أخوتي الأفاضل التقيت بأحد المعجبين بوطننا الأم الأبيض وأنا في السودان فتحدث حديث العاشق المتيم عنها وطيبة أهلها وأهازيج ترابها ... وحينما ذكر لي أن له مقالات نشرت عنها طلبت منه أن يمدني بها وقد كان وفيا في حبه لتلكم الديار ووفيا معي وهائنذا أنقل اليكم ما سطره يراعه العاشق لحب تلكم الديار وحب من سكنها -
إنه عقبة ... وأترككم مع سرده الرائع الجميل وذلك الوفاء
*عَروس الرِّمال فى مَقال*
* بقلم : عُقْبَة محمَّد أحمّد
كثيرون هم من شغفهم حب المدن والدِّيار ، فالعرب قديماً كانت
تستفتح قصائدها بذكر الديار والوقوف على الأطلال وقد جرت تلك العادة
ردحاً من الزمان حتى طالها التجديد على يد ( أبى نواس ) الذى يعتـبر أشعر المحدثين بعد (بشَّار) ، ومن أمثلة ذكر الدِّيار قول الشاعر:~
* أمُرُّ على الدِّيارِ ديَّارُ ( سَلْمَى) أُقَبّـِلُ ذا الجِدَار وذا الجِـدَارَا
* وما حُبُّ الدِّيارِ شَغَفْنَ قَلبِـى ولكـن حُبُّ مَنْ سَكَـنَ الدِّيارَا
أمَّا الشعر الذى يصف جمال مدننا فهو جَمٌ يَصْعُبُ حصره ، وأمثلة ذلك:
قصيدة ( توتى) ( للتجانى يوسف بشير) :~
* يا دُرّةٌ حَفَّها النِّـيـْلُ واحْتـَوَاها البـَّر
وأهزوجة (فتَّاح السقيد) فى عاصمة الجزيرة الخضراء :~
* إنْتِ مِنْ ويـن يا بِنَيَّة نَاوْيَة عَلَى وينْ السَّفرْ ؟
* قُلْتِى لَىْ (مدنى) الجميلة (مدنى) يا أجمل خَبَرْ
* فيها قَضَّيتْ الطُفُولَة فيها شَابْ عُمـْرِى وكِبِرْ
* فيها (الكاشف) يغنِّى ويكتـب (المَسَّاح ) شِعِرْ
وما من شخص مكث بموضـعٍ إلاَّ
span lang="AR-SA" style="font-size: 18.0pt; font-family: Simplified Arabic">راوده الحنين إليه بعدما يرتحل منه ، خاصةً إذا قضـى فى ذلك المكان
طفولته ، حيـث شَهِدَتْ مدينة ( الأبيِّض ) سنوات صبايا الباكر فى أوائل
السبعينات عندما كان والدى إدارياً ( بأبحاث الصمغ العربى ) بعـروس الرِّمال) التى عشنا فيها زهاء الستة أعوام فى ذلك الحى الحالم والعامـر
بأهله(حى أمير)وسعدنا بأريحية أهلها وجمال طبيعتها الواجدة لا سيما فى
فصل الخريف الذى يكسوها حُلَّةً خضراء زاهية فتبدو مثل جَنـَّة تخلب
الأنظاربسحرها ، ثمَّ فارقتها ليُِنْـقَل الوالد إلى ( هيئة البحوث الزراعية )
بمدينة ( مدنى ) 0
ولكن بعد بينى عنها أصبح وجدانى يتُـوقُ إلى زيارتها تارة أخرى
وتَمُرُّ السنون والحنين إليها يساورنى حتى ظننتُ أنِّى هائمٌ بها كما هَـامَ
شاعرنا ( جعفر محمد عثمان) بتبلديـته التى فارقها فى داره (بالدَّلنـج)
قائلاً :~
* يا إلْفَ رُوْحِى00 رُوْحِى فِى لَهْفَةٍ للتَّلاقِى
* وإننِّى مَا عِشْتُ لا أسْلُو تذَكُّرِى واشْتِياَقِى
* فَهَلْ لنَا مِنْ تَدَانٍ مِنْ بَعْدِ طُوْلِ الفِـرَاقِ؟!
وأخيراً سطَّر القدر اللقاء ففارقتـها يافعاً دون السابعة وأعود إليها
إبن الثلاثين ، تحركت المركبـة من الخرطوم قاصدة الأُبيِّض وروحى
تسابقها للوصول إليها، وما أنْ قطعنا شوطاً من أرض كردفان الغرَّة حتى
لاح لى سحرها حيث ترقد (عروس الرِّمال) فوق الكثبان الرمليـة متخذةً
الجبال سِتْراً لها فجبل (كرباج) شمالاً وجبل(العين) شرقاً وجبل (الملبس)
جنوباً ، وأبرز معالمها (حدائق البان جديد) التى أفتتن بها شاعرنا (أحمد
عوض الكريم القرشى) إذ يقول:~
* اليُومْ سَعِيدْ وكأنُّو عيد يَلاَّ نَشْهَدْ حَدَائِق الباَنْ جَدِيدْ
وأشهر الخيران ( خور بنو ، خور بقرة ، خور القبة)وأهمَّ القباب
(قبة الشيخ إسماعيل الولى) وضريح (سوار الذهب) ، أمَّا الأسواق يمثلها
( سوق أبى جهل) وأعـرق الأندية ( نادى الخريجين ) ومسرح (عروس الرِّمال وجامعة كردفان وغيرها0كما لا يفوتنى أنْ أذكر أبرز الشخصيات
التى زارت ( الأبيض) منها ( الزعيم جمال عبد الناصر والملكة أليزابيث
والشاعر نزار قبانى وإحسان عبد القدوس )0
كان لقائى (بعروس الرِّمال) لقاء الزائر غير المقيم فقد إتسعتْ
وترامت أطرافها إلا أنَّ معالمها الشهيرة لم تتغير، وتاقـتْ نفسى لرؤية
منزل الأسرة سابقاً (بحى أميـر) الذى شَهِدَ عهد طفولتى ، فوصلتُ إليه
دون أنْ أضِّلـَّه حتى لكأننِّى فارقتـه بالأمس فعهدى به منذ العام1979
وهانذا أعود إليه فى أواخر العام 2001, فما من موضعٍ إلا ووقفتُ فيه
أجترُّ الذكريات ويأتى على خاطرى قول شاعر الأبيات (إبراهيم ناجى):
* هذه الكَعْبـَةُ كُنـَّا طَائِفِيـهَا والمُصلِّيـنَ صَباحَ مَساء
* كَمْ سَجَدْناَ وعَبَدْناَ الحُسْنَ فِيها كَيفَ باللهِ رَجَعْناَ غُرَباَء ؟
حيث يُشبِّه( إبراهيم ناجى) دار أحلامه وذكرياته (بالكعبة) بجامع الحُرمة
والقداسة فى كليهما ولكن شَتاّنَ بين قداسة الكعبة وقداسة الدِّيار!!
أما إنسان (عروس الرِّمال) فقد حكاه ( العباسى ) شعراً فيقول :~
* فَارَقْتُ بالأَمْسِ فِتْيـَاناً كأنَّهم فِى الجُودِ لمَّا تَباَروا خَيْل مِضْمَارِ
* كأنَّما أرْضَعتهُم أمَهاتُهم غَيْظَ العَـدّو وَبـرّ الضَّيـفِ والجَارِ
* أفْدِىالأُبيِّض أفْدِىالنازِلينَ بِهَا مَثْوَى الأكَارِمِ أشْياَعِى وأنْصَارِى
كما إمتدحهم الدكتور ( الفاتح النور) قائلاً :~
* يا رَعَى اللهُ( بالأبيِّض) قَوماً عَرِفـوا قَدْرَهُم فأبْلُـوا خِيـَارا
* وَهُمُوا أصْدَقَ الناَّس قَـوْلاً وَهُمُـوا أكْـرَمَ النَّاس جَـارَا
فحُبِّى لمدينة الأبيض يشاركنى فيه الكثير بالرغم من أننِّى ليس
من قاطنيها! ولكن هكذا نحن السودانيون قد جُبِلْنَا على عشق كل شبر من تراب أرضنا حتى وإنْ لم نَعِشْ فيه، وإنىلأرجو أن تجتمع كلمتنا وإرادتنا
صوناً لهذا الوطن الأَبِى الغَنىّ البَهِى 000
*نشر بتايخ : 10.12.2006