وجدة كانت بالنسبة لنا نحن القاطنين في الطائف فرصة للتنزه، رغم أن الطائف نفسها مصيف وطقسها حلو وطبيعتها ساحرة، ولكن التغيير يبهج النفس، سيما وأن جدة مدينة عملاقة وبها كثير من الأهل والأصدقاء.. المهم أخذت التأشيرة في اليوم التالي بعد تسليم الجواز لهم، ولا أدري إن كنت قد عدت للطائف أم أنني كنت جاهزاً للسفر الى اندونسيا فسافرت منها..

    أقلعت طائرة الخطوط السعودية يوم 5 مايو من مطار جدة، وكانت الساعة الواحدة ظهراً، وبعد ساعتين وصلت مطار الرياض حيث أنزلت ركاب وصعد إليها ركاب جلهم من الإندويسيين، لذلك انتشرت رائحة (أبو فاس) وأشباهه، وقد كنت أشم تلك الرائحة كلما استلمنا دفعة خادمات اندونيسيات، فهن يدلكن أنفسهن بهذا الزيت النفاذ ليريحوا أجسامهم ويرخوا عضلاتهم المشدودة من طول الرحلة.. ثم أقلعت من مطار الرياض صوب سنقافورا.. ولطول الرحلة، ولكي يقضوا على الملل على ما يبدو؛ فقد كانت خدمة الطعام والشراب مستمرة بلا إنقطاع، لا ندري كم وجبة قدموا لنا ولكنها كانت مستمرة كل حين وآخر.. وقد وجدت أن أحد المضيفين كان سودانياً، وعلى ما أذكر من عائلة شنقيط..

    بعد تسع ساعات طيران، ونحن ما بين السماء والأرض، حلقت الطائرة فوق سنقافورا، يا للروعة.. عمران ونظام لم اره من قبل.. ناطحات سحاب وخضرة.. مدينة أمريكية في قلب غابات مطرية بشرق آسيا.. ودعوني أنقل لكم (بتصرف) نبذة عنها مستقاة من موقع ويكيبيديا:

    سنغافورا، والاسم الرسمي هو "جمهورية سنغابور" ويرجع الإسم- وهي تلفظ باللغة المحلية "سنغابورا"- إلى كلمتي "سنغا" و"بورا" السنسكريتية التي يعنيان "مدينة الاسد"، وسبب هذه التسمية هو أن عند وصول أحد المستكشفين القدامى إلى هذه الجزيرة الصغيرة، وهو أمير سومطري يدعى "سانغ نيلا أوتاما" (Sang Nila Utama) - ويعتبر مؤسس سنغافورا- رأى أسداً فسماها "مدينة الاسد"، ولكن الابحاث أظهرت ان الاسود لم تعش قط في الجزيرة، لذلك يعتقد بأن الامير رأى نمرا. والأسد "ميرليون" (Merlion)، وهو اسد بجسد سمكة، يمثل الشعار الرئيسي للبلاد منذ عام 1986م.
    ولسنغافورا موقع جغرافي فريد عند رأس شبة جزيرة الملايو حيث تشرف على مضيق ملقا الواقع بين الملايو وسومطرة، وهي جمهورية تقع على جزيرة في جنوب شرقي آسيا، عند الطرف الجنوبي من شبه جزيرة ملايو، بين خطي العرض 1°09' و 1°29' شمالا وبين خطي الطول 103°36' و 104°25' شرقا. وتتألف جمهورية سنغافورا من جزيرة سنغافورا وبعض الجزر الصغيرة الواقعة في المضايق البحرية المجاورة لها. ويفصلها عن ماليزيا مضيق جوهور، ولايعتبر فاصلاً كبيراً ذلك أن المواصلات البرية والحديدية تربط بين سنغافورا وماليزيا عبره، ويفصلها عن جزر رياو الاندونيسة مضيق سنغافورا. وتعتبر سنغافورا رابع أهم مركز مالي في العالم ومدينة عالمية تلعب دورا مهما في الاقتصاد العالمي. ومن ثم أصبحت أهم المواني التجارية في جنوب شرقي آسيا، لوقوعها على خطوط الملاحة بين حوض البحر الأبيض المتوسط وغربي أوروبا من جهة وبين الشرق الأقصى من جهة أخرى، ويعد مرفأ سنغافورا خامس مرفأ في العالم من ناحية النشاط.

    وأرض سنغافورا منخفضة السطح بوجه عام، إلا أن بعض التلال تنتشر في الشمال الغربي وأعلى قممها لا تتجاوز 177متراً وتنتشر في الجنوب الشرقي، وتنحدر من تلالها بعض المجاري الصغيرة نحو الجنوب الشرقي ولا تزال غابات المنجروف تغطي كثيراً من سواحلها، كما تغطي الغابات الاستوائية بعض تلالها. ومناخ سنغافورا استوائي رطب. وأزيلت مساحات كبيرة من غاباتها، وحلت الزراعة محلها وتحولت أرض الجزيرة إلى مزارع علمية واسعة للمطاط وجوز الهند والفواكه المدارية. وعاصمة البلاد سنغافورا وتوجد في وسط الساحل الجنوبي، وتضم معظم سكان الجزيرة، وهي مدينة صناعية ومحطة تجارية مهمة، والجانب الشرقي أكثر سكاناً من الجانب الغربي.

    ولسنغافورا تاريخ حافل بالمهاجرين؛ فسكانها الذي يصل تعداده إلى خمسة ملايين، هو خليط من الصينيين والملاويين والهنود وآسيويين من ثقافات مختلفة والقوقازيين. 42% من سكان الجزيرة هم من الأجانب الوافدين للعمل أو للدراسة، وتعتبر سنغافورا ثاني دولة في العالم من ناحية الكثافة السكانية بعد موناكو.

    وفي مؤشر جودة الحياة التي تنشره "وحدة الاستخبارات الاقتصادية" في مجلة "الايكونوميست"، حصلت سنغافورا على الدرجة الأولى في آسيا والمرتبة الحادية عشرة على مستوى العالم. وتمتلك تاسع أعلى احتياطي في العالم. ولدَى الدولة جيش وطني مجهز بشكل جيد ويعتمد على أحدث الأسلحة.

    singapore.jpg Hosting at Sudaneseonline.com


    الصورة المرفقة لجانب من سنقافورا، ويظهر الأسد "ميرليون" (Merlion)- وهو اسد بجسد سمكة، يمثل الشعار الرئيسي للبلاد - وهو ينثر الماء في شكل نافوره


    وادرك بن بطوطة الفجر الذي لاح.. فسكت عن الكلام المباح ...
    .. والحديث ذو صلة..
    إلى اللقاء في الحلقة القادمة بإذن الله
                  

01-23-2014, 01:23 PM

Mandingoo
<aMandingoo
تاريخ التسجيل: 09-28-2002
مجموع المشاركات: 2316

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: رحلات إبن بطوطة السوداني ما بين طنجة وجاكرتا (Re: Mandingoo)


    الحلقة 154

    نواصل ...

    أخيراً جاكرتا.. بعد طنجه..

    هبطت في مطار سنقافوره، وأعطونا ساعة لننزل الى المطار حتى ينظفوا الطائرة، وقد دخلت مجموعة من عاملات النظافة الى الطائرة ولاحظت أن ملامح بعضهن هندية والبعض الآخر ملامحهن صينية.. وهبطنا من الطائرة ودخلنا صالة المطار عبر أنبوب من باب الطائرة الى أرض المطار.. ومشيت بين مكاتب الخطوط ومكاتب تأجير الفنادق وتأجير السيارات في ممر طويل.. وما زلت سائراً ولم أصل الى نهاية المطار بعد، ونظرت في ساعتي فوجدت أن نصف الزمن قد انقضى، ويلزمني نفس الوقت الذي قضيته في الطريق من الطائرة لكي أرجع إليها! عجيب أمر مطار سنقافوره.. وقرأت مؤخراً أنه تم توسيعه.. أكثر من ذلك؟ مع أن سنقافوره جزيرة صغيرة جداً كما رأينا..

    ركبنا الطائرة مرة أخرى وأقلعت باتجاه جاكرتا نحو الفجر.. وبعد حوالي ساعتين حلقت فوق جاكرتا، وكان ضوء الصباح قد عم الكون.. ومع ذلك كانت عقارب ساعتي تشير للساعة الثانية بعد منتصف الليل! لقد كانت ساعتي حسب توقيت السعودية، وكان ذلك يوم 6/5/1986.. وكان المنظر من الجو عجيب ورهيب.. غابات على مد البصر.. وهبطنا مطار جاكرتا وكانت الخضرة غالبة حول المطار، واقتربت الطائرة من أحد البوابات في مبنى المطار والتصق بابها بها، وعبر انبوب مشينا من داخل الطائرة الى داخل أرض المطار.. لاحظوا كان هذا في العام 1986م!

    توجهنا نحو كاونترات الجوازات حيث ختمت جوازي بختم الدخول، ولاحظت أن كل الخادمات اللائي وصلن في هذه الطائرة تم توجيههن إلى أحد المكاتب، حيث ستبقى هناك إلى أن يأتي مندوب كل مكتب سافرت عبره لاستلامها ومن ثم تسليمها او تسفيرها لأهلها إذا كانت خارج جاكرتا (و99% - إن لم أقل 100%- من الخادمات من خارج جاكرتا)، حيث يتأكد المكتب أنها استلمت كافة رواتبها وحقوقها وأن لا مشاكل حدثت لها في بلاد الإغتراب.. وكل جواز ملصق عليه اسم المكتب وعنوانه الكامل ورقم هاتفه.. وبعد ختم الجوازات توجهنا لصالة استلام الأمتعة، والتقطنا امتعتنا وخرجنا من صالات المطار، وبحثت عن أي أحد يحمل لوحة عليها اسمي فلم أجد.. لماذا لم يستقبلني مندوب من المكتب الذي نتعامل معه؟ لقد بعثت لهم تلكس بموعد وصولي! أم يا ترى ظنوا أن رسالتي لهم مجرد تهديد غرضها أن يسرعوا بإرسال الخادمات؟

    فكرت بالإتصال الهاتفي على المكتب ولكن نظرت إلى ساعتي وقلت في نفسي ما زال الوقت باكراً لحضور الموظفين للمكتب.. فخرجت خارج صالات المطار وجلست على كنبة انتظر أن يحين الوقت المناسب للإتصال على المكتب.. وكنت مجهداً ومرهقاً من طول الرحلة.. فقد مكثنا أربعة عشر ساعة في الطائرة- عدا تلك الساعة التي هبطنا فيها بمطار سنقافورا- وأكيد ساعتان أو ثلاث ساعات ما بين الوصول لمطار جدة وانتظار الطائرة وإجراءات السفر ووزن الأمتعة وعبور الجوازات ونقاط التفتيش.. وجلست على الكنبة أتجاذب أطراف الحديث مع أحد الإندونيسيين، وللغرابة كان مسيحياً، فكل الإندونيسيين والإندونيسيات الذين قابلتهم في السعودية كانوا مسلمين..

    المهم بعد أن بدا لي أن الوقت أصبح مناسباً للإتصال بالمكتب اتصلت من كبائن الهاتف في المطار.. وردوا عليّ فوراً.. ولم يكونوا قد حضروا للتو، بل إنهم متواجدون على مدار الساعة في المكتب.. فهم يعملون في المكتب ويسكنون فيه أيضاً.. إذاً لقد ضيعت وقتاً ثميناً كان يمكن أن أرتاح فيه لو لم تكن تلك الفكرة في رأسي.. نحن كسودانيين لا يمكن أن نفكر او يخطر ببالنا أن مكان العمل يمكن أن يكون مكاناً للسكن، وحتى لو كان كذلك لما رد أحد على هاتف العمل بالليل، رغم أن زميلي المصري في مكتب الميزان بالطائف كان يسكن في غرفة داخلية في المكتب، ويرد على التلفونات حتى بالليل.. لكن الحمد لله على كل حال.. وانتبهوا أيها السادة في مثل هكذا ظروف.. بل جربوا كل فكرة تخطر على بالكم، فقد تكون هي الأصوب، ولا تركنوا للأفكار التقليدية او القناعات المسبقة..

    عندما علموا بأنني في المطار أسرعوا إلىّ، وبعد مدة ليست طويلة وصل اثنان من موظفي المكتب، أصولهم حضرمية أيضاً، احدهم يتكلم العربية والآخر لا يتكلم العربية – تذكرت الآن بعد طول نسيان إسم الأخير، فقد كان اسمه رظال، والمقصود رضا الـ، .. أخذوني بسيارة المكتب مباشرة الى فندق كارتيكا بلازا ذي الخمس نجوم الذي يقع في الشارع الرئيس في قلب جاكرتا.. طبعاً لم يكونوا يتوقعون حضوري، بالتالي لم يحجزوا لي مسبقاً في الفندق.. ولكن علاقاتهم بهذا الفندق جعلهم يحجزون لي في نفس الصباح الذي وصلت فيه وبعد اتصالي بهم بالهاتف.. في استقبال الفندق سجلت معلوماتي وسلموني مفتاح الغرفة وصعد معي رفيقاي، وأخبرني أحدهم بأن هناك سوداني يعرفونه موجود بجاكرتا وجاء لنفس الغرض الذي جئت انا من أجله، اي استقدام العمالة الإندونيسية، وطلباه لي عبر الهاتف فتكلمت معه، وعرفني بنفسه وإسمه محمد حامد من أهالي كوستي ويعمل في مكتب استقدام بالرياض.. وسألته على الفور إن كان سمع شئ عن سوركتي السوداني في هذا الجزء البعيد من العالم، فأجابني على الفور أنه يعرفه، ويعرف أسرته! لم أصدق.. في الدقائق الأولى لي في جاكرتا أجد من يعرف آل سوركتي، بل وله صلة بهم! وبالفعل أعطاني رقم هاتف منزل محمد نور إبن أخ سوركتي!!

    خرج رفيقاي فاستحممت في حمام الغرفة الراقي، ووقفت في شرفة الغرفة المطلة على حمام السباحة، وعلى ما أذكر كانت الغرفة في الطابقة الثامن.. ثم رقدت لاستجم من رحلة الطيران الطويلة تلك، ولا أدري إن كنت نمت نوماً عميقاً أم لا رغم ان الفراش كان وثيراً والمخدات ناعمة وكأنها محشوة بالحرير، فغالباً عندما أكون مرهقاً ومسافراً لا أنام بعمق، ولو نمت لساعات طويلة..

    وادرك بن بطوطة الفجر الذي لاح.. فسكت عن الكلام المباح ...
    .. والحديث ذو صلة..
    إلى اللقاء في الحلقة القادمة بإذن الله
                  

02-02-2014, 04:46 PM

Mandingoo
<aMandingoo
تاريخ التسجيل: 09-28-2002
مجموع المشاركات: 2316

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: رحلات إبن بطوطة السوداني ما بين طنجة وجاكرتا (Re: Mandingoo)


    الحلقة 155


    نواصل ...


    نبذة عن إندونيسيا

    دعوني أسرد لكم نبذة عن إندونيسيا منقولة- ولكن بتصرف- من موقع ويكيبيديا:


    اقتبس اسم إندونيسيا من الكلمة اللاتينية إندوس وتعني الهند، والكلمة الإغريقية نيسوس وتعني جزيرة، تعود التسمية إلى القرن الثامن عشر، قبل تشكيل جمهورية اندونيسيا.

    الجمهورية الإندونيسية دولة تقع في جنوب شرق آسيا وفي أوقيانيا بين خطي عرض 11° جنوباً و6° شمالاً، وخطي طول 95° و141° شرقاً. وتضم 17508 جزيرة، منها 6000 جزيرة مأهولة مبعثرة على جانبي خط الاستواء، أكبرها جاوة وسومطرة وبورنيو (المقسمة مع بروناي وماليزيا) وغينيا الجديدة (المقسمة مع بابوا غينيا الجديدة)، وسولاوسي، ولها حدود برية مشتركة مع ماليزيا في جزيرة بورنيو وبابوا غينيا الجديدة في جزيرة غينيا الجديدة وتيمور الشرقية في جزيرة تيمور. كما أن لها حدوداً بحرية عبر مضائق ضيقة مع سنغافورة وماليزيا والفلبين في الشمال، ومع أستراليا في الجنوب.

    أكبر مدينة في البلاد هي العاصمة جاكرتا وتقع في جاوة، ، تليها سورابايا وباندونج ومدان وسيمارانج. ومساحة إندونيسيا هي 1919440 كم² ، وهي الدولة السادسة عشر من حيث المساحة، ومتوسط الكثافة السكانية هو 134 نسمة لكل كيلومتر مربع ، مع العلم أن جزيرة جاوة هي أكثر جزر العالم من حيث عدد السكان حيث أن الكثافة السكانية فيها هي 940 نسمة لكل كيلومتر مربع.. وقوع إندونيسيا على خط الاستواء يجعلها ذات مناخ مداري، مع موسمين من الرياح الموسميةرطبة وجافة، والمتوسط السنوي لهطول الأمطار في المناطق المنخفضة يتراوح بين 1780 و 3175 ملم، وتصل إلى 6100 ملم في المناطق الجبلية، وخصوصاً في الساحل الغربي لسومطرة وجاوة الغربية وكاليمانتان وسولاويسي، وبابوا. الرطوبة عالية عموما، في المتوسط نحو 80 and#1642;. درجات الحرارة تختلف قليلاً على مدار السنة، ومتوسط درجات الحرارة اليومية في جاكرتا 26-30 درجة مئوية.

    ويبلغ عدد سكانها حوالي 238 مليون شخص، وهذه هي رابع دولة من حيث عدد السكان، وأكبر عدد سكان في العالم من المسلمين. وإندونيسيا هي أحد الأعضاء المؤسسين للأسيان وعضو في مجموعة العشرين للاقتصادات الرئيسية. الاقتصاد الإندونيسي في العالم هو الثامن عشر في تسلسل الناتج المحلي الإجمالي الاسمي، والخامس عشر من حيث القوة الشرائية.

    كان الارخبيل الاندونيسي منطقة تجارية هامة منذ القرن السابع في عهد سريفيجايا، ثم في وقت لاحق، إمبراطورية ماجاباهيت بالتجارة مع الصينوالهند. الحكام المحليين استوعبوا تدريجياً الثقافات الدينية والسياسية الأجنبية منذ القرون الميلادية الأولى، وازدهرت الممالك الهندوسية والبوذية. وقد تأثر التاريخ الإندونيسي بالقوى الأجنبية بسبب مواردها الطبيعية. أدخل التجار المسلمون الإسلام، أما القوى الأوروبية فقد قاتلت بعضها البعض لاحتكار تجارة التوابل في جزر مالوكو خلال عصر الاستكشاف. بعد ثلاثة قرون ونصف من الاستعمار الهولندي حصلت إندونيسيا على استقلالها بعد الحرب العالمية الثانية. وقد كان تاريخ إندونيسيا مضطرباً بسبب التحديات التي تفرضها الكوارث الطبيعية والفساد والحركات الانفصالية وعملية التحول الديمقراطي وفترات من التغير الاقتصادي السريع. النظام الحالي لجمهورية إندونيسيا هو نظام وحدوي رئاسي، وتتكون من ثلاثة وثلاثين مقاطعة.

    على الرغم من أن التجار مسلمين وصلوا أول مرة إلى جنوب شرق آسيا في وقت مبكر من العصر الإسلامي، وأقرب دليل على وجود السكان المسلمين في إندونيسيا تعود إلى القرن الثالث عشر في شمال سومطرة. انتشر الإسلام إلى المناطق الإندونيسية الأخرى تدريجيا، وأصبح الدين السائد في جاوة وسومطرة بحلول نهاية القرن السادس عشر. كان أول وصول للأوروبيين إلى إندونيسيا في عام 1512 عندما وصلت السفن التجارية البرتغالية بقيادة فرانسيسكو سيراو وسعوا لاحتكار مصادر جوزة الطيبوالقرنفلوالكبابة في جزر الملوك. بعد ذلك بدأ النزاع بين التجار الهولنديين والبريطانيين، في 1602 أنشأ الهولنديون شركة الهند الشرقية الهولندية (VOC) وأصبحت القوة الأوربية المهيمنة. بعد الإفلاس في عام 1800، أنشأت حكومة هولندا مستعمرةجزر الهند الشرقية الهولندية المؤممة.

    إندونيسيا تتكون من مجموعات عرقية ولغوية ودينية مختلفة منتشرة ومتفرقة عبر العديد من جزرها. والجاوية هي أكبر إثنية في البلاد وهي المهيمنة سياسياً. وقد وضعت إندونيسيا الهوية المشتركة التي تحددها لغة وطنية؛ أما التنوع العرقي والتعددية الدينية فقد وضعت ضمن أغلبية السكان المسلمين (86.1%)، ورغم أن الدستور الإندونيسي يقر الحرية الدينية فإن الحكومة تعترف رسمياً بستة أديان فقط هي: الإسلام، البروتستانتية، الكاثوليكية، الهندوسية، البوذية، الكونفوشيوسية، ويجمعهم تاريخ المقاومة والتمرد ضد الاستعمار الهولندي. وشعار إندونيسيا الوطني هو: "Bhinneka Tunggal Ika" الذي يعني "الوحدة في التنوع". رغم عدد سكانها الكبير والمناطق المكتظة بالسكان، فإنه يوجد في إندونيسيا مساحات شاسعة من الأراضي البرية لتكون ثاني أعلى مستوى للتنوع الحيوي في العالم. إندونيسيا غنية بمواردها الطبيعية، لكن الفقر لا يزال منتشراً حتى الآن على نطاق واسع في إندونيسيا المعاصرة.

    وادرك بن بطوطة الفجر الذي لاح.. فسكت عن الكلام المباح ...
    .. والحديث ذو صلة..
    إلى اللقاء في الحلقة القادمة بإذن الله
                  

02-02-2014, 11:55 PM

عبدالعزيز عثمان
<aعبدالعزيز عثمان
تاريخ التسجيل: 05-26-2013
مجموع المشاركات: 4037

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: رحلات إبن بطوطة السوداني ما بين طنجة وجاكرتا (Re: Mandingoo)

    اذا التقينا يوما ما فستكتشف ثلاث اشياء،،،انني اعرفك جيدا،،واعشق الاماكن التي تعشقها،،ذلك انك تجعلها معروفة ومعشوقه...
    هكذا روعة الادب،،،معك بقجنا فوق كتوفنا,,
                  


[رد على الموضوع] صفحة 2 „‰ 4:   <<  1 2 3 4  >>




احدث عناوين سودانيز اون لاين الان
اراء حرة و مقالات
Latest Posts in English Forum
Articles and Views
اخر المواضيع فى المنبر العام
News and Press Releases
اخبار و بيانات



فيس بوك تويتر انستقرام يوتيوب بنتيريست
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة
About Us
Contact Us
About Sudanese Online
اخبار و بيانات
اراء حرة و مقالات
صور سودانيزاونلاين
فيديوهات سودانيزاونلاين
ويكيبيديا سودانيز اون لاين
منتديات سودانيزاونلاين
News and Press Releases
Articles and Views
SudaneseOnline Images
Sudanese Online Videos
Sudanese Online Wikipedia
Sudanese Online Forums
If you're looking to submit News,Video,a Press Release or or Article please feel free to send it to [email protected]

© 2014 SudaneseOnline.com

Software Version 1.3.0 © 2N-com.de