.... ... .. سيظل مصطفى هذا الجرح المتيقظ أبدا.. . جاء إلينا من المستقبل البعيد حاملا قيثارته.. غناءه.. كلماته.. أحلامه من أجلنا.. مواقفه.. انسانيته.. نبله .. و كل بهائه.. .. لون حياتنا بالأمل.. .. ثم مضى تحمله خطاه إلى حيث أتى راسما الطريق بالنجوم و الشموس.. ... .. . إنه هذا الألم النبيل متحكرا في هدأة الروح يهدهد سديمها.. ... .. . سمرية السمحة، شكرا أنك بهذا البهاء..
بوعسل أبوعسل
01-19-2008, 07:42 AM
سمرية
سمرية
تاريخ التسجيل: 01-16-2005
مجموع المشاركات: 2803
الفرقة الموسيقية التى صاحبت الراحل المقيم مصطفى سيد احمد بالدوحة حفل عيد الاضحى 94 وحفل عيد الاضحى 95 وحفل عيد الاستقلال يناير96
Quote: .... ... .. سيظل مصطفى هذا الجرح المتيقظ أبدا.. . جاء إلينا من المستقبل البعيد حاملا قيثارته.. غناءه.. كلماته.. أحلامه من أجلنا.. مواقفه.. انسانيته.. نبله .. و كل بهائه.. .. لون حياتنا بالأمل.. .. ثم مضى تحمله خطاه إلى حيث أتى راسما الطريق بالنجوم و الشموس.. ... .. . إنه هذا الألم النبيل متحكرا في هدأة الروح يهدهد سديمها.. ... .. .
ودَّاها فوق قُوز الرماد كان ظنُّو يوم يومين تلاتِة المُوية تنزِل والبحرْ يشرد شُراد يفضل تَرا يبراهُو بالسلُّوكة من ورا والعِيوش والخير يعم يرقد رقاد والناس تخُمْ خمّ السرور ،
وماهُو البرا ناساً كُتار فاكرين كدِي يومين تلاتِة ، الحالة ترجع حالَتَا ويبنوا البيوت هُو وشفَّعوا وأم الوِلاد ينجمَّعوا ، ويسترجعوا الماضي
وشتاتات السواد في صالَتَا شِيتاً ضحك شيتاً بِكِي ويبقى الخراب دا رهاب رِهابْ عِبرة وحكاوى بتنحكي بلدك مِتلْ كمِّين بلادْ بدت الدقون فيها الخَتَا نجَّس تراها المُتْرَفين
كِترتْ مواعين الفسادْ وكان كلمة الإسلام غُتـَا جاتْ الَلَتْ الله وشالتا كان ظنُّو يوم يومين تلاتِة مشى السِبُوع والتاني جا والمُوية كلما ليك تزيد ويقلْ رجا قوز الرمادْ الكان قِريْب فات بعيد بقى ماب تخُوجْ قوز الرمادْ يا الضوْ فِضِلْ جزيرِة ضاربْ فيها مُوجْ وحصار حصارْ كيف النَجَا عاينْ البلد دي دمار دمار
فيها إيش فِضِلْ لعبة قصب فِ إيدين طفلْ الحِيطة وكتينا الـتقـع تقع ألفِ وجعة على الضُلعْ دخانه يمرق في السما
آهاتو تنزف في الأرِضْ بحر الصَبُرْ والاحتمال
بيناتو ينقطَّع تُرعْ لا يلقى يربُط لا يحِلْ لا حولة يا الكتب الكراريس
المكَرِّنِة في الشتِلْ التَخْتَة أقلام الرصاص
كنَب المدارسْ كُور يلُوجْ باب الفَصِلْ كاسحبو موجْ
لا قوَّة يا ورق الجرائد يا المصاحف والصحيحات المَجَخْسنة في الذِبلْ ورافعين دواليبن بعيد طابلين خَوازِيقُن طَبِلْ لا حولة حال ما بـتِـنـْقَبِلْ يا مسلمين وين لي تَسابْ عشرة وتَسابْ كم وأربعينْ دا يمِين خرابْ كمِّين سنة يا الضوْ مِنُو الفي الكون يصدِّق
كان هِنا ليلة ذِكرْ حلقةْ مديح
دارةْ غُنا هيصة
ورقيصْ القرمصيصْ
سيرة عريسْ وحلاةْ عروسُو محَنْنَة يا الضوْ مِنُو الفي الكونْ يصدِّق كان هِنا شُفَّعْ بيلعبوا جَمْ بَعَضْ
دِيكْ لِفّتُنْ في الدِشِّي غَبْشِي مَشكَّنَة واللاَّ الشَتِلْ خايِفْ لها فارِدْ ضَفايرُو وحاضِنَا فِيقْ لا تضيقْ باتْ الفَرِيقْ بَهَجِي ومَتَمْسَحة بالمِي
وين يا الضوْ نَقاقِير الهَنا ووِيننْ مشاوِير الفرحْ غَزَلْ البناتْ
أمَّا إنت يكفيك الرزازْ خدرّتَ تاني يجي الجَرادْ أقوى الحقيقة من المجازْ وهِنا المحكْ .. يا أرزقي يا نسلِ حمّالةْ الحطبْ يا مستفيدْ مِن بذَّةْ أطفالْ السوادْ الما نزلْ فوقُن ملكْ بالسُكرْ العيشْ السمادْ المُويَة أوْلى من العبادْ في ياتْ كتاب دين ياتْ حديثْ يا فاجِر الله بيسألكْ يا حَسرةْ الإتغشَّى فيك كَبَّر وراكْ جاهد جهادْ لامن هلـكْ يا حَسْرةْ الصدَّق صلاتكْ وموعظاتكْ في الفسادْ بان الشَرَكْ أيْواتَ ليك ايوا تلك أيْوَة أيْوَة يا بحرْ التسابْ ما أعدلكْ شُكراً جزيلاً يا بحرْ رغم الكَساد بحَّتْ لنا العَفَنْ المَكرِّنْ في الزمنْ
من عهدِ عاد والضوْ وليداً ما قرا خرَّجتو منك باقتصاد قانون فلكْ جَفَّ المِداد ما أعدلكْ ما أعدلك ما أعدلكْ بالسكَّر العيشْ السماد المُوية أوْلَى من العباد
يا شارعْ الثورة القصاد أهلي المسالمينْ البعادْ
يا بندقيتو هِنا المحكْ
*******
وقَبَّل على القِبلة ونَدَهْ قُبَّالْ يمد إيديه إنتَبَهْ حِسْ المطرْ بين الشدرْ
والضوْ مع الفيها إنشَدَهْ بَرَّة المطرْ في الدَنْدَهُوبْ برضُو المطرْ خَتَّ البِرِشْ فوق راسُو لكِن المطر أوْوْوْوْ والهوَا وراسْ تمرة فوق عَقَشْ المسكينِة الجَرِيدْ رمَى دَنْدَهُوبا العدِّة فاتتْ بالبحرْ بِرِشْ الصلاة اللافْحُو الهوا وإبريقْ يثرثرْ بين كَررْ يا الله سِتَّها في السفر والضو ينط من دنْدَهُوبُو
يجيبُو صاد صوت المطرْ في إيدو كوز سبْحِة و كَكَرْ حَلَّةْ مُلاحْ كرَّاسْ غُنا
إعلانْ قضية عِلمْ طلبْ بروازْ قديمْ حاضن عَروسْ
وعريسْ وسيم بين كمْ نفرْ السِبْحة والكُوز مُو اللـَتَك تشبهْ أمير المؤمنين
باكر يقولُوا سرقْتَها فنَنـَـنْْْْْْ يفِنَّها في البحرْ أقوَى البحرْ واللاَّ المطرْ أوّّوّّ الرياحْ بتَصحِّي في الجو الجراحْ
بِتَحِتْ من الجوفْ الفِكَرْ إشْْْْ في الوعر عِشْ قُمْرِي بي فرخِينُو
كان من حظ وَرَرْ يا رازِقْ الحيوانْ أخُو يا رازقْ الحيوانْ أخُو الينْجَا
مِن كِيد البحرْ
ما ينجَى مِن إيد المطرْ والينْجَا من إيد المطرْ
ما ينْجَى من كِيدْ الرياح والينْجَا من كيدْ الرياح
ما ينجَى من كيد الفِقَرْ يِي دا القدرْ ما أعتى حربك يا بشرْ إنت الغريبْ والموج يشيل غادي ويجيبْ ينكَرْبَشْ النيمة الدَبيب
والضوْ مُو جايب لك خبرْ
طقْْ دندهُوبْ ناس ستِ نُور عودُو
إنكسرْ وفاااات بالبحرْ تِحت السماوات ما في أرِضْ في الموية في الريح في المطرْ في الدَابِي في التمْر الخطرْ وإنسان يصُبْ قبل السمِا
عرَّاقِي والوشي والشَعرْ غيَّرْ وقفتو الدندهوب زالَفْ هَبَرْ يا غيمة هوي دا وكِتْ مطرْ واِرتجَّ جوف الجوْ رعدْ يا الضوْْْ كفرْْ ..يا الضوْْْ كفرْْ من بعدما نفد الصبُر والإحتمال في الجوف دَشَرْ صنََّّ المطرْ والجوْ صِفا بنْقَرْ حجرْ بتْ الرسول لكِن بعدما الضوْ كفرْ ضربتْ شعاعات الشمش في دوشة فوق قوز الرماد كلبةْ مدينِة نِعِيجَـتَا ديكا العجوزْ وكدِيس عماد طيرةْ بقرْ ودِحِيش غريبْ .. شوف الظروفْ دحَشكْ حمارتَكْ والضيوف قلعنْ يَحَـفـْتِنْ في الرماد وبالسكَّرْ العيشْ السماد الموية أوْلَى من العباد وبالفِيتَرِيتِة العِيشْ حُكُمْ
الموية أوْلَى من البُكُمْ ومَلَصْ العِرِيرِقي ولباسُو
ومصَّرِنْ ما غيَّرِن خمْخَمْ عقابْ الكسرِة واللابْرِي القديمْ من دندهوبو المنْتَكِلْ النيمة شال باقي الأكلْ خمََّّ الرياح خمََّّ المطرْ خمََّّ الجراحْ خمََّّ الدَبِيبْ في القُفّة مو جايب خبرْ قصَّالُو فرعين منقة بالمِنْجَل هبرْ حشْحشْ صَبايْطاً هِن صُفُر لكِن قُلاد البدري لسه على الحصاد في أرواحْ على قوز الرماد يا الضوْ بقالِنْ أعزَّ زاد ,,,
ونجاضو زاد وإنكابَسَنْ فوق وجبةْ الزمن الغريبْ
كلبةْ مدينِة كديس عماد يا الضوْْ دبيـــب وطيرةْ البقرْ في الجوْ تغيبْ دلَّتْ من الكازُومْ دبـيب والضوْ يَصنْقِع والوررْ يا رازِقْ الحيوان أخو نختا وتصيب نتحدَّى كيدك يا بحرْ نتحدَّى إيدك يا مطرْ يا آفة يا ريح يا فِقَرْ نتحدَّى بالصبرْ الجميلْ
بأعمالنا بي طيرةْ البقرْ وطيرةْ البقرْ ، في الجوْ تغيبْ دلَّتْ من الكازومْ دبيب وإنكاتلنْ في آخر التمُرْ كلبةْ مدينِة نعيجّتا ديكا العجوز وكديس عماد حمارتو والدحشْ الغريب ودِحِيشو فوق الرمادْ عَكْمْنا فينا من الغلِي ، وعِيشةْ الجلاجلْ والشتاتْ وبالسكَّرْ العيش السمادْ الموية أوْلَى من العباد وبالفِتَرِيتِي العيشْ حُكُمْ الموية أوْلَى من البُكُم ولمَّـَّــَّس دِحِيشُو
مع القوانين البديلة اليَسْوَى ما يسْوَى الرَزِيلة جهنمْ الجنَّة الفَضِيلة ************ ولا خَتَرْ في بالُنْ الحالْ الكَدَرْ لا علَّمُنْ سِيلْ الجبالْ الشَاتْ
مواريث القَبيلة مع الحجرْ لا حِكمةْ البحرْ الكَسَرْ ما ليهُو مُسْلِمْ لا الكَفَرْ هَبَدْ الجوامع من طَرَفْ
( الضو وجهجهة التساب - حميد )
01-17-2008, 02:45 PM
abubakr
abubakr
تاريخ التسجيل: 04-22-2002
مجموع المشاركات: 16044
[Bفي 17 يناير.......... مزيدا من الأغنيات من مصطفي سيد أحمد واليه
"أستهل الأغنيات ...بوصف الصادق الرضي لكم
"ولمصطفى أصفياء خلصاء له المحبة منتشرين على مناحي هذا الوجود -الوجود الذي لونه مصطفى بالهديل- ويظلون يحرسون الوردة التي نبتت مليا بصبره وردة من روح التراب وعناصر الأثير المختلط بدم ودموع من فيض ما سكب ويسكبون" وبعد أناديكم تعالوا معي نحبه أكثر نحرس وردته فينا نحلم بالمزيد من رحيقها ولا نتكتفي أبدا من شذاهاالكريم تعالوا معي لا لنحي ذكراه....فهي لم تغفو جتى تموت لا لنرثيه.....وقد وجد لنا القدال عزرا جميلا حين قال: "كيف تكتب رثاءا فيمن هو أكثر بقاء منك طالما لامست أوتاره عصب الخلوة طالما أنبت حلمه كل هذا الفضاء"
ولكن ربما...وكما ظل عثمان بشرى يردد تعالوا معي "نتوافد مادحين أنفسنا على الأقل" بحبه وبالإنتماءإليه... ثم نغنيه..... أغنيه الآن... فتعالوا معي
يا ولدا مستف بي ترا السودان ملفح بي سماواتو معمر بي غدا أطفالو مدرع بي معاناتو مبشر بي إنبعاثاتك مع لحظة ملاقاتو تلقم للحياة الجاية هيا أنسف قبرك الكاذب وخط بالدم على الشاهد تموت يا هادم الغنوات يبق في حتتك إنسان يشر ضوء الحياة الواعد نشيد راعد كما الياسمين نشيد راعد
تعلمت من سواد الناس كيف أكون برقاً بانتمائي لشعبي العظيم حاوره هاشم كرار توطئة هو ثروة قومية مثله مثل حقول (الذهب الأبيض) في الجزيرة الخضراء... مثل حزام الصمغ العربي في كردفان (الغرة أم خيراً برة)... مثله مثل حقول الذهب الأسود في بانتيو والمجلد ومدرسة الغناء والتطريب يلتف حولها- الآن- جيل من شعراء الأغنية في السودان، ويلتف حولها الملايين... الملايين من متذوقي الأغنية المتقدمة على امتداد أرض المليون ميل صوته فرد... وصوته جماعة... وصوته أمة، فيه في صوته كل كبرياء الجرح وجرح جيل بأكمله، أشواقه، همومه، عذاباته تطلعاته، نداءاته، دقات قلبه، ودقات قلب الكون.
ما سبق جزء من مقدمة الحوار الذي أجراه الأستاذ هاشم كرار ونشر بصحيفة الوطن القطرية قبيل رحيل الفنان مصطفى سيد أحمد كآخر حديث صحافي... نعيد وبمناسبة الذكرى السادس لرحيل مصفى سيد أحمد مقتطفات من ذلك الحوار الهام جداً والذي أجاب خلاله على السؤال الفلسفي الهام الذي يواجه كل مطرب لمن يغني مصطفى سيد أحمد؟ وتساؤلات أخرى ولأهمية الحوار نعيد نشر جزء منه:
أنت هكذا، يا أستاذ مصطفى معطوب الكليتين لسنوات وسنوات... لكن رغم ذلك مازلت تغني... بل مازلت تبدع.... تضيف مجداً- في كل يوم جديد- للأغنية السودانية، أريد الآن أن أسالك عن هذه التجربة الاستثنائية تجربة الغناء في خضم الألم؟
صمت لفترة خلتها قد طالت أخيراً جاءني صوته الرحيب من وراء شاربه الأبيض الكثيف المميز: الألم شعور ذاتي خاص، والتعامل معه ومعايشته يومياً يورث المرء قدراً من الجرأة، وقدراً كبيراً من الشفافية والألم، من خلال معايشتي اللصيقة له يلون الطاقة الإبداعية... يشحذ همتها من خلال عملية الإسقاط هذه ، ومن خلال الجرأة المكتسبة، والشفافية تتفجر الطاقة الإبداعية بشكل أو بآخر. أيضا ومن خلال معايشتي للألم، يمكنني أن أقول أن الألم قد يجعلك تنكفئ على ذاتك أو تنفلت منها وفي حالة الإنكفاء على الذات تتوارى كوامن الإبداع وتندثر وتموت... وفي الحالة الثانية... حالة الانفلات تكتسب قدرة أكبر في الإحساس بألم الأخرين ويستميل هذا الإحساس إلى مشاركة أعمق وأرحب، وبشكل موضوعي. المسألة في ظني أشبه بالتربية في الصوم إحساسك بالجوع في الصوم يجعلك تحس بجوع الآخرين تلتفت إليهم... تتعاطف معهم تنحاز إليهم وتتبنى– في الغابة- موقفاً معارضاً للجوع حيث وجد وأنى كان. إذن... من هنا يمكن أن نقول أن انحيازك للنصوص وليد تجربتك مع الألم؟ إلى حدٍ ما. وإلى حد أبعد؟ لقد كانت معرفتي بالشعر وتذوقه وإدراك الصادق منه وراء ذلك ثم كانت تجربتي مع فن الدراما وقبل ذلك كانت تجربتي مع الرسم والشعر والدراما والتي كانت وراء وضوح رؤيتي في اختيار النصوص التي تتفق مع موقفي من الدنيا والواقع وجملة الأشياء. أعود وأسألك لماذا إلتمعت فيك موهبة الغناء واندثرت أو كادت موهبة كتابة الشعر وموهبة الرسم؟ بمعنى لماذا أصبح الغناء سيد الموقف الإبداعي فيك؟
الطاقة الإبداعية واحدة وأن تعددت أشكالها هذه حقيقة غير أن هذه الطاقة تعبر عن نفسها في المجال الذي تمتلك أنت فيه، أدواته، ومفاتيحه، لا تندهش إذا قلت لك إن الطاقة ذاتها التي كنت أكتب بها الشعر هي الطاقة نفسها التي كنت أرسم بها وهي ذاتها التي أنشيء بها الآن أعمالي الغنائية الموسيقية، بعد أن امتلكت أكثر أدوات ومفاتيح الغناء من خلال دراستي الجادة في معهد الموسيقى والمسرح، والذي تخصصت فيه في علم الصوت تكنيك الأداء الصوتي... الصوت البشري قديمة وحديثه... إلى جانب المواد الأخرى من الدراسات الموسيقية. أنت تخصصت كما قلت- في علم الصوت... وأنت بالطبع- من المؤمنين بالمقولة التاريخية التي تقول (أعرف نفسك) الآن انطلاقاً من كل هذا دعني أضع صوتك في طبلة أذنك كيف تسمعه... ما هي ملامحه... في أية خانة من الخانات الصوتية يمكن أن تضعه لنا؟ ابتسم الأستاذ مصطفى سيد أحمد صمت قليلاً ثم قال: إني أمرؤ أتنفس بالغناء وباستمرار أحاول أن أعبر عن المعاني التي تغيب وتظهر في النصوص الشعرية بمعادل موسيقى وصوتي! أي بُعد في صوتي أو ارتفاع فيه أو انخفاض في درجاته السفلى هو تعبير أصيل عن تلك المعاني التي تبين وتختفي! ليس هناك صوت زائد أو ناقص عن الضرورة التعبيرية
يبدو أن السؤال مازال قائماً أين تضع صوتك في أية خانة من الخانات الصوتية.؟ صوتي من فصيلة (باص بريتون) وهي الدرجة الأولى من الأصوات الغليظة عند الرجال. من من المغنين السودانيين يشاركك الانتماء لهذه الفصيلة؟ صديقي الفنان محمد ميرغني وأيضا جلال الصحافة قلت الآن دعني أسألك لمن يغني مصطفى سيد أحمد؟ الفنان أي فنان حقيقي- عبر التاريخ كان، وسيظل له موقفه الصارم من العالم الذي يعيش فيه كان الفنان وسيظل ناقداً مبيناً لقيم الخير والحق والجمال... كاشفاً لكل أقنعة القبح ومظاهره... محرضاً على الثورة والتغيير... راسماً معالم الحلم والظلم والظلام وأنا مثلي مثل أي فنان حقيقي آخر كان لي موقف صارم قبولاً ورفضاً ونقداً وتعرية... لذلك فإنني أغني لجملة الناس بما يعبر عن هذا الموقف أنني أتعطل أولاً... أتنفس بما أغني نصاً وموسيقى ثم أعيد تقديمه مرة أخرى لمنبت غناي: جملة الناس الذين ما انفصل غناي عنهم وعن همومهم، وقضاياهم في يوم من الأيام أنني أؤمن إيماناً لا يشوبه أي نوع من التزعزع بضرورية الالتزام بأرضي وأمتي ومن هنا يجئ اختياري للنصوص الشعرية التي تمجد هذه الأرض وهذه الأمة بأية صورة من الصور ومن هنا يجئ الالتفاف الكثيف من أبناء أمتي حول إسهاماتي! حقيقة أنني لا أجد في نفسي مساحة لذلك النوع من الغناء الذي يعطي الناس (التعسيلة) و(الغمدة) لا أجد غناء يعطي الآخرين وسائد الخدر اللذيذ والطرب فواقعي من واقع أمتي وأمتي واقعها أليم ومفجع ويبقى بالضرورة أن نلمس هذا الواقع، ندق على أبوابه لشحذ الهمم والتحريض على التماسك لقد سقطت- بالطبع- فكرة الفن للفن، وبقيت وستبقي إلى الآن مقولة الفن للإنسان... والحياة. أنت الآن فنان جيل بأكمله في السودان... هذا اعتراف من الكثيرين... كيف تأتى لك ذلك؟
منذ وقت مبكر أدركت دور الفنان عبر التاريخ، مثلي مثل غيري خرجت من صلب شعبي غير أنني رأيت في الأغنية شيئاً مبتذلاً إذا لم تحمل هذه الأغنية هموم هذا الشعب... عذاباته، أمانيه وتطلعاته... ومنذ البداية، أيضا وضعت نفسي تلميذاً في مدرسة هذا الشعب: أتعلم فيه... أشاركه همومه اليومية قضاياه... انفعالاته... تشوقه للمستقبل... رفضت أن ابتعد أو أتعالى في برج عاجي وهمي عن سواد الناس، فتعلمت منهم كيف أغني الغناء الذي يعبر عنهم، وكيف أعيش إحساس المشاركة العامة، وكيف أكون برقاً بانتمائي لشعبي العظيم. لقد رفضت أن استدعي الماضي لأعبر به عن قضايانا الآنية أو المستقبلية من زاوية أنني الأقدر على التعبير عن واقعي وآفاق مستقبلي من السابقين... وكان ذلك بالطبع تجاوزاً لكل أدبيات الركود والردة حدثت الأغنية السودانية في فترات ما تغنيت به كان خروجاً عن (المتواضع) و(المألوف) وكان خروجاً عن النص السائد غير أنه كان يعبر بإيمان عميق... عن الواقع. لقد طرحت مشروعي من خلال جلسات استماع في بداية الثمانينات... تعلمت من خلال الحوار الذي كان يدور في هذه الجلسات الكثير، الكثير مما يعتمل في نفوس الناس من هموم ومشاكل وقضايا ملحة فيخرج غنائي من بهو روحي معبراً عن المشاكل والقضايا حين امتنعت الأجهزة الرسمية (بلجان نصوصها وألحانها) الخائبة التي ساهمت في ركود الأغنية السودانية كثيراً حتى صارت شيئاً مكرراً ومسخاً مشوهاً يحاولون تجديده وتزيينه باستدعاء (أغنية الحقيبة) التي لا تعبر عن زمانها وهمومها، في الوقت الذي كان قد تغيرت بالتالي المضامين الشعرية.... وتغيرت النصوص إلى نصوص جديدة لشعراء شباب يكبرون ويكبرون بنصوصهم الجديد في كل يوم جديد.
ويصمت فناننا مصطفى سيد أحمد لفترة ثم من مكان ما في أعماقه يجيئني صوته أخيراً ليقول
المسألة مسألة تشكيل جيل جديد متذوق للأغنية السودانية لم تكن سهلة، ولم تكن قفزة فوق المراحل وإنما كانت توخي أمانة شاهد العصر الذي قرأ الواقع قراءة متأنية عراه برؤية واضحة، وبشر بكل احتمالات المستقبل. الآن كيف ترى مستقبل هذه التجربة.؟ أتوقع أن يصير هذا توجهاً عاماً وكاملاً عند أبناء الجيل القادم.... سواء كانوا شعراء أو مغنين فالأغنية لم تعد ترفاً لم تعد أرجوحة تخدر... الأغنية صارت هماً قناة لنشر الوعي الذي تعجز عنه كل برامج محو الأمية. كيف يمكن لنا أن نعبر بأغنيتنا السودانية حدودنا الوطنية... إلى العالم من حولنا؟ أغنيتنا- دون أي نوع من التحيز- يمكن أن تشكل إسهاماً نشارك به الآخرين فنصوصنا الشعرية الغنائية متقدمة إلى حدٍ بعيد، ومقامنا الموسيقى- رغم خصوصيته- ليس غريباً عما هو موجود في العالم، غير أن ما يميزه هو أنه يعبر عن وجداننا نحن عبر التاريخ فقط، يبقى علينا أن نسبغ هذه الأغنية باللون العالمي الذي يشكل قاسماً مشتركاً بين كل شعوب الدنيا
**
Quote: في 17 يناير.......... مزيدا من الأغنيات من مصطفي سيد أحمد واليه
"أستهل الأغنيات ...بوصف الصادق الرضي لكم
"ولمصطفى أصفياء خلصاء له المحبة منتشرين على مناحي هذا الوجود -الوجود الذي لونه مصطفى بالهديل- ويظلون يحرسون الوردة التي نبتت مليا بصبره وردة من روح التراب وعناصر الأثير المختلط بدم ودموع من فيض ما سكب ويسكبون" وبعد أناديكم تعالوا معي نحبه أكثر نحرس وردته فينا نحلم بالمزيد من رحيقها ولا نتكتفي أبدا من شذاهاالكريم تعالوا معي لا لنحي ذكراه....فهي لم تغفو جتى تموت لا لنرثيه.....وقد وجد لنا القدال عزرا جميلا حين قال: "كيف تكتب رثاءا فيمن هو أكثر بقاء منك طالما لامست أوتاره عصب الخلوة طالما أنبت حلمه كل هذا الفضاء"
ولكن ربما...وكما ظل عثمان بشرى يردد تعالوا معي "نتوافد مادحين أنفسنا على الأقل" بحبه وبالإنتماءإليه... ثم نغنيه..... أغنيه الآن... فتعالوا معي
يا ولدا مستف بي ترا السودان ملفح بي سماواتو معمر بي غدا أطفالو مدرع بي معاناتو مبشر بي إنبعاثاتك مع لحظة ملاقاتو تلقم للحياة الجاية هيا أنسف قبرك الكاذب وخط بالدم على الشاهد تموت يا هادم الغنوات يبق في حتتك إنسان يشر ضوء الحياة الواعد نشيد راعد كما الياسمين نشيد راعد
ومزيدا من الأغنيات
01-19-2008, 08:11 AM
سمرية
سمرية
تاريخ التسجيل: 01-16-2005
مجموع المشاركات: 2803
تمر علينا الخميس القادم الموافق 17/1/2008 الذكرى الثانية عشر لرحيل الفنان مصطفى سيد أحمد. وبهذه المناسبة أعيد نشر كلمة رثاء فى حقه كنت قد كتبتها بصحيفة الخرطوم الغراء حينما كانت تصدر بالقاهرة العدد رقم 1133 بتارريخ 6/3/1996 تحت الإسم الصحفى د. سعد البركالى دون زيادة أو نقصان، إحياءا لذكراه العطرة.
الموت الفاجع ... للشهيد مصطفى سيد أحمد
تجسيد حي لأزمة التجمع الوطني في بعدها الإنساني
في البداية لابد من تقديم واجب العزاء لبثينة وسيد أحمد وسامر في إستشهاد الزوج والوالد دون أن يلقوا عليه نظرة الوداع الأخير ة – الحق الطبيعي الذي كفلته جميع الشرائع السماوية والوضعية- والذي حرمهم منه نظام قهري وقمعي متخلف ، تخالف شريعته التي استنها جميع الشرائع لأنه لا يعادلها في تخلفها سوى شريعة الغاب وكذلك ظروفاً مالية صعبة فاقمها وزادها سوءا الموقف المبدئي والنبيل للشهيد الرافض بصورة حاسمة وقاطعة للإسترزاق بقضايا الشعب والوطن . العزاء كذلك لوالدته المكلومة ، تلك المرأة الصابرة الصامدة والمثالية والتي يكفيها فخراً أن رحمها الخصب قد أنجب رجلاً لا يمكن اعتباره مثالياً وحسب وإنما يمكن اعتباره نموذجاً يحتذى به .
العزاء لها وهي تفقد فلذة كبدها بعيداً عن قريته الوادعة – ود سلفاب – الواقعة في قلب الجزيرة الخضراء النابضة بالحياة وهو " مشلهت " و " مبشتن " في ديار الغربة دون أن تلمحه ولو للحظات لسنين عددا . ما أصعبه من موقف وما أعمقها من فجيعة لن يستطيع تقديرها ، أو حتى مجرد تصور حجمها حكام سودان " التوجه الحضاري "
لقد سقط مصطفى شهيداً متقدماً للصفوف في ميدان معركة الشعب السوداني بأجمعه ضد قوى الآرهاب والظلام . فما أسوده من يوم ذلك الأربعاء الحزين.. سقط مصطفى شهيداً ورايته مرفوعة عالية خفاقة في عنان سماء السودان ليتلقفها من بعده سيد أحمد وسامر مقتفيان آثار أبيهما ومرسخان لتقاليده الصلبة في مواجهة الطغيان ومنازلة جلادي الشعوب ، سقط مصطفى شهيداً ممتشقاً حسامه المسلول في أنبل وأعظم معركة يخوضها الشعب السوداني عند نهاية القرن العشرين والذي سيتلقفه من بعده الملايين من شبابنا من الجنسين لمواصلة هذا الزخم المعبق بدماء الشهداء إلى أن يتم اقتلاع قوى الشر والظلام من مجموعات الهوس الديني وتجار الدين من على أرض السودان وإلى الأبد .
إن أكثر ما يدمي القلب في هذه الفاجعة هو أن مصطفى كان يأمل في العودة إلى السودان بعد أن يكون قد تحرر من حكم الجهالة والظلم وبعد أن يكون الوطن قد تطهر من رجسهم واسترد صحته وعافيته . لكن مرضه لم يمهله حتى يتمكن من تحقيق تلك الرغبة ، فذهب والوطن معتل الصحة حتى تكاد تراه أنه قد فضل الإستشهاد على أن يرى الوطن – وهو الذي يمثل كل شيء بالنسبة له – مثخن بجراح نازفة . ماذا يا ترى كان سيكون شكل احتفال مصطفى إذا قدر له أن يعيش ويعود إلى أرض الوطن الديمقراطي الذي طالما حلم به وقد تنسم عبير الحرية بعد ذهاب عهد الإنقاذ الظلامي ؟!
الأسوأ من ذلك أن استشهاد مصطفى بهذه الصورة المأساوية الفاجعة يتحمل مسئوليتها كل من الأنظمة الحاكمة في الخرطوم والمعارضة السودانية ممثلة في قوى التجمع الوطني على حد سواء. أقول كل الأنظمة لأن العداء لمدرسة الإبداع ذات النكهة الخاصة والمميزة والمغايرة للنمط التقليدي من الغناء في كلماتها وأسلوب لحنها وطريقة أدائها، قد بدأ منذ لحظة ظهور الفنان مصطفى سيد أحمد على ساحة الغناء السوداني خلال حقبة السبعينيات.
لقد حالت لجنة النصوص الرسمية دون مصطفى سيد أحمد وأجهزة الأعلام الرسمية وبالتالي حالت دون الشعب وقيثارته منذ ذلك الحين وحتى لحظة إستشهاده لقد بدأت معركة مصطفى ضد أجهزة الحكومة الرسمية المعادية للإبداع والتجديد منذ عهد نميري ، مما اضطره لإبتكار أسلوب الجلسات السماعية حتى تكون حلقة الوصل بينه وبين معجبيه ، إلى أن وصلت حد القطيعة التامة في ظل هذا النظام مما أضطره لإتخاذ أحد أصعب القرارات في حياته القصيرة وهو مغادرة أرض الوطن بصورة نهائية ناظراً إلى " حكومتنا الرسمية " نظرة إزدراء المبدع الحقيقي وهو ينشد في سخرية لاذعة " حيكومات تجي وحيكومات تروح " !!
إن أسلوب جلسات الإستماع الذي استحدثه مصطفى وأصفياؤه من المبدعين من أمثال القدال ، حميد ، أباذر، خطاب وبقية العقد الفريد قد أصبح مدرسة إبداعية قائمة بذاتها تستمد دفئها وحرارة لحنها من حرارة دم الشعب السوداني مباشرة دون أدنى حاجة إلى " فلتر" لجنة النصوص التي تمتلك قدرات فائقة على تجميد تلك الدماء داخل شرايينها !! لقد خرجت هذه المدرسة الكثير من المبدعين الذين تجاوزوا جميع الأجهزة الرسمية ونفذوا مباشرة إلى قلوب الجماهير ، مستخدمين في ذلك أحدث ما أنتجه العلم من وسائل تقنية ، راكلين وراءهم لجنة النصوص وهى متكئة على عصاها ، كهيكل سليمان ، طيلة ربع قرن من الزمان بالتمام والكمال !!
إن الموقف المتزمت والمتخلف من المبدعين لم يقتصر على الأجهزة الرسمية للدولة فقط وإنما تخطاه ليشمل حتى المنظمات الأهلية التي من المفترض أن تكون مستقلة عنها تماماً. لكن يد " الإنقاذ " الفاسدة قد طالت جميع هذه المنظمات حتى أصبح من العسير تماماً على المرء أن يفرق فيما بين ما هو " رسمي " وما هو " أهلي " داخل دولة " التوجه الحضاري " !! بل في حقيقة الأمر أن جميع هذه المنظمات ، وبفضل أساليب البطش والإرهاب التي أصبحت السمة المميزة لأسلوب هذا النظام القمعي الفاسد في مواجهة خصومه ، قد تحولت إلى مجرد أداة تلجأ إليها السلطة لإسكات صوت الشرفاء من المعارضين لسياستها الرعناء في كافة المجالات وأبواق تزيين لما تقترفه في حق الشعب والوطن من أخطاء . إن أفضل مثال يمكن أن يقف دليلاً على صحة ما نقول هو ما صرح به أحد كبار مسئولي اتحاد الفنانين إلى صحيفة " الخرطوم الرياضي " مبرراً عجز اتحاده من أن يمد يد العون إلى الشهيد مصطفى أثناء محنته بأنه لم يكن عضواً بالاتحاد !! يا لسخرية الأقدار، ألم ينتبه هذا المسئول الرسمي بأن مثل اتحاده الأعرج كان سيتشرف بانتماء أمثال مصطفى إليه وليس العكس ؟! ثم ثانياً هل من الممكن أن يكون مثل هذا الحديث صادراً عن فنان حقاً مرهف القلب والأحاسيس ؟!! إن مثل هذا الحديث لا يثير في واقع الأمر سوى الشفقة والغثيان ، فمثل هذه الجعجعة لا يمكن أن تصدر إلا من عقل رجل قد تحول- بفضل دولة التوجه الحضاري – من فنان مبدع إلى " فنان رسالي " بحق وحقيقة !!
هذا ما كان من أمر الحكومة ومواقف مؤسساتها الرسمية و" الشعبية “، أما فيما يتعلق بموقف المعارضة من محنة الشهيد مصطفى فحدث ولا حرج. كن الواجب يقتضي من قوى المعارضة جميعها أن تمنح مصطفى الدعم المادى والمعنوي الذي يستحقه أثناء فترة صراعه الطويل مع المرض . فأن لم يكن ذلك من باب الموقف الإنساني البحت فكان من الواجب أن يتم ذلك من أجل أن يواصل الشهيد عطاءه صادحاً باسم الشعب والوطن الذي يزعمون التحدث باسمه ، وهو في كامل صحته البدنية وقمة تماسكه النفسي .
أليس من المحزن حقاً أن يجبر الشهيد مصطفى على مغادرة أرض الكنانة ذات الإمكانيات الفنية الواسعة وحيث تعيش زوجته وطفليه وتحت مرأى ومسمع قوى التجمع لأسباب مادية بحتة !! أليس من المحزن حقاً أن يعجز الشهيد مصطفى عن توفير ثمن جلسات الغسيل الأسبوعية وما يتناوله من عقاقير طبية أثناء فترة تواجده في القاهرة – المقر الرئيسي لقوى التجمع الوطني المعارض !! أكاد أجزم لكم بأنه كان من الممكن أن يتوقف ذلك القلب المبدع الكبير عن الخفقان قبل فترة طويلة لو ترك أمره لقوى التجمع الوطني ولولا الموقف النبيل والأصيل حقاً الذي وقفه أفراد الجالية السودانية بدولة قطر الشقيقة ويأتي في طليعة هؤلاء الأخ الفاضل الإنسان الدكتور عمر إبراهيم عبود . ألم يكن رحيل الشهيد مصطفى من القاهرة إلى الدوحة خير دليل على بؤس المواقف الإنسانية لأطراف قوى التجمع الوطني مجتمعة ومتفرقة ؟!!
لكن ثالثة الأثافي تتمثل قي إستشهاد مصطفى وفي ذمته المالية بضعة الآف من الدراهم كديون مستحقة عليه وواجبة السداد . إن هذه الديون لم يقبضها الشهيد ثمناً لشقة تأوي فلذات كبده في قاهرة المعز أو لشراء منزل يستظلون بظله من هجير السودان الذي لا يفرق بين الغني واليتيم . لكن مصطفى قد أخذها – ويا للحسرة – ليدفع بها ثمن صحته وعافيته حتى يتمكن من مواصلة مشواره الإبداعي من أجل الشعب والوطن !! فهل هناك بؤس لمواقف المعارضة الإنسانية أكثر من ذلك ؟ بل وأين روابط أصدقاء الفنان مصطفى سيد أحمد المنتشرة في كثير من الدول ؟ ألم يسمعوا من قبل بأمثال أهلنا الطيبين الصابرين من قبيل " الصديق وقت الضيق " فأي " ضيق " يمكن أن يكون أضيق حجماً من ذلك الذي تعرض له الشهيد مصطفى ؟ ألم يكن من الأجدر بهم والأفيد لأسرة الشهيد أن يقوموا بتسديد تلك الديون ، لتبرئة ذمة مصطفى ، وشراء منزل لأبنائه وإقامة مشروع استثماري يكون ضمانة لهم في مستقبل أيامهم في هذا الزمن الرديء بدلاً من إقامة حفلات التأبين التي لا تغني ولا تسمن من جوع ؟ يا الله .. ما بالنا نجيد معسول الحديث وتقديم الاقتراحات النيرة ولكننا نتحنط تماماً عند لحظة الفعل ؟!!
لقد ظللت أفكر عميقاً في المواقف الإنسانية لقوى التجمع بصورة عامة ومواقفها حيال محنة مصطفى سيد أحمد بصورة خاصة وأتأملها جلياً منذ لحظة استشهاده وحتى اللحظة الراهنة. لم أهتدي من خلال ذلك سوى إلى نتيجة واحدة مفادها أن هذا الموقف البائس والمخجل في حق الشهيد لا يمكن أن يصدر إلا من جهة لها موقف فكري بدائي ومتخلف تجاه الفن والإبداع في جميع صوره وأشكاله وبالتالي تجاه المبدعين بمختلف مدارسهم .
إذا كان هذا هو المبرر لأخوتنا في الأحزاب التي لم تدعي التقدمية في أي يوم من الأيام فما هو يا ترى المبرر لمواقف أخواننا في الأحزاب التي ما فتئت تتغنى بها ليل نهار ؟!! ألم تهز مشاعرهم هذه المحنة المأساوية حقاً وخصوصاً في ظل وجود أحد أطرافها –ممثلاً في أسرة الشهيد معهم في نفس المدينة حيث يقيمون خارج أرض الوطن ؟! ألم يتحرجوا ولو قليلاً من أن يستشهد مصطفى وفي ذمته المالية بضع دنانير دفعها مهراً لاسترداد صحته وعافيته ومن ثم يقومون بإصدار البيانات بعد استشهاده، يزعمون فيها تشرفهم بانتماء مصطفى إلى صفوفهم ؟!! أنني لا أود مناقشة هذا الزعم في هذا المجال لأن الحقيقة، ومن وجهة النظر الذاتية، قد اندثرت بموت الشهيد ، وأما من الناحية الموضوعية فإن استشهاد مصطفى بهذه الصورة الفاجعة والحزينة يقلل كثيراً من مصداقية مثل هذه البيانات إن لم يجهز عليها تماماً . هذا من ناحية ، أما من الناحية الأخرى فما أود قوله في ختام هذا المقال وهو قول موجه إلى جميع أحزابنا المكونة للتجمع الوطني الديمقراطي، هو أن قامة الشهيد مصطفى أطول من كثيرين وأن حجم طاقته الإبداعية أكبر من أن تستوعبها مواعين التنظيمات الضيقة والجامدة. وبهذا المعنى فإن حجم الشهيد مصطفى يتجاوز جميع تنظيماتكم مجتمعة ومتفرقة لأنه ينتمي إلى الوطنية السودانية بكل عمقها وما مئات الآلاف من بنات وأبناء شعبنا الذين خرجوا بصورة تلقائية لتشييعه إلى مثواه الأخير إلا دليل على صحة ما نقول .
وداعاً قيثارة الشعب السوداني فإن استشهادك بهذه الصورة الفاجعة كان تجسيداً حياً لأزمة التجمع الوطني في بعدها الإنساني وشكل مرآة عاكسة لبؤس المواقف وسيظل الحزن النبيل الذي خلفته وراءك محفوراً في ذاكرة الشعب والوطن لفترات طويلة قادمة من الزمن.
* نشر في جريدة الخرطوم، العدد رقم ( 1133)، الصادرة يوم الأربعاء 6 مارس 1996 م.
01-19-2008, 07:27 AM
خالد ماسا
خالد ماسا
تاريخ التسجيل: 05-23-2006
مجموع المشاركات: 1367
صباح البوح.. الشاعر مدني النخلي كتب هذه القصيدة ولم يتم الراحل مصطفى تلحينها.. ورحل قبل ان يتغنى بها:
منو البفتح صباح البوح
ويلملم صوتك المجروح
على شرفة قماري تنوح
ويغني عديله للجايات؟
أسف لو دون مداك شايف
شظف عيشك ولا تخمة رحيل زايف
وقار صمت الكلام المر.. ولا وعد الغنا الهايف
ردمت الهوة بيناتنا وفي بدء الكلام يادوب
أنا العريت.. قواميس الكلام غنيت
لا قبلك ولا بعدك عشق يمخر عباب الهم
ويجاوبك بالقصيد النم
أسائلك كيف ووين نتلم؟
الى ما يلفظك حلمك
يقبل فيك شقاك وينجم
عشم فيك
من عشم فيّ
يمازجنا التقاء الدم
ويادوب الطشاش حلمك
ندهني طشاش
اداريك من سموم تلفح
أتاريك.. غيمه جات ترمح
الى ما تنزحي وأنزح
نقوم من ضو يفج المشهد الزاهي
سكون الكون يطل باهي
يلاقي الشارع الفارع
ناسو الفي الحياه تصارع
تزيد الهوه بيناتنا
ولا عاد الرصيف ضاراي
ولا شقشق صباح مرساك
ونادى للفرح ناداي
ندهتك هل
غشاك الطل
جفاف زهر العمر ينبل
عذرتك لو يساورك شك
إذا انسدت مداخل الحل
متى انهزمت بشاراتك
وايقاع الزمن اختل
على لوحه شروق الفال
يزف وردك صباح الطل
على شرفة قماري تنوح
تغني عديله للجايات
**
من أين استمد مصطفى سيد احمد خيال ألحانه؟ السلم الخماسي متهم بأنه قامع الخيال.. بينما أعاد مصطفى سيد أحمد -الذي يلحن أغنياته بمفرده- الخيال إلى الموسيقى السودانية، فبامكانه تلحين مقال صحفي في جريدة سيارة.. وشهدنا كثير من القصائد العصية وهي تخرج متأودة من بين أوتاره.. واستطاع ترجمة القصائد إلى ألحان سهلة يحفظها الناس.. ترى من أين استقى هذا الحس الممايز للمألوف في موسيقانا ذات البعد الأفقي..؟
الموسيقار أنس العاقب يقول في ذلك:
مصطفى سيد أحمد بفهمه للنص وانتمائه لقضايا الوطن، زائداً حسه الموسيقي الذي صقلته مرحلة المرض والاغتراب جعلته أكثر رهافة، فتجاربه اللحنية تستصحب معها شيء من الشجن والأمل والحزن والتحدي والتفاؤل..واستطاع مصطفى أن يلحن قصائد صعبة التركيب أو مغلفة بالغموض وأوصلها عبر ألحان جميلة للجمهور، وفي بعض ألحانه مثل «عم عبد الرحيم» استخدم الدراما الموسيقية، اضافة إلى صوته المتميز والعميق.. مما أعطاه عمق أكبر في التعبير.. أنا كموسيقي أصنف ألحان مصطفى بأنها من السهل الممتنع لأنه أراد التعبير عن واقع معقد بأسلوب بسيط، ولذلك لم يلجأ إلى التعقيد في الموسيقى ولا في الغناء، وإن كان الكثيرون يصفونه بأنه غناء صفوي، لكن بالعكس فغناء مصطفى كان للجميع وهذا سر جاذبية ألحانه
.................................
بعدما مات (اخر شعاع)
النخلي: لم استطع وصف فجيعتي في مصطفى شعرا
مصطفى سيد أحمد استطاع بما قدمه خلال عمره الفني القصير من ابداع غنائي أن يرسم اسمه وأعماله بازميل الخلود على صخر الفن السوداني الحديث.. حلق مصطفى في فضاءات لحنية جديدة، وأوجد أرضية صلبة للون من الغناء فريد.. كان هو حادي ركبه ومجدده، إن جاز لنا الوصف، تربع مصطفى على عرش الأغنية الحديثة ولم يسعفه جسده الواهن من اكمال مشواره الحداثي الذي نراه نحن بكل عمق هذه التجربة، ويراه هو بأنه لا زال يلزمه المزيد..
تحدث عنه الكثيرون، ووصفوه بعبارات تجدوها في غير هذا المكان، ومع مرور ذكرى رحيله العاشرة، نلتقي في هذه المساحة مع الشاعر مدني النخلي كواحد من أقرب الناس إلى الراحل مصطفى خاصة في أيامه الأخيرة..
* المعرفة بينك ومصطفى سيد أحمد منذ متى بدأت..؟
- بدأت منذ أوائل الثمانينات وكنا أصدقاء وبيننا اتصالات ورسائل وأنا معجب به حينها أيما اعجاب.. باصراره العجيب لايجاد مفردة جديدة، وفضاء جديد للحن.. بفهمه الخاص.. وكانت الأوركسترا تقصر عن ادراك ما يريده مصطفى.. وشهدت أنا بداية تأسيسه لأوركستراه الخاصة والتي بذل فيها من الجهد ما ينبئك وقتئذٍ أي نجاح ينشده هذا الرجل..
* وهل وجد التجاوب الذي يرجوه من بذل هذا الجهد..؟
- في البداية لا.. أنا أذكر أنه قدم ثلاث أعمال رفضتها لجنة النصوص باعتبارها لا تصلح أغنيات «يا ضلنا، عباد الشمس، عشم باكر» فالشكل الجديد للمفردة لم يجد القبول من اللجنة..
لكن بعد وقت وباصرار منه استطاع ايصال هذه الأعمال إلى الناس ووجدت رواجاً وسط مستمعيه في جلسات الاستماع، ومن ثم انتقل بها الى جمهوره في الحفلات..
* وأين كان يقف النخلي خلال هذه الفترة من علاقته الشعرية مع مصطفى؟
- «عشم باكر» كانت أول نص غنائي يجمعني به، واستمرت العلاقة بيننا في عدد آخر من الأعمال..
* ولم تلتقيه حتى ذلك الوقت..؟
- التقيته في العام 1986م في أول زيارة له للدوحة، وأقام هناك عدد من الحفلات، لكنها لم تلق نجاحاً كبيراً.
ما سبب قدومه للدوحة..؟
- كانت بوادر المرض بدأت في الظهور عليه، واحتاج لتغطية مصاريف العلاج.. ولكن حينما فشلت الحفلات في تغطية تلك التكاليف، عاد أدراجه إلى القاهرة، وبمعاونة أصدقائه هناك، سافر إلى موسكو طلباً للعلاج..
* وهل كنت متابعاً له خلال تلك الفترة..؟
- نعم الاتصال لم ينقطع بيننا، وفي أحد الأيام سمعت خبراً مفاده بأن مصطفى قد توفي، وحينما اتصلت لم أكن مصدقاً لذلك، فقابلت زوجته، ومنذ الوهلة الأولى في المكالمة أحسست أن مصطفى بخير..
* وماذا كانت ردة فعل مصطفى تجاه هذه الاشاعة..؟
- كان يعزي ذلك لجهات تناصبه العداء، لكنه لم يتخل عن روحه الجميلة، وأذكر حينها ممازحته لي قائلاً: «إن شاء الله عملتا لينا عزاء كويس»..
* مصطفى فنان صاحب رسالة.. إلى أي مدى لمست ذلك خلال علاقتك به..؟
- نعم مصطفى لا يغني كيما يسمعه الناس ويرددوا أغنياته ببغائية، بل هو لا يغنى إلا إذا اقتنع بأن هذه الأغنيات
مفيدة وبها من الأفكار والأحاسيس بل حتى الشكل الموسيقي ما يجعلها نافعة لهذا الجمهور المتلقي.
* أغنية «علمي عيوني السفر» سعى مصطفى سيد أحمد لتسيسها، ألم تعارض ذلك..؟
- هذه الأغنية كتبتها كنص عاطفي بحت.. فأصر مصطفى -وهو كما نعلم شاعر متمكن- على تغيير المقطع الأخير، وارتكز على ذلك بأن الأغنية أصلاً توحي بالسفر والرحيل والغياب، لذا فنهايتها رأى مصطفى أن يكون بها حلمه في العودة للوطن، وفق رؤيته لذلك لتكون أكثر التصاقاً بالوطن منه إلى حبيبه.. واقتنعت أنا بذلك..
* واستمر التعاون بينكما بعد ذلك..؟
تعاوني مع مصطفى استمر وجاءت أغنيات مثل «زمن الأسى المدود» و«ما بان عليك سفر العمر» و«أديني احساس بالأمل» و«اخر شعاع»..
* من بين جميع ما غناه لك مصطفى.. هل ينظر النخلي لمحطة بعينها كانت تمثل حالة خاصة..؟
- النصوص التي تغنى بها مصطفى كلها كانت منتقاة بعناية.. فمصطفى لا يجامل أبداً، لكن ربما أغنية «واقف براك» كان لها احساسها الخاص بالنسبة لي ولمصطفى، فقد أعطاها لحنا تحسه منسرباً من روحه، وحينما يغنيها تلمس كيف أنه يغني بكل جوارحه فيها..و..
* مقاطعة: مصطفى أيضاً عدل في مطلع هذه الأغنية حسب ما أعلم..؟
- نعم.. كان مطلع النص يقول: «واقف براي» وعدلها مصطفى «واقف براك» ورأى مصطفى أن عمق احساسك بالآخر، يؤثر فيه أكثر.
* بعد عودة مصطفى إلى القاهرة.. أصبح خط اليسار واضحاً في أغنياته.. كيف تنظر إلى ذلك..؟
- بعد عودته إلى القاهرة بدأت جهات حزبية عديدة في محاولة استقطابه، فنجاح تجربة مصطفى كانت تمثل كسباً لأية جهة ينضم إليها مصطفى.. لكن كان له رأي معين في أن لا أحد يجدر به الانتماء اليه سوى المواطن السوداني..و
* مقاطعة:
لكن أغنيات تلك الفترة ربما ارتبطت بشعراء اليسار أكثر من غيرهم..؟
- مصطفى لم يأخذ الشعراء بانتماءاتهم.. بل بإلتزامهم تجاه ما يعتقد..
* إذن كان اعتقاده يسارياً..؟
- لم يصرح مصطفى قط بذلك ولم يدر يوماً بيننا حديث ووجدته فيه مؤطراً لنفسه مع جهة معينة.. لكن التزامه تجاه الوطن والمواطن ربما ثقافة اليسار كانت الأقرب لما يؤمن به، من مساواة واهتمام بالبسطاء من أبناء الشعب السوداني..
* قبيل رجوع مصطفى للدوحة مرة أخرى هناك همس بأنه قد تناول دواءاً مغلوطاً بالقاهرة.. ما مدى صحة ذلك..؟
- وردتنا أخبار عن تدهور حالته الصحة بالقاهرة.. واتصلنا به فأخبرنا بأنه ربما تناول دواءاً كان يجب أن يعمل على تثبيط المناعة ضد الكلية المزروعة له، لكن لا يظنه فعل ذلك.. وأيضاً ربما كان لاجهاده الشديد في تسجيل أغنياته أثر بالغ في تدهور حالته الصحية..
* ألم تتأكدوا من صحة ذلك بعد رجوعه الى الدوحة واجراء الفحوصات..؟
- بعد ثلاث أيام من وصوله الدوحة أصيب باغماء وحينما نقلناه إلى المستشفى، كانت الكلية المزروعة غير مناسبة تماماً للجسم حسبما أفاد الأطباء، فاجريت له جراحة لاستئصالها.. وذلك يدل على عدم جدوى العلاج الذي أخذه بالقاهرة..
* حينما بدأ مصطفى رحلته مع غسيل الكلى.. كيف كانت حالته النفسية..؟
- مصطفى رجل لا يخشى المرض أو حتى الموت.. كان مؤمناً بأن لكل أجل كتاب، وأحس بدنو أجله، لكن كل همه كان ينصب في انتاج المزيد من الأغنيات.. فشهدت تلك الفترة نشاطاً محموماً في انتاج مصطفى للأغنيات..
* ألم تؤثر غزارة الانتاج على جودة الأعمال..؟
- اطلاقاً.. مصطفى كان مبدعاً، ولا أعتقد أن للطاقة الابداعية مدى معين، ينضب بعده معينها..
* وكيف كان يستعين على كل هذه التكاليف من غسيل واقامة بالمستشفى، ومن بعد ذلك سكنه الذي أقام به..؟
-كانت هناك فكرة لزراعة كلية جديدة له.. وقبل دراسة ذلك علمياً، بدأت حملة لجمع التبرعات، وحينها وصل خبر للسعودية للأخ صلاح ادريس، وأذكر أنه سلم الفنان محمد وردي مبلغ «13» ألف دولار وارسل المبلغ للدوحة..
وبعد ذلك تبين استحالة زراعة كلية أخرى جديدة لمصطفى..
* أهناك علاقة تربط بينه وصلاح ادريس، أم هي محاولة للاحتواء..؟
- لم تكن هناك علاقة مباشرة بينهما، لكن صلاح تعامل معه كمبدع سوداني وفي حاجة ماسة للمساعدة، خاصة بعد أن صادرت المستشفى جواز سفره نسبة لارتفاع المديونية عليه.. ولم يلتقيا قط إلا من خلال الهاتف، لذا فالاحتواء كان بعيداً عن هذا التصرف.
* وهل قبل مصطفى ذلك المبلغ..؟
- في بادئ الامر رفض، وقال لي : لا أستطيع أن أقبل نقوداً لا أعرف مصدرها، ولكن صلاح تحدث معه وأقنعه وبخلاف المبلغ الأول قام بارسال مبلغ آخر يفي بكل المديونية على مصطفى، ومصطفى باحساسه العالي احس بالحرج من ذلك.. وكنت أخبره بأننا جميعاً أخوة.. وقمنا منها باستئجار سكن جديد له، وقبل أن نسدد فاتورة المستشفى وافته المنية.. وتم اعفاؤه منها..
* ما هي آخر أعمال تعاونت فيها مع مصطفى..؟
- أغنية «القبلك فاتو» و«القمر المسافر» وهما أغنيات لحنهما قبل موته بوقت وجيز.. وهناك أغنية لم تكتمل وهي أغنية «صباح البوح» بدأ يدندن بها لكن المنية وافته قبل اتمامها..
* ومتى غنى مصطفى آخر مرة..؟
- ظل يغني حتى مات ومع اشتداد المرض كان يغني.. ولكن غناءه كان للتوثيق والتسجيل، أما الغناء للجمهور فقد أقام حفلين، رعتهما وزارة الثقافة القطرية، احدهما بفندق رمادا، والآخر بفندق شيراتون.. وفيه غنى مصطفى أغنية عازة في هواك مرتين.. وكأنه يحس بأنه حفله الأخير.. فأراد أن يغني فيه لعازة أكثر من مرة..
* كيف تلقيت خبر وفاته..؟
- قبل ذلك بيوم اتصل بي وأخبرني بأنه يريد مقابلتي.. وجئت اليه صباحاً لكن لظرف استدعائي من قبل جهة العمل لم استطع مقابلته.. وفي المساء ايضاً كان هناك اجتماعاً وكنت أسر في نفسي بأني سأذهب اليه عقب انتهائه، وقبل نهاية الاجتماع بُلغت بنبأ وفاته، وكانت الصدمة كبيرة جداً على نفسي، ولازلت موجوعاً الى الآن.
* لم يضمن النخلي ديوانه «واقف براك» قصيدة في رثاء مصطفى.. ما السبب، علماً بأن الديوان نشر عقب رحيل مصطفى..؟
- «واقف براك» احتوى على كل قصائدي التي غناها مصطفى وغيره من الفنانين، لكن رثاء مصطفى حتى الآن أنا لم استطعه تماماً.. وأنا كلما كتبت، وجدتني قاصراً عن وصف فجيعتي برحيله.. لذا لم أضمنه رثاءاً له..
* ختاماً.. إلى مدى تنظر لخلود تجربة مصطفى..؟
- مصطفى فنان بكل ما تحمل الكلمة من معان.. وستبقى تجربته وصموده عنواناً مكتوباً على صدر الوطن بالخط العريض.. وسوف تتناقل أغنياته الأجيال.. وهذا ما خطط له مصطفى خلال هذه المسيرة الطويلة من الجد والمثابرة.
هل فقد مصطفى سيد احمد بريقه؟؟ في جولة لنا في عدد من محلات الكاسيت، وبمناسبة الذكرى العاشرة لرحيله، تفاجأنا بأن مبيعات ألبوماته لم تكن بصورة مشجعة بالنسبة لأصحاب المحلات.. ويقول بعضهم أنه من النادر أن يأتي أحد يسأل عن تسجيل لمصطفى سيد أحمد.. وحتى ألبوماته الأخيرة لم تجد الصدى المتوقع لها.. ونحن هنا نتساءل.. بعد كل هذه الأعوام هل فقد مصطفى بريقه.. أم لا زال كما هو في وجداننا؟
طرحنا هذا التساؤل على الأستاذ الفنان سيف الجامعة الذي قال: سوق الكاسيت بالذات ليس مرجعية أصلاً.. لأن يخضع لحسابات أخرى لها علاقة بالإعلان وتأثيره، ويخضع كذلك للظواهر الفنية، والساحة مليئة بالظواهر، لذا فهو لا يمثل حكماً مطلقاً على التجاوب مع الفنان.
المبادئ هي المبادئ وكذلك الأفكار، وتمر ظروف معينة وأيدولوجيات تؤثر في أزمان معينة.. وأفكار اليسار المتعلقة بالغناء يصعد نجمها حينما يكون هناك احتباس في قضية الحريات العامة، أو عندما يغفل المخطط الاقتصادي البعد الاجتماعي للشعب..
والآن البلد في مرحلة انفراج مما يجعل هذا النوع من الأعمال يخفت صوتها، ولكنها تبرز عند حدوث أية ضغوط، يتجدد التجاوب من جديد.. وفي حفلات الجامعات هناك اقبال على أغنيات الحرية والديمقراطية، والتي تعبر عن تطلعاتهم وأشواقهم، ويعلو صوت المغني في عصور الكبت، لكن الآن ومع التحولات التي جاءت مع تباشير السلام ووجود الحوار وقبول الآخر، نجد أن حتى مجتمع الطلاب بدأت تسوده لغة اللا عنف، والفنان الملتزم عليه أن ينادي بذلك، والغناء من أجل الوحدة هو تفجير لطاقة ابداعية هدفها اشاعة السلام والوحدة..
ومصطفى كفنان موجود في ضمير الشعب ولن يخفت بريقه فهو كخليل فرح والكاشف الذين خلدوا الى الآن في وجدان الشعب..وأتمنى أن تصبح ذكرى رحيله مناسبة نحاول فيها بعث الكثير من أغنياته التي لم تسمع حتى الآن، وأناشد كل أصدقائه والمهتمين بمحاولة نشر هذه الأغنيات، وأنا بدوري لدي العديد من الأعمال المشتركة معه أحرص علي تقديمها كلما سنحت الفرصة
................................................
قالوا عن مصطفى.. * (مصطفى لم يمت.. مصطفى قُتل!!). - الشاعر محمد الحسن سالم حميد، متحدثاً عن مصطفى كمبدع تم اغتياله معنوياً، وعن أثر ذلك على رحيله الموجع
* (لو كان بلا قدرات لما استطاعت أية ماكينة مهما كانت قوتها الحصانية أن تروج له). - د. بشرى الفاضل في رده على سؤال حول الآلة الإعلامية للحزب الشيوعي ودورها في تسويق مصطفى سيد أحمد.
* (أعتقد بأني لو رأيته لتفجرت في قلبي براكين من فن). - الشاعر المصري حسن بيومي معلقاً على قصيدته «ثلاث ورقات من أشجار يحيى» والتي اجتزأ منها مصطفى مقطعاً وغناه وعرف باسم «عجاج البحر»..
* (يا له من رائع.. صوته يشبه موجة عريضة تطوف بكل حواف الكون ثم تتكسر الى ما لا نهاية). - الموسيقار الاسترالي روس بولتر معبراً عن دهشته من صوت مصطفى حينما أسمعه صديقه الشاعر عفيف اسماعيل احدى تسجيلات مصطفى.
* (أحسست بصوته مغموساً في شجن متواصل كأن هناك حريقاً ألمّ بروحه.. انه يغني من القلب إلى القلب). - الشاعرة وعازفة البيانو الإنجليزية شيلا.ج، وهي تصف ما اعتراها حينما استمعت الى مصطفى سيد أحمد وهو يغني «الشجن الأليم».
* ( حينما كان يخرج من غرفة غسيل الكلى بمستشفى حمد ليذهب إلى مسكنه مرهقاً.. كان يفرح وهو يجد الورود بانتظاره). - الصحفي صلاح الباشا يحكي عن مثابرة مصطفى رغم المرض في انتاج أغنيات جديدة، واصفاً القصائد التي كانت تصل إلى مصطفى بصورة مكثفة «بالورود» التي تثير الفرح في نفسه.
( نشأت الامام - موقع ود مدني )
01-19-2008, 12:58 PM
اسماعيل عبد الله محمد
اسماعيل عبد الله محمد
تاريخ التسجيل: 08-26-2007
مجموع المشاركات: 2816
مصطفى سيد احمد عندما يمتزج صوت المغنى بحزن الناس يكون الناتج ابداع بلا حدود يعبر عن معاناة دامت طويلاً , سياسية واقتصادية و اجتماعية وثقافية, اختط لنفسه طريقاً مختلفاً فى تناوله الفنى فهاجمه النقاد والمحللين فى بداية مسيرته الفنية لا لشئ الا لان روحهم لم تالف التجدد والترقى فكانت اعماله بمثابة تحد للمألوف واختيار طريق النضال بالكلمة المدوزنة موسيقياً والمفردات المنتقاة بعناية فائقة اعطت اولوية لجانب صدقية النبض المواكب لافرازات الواقع بكل تناقضاته , سار فى درب تجربته هذه من بدايتها الصعبة حتى وصل بها الى اوج الازدهار خالقاً عمل عظيم ومنتج فنى جيد وغزير اضيف الى مكتبة الغناء السودانية الحافلة بالابداعات واكد للجميع ان رحم حواء غناء السودان لم يعقر اذ ما زال يقدم للناس الظواهر المتفردة والمتميزة عقد بعد اخر , منذ مدخل تسعينيات القرن الماضى استحوذ على مسامع اجيال المعاناة كلها وتطابقت خطواته مع خطواتهم ونبض قلبه مع نبضات قلوبهم التى اكتست بثوب حزن جميل وهم يتابعون لهم من جميل اعماله فى عملية اهلاك للروح والبدن مستمرة.
البعد الرومانسى:-
عندما تعيش لحناً وكلمة مع اغنية (غدار دموعك ما بتفيد فى زول حواسه اتحجرت )تاخذك انتباهة الى رفضه الفطرى تقبل الخيانة فى الحب ومن ثم رفضها كخاصية عامة تصيب بنى البشر , فى ادائه لها بصوت و موسيقى فيهما حسرة مبدوءة (برمية) هى البكاء ذاته بكل ما تحمل الكلمة من معنى وهى من الاغنيات التى لا يستطيع سماعها اصحاب التجارب المؤيدة لمدلولها , انها تحرث الدواخل حرثاً لتخرج كل ما تسببت فيه رفيقة وحبيبة الدرب من ماساة لانسان تركته فى مفترق درب من دروب السعد والابتهاج , كذلك اغنية (الشجن الاليم ) التى تنادى لمعانى نشاة الانسان الاولى (عارفنى منك) وتذكر بضرورة التواءم الروحى وتوافق اللذين يجمع بينهم عنفوان المريدين كما فيها ترادف للمفردات فى تعبير عن انصهار المحب فى الحبيب وذلك يتضح فى هذه الجزئية (رغم انك انت عارف انو منك) فكلمة (ان) ترادفت وتكررت ثلاث مرات فى هذه الجملة القصيرة مشيرة الى وحدة مصير روحين حللا بدنا واحدا , اما فى كلمات اغنية(يا سر مدفون فى جوف اصداف فتشت عليك بقليب نزاف ) وكما ذكر هو فى لقائه الشهير فى العام 1983 فى برنامج تلفزيونى استضافه فيه طيب الذكر محجوب عبد الحفيظ عن ان التناول فى هذه الاغنية يختلف عن كثير من اغنياته التى سبقت وهو يقصد الرمزية فى معانى واتجاهات الشعر الذى بدا اختياره له فى ذلك الزمان , عبرت معانيها عن عشق ووله الانسان بما هو غالى وقيم وخفى و دفين سواء كان قيمة معنوية حسية اوخيال اسطورى لا طريق للامساك به او الحلم بالحصول عليه , وفى(من بعد ما عز المزار ...والليل سهى وملت نجومو الانتظار...والشوق شرب حزن المواويل... وانجرح خاطر النهار) ادهاش فى تصوير الرغبة الجامحة لملاقاة العشيق بعد ان ارخى الليل سدوله وسهى اما شوق وظما العشيق لا يرويه حزن الاغانى والقصيد التى تلهم انفعالاته , وفى (كان نفسى اقول لك من زمان ) لوحة مرصعة بكل الدرر الثمينة التى يتصورها الذى يهوى ان تكون مجسدة فى من يراها اميرة للحسن والجمال , ولا ننسى (اظنك عرفتى) والتوغل فى اعماق بعيدة لمكنونات النفس المنبهرة دائماً بالرائع المستتر والخيالى فى الوصف المقرب من الصميم فى (ونهرك يعدى و يجهل مصبى) التى تثير الشفقة والرافة فى نفس المتلقى والمبدع والمجرب(بكسر الراء) , اما (حبوك حب قدر الحروف الحايمة فى بطن الكتب) فهو منتهى التعبير عن المعزة والمودة والتضحية و الاخلاص والصدق , وفى(عينيك مدن منسية فى كتب التواريخ والزمن)... ما اجمل ان يعيش الانسان عبق التاريخ فى روعة جمال العيون.
البعد الاجتماعى:-
(وايه الدنيا ؟ غير لمة ناس فى خير او ساعة حزن؟) يجسد هذا الجزء من اغنية عم عبد الرحيم المترجمة لماساة الانسان السودانى البسيط المغلوب على امره الذى يحمل فى دواخله كل قيم الماضى وماساة الحاضر و امل مستقبل مجتمعنا المسكون بالمسكنة , وهذا النص يستخلص لنا وقفتان تمثلان جدلية الحياة والموت خاصة فى وطن يعطى افضلية للتوقف عندما يرحل عزيز لنا عن دنيا فانية او عندما نزف احدنا بالعديل والزين , هذه هى الحياة الاجتماعية لانسان عجن فى معامل تراب سوداننا الحبيب الذى يتخلله نيل من اواسط افريقيا ماراً بارض الاماتونج ومستنقعاتها ليلتقى ببشريات الاسود القادم من هضاب النجاشى ليكون الملتقى فى مدفن الحبل السرى للحضارة السودانوية التى منها يشع النور الى اطراف الوطن الممدود على وتر الكابة , وعندما تسمع راحلنا يدندن ب(عمنا الحاج ود عجبنا فى الفريق ياهو الركيزة) و (عندو كلمة على الجماعة) تجسيد لشخصية ماثلة فى كل مجتمعاتنا بكل جهاتها واقاليمها و تنوعها هى الاب الروحى سواء كان شيخ حلة او ناظر قبيلة او عمدة فريق فهى حاضرة فى ريفنا وحضرنا ومصدر للثقة و الحكمة و سداد الراى ولهفة واغاثة المنكوب وبيته عبارة عن ملتقى اجتماعى و ثقافى و سياسى , كما نلحظ(نوبة وزنوج وبجة وحلب) تعريف بكيمياء الانصهار العرقى الذى جمع المتنوع والمختلف لوناً وشكلاً فى وجدان و روح واحدة هى (السودانوية) التى تتحسسها فى هذا المزيج المتماسك فى القيم والمعانى وليس المظاهر والقشور من اشكال و اطوال وارتفاعات فهى مقاييس مادية لا علاقة لها بالروح والجوهر.
البعد الثورى:-
لانه جاء فى زمان قدر فيه ان يكون الناس مكتوين بنيران عزابات لا تنتهى وهو المبدع الذى يؤمن بعدم انفصام الفنان عن وطاة هموم ومعاناة مجتمعه عبر عن هذه العزابات باصدق ما يكون التعبير فى كثير من اعماله كملحمة (طفل العالم الثالث )التى خرجت عن اطار الهم المحلى والقطرى لتعبر عن مشوار طويل لمعاناة اطول وعنت وشقاء لازم مجتمعات كثيرة وصفت ووضعت فى زيل العوالم وتمت تسميتهابالعالم الثالث , ان الاداء كان ثلاثياً بين الراحل وكل من العملاق وردى و عالم الموسيقى الموصلى فكان انجاز الكبار , ايضاً (طالما بحرك فى مى ... ونخلك مفدع بالجريد ...وشدرك امد حد السمى ...وطينك معتق بالطمى ...نبنيك اكيد ) حث لابناء شعبى وتنشيط لذاكرتهم بان مادامت هذه هى الارض تحمل كل هذه المحفزات اذاً لا مفر من تاكيد بناء الوطن لان كل العوامل المؤدية الى ذلك متاحة , كما ان (اصلى لمن ادور اجيك...بجيك...1-لا بتعجزنى المسافة...2-لا بقيف بيناتنا عارض 3-لا الظروف تمسك بايدى...4-ولا من الايام مخافة..) قوة فى الارادة والتصميم فى احداث التغيير ورهنه بارادة بنى وطنى الذين هم الاقدر والاجدر بالقيام به وعندما تغشى مسامعنا (ومرة العسكرى كسار الجبور ...يوم باسم النبى تحكمك القبور...ولا تقول برى ...او تحرق بخور) ندرك مدى ماساة شعبنا وما تعرض له من قبل العسكر والباشبوذق من ادمان اعاقة مشروعات اعادة العافية الى جسد الوطن فبعد كل بارقة امل فى الاصلاح ياتى هؤالاء الجنرالات ليعيدو سيرة من سبقوهم من كسر لجبيرة كسرها من كان قبلهم , وهنا (ولا تقول برى ... او تحرق بخور) توعد وايما وعيد ..ياله من مال يدعو للرثاء.
البعد الخاص:-
اختار الراحل بعض الاغنيات التى نلمح من بين تفاصيلها معاناته الطويلة مع المرض وكيف انه صبر على مقاومة الالم وحدته كما فى (واقف براك والهم عصف ...ريحاً كسح زهرة صباك) رغم عموم مقصد تناولها وهى العصامية الا اننا اذا بحثنا عن رمز سودانى لينطبق عليه هذا الحال لوجدناه هو نفسه (ابو السيد) ملهم شعبه معانى الانسانية والجلد والتفانى ليدخل احساسه النبيل فى انفسهم , فى مرة ذكر لى شاعرنا المرهف عبد القادر الكتيابى ان الراحل عندما كان يقوم بتلحين اغنية(على بابك) وهى للكتيابى اتصل به الراحل هاتفياً واستاذنه فى تغيير مفردة من مفردات الاغنية من الجمع الى التثنية وهى (جنحات) كما اقرضها الشاعر الى (جنحين) كما ارادها الراحل لتتفق مع رغبة عنده وهى تشبيهها بالكليتين واللتان تعبران تعبيراً صادقاً عن حاله وهو فى مسيرة نضاله من غيرهما فى (مسافر فيها وحدانى ... بدون جنحين) حينها اجهش شاعرنا المرهف بالبكاء لمعرفته التامة بدواخل ذلك الانسان النبيل , وكذلك فى اغنية مريم الاخرى( ارضعتنى مريم الاخرى قوافى...ثم اهدتنى المنافى... هكذا قد خبرونى م قالوا لى ترجل) معانى لا يرى من خلالها شخص الا شخص الراحل سليل تلك البيئة الجزيرية التى ارضعته مريمها موهبة صياغة الاشعار لحناً موسيقياً يسرى اسراً للوجدان , اما حال الراحل وهو فى رحلته العلاجية وتنقله من منفى الى اخر (القاهرة-موسكو-طرابلس-الدوحة) نجدها فى (ثم اهدتنى المنافى) وفى(ثم قالوا لى ترجل )استحضار للوصايا التى يتلقاها السودانى عندما يكون على اهبة السفر من ابائه واجداده ...هكذا كان هذا الرائع فقد ترجل واسترجل فى صراعه مع ذلك الداء اللعين , وفى (عمرى ضايع فى متاهات النعيم ...فى دروب الغربة لا زاد لا قوى) فيها نكهة من تجربته المريرة مع الاغتراب والغربة التى وصفها بانها كشجرة الزيتون تطعن من كل جانب.
هذه مقتطفات من الجوانب الحياتية المختلفة التى تناولها امبراطور الغناء السودانى فى اعماله و توجه مدرسة الشعر التى اختارها تعتبر اخر ظاهرة فى الساحة الفنية فى السودان حتى الان , لقد شغل الراى العام الثقافى والاجتماعى والسياسى طيلة عقد واكثر من الزمان فالتجلة الى شعراء بلادى محمد الحسن سالم حميد , قاسم ابو زيد, عبد القادر الكتيابى , صلاح حاج سعيد , ابوذر الغفارى, خطاب , الصادق الرضى , عاطف خيرى , شمو, ازهرى محمد على , عمر الطيب الدوش , يحى فضل الله , جمال حسن سعيد, هاشم صديق , العميرى وكل من لم يرد اسمه.
المعروف أن تطور النص الغنائي السوداني دعوة للإختلاف في وجهات النظر وتعددها - وذلك في حد ذاته إغناء للنص الغنائي . يرى راي أن الغناء السوداني يعود منشأه إلى بيوت " الانادى" ودرجات تعبيراتها المستبطنة تخوم الاقصاء من قبل " مجتمع عضود" بيد أن الجوهرى خلق هذا التراتب تراكمية غنائية ثرة افضت إلى الإنفتاح ا لإبداعي حتى القائلين بقومية الشعر في اغاني الحقيبة و نواته خليل فرح او كما يري البعض إلي خليل فرح بوصفه حداثوي وتقسيمه ضمن دائرة الاغاني الحديثة( لأنه تغنى بآلة العود ) .
من ناحية اخرى عملية الإضافة تحت سقف هذا التنوع نوعا من الشقاق تقتضي شهادة عصر والإدراك يكتفيه الجلد وزاد من الدربة والمراس .
وتتطلب وعي خاص (بانثربولوجيا) هذا المليون كجزء من متعلقات الاطروحه الغنائية في زمن اضحت فيه التداخلات و التقاطعات سمة من سمات اجناس التعبير قطعاً لا تخلو تلك الأجناس من ادلجة .
ونظرة فاحصه اولية عجلي للمشهد الغنائي ترتد النظرة خاسئة بافتقار الخطاب الغنائي إلي ابسط تهيؤات التغيير والإضافة كجزء من تلك الساقية الفنية في دورانها من والي البحر؛ (كالحرث في البحر)
إلى ذلك كان المناخ يحن !! إلى( ذرياب) يكسر رتابة المألوف بإضافة شريان أو حبل سرى إلى مشيمة الوصل الفني لرفد الوشيج الغنائي السوداني و تجميل فناءه الداخلي .
السؤال الذى يُطرح كسؤال مشروع و يُسوغ له المشهد الغنائي السالف . تري ما هي الحال الإبداع كانت عليها التجارب الغنائية إبان حلول تجربة هذا الزرياب ؟؟؟ ولعل إحالات الإجابة ترتد إلى إلمامنا بالمقارنة كان أو الاستقراء للأنماط الغنائية السائدة . الخطاب الغنائي السوداني تتوزعه أنماط ثلاثة " الشعر الشعبي - شعر أغاني الحقيبة - والأغاني الوترية الحديثة " .
و هذه الأنماط الثلاثة من " اللغة الوسطى" علي حد اصطلاح الأستاذ / حسن عبيد ([1]) تعد بمثابة تجريب لعقول زمنية ماضية ولأجيال وجدت هكذا موروثها و تعاملت مع "تركتها" كأحسن ما يكون التعامل و الملاحظ أن النماذج الثلاثة تنطوي علي هيئة و تراتب بنية النصوص شكلا ومضموناً بالتعددية الإبداع تتراوح بين ما هو " شعبي" أو حقيبوى وغنائي حديث تتسلك بمسلك واحد في أفق تنوعها بمعني أن الشعر الغنائي الشعبي يفهم كما هو و يتم تناوله من خلال شعبيته وكذا الحقيبوى والحديث وتظل اللغة المحور الأساسي تقوم عليها هذه التجارب سواء بعاميتها المفرطة أو بعاميتها الفصيحة .
الأنماط الآنفة تعد بمثابة التجريب الغنائي المتاح قبل أن يطرح صديقنا الراحل المقيم تجربته الغنائية وبما أننا بصدد تجربته القيمة يمكننا أن نكتشف درجة التحولات الشعرية في القيمة الغنائية و النص الشعري الغنائي.
يقول الشاعر محمد الحسن ( حميد) ([2]):
وفي بيَوضة ما في سراب ... جبال تقلي و فيافي الكاب
تفيض بالخضرة منقسمة ... فيافي الصي و بيوضة
البراسيم فيها جروفي ... خضارة يرارى شوف عيني
علي الأبواب طواريها ... وحواريها ... وقماريها
بقت روضة ... بقت تشرب من الحمراب
وواضح كملمح تعبيري في الاشارات التراثيه و البيئية عند حميد كشاعر يمت بصلة حميمة إلى الطين والحروف كرباط وطني نحتاج إلى فض فضائه واقامة علائق حميمة بيننا وبين لغة الإبداع نحتاج لفحصها وفق مكانها لتقدم لنا هذا " الحميد" وبرأيي أن نقد حميد كشاعر يكاد يكون عدماً ومتخلفاً جداً عما أنتجه هذا " الفلتة" .
ويحاور محمد طه القدال إمكانية مزاوجة التراثي بالمحدث .
و زى برق السماك الجاية دغشية
وزى زغرودة البطن الكبارية
مرق من شامة القمرة
بريتك بوداعة الله ومقدم بالعديل يبرا
ابشروا تعالوا يا جنيات
شليل ما راح ... شليل ما فات
شليل عند المسورو حرق بقالوا حصاد ([3])
نلاحظ إلى أي مدي وفق " القدال" إلى توظيف التراث " والحكي" بشكل تناصوى يستوحي نصوصا تعج بكثافة عبق الوطن والموروث البيئي بشكل إبداعي متقدم .
ويقول محمد عبد الله مريخة :
كيف أنساك وإنت الجرح النازف
منو " خريف " العته
" خريف المحل" الما بدارك
نجم " الشايل" وخته([4])
وهاهى الفطرة والسليقة تتبدى كما " النص البدوي" بداهة وحدساً وربما هو أفق وفضا الوديعة " قرية مريخة " تهمي في عذرية لا متناهية " فخريف العته" وخريف المحل " نجم الشايل وخته" تمنح النص تشكيلا فريدا ينسج محمد عبد الله نظمه الشعري ببراعة ويضيف لنص الأغنية السودانية عبقاً آخر .
ويرمز يحي فضل الله :
يا ضلنا المرسوم علي رمل المسافة
وشاكي من طول الطريق
قول للبنية الخايفة من نار الحروف
تحرق بيوتات الفريق
قوليها ما تتخوفي .
ليشفع د. بشرى الفاضل التجريب قائلا :
ما في غير تلكع تسافر
شيل حقا يبك وامشي بينات الشعوب
الصحراء يتحجيك بالرؤي
الحمام حزنان من غير جناح
غنت القمرية .... " قوقى" ...
ولسه مسافر امشي في درب السحابة
جيبها لي أماتنا .. زي حطب الفزع
ويرفد " عاطف خيري" فضاء الإبداعية :
في غفلة جو الكفار
وطارت حمامة الغار
لاقوني ناشف ومر
ما ذنب جلد الطار
لو غنو بيهو شتر
ما تخافي الله معاك
وكل الملائكة سمر :
ويرصد الصادق الرضي الواقع :-
ألم اقل إن العمارات استطالت
أفرغت أطفالك الجوعى علي وسخ الرصيف
ويشرع محمد مدني قائلا :-
والأرض تحتضن بذرة الإمكان
يا رباه ما أبهاك
يا ارض إدخرتك مغزلا للحب والأشعار
والحقب الجديدة
أهواك يا فرح التقائي بالحقول
وبالسهول وبالنجوع
يا رجعة صرخة أهل وادينا
الوديان تنتشر الجموع
لا العشق لا الإنسان
في بلدي .. يدجن أو يضيع
ولعل المتفحص في هذا الاستقراء المقارن يجد إلى أي مدي طور مصطفي في الأغنية السودانية باستصحابه للتباين الثر وإغنائه بتجارب الشعراء الشباب في إطار نص جمالي يعيد إنتاج الهموم اليومية والتطلعات والبحث عن اليقين الخفي من خلال مفردات تنبثق حيوية والفة و تلتزم موضوعيا تجاه قضايا إنسانية وحياتية كبري من خلال زعزعة وتحريك صخر القديم بتمرد وصياغات جديدة فاضحي التمايز الإبداعي سمة تسم أعمال هذه الطلائع ذات الحس الغنائي الرقيق الآسر.
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة