نشلوبو من بير للشراب .. نسجوبو بنبر وعنقريب تلقاها خشت في البيوت .. وبي كل صراح جوبيل جريد يعرش سقف بيتاً جديد
الادب الشايقي بالنسبة لنا هو الاقرب لوجداننا أما أغانيهم فهي نفس الالحان النوبية ولكن لديهم سرعة الإيقاع ( الدليب ) ومعنى الكلمة بالنوبية هي التتابع بدون انقطاع .. وقد تجلت الطبيعة في منطقتهم ومنحهم الله تعالى أجمل بقعة على النيل وقد عشت في مناطقهم معلماً في مدرسة نوري الغويبة وأحببت هؤلاء الناس وشعرت أنني جزء منهم ( وكما قال وردي عن إسماعيل حسن .. لا يوجد فرق بيني وبينك مرجعيتنا واحدة نفس السواقي نفس الرواويس نفس الترابلة نفس النخيل والنيل نفس الشبه والسمة فقط عروبة اللغة وكلنا سائرون نحوها .. وربنا يستر ) .. وما نصبوا اليه وهو توحيد هذه الامة المستعربة منها والمستنوبة لتتسع الدائرة وتشمل الجميع والحقيقة ان الاحزاب والنظريات الحديثة والقديمة لا تجمع الناس في اطار واحد فالجمال والرقي من خلال الادب والفكر والشعر هو القاسم المشترك بيننا .. وحميد ذكر كلمة ( جوبيل ) في شعره والجوبيل هو امتداد من الخشب في طرف الاخير من سقف المنزل .. وكذلك هو الاطار الاخير من الجريد في السقف .. وعندما يتم نسج السقف بالجريد يتم أختيار شخصين لهم الحرفية العالية والابداع احدهم في اقصى اليمين والثاني في اقصى اليسار اما خطوط المنتصف فيمكن ان يكون لاناس عاديين .. وتجد ان الاشخاص المكلفين بالاطرف يعرفون اختيار الجريد المناسب وخاص في الوضع الطولي وهذا هو ( الجوبيل ) ويتم الضرب على نتؤات الجريد الزائدة عن الجوبيل بواسطة مضربة خشبية ليكون الجريد في مستوى واحد مع الجوبيل هو آخر خط طولي يضبط عليه الجريد تماماً كما يفعل ناسجوا السجاجيد .. والجوبيل ايضاً آخر خشبة طويلة وتسمى ( الرصاص ) ويكون الرصاص هو بمثابة البرواز للسقف في اقصى اليمين وفي اقصى اليسار ويكون الرصاص من ساق النخيل ( اومبو) من النوع المقشور والمجهز بصورة لا تخلو من الجمال والحرفية .. وعندما يذكر حميد هذه الكلمة ( جوبيل ) تأكد انه متعمق في التراث ومأصل في تلك الارض لانها كلمة نوبية تماماً وبدون اي تردد
02-13-2013, 12:52 PM
ود العجمى ود العجمى
تاريخ التسجيل: 09-21-2002
مجموع المشاركات: 1595
اخوي ود العجمي وأنا في حضرتك اسعد الناس .. حميد ده كان موهوب وحاضر من خليل فرح هو الوحيد . كل الحديث أعلاه من كلمة واحدة ( جوبيل ) ولم يأت بها حميد هكذا .. ولكن قصيدة فيها مضامين لم يتطرق اليها شاعر سوداني على الاطلاق .. وأنا في خدمتك بالمزيد عن مفردات حميد ..
02-13-2013, 02:24 PM
علي عبدالوهاب عثمان علي عبدالوهاب عثمان
تاريخ التسجيل: 01-17-2013
مجموع المشاركات: 12482
أستاذي قرجه .. لك التحية والتقدير .. لن اتوقف عن حميد واهلي الشايقية لقد عشت ايام جميلة في نوري وحميد ليه حق يكون بهذا الجمال لأنه من بلد الجمال .. تحياتي للزول البطل المعاك في البروفايل .. ونحن نوثق عشان زيهم يكبر على قيم أهلنا وحاجاتنا ربنا يخليه ليك ويجعله من رجال المستقبل وينفع به البلاد والعباد ..
02-13-2013, 02:37 PM
علي عبدالوهاب عثمان علي عبدالوهاب عثمان
تاريخ التسجيل: 01-17-2013
مجموع المشاركات: 12482
وهنا أيضاً سوف أدور في محور كلمة واحدة هي ( شوقر ) :
وفي قصيدة اخرى قرأت لهذا الشاعر يقول : ( كل البلد شوقر وراك .. يا جرحنا الما ببندمل ) اورد حميد كلمة ( شوقر ) وهذه كلمة اصلها نوبية وهي ( شووقر ) بالدنقلاوية او ( شوقار ) بالمحسية .. وهو الوفد او المجموعة التي تذهب للزيارة في المناسبات من منطقة الى اخرى .. فمثلاً مجموعة تتحرك من قرية الى أخرى لحضور زفاف او مناسبة فرح ( شرط مناسبة فرح ) ولا يطلق هذا المسمى على التجمع في الاحزان .. وجماعة الشوقر يكونوا في زي مميز ومعطر .. ولم يأت حميد بهذه الكلمة عبثاً او عشوائياً .. انما اتى بها ليمجد شخص او زعيم قوم او نداء الوطن .. وهذه الكلمة دلالة على علو مكانة المنادي وقيمته لدى افراد الشوقر .. وليس الاتباع هنا خوفاً من القائد او انصياعاً لقوة ولكن بإرادة حرة وطوعاً بل وفرحاً وحباً لأن الناس كانت تنتظر مشاوير الشوقر بالسنين .. ربما في العمر مرة او مرتين .. لأن جماعة الشوقر عند وصولهم الى المكان المقصود يكونوا تحت ضيافة مميزة ومنزل خاص بهم يجلب اليهم الاكل والمشروب بأنواعه .. وتكون الليالي عبارة عن غناء وطرب .. ويتم استضافتهم في منزل خاص بهم ويؤتى بالطعام والشراب وكأنه معسكر مغلق حسب نظريات هذه الايام .. وفي ذلك الزمن الجميل .. كان الدكاي يجلب الى الضيوف الجرة الكاملة ( كوبيه ) يتم فتحها أمام الضيوف .. وعند نهاية المناسبة التي غالباً ما تكون مبيت ليلة يتم الوداع بالزغاريد والطنابير إما يأتون بمجموعة حمير او بالمراكب الشراعية السفرية (بيليك) .. لذا فإن شوقر كلمة لها مدلول عميق .. وعندما يقول كل البلد شوقر وراك .. أحسب ان حميد كان يقصد الوطن فنداء الوطن لا يحتاج إلى تبرير فقط الانقياد الى حيث هو .. وثراء الشاعر بهذه الموروثات هو نتيجة طبيعية لنشأته في بيئة اصيلة فيها عمق وحضارة متجذرة ولهذا أتى بهذه الكلمة التي تمثل لوحدها قصيدة شعر .. حميد كان عميق وأتى بمفردات لا تخطر على بال أحد ابداً فأعيدوا قراءة هذا الشاعر .. رحمه الله ..
صدفني محمد عبدالله الامين انت الأروع .. اخي محمد شاعرنا حميد ده زول ما ساهل ابداً .. حميد له مفردات أنقرضت قبل قرن من زمان .. كيف اتى بها حميد واستحضرها وأسقطها في دائرة السياسة والتنظر الحديث .. عمق حميد وعبقريته ونبوغه ومعايشته لأهله جعله متفرد .. يا محمد نوري عندما عملت فيها كانت واحدة من أجمل بقاع الارض .. ورغم أنني من جزيرة خضراء في قلب النيل ( ارتقاشا) ولكني ذهلت .. من نوري وانسان نوري .. ومن خرج من تلك الحضانة مثل حميد سوف يكون شاعراً بالسليقة .. رحم الله حميد .. أقرأوا واعيدوا قراءة حميد .. من يستطيع أن يأتي مفردات تربالة ( جوبيل وشوقار ) وهناك المزيد ..
02-14-2013, 08:12 AM
علي عبدالوهاب عثمان علي عبدالوهاب عثمان
تاريخ التسجيل: 01-17-2013
مجموع المشاركات: 12482
القصيدة عن الوطن .. واذا لم نفهم بعض مفردات القصيدة يكون المعنى فيه والقصد فيه قصور ..
حميد هنا يتحدث عن الوطن الذي يتعرض لهزات وكبوات في بعض المراحل .. ويشبه الوطن بشجرة او نبات يأتي اليه الصيف او الرياح لتأخذ لحاه فإذا اللحاء تزول بالرياح فهي غاية الضعف والهوان .. ( ويحتحت اوراقه ) ويصبح الساق عارياً من الاوراق ولكنه لا ينهار بل يبقى ثابتاً في مكانه .. ثم يأتي حميد ليستجدي الغيمة كرمزية ووسيلة للخروج من هذا الوضع .. ولكن بثبات ودون ابتذال او انكسار لأنه بدأ البيت بعبارة بقوة ( حطبنا نصيح .. ) ويرمز هنا الى قوة الاصل والمنشأ وصلابة الجوهر وهي ليست صلابة وجفاف ذلك الكائن الذي مات وفقد روحه وتصلبت وجفت شرايينه .. ويمضي شاعرنا ليثبت لهذه الغيمة أن هناك حياة في هذا الساق الصلب او بالاحرى فإن الدور المناط بهذه الغيمة هي احياء للروح الكامنة فيه ويأتي بعبارة ( إتبني الساق ) وهنا وهو يتحاور مع الغيمة التي سوف تهطل مطراً او ماءاً على هذا الساق ويقول لها ( إتبني ) وهي كلمة نوبية خالصة وتم تصريفها الى العربية بتنغيم وطريقة شاعرية لا تخلو من الجمال .. فكلمة ( تبيه مشدودة الباء ) بالنوبية معناها ( ألمس .. او تحسس .. او مرر يدك عليه ) وهي كلها عبارات تنم عن الرقة في الفعل .. وجاء هذا العبقري وتصرف في هذه الكلمة بشاعرية لا تضاهى فقد جاء بكسرة في آخر الكلمة وهي التنغيم الشايقي الجميل والذي لا يخلو من المسحة النوبية وكذلك اضاف سمة التأنيث مع أن منظومة التأنيث في النوبية لا تستخدم في الافعال (كما في الانجليزية ) والفعل الواحد يخاطب به كلا الجنسين بدون أي تحريف او اضافة .. ولكن روعة اهلنا الشايقية تكمن في انهم طوعوا جمال اللغة النوبية وأدخلوا فيها الادوات والانغام التي تهيأ الكلمة لتكون منسجمة في سياق الحديث وليس في الحديث المتداول فقط بل وفي سياق الكلام المنظوم المقفى ليكسب الشعر الخاصية الجهوية والاثنية التي تميزها وهي من الامور المهمة لفهم الشعر وغوص في رموزه ودلائله المكانية .. وايضاً تأتي الاستعانة بهذه الكلمات النوبية ليكون الخطاب المقصود ذو عمق حضاري وذو مدلول يرمز الى الانتماء المتأصل .. [
يا سلام شاعرنا الجميل حرسم .. دي شهادة اعتز بها من رجل اديب وشاعر .. تعرف اخي حرسم .. كل الكلام ده عشان الناس يفهموا حميد كويس يا ريت كل واحد لو شرح رموز منطقته عشان فهم القصيدة يكون بالكامل .. تحياتي ليك شاعرنا الجميل ..
02-14-2013, 08:54 AM
علي عبدالوهاب عثمان علي عبدالوهاب عثمان
تاريخ التسجيل: 01-17-2013
مجموع المشاركات: 12482
عوض امبس .. إرسي ... يا اخي انت ذاتك ما هين .. اشوف صورتك شاب ما شاء الله لكن المفردات التي اوردتها كلام انقرض زمان .. يا سلام يا عوض كده الواحد يكون مطمئن ان اجيالنا بخير .. أحلى جملة ( كوبدر مودتنا ) .. تحياتي وبعدين الرابط بتاع الاغاني أنا عامله في المفضلة عندي .. شكراً .. يا زول يا جميل ..
الزميل الرائع جدا علي عبدالوهاب سلامات يا زول يا رائع فعلا شعر حميد عايز بحث ودراسة عشان الناس تفهم عمق الكلام وتفهم كيف كان حميد يتجلى في شعره بموهبة فذة وكيف كان يملك حس فني مرهف وثقافة عالية مكنته من سياقة الكلمات الدارجة حتى تكون قصائد وقصائد رائعة معبرة عن وجدان الشعب السوداني كله وليس منطقة او جزء من اجزاء الوطن بل كل الوطن واحي فيك انت ايضا يا علي طريقة ثردك للموضوع وهي لعمري سلسةً ومفهومة وانيقة
واختم هذه المداخلة باقتباس من مداخلة لزميل البورد شيبا كانت في بوست لزميل البورد انور الحاج والبوست هو : النص الكامل لمحمة الشاعر حميد: مصابيح السما التامنه و طشيش
والابيات القادمة عبر بها حميد عن فقد مصطفى وهي الان تعبر عن حميد نفسه طيب الله ثراهما وجعل مثواهما الجنة
Quote: لما وطاك ما خِبِر البوت برفع قدرك للملكوت ؟! مافي القِدْرَك حتى الموت حيَّر قَدَرَك هادي الصوت حيّر صوتك هادي الروح حيّر روحك عشق الناس الوين ما تروحك تأبى تفوت من يتأمل فيك يتجمل من يتجمل بيك يتكمل
إنو الحق مبسوط مبسوط يا الخلِّيت الزمن الأطرق زمن الموت مضبوط مظبوط
Quote: النص الكامل لمحمة الشاعر حميد: مصابيح السما التامنه و طشيش
02-14-2013, 11:39 AM
علي عبدالوهاب عثمان علي عبدالوهاب عثمان
تاريخ التسجيل: 01-17-2013
مجموع المشاركات: 12482
أستاذي الرائع هيثم شكراً على إلإثراء .. وعلى سيرة هذا الثنائي حميد ومصطفى ( رحمهم الله ) لن يتكرر .. تعرف اخي هيثم مدار بحثي هذا كله في رموز ( لا تتجاوز خمس او ستة كلمات ) أتى بها حميد في شعره .. كل كلمة منها يمكن ان نكتب فيها مقالات كرمز ومدلول .. واصل معي أخي هيثم ..
والمداخلة القادمة تدور في نفس المحور كلمتان فقط القصيدة ..
فهو كما ذكرنا لا يستجدي الغيمة او بالاحرى لا يطلب الغوث والمساعدة بدون شروط ولكن شرطه ان تأتي الغيمة وتتحسس على هذا الساق (إتبني) لاثبات أن حياة سوف تدب فيه ولأنها كامنة في خلاياه .. وهنا يستحضرني بيت الشعر ( آسي يجس عليلا ) .. وكأن هذه الغيمة هي الطبيب ( آسي ) .. ثم بعد ذلك فالتتكرم الغيمة بالسقيا وفي هذا السياق يأتي شاعرنا بنتيجة الفعل مباشرة وفي نفس الشطر من البيت وكأنه يغري الغيمة بأن مجهودها لن يضيع سدى بل أن هذا الساق سريع النمو فهو خصب مليء بالحياة وقد رمز الى هذا بقوله (أمانة يا غيمة مو بتاق ) .. أمانة هذه كلمة للاغراء والتزيين لحث الاخر على العطاء .. وعبارة (مو) ليست للنفي ولكن لاثارة الاستغراب والدهشة .. ثم جئنا الى كلمة ( بتاق ) وهي مشتقة ومأخوذة من كلمة ( بودي) وهي النمو والاخضرار والاكثار وكلها ترمز للخير والنماء .. وقد دخلت هذه الكلمة في القاموس الزراعي لأهلنا الشايقية تحت لقظ ( بوتق) وتحمل نفس المعني النوبية ( بودي) وفي هذا البيت جاء حميد بصيغة مبالغة (بتاق) او ( بوديل بتشديد الدال) بالنوبية .. وقد اغنت هذه الكلمة الشاعر عن استخدام جملة طويلة بالعربية لوصف الحدث .. وترمز ( بتاق ) الى المرحلة الاولى من النمو عندما تكون في طور البرعم .. وهي اقرب لتشبيه شاعرنا نوبي (نوري سيد علي ) عندما قال ( وو .. كنا .. وو .. بودل ) ومعناها ايتها الصغيرة النامية كالبراعم .. فهنا كما ذكرت سابقاً يريد حميد ان يقنع الغيمة بأن تعبها لن يضيع وان نتيجة سوف تكون ايراق ونمو لبراعم والبراعم هي رمز لبداية الحياة لهذه الشجرة والتي جفت بفعل الظروف الخارجة عند ارادتها .. وهنا تشابه ما بين خليل فرح وحميد لأن خليل دائما ما يعطي العذر للوطن ولا يحمله الخطأ ( كفاك نومك ) و (انت يا الكبرتوك البنات فاتوك ) الى آخر ابداعات هذا النوبي العملاق .. وحميد يمثل حالة خليل تماماً ليسوق الاعذار للوطن ويرمي باللوم على ابنائه .. ولربط ما ورد في قصيدة حميد بالواقع المعاش عند اهلنا في امتداد النوبة فإن هناك .. عبارة بليغة مطابقة لهذا البيت من قصيدة حميد وكانت هذه العبارة تستخدم عن طريق امهاتنا على سبيل المجاملة ورفع المعنويات في حالات كانت نادرة في مجتمعنا في الشمال وهي حالات الطلاق .. وعند التواصل المرأة مع اختها المطلقة كانت تذكرة عبارة ( قللي .. كلن .. بر .. دسييه ) وكلمة (قللي هي الفرع ) و ( كلن .. هي يتآكل) و (بر ..هي الساق ) و (دسييه هي الاخضرار والنمو ) ويمكن ان يكون معنى هذه العبارة بالعربية ( حتى لو تآكل الفرع فإن الفرع مازال اخضراً ينبض بالحياة ) وكانت هذه العبارة تذكر لرفع الروح المعنوية للزوجة المطلقة ولاحساسها بأن مازال فيها من الخير الكثير .. وهكذا حميد يرفع من معنويات الوطن فما دام الساق فيه روح فهو الأصل وسوف تنمو البراعم حتماً .. حطبنا نصيح إتبني الساق .. أمانة يا غمية مو بتاق ولا يفهم البينت إلا بفهم كلمة إتبني وبتاق .. وأكرر للمرة المليون حميد ليس مثيل .. ولا يستطيع احداً بعده أو حتى قبل اتى او أن يأتي بمثل هذا الكلام ..
أستاذي هيثم .. حميد لا تنقضي عجائبه .. ومداخلتي القادمة تدور حول كلمة أو رمزية واحدة أوردها حميد في قصيدته عبدالرحيم وهي رمزية كلمة ( المشرع ) تلك الحاضنة التي تجمع الناس قبل الكباري ومازالت تجمع ي الامكان النائية على ضفاف النيل .. سوف أنقل لك صورة من ذلك المسرح الكبير
صدقني حميد كان معجزة .. مقدراته أعلى من البشر العاديين .. الزول ده اهلنا ما درسوه كويس ..
ونواصل ..
02-14-2013, 01:48 PM
علي عبدالوهاب عثمان علي عبدالوهاب عثمان
تاريخ التسجيل: 01-17-2013
مجموع المشاركات: 12482
ما زلت في عالم الشاعر الجميل ( حميد ) أحاول ان أتعمق في شعره ومفرداته التي يستخدمها بكل عمق وسوف أكرر ما كتبته سابقاً ان حميد لا يمكن أن يفهم قصائده بمجرد القراءة والاعجاب بالجرس الموسيقي والنظم .. المتعة الحقيقية في قصائده هي المعايشة .. وهو اكثر عمقاً من اسماعيل حسن ولكن اسماعيل أجمل منه في طريقة الالقاء .. لأن ربما كان إسماعيل يحمل الوطن بين جوانبه ويستحضره ويعيش لحظاته لينظم تلك القصائد الجميلة عن التراب والسواقي والنخيل والترابلة والرواويس .. المعاني اعمق عند حميد لأنك تجده في الاماكن والمواقع التي يختارها بحنين وشوق ويعيد اخراجها في صورة رجل عايش وشارك المكان والزمان بصفة يومية ( وليست سماعية ) .. فمثلاً في قصيدة عبدالرحيم :
عم عبد الرحيم اتوكل نزل فى المشرع لقا زملان الشقا الجا من الجريف الجا من الجبل عل الناس بخير صبح هاظرم نقنق ناقرم غاظوه نعل وعم عبد الرحيم ما بخبر زعل كل الناس هنا ما بتخبر زعل تزعل من منو
( في المشرع لقا .. زملان الشقا ) والمشرع يعتبر احد الحاضنات الاجتماعية في الشمال وهي تماثل ( مواقف البصات ) في المدن مع الاختلاف في علاقة الاشخاص مع بعضهم .. فالمشرع هو مكان انتظار المراكب التي تنقل الركاب من الشرق الى الغرب او العكس .. وهناك غالباً ما تكون شجرة ظليلة ضخمة تحتها (سبيل) او مزيرة تملأ ازيارها من النيل مباشرة وبالتطوع وكما يتم نظافة الظل ايضاً بالتطوع لكل من استطاع ذلك .. وهذه الحضانة الاجتماعية تضم كل طبقات البشر في المجتمع الريفي وخاصة الجزر .. وتجد نفس الصورة التي رسمها شاعرنا حميد : الجا من الجريف الجا من الجبل ويقصد بالجريف سكان المنطقة التي تقع فيها المشرع .. والمشرع في الجزر يختلف قليلاَ لأن كل اراضيها املاك وسواقي تكون هناك وثيقة او قل ميثاق شرف بأن ينتقل المشرع بين السواقي التي تقع في منتصف المسافة في الجزيرة لأن المشرع معناه ان يسلك الناس طريقاً من الحلة الى النيل عبر الساقية بالحمير او الجمال لنقل الاغراض وهذا ( ماقصد به حميد من الجبل ) ولأن الجمال من الصعب عليها استخدام المراكب إلا اذا كانت المعدية ( بنطون) فإن موقع المشرع يسبب نوع من التلف للمنطقة التي يقع فيها والتلف يأتي بسوء استخدام الناس للممرات التي تقودهم الى المركب بين السواقي ويحدث تلف للزراعة ونوع من الفوضي غير المحبب للترابلة .. وحذاري أن تطأ القدم نبتة ساهر من أجلها رجل كادح .. وهذه اسوأ ممارسة تجلب الاحباط للتربال وتحدث من الراجلين والراكبين على ظهر الدواب ، لذا يتم التناوب على استخدام المشرع بين السواقي وخاصة في الجزر .. وعندما يكون هناك عائق لاستخدام المراكب مثل ( اتجاه الريح ) وخاصة في موسم الصيف وتكون الرياح جنوبية ( نو) كما قال شاعرنا اسماعيل حسن ( المراكب كاسحة مادام ريحنا نو ) يكون التجمع البشري اكبر عدداً في المشرع في انتظار ان تأتي المركب الى البر او من الضفة الاخرى ( تماماً الحالة متشابهة عندما تكون هناك ازمة مواصلات في المدن يحدث تكدس ) .. وهنا يكون المشرع عبارة مسرح كبير في الهواء الطلق تجد فيه المنهك النائم الذي يتوسد بردعة حمار او من افترش جوال فارغ وتوسد عمامته .. وهناك من هم اصحاب النكات والقفشات .. كما ذكر حميد في القصيدة : صبح هاظرم نقنق ناقرم غاظوه نعل وعم عبد الرحيم ما بخبر زعل كل الناس هنا ما بتخبر زعل ورمزية عبدالرحيم هنا لأهلنا على ضفاف النيل في الشمال فهذا القادم من الجبل وذاك القادم الجزيرة وذلك المعلم وهذا ممرض الشفخانة .. هو المتجمع المتصالح مع بعضه في هذه الحاضنة ( المشرع ) والفرق بين محطات المدن وتجمعات مواقف البصات هناك والمشرع هنا .. ان مرتادي المشرع بينهم علاقة الدم والقربي في الغالب او المعرفة العميقة والبعد الاسري حتى على المستوى الاجداد .. وعبدالرحيم هو نسخة مكررة في كل قرى وجزر الشمال بطيبته وبساطته ويعرف كل ذلك هذا الشخص الذي يغايظه بالكلام والمناظرة ليس تقليلاً من قيمته ولكن امعاناً في الاخوة وترسيخاً لمبدأ للعلاقة التي تمتد الى اعماق تتحمل معها غلاظة القول والمزاح الثقيل .. ولقد عايشنا تلك الحاضنات بكل زخمها والتي يمكن ان تلتقي فيها حتى مع من هم خارج السياق بتناولهم بعض ما كان مسموحاً في ذلك الزمان .. ومن منا من لم يستمع الى قصص اعمامنا من عاشوا في مصر بحكاياتهم وهم يثيرون ضغائن بعض من لم تتاح لهم الفرصة للسفر هناك .. و لا بأس ان تجد النساء في هذه الحاضنة في مجلس ليس بعيد عن الرجال وهن يسترقن السمع الى احاديث اخوانهن مهما كانت الكلمات وغلاظتها .. وهن جالسات مباشرة على الارض كأنهن يستمتعن بهذا التراب لأن المشرع ليس به كراسي او أي نوع من المفروشات ..
02-14-2013, 02:52 PM
Abdel Aati Abdel Aati
تاريخ التسجيل: 06-13-2002
مجموع المشاركات: 33072
الاخ علي عبد الوهاب تحية وشكرا على القراءة المختلفة
اللهجة الشايقية بها الكثير من الكلمات النوبية وخصوصا فيما يتعلق بالزراعة والري ومكونات النخيل والبيوت الخ ؛ وقد نتوفر لذلك ذات يوم ؛ ولا غرو فالشايقية هم نوبيين مستعربين وهذه حقيقة يعرفها حتى البسطاء من الناس وكان اول من قالها لي عمي الحسن عبد العاطي وانا صغير وهو يحكي شجرة نسب العائلة ؛ وقد كانت هناك مواقف طريفة لي مع بعض اصدقائي النوبيين عندما كنت احكي اشياء من بيئة الشمالية الزراعية - وكنت اذهب لديار الشايقية في الاجازات فأنا عطبراوي قح - فكانوا يقاطعونني بأن هذه الكلمة نوبية وتلك نوبية .
02-16-2013, 07:09 AM
علي عبدالوهاب عثمان علي عبدالوهاب عثمان
تاريخ التسجيل: 01-17-2013
مجموع المشاركات: 12482
شكراً استاذي عبدالعاطي على هذه الاضافة والاثراء جميل ما اتيت به عن عمك .. وتواصل والعلاقات الاسرية يمكن ان تجمع الناس في منظومة قوية جداً .. ولكن دهشتي من منطلق أن حميد الذي يعتبر من جيل اليوم يحتفظ بهذه الكلمات المعتقة مثل ( شوقر ، تساب ، سقر ، كوشبر ) بالنسبة لي استخدام مثل هذه الرموز في الشعر يعتبر اعجاز لمثيل له ولا يستطيع احد أن يأتي بمثله .. التحية لك استاذي عبدالعاطي على هذا الاثراء ونريد المزيد ..
02-16-2013, 07:26 AM
علي عبدالوهاب عثمان علي عبدالوهاب عثمان
تاريخ التسجيل: 01-17-2013
مجموع المشاركات: 12482
حُكم إنقلابات التَساب ..دوّارة دُنيا فرَندقَس نِنجارىَ فيها صبق صبق ..نخسر بعض في هِين تُراب (نِتلاوىَ عِنْ فتح اللَبق)..فاكرين برانا أهل العقاب تاري البحر عوّافي عندو معانا حق
(( اللبق ))
وهنا نتطرق الى رمزية ( اللبق) وقد استخدم حميد هذه الرمزية بطريقة تنم معرفته تماماً بمهام ( اللبق ) ولأن مثلنا عايش هذا المصطلح منذ صباه بل ومارس فتح وقفل ( اللبق ) لأن طريقة استخدامه للكلمة أكبر واشمل من ان تكون سماعية او وصفية :
ويقصد الشاعر بهذه الرمزية اننا لا نستطيع ممارسة الديمقراطية التي تتحول الى عهد منازعة وخسران للبعض في اشياء ########ة لا تقدر بثمن ( نخسر بعضنا في هين تراب ) .. وترتفع الاصوات ويحتد الجدال في وقت الذي يكون الوطن فيه أحوج الى هذا الجهد المهدور والى الطاقات المستنزفة في توافه الامور وشبه ذلك بــ ( نتلاوى عن فتح اللبق ) هذا التشبيه بليغ وله رمزيته ومدلوله .. بالنوبية ( اوبوق ) هو سد ترابي يحجز الماء في الجدول او الحوض الرئيسي حتى يكتمل ري ذلك الجزء ثم يتحول الى الجزء الاخر وهكذا حتى نهاية المزرعة وهذا السد هو بمثابة البرزخ الذي يصرف به المياه بين الاحواض ومن الجدول الى الحوض ولها رمزية اخرى في النوبية يطلق على الشخص الساكن الذي لا يتحرك من تلقاء نفسة او الغير مبادر او يكون بطيئاً للتجاوب بما يجري من حوله يطلق عليه ( اوبوق) لأن الاوبوق لا يتحرك إلا عن طريق شخص وله مهمة واحدة فقط هو حجز المياه فقط . ونرجع الى قول الشاعر (نتلاوى عن فتح اللبق ) وهو التأخير او التسويف في فتح اللبق في مواعيده وهذا ينتج عنه أمتلاء الاحواض واندفاع الماء منها الى خارج المزرعة من عدة جهات لا يمكن السيطرة عليها إلا بإيقاف الساقية او مصدر الماء .. وخاصة عند بداية الموسم ( البوغة ) لأن الارض مازالت هشة لذا فإن مراقبة ( اللبق ) تكون من اولى الاولويات ولا يجدي الاغفال عنه لأي سبب مهما كان .. وشاعرنا بهذا يرمز الى عهود الديمقراطية والجدال العقيم الذي يتم بين السياسيين من كيديات شخصية وحزبية تاركين مشاكل البلد واهتمامات الناس وبهذه الطريقة يتفجر الوضع ويرجع الحكم مرة اخرى الى العسكر .. وهو لعمري تشبيه بليغ لأن التأخير في فتح اللبق ينتج عنه عدم القدرة على التحكم في الماء وذلك مشابهة تماماً لعدم القدرة في اتخاذ القرارات الحاسمة ومعالجة الاخطاء والذي يفجر الاوضاع وتعم الفوضي .. وتصعب السيطرة عليها تماماً مثل الماء المتفجر من جوانب الاحواض من عدة ثغرات فمن الصعب السيطرة عليه .. ويأتي العسكر للحكم .. ولكن في الحواشات ايضاً يأتي عسكري الموية لضبط الأمر ولكن شتان ما بين عسكري الموية وذلك العسكري الذي يأتي على ظهر دبابة ..
اجزم لكم انني لم أقرأ لشاعر مثل حميد فهو فوق الوصف
الاستاذ هيثم .. يا راجل يا رائع .. يا زول بصراحة بقيت تحفزني على المزيد .. يا هيثم .. حميد ده انا عرفت مقدرته من خلال استخدامه لرموز ( الترابلة ) بمقدرة لا يتخيلها إلا من يعرف هذه المصطلحات .. هيثم اخوي .. معظم هذه المصطلحات انقرضت حتى لدى المزارعين الحديثين .. الزول ده رغم أنه ما كان كبير في العمر لكن كان عميق عمق غير عادي .. من سهل للكثير من الشعراء تنظيم الشعر بأدوات عادية وما اكثر مثل هؤلاء الشعراء .. يا هيثم حميد مظلوم أدبياً .. ولا بد من دراسة المعجزات شعره بعمق .. وهو يستخدم المفردة معناها العميق جداً .. والناس الذين خاطبهم حميد بهذه المفردات صدقنني لم يفهموا معناها العميق ..
سوف اختار فقط الكلمات ذات المدلول النوبي ..
تحية ليك .. وخلينا مع الحميد لأن الموجودين ما فيهم فايدة ..
02-16-2013, 10:03 AM
علي عبدالوهاب عثمان علي عبدالوهاب عثمان
تاريخ التسجيل: 01-17-2013
مجموع المشاركات: 12482
وكل الرياح فوقا بتمر .. يكفيها دا .. ويكفيها صاح ما استسلمت لي ريح غريب .. وكل الرياح فوقا بتمر .. والنخلة ما بتخبر خلاف ريح اللقاح والهمبريب وريح الصلاح يا معوض الليل بالصباح يا معود النار اللهيب .. روض نخلنا على الرياح وفي لجة البحر الغريب .. أدي الرواويس الصلاح يكفينا دا .. ويكفيها صاح
لقد تخيلت ان حميد كان معنا في الصراع اليومي مع اتجاه الرياح .. طبعاً قبل ظهور ( اللنشات ) وايام المراكب الشراعية .. لقد كان اتجاه الرياح هو العامل الرئيسي الذي يتحكم في حياة البشر في منطقتنا خاصة في الجزر لأن المدارس والاسواق والشفخانات والمصالح الحكومية والمحاكم والسفر الى مصر والخرطوم كان يتم من شرق النيل او غربه .. وكان اول شيء ينظر اليه الشخص مع أولى ارهاصات الفجر هو جريد النخلة ، وليس كل النخيل ولكن اطولها ساقاً واعلاها قمة تنظر الى جريدها لتعرف من حركتها اتجاه الرياح واذا كانت الرياح شمالية آتيه من جهة الشمال جهة مصر هي رياح الصلاح ( تبرد ماء ، تعدي المراكب ، تروق المزاج ، تنام براحة تحت الاشجار .. ) لاحظوا كلام حميد تحت ( كيف يتطابق مع سكان الجزر عندنا )
وفي لجة البحر الغريب .. أدي الرواويس الصلاح يكفينا دا .. ويكفيها صاح
لذا احب اهلنا الشمال وتعلقوا بهذا الاتجاه .. وبسببها احبوا مصر وكل ما كان يأتي من مصر .. وفي معظم اغاني وردي اتجاه الى هذا المنحى ( اغانيه بالنوبية ) وهذا ما نؤكده ان بيئة حميد ووردي واسماعيل حسن هي بيئة واحدة بيئة رواويس وترابله ومعطياتها متشابهة وكذلك ادواتها وموروثها .. وفي اشارات حميد وحديثه هنالك تكرار عن الرياح لأن الرياج عقاب وثواب ورحمة ونقمة في نفس الوقت خاصة الرياح عندما تكون قوية آتية من ناحية الجنوب . واتجاه الجنوب عند أهلنا يتوجسون منه رغم إتجاه النيل والطمي مع الفيضان عندما ـاتي الرياح النو وهي الرياح التي تهب ايام الفيضان .. وهي من اسوأ الايام بالنسبة لأهلنا لأنها هي الرياح التي تسقط النخيل وتأتي بالامطار التي لا يريدها اهلنا لما فيه من تلف للنخيل خاصة وانها تأتي مع الاثمار ..
- والنخلة ما بتخبر خلاف ريح اللقاح والهمبريب وريح الصلاح يا معوض الليل بالصباح يا معود النار اللهيب .. روض نخلنا على الرياح وفي لجة البحر الغريب .. أدي الرواويس الصلاح يكفينا دا .. ويكفيها صاح
أما الرياح التي فيها فائدة للنخيل فهي تهب في منتصف ونهايات امشير تقريباً وتكون شمالية وهي تحمل حبوب اللقاح من ذكر النخيل ( بنتي ننودي ) الى باقي الاناث وحبوب اللقاح هذه تشم عطرها في كل انحاء الجزيرة عندما تأتي هذه الرياح ويعتبرها اهلنا رائحة الخير والنماء والشبع رغم انها تسبب نوع من الرمد في العين ونوع من الاحتقان للانف لبعض الناس .. ولكن كل هذه الظواهر تهون عندما تتلقح النخيل .. و ربما فرح بها اهلنا اكثر من حمل وولادة الاناث .. ولأن كثير من النخيل التي نبتت ( بالنوى ( وليس بالشتل تحدد هويتها اذا كانت انثى او ذكر عند الاثماروالحميد يقول ان النخلة لا تحب الرياح ابداً إلا تلك التي تحمل حبوب اللقاح وهنا رمزية لغريزة التكاثر لدى كل المخلوقات ..وهي نفس الرياح التي ينتظرها الرواويس وهي الرياح الشمالية او الشمالية الشرقية ( الصلاح )
كلام حميد الفوق لم يسبق اليه بشر على الاطلاق
02-16-2013, 01:19 PM
علي عبدالوهاب عثمان علي عبدالوهاب عثمان
تاريخ التسجيل: 01-17-2013
مجموع المشاركات: 12482
وبالمناسبة قصيدة النخلة عبارة عن معلقة .. ذكر فيها الكثير الابداعات .. وحقائق عن النخلة والصراع من الرياح والنخلة .. وسوف أحاول انزال جزء منها حسب قراءتي وواقعي الذي يشبه تماماً واقع حميد بس اللغة مختلفة .. وسوف آتي بالمزيد ..
02-16-2013, 02:47 PM
Medhat Osman Medhat Osman
تاريخ التسجيل: 09-01-2007
مجموع المشاركات: 11208
مدحت اننقا .. النوبي الهميم .. خلاص الموضوع انتهى .. ليس لنا إلا نعيد ذكريات هذا الشامخ .. انت طلعتني نهائي الى عالم آخر .. بعيد .. لمن وردي جاء سنة 1968م وغنى في مدرسة كرمة البلد بنات الأولية .. وهو في طريقة الى دائرة سكوت والمحس .. عشان يعمل دعاية زوج اخته المحامي حسن عبدالماجد حسب ما أذكر .. كان كله حفلته بالطنبور .. وفي عز شبابه .. يا سلام يا مدحت .. وردي وحميد ومعاهم النخلة كمان .. ده عالم آخر .. هيروو قوو .. ووو أشري .. أي فويدا كيلي ..
02-16-2013, 04:15 PM
علي عبدالوهاب عثمان علي عبدالوهاب عثمان
تاريخ التسجيل: 01-17-2013
مجموع المشاركات: 12482
احمد بناوي .. حيا الله ابوتومات .. والله وليك وحشة .. المشكلة انا ما عندي صفحة في الفيس بوك .. انت الواحد تربال عديل كدا .. والتكنولوجيا مشكلة بالنسبة لي .. أحمد امبس .. إير سي .. على النعمة ووو اهمد .. هميد ده صرعني عديل .. يا اخي البني آدم ده كأنه واحد من ناس ارتقاشا او كرمه او بنا .. ده زول حكمة وتربال وصمد كمان .. في حاحات حميد يذكرها حتى في الجزر انقرضت .. شكراً ليك .. سوف اواصل أحمد امبس .. تحياتي لناس الرياض ..
02-16-2013, 04:38 PM
علي عبدالوهاب عثمان علي عبدالوهاب عثمان
تاريخ التسجيل: 01-17-2013
مجموع المشاركات: 12482
ياما شايلك بينى حايم لا الليالى المخمليى لا العمارات السوامق .. لا الأسامى الأجنبيى تمحى من عينى ملامحِك وإنتى جايى المغربية .. دايشى .. داقسى .. المغربيى وشِّك المكبوت .. مكندك سمسونايتك زمزميى كون شِبِر .. طوريى .. مُنجَل سِبحِى .. فانوساً مدردح قلتى بيهن لى زمانِك يا زمان الحاجى عِندك يا زمان الآهة حدّك لا تَطَى الوردة الصبيى
( ياما شايلك بينى حايم ) حميد كان يحمل الوطن بين جنباته ويستحضره في كل لحظة .. ورغم اغراء البيئة الصناعية المحاطه به .. سوامق العمائر .. والاسامي الاجنبية وبرهجة العصر الحديث بكل مافيه من غثاء وضحالة بالنسبة لشاعر مثل حميد .. وفجأة ينتقل الى بيئته واصله يستحضرهما من مكنون عميق لا ينضب بل يتجدد في كل لحظة من لحظات حياة الشاعر ومواقفه . تمحي من عبني ملاحمك .. وانتي جايي المغربية . .. دايشى .. داقسى .. المغربيى وشِّك المكبوت .. مكندك كل من عاش في بيئة الشمال يعرف جيداً ما يرمي اليه حميد وهو يصف تلك الراجعة من وعثاء العمل عند المغربية .. والفترة ما بين العصر والمغرب هي الفترة التي تبلغ فيها العمل الذروة لأن المزارع وعائلته يكونوا في ذروة العطاء لتنفيذ جداول طويلة جداً من المهمات .. عشاء الابقار والحيوانات الاخرى .. سقاية الماء .. تنظيف المراح .. تجهيز العجول للرضاع .. حلب الابقار والاغنام .. فترة رضاعة للصغار من الامهات لعزلهم .. وترتفع سرعة ووتيرة العمل كلما اقترب غروب الشمس لأن الظلام والزراعة لا يجتمعان على الاطلاق وفضلاَ عن ظهور العقارب والثعابين والحشرات الضارة ..فإن المزارع يعتقد ان الليل لا يصلح للعمل لأنه فترة هدوء يتجلى فيها قدرة الخالق عز وجل وفيها تنمو النباتات والشتول ويتمدد الخير والنماء ولديهم اعتقاد جازم بأنه من المهم هجر المزرعة ليلاً لاتاحة المكان والزمان والجو الهادي للزراعة لتنمو وكأن الضجيج والعمل يعكران صفو هذه العملية ويطردان مبعوث الخير القادم من حضن الغيب .. لذا تجد أن المزارع عندما يحضر في الصباح الباكر يتجول في مزرعته ويراقب ويبحث عن أي جديد طرأ على كل انواع الزراعة لتحديد كمية النمو الذي حدث خلال الليل المنصرم. وحميد عندما يرسم صورة لذلك الجسد المتعب من جراء الانهاك الذي اصاب تلك تربالة الراجعة من ساقيتها .. يعرف تماماً انها فترة تعب وترهل لاعضاء الجسم ( دايشي .. داقسي ..) وهي تمشى لا تكاد ترى امامها بعد عناء ذلك اليوم المليء بالركض والعمل .. ويكاد يرى حميد جمالاً في عمق هذه الانثى والتي ازدادت رونقاً وألقاً وهي تكاد تجرجر اطراف جسدها من وعثاء التعب والارهاق .. هي مشابهة لصورة خليل فرح : عزه قومي كفاك نومك .. ثم يقول : إنت يا الكبرتوك .. البنات فاتوك .. في القطار الطار .. هما يرمزان الى الوطن .. لأن فيها القيمة والجمال والرقة واللطف وانتقامها اشد فهنا تشبيه الوطن بالانثى أقوى ..
سنواصل في مع رمز ( كونشبر )
02-17-2013, 04:36 PM
أيمن التوم حسن أيمن التوم حسن
تاريخ التسجيل: 04-26-2010
مجموع المشاركات: 1067
Quote: حُكم إنقلابات التَساب ..دوّارة دُنيا فرَندقَس نِنجارىَ فيها صبق صبق ..نخسر بعض في هِين تُراب (نِتلاوىَ عِنْ فتح اللَبق)..فاكرين برانا أهل العقاب تاري البحر عوّافي عندو معانا حق
احرق حميد الف حقل من القيود وقفز من السائد والمالوف الى حيث اعلى مدارك الخيال فى استخدام الكلمة,,,
فهل لشاعر يوجع لهاته بالغنوات فى حب الارض والاهل والتراب ,,, غير حميد ؟
وهل لنا ان نشتهى بغير الذى يشتهيه حميد ؟؟
على عبد الوهاب ,,, بركه الجيت فى حوش بكرى ومبروك الباسويرد ,,, بخيت وسعيد عليك
وما دام الحديث عن حميد ,,, دا شيتا بسيط فى حقو ,, اعددناه وبثثناهو عبر اذاعة كدنتكار فى ذكرى رحيله ,,,, يرحمه الله
02-17-2013, 05:19 PM
علي عبدالوهاب عثمان علي عبدالوهاب عثمان
تاريخ التسجيل: 01-17-2013
مجموع المشاركات: 12482
أيمن اننقا .. مداخلتك جاءت في البداية .. يا اخي أنا أفتش من زمان .. معليش أيمن اننقا .. عشان جديد في الحوش دا الواحد مرات كده ما يجمع .. ونحن طبعاً كان حدنا منتديات قرانا .. كدنتكار بقت المتكأ التراثي لينا .. ظلنا الظليل في عثاء الاغتراب .. خليني اكمل باقي اللقاء في البيت .. عشان في المكبت .. تحياتي ليك .. حميد ده ما بيخلص لأنه بحر غريق غريق جداً
02-16-2013, 07:22 PM
Zomrawi Alweli Zomrawi Alweli
تاريخ التسجيل: 08-04-2007
مجموع المشاركات: 3368
Quote: لأن جماعة الشوقر عند وصولهم الى المكان المقصود يكونوا تحت ضيافة مميزة ومنزل خاص بهم يجلب اليهم الاكل والمشروب بأنواعه .. وتكون الليالي عبارة عن غناء وطرب .. ويتم استضافتهم في منزل خاص بهم ويؤتى بالطعام والشراب وكأنه معسكر مغلق حسب نظريات هذه الايام .. وفي ذلك الزمن الجميل .. كان الدكاي يجلب الى الضيوف الجرة الكاملة ( كوبيه ) يتم فتحها أمام الضيوف .. وعند نهاية المناسبة التي غالباً ما تكون مبيت ليلة يتم الوداع بالزغاريد والطنابير إما يأتون بمجموعة حمير او بالمراكب الشراعية السفرية (بيليك) .. لذا فإن شوقر كلمة لها مدلول عميق .. وعندما يقول كل البلد شوقر وراك
يا الله يا الله من هذا النقل الحي لما كان عليه الحال في شبابنا وكأنني اشاهد شريط ذكريات لم تترك لي شاردة او واردة اخي علي عبدالوهاب
اولا قل لي هل انت شقيق محمد عبدالوهاب ذلك الانسان الراقي بن ارتقاشا الذي كان بين ظهرانينا في الرياض عضوا في لجنتنا بجمعية التراث والثقافة النوبية فاذا كان بالايجاب فلا استغرب فانت ابن الارض ومشبع برائحة الجروف
كم ارجعتني لسنوات الشوقر وخدمة القادمين للمناسبة التي تقام في القرية
الشوقر:: مجموعة من الناس من قرية ما وصلتهم الدعوة لحضور مناسبة زواج (واحيانا مناسبة طهور ) في قرية اخرى وتتم الدعوة من قبل اهل المناسبة ويتم الاتفاق مع صاحب لوري ليقلهم الى حيث المكان والزمان في الجانب الآخر بتم تجهيز المكان لاستقبال الضيوف من الجنسين ويكون غالبا من البيوت العامرة ويقوم شباب وشابات الحي بتجهيز وتنظيف البيت المعد لاستقبال للضيوف ويخصص لكل مكان مجموعة من الشباب القادرين على الخدمة دون توقف ويمر العريس واهل الحي بزيارة بيت الشوقر للتحية على الضيوف والسؤال عن اي خدمة تذبح الذبائح لكل بيت شوقر وتوفر كل اسباب الراحة لكل الضيوف ... وفي الجانب الآخر (اي جانب الرجال) يتم توفير الدكاي (البلح المنقوع) وتقدم على اساس انها نوع من الحياة الاجتماعية وكلما كانت كمية الدكاي كثيرة ونوعيته جيدة كلما علق بالذاكرة والاشادة على مر الزمن بان عرس فلان كان راقيا والمناسبة كانت سعيدة
في الشوقر كان يتم اختيار فرد من كل بيت القوى القادر على ركوب اللوري ..... يا الله كم كنت محظوظا بان اكون ممن يتم اختبارهم في عمر صغيرنسبة لاغتراب الوالد عليه الرحمة ولم يكن يسمج لنا بارتياد جلسة الدكاي الا بعد أن نبت حبات الشعر اسفل الانف وتغير نغمة الحبال الصوتية.
أهلاً سليل الشيخ زمراوي الولي .. اسياد القباب والجنائن .. زمراوي اننقا .. نعم محمد أخي الاصغر .. وقد كونت ارتقاشا تلك الجزيرة الرائعة وجداننا وعلمتنا حب الارض .. وعلى مرمى حجر من منزلنا بالبرقيق الدفوفة ( تاريخ كوش ) والدفوفة الفوق .. وطنابير رواويس البيليك اهلنا الكنوز في ارتقاشا والمشرع واصوات السواقي .. أرجوك يا مزراوي أرجع أقرأ عن المشرع ( في قصيدة عم عبدالرحيم ) الموضوع ضمن البوست .. بالله شوف حميد ده كيف صور المشرع .. نفس مشرع ارتقاشا او مشرع كويا مقابل ارقو .. يعني مشرع ارتقاشا مجسد كما هو .. حتى شخصية كوكو بلال وهو يرمم الشبكة لاصطياد السمك يمكن ان تستحضره ضمن الاطار الذي رسمه حميد .. زمراوي أنا عجبني في حميد أنه زول نوبي ولسانه عربي .. وربما مثل حميد يستطيع أن يحمل رسالتنا الى الآخر .. فحميد ينظم الشعر ويجذب الناس ونحن نشرح من خلاله تراثنا الجميل الرائع .. لأن حميد استطاع ان يرسم صورة لنا وباللغة مفهومة للوطن .. لكن يا زمراوي حميد عجبني عندما أتى برمزية شنطة السمسونايت وكوديه الشبر ( يعني كأنه يقارن بين استكهولم وارتقاشا ) الرجل ده كان خطير الله يرحمه .. تحياتي زمراوي اننقا ..
02-17-2013, 07:34 AM
علي عبدالوهاب عثمان علي عبدالوهاب عثمان
تاريخ التسجيل: 01-17-2013
مجموع المشاركات: 12482
ومن شاهقات المدن والاسامي والاشكال الاجنبية ومقتنياتهم الحديثة ربما عرف حميد التربال إسم السمسونايت وجعلها رمزية هنا لتوضيح علاقة ادوات العمل بين كل من تلك التربالة وتلك الحسناء المدنية فهذه تقتني السمسونايت وهي رمزية عن قبح العالم الصناعي .. وتلك تقتني زمزمي .. كون شبر .. طوري .. منجل .. سبحي فانوس .. وهنا تلاحظ حميمة العلاقة بين التربالة وادوات العملوبعض مقتنياته .. حتى تنتهي بتلك السبحة وهي رمزية ذكر الخالق عز وجل ودليل على التمسك بالقيم .. بينما لا يسحب نفس الوصف العميق على تلك الحسناء الاخرى لأن ثقافة المدن مختصرة في ( شارع وبشر وفضاء ضيق وسماء بلا نجوم وقمر ..الخ) والمقارنة ما بين حملة السمسونايت رمزية التطور وحياة المدن ورمزية السبحة والطورية والمنجل والكون شبر فيها مدلولات قيمية وانسانية .. ولكن اليوم اصبح هناك اندماج ما بين السمسونايت والمنجل والطورية والكون شبر لأن الزراعة اخذت منحى التكنولوجيا والبيوت المحمية وما عادت كوديك وطورية ومنجل
ومن هذه الرموز التي ذكرها شاعرنا (كون شبر ) بالرجوع الى المصطلحات النوبية التي تناولها اهلنا الشوايقة واضافوا اليها جمالاً ولحناً ومعنى وقيمة وحملوها بأنغامهم الجميلة الى كل انحاء القطر الواسع وبها ادرك بعض المهتمين بهذا النوع من المفردات وقاموا بتأصيلها لخلق نوع من الترابط بين النوبة والقادمين عليهم . ولفظ ( كون شبر ) في النوبية هو ( كوديه شبر ) وهي عبارة مقطف (قفة) من سعف الدوم في الغالب .. ومنها نوعان .. نوع صغير يمكن للمزارع يعمل بها في حفر ( الكوديك بالعربية ) اوالكوديه بالنوبية هو الجدول الذي يربط الساقية بالنهر وفي فصل الشتاء يحتاج ذلك الجدول الى حفر يومي مع الصباح الباكر وهنا يستخدم المزارع ( كوديه شبر) لنقل التربة او الطين خارج الكوديه ويمكن استخدامها في مهمات اخرى داخل المزرعة .. والنوع الاخر هو على شكل قرطاس او مخروطي الشكل مفتوح من الاسفل وحجمه اكبر ويستخدم في نقل التربة من مكان الاخر ويمكن ان يستخدم ظهر الحمار او الجمال في بعض المناطق ويتم تفريغها دون انزالها وهي غالباً ما تكون معلقة في عارضة خشب واحدة من اليمين والثانية من اليسار ويكون مفتوح من المؤخرة ويتم سحب قطعة القماش وتتدفق التربة ويتم التفريغ .. وفي السابق كان ( كوديه شبر ) يستخدم في ردم الجدول الرئيسي الذي يفصل بين السواقي وهو الحدود بين الساقية والاخرى ( ملتي ننودي) او الجدول الضكر مثلما ينطقها بعض الاعمام الناطقين بالعربية .. وعندما يذكر شعارنا ( كون شبر ) ويقصد به ( كوديه شبر ) فهو رمز للخير واحدى المعينات التي يحتاج اليها المزارع طوال يومه .. للردم وجلب التراب من اطراف الساقية .. ولا يغير كثيراً من معنى الكلمة او حتى حروفها عندما تحول من ( كوديه شبر ) الى ( كون شبر ) وكما ذكرت في السابق فإن التنغيم باللسان الشايقي هو اضافة جمال وموسيقى للكلمات النوبية وتعميمها الى كافة الوطن ..
الاخ علي تحية طيبة وعميقة بمثل عمق شعر الراحل حميد يا علي القصيدة ادناه من اوائل القصائد التي كتبها حميد وهو في مدرسة عطبرة الثانوية لاحظ للكلمة باللون الاحمر واديني رايك اذا كانت نوبية او غير نوبية واسمها
شن طعم الدروس
وريني شن طعم الدروس ما دام بكانا مشي قطر وكيف ذاتا ترتاح النفوس تقبل قرايةً في سفر زينوبة كر من حالى كر قاعد لى فوق كيمان جمر غربة وكمان حالاً فقر عذبني قبل اصل القبر زينوبة كل ما افتح كتاب القاك في اول سطر القى الجداول والصحاب القى الجناين والتمر زينوبة دنيا الاغتراب خلتني زي ورق الشدر انحت من عدم الشراب عم الاراضى وانتشر كيف زاتو يا نبع الحنان انجح من الام السهر يا يمة حان الامتحان من وقتو بس فاضل شهر ما اظنِي من جور الزمان انجح واجيب ليكم نمر
عمرك سمعتيلك ######## خاض المعارك وانتصر في الحصة عقلى انا قام سدر يمه المدرس لو فكر كان يلقى قاعد فوق ككر في الدونكا لسع ما فطر يسمع كليمة يا عشاى واغلى الحكم عند الضجر وانا قلبي كلو على جناي وقلب جنايا على حجر والله مش لو كان نهر لو كالني بسيطان بقر ما دام عقيل الجن سدر ما اظنو من عندك حضر بذاتو ابوى تلقاهو قام فاتح كتابو مع الفجر يقرأ ويرتل في كلام ما بفهمو الناس الكفر الشوق متل شوك الكتر طعن الجسم لمن خدر والله لو ما منجبر ما كت بفارقك بي شبر الغربة اصلوا طعيمة مر لكني بعقد بالجبر لمن سنين الهم تمر يا ربي الهمني الصب
02-17-2013, 09:49 AM
علي عبدالوهاب عثمان علي عبدالوهاب عثمان
تاريخ التسجيل: 01-17-2013
مجموع المشاركات: 12482
أستاذي هيثم .. دي واحدة من أجمل القصائد التي كتبها حميد بصدق .. وقبل شهور كنت في لقاء مع الراحل محمد كرم الله في جدة وفي جلسة خاصة نظمها الاخوان في جدة .. غنى كرم الله رحمه الله هذه الاغنية وأجمل حاجة أنني سمعت كرم بدون مايكرفون .. سبحان الله أجمل الاصوات .. وتحدثت عن هذه القصيدة .. التي بها عمق وبراءة وطهر .. طبعاً في ذلك الزمان حميد كان بدون مؤثرات سياسية وضغوط .. الخ ..
كما ذكرت في المداخلة السابقة عن ( كونشبر ) الذي تم تحويره من ( كوديه شبر ) واحسب ان أهلنا هناك اضافوا تنغيم اكثر جمالاً .. لأن الانسان يريد سهولة النطق ومرونة استخدام الكلمة خاصة اذا كانت الكلمة تدل على شيء يستخدم يومياً ويأتي ذكره على الدوام .. ( الدونكا) تم تحويرها من ( ديو كا ) وهو المطبخ .. و ديو بالنوبية هي الصاج ( للعواسة والقراريص وغيرها ) وكا بمعني غرفة او بيت .. وقد اختص النوبة بأمتلاك هذا النوع من الادوات نظراً لأسبقيتهم في معرفة الطعام المصنوع والمجهز نظراً لعامل الاستقرار والمجتمع الزراعي ساعدهم في ذلك .. ولا أبالغ إذا قلت أن القمح احد العوامل الرئيسية لاجادة النوبة لفنون المطبخ .. والدونكا التقليدي كان مقسم الى مكان العواسة ( ديو ) بكل توابعه ( من منظفات ودهون وودق وعصا طويلة لتوزيع الوقود تحت الديو وكذلك حاوية العجين والمغراف ... الخ ) والجزء الآخر من الغرفة نفسها مكان الطبيخ والشاي .. الخ .
سأتي أليك استاذي هيثم بالمزيد .. لأن هذه القصيدة فيها رمزيات عميقة جداً ..
ولن أتأخر عليك
02-17-2013, 10:06 AM
علي عبدالوهاب عثمان علي عبدالوهاب عثمان
تاريخ التسجيل: 01-17-2013
مجموع المشاركات: 12482
هذه مقدمة بسيطة عن زمان القصيدة .. والظرف زمني مهم لفهم الشاعر ..
واذا قرأت القصيدة اعلاه بتمعن تجد ان هذه الحالة كانت تنبطق على معظم ذلك الجيل من مواليد الخمسينات من القرن الماضي وهي كانت حالة دور العلم حتى ظهور السلم التعليمي ايام المرحوم نميري .. كانت المدارس بها المزيد من الضبط و الربط وخاصة في نظام الداخليات وطريقة الخروج والدخول وحرية الحركة مقيدة في مساحات تكاد تكون محدودة جداً لشباب في العنفوان لا تسعهم تلك الامكنة ابداً ولا تتيح لهم لتفجير الطاقات الكامنة فيهم .. كان المنهج الدراسي منضبط وبقساوة لا تعرف لا تفريط .. كحفظ ومراجعة وتقييم واستدعاء لأولياء الامور وانضابط سلوكي في قمة الالتزام .. فقد كان السائد هو التململ الدائم والبحث عن الهروب من هذه البيئة الخانقة .. ومن القراءة الاولى لهذه القصيدة تشعر ان هذا الرائع حميد ولد شاعراً وليس غير ذلك .. والاحظ ان امثال حميد لا يجيدون مسايرة الانضابط في الحياة والعمل .. ومثال ذلك خليل فرح ورغم انه كان على مستوى من تأهيل المهني الرفيع الذي يرقى الى مستوى المهندسين اليوم ودخله المادي المرتفع مقارنة بذلك الزمن كان يتبرم من عمله ويناكف رئيسه الانجليزي بل ووجد ان ملفه مليء بالمخالفات وعدم الانتظام في الحضور والعصيان الوظيفي .. وهكذا النوابغ تجدهم لا يهتمون كثيراً بالانضباط حتى لو كان على حساب معيشتهم او متطلبات الحياة الضرورية بالنسبة لهم ، فتجد الكثيرين منهم انتهت حياتهم على ( عنقريب بدون برش في راكوبة ) بعد ان قدموا للوطن الكثير والاغرب ان تكريمهم يأتي بعد مماتهم في الغالب الاعم . ووصف حميد لوضعه ورسالته الى امه وارجو هنا ملاحظة التركيز لماذا خص الام بذلك ؟؟ .. لأن المجتمع في ذلك الوقت كان ابوياً محضاً لا تستطيع ان تتحدث مع الوالد او الاخ الاكبر او لي الامر في مثل هذه الامور والتي تبدو كنوع من ( عدم اللباقة ) او خروج عن النص .. ولم تكن هناك صراحة متبادلة بين الاب والابن بل مجرد اوامر وتعليمات يتلقاها الابن من والده .. فكان الحل هو الام لتلعب دور الوسيطة ما بين الاب والولد .. وعلى هذا القياس جاء معظم شعر اهلنا الشايقية على نسق مخاطبة الام ( يا يمه ).. فالأم في ديار الشايقية لها شخصيتها المميزة من كما الشاعرات ( مهيرة .. وبت حمد ) وحتى اجمل شعرائهم ا سماعيل حسن تشرف بأن يطلق عليه ( اسماعين ود حد الزين ) وهذه القداسة صفة نوبية موروثة من ايام كنداكات مروي والبجراوية وكان القانون النوبي بأن تؤول ورثة الحكم الى ابناء الاناث لذا نجد أن القبائل العربية التي استوطنت بأرض النوبة ( استنوبت ) شكلاً وموروثاً رغم لغة العربية .. فجاء من رحم امهاتنا النوبيات اخواننا الشوايقة والجعليين بل وتقلد ابنائهم مقاليد الحكم خلال تاريخ الممالك النوبية قبل وبعد دخول العرب .. فهذه هي قداسة الام لدى اهلنا في الشايقية ونحن في النوبة ليس اقل منهم في هذا المجال ولكنهم اشجع منا في اطلاق هذه الدعوة التي كانت تعتبر عندنا من بعض المحرمات ..
02-17-2013, 10:07 AM
طارق جبريل طارق جبريل
تاريخ التسجيل: 10-11-2005
مجموع المشاركات: 22556
يا سلام الرجل القامة الاديب الاريب .. طارق جبريل .. يا سلام .. ده شرف وتكريم .. أن تطل على هذه الاجتهادات من زول من غير الناطقين .. يا استاذنا الجميل لقد احببت كل كتاباتك ... وبعدين كده انت عملت رهبة .. في حضرتك كيف سأواصل .. لقد احببت تلك المنطقة كثيراً .. وأنا عملت معلم في مدرسة نوري الغويبة في السبعينات ..
لا نستطيع أن نأخذك أديبنا الرائع .. أنت الذي أخذتنا الى حيث الجمال وجعلتنا نقرأ تراثنا من جديد ..
وهذه قراءة عن واقع حميد
قراءة موجزة في واقع حميد .. المكان عند حميد ..
أما بيئة حميد التي انطلق منها وهي منطقة نوري .. قد قضيت فيها فترة معلماً بالمدرسة الثانوية في مدرسة نوري الغويبة .. وهي واحدة من اجمل بلاد الله موقعاً وبشراً .. خضرة دائمة غابات النخيل وجنائن المانقو ورائحة الارض والجروف خليط من اللوبيا في الجروف وعبق المانجو ورائحة طلع النخيل .. وأهلنا في نوري مختلفون عن ابناء المنطقة عموماً او عن كل الشمال في طريقة زراعتهم للنخيل والفواكه وبطريقة مرتبة تكاد تكون لوحة فريدة في شكلها وألوانها وعندما تصلها بعد ضجيج كريمة او مروى تكون اتكاءة للتأمل والجمال واثبات لقدرة الله في خلقه وعلى امتدادها من القرير والباجور والكارور حتى تصل الغويبة التي تكون إطار وحافة رملية لهذا الجمال الرباني الفريد والانسان في نوري فريد من نوعه يتمتع بسحنة من جمال وبهاء الطلعة .. وربما هذا الجمال والارض المعطاءة بالخضرة والحياة جعلت اخواننا الشايقية يتعلقون بتراب هذا الوطن الجميل .. واحسب ان هذا الحب الكبير ينشا ويولد من سخاء البيئة التي تجعلك تحب الارض من حولك في نطاق اضيق ويكبر هذا الحب مع نمو الجسدي والفكري ليشمل حب هذا الوطن الذي يحتضن تلك البيئة الصغيرة .. ونوري بثرائها وجمالها المتدرج من اللوبيا في الجروف والمزارع والنخيل وجنائن الفواكه وخاصة المانقو لها عبق وطعم ولون ورائحة لا تغيب عن ذهن من عاش فيها ويمكن استحضارها في اي زمان ومكان وامتدادها يتكييء على التراث النوبي اهرامات الكرو وهناك الكنيسة الاثرية في الغزالة وليس ببعيد جبل البركل وما حوله من آثار .. وأهل نوري عموما ًتجدهم يجيدون فن حديث وانيساب السرد اثناء الحديث العادي مع التنغيم المحبب للنفس لكل المفردات ونهايات الكلمات بطريقة تدعو الى الدهشة والاعجاب لهذه الشاعرية المأصلة فيهم .. وحتى التلاميذ في المدرسة لديهم موهبة التعبير وحضور البديهة وسرعة الاجابة والرد والخروج من المأزق والموقف بطريقة تنم عن طبيعة هؤلاء الذين اوتوا جوامع الكلم وجمال التعبير وما اكثر الشعراء في تلك البيئة وكأنك في وادي عبقر بل يتناولون اصعب دروب الشعر ( وخاصة الساخر منه ) قد سمعت أحد عمال المدرسة وهو عازف طنبور ماهر رواية شعرية عن شخص عادي يعمل في السوق لا يطيق العساكر والامن ويقال ان المسئول النقطة في مروي كان شرهاً يحب الاكل وخاصة السمك وإسمه ( حجار ) وهجاه بهذه الابيات :
موزة من موزات نوري الكبار حضرولا دوقة وشمار العساكر ملصوا اللبس قالوا دايرين لحم الدبس جا دور حجار ابوكرش يا موزة كلامي ليك دي المصيبة الوقعت عليك والله يا موزة كلامي ليك هكذا كانوا يستخدمون الشعر في النقد الاجتماعي وبطريقة مموسقة وملحنة احياناً ويمكن استحضار القصيدة التي غناها ود اليمني ( محجوب وال######ة ) .. وخلفية اولاد حاج الماحي .. وأعجبني كثيراً طريقة الادغام واختصار الجملة في كلمة واحدة منغمة لا مفر من ان تحب هؤلاء القوم وتقف اجلالاً واحتراماً لهم .. هذه هي بيئة حميد ولدى فيها ذكريات جميلة .. رغم أنني لم أكن فيها غريباً لأن معظم اسماء الاماكن فيها نوبية ( الكرو بمعنى القمرية ) كلوقيل ( الجبل الاحمر) نوري (هبة الله ) .. والمشترك بيننا كثير صلة الدم ووسائل الزراعة ومسمياتها ..ولكن الحق يقال انهم استخدمواها كرموز جميلة وتعرف عليها كل الوطن ..
حبيبنا هيثم في كلام كثير عن هذه القصيدة سوف أوردها لك ان شاء .. أخذت وقت مع الجميل طارق جبريل لأني احب كتاباته جداً .. شكراً الاستاذ هيثم على المشاركة .. وسنواصل
02-17-2013, 02:51 PM
طارق جبريل طارق جبريل
تاريخ التسجيل: 10-11-2005
مجموع المشاركات: 22556
نعم طارق هذه ليست مجاملة .. وأنت كباقي أدباء وشعراء أهلنا الشوايقة .. شايل البلد جواك .. زي ناس حميد .. نعم زيهم وبتفاصيله الدقيقة .. أحلى حاجة في الكاتب او الشاعر يكون عارف التفاصيل الدقيقة للتراث عشان يبنى عليها كلام مركز ومسنود .. احييك تاني ومليون مرة ..
02-17-2013, 03:27 PM
علي عبدالوهاب عثمان علي عبدالوهاب عثمان
تاريخ التسجيل: 01-17-2013
مجموع المشاركات: 12482
زينوبة كل ما افتح كتاب القاك في اول سطر القى الجداول والصحاب القى الجناين والتمر
وعبارة ( زينوبة ( حتى اذا كانت رمزية هي اسم الدلع ( لزينب) وهنا يبلغ تعلق الشاعر بأمه اعلى الدرجات .. فهذه العبارات تطلق في الغالب للحبيبة او من تعلق القلب بها على سبيل الغنج والدلال .. هنا بلغ حميد قمة الوفاء للام وهو يوشح اسم امه بلقب ( زينوبة ) ففيه دلال الانثى وقداسة الامومة والحب اللانهائي لهذا الشاعر الجميل لأمه .. وكان الأحرى بشاعرنا حميد ان يدبج القصائد لحبيبته ويغوض في غياهب الغزل المبتذل ووالصف المخل لملاح الانثى وخاصة في هذه السن المبكرة وفي مرحلة الاندفاع الغريزي والمراهقة ولكنه فضل عن ذلك ان يخاطب امه وهي الرمزية الابقى والانقى لأن هذا الاحساس لا يتغير الى ان تقوم الساعة وحتى عندما قيامها فسوف تتم مناداة الناس على اسماء امهاتهم .. وهنا يتضح جلياً ان شاعرنا حميد كان صاحب قضية وفكر منذ نشأته ونعومة اظفاره ولا يعبأ بصغائر الامور .. ورغم ان مرحلة حميد العمرية في ذلك الزمان كانت ايام الانطلاقة والمتجمع المفتوح قبل ارهاصات التوجه الاسلامي الذي بدأه الراحل نميري في منتصف الثمانينات حيث كان منظر الشارع مختلفاً واماكن التهتك والتحرر في كل ركن من اركان الشارع وخاصة في المدن .. وتبعاً لذلك كانت امنيات الشباب مختلفة تماماً عما يفكر فيه حميد .. لأنه ورغم كل مغريات المدينة التي كانت بلا حدود يريد حميد ان يرجع الى واقعه ( الجنائن .. التمر .. الدونكا .. الككر .. والجدوال .. شوك الكتر ) .. ورغم قرب حميد المكاني من دياره وليس هناك اغتراب ما بين عطبرة ونوري ولكن هو الحب والانتماء والفكر والفكرة وحب العطاء وسحر المكان .. على عكس جيل ذلك الزمان ونحن منهم فقد كنا نضجر من حياة القرية ومن كل ما ذكره حميد لأن ذلك كانت بالنسبة لنا مسئولية وعمل شاق وتقييد بأوامر الاب الصارمة والقيام بالواجب اليومي في المزرعة على عكس شباب المدن الذي كنا نتمنى ان نكون مثلهم وهم يرتادون دور السينما والحدائق ومخالطة الجنس الاخر الذي كان محرماً وخطاً احمراً غليظاً بالنسبة لجيلنا في القرى النائية .. ورغم كل ذلك كان حميد يتمنى ان يكون وسط هذه المنظومة التي اتاحت له هذا الخيال الواسع اللامحدود وهذا الاسلوب البارع والسلس الذي لن يتكرر مثله اطلاقاً واقول ذلك جازماً وهذه البيئة التي اخلص لها حميد وهبته وسمحت له بإستخدام تلك الرموز التي لا يمكن ان تجد لها تفسيراً احادياً ونهايات حاسمة لمدلولاتها ..
02-17-2013, 05:16 PM
محمد فضل ابراهيم محمد فضل ابراهيم
تاريخ التسجيل: 02-11-2013
مجموع المشاركات: 194
استاذي الجليل علي عبدالوهاب الارتاوي لو هنالك علاقة صارت لي بهذا المنبر هي الدهشة التي اسكنتها فيّ جراء كتابات رصينة ومباحث غاية في الروعة والادهاش وحقيق بنا بورداب جدة ان نحتفي بهكذا الق ورقي السيل الكتابي الرطب على الفؤاد , مودتي لك وصاد ليك بحول الله في ذاكرة مع حبوبتي ست الجيل بت الجابري التي كانت حين تدهش (تطلق عبارة كندو او كاندو ) وحين تبسط راحة النهار على فنجان قهوة تقول وهي جالسة وايآيبووووو وكانت تدفع ببعض الرطانة الى جارتنا جارة او حاجة جارة تلك التي وصل بها العمر المديد الى المائة عام بحق امتعتني في ظل جدب ونقول كما قال ود المكي ابراهيم (محمد) عن ياسر عرمان انك قد اخذت وضعك في خانة المنبر وتستفزنا الى مجاراة اشعر بأني دونها وآتيك صاد بحوله تعالى مودتي ياانيق الحرف , عن حُميد وعن مفردات نوبية ونوباوية ونوبيانيه واختر بفطنتك الاقرب لقلبك دونما انحياز إلا لصالح المجموع لا العنصر ..
شكراً أستاذنا حجر .. لك التحية والشكر على كلماتك الجميلة .. أخي حجر هذه قراءة فقط لأعماق شعر حميد ومحاولة شرح لبعض مفردات حميد التي ربما تكون غريباً على البعض مثل هذا شرح ربما جعل يفهمون حميد اكثر وأكثر لأن عدم قراءة حميد بعمق يحرم القاريء من المتعة والاعجاز الشعري الذي أتى به حميد .. يعني كلمان زي ( شوفر .. بتاق .. كونشبر .. ) .. تماماً كما لا افهم بعض مفردات شعر البطانة إلا بعد الشرح واعيد قراءته بعد ذلك .. وهي الخصوصية الجميلة لكل مجموعة ..
02-18-2013, 07:18 AM
علي عبدالوهاب عثمان علي عبدالوهاب عثمان
تاريخ التسجيل: 01-17-2013
مجموع المشاركات: 12482
استاذي محمد فضل ابراهيم .. وانت زول اصيل .. أتمنى أن استحق هذا الاطراء .. أخي محمد هذه قراءة بدون الاعتماد على حواشي إلا مرجعيات اهلنا التربالة ولدينا منه مخزون استراتيجي ربما إدخرناه لمثل هذه الظروف .. اخي محمد .. أنا أعتبر حميد من عالم مختلف خالص .. بالله أقرأ شعره عن النخلة .. قصيدة لا يكتبلها بشر .. وسوف أحاول قراءة النخلة .. بفكر زول تربال فقط ..
02-18-2013, 07:29 AM
علي عبدالوهاب عثمان علي عبدالوهاب عثمان
تاريخ التسجيل: 01-17-2013
مجموع المشاركات: 12482
استاذ هيثم دعني أرجع الى زنوبة .. وأواصل قليلاً حسب قراءتي ..
بذاتو ابوى تلقاهو قاعد فاتح كتابو مع الفجر يقرأ ويرتل في كل ما بفهمو الناس الكفر
وبعد ان افاض في مخاطبة امه .. استحضر حميد والده ووضعه في مكانة القداسة وهي رمزية الاب التقليدي وقد صوره حميد بحضور رائع وعفوية فيها من الجمال والصورة التي تعكس الهيبة والوقار .. فإذا كان نشاط الاب معروفاً في ذلك الوقت من حيث الزراعة والرعي وتربية المواشي .. ولأن العمل والعرق والصير كان من البديهيات ومن المهمات المسلم بها في حياة الرجل في ذلك الزمان .. لم يسهب حميد في وصفه .. بل جاء الى الناحية الاخرى والخاصة في حياة والده فقد كان قاريء قران وممن يقومون الفجر صلاة وقراءة وما اندر مثلا هؤلاء الرجال في ذلك الزمان .. والوضع هنا مشابهة تماماً كل القرى على امتداد النيل فقد كنا نسمع مثل هذه القراءات في ارهاصات الفجر من بعض اعمامنا الذين وهبهم الله حظاً في القراءة .. فلم يكن والده قارئاً فقط بل ويرتل القرآن وهو دلالة على حلاوة الصوت كما يدل على ان حميد نشأ في بيئة صوفية وفي بيت فيه يرتل الاب القرآن .. وختم هذا الجزء من القصيدة ( ما بفمهو الناس الكفر ) وأراد ان يميز والده عن هؤلاء الاخرين الذين يراهم في شوارع المدن.. ولا اظن .. بل ولا يمكن ان يكون في مجتمع ( نوري ) من يوصفون بتلك الصفة حتى يميز والده عنهم .. ومن الواضح انه في تلك المرحلة من العمر لا لون رمادي لديه اما (ابيض او اسود ) فكان مثله هو والده وهي رمزية كل آباء ذلك الزمان .. أما دون ذلك فيستحق الوصف الذي استجلبه حميد ( الناس الكفر ) خاصة اذا كانوا من كبار السن المتفلتين .. وهذا هو شخص حميد الحقيقي وغير ذلك عبارة عن لحظات عابرة أتت من جراء المعاملات والمكايدات او ضيق المعايش والمعاناة او انهيار القيم والحكومات المتعاقبة وخاصة العسكرية منها .. والنموذج المتدين لدى حميد هو نموذج والده ( فاتح كتابه مع الفجر ) وهذه رمزية تدل على الاخلاص والوفاء لهذا الكتاب دون رياء او سمعة وكأن الجهر بالتدين ومباهاة به شكلاً وموضوعاً مستهجن لدى حميد وهو ما ورد في معظم قصائده .. فطالما نشأ حميد في مثل هذه البيئة وهو يقدس والده لأنه يتلو كتاب الله ويقوم فجراً للصلاة والذكر ويهجو من أراد غير ذلك ( بالناس الكفر) .. فحميد من خلال هذه القصيدة يتقمص شخصية الزول الصوفي الذي نشأ وترعرع وسط أزهايج مدائح اولاد حاج الماحي وقباب نوري الغويبه ومزاراتها ..
02-18-2013, 05:01 PM
سيف الدين عيسى مختار سيف الدين عيسى مختار
تاريخ التسجيل: 03-02-2007
مجموع المشاركات: 1364
ها أنذا كما تقول المغنية سميرة سعيد (تراني جيت تراني جيت)، سأبدأ معك هذه القراءة الجميلة لشعر حميد: ==============================
حاشية للتأمل
زينوبة كر من حالي كر
تأملوا معي هذه العبارة (كر من حالي كر) وهي عبارة غير مسموح للرجال وصف أنفسهم بها عند الدناقلة لكونها من أخص خصوصيات (أحاديث النساء) .. لكنك تجدها كثيرا في الشعر الشايقي ، مثلها مثل (وا شري، أو واشريري ) قال السر عثمان الطيب (وا شري يا زنوبة ولدك في دروب الريد همل )، وقريب منها عبارات (وا مغصتى .. وا كتلتي ) " أنا وا مغصتي رحل تلوت الليل) . وأصل (كر) كما ذكرنا في الواوور من اسم الملك (كركرة) وربما يكون هو المقصود في قصة سيدنا موسى والرجل الصالح في سورة الكهف ، وهو الملك الذي كان يأخذ كل سفينة غصبا، وقالوا كان يسكن في احدى الجزر (في الغالب جزيرة نيليلة) يستولى على كل سفينة تعبر جزيرته ، ولذلك يقال في الدعاء بالدنقلاوية (كركرن اكي جمل) ، ثم التشميت من الكحة بقولهم (كر كر) ومعنى العبارة الدعاء بذهاب الأذى والله أعلم، والكركر هو الخروف بالدنقلاوية. و (كر) من الكلمات الدنقلاوية التي دخلت بقوة في معجم عربية السودان ، ولا تكاد تجدها في اللهجات العربية الأخرى، ففي الخليج مثلا يستخدمون عبارة (سلمت) مقابل (كر ) السودانية، وفي المغرب يقولون (لا باس عليك) ، وعبارة (كر على) عبارة حريمية في الغالب ، اذ لا تجد من يقول (كر على) ، فاذا قال أحدهم ذلك سيغلظ السامعون له القول، مثلها مثل عبارة (ووب علي ) . لا تقبلها الأذن السودانية من الرجال الا في أغنية القمر بوبا (ووب على أمك ووبين علي) فتعجب ؟
02-18-2013, 05:02 PM
علي عبدالوهاب عثمان علي عبدالوهاب عثمان
تاريخ التسجيل: 01-17-2013
مجموع المشاركات: 12482
font face="Arabic Transparent" size="4" color=black>يا علي
حقيقي شكرا على هذا الابداع ، وعلى هذه الاشراقات النقدية لشعر حميد، وهي مقاربة فنية تتأمل شعر حميد من الداخل، وليست قراءة سطحية في ظاهر النصوص.. وهذا التأمل الباطني عبر دلالات بعض الكلمات ينطلق من فهم عميق لموروث عريق تحمله المفردات، فالقراءة هنا قراءة بنوية تكتشف الصورالجميلة التي تخلقت من هموم جمعية تشكلت عبر التاريخ، وقت كان شريط النيل يحتوى شعبا ذا نكهة واحدة مميزة انشطر بفعل التلاقح والتثاقف الى مكونات ظل كل مكون منها يحمل شيئا من ذلكم العبق الواحد، وكأن قدرا عظيما من ذلكم الموروث العريق قد انتهى الى حميد، أو كأنه يخيل اليك أن حميد يمتح من معين مجموعة من الناس الموغلين في ذلكم المعجم، فحين يترنم أو حين يلج الي الحالة الشعرية يخيل اليك كأنه يلتقى من خلالها بمجموعة من النسوة الطاعنات في السن يخرفن بكلمات لم تعد قيد الاستخدام الآني. في شعر حميد معجم متكامل من الكلمات النوبية أحسن توظيفها في شعره الرائق، وهي كلمات دخلت العامية السودانية فصبغتها بنكهتها المميزة وايقاعها الفريد كما ذكرنا ذلك في (الواوور). وانه لأمر مدهش ما فعله اخوتنا الشايقية في تعريب بعض الكلمات النوبية لتستقيم في ايقاعها مع موسيقى العربية في السودان، فالكلمات المضمومة في النوبية تم نصبها مع اضافة حرف ( القاف) في نهاياتها لتصبح عربية فصيحة، مثل (كارديق، واسوق، دشكوق، مدروق، متيق، بتيق.. وهلم جرا) ، فكلمة الأوبق ونطقها في النوبية بضم الألف اضيفت اليها لام ونصبت الألف لتصبح (اللبقة) كما اضيفت اليها تاء التأنيث للافراد، وفي النوبية تطلق هذه العبارة لوصف الانسان عديم الفائدة والمروءة . وكذلك مثلا كلمة التولكي بضم التاء وهي المنصة الخشبية التي يستخدمها الجزار في تقطيع اللحم، واذا شتم انسان انسانا قائلا له (يا تلكي) فذلك أبشع سب وأقذع هجاء. الشايقية ينصبون التاء في تلكي ويقولون في أمثالهم (عاملاهو تلكي) ويضرب للمرأة التي تجعل من زوجها ستارا لآفعالها الشنيعة، كأنما قد جعلته منصة تقطع عليه جسدها والعياذ بالله. ما يميز حميد أنه لا يقصد تلك المعاني قصدا في شعره لكنها تأتي عفو الخاطر فيكتسب بها شعره خاصية وعمقا قلما تجده عند غيره، شعر حميد كأنه يمتح من حلم كثيف وعميق ورامز رمزية تحيط بمجلها وتستعصى عليك مفرداتها، كالشخص الذي يأتيك في الحلم فتعرفه على وجه الاجمال لكنك لا تعرف من هو تحديدا، قد يكون مجموعة أفراد معروفين جمعهم الحلم في شخصية واحدة، أو شخص واحد تشتت في مجموعة أشخاص، كأن يكون حديثه عند شخص وملامحه في عدة أشخاص، في النهاية مثل هذه التوليفة تحقق لديك اللذة، وينتهي الحلم في اللحظة التي تود فيها أن تصل الى النهاية المنطقية فتصحو وانت متحسر على عدم اكتمال الحلم، شعر حميد لا يكتمل أبدا، لأنه يترك للمتلقى مساحة أن يكمل هو القصيدة، لأنه ببساطة شديدة بارع في فتح كوى الخيال لمتلقي شعره الذين يعتبرهم جزءا من الحالة الشعرية التي تعتريه، فهو لا يكتب لشخص بعينه ولا لجهة محددة، هو يكتب لجميع الناس ، وفي بعض الأحوال يتقمص الناس جميعا ويكتب لنفسه، ويمده الناس الذين تقمصهم بالكثير من الصور والمفردات وحتى التراكيب الشعرية، قال لي في احدى الامسيات بجدة، أنه حين تعتريه الحالة الشعرية ينصب سلما يعرج به الى عوالم لا يدرك كنهها والى فضاءات بعيدة يرى فيها العديد من الوجوه والملامح. للكتابة الشعرية شروط عديدة اذا اجتمع بعض منها لدى شاعر ما جعلت منه شاعرا يشار اليه بالبنان، فكيف اذا اجتمعت كلها لدى شاعر ، وأهم هذه الشروط ، المعجم اللغوي ، والخيال ، وتوليد المعاني الجديدة، والتمكن من اللغة ، والأسلوب المتميز ، والقدرة على توليف كلمات ، او اعادة تخصيص معاني بعض الكلمات، وحلاوة الموسيقى الداخلية، وانتظام ايقاعات القصيدة، مع غزارة في الانتاج وجودة المنتوج، واستنباط الحكم العميقة من أحوال الناس، ففي قصيدة واحدة مثل (عم عبد الرحيم) استطاع حميد أن ينثر الكثير من الحكم التي تمس كل الناس مثل قوله (وايه الدنيا غير لمة ناس في خير أو ساعة حزن) أو (يزعل في شنو ، ويزعل من منو، ما كل الناس صحاب، وكل الناس أهل، والماهم قراب قربهم الشغل) أو (عم عبد الرحيم على كيفك تقوم ، لا دفتر حضور ، لاحصة فطور، تقرع بالقمر تزرع بالنجوم) ، أو يا طاحن الخبر، ما بين القضا ومحراكة القدر) و ( عم عبد الرحيم يا كمين بشر، صح الموت سلام، ما يغشاك شر) ، تأملوا معي هذا النص لتجدوا كيف أنه استطاع أن يولد بالتضاد معاني وأخيله يمكن أن ينسج كل فرد منها أـخيلة ومعاني وليدة يا وطناً قريب للحي وسِرّك للبعيد لحّاق حِلُو حلاوة ما بـ تِنضاق ومُرًا كُلو كلٌو إن ضاق مِن كُناكَا ما خُنَّاكا مافينا الضلالي العاق وياحاسِب سُكاتنا رُضا أمانة بِطُونَا ماها غُراق صدورنا علي البِعادي زُقاق وضِهورنا إلي المنادي رُقاق رضينا بلا قرِن نِنساق وحين نحـرِن جبل يا ساق والأمثلة في هذا الخصوص لا حصر لها في شعر حميد، مثل قوله (وطني ولا ملي بطني)، (سكاتي ولا الكلام الني)، (قليلتي ولا ضبايح طي) وهكذا.. وتأملوا أيضا هذا المقطع الذي يحسن فيه توليد المعاني من أمور يشاهدها كل سوداني يوميا لكنه قد لا ينتبه لها ، فالنيل يظل هادئا ما لم تهطل الأمطار ،ثم يتعكر صفاؤه ويتغير لونه، والناس محتاجون له فيلجأون الى الطين ذاته (الرواق) ليصفو لهم شرابهم من جديد، والسحاب يضيق بالمطر ليتخلص من حمله، لكن التراب يظل في شوق لاحتضان ذات المطر يقول وطنا حبيبنا رغم البيك هي الأشواق وما طال المطر بيصب طبيعي إنو البحر ما راق كما إنو العكار من طين كمان من طين بيجي الرواق صحيح إنو المطر ضايق لكن التراب مشتاق إذا ما العشق مندافع كذلك حضرة العشاق وطن علام ... وطن ساكت وطن ما فيهو أي كلام وطن آخر ... وطن قدام وطن ماهل ... وطن قوام مدد للفي البعيد لحاق وطن نضام ... وطن ساكت وطن ما فيهو أي كلام وطن آخر ... وطن قدام وطن ماهل ... وطن قوام مدد للفي البعيد لحاق نظل في حبلك الواحد حبيبين ما في بينا فراق مع إنك ما في بس لابد توافي وتصدق الأشواق ...لا زنزانة تتلقانا لا جبخانة لا أطواق ...بلد وأحضانا تتلقانا جنة جدولها الرقراق بنطلق همبريب الشوق على لفح النوى الحراق بنتعود لهيب الشمس ما كوش من الرقراق يا وطن الأراضي البكرة يا وطن السماء البراق من كناك وما خناك وما فينا الضلالي العاق وأنت المالي عيونا معزة وين متراوح سايب عزة ودابا أشتغلت فينا الغنية دابو ضمير الدنيا أهتز وبدا لي الكدح الكونو يتبن شوقا يضوق للعالم لذة وين متراوح وين يا طالي باب النيل بحنين الوزة وعمرك كلو تغني عليها وتترجاها تعالي ... تعالي أول ما هي بدت عينيها استعجلت مشيت طوالي كوركنالك ... يا الله سبعة أيام في سبعة ليالي رجع الصوت النازف آه سرسار جدول داخرو العالي كنا غلابة وليل وربابة متلمين فوق قوز ونغني قلنا : الصحراء تبتق غابة حلم قريب ما هو تمني تنسف فجأة القوز دبابة وفينا غنانا يصن فد صني اتجمعت سحابة سحابة وبدا يتلقط طير الجنة نفس الريح الحرق الغابة قطم فرحك ليل الحني رغم بهاظك وعظمة فقدك إلا إنو الحياة ما وقفت إلا أنو في ناس بيغنو ويقول أيضا: بالطمي من فيض إشتهاي أرقوق عناي ماروق غُناي الصورة رائعة، فالطمي الذي يحمل الخصب والنماء والخير العميم يتشكل من فيضان اشتهائه للوطن، وهو بعد ذلك يشكل السماد الذي ينمو به ساق تكوينه الذي يشتد ويقوى به عوده حتى يستطيع القيام بواجبات الوطن وحده دون معين ، فالأرقوق كلمة نوبية تعني مفرد الثور في الساقية، في العادة يدير الساقية ثور وبقرة، ولا يجمع بين ثورين في الساقية حتى لا يتعاركان فيتوقف دورانها، فاذا كان هنالك ثور قوي فانه يقوم لوحده بتدوير الساقية وذلك هو (الأرقوق) ، وهذا المعني يستقيم تماما مع ما ذكره حميد في (أرقوق عناي)، ومن المعاني البعيده أنه حين يستوي الغناء بسماد فيضان الاشتهاء ، يدفع بالعمل الذاتي بأقصى طاقة وكل الجهد دون الدخول في مشاحنة أو مطاحنة أو عراك مع أحد يعرقل مسيرة الوطن، حقيقة ما أجمل هذه الصورة وما ابلغها وأعظمها دلالة وهي توظف المورث الجمعي بشكل واع مضبوط وان جاء الكلام عفويا من غير تصنع. وتأملوا ان شئتم هذا المقطع أيضا بالأربل ... الواسوق ... إيدي أمشاط رؤيا ... أسرحك بعرق شقايا أريحك فوق أنتِ سمحة أسمحك برهق لقايا ... أريحك
الأربل ، نوبية أصلها ألبل قلبت اللام راء عند التعريب وهي تستخدم في الغالب في تسوية الأرض و وتسطيحها بعد رمي البذور،والواسوق آلة لتسطيح الأرض ورفع حواف الأحواض كما هو معلوم، هذه الصورة الجميلة التي رسمها للأرض/ الوطن ما كانت لتتم الا بهذه المفردات النوبية العالية القيمة والدلالة، الأرض معشوقة تتجمل بالالبل والواسوق وهي أمشاط رؤيا الشاعر ليزيدها جمالالا على جمالها الطبيعي حين يعمل الألبل والواسق في نشر الخضرة والجمال لتزيين وجه الأرض التي يتحدر عليها عرق الشاعر المتيم بها فيعطرها ، وفي مثل هذا المعنى قال شاعر آخر (يا عرق من بين مسامي ما مرق غير شان يعينك) لكن فكرة عطر العرق عند حميد أقوى واستخدام اريحك بمعنيين مختلفين الأولى للعطر، والثانية لراحة الأرض ، وأية راحة ، راحة متولدة من رهق اللقيا، فهي لقيا لا تتم الا بمزيد من التعب والكفاح ، فالرهق قمة التعب، لتكتسب الأرض من ذلك قمة الراحة ومنتهاها، انظروا الى أي مدى يكون عشق الأرض والتوله بها، وهذه خاصية نوبية، فالنوبة متعلقون بالأرض، بالنيل والخضرة على جانبية ايما تعلق، والعرب متعلقون بالسماء يتبعون السحاب ويرتحلون معه أينما ارتحل، فانظر كيف انحاز حميد الى النوبة حتى في هذا التعلق بالأرض والوطن أوليس هو القائل (وطني.. البموت واخليه حي) .. هذا وصلى الله على سيدنا محمد سيد الأولين والآخرين، ربنا لا تؤاخذنا ان نسينا أو أخطأنا.
سيف الدين عيسى
02-19-2013, 07:02 AM
علي عبدالوهاب عثمان علي عبدالوهاب عثمان
تاريخ التسجيل: 01-17-2013
مجموع المشاركات: 12482
اشرق البوس ت بحضور الاستاذ والباحث سيف الدين عيسى .. يا سلام على هذا الاثراء اللامحدود .. قراءة عميقة لحميد ورموزه وتأصيل للكثير من المفردات الى أصولها بطريقة احترافية .. شكراً استاذنا سيف الدين لنواصل سبر غور قصائد حميد .. وحميد لا تفنى عجائبه ..
شكراً أخي سيف فأنت سيد المنابر ..
يا سلام يا سيف لم اكن اتخيل ان هذا البوست سينداح بهذه الطريقة .. تاني شكراً ومليون شكراً ..
02-19-2013, 09:01 AM
يحي ابن عوف يحي ابن عوف
تاريخ التسجيل: 05-25-2002
مجموع المشاركات: 6335
الاستاذ علي عبد الوهاب سلام والله كتابتك دي رجعتني لي سودان اون لاين موقع سودانيز اون لاين ده مركز للدراسات السودانية سرد رائع في شعر حميد رحمه الله والله يا على عبد الوهاب لي فتره متابع البوست والله اتيت لاقف بين سطوركِ والله اتيت لامتع عيني بعذب البوح وجميل الكلام والله اتيت وقد شدني النور المنبعث من هنا تصيغ لنا من الأبداع سطور تُبهر كل من ينظر إليها
أستاذي يحيى ابنعوف .. كلامتك درر اتوشح بها وانا اجتر الذكريات وأصالة اهلنا .. يا سلام أتمنى أن أكون عند حسن ظنك .. اخوي ابنعوف .. تعرف اسمك ده ( إبنعوف ) في الشمال .. رمز للبطولة والفروسية مش فروسية زول شال اليه سلاح وعمل غارة ( لا حاشا لله ) فروسية ورمز للرجل الذي كان ينتصر على القوة الغاشمة وهنا الرمزية ( للتمساح ) فمن يصارع هذا الحوش الكاسر كان رمز للخير والشجاعة .. وخاصة ان الجزر الجديدة التي تظهر بعد الفيضان وتسمى بالنوبية ( سوما ) وهناك قرية في الشايقية اسمها ( الزومه او زومي بنغمة اهلنا الشايقية الجميلة ) هذه الجزر لم يكن احد يستطيع الاقتراب منها لأنها كانت مستعمرة للتماسيح وهنا ظهرت رمزية الشجاعة والقوة المسنودة بالحق والمصلحة للدفاع عن الترابلة وابنائهم وحيواناتهم .. هو رمز ( بنعوف ) .. تحياتي ليك وحافظ على توارث هذا الاسم الجميل .. وحتى أهلنا النوبيين كانوا يرددون الاشعار المنسوبة الى ابنعوف ( رغم انهم من غير الناطقين ) واذكر منها : الليله ابنعوف جاييك من وين .. ظهر في كرمة صليت وعصر في كريمي صليت ابوحمد قبل النوم مشيت أحمدالله انا ما ني ندمان احمدالله أنا ما ني صرمان الدهب راقد لي كيمان تاني لك التحية ..
02-19-2013, 10:30 AM
علي عبدالوهاب عثمان علي عبدالوهاب عثمان
تاريخ التسجيل: 01-17-2013
مجموع المشاركات: 12482
اخي ابنعوف سوف نقوم بقراءة استخدام كلمة ( سرسار ) وهي من مراحل الري لدى الترابلة .. لكن بعد هذه المقدمة عن حميد وخليل فرح :
سرسار جدول داخرو العالي كنا غلابة وليل وربابة متلمين فوق قوز ونغني قلنا : الصحراء تبتق غابة حلم قريب ما هو تمني تنسف فجأة القوز دبابة وفينا غنانا يصن فد صني اتجمعت سحابة سحابة
حميد رسم صورة جميلة تكاد تكون متكررة على امتداد ضفاف النيل من حلفا حتى تخوم العاصمة الخرطوم .. وهذه الصورة هي لحاضنة طبيعية تجتمع فيها الناس تلقائياً وخاصة في ليالي الصيف المقمرة .. فتجد معظم الشعراء يتطرقون اليها عفوياً لأنها مستقرة في بؤرة ما في شعورهم الداخلي وهي رمز للانطلاقة والحرية دون عوائق تذكر .. والمقصود بالحاضنة هنا ( قيزان الرمال ) التي تحاذي القرى في مناطقنا و خاصة في الضفة الشرقية من النيل وكذلك في الجزر كترسبات من بقايا الفيضانات .. وتجد هذه الحاضنة حاضرة في معظم قصائد شعراء الشمال .. لأنها كانت تعتبر المتنفس اللامحدود للشباب والشابات ويستحضرها هؤلاء الشعراء كرمز للحرية والانطلاق عندما تضيق عليهم دائرة التسلط ونائبات الدهر ويلهبون ذاكرتهم بتلك الايام التي كانوا يجتمعون فيها بكل براءة ونقاء وتحدها فقط محاذير ومسافات وخطوط قيمية لا يمكن تعديها .. فالشاعر الحقيقي عندما يطلق العنان لمفردة لا يقصد بها النطاق الضيق او المعني المباشر لهذه المفردة ومثال لذلك مفردة (قوز) لدى حميد و( التلال) لدى خليل فرح .. وآخر يتغنى بــ ( رمال حلتنا ) إنما يقصد الشاعر المجال الواسع ويفتح للقاريء المتأمل فضاء ارحب وخيال لا حدود له . وهذه الخاصية جمعت بين العملاقين خليل فرح وحميد وكلاهما من بيئة متشابهة حيث النيل والنخيل والسواقي والليالي المقمرة ويقول خليل : عزة ما نسيت جنــة بلال وملعب الشباب تحت الظلال ونحن كالزهور فوق التلال نتشابي للنجوم وانا ضافر الهلال وهنا يصف الخليل قريته في صاي ( بيرم إكي ) حيث جنائن النخيل ( جنة بلال) وملعب الشباب تحت ظلالها .. وليلاً الى حيث القمر والرمال ( فوق التلال) وهي تلال تحاذي قريته في صاي .. حيث النجوم .. والهلال .. وينطبق نفس الوصف على حميد من خلال ما ورد في قصيدته : سرسار جدول داخرو العالي كنا غلابة وليل وربابة متلمين فوق قوز ونغني قلنا : الصحراء تبتق غابة حلم قريب ما هو تمني تنسف فجأة القوز دبابة وهنا تشابه المكان ومفرداته لدى خليل وحميد .. ( متلمين فوق قوز ونغني ) وايضاً نفس الليالي المقمرة في ( نوري ) كما في ( صاي ) ونوري منطقة ظليلة جداً وكثيفة الجنائن مشابه لوصف خليل (جنة بلال) في صاي .. ونوري ايضاً بها قيزان الرمال عندما تتجه نحو منطقة الغويبة في تجاه اهرامات الكرو .. حيث تجد كثبان الرمال واشجار الدوم .. ومرتع الصبا هنا متشابه وهي لوحة مكررة على طول شاطيء النيل ولا اريد ان ادخل في مقارنة ما بين خليل وحميد ولكن خليل لديه عمق تاريخي وحضارة نوبية يستحضرها بطريقة تدل على ثراء الرمزية في شعره .. فالهلال يدل على الاسلام والنجمة تدل على المسيحية ومن هنا يكون التعبير عند الخليل اعمق .. لأن اختلاف الزمان والحوداث لدى خليل وحميد يجعلهما متشابهان في بعض المحطات .. فخليل الذي شب عن الطوق في مرحلة تكاد تكون اكثر حساسية في تاريخ السودان عند نهاية المهدية وبداية الحكم الثنائي وكأن صافرات بواخر كتشنر التي اختزنها في ذاكرته منذ الطفولة كانت كامنه فيه .. بالاضافة الى الجانب الليبرالي والانطلاق وعدم التقيد المطلق إلا بالثوابت الاخلاقية في البيئة التي نشأ فيها خليل هي التي دفعته الى منعطفات كثيفة الرمزية وغزيرة التأمل .. على عكس حميد الذي نشأ في بيئة تغلب عليها الصوفية امتداداً من جمال اللفظ واللحن في قصائد اولاد الماحي انتهاءاً بطنابير الرواويس.. ومع تشابه البيئة فإن انتقال خليل الى امدرمان وتبنيه لغة الوسط للتعبير عن مكنونه الحضاري جعلت منه اقرب الى القومية لأن العربية تعتبر لغة مكتسبة لدى خليل حتى لو أجادها اكثر من الناطقين بها ..
02-19-2013, 11:24 AM
يحي ابن عوف يحي ابن عوف
تاريخ التسجيل: 05-25-2002
مجموع المشاركات: 6335
الاستاذ علي عبد الوهاب لك مني خالص التحيه كم استمتعت بردكِ الجميل لفت إنتباهي الكلام السمح ده في قصيدة ابراهيم ابنعوف وجود قراءات متنوعة لبعض الابيات ذات المدلول النوبية فى لهجة الشايقية القديمة الواردة في القصيدة
بحلم بيك مافتّى الخاطر يا أريت يبقى الحلم حقيقه ويا أريت الايام تجمغنا .. وفيها نعوض كل دقيقه
يا راجيانى عشان اهديك غنوة ريد فى صوره انيقه وماك متخيله ينضب شعرى ويغرق فكرى فى آهه عميقه وانا ماعدت الزول البفرز .. ما بين النار والتاتيقه دمعه على لوحة احزانها رسمتنى الاقدار بى ضيقه *** لاتلومينى ان ما رسّلت حتى ان كان سطرين فى وريقه لومى متاهة الغربه الفبها .. المنّها ماب تنسلّ طريقه تنشد حالك , وتشرح حال الزول الما لاقيلو وتيقه شوقك , وشوق الوطن الغالى مضروبين فى صدرو بديقه *** وينك منّو , ووينك ليهو , وين آمالو ووين تحقيقه ؟؟!! دايما يعجن فى أوهامو ويبنى , وتتهدم السّرّيقه ! وفكرو يساسق بينك وبينو .. لا ارتاح لا ملّ الساسيقه وكم ابواب فى وجهو انسدت زى ما الرجعه انسدّ طريقه *** وينك لمّا شمسنا تغرّب .. ويصبغ موية نيلنا بريقه ولمّا الموجه تعانق الضفه وفى تحنان يغسلا رشّيقه وافضل اتابع السرب الآيب فى نظراتك , والحدّيقه وفجأه تشع من ثغرك بسمه تأسر قلبى وروحى تشيقه*** راجع ليك يابت عنديه , دخلت قلبى فى ساعة ضيقه وحلفت ما تمرق بى هينى واتعزفت جوّاى مزيقه وشالوا النّمه معاها ترابلى متهكرين فى ضل كلّيقه تكّنوا جوف الليل الكافر شان الصبح تشب قارسيقه *** راجع ليك يابت ريفيه .. بتخفى سماحتا فى تاويقه لا عارض يمنع مسرايا ولا الايام خطواتى تعيقه راجع ليك رجوع النسمه .. القالدى الحقل صفيقه صفيقه وكان الناس عن دربى اتخلو .. انتى التمشى معايا رفيقه
02-19-2013, 12:05 PM
علي عبدالوهاب عثمان علي عبدالوهاب عثمان
تاريخ التسجيل: 01-17-2013
مجموع المشاركات: 12482
اخي بنعوف .. لقد أوردت مفردات حتى في نوبية انقرضت تماماً ( كلي ، تاتي ، ساساي ، سري .. الخ ) بالمناسبة نريد بحث جاد جداً لارجاع بعض المفردات النوبية من بطون العامية بمختلف انواعها وخاصة لدى الشايقية ..
هنا مفردة وردت في قصيدتك واردها حميد ايضاً .. وقد علقت عليها كثيراً وخاصة في شطر بيت يقول فيه حميد ( أمانة ما بتاق ) وهي كلمة بتاق وشرحها مذكور في مداخلة سابقة .. أصل الكلمة بالنوبية (بودي) .. وفي قصيدتك اضفت اليها ( اانغمة يق .. فاصحبت بوديق ) ولكن من أجمل جماليات المفردات النوبية أنها تقبل التصريف في الوصف والبلاغة وصيغ المبالغة .. فقد ذكرت في قصيدتك ( في صدور بوديقه .. ) أو في نمو مضطرد ... وحميد أراد ان يبالغ كثيراً في درجة نمو هذا البرعم الاخضر أو النبتة .. فقال ( أمانة ما بوتاق ) وأدخل فيها المبالغة لأن حميد في تلك القصيدة كان في حالة غضب مما يجري في الوطن ودرجة الانفعال لديه كانت عاليه .. وكلا المفردتين مشتقة من ( بودي ) وهي رمزية النمو وزيادة في الحجم والطول .. كناية عن عدم الموت ورمزية البقاء ..
دايما يعجن فى أوهامو ويبنى , وتتهدم ( السّرّيقه )
وهنا الشاعر يشعر بقمة اليأس ويشبه ذلك بالشخص الذي يتعب ويعجن ويخلط الطين ويخمره لمدة ايام ( شبه ذلك بالاوهام ) ثم يبني به ( سريقه ) وفي النوبية ( سري بشدة وفتحة على حرف السين) ثم ينهار ما بناه في لحظة لأن ( السريقه ) هي تلك الطبقة التي يبنيها ( اسطى الجالوص) وتكون بصفة يومية حتى تجف كاملاً وتأتي الثانية عليها .. إلى ان يكتمل المبنى وبما أن البناء في الاساس من ثقافة المجتمع الزراعي فكان النوبة هم أول من أدخلوا بناء الطين وفي تاريخ بعيد جداً ولم يذكر احدنا أن كان هناك منازل من القش .. ماعدا استراحات السواقي وهي ( كيري او ما ذكرته في قصيدتك كليقه .. ) فجاءت كل مصطلحات البيوت الطينية ( دونكا .. اسمون .. ساديب ) وحتى نوافذها وابوابها ( الكوبد ، الضقل ، الدكة ... الخ ) كلها بمفردات نوبية .. وحتى ادوات البناء ( كنجال ) وهي التي تنقل بها الطين وتضع في أكوام .. شكراً .. ابنعوف ونعود الى حميد في المداخلة القادمة ..
آسف للاخطاء آإملائية لأنني اكتب من المكتب وبعدين كفيلنا مركب كاميرا عشان شباب الفيس البوك المعانا في المكتب ..
في مداخلتك الأخيرة ، استوقفني توضيحك لبعض المفردات النوبية، وأواصل هنا القاء الضوء على المفردات النوبية في شعر حميد ، ومنها مفردة (التساب ) وتعني الفيضان أو الدميرة، والملاحظ في شعر حميد أنه يصر على استخدام كلمة التساب بدلا من الفيضان او الدميرة، ربما لشعوره بأن هذا المصطلح أصدق وصفا للفيضان ، فالدميرة ليست مجرد فيضان، فهي كأنها متنفس للنهر الهائج ، وبالضرورة لا يكون هذا المتنفس ذا رائحة طيبة، لأن الفيضان ليس مثل سقوط المطر على التراب، الفيضان (التساب) يجرف معه كل مخلفات الوادي ، بينما يولد وقع المطر على الأرض عطرا مميزا ودعاشا طيب الرائحة، والتساب كلمة نوبية بحتة غير أن بعض النوبة قد ينطقها بالطاء فيقولون (طوسي) وهنالك الفنان القدير في مشو (طوسي) وفي الزورات عائلة كريمة باسم (توسه) وكلها بمعنى الدميرة، تأملوا معي الأبيات التالية التي ربط فيها حميد بين رائحة (التساب) وعرق الرواوويس، وكل من خبر(المراكبية) لا تخفى عليه تلك العلاقة بين رائحة المراكبية والدميرة، تأملوا معى هذا المقطع من قصيدة حميد (السرة بت عوض الكريم))
وكان الوكت زالَف عصر عين الشمش مشدوهة بي دوْشَة سحاب عرَق المراكبيِّة البعاد راحِل معَ ريحة التساب ما تدري مارقِة من البيوت الحلِّة ولاّ من التراب !؟ التاس تقول مدقُوقَة طالعِة على الحُقاب مفلوقة بي حجر الصعاب نازلِة على البحر مشروقة بي موية السراب
وفي نفس القصيدة يستخدم مفردة نوبية غاية في الروعة وهي " الأشكدي" ، هكذا ننطقها نحن بضم الألف وتشديد الدال ، والبعض ينطقها (أشكندي) بنون زائدة، والأشكدي هو الورم الذي يظهر في بعض أجزاء الجسم وخاصة في الابط نتيجة لوجود جرح غائر في مكان ما، فالأشكدي اذن هو نتيجة انفعال الجسم أو تداعيه، يقول حميد
وإنشرَّ من نشر الحجاب في عروقَه أشكدِّي الخراب ؟! من بعدِ ما انبلج الفرج من ضِْيقتا خدعوها بي حيلة كتاب رفعوهو فوق سِن الحراب ودهت الهزائم خِلْقَتا فالناس بدَل عن نِقَّتا التلقى فكَّة ريقتا وبدل القصور الفي الخيال التبقى ماهلِة كِرِْيرْقَتَا !! وما جاتَه راحةً طَلَقَتا إلاَّ التعمِّر طَلْقَته في بندقيةً حقَّتا وبي ها الشوارع وبقَّتا تنسدَّ منَّك دقَّتا
وتراه يستخدم كلمة (الكري) بعد تعريبها وتصغيرها لتصبح (كريريقتها) والكرقه هي السقيفة المعروشة بسعف النخيل ، واذا تأملت عزيزي القاريء في المقاطع التي ذكرتها تجد أن الكلمات النوبية المستخدمة فيها وهي (التساب، أشكدي، وكريرقتا) هي التي أضفت على النص بعدا آخر وعمقا ما كان ليتأتى للشاعر لو انه استخدم الكلمات البديلة لها في العربية أو في أي لغة أخرى.
وفي قصيدته (يا مطر عز الحريق) التي تغنى مصطفى سيد أحمد - رحمه الله- بمقاطع منها فقط ، نجد أروع استخدام واجمل تناول للكثر من المفردات النوبية، وتحديدا كلمتي (التلكى) و(الكركي) وقد تناولت معنى التلكي في مداخلة سابقة ، لكنه في هذه القصيدة يكمل بهما حلاوة حرف الروي وجمال القافية، يقول
لا سراب الصحراء موية .. لا حجار سلوم موائد إنتي في الغابة اليصارع .. جوفو للآهات تلكي يا مدفق غيم رجاهو .. لكن الأيام كركي
فالجوف الذي أصبح منصة لتقطيع الآهات، والأيام التي أصبحت (كروكيا) يبتلع كل ما يمكن أن يرفد به غيم الأمنيات، صورة جميلة تستمد حلاوتها من عمق معاني هاتين العبارتين النوبيتين . لقد تجاوز حميد كثيرا عقبة الهوية التي كانت هي شاغل أصحاب الغابة والصحراء، لأن حميد منذ وقت مبكر كان قد حدد هويته بشكل قاطع، فالشاعر محمد المكي ابراهيم احتار كيف يرمم الجزء الأكبر من قضية الهوية لأنه رأى الخلاسية في قصيدته (بعض الرحيق أنا والبرتقالة أنت) رآها بعض نوبية ، وبعض عربية، ومحمد عبد الحى في العودة الى سنار لم يستطع دمج اللغة التي يتغنى بها في اللغة التي يصلى بها في قوله أغني بلسان واصلي بلسان
لأن الغناء هو الموروث منذ القدم ولغة الصلاة جاءت مع العرب المهاجرين ، واسماعيل حسن تجاوز كل المكونات ليجعل هويته (عرب ممزوجة بى دم الزنوج الحارة ديل أهلى) ، حميد هو الذي ارتاح الى هويته بقوله (يا بت النوبة العربية، ويا بت العرب النوبية) هي وحدة لا انفصام لها، وهوية متكونة من هذا الاندماج والانصهار التام، هذه الهوية الناتجة من مكونات عريقة لم يفقد أي مكون منها خصائصه ومميزاته، هوية حميد اذن خلاصة لأجمل ما في هذه المكونات، ولقد تابعنا من خلال قراءاتنا السابقة أن هويته لم تكن تنظيرا فقط، بل ممارسة فعلية عندما يستخدم الكلمات النوبية وبنفس دلالاتها ومعانيها وطرق استخدامها باعتبارها لغته هو وليست لغة مكتسبة، يصوغها في قالب عربي رصين لأن العربية أيضا هي لغته . اذا فهم الناس ماذا فعل حميد لأدركوا جيدا الهوية السودانية الحقيقية التي تجعل الانسان يحلم بالغد المأمول (يا بت بتحلم بى باكر) .. ونواصل
سيف الدين عيسى مختار
02-19-2013, 04:19 PM
سيف الدين عيسى مختار سيف الدين عيسى مختار
تاريخ التسجيل: 03-02-2007
مجموع المشاركات: 1364
في مداخلتك الأخيرة ، استوقفني توضيحك لبعض المفردات النوبية، وأواصل هنا القاء الضوء على المفردات النوبية في شعر حميد ، ومنها مفردة (التساب ) وتعني الفيضان أو الدميرة، والملاحظ في شعر حميد أنه يصر على استخدام كلمة التساب بدلا من الفيضان او الدميرة، ربما لشعوره بأن هذا المصطلح أصدق وصفا للفيضان ، فالدميرة ليست مجرد فيضان، فهي كأنها متنفس للنهر الهائج ، وبالضرورة لا يكون هذا المتنفس ذا رائحة طيبة، لأن الفيضان ليس مثل سقوط المطر على التراب، الفيضان (التساب) يجرف معه كل مخلفات الوادي ، بينما يولد وقع المطر على الأرض عطرا مميزا ودعاشا طيب الرائحة، والتساب كلمة نوبية بحتة غير أن بعض النوبة قد ينطقها بالطاء فيقولون (طوسي) وهنالك الفنان القدير في مشو (طوسي) وفي الزورات عائلة كريمة باسم (توسه) وكلها بمعنى الدميرة، تأملوا معي الأبيات التالية التي ربط فيها حميد بين رائحة (التساب) وعرق الرواوويس، وكل من خبر(المراكبية) لا تخفى عليه تلك العلاقة بين رائحة المراكبية والدميرة، تأملوا معى هذا المقطع من قصيدة حميد (السرة بت عوض الكريم))
وكان الوكت زالَف عصر عين الشمش مشدوهة بي دوْشَة سحاب عرَق المراكبيِّة البعاد راحِل معَ ريحة التساب ما تدري مارقِة من البيوت الحلِّة ولاّ من التراب !؟ التاس تقول مدقُوقَة طالعِة على الحُقاب مفلوقة بي حجر الصعاب نازلِة على البحر مشروقة بي موية السراب
وفي نفس القصيدة يستخدم مفردة نوبية غاية في الروعة وهي " الأشكدي" ، هكذا ننطقها نحن بضم الألف وتشديد الدال ، والبعض ينطقها (أشكندي) بنون زائدة، والأشكدي هو الورم الذي يظهر في بعض أجزاء الجسم وخاصة في الابط نتيجة لوجود جرح غائر في مكان ما، فالأشكدي اذن هو نتيجة انفعال الجسم أو تداعيه، يقول حميد
وإنشرَّ من نشر الحجاب في عروقَه أشكدِّي الخراب ؟! من بعدِ ما انبلج الفرج من ضِْيقتا خدعوها بي حيلة كتاب رفعوهو فوق سِن الحراب ودهت الهزائم خِلْقَتا فالناس بدَل عن نِقَّتا التلقى فكَّة ريقتا وبدل القصور الفي الخيال التبقى ماهلِة كِرِْيرْقَتَا !! وما جاتَه راحةً طَلَقَتا إلاَّ التعمِّر طَلْقَته في بندقيةً حقَّتا وبي ها الشوارع وبقَّتا تنسدَّ منَّك دقَّتا
وتراه يستخدم كلمة (الكري) بعد تعريبها وتصغيرها لتصبح (كريريقتها) والكرقه هي السقيفة المعروشة بسعف النخيل ، واذا تأملت عزيزي القاريء في المقاطع التي ذكرتها تجد أن الكلمات النوبية المستخدمة فيها وهي (التساب، أشكدي، وكريرقتا) هي التي أضفت على النص بعدا آخر وعمقا ما كان ليتأتى للشاعر لو انه استخدم الكلمات البديلة لها في العربية أو في أي لغة أخرى.
وفي قصيدته (يا مطر عز الحريق) التي تغنى مصطفى سيد أحمد - رحمه الله- بمقاطع منها فقط ، نجد أروع استخدام واجمل تناول للكثر من المفردات النوبية، وتحديدا كلمتي (التلكى) و(الكركي) وقد تناولت معنى التلكي في مداخلة سابقة ، لكنه في هذه القصيدة يكمل بهما حلاوة حرف الروي وجمال القافية، يقول
لا سراب الصحراء موية .. لا حجار سلوم موائد إنتي في الغابة اليصارع .. جوفو للآهات تلكي يا مدفق غيم رجاهو .. لكن الأيام كركي
فالجوف الذي أصبح منصة لتقطيع الآهات، والأيام التي أصبحت (كروكيا) يبتلع كل ما يمكن أن يرفد به غيم الأمنيات، صورة جميلة تستمد حلاوتها من عمق معاني هاتين العبارتين النوبيتين . لقد تجاوز حميد كثيرا عقبة الهوية التي كانت هي شاغل أصحاب الغابة والصحراء، لأن حميد منذ وقت مبكر كان قد حدد هويته بشكل قاطع، فالشاعر محمد المكي ابراهيم احتار كيف يرمم الجزء الأكبر من قضية الهوية لأنه رأى الخلاسية في قصيدته (بعض الرحيق أنا والبرتقالة أنت) رآها بعض نوبية ، وبعض عربية، ومحمد عبد الحى في العودة الى سنار لم يستطع دمج اللغة التي يتغنى بها في اللغة التي يصلى بها في قوله أغني بلسان واصلي بلسان
لأن الغناء هو الموروث منذ القدم ولغة الصلاة جاءت مع العرب المهاجرين ، واسماعيل حسن تجاوز كل المكونات ليجعل هويته (عرب ممزوجة بى دم الزنوج الحارة ديل أهلى) ، حميد هو الذي ارتاح الى هويته بقوله (يا بت النوبة العربية، ويا بت العرب النوبية) هي وحدة لا انفصام لها، وهوية متكونة من هذا الاندماج والانصهار التام، هذه الهوية الناتجة من مكونات عريقة لم يفقد أي مكون منها خصائصه ومميزاته، هوية حميد اذن خلاصة لأجمل ما في هذه المكونات، ولقد تابعنا من خلال قراءاتنا السابقة أن هويته لم تكن تنظيرا فقط، بل ممارسة فعلية عندما يستخدم الكلمات النوبية وبنفس دلالاتها ومعانيها وطرق استخدامها باعتبارها لغته هو وليست لغة مكتسبة، يصوغها في قالب عربي رصين لأن العربية أيضا هي لغته . اذا فهم الناس ماذا فعل حميد لأدركوا جيدا الهوية السودانية الحقيقية التي تجعل الانسان يحلم بالغد المأمول (يا بت بتحلم بى باكر) .. ونواصل
سيف الدين عيسى مختار
02-19-2013, 04:54 PM
علي عبدالوهاب عثمان علي عبدالوهاب عثمان
تاريخ التسجيل: 01-17-2013
مجموع المشاركات: 12482
حميد كأن اكثر استخداماً لبيئته المحلية التي تسمح له بإستخدام مفردات وادوات اكثر ولكن خليل كان أكثر تأملاً .. أما عن رمزية خليل فكانت في تضاد مع المستعمر وقد عايشه في حياته اليومية من خلال مديره الانجليزي في مكان العمل .. ورمزية حميد دائماً في تضاد مع الحكم الديكتاتوري الذي ربما يحد نوعاً ما من انطلاق بعض افكاره الى مساحات أوسع ولكن الكبت وعدم الحرية كانت مساحتها اكبر لدى خليل .. لذا فإن الرمزية عند خليل اعمق كما في ( عزة ) وليست بذلك العمق والمدلول في قصيدة حميد ( نورة ) واحسب ان حميد عندما كتب تلك الرمزية (نورة) كان قد تقمص خليل عزة .. فكلاهما يشبه الوطن برمزية المؤنث ففي الطبيعة ومحركاتها فإن الانثى قوة جبارة لذا تجد ان كل القوى التدميرية الطبيعية في الكون تحمل صفة الانوثة مثال الرياح المدمرة تسمى بأسماء الانثي ( هيلين وكاثرين .. الخ ) فكلاهما تعمق في هذه المعطيات الكونية فالأنثي هي الجمال والدلال والتضحية والرقة وأيضا هي الانتقام والفتك .. وبالنسبة لحميد ربما جبروت الحاكم الوطني اخف وطأة من ذلك المستعمر الذي لا تجد له أي عذر او مخرج مقنع . فأمنيات خليل كانت ذات مدلول معنوي وتميل الى القيم الاخلاقية الغير ملموسة ( نشابي للنجوم وانا ضافر الهلال ) هو السعي الى كمال القيم فبعد استظل بالهلال ويرمزالى الاسلام أراد ان يأتي بالمكارم والقيم الموروثه حتى اذا كانت بعيده المنال وفي مستوى النجوم وهي منتهى خط الرؤيا للبشر بالعين المجردة من خلال هذا الكون المحسوس اللامتناهي .. ونرجع للقراءة عن احلام حميد : متلمين فوق قوز ونغني قلنا : الصحراء تبتق غابة حلم قريب ما هو تمني تنسف فجأة القوز دبابة حميد هنا اكثر واقعي ويمكن تحقيق مراده اذا كانت رمزية او حقيقية (الصحراء تبتق غابة ) وتبتق كلمة نوبية بمعنى تنمو وقد استخدام كلمة تبتق لأنها اكثر تعبيراً عبارة تنمو وكأن حميد يسمع صوت نمو البراعم وتفتح الاوارق فقد أعطى كلمة ( تبتق) تنغيماً مموسقاً يرمز إلى ذلك النمو وفي خاطره بعض المصطلحات التي نادى بها الشعراء والكتاب في مرحلة عن (الغابة والصحراء ) والعروبة والزنوجة .. ونهاية التاريخ لدى حميد ان تبتق صحراء غابةً ويكون الحل النهائي للوطن ولكن حدث العكس .. بقيت صحراء كما هي وزحفت الغابة وأنكفأت على نفسها وبدأ الصراع الحقيقي بينهما كل يريد احتواء الاخر .. والخيار الآخر أنه يريد ان يحول صحراء حياته ويقصد الكبت وعدم الانطلاق مجسدة في ( الديكتاتورية ) الى حرية الغابة الخضراء والى حياة مملؤة بالحركة والخير والنماء والانطلاقة وامنيته دائماً ما تكون نهايتها دبابة .. وهي رمزية القوة القاهرة ويسدل الستار على هذا الحلم بنهاية غير سعيدة .. ويعود يحلم من جديد في دائرة لن تتوقف معطياتها . لأنه شبه الاحزاب كمن يلاوي (اللبق) فيخسر الماء والخير والرخاء .. وكلاهما خليل وحميد اختار المكان ممثلاً في قيزان الرمال التي تقع بجوار القرى في شمال يرتادها الشباب في الليالي المقمرة .. ولا فرق بين نوري مهد طفولة حميد .. وصاي مهد طفولة الخليل .. نوري تتوسد التاريخ والاهرامات وصاي كذلك ..
02-20-2013, 09:00 AM
علي عبدالوهاب عثمان علي عبدالوهاب عثمان
تاريخ التسجيل: 01-17-2013
مجموع المشاركات: 12482
في هذا المقطع من قصيدة وصل حميد قمة الابداع الشعري .. وخاصة في إستخدامه للفظ ( سرسار ) .. صدقوني لم أكن أتخيل ان أجد شخصاً يأتي بمثل هذا الكلام .. وحقيقة فإن الابداع يأتي من حرم المعاناة .. وسوف يكون محور مداخلتي كلمة واحدة هي ( ســــــــــــــــــــــر ســـــــــــــــــار ) من فضلكم أعيدوا قراءة حميد ..
02-20-2013, 09:01 AM
علي عبدالوهاب عثمان علي عبدالوهاب عثمان
تاريخ التسجيل: 01-17-2013
مجموع المشاركات: 12482
وتترجاها تعالي ... تعالي أول ما هي بدت عينيها استعجلت مشيت طوالي كوركنالك ... يا الله سبعة أيام في سبعة ليالي رجع الصوت النازف آه سرسار جدول داخرو العالي كنا غلابة وليل وربابة
من بداية القصيدة يبدو ان المخاطب او المنادى بعبارات ( تعالي .. تعالي ) هي رمزية الوطن .. فللشعراء اوطان خاصة بهم حتى اذا كانوا يقصدون الوطن المعتاد إلا ان تصورهم للوطن يختلف كثيراً عن تصور الانسان العادي .. كما أن الاسلوب الاثنوي لمخاطبة الوطن فيه نوع من الرمزية الجمالية ومثال ذلك اشعار خليل فرح .. لأن هذه الرمزية تثري جمال التعبير ويدخل بها الشاعر الى عالم لا حدود له من الروعة والجمال على عكس الذكورة فإن نطاق الجمال فيه محدود والمغالاة فيه يعتبر ابتذال وخروج معيب لا يقبله الواقع الاجتماعي بالاضافة الى القوة الكامنة في الانوثة والصبر والجلد .. فالذكر دائماً فيه استقامة الشكل وليس فيه نتوءات او جبال او ديان او سهول على عكس الانثى التي تتمتع بكل هذه المعطيات كلوحة الهية جميلة ابدع فيها الخالق وهكذا الوطن كلما تنوع ارضها ومناخها وبشرها .. وحميد هنا ينادي عليها ويترجاها .. تعالي .. تعالي .. الى أن جاء الرد ..
(رجع الصوت النازف آه .. سرسار جدول داخرو العالي .. )
بعد رجاء وطول ايام وليالي رجع الصوت ولكنه نازف يتبعه آهات .. وشبه هذا الصوت بعبارة ( سرسار جدول ) وكلمة سرسار هي كلمة نوبية ضمن مصطلحات النشاط الزراعي وتعني المياه التي تجري في الجدول ببطء شديد لأن الماء في المصدر الرئيسي يكون قليلاً او هناك من يعترض هذا السريان .. وسرسار يعني احد مراحل الضعف في جريان الماء .. واصل الكلمة كانت مستخدمة في السواقي في ذلك العهد البعيد .. وعندما انحسرت السواقي وعندما ظهرت المشاريع الحكومية والتعاونية انتقلت الكلمة بنفس المعني والممارسة الى هذه المشاريع كموروث واصطلاح لتنظيم ادارة الزراعة وتوزيع المياه بالتساوي بين المزارعين .. وفي النظام الزراعي تكون ايام الري مقسمة بين بطريقة تراعي المحصول الرئيسي ( الذرة القمح الفول .. ) وباقي الزرع كما الخضروات وغيرها هي من مسئولية المزارع وتكون السقاية للمحاصيل الرئيسية فقط .. وتحدد ايام معينة لهذه السقاية او الري وتحول المياه كل فترة الى جهة المعنية من المزرعة واقصد هنا مياه الري الرئيسي .. ولكن هناك بواقي للمياه في الجدول الكبير تكون راكدة او ساكنة لضعف الدفع لأن قوة الدفع محولة الى مناطق اخرى .. وهنا يقوم المزارع بفتح ( اللبق ) الى الجدول الفرعي ثم الى مزرعته ويكون جريان الماء ضعيف جداً ويحدث صوت ضعيف (سر ... سر ...سر ) بكسر السين .. فجاء اسم ( سرسار ) من هذا الصوت .. وهذا الصوت يكون احياناً اقرب الى صوت صغار ( الفئران ) .. ونتيجة لضعف ووهن ( السرسار ) فإن يرقات الضفداع يمكن أن تسبح عكسها كما العناكب يمكنها ان تسير عليها بل وعكس اتجاهها .. ولكن اجمل ما فيها هي النغمة التي تصدر منها عندما تتجمع خلف حاجز وتناسب من فوقه وهذا ماشبهه شاعرنا حميد بصورة لن تجده الا عند هذا العبقري عندما قال ( داخرو العالي ) .. وهذا ( الصوت النازف آه ) صوت الوطن الضعيف الواهن يشبهه الشاعر بصوت السرسار الذي يعتلي الحاجز ويفقد قوته وينساب ببطء ووهن وضعف وكأنه ينزف من جرح .. التشبيه فيه ايغال وعمق وصورة لا يمكن ان يتخيله إلا من تربال نشأ وترعرع في بيئة كانت مهيأة لسكان مناطقنا في ذلك الزمان ولأن المعطيات بالنسبة للاطفال والشباب كانت محدودة وفي نطاق نشاط الزراعي ومكوناته فقد عرف شاعرنا هذه التفاصيل الدقيقة التي لا يعلم بها إلا من عايشها وعرفها ومارسها ومن ثم بدأ يستحضرها في قالب جمالي ويسقطها على الحالة بصورة دقيقة ربما لا يفهمها إلا من سبر غورها وعايشها مكاناً وممارسة ..
02-20-2013, 06:35 PM
علي عبدالوهاب عثمان علي عبدالوهاب عثمان
تاريخ التسجيل: 01-17-2013
مجموع المشاركات: 12482
مازلنا في مع روائع حميد .. وتدور خاطرة اليوم حول كلمة ( تكربت ) وجاءت الكلمة خلال هذه الابيات :
بين سكات القرية أفتش .. بين هضاريب المدائن يا نسيماتاً تكربت .. شايلة أشواق الجنائن لي جديول حلقو ناشف .. أو عَرَق تربال يكادن في وشي الأفراح بفتش .. بين قفا اللحظات أعاين بين سواقير الفقارى .. الجاية من تالا المدافن
كلما تعمقت في عالم حميد اكتشفت المثير والعجيب وكأن هذا الرجل اختصر قروناً من المعرفة في سنوات معدودة من عمره المحدود .. كيف اتيح لهذا الجميل ان يعايش هذه الكمية من المفردات التراثية الصعبة والتي انقرضت حتى من معاجم ترابلة هذا الزمان إلا في بعض اماكن النائية المعزولة مثل الجزر .. وهذا لعمري هو بيت القصيد وهو الهدف النبيل في قراءة هذا الشاعر الذي لم يأتي مثله في عموم شعراء السودان .. و حميد يقذف بالكلمة برمزية فيها عمق يمكن ان تسود بها عشرات الصفحات حتى تصل للغاية التي يمكن ان يقصدها الشاعر كما قال ابوطيب ( انام ملء جفوني عن شورادها ويسهر الخلق جراها ويختصم) ولكن حميد لا يأتي بالشوارد بل يأتي بالثوابت من داخل الحضارة الزراعية المترعة القيم والمعاني التي اثرت الانسانية جمعاء وقد تجسدت على ضفاف النيل . الحقيقة يسطيع أحداً ان يتجاهلها لجمالها ودقة مدلولها ..
وهنا يقول حميد :
يا نسيماتاً تكربت .. شايلة أشواق الجنائن
في يوم من الايام كنا في مجلس لا يختلف عن ليالي البوقانة في الجزر وذلك منتصف السبعينات وكان معنا احد ابناء البشاريه صاحب صوت شجي فامطرنا بوابل من دوبيت .. وكان بالقرب مني خالي عبدالصادق الذي كان يدعي ان له باعاً في هذا النوع من الفن رغم انه لا يجيد من العربية إلا القليل جداً .. فغمغم وتنحنح وأصلح حنجرته وقام بالتعقيب او الرد على هذا البشاري الرائع .. فقال عبدالصادق : ( كربت .. كربت .. يا جمل .. لا تفرتق الدراب ) وضحكت بأعلى صوتي ولكن ذلك البشاري الجميل شرح لي هذه العبارة وهي ان (كربت) هي مشية للجمال والابل دون اثارة الغبار او التراب وتعمقت في المعنى ووجدت انها جاءت من الكلمة النوبية ( كرربي ) وهي ان تبحث داخل التربة عن شيء ضائع وغالباً ما يكون صغير الحجم ويتطلب ان يكون البحث بطرف الاصابع دون التعمق وهي العملية التي كنا نقوم بها عندما تضيع منا عملة معدنية ونقوم بعملية ( كرربي ) وهي ان تبحث الشيء في سطح التربة دون التعمق واثارة التراب وبسرية تامة لأن اثارة الغبار معناه أن يأتي الآخر من الاطفال وربما تفقد ما كنت تبحث عنه بإختلاس او سرقة كانت لا تخلو منها شقاوة الصغار .. وهنا نرجع لحميد مرة اخرى :
يا نسيماتاً تكربت .. شايلة أشواق الجنائن
وهنا نرى كيف خاطب حميد هذه النسمة الهادئة الجميلة وهي تكربت او تهب بكل هدوء وطمأنينة دون اثارة الغبار وتحمل معها اشواق الجنائن وأجزم هنا اذا سؤل حميد عن الجناين لاجاب انها جنائن النخيل .. واشواقها هي في رائحة لقاحاتها وسعفها الاخضر الناضر .. وهذه النسمة تكربت حتى لا تحمل معها بعض ما يكون في الجنائن من بقايا الحمير والاغنام التي تستظل بأشجار النخيل وبهذه الطريقة تكون نسمه خاليه من أي عوالق تزعج هذا التربال الرائع ولتدخل النسمة بعبق الجنائن الى انفه وفمه وعيونه ولكن بدون تلك المنغصات من بقايا الحيوانات .. كان يمكن لحميد ان يستخدم أي كلمة اخرى سهلة التناول وكثيرة التداول ولكن فضل أن يحدد نوع الحركة والممارسة يشاعرية عميقة وجاء بكلام لا يفنى عجائبه وسوف يبقى شعر حميد مرجعية للكلمات ومدلولات النوبية التي استخدمها حميد من خلال العربية المنغمة بطريقة لا يمكن ان تتكرر مرة اخرى وهكذا جاءت في صالح احياء القيم النوبية والمأصلة على امتداد هذا البلد الجميل ..
02-24-2013, 02:03 PM
علي عبدالوهاب عثمان علي عبدالوهاب عثمان
تاريخ التسجيل: 01-17-2013
مجموع المشاركات: 12482
اخوي محمد طه ( عبر الفيسبوك ) آسف للتأخير على الرد عليك .. لأن القصة متعلقة بالتكنولوجي .. لك التحية وسوف آتي اليك بذكرياتي في نوري .. زمان في السبيعينات .. سوف أحاول ان اجمع ذاكرتي .. لك التحية .. نوري حقيقة اجمل بقعة شاهدتها في حياتي .. ارضاً وبشراً وقيمة .. يا أخي خضرة ورمال وجروف وجنائن فواكه ونخيل واهرامات وغابات الدوم ( ما في حاجة ناقصة ) تحياتي ..
02-25-2013, 09:24 AM
علي عبدالوهاب عثمان علي عبدالوهاب عثمان
تاريخ التسجيل: 01-17-2013
مجموع المشاركات: 12482
من الفيسبوك ابوعيسى صابر .. شكراً على هذا الكلام الجميل .. وسوف اتابع قراءة نوبية عن حميد حتى يصبح كتاباً .. حميد شاعر عجيب وأنا مصر أنه حميد لن يتكرر .. حميد فوق الموهبة .. والشاعرية .. كل هذه الصفحات كتبتها لشرح لشرح بعض القلة القليلة من الرموز .. لك التحية
02-27-2013, 07:35 AM
علي عبدالوهاب عثمان علي عبدالوهاب عثمان
تاريخ التسجيل: 01-17-2013
مجموع المشاركات: 12482
لي جديول حلقو ناشف .. أو عَرَق تربال يكادن في وشي الأفراح بفتش .. بين قفا اللحظات أعاين بين سواقير الفقارى .. الجاية من تالا المدافن مرة طال الليل عليّ .. ووصلت الآهات مداها ..
لي جديول حلقو ناشف .. أو عَرَق تربال يكادن
وهذه النسمة ( تكربت ) نحو ( جديول حلقو ناشف ) وحميد بعد وصف النسمة وطريقة تحركها ( تكرتب ) وهي الحركة بدون اثارة الغبار .. ويستجديها لتكون وجهة نحو ذلك الجدول الجاف وكإيغال في وصف الألم والمعاناة كان أن استعار للجدول ( حلقاً ) وكلنا يعلم ما هو جفاف الحلق وكمية الالم الذي يصطحب هذا النوع من الألم وكما وصف في قصيدة سابقة قلة المياه ( بالسرسار ) وهو الصوت الناعم للماء هنا استحفل الامر وجف حلق الجدول ولم يعد ذلك الصوت الجميل الذي يتناهي الى المسامع مع سرسار الجدول .. وجفاف الحلق معناه توقف الابداع وانيساب الصوت وتأمل ان مطرباً شجي الصوت جف حلقه .. كيف سيكون غناءه ؟ وكذلك السواقي .. وربما كانت لهذه نسمة فضل جلب نوع من العزاء لهذا الجدول الناشف وهو رمز لموت الحياة او توقفها .. والجدول هو مشرب الطيور والحشرات والزواحف ويمثل حق اساسي لحياة الكثير من المخلوقات التي لا تستطيع ان ترتاد النيل كمشرب او مورد للمياه ( فهناك الضفادع والطيور وبعض الحشرات التي تصدر الاصوات عندما تتجه نحو الجدول للشرب ) وقد لاحظنا في سواقينا ان هناك سقيا عند المغيب او قبيل الظلام حيث تصدر هذه المخلوقات اصوات مختلفة وغالباً ما تصدر من حافة الجدول او من وسط الحشائش المحاطة به .. وكأنها تستقبل الليل والليل احياناً بداية الحياة للكثير من المخلوقات في السواقي والمزارع فآية ( الليل لباسا) معكوسة عند تلك المخلوقات لحكمة يعلمها الله .. فتعبير حميد ( جديول حلقو ناشف ) هو رمزية للجدب والموت والجفاف ولكن امله فقط في تلك النسمة ..
المداخلة القادمة عن ( تربال يكادن )
02-27-2013, 11:14 PM
بخاري عثمان الامين بخاري عثمان الامين
تاريخ التسجيل: 10-25-2007
مجموع المشاركات: 3456
يا سلام استاذنا الكبير بخاري عثمان وجود امثالك هنا يحفزني الى المزيد
استاذنا بخاري .. حميد ده زول كنز .. لا بد من إعادة قراءة حميد مرات ومرات .. هذه الرموز التي يرمز بها حميد للوطن وهي من مفردات الترابلة ( تعني الكثير ) .. وسوف نواصل مع هذا الرائع ..
هي أتكاءة في زمن ضاع فيه كل شيء
02-28-2013, 08:30 AM
محمد عبد الله حرسم محمد عبد الله حرسم
تاريخ التسجيل: 01-25-2013
مجموع المشاركات: 4492
لي جديول حلقو ناشف .. أو عَرَق تربال يكادن في وشي الأفراح بفتش .. بين قفا اللحظات أعاين بين سواقير الفقارى .. الجاية من تالا المدافن مرة طال الليل عليّ .. ووصلت الآهات مداها
وقد اتى في الشطر الثاني ( او عرق تربال يكادن ) وهنا يكادن ربما جاء من كدُ (اجتهد ) وهي المعاناة في العمل .. ولكن بما ان معاني حميد أعمق وعالم الترابله عنده بلا حدود ويمكن لرموزه ان تتمدد لتتناول كل المعاني والقيم لنشاطات الزراعة وخاصة ذروة المحصول اوالنتيجة النهائية للموسم الطويل وخاصة لفصائل الذرة ( العادية وعيش الريف المكادة) والتي لديها السنابل وجنيها لا تحمل إلا معنى ( كدي ) وهي كلمة مختصرة لجملة طويلة من الوصف إذا لم يكن للشخص معرفة بمصطلحات الزراعة .. وهي كلمة مستخدمة كثيراً كأن يقول مثلاً ( أنا ماشي أكدن الذرة او المكادة وهي الذرة الشامية ) ومعنى كد هو فصل الثمر عن الساق .. وهذه الكلمة لا توجد إلا في النوبية .. لأن مصطلحات جني الثمار هي كلمات عامة غير محددة تختلف بإختلاف نوع المحصول وتحتاج الى تفاصيل طويلة .. والمعروف عن المختصرات والمصطلحات الزراعية تعبر عن العملية بكلمة واحدة موجزة ومحددة لأن التربال لا يحتاج الى ان يشرح كثيراً او يتحدث كثيراً لأن عمله يتطلب الدقة والمحدودية في كل تحركاته .. ( عرق تربال يكادن ) فهو عرق يتصبب من حماس جني المحصول وعرق جني المحصول حتى رائحته لا تزكم .. وشاعرنا يريد بالنسمة ان تتجه الى هذا الذي ( يكادن ) المحصول وهو الاساس لحياة الملايين من البشر .. تماماً كماجاء برمزية حفر الكوديك لتوصيل ماء النيل الى الساقية ثم ذلك الجدول الذي جف حلقه وقد تصرف فيها بمهارة عالية واشتق منها هذه الكلمة المنغمة بطريقة اهلنا الشايقية في استخدام المصطلحات النوبية .. وهي دلالة على روعة اهلنا الشايقية وشاعريتهم وتناغمهم مع طبيعتهم الجميلة
02-28-2013, 10:18 AM
بخاري عثمان الامين بخاري عثمان الامين
تاريخ التسجيل: 10-25-2007
مجموع المشاركات: 3456
االاخ الجميل بخاري .. كلامك اكيد واتفق معك بالعشرة .. لأن العيش تحت أنظمة ثيوقراطية والديكتاتورية احياناً تجعل من الادباء مبدعين وخاصة في مجال استعمال الرموز .. لأن شعر حميد بعد مرحلة النضوج صار أجمل وذو معنى وعمق ورموز .. تماماً مثل خليل فرح عندما ابدع برموزه واوقد نيران الوطنية .. كل المفردات النوبية التي اوردتها هنا فيها تحريض بصورة جمالية خالدة تصلح لكل العصور ولقهر كل ظلم يأتي الى الوطن .. وسوف تبقى هذه القصائد الخالدة .. مما دعاني الى قراءة الكلمات والمدلولات النوبية في شعر حميد وهو عمق هذا الشاعر الذي لن يتكرر .. بصراحة خليل فرح وبعده حميد مباشرة .. أو نقول ( عزة) وبعدها ( نوره ) .. فهنالك كلمات خاصة بمناطق وجهات في بعض الاشعار لا بد من شرحها حتى تنداح المعاني لكل السودان ..
شكراً على الاضافة الجميلة .. ويشرفني كثيراً وجودك في هذا البوست .. وشكراً مليون مرة على إثراء وواصل
لي جديول حلقو ناشف .. أو عَرَق تربال يكادن في وشي الأفراح بفتش .. بين قفا اللحظات أعاين بين سواقير الفقارى .. الجاية من تالا المدافن مرة طال الليل عليّ .. ووصلت الآهات مداها
ونواصل مع حميد : بين سواقير الفقارى .. الجاية من تالا المدافن
واحسب ان سواقير الفقارى .. قد رمز الشاعر الى ( ساقر ) وفي الحقيقة هو ربط الجلابية او في الغالب العراقي من الخارج من فوق الخصر بحبل وبسعف النخيل حول الجسد ( كحزام البنطلون) ثم ينشأ نتيجة لذلك فراغ بين الجسد والثوب يمكن ان يخزن فيه التمر .. ورمز اليه حميد على انه مستودع الفقراء لأن الفقير ليس لديه من الكفاية حتى يخزن في اكياس كبيرة او مقاطف او( قفة أو قوسيبة او مطامير ) .. لأن هؤلاء الفقراء اساساً لا يمتلكون جنائن او نخيل التي يمكن جنيها بتلك الحاويات الكبيرة .. ورابط الساقر هو ( الفقير ) ليس امامه إلا خيار جمع ذلك التمر المتروك بعد الحصاد بين الجريد وصغار السعف لبنات النخلة وهي بقايا تمر الاستقراطية اصحاب الجنائن والضيعات الواسعة .. او ما كان يسمى بالكرامة او الصدقة عند جني كل نخلة .. ولرمزية شدة فقر هؤلاء ربطهم بالمدافن وهي جهة المقابر البعيدة التي وتكون خارج نطاق السواقي والقرى وهي مناطق معزولة ولها هيبة وخوف في نفوس اهلنا .. ولأنهم فقراء بلا اطيان فربما جاءوا من صوب المقابر ..
وكما ذكر شاعر قبله .. وسوف آتي ببعض صورهم بدون ترتيب :- (في مناديل العذاري .. وفي الضل الوقف ما زاد ... وفي احزان عيون الناس ... الخ )
ولكن رمزية حميد هنا .. وهو يبحث عن الوطن .. اكثر مأساة من تلك .. لأن الصورة عنده حزينة جداً تضم في اطارها صورة موغلة للفقر والتهميش ..
03-02-2013, 07:32 AM
علي عبدالوهاب عثمان علي عبدالوهاب عثمان
تاريخ التسجيل: 01-17-2013
مجموع المشاركات: 12482
أول البارح جني يرطنن قالن نحنا الخواجات بسم الله .. مرق حصلت لقيت لك جعفر زارد البيت بالخواجات يبقى حداشر وخواجية ناس البلد الكسرو عليهن صدو يقلِّبو في إيديهن عدمانين من إسم حكيم واللا خبيراً للمشروع علماء آثار .. فضلت في آثار ما خموها الجونا قبلكن .. شن خلولنا بلا حُجّارالله يصرف الخواجات
هذا الحميد لم يترك لنا شيئاً لنفكر فيه .. لقد جسد واقعنا كما هو .. ومنطقة نوري ومروي والبركل .. غنية بآثارات النوبة وهناك اهرامات الكرو .. والكرو كما تعلمون مسمى نوبي ( القمرية ) .. وآثار البركل المعروفة للجميع .. وتمتد حتى البجراوية في منطقة الجعليين .. هنا ابدع حميد في نقل صورة كانت متكررة عندنا ونحن على تخوم الدفوفة في كرمة البلد .. حيث عشرات الزوار الاوربيين ) الخواجات ) السياح والمنقبين عن الاثار .. وهي نفس معطيات حميد في قريته وتتكرر هذه الصورة في قرى النوبة على امتدادها .. رسم حميد ضمن القصيدة لوحة رائعة جداً يتفاعل فيها الناس ( اهل القرية ) مع هؤلاء الاجانب وقد رسم بوضوح تلك الصورة الانطباعية في كل قرانا النوبية عن منقبي الاثار .. حيث كان الناس يعتقدون انهم مجرد بشر انتهازيين جاءوا ليسرقوا الذهب ويتركون الحجارة والاثار .. وأن هؤلاء لهم معرفة بالجن وان سكان هذه الاثارات من الجن وهم الذين يدلونهم الى حيث الذهب وليس للمسلمين حظ في السبيل الى ذلك وهذا فقط حصري للكفار .. وتعريف الكافر كان يطلق على الاوربيون البيض ولا يعتقدون ان هناك زنوج او من السمر تحت هذا ( التعريف ) ..ولكن السؤال ..كيف يتم تحديد ذلك ؟؟ .. وإذا سألت السبب عن اطلاقهم لفظ كافر على هؤلاء .. وبحكم أننا في منطقة كرمة بالشمالية كنا نعيش نفس الافكار حيث عشرات الاوربيين من علماء الاثار .. لذا فإن تعريف لفظ كفار لم يكن اهلنا يقصدون به تارك الصلاة او شارب الخمر فكل هؤلاء النماذج موجودة في المجتمع وربما في كل بيت .. ولكن التعريف لديهم ينحصر في أن هؤلاء يتبولون وهم وقوف وأذكر أننا عندما كنا اطفالاً كنا نعتبر من يتبول واقفاً فيه من صفات الكفار ولا بد ان يعاقب .. وربما تداول اهلنا هذه الممارسة ترسيخاً للقيم والفضائل التي تبعد الشخص عن الحيوان وصفاته وان الجلوس أثناء التبول فيه ستر للعورة .. واذا سألت لماذا تصف هؤلاء بالكفار تأتيك الاجابة بأنهم ( يتبولون وهم وقوف ) ..
وقادم اليكم بنموذج عايشته في قريتنا مع عالم الاثار شارلي بونيه .. متكشف آثار كوش في الدفوفة بكرمة البلد ..
03-02-2013, 01:50 PM
علي عبدالوهاب عثمان علي عبدالوهاب عثمان
تاريخ التسجيل: 01-17-2013
مجموع المشاركات: 12482
من الفيس بوك .. آسف كثير اخي فوزي صالح .. أما ما رديت عليك من البداية .. المشلكة في حتة التكنولوجيا .. وأنا زول تربال بس .. ضعيف في التكنولوجيا .. تحياتي ليك ولناس الأندادي
03-03-2013, 06:08 PM
علي عبدالوهاب عثمان علي عبدالوهاب عثمان
تاريخ التسجيل: 01-17-2013
مجموع المشاركات: 12482
يا سلام .. الله يرحمك يا حميد .. رمزية النخلة عند حميد .. وكان زمان عندنا الزول بدون نخل .. يعني بدون اصل ..
أكثر اجاد وصف النخلة ورمزية النخلة وما لها من وقع في نفوس أهلنا .. كقيمة اجتماعية قبل ان تكون اقتصادية .. سوف نخوص مع حميد في هذه الرمزية ..
حميد إبن بيئته ورموزه واداوته تحتاج الى معرفة ومعايشة حتى لا يتم تأويلها الى مجالات وممارسات آنية .. وجمال شعر حميد أنه لم يكن من نوع الفانتازيا الموغلة في الخيال والاسطورة بعيداً عن الرموز والصور التي يمكن ان يستحضرها القاريء لأن بيئة هؤلاء كانت محدودة وتنحصر في معطيات مثل شوارع وازقة الاحياء في المدن أو نجوم في ليل انقطع عنه الكهرباء او حسناء تتنقل من بيتها الى بيت جارتها .. وفي هذا الاطار المكاني الضيق برع بعض الشعراء وخاصة من يحملون في بؤرة الذاكرة صور ولوحات من جمال الطبيعة وقد برعوا في استحضارها بشعر جزل والعميق أحبه كل الوطن بدون تمييز فكان خليل فرح وحميد واسماعيل حسن وباقي المجموعة القادمون من ارض الحضارات .. وهذا شاعرنا حميد يقول عن النخلة : نص النهار .. عند المغيب .. عز الرياح النخلة تتجاسر تصون عش الطيور البينا .. تفرد للجناح لاحظوا عدد المرات التي كرر فيها الشاعر ( النخلة والرياح ) هذا الصراع الابدي بين تلك توزع الخير والاصالة وتمثل العطاء وبين الرياح وهي جند من جنود الخالق عز وجل ( ريح صرصر عاتية ) .. وهنا رمزية النخلة عند حميد كما رمزية عزة عند خليل فرح .. والنخلة تمثل الاصالة والخير والحق وكل القيم الجميلة والرياح تمثل القوة القاهرة هو صراع ابدي يستقي منه كل من اراد ان يعبر بعمق عن وضعه او اوضاع غيره من المحرومين .. والنخلة ليست كما يعرفها العامة هي شجرة تهدي الثمر والخشب وحتى حطب الحريق وقد اجاد حميد في هذه النقطة فأعيدوا قراءتها مرة اخرى لأنه كما ذكر حتى رماد بقايا النخلة فيها من السماد الذي ينفع البلاد والعباد وهذا تصور لم يسبق احد حميد في ذكره او التأمل فيه .. ولكن كما بدأت الحديث فإن النخلة قيمة وانتماء فالنخيل مثلاً في المزارع الاستثمارية الواسعة لا تمثل لدى أهلنا اي قيمة معنوية واصالة بل هي قيمة مادية رخصية تسخر فيها النخلة وأرى فيها شخصياً نوعاً من العبودية والاستغلال كما كان يسخر البشر .. فمنظر النخلة التجارية والتي ينزع منها بناتها وتكون وحيدة وتسقى بالانابيب والسماد الكيمايائي كمريض في العناية المركزة ..
بالله عليك كيف يكون قلب النخلة وقلبها هو ما يسمى بالدنقلاوية ( قوللي ) وهي مخ النخلة وبها كمية من الغذاء والسكر والحلاوة كنا نتذوقها عندما تقطع النخلة أو تسقط بفعل العمر والتقادم ، فهي على نقيض تلك النخيل التي تتمدد في سماء السواقي وتكون من غرس الجد الاكبر الرابع او الخامس ( اصلها ثابت وفرعها في السماء ) .. او تلك الشتلة اليافعة التي تسقيها ذات الحسن والجمال من مياه النيل بصفيحة على رأسها وتسكب الماء على النخلة برقة وحنان ولضمان صك الانتماء الى الارض كان لدى أهلنا أن النخلة التي كان يتم شراؤها داخل حدود السواقي عن طريق الغرباء كإستثمار لا تعطي زخم الانتماء لصاحبها .. والصورة الاخرى التي رسمها حميد عن النخلة أنها رمز التضحية والفداء فهذه النخلة التي تتجاسر وتقاوم الريح وكأنها في مبارزة وحرب مع موجات الرياح ليست لحماية نفسها ولكنها تتحمل كل هذه الاضرار والانهاك الجسدي من اجل ذلك الآخر .. ليت هذا الآخر كان جسداً او كتلة يمكن حمايتها بسهولة ولكن كل هذا الجهد والعناء الذي يأتي به النخلة هي في سبيل حماية أعشاش طيور التي جاءت لتبنى حياتها بين تلك السعفات ورمزية العش أنها بدايات الحياة ومدلولها هي البيضة التي وضع فيها الخالق سر هذا الكون .. والعش غالباً ما يكون في جزء من النخلة تصعب حمايته من جور الرياح ولكنها تتجاسر ( كما أوردها حميد ) والجسارة هي المرحلة الثبات التي تحمل بشريات وإرهاصات الانتصار .. نعم هكذا هي النخلة جعلها الله تعالى ملاذاً آمناً لكل من استجار بها طلباً للامان الجسدي والمعنوي والمادي .. وقد علمت النخلة انسان المنطقة قيم التضحية والايثار والتي اصبحت من مكونات شخصيته ..
03-10-2013, 08:48 AM
علي عبدالوهاب عثمان علي عبدالوهاب عثمان
تاريخ التسجيل: 01-17-2013
مجموع المشاركات: 12482
في كلام الناس بفتش .. بين عوينات المدارس في صدى آذان المساجد .. ورنة أجراس الكنائس في إندهاشات العذارى .. في إرتعاشات الموامس في بحر فرحان يبشر .. موجو لي جية النوارس الرواويس طمبروك .. وهز بيك في الدارة فارس
في هذه القصيدة ( مناقيش العدالة ) تألق حميد بعفويته المميزة واستخدم كل فنون القصيدة والنظم الجميل .. ففي هذه الابيات التي اخترتها من القصيدة لم يترك حميد اي شريحة من مكونات المجتمع وإلا وتطرق اليها .. وهكذا يكون حب الوطن بدون وقف التنفيذ وبدون حدود أو سقف او اعتبار ديني او حتى سلوكي فالحب الاول للوطن وبعد ان يبقى الوطن نبحث بعد ذلك عن الكمال والسلوك وندمل الجروح ونداوي اثار القروح .. فوطن حميد جمع كل التناقضات مع بعضها وعلى قدم المواساة ومن مبدأ الاولوية للوطن ثم بعد .... فقد اورد ( المدارس والمساجد والكنائس والعذارى والموامس والموج والنوارس والرواويس والفارس ) وتطرق اليها بطريقة التوشيح التي تزين صدر القصيدة .. فهنا يستحضرني وجه الشبه بين حميد والرائع خليل فرح .. فكلاهما تشبع من حضانة فيها قيم التسامح والفضيلة ورقة المعاملة بين البشر في اعماق الشمال مهد الحضارات .. فالرائع خليل فرح يقول في قصيدته عن الوطن (امدرمان ( :
يا جميل يا نور الشقائق أملأ كاسك واصبر دقائق
ثم يسترسل في القصيدة الى ان يأتي الى القداسات الدينية .. وكأنه يقول ان الوطن للجميع ولكل دوره في الحياة .. فيأتي بضريح المهدي :
الضريح الفاح طبيه عابق السلام يا المهدي الامام ..
وهنا جمع خليل بين تلك الخلاسية ( فوز ) والتي فتحت بيتها لهؤلاء الثوار رغم خطورة العاقبة اذا عرف المستعمر بذلك .. حيث كانوا يختبئون فيه تحت ستار تناول المشروب الذي كان يسمح به المستعمر .. ثم جاء بضريح المهدي كإلهام معنوي وقدوة ومثل للنضال وكحافز ورمز .. ولكن القيمة النهائية لدى خليل كما لدى شاعرنا حميد هو الهدف ( الوطن ( .. وهؤلاء من امثال خليل وحميد الوطن عندهم مختلف لا يضيق بأحد إلا من خانه وتعاطف مع المستعمر فأما غير ذلك ففي كل ممارسة مهما كانت فيها عنوان ودليل على حب الوطن والانتماء ( فوز .. والمهدي ) وعند حميد ) المسجد والكنيسة ، العذارى والموامس، والرواويس والفرسان ، والامواج النوارس ) ولدي ملاحظة بسيطة هنا عن ( الرواويس والفرسان ) وجمعهما حميد كمتناقضين .. وهذا يدل على ان حميد تعمق في المجتمع حوله وربما كان يسمع الى حكاوي الكبار ونظرتهم للرواويس وقد كانوا يصنفونهم بأنهم غير جادين في الحياة نسبة لعدم اجادتهم للزراعة والاعمال الشاقة وانهم متفرغون للهو والغناء والعزف والتشبب بالنساء .. لأنها كانت مهنة من لا يجيد الزراعة .. على عكس الفارس وهو رمز لاخو البنات ليس في القتال والفتك كما يتخيله البعض ولكن بمفهوم اهلنا في الشمال هو الرجل الذي يقوم بمهام الرعاية للاسرة ويكفيها اقتصادياً ويحفظها من الانحراف وسوء السلوك .. واقد اثار انتباهي ايضاً هذا التشبيه البليغ الذي استخدمه حميد بطريقة متشابهة او متطابقة مع شاعرنا الدنقلاوي ( محي الدين فارس ) وهو من ابناء السرارية (ارقو ) هل تلاحظون معي استخدام كلمة مومس :
حميد قال :
( في إندهاشات العذارى .. في إرتعاشات الموامس )
اما محي الدين فارس فقال في قصيدته ليل ولاجئة :
ضجت مذاريب السماء واعولت ملئ الظلام وهناك فى قبو الحياة هناك فى دنيا الخيام تمضى الحياة بلا ابتسام تمضى كزفرة مومس ضاعت باطواء الظلام
وكلاهما قد عبر بإحساس الشاعر المتمكن الذي يشعر بكل ما في هذه الحياة من أحاسيس ومشاعر ولكل مخلوق حقه فيما يذهب اليه ولكن بشعور مرهف وقيمة في الممارسة حتى اذا كانت الممارسة مجملها خارج السلوك والقيم .. هي نظرة الشاعر وعمقه وهؤلاء مختلفون عنا نظرة وتأملاً وفكراً .. وزفرة المومس كناية عن يأس والقنوط من كل ما في الحياة ..
03-13-2013, 01:51 PM
مجدي عبدالرحيم فضل مجدي عبدالرحيم فضل
تاريخ التسجيل: 03-11-2007
مجموع المشاركات: 8882
مجدي أمبس يا راجل يا ذواق .. صدقني أنا حميد ده لا في الشعر العربي ولا غيره شفت انسان يعرف يتعمق في الرموز .. مجدي حبيبنا .. الزول ده جايب مصطلحات في الزراعة والسواقي إذا عرف الناس مدلولها لأصابهم الدهشة .. مجدي امبس .. لن يتكرر حميد ابداً ولم ينجب السودان رجل بعمق حميد اطلاقاً .. كلمة واحدة ( او رمز ) من حميد الواحد يكتب خمسة صفحات .. الله يرحمه ..
03-14-2013, 01:32 PM
علي عبدالوهاب عثمان علي عبدالوهاب عثمان
تاريخ التسجيل: 01-17-2013
مجموع المشاركات: 12482
مجدي امبس أهلنا الشوايقة ديل ناس عندهم عمق تراثى وموهبة .. كتبت لي حاجة عن اسماعيل حسن .. ( المراكب كاسحة ما دام ريحنا نو ) سوف ابحث عنها وسط اوراقي .. لكن المبالغة في لفظ ( قش التناقير )
سنواصل اخي مجدي
03-16-2013, 08:46 AM
علي عبدالوهاب عثمان علي عبدالوهاب عثمان
تاريخ التسجيل: 01-17-2013
مجموع المشاركات: 12482
لغة الرواويس عند الشاعر الجميل / إسماعيل حسن .. وسوف آتي بنفس لغة من حميد .. يقول اسماعيل حسن :
المراكب كاسحة ما دام ريحنا نو ..
وبما أنني من بيئة نوبية مطابقة لبيئة اسماعيل وقفت مشدوهاً أمام هذا الوصف وهذا الرمز لأن يأتي به إلا المتخصصين من اهلنا الرواويس ولأن ( كسح المراكب ) من الكوارث رغم أنها لا تؤدي الى غرق المركب وهذه خاصية تأتي في صالح الشاعر لأن كسح المراكب من الاشياء المخيفة جداً ولكن نهايتها لا تؤدي الى الفناء واظن انه كان يقصد الوطن لذا لم يأتي برمزية الفناء والموت .. والمقصود بكسح المراكب بأن الرواس او من يقود المركب يفقد السيطرة عليها تماماً .. لأن ( الدفة ) وهي أداة التي تدير اتجاهات المركب تكون بدون وظيفة وكأنها سيارة بدون ( دركسون ) ولكن الفرق هنا أن المركب تسير في الماء ولديها هامش مناورة واسع ولا توجد مواد صلبة تحدث صدامات .. وتفقد الدفة وظيفتها لأن اسفلها يكون مرتفعاً عن الماء بسبب أن الشراع فارغ من الهواء ولا تغوص المركب الى الدرجة التي تجعل مؤخرة الدفة تغطس في الماء .. لماذا لأن الهواء ( نو ) .. والنو هي الرياح الجنوبية التي تهب في فصل الصيف وهي اكثر أنواع رياح كرهاً في قاموس التربالة والرواويس .. فهي تعيق تعدية المراكب وتكون على درجة عالية من الحرارة ول اتبرد الماء في الازيار ولا يستطيع الشخص النوم اثناء النهار .. ربما لها فائدة يعلمها الخالق فقط .. وهنا تمكن براعة اسماعيل في وصف الحالة مقتدياً بمقولة (أحشفاً وسوء كيلة ) .. ولا يأتي بمثل هذا الكلام او التشبيه او الرمز إلا شخص تشرب من التراث وجالس الكبار وشاهد ورأى وعايش .. وهذا هو الشاعر الحقيقي الذي يستطيع ان يؤثر في المتلقي بدلاً من استيراد ألفاظ مثل ( الصنوير والبيدر وزيزفون .... الخ ) .. لقد حملتنا كلمات اسماعيل الى غياهب ذلك العالم الجميل .. ( المراكب كاسحة ) ومنظرها مخيف عندما تدور المركب حول نفسها والنيل بلا أمواج لأن رياح النو لا تثير الامواج لأنها تهب مع اتجاه النيل فلا يمكن ايقاف المركب لانها تبحر بسرعة عالية جداً مع تيار النيل خاصة إذا كان الوقت موسم دميرة إلى تجد المركب جزيرة ترسو فيها وشجرة تشبك فيها ساريتها او يصادفها ما يسمى ( بالشيمة ) وقد ذكرها شاعرنا من قبل في قصيدة : تجيني شمية كاسحة مغربابي .. ( سوف نأتي اليها لاحقاً)
وتجد الناس على ضفتي النهر يرقبون ساعة رسو المركب ولكن بدون خوف او وجل فقط يكتفون بالتشجيع ورفع المعنويات وارشادات من ذوي الخبرة وبعضهم يعرف المكان الذي سوف ترسي فيه المركب لأنهم خبروا مثل هذه الحالات كثيراً .. ولكن هناك حل ايضاً اذا على ظهرها رجال اشداء اقوياء ويمكنهم تغيير اتجاه المراكب بالمقاديف .. ( هنا يظهر ان الشاعر حقيقة كان يقصد الوطن ) .. لأن السبب والشخص الملام هو الرواس او قائد الذي لم يقرأ الانواء واتجاهات الرياح جيداً بسبب عدم المعرفة او العشوائية والاهمال .. فلابد للقائد ان يكون حصيفاً ..
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة
علي عبدالوهاب عثمان
ود العجمى
garjah
محمد عبد الله حرسم
Abdel Aati
Medhat Osman
أيمن التوم حسن
Zomrawi Alweli
طارق جبريل
محمد فضل ابراهيم
الرفاعي عبدالعاطي حجر
سيف الدين عيسى مختار
يحي ابن عوف
بخاري عثمان الامين
مجدي عبدالرحيم فضل
فيس بوك
تويتر
انستقرام
يوتيوب
بنتيريست