عادل القصاص والحصه تاريخ//محمد خلف الله عبدالله.......

مرحبا Guest
اخر زيارك لك: 04-26-2024, 10:31 AM الصفحة الرئيسية

منتديات سودانيزاونلاين    مكتبة الفساد    ابحث    اخبار و بيانات    مواضيع توثيقية    منبر الشعبية    اراء حرة و مقالات    مدخل أرشيف اراء حرة و مقالات   
News and Press Releases    اتصل بنا    Articles and Views    English Forum    ناس الزقازيق   
مدخل أرشيف للعام 2015م
نسخة قابلة للطباعة من الموضوع   ارسل الموضوع لصديق   اقرا المشاركات فى شكل سلسلة « | »
اقرا احدث مداخلة فى هذا الموضوع »
11-07-2014, 07:46 AM

munswor almophtah
<amunswor almophtah
تاريخ التسجيل: 12-02-2004
مجموع المشاركات: 19368

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
عادل القصاص والحصه تاريخ//محمد خلف الله عبدالله.......


    صديقي عادل



    أمرُ هذه الدنيا مُمَدَّدٌ (وإنْ شئتَ مشدودٌ) بين الضرورةِ المُتوهَّمة وواقعِ الاحتمال. والمناهجُ التي نتخيَّرها، هي الأخرى، متأرجِّحةٌ بين الاكتفاءِ بالشجرةِ المُتاحة أو الاستظلالِ بالغابةِ المترامية فيما وراء الأفقِ المرئي. سأشرح بتمهُّلٍ ما أعني بهذا المدخلِ المُعتم، بعضِ الشيء. ولكن، قبل أن أفعلَ ذلك، قلْ لي:
    أولاً، كيف تتلاءمُ ذاكرتُك القصصية مع انزياحاتِ المكان وتبدلاتِه العاصفة: من أمدرمانَ إلى دمشقَ وأديس أبابا وأسمرا، ثمَّ أديس أبابا مرَّةً أخرى، فالقاهرة (وكانت كلُّ الرجرجةِ التي عاناها سلفُك لا تتعدَّى رحلةً شاقةً بالفعل "من أسكلةِ الخرطومِ إلى الجبلينِ إلى الرجاف"، فلم يشهدوا فسطاطَ عمرٍو ولا قلعة صلاح الدين، بل أن بعضَهم أُرْجِعَ من محطة القطار النهائية ببحري)؛ وثانياً، كيف يعملُ قرنُ آمونِك الذكيُّ مع طبوغرافيا المكانِ في مِلبورن (وكنتُ لا أعرفُ عنها قبلك سوى أنها المدينة التي يُقام فيها أولُ المنافساتِ الكبرى لكرةِ المضرب، إلى جانب "غولان روش" بباريس، و"ويمبلدون" بلندن، و"فلشينغ ميدوز" بنيويورك).
    وقد نبَّهني من قبلُ كِتابُ "جماليَّات المكان" للفيلسوف الفرنسي غاستون باشلار للدورِ الذي يلعبه المفهومُ المسبق في تشكيلِ ذاكرة الشعراء والروائيين؛ وكنت أعرفُ كيف يشدُّني امرؤ القيسِ إلى بيئته من "سِقطِ اللِّوى" إلى "الدَخولِ فحَوْمَلِ"؛ وكيف يجذبني طرفة إلى "بُرقةِ ثَهْمَدِ"؛ أو زهيرُ إلى "حَومانةِ الدَّرَّاجِ فالمُتَثَلَّمِ"؛ أو جميعهم إلى باقةٍ لا تُنسى من الأماكنِ العربيةِ المُحبَّبة مثل "المُتَرّدَّمِ" و"الرَّقْمَتين" و"مِنًّى"؛ ثم تعرُج بك الأخيرةُ إلى اصطفافٍ آخرَ من الاستخدامِ القرآنيِّ لبلاغةِ المكان: "وشجرةً تخرجُ من طورِ سيناءَ تنبُتُ بالدُهنِ وصِبْغٍ للآكِلِين" أو "وَطُورِ سِينِينَ وهذا البلدِ الأمين" أو "إِرَمَ ذاتِ العِمادِ الَّتي لم يُخْلَقْ مِثلُها في البِلاد".
    ولكن (ولا يرى ستيفن پِنْكَر، في أحدثِ كتبِه غضاضةً في افتتاحِ فقرةٍ جديدة بحرفِ ربط) هل يؤجِّجُ الارتحالُ أو الانتقالُ المفاجئ من مكانٍ إلى آخرَ مفهوماً ثانياً لباشلار، وهو "القطعُ المعرفي"؛ إذ أراك ’تقطعُ‘ في وقتٍ وجيز ما يستغرق المرءُ عُمُراً كاملاً في غرفة "الحارة السابعة"؛ وقد فَعَلَها من قبلُ شيخُ الروائيين السودانيين، حيث أخرج للناسِ روايةً تتناقلها الألسنُ وتتحدَّث بها الرُكبان. أمَّا شيخُ الشعراء السودانيين، فقد وجد ضالته في مفهوم باشلار الأول: اُنظُر في "نار المجاذيب" أو "تلك الأشياء" وتأمَّل كيف احتمى بدفءِ المكان؛ أمَّا أنا، فيعنيني بشكلٍ خاص تذييلَ بعضِ قصائدِه تحت اسم الحيِّ الذي نشأتُ فيه، ولا زالت ذاكرتي تترعرعُ به -هذا غيرُ أحلامي وانتكاساتي المتكرِّرة- وهو حيُّ "الكراكسة"، بِحارة "بيت المال" القديمة. وخلافاً للشيخين، ظللتُ مشدوداً رَدَحاً من الدهرِ بين الشِعْرِ والقَصِّ، إلى أن ناداني "القُرآنُ"، فهفوتُ مُسْرِعاً إليه، ومازلت في أرجائه أدور.
    بمناسبة "الحارة السابعة"، سلامي ودعواتي إلى أمِّي الرابعة "حاجَّة صفيَّة"، عسى أن يحفظَها اللهُ ويمنحَها العافية وطولَ العُمُر؛ وصلواتي ودعواتي إلى أمِّي الثالثة المرحومة "حاجَّة آمنة"، عسي أن يُكرِمَها اللهُ ويُهيئَ لها فسيحَ الجنان؛ وصلواتي ودعواتي إلى أمِّي الثانية المرحومة "حاجَّة صفية ’الأولى‘ بنت البدوي"، عسى أن يكتُبَها اللهُ مع النبيين والصديقين والشهداء؛ وأن يحفظَ اللهُ أمِّي الأولى، صاحبةَ الفضلِ الأكبر، "حاجَّة مُنى". وكيف حال "مُفيدة"؟ لازلت أتذوَّقُ في ذاكرتي نكهة الشاي -الذي يتسلَّلُ إلى "الغرفةِ" إلينا عبر ذلك "الشُبَّاكِ" الأخضر- وأتعجبُ في نفسي كيف تُضاهي بمُفْرَدِها نكهة القهوة التي تَبْرَعُ في صنعها الأمهاتُ الأربع! وكيف حال رواد "الغرفة" من جمهرة الكتاب والشعراء؛ وكيف حال جيرانها: علمت بموت قاسم حسن درار: رجلٌ من "السابعة" لا يُدانيه امرؤٌ في سموِّ الخُلُقِ والحَرْفَنةِ الكروية إلا رجلٌ آخرُ من "الثامنة"، هو نصر الدين عباس ’جكسا‘؛ وكلاهما ارتبط بفريق "الهلال"؛ استمر أحدُهما مع الفريق، فطَبَّقَتْ شُهْرَتُهُ الآفاق؛ وانقطع الآخرُ، فتناساه الجمهور؛ ولن ينساه اللهُ، ولا قِلَّةٌ من أفاضلِ الهلاليين.
    ولله دَرُّكَ يا "شيخُ الدين" و"بنتُ همرور"! لم أرَ امرأةً سودانية أفضلَ في التمثيلِ المسرحيِّ من "تماضر"، حتى لو أدخلنا ضمنهن نساءً في قامةِ فايزة عمسيب. ولا زلت أخجل من نفسي يومَ سُئلتُ عن تقييمِ أفضلِ ممثلين وممثلاتٍ في عرضٍ مسرحيٍّ لامتحانِ خريجي قسم المسرح بالمعهد العالي للموسيقى والمسرح، فأجبت "تماضرَ" في الخاناتِ الثلاث، وكانت تمثِّلُ دوراً مساعِداً في واحدٍ من عروض الدبلوم! ما شاء الله وتبارك وتعالى، غير أني لا أذكر كلَّ الأسماء؛ ولكن، مَنْ ينسى "تبارك" -وياله من اسم!- أو "الوافر" من فرقة "السمندل" الموسيقية أو "المقداد" الذي كنا نُهيؤه قبل التاسعة ليقرأَ للناسِ "نشرة التاسعة" في تلفزيون جمهورية السودان. و"عفافُ" أذكرها وأخلط اسمها أحياناً –وربما لاسم أخيها- باسم زوجة عركي، مع أن الله لم يُسعدني برؤية كليهما؛ وعندما زرتهما في "الحتَّانة" بصُحبة عميري ومريم، لم نجد سوى عربةٍ معتَّقةٍ تليقُ بعركي، هاجعةً في دلالٍ وَدَعَةٍ خارج الدار. كما لم أحظَ برؤية "همرورَ" وأخته "أميمة" إلا لِماماً، كما لم ألتقِ "رشا" يا عذارى "السابعة"؛ وأين "الصادق"؛ ولكن يالله أين "عشَّة"، أرجو أن تكون عائشةً على أفضلِ وقتٍ، وأن يهبها اللهُ الصِحَّةَ وطولَ العُمُر،ِ وأن يُجنِّبها الفاقَةَ والعِوَزَ ورِفاقَ الطقسِ الصحوِ وعداواتِ اليومِ الغائم.
    وبمناسبةِ "الكراكسة" و"جكسا" و"قاسم"، فإنني أتساءل: لماذا لا يُعيدون تأسيسَ فريق "الكراكسة" لكرةِ القدم، خصوصاً بعد انتقالِ أو ذوبانِ فريق "ناصر" الذي دُمِجَ فيه اعتسافاً بقرارٍ فوقي؛ أو لماذا لا يقومُ أخي الشاعر "بابكر الوسيلة" بمسحٍ أنثروبولوجي لِما تبقَّى من الحيِّ القديم أو لقاطنيه الذين رحلوا عنه إلى "العرضة" أو "الثورات"، لمعرفةِ الظروف والملابسات التي قادتِ "المجذوبَ" إلى الاحتماءِ بالحي؛ وما هو السحرُ الذي جذبه إليه أو وَجَدَه فيه، حتى يُقَيِّدَ الاسمَ في ذيلِ بعضِ قصائده - هل هو شَغَفُه بغريبِ "الدوالِ" أم في الأمرِ عِلَّةٌ كامنةٌ في عُمْقِ المدلول؛ وأين كان يسكن بالتحديد، في أيِّ بيتٍ أم في أيِّ كوخ، وما أكثرَ الأكواخَ في "بيتِ المالِ" القديم! وهل ذهب العقارُ مع إعادة التخطيط أم أن هناك أملاً في "تعليقِ" شِعْرِه عليه: بداخلِه كمتحفٍ يحمل اسمَه البهيَّ أو أبياتٍ مُرصَّعةٍ بخارجِه، كتذكيرٍ دائمٍ بأهميةِ المكان.
    وعلى ذكرِ المكانِ، فلْنَعُدْ إلى المدخل، لنستأنفَ ما انقطع من حديثٍ حول الضرورةِ المُتَوهَّمة وواقعِ الاحتمال، وحول نهجَي الشجرة والغابة. وكإضاءةٍ أولى لِعَتَمَةِ المدخل، أقول بأن ما دفعني لكتابةِ هذه السطور، غيرُ وَكْزِ عثمان حامد المتكرِّر، هو ملاحظةٌ أبديتها أنت، وبشكلٍ تقريري، في مقالِك باللغةِ الإنكليزية الذي استوحيتَه من حوارٍ لكَ مع يحي فضل الله تحت عنوان: "عادل القصَّاص والحصَّة قصَّة"، حيث قلتَ ما تُعادلُ ترجمتُه الزعمَ بأن علاقتك بمواد "الرياضيات" و"الكيمياء" و"قواعد اللغتين العربية والإنكليزية" قد تدهورت من اهتمامٍ فاترٍ إلى كراهيةٍ تامَّة، نسبةً لاعتقادك بأن هذه المواد لا تنطوي على محتوًى سردي أو حسب ظنك تحديداً بأنها تفتقرُ إلى بنيةِ سردٍ خاصَّةٍ بها (الإضافة المُظلَّلة من عندي، فالترجمةُ ضربٌ من التفسير، وكلُّ مُفَسِّرٍ يحمل على عاتقه، كما طائرُ البَطْروسِ في قصيدةِ "البحَّارِ القديمِ" لصمويل كولردج، جريرةَ تفسيرِه).

    فلو قلتَ (ولا داعي لتكرار كلام پِنْكَر الذي جاء بالفقرةِ الرابعة) إن طريقة عرض الناظر لحكايته في أولِ يومٍ دراسي -إلى جانب منهاج الدراسة بالمدرسة الأولية- قد كرَّسَتِ الانطباعَ بأن الموادَّ المذكورة عاليه لا تنطوي على بنية سرد -كما هو الحال مع مواد "الدين الإسلامي" و"اللغة العربية" و"التاريخ"- لَمَا أثار كلامُك ما يلزم التنويه، ولكنك اعتقدت فيما يُشبهُ الجزمَ بأنها تفتقرُ إلى قوامٍ سردي. وما يستدعي الاستغراب أنك بدأت فعلاً في إعمالِ الخيال لدرجةٍ أمكنتك التعاملَ مع "علمِ الأحياء" و"الجغرافيا" بمزاجٍ سردي - فبأيِّ فرمانٍ يمكننا أن نُحِدَّ من مَلَكَةِ الخيال، فنُوقفها عند حدودِ الحياة؟ ربما تأتي الإجابةُ، وبشكلٍ غير متوقَّعٍ، من علمِ الأحياءِ ذاتِه؛ ولكن، قبل التعرُّف على الإجابةِ، دعنا نُفلفل ’بنية السرد‘ في المجالِ القصصي.
    ’بنيةُ السردِ‘ - أو البنية السردية – هي في المقام الأول قالَبٌ شكليٌّ محدَّد أو مفهومٌ مجرد يتمُّ إسقاطُه (أو التعرُّف عليه، بواسطة الكاتب أو القارئ على التوالي) على مادَّةٍ قابلةٍ للتشكُّل أو ذات محتوًى حكائيٍّ كامن، بحيث يتم إكساب المادَّة عنصراً من عناصر الانتظام، وعادةً ما يأخذُ شكلَ تأليفٍ، يتضمَّنُ شخوصاً، ينشأ بينهم صراعٌ، يحتدم إلى درجةٍ، تقود في النهاية إلى حلٍّ للعقدة؛ وبالطبع، يمكن إضافة بعض الرتوش لهذا التعريف المبسَّط أو الاشتطاط في تبسيطه؛ وفي أيٍّ من الاحتمالين، ينصرف انتباهُنا إلى الإطارِ النظريِّ النقي، والقابلِ في ذاتِ الوقت للتطبيقِ على مادَّةٍ لا حصرَ لها. وهذه، تحديداً، هي الخاصيَّة التي سمحت لخيالِك الخصب بالتعاملِ مع عِلْمَي ’الأحياء‘ و’الجغرافيا‘ "بمزاجٍ سردي"، على حدِّ تعبيرك الموفَّق؛ إذ إن بنية السرد هي عنصرٌ أدبي، يتضمَّنُ في إطاره ’قصةً‘-تدورُ أحداثُها في مكانٍ معيَّن- وتتخذ خطَّاً متصاعداً، يصل إلى ذروةٍ، تنفكُّ بها عقدةٌ في نهاية العمل؛ وتنويعاً على ذلك، وخاصةً في الأعمال الحديثة، يمكن لذلك التصاعد أن يمضي بلا انقطاع، أو يُفتتحُ العملُ بدءاً مِمَّا يُشبه الذروة، ثم تنفكُّ عناصرُه أو تنحلُّ طلاسُمه عن طريقِ تقنياتِ الارتجاع أو "الفلاش باك".
    إذا كان بإمكانك تصوُّر نموِّ زهرةٍ كقصَّة، فيمكنك أن تتخيَّل أيَّ ملاحمَ نسجها علماءُ أفذاذٌ حول نشوءِ العناصر (الكيمياء) والأنواع (الأحياء)، هذا غير نشوء الكون نفسه (الفيزياء)؛ كما يمكنك أن تتخيَّل أيَّ أساطيرَ حبكها علماءُ نحوٍ وصرفٍ حُذَّاقٌ حول نشوء اللغة (قواعد اللغة العربية) أو تطوُّرِها (قواعد اللغة الإنجليزية). يمكنك أن تتعاطف مع أبي الفتح عثمان (ابن جني)، وتحِسُّ بمعاناته وهو يحاولُ أن يَبْعَجَ إجابةً شافية حول أصل اللغة: أهي اصطلاحٌ أم توقيف؟ وترجع حسيراً معه، حينما تتعثر خطاه ويعزُّ مطلبه. ما أوجد الانطباعَ لديك وقتها، ولم يَسَعَكَ لاحقاً لمراجعته، هو قوةُ عرضِ الناظر لمادَّته وبراعته في وضعها ضمن قالَبٍ قصصي. ولو كان لمجايليه (تلك الكلمة المحبَّبة لأحمد الطيِّب عبد المكرَّم – أيُّ فراغٍ تمدَّدَ في أعقابِه، أيُّ أسًى ترسَّبَ في القلب) من مدرسي المواد الأخرى قوةُ عرضِه وبراعتُه، لَتَبَدَّدَ هذا الانطباعُ في المهدِ، ناهيك أن يصحبك، رغم بُعدِ الشُقَّةِ، إلى مِلبورن.
    الإضاءة الثانية، هي أن خطوط القصَّة، بما تفرضه من انتظامٍ في السبك، تُوهِمُ بوجودِ ضرورةٍ محدَّدة تلزم الأحداثَ بالانصياعِ لتتابعٍ بعينه، في حين أن الواقعَ مليءٌ بالاحتمالاتِ التي لا تخضع لأيِّ ترتيبٍ مُسبق. والإضاءةُ الأخيرةُ للمدخل، حتى تنقشعَ عتمتُه دون حاجةٍ إلى مزيدٍ من التطويل، هو أن خطوط القصَّة، بنظمِها المبسَّط، تلائمُ النهجَ الذي يكتفي بالإمساكِ بالشجرة، في حين أن الواقع المُشبع دوماً بالاحتمالات، غالباً ما يُضحِّي بالضرورة، فلا يُناسبه أحياناً إلا نهجٌ يحاول أن يُمسكَ سُدًى بكلِّ تلابيبِ الواقع، فيستظلُّ، واهماً هو الآخرُ، بغابةٍ كثيفةٍ، متراميةٍ فيما وراء الأفقِ المرئي.
    علمُ الأحياء، بغزارةِ مادَّته وتفرُّعِ أقسامه، تتقاسمه مدرستان، في إطار النظرية الدارونية المهيمنة، بالتوليفةِ الحديثة بين الانتخاب الطبيعي وعلم الوراثة؛ المدرسة الأولى، وهي الأكثر هيمنةً، قامت على أكتافِ علماءَ فطاحل، لكن خطيبَها المفوَّه، والأسطعَ نجوميةً، وربما لمهاتراتِه وبُعدِه المنهجي عن "الاستقامةِ السياسية"، هو ريتشارد دوكنز، الأستاذ بجامعة أوكسفورد، صاحب المؤلفات العديدة، بينها كتابُه الأشهر: "الجينة الأنانية"؛ والفيلسوف المدافع عنها على رؤوسِ الأشهاد، هو دان (يل) دينيت، الأستاذ بجامعة تَفْتس الأمريكية، صاحب المؤلفات العديدة، هو الآخرُ، ومن بينها كتابُه الأشهر: "وعيٌ وقد تمَّ تفسيرُه"؛ أما المدرسة الثانية، فقد قامت على أكتافِ ثلاثةِ علماءَ إنجليز وإيرلنديين بجامعة كمبردج، لكن زعيمَها الأشهر، المروِّجَ لأفكارِها الأساسية، هو الراحلُ ستيفن جاي غوولد، الأستاذ بجامعة هارفرد، صاحب المؤلفات العديدة، بينها كتابُه الأشهر: "[يا له من] عالمٍ رائع".
    يمتليءُ "الجينة الأنانية" بمختلفِ الحكاياتِ والقصص التي تعكس وتفسِّر مختلفِ سلوك الحيوانات (والنباتات)، وقد اعتمد الكاتب على أسلوبٍ أدبيٍّ شيِّق، وطريقةٍ أدبيةٍ علميةٍ في آن، تتبنَّى نهجَ "التحليل المغاير للوقائع". وخلافاً للحكايات والقصص في المجال الأدبي، لا تعتمد الطريقة العلمية على "بنيةِ سردٍ" عادية فحسب، وإنما تلجأ أيضاً إلى شكلٍ شبيهٍ بها، وهو "خطة بناء الجسم"؛ ومن سلسلةٍ متدرِّجةٍ لخطةِ البناء، يتمُّ نسجُ ’قصَّةٍ‘ تفسِّر مراحلَ تطوُّرِ نوعٍ إلى جنسٍ ففصيلة، إلى آخرِه؛ أو تحدُّرِه منه إلى فصيلةٍ، فجنسٍ، فنوع. إلا أنها، تماماً مثل "بنية السرد"، بفرضِها لضرورةٍ محدَّدة، تخنقُ كلَّ احتمالاتِ التنوُّع، فلا تُناسبُ إلا نهجَ الإمساكِ بشجرةٍ بعينها: شجرةِ نسبِ هذا الأرنبِ البريِّ أو تلك الوردةِ الجبلية.
    وفي هذا الخصوص، نبَّه الراحلُ ستيفن جاي غوولد إلى أن السُلَّم المُتصاعِدَ الظاهرَ للعيان لخُطَّةِ بناءِ أجسام الخيول قد أوهم بوجودِ تطوُّرٍ لا ينقطع، من جنس الهايراكثيريم (وهو جنسُ حيوانٍ ثديِّيٍّ منقرض شبيهٍ بالوبريات، كان يعتاشُ على العشب) إلى الأحْمِرة الحديثة (الإيكوس)، مما سهَّل مهمة تدبيجِ قصةٍ ملائمة حول ’تطوُّرِ‘ الخيول، الأمر الذي لم يتوفَّر في حالة الخفافيش والظباء والقوارض؛ إلا أن الخيول، في واقع الأمر، لا تنتظم، بحسب غوولد، في سُلَّمٍ تطوُّري أو تندرج ضمن سلالةٍ مركزية، إذ إن هذا ’السُلَّمَ المتصاعدَ‘ الظاهري هو واحدٌ من المساراتِ المتشابكة المتعدِّدة ضمن غابةٍ في غايةِ التعقيد؛ ولم يُكتبِ النجاحُ لهذا المسارِ بالذات، إلا بإخفاقِ المساراتِ الأخرى، أي انقراضِها.
    بمعنًى آخر، يمكن لشاعرٍ جاهليٍّ، مثل طرفة بن العبد، أن يعتامَ الناقةَ مناطاً للاستفاضة في الوصفِ، للتعبيرِ من خلالِه عن تطوُّرِه العقليِّ والروحي؛ ويمكن لفيلسوفٍ معاصرٍ، مثل طوماس نيجل، أن ينتقي الخفاشَ مثالاً لتوضيحِ مشكلة الوعي المُستعصية على الفهم؛ كما يمكن لشاعرٍ، مثل أخي بابكر الوسيلة أن يستأنسَ بفراشاتِه للاحتماءِ بها من غيلةِ الدهر؛ أمَّا بشأنِ فصيلة الخيول، فقد تسنَّى لشاعرٍ راحلٍ، مثل محمود درويش، أن يكتب: "لماذا تركتَ الحصانَ وحيداً؟"، مجيباً عن أبٍ لابنِه: "لكي يُؤنَسَ البيتُ يا ولدي، فالبيوتُ تموتُ إذا غاب سكانُها"؛ مما تسنَّى لاحقاً لصديقٍ راحلٍ آخرَ، مثل سميح القاسم، أن يستخدمها معاتباً رفيقَ صباه على سبقِه بالرحيلِ عن الدنيا: "أنتَ تركتَ الحصانَ وحيداً..لماذا؟ وآثرتَ صهوةَ موتِكَ أفقاً". ومع ذلك، فلا يمكن التوسُّلُ بكلِّ الخيولِ أداةً للإمساكِ بمسيرة التاريخ البشري، إلا إذا اتسعتِ الرؤية وأسعفتها التجربة وحالفها توفيقٌ نادر، وهذا هو بالتحديد ما أنجزه الشاعرُ المصري الراحل أمل دنقل في قصيدةِ "الخيول" (أين أنت يا خالد عبد الله؛ هل ما زِلتَ تحفظُها عن ظهرِ قلب، وتُسْمِعُها بصوتِك الجهوريِّ الممتع لباقةٍ مما تبقى من أصدقاء؟)
    على ذكرِ التوفيقِ النادر واتساعِ الرؤية، وضعَ عالمُ الإحاثة (أي علمُ الأحياء المُوغلة في القدم، والتي تأخذُ شكلَ متحجَّراتٍ حيوانية أو نباتية) الأمريكي الشهير، تشارلس دوليتل وولكوت، يدَه، في عام 1909، على أثمنِ كنزٍ من الأُحفوريات في أعالي جبال الروكي الكندية؛ وهو ما بات يُعرف لاحقاً في الأدبيات العلمية باسم بيرغيس شيل. وأهمية هذا الاكتشاف تنبع من أنه من النادر جداً أن يحصُلَ المرءُ على أُحفورياتٍ للحيوانات اللافقارية ذات الأجسام اللَّيِّنة، لأنها، ببساطة شديدة، لا تملكُ هياكلَ تدلُّ عليها بعد اندثارها؛ ولكنَّ، هذا ما حدث تحديداً في حالة أحفوريات بيرغيس شيل؛ إذ تعاونت ظروفٌ ومصادفاتٌ نادرة – انهيارٌ جليدي وانسدادُ مدخلِ مغارةٍ على حافةِ بحيرةٍ جبلية بكتلٍ من الثلج – على الإبقاءِ على مجموعةٍ نادرة من حيوانات بيرغيس شيل الناعمةِ الملمس. إلا أن مكتشفَها، على الرغم من طولِ باعِه العلمي، لم يكن يملك من اتساعِ الرؤيةِ ما يؤهِّله لتقديرِ القيمة الفعلية لاكتشافِه النادر؛ وكان كلُّ ما فعله ينصبُّ بصورةٍ رئيسية في تصنيفِ مجموع الحيوانات المُكتشفة وفق ما هو موجودٌ بالفعل، مع أنها كانت تشير بخرطومينِ بائنين (أنومالوكيريس) وأعينٍ خمس (أوپابينيا) إلى عصرِ المفصلياتِ ثلاثيةِ الفصوص، التي تضاهي في أهميتها عصر الديناصورات.
    وقد تضافرت عدَّةُ جهودٍ في توسيعِ الرؤية لإعادةِ تقويم أحفوريات بيرغيس شيل، إلا أن جهودهم ما كان يمكن أن تصِلَ إلى جمهورٍ واسعٍ من القراء والمشاهدين، لولا مساهمة غوولد المتميِّزة في كتاب "(يا لها من) حياة رائعة"، إضافةً إلى تقنية تحريك الصور عن طريق الحاسب الآلي، التي مكَّنت من إنتاجِ أفلام فيديو لا تُنسى حول حيوانات بيرغيس شيل، التي ظهرت إلى الوجود في أعقابِ العصر الكمبري، عصر انفجار الحياة في هذا الكون البالغ التعقيد. وما ميَّز مساهمة غوولد عن غيرها من المساهمات العلمية الرائدة في إعادة التقويم المذكورة، هو اعتمادُه أسلوباً أدبياً تشويقياً وتصويراً درامياً فعَّالاً، ساعد في بثِّ روحٍ جديدة على مجموعةِ حيواناتٍ منقرضة منذ ما يقارب 570 مليونَ عام. فمَنْ ينسى بعد قراءة الكتاب المُحتشد بالرسومِ البارعة والقَصَصِ المصاحبة "ماريلللا" أو "ويواكسيا" أو "هلوسيجينيا" أو "أتويا" أو "أيشايا" أو"هبيليا"؛ وإنْ نسي أحدُنا واحدةً منهن أو جميعهن، مَنْ يقدر على أن يسقط من ذاكرته الدائمة "أنومالوكاريس" ذات الخرطومين البارزين، أو "أوبابينيا" ذات الأعينِ الخمس.
    وما يلفت الانتباه في إعادة تقويم بيرغيس شيل، ليس فقط الكشفَ عن وجودِ عالمٍ جديد يخلخل المفاهيمَ البيولوجية السائدة حول نشأةِ الحياة، وإنما أيضاً تسليطها الضوءَ على ذلك البعدِ الأكثر عُمقاً لتضاعيفِ الزمن، هذا المفهوم المُسبق الذي يشكِّل في مجال الحكي عنصراً هاماً في أيِّ بنيةِ سرد. وعندما بدأ جيمس هاتون في عرضِ نظريته حول الأرض على أعضاء الجمعية الملكية بإدنبرة في مارس 1785، لم يكن أحدٌ من الحاضرين بمكتبة الجامعة مستعداً لتصديقِه، خصوصاً عندما زعم بأن عُمُرَ الأرضِ أكبرُ بما لا يُقاس من أيِّ تحديدٍ سابق، وقد عزَّز زعمَه بقولِه إنه لا يمكن بالوسائل المتوفِّرة لدى البشر حساب الوقت الذي تستغرقه عملياتُ التعرية شديدةُ البطء، إضافةً إلى قوةِ الأرض الباطنية التي تؤدِّي إلى رفعِ الصخور؛ وبناءً على ذلك، يمكن أن يكون عُمُرُ الأرضِ ملايين السنين، وقد يكون بلايين السنيين (ونحن نعرف الآن، بالقياس الإشعاعي، أن عمرها يبلغ 4.54 بليون)؛ وكانت معظمُ التحديدات المقدَّمة من جمهرةِ العلماء لا تتعدَّى 6 آلاف سنة؛ وهو الرقمُ الذي اتفق عليه مفسرو الكتاب المقدَّس في ذلك الوقت.
    إلا أن تشارلس لايل، مؤلفَ كتاب "مبادئ الجيولوجيا"، قد استيقن بنفسه في عام 1824، عندما شاهد، بصحبة جيمس هول (صديق جيمس هاتون)، النتوءَ الصخري في منطقة سيكار بوينت على الساحل الشرقي لإسكتلندا، حيث يظهر عليه بوضوحٍ شديد ’اللا توافق‘ الذي تحدَّث عنه هاتون (وعثر عليه بصحبة صديقيه جون بليفير وهول)؛ وهو عبارة عن لسانٍ أو أرضٍ رأسية يوجد بها صخورٌ عمودية قائمةً بين تراصفين من الصخور الرسوبية، مما يؤكِّد أن ارتفاع الصخور لم يكن بفعلِ انحسار الماء -وإلا لَكَانتْ أفقيةً- وإنما باندفاعِها بقوةٍ رافعة من باطنِ الأرض؛ فما كان منه إلا أن ضمَّنها في كتابِه الشهير، الذي أرسل نسخةً منه إلى تشارلس دارون، الذي اطَّلع عليها أثناء وجودِه على ظهر السفينة "بيغل". وعندما وصل إلى أرخبيل غالاباغوس، كان دارون قد وجد بالمصادفةِ السعيدة وحسنِ التوفيق ضالتَيْه: مكانٌ (أو حيِّزٌ جغرافيٌّ) محصور يحتوي على عددٍ من الحيوانات (بينها فينتشاتُه الشهيرة؛ أي عصافيرُه أو شراشيرُه) التي يوجد بينها تنوُّعٌ يسمح بتكيُّفِ بعضٍ منها، بحيث ترتقي (بشكلٍ طبيعي/ وليس اصطناعي، مثل حماماتِه الشهيرةِ أيضاً)، وينشأ عنها أنواعٌ جديدة قابلة للبقاء؛ وزمانٌ (أو عمقٌ تاريخيٌّ) مديدٌ وكافٍ لإكمالِ هذه العمليات البالغةِ البطء؛ وبتضافرِ هذين العنصرين (الزمان والمكان)، تمكَّن دارون من صياغة بنيةِ سردٍ ملائمة لـِ"حُجَّتِه الطويلة" التي صاحبت قصة "النشوء"، التي أودعها كتابه الأشهر: "أصل الأنواع".
    أما في حالة "نشوء" الكون، فإن "الزمان" و"المكان" يلتحمانِ في إطارٍ واحد هو "الزمكان"، حسب ألبرت آينشتاين، وتصبح التلسكوبات المُستخدمة في رصدِ حركة الكون، ليست مجرد أجهزة فعَّالة لتقريب الأمكنة البعيدة، بل هي أيضاً أدواتٌ ناجعة لتقريب الأزمنة الموغلة في القدم؛ فحسب علمِ الفيزياء، فإن طولَ موجاتِ الأشعة الكهرومغنطيسية الصادرة عن جسمٍ تزدادُ وتنزاحُ نحو الأحمر كلما تباعدتْ عن مركزِ الرصد (مثلما أنها تقصُرُ وتنزاحُ نحو الأزرق كلما اقتربت من مركز الرصد)؛ وبما أن ما شاهده إدوين هابل عبر تلسكوبه (قبل أن يتسمَّى آخرُ باسمه) في عام 1929 كان ينطوي على انزياحٍ أحمرَ في كلِّ الاتجاهات، فإن ذلك يعني أن الكونَ في حالةِ اتساعٍ مطَّرد، وأن المجرَّاتِ بالتالي تتباعدُ عن بعضِها البعض بشكلٍ مستمر؛ وبما أن هذا الاتساع يحدث في كلِّ الاتجاهات، فإن من السهل أن نتخيَّل ابتداءَ الكونِ من نقطةٍ واحدة، بتراجعِ "السردِ" من ذروةٍ هي ما يحدثُ الآن في أطرافِ المجرَّاتِ، إلى بدايةٍ سحيقةٍ في القدم، هي نشأةُ هذا الكون من جُسيمٍ متناهٍ في الصغر، كثيفٍ وساخنٍ بلا حدود؛ وهذا باختصار هو المنطقُ "السردي" -إنْ جازَ التعبير- الذي يقبعُ خلف نظرية "الانفجار العظيم".
    ولكنْ (شكراً لِـپنكر على تسهيله مهمة الربط بين الفقرات)، لسنا هنا أمام قصَّةٍ خيالية، بل نظريةٍ علمية قام عليها دليلٌ مخبري (بمعهد ’سيرن‘ بسويسرا)، وأكَّدها دليلٌ آخرُ قاطعٌ كالسيف، وهو إشعاعُ الموجات الصغرى لخلفية الكون (سي إم بي). إلا أنه ينبغي لإدراكِ ’صحَّةِ‘ هذه النظرية، أن ندرك أيضاً أن "الانفجارَ" لم يكن انفجاراً بالمعنى المألوف، كما أنه لم يكن "عظيماً" بأيِّ مقياس! إذَاً، لماذا سُمِّي بـِ"الانفجار العظيم"، في المقام الأول؟ إنها طريقةٌ مجازيةٌ في التعبيرِ، فحسب؛ وقد افترعها فريد هويل، الذي لم يكن مقتنعاً بهذه النظرية في الأساس، ولكنَّ تعبيرَه المجازيَّ قد رَسَخَ مع كثرةِ الاستعمال؛ ولم ينشأ ضررٌ من رسوخِه وسط العلماء، غير أنه مضلِّلٌ إلى حدٍّ بعيد للمبتدئين. لم يكنِ "الانفجارُ" ’انفجاراً‘ بالمعنى المألوف، لأنه لم يكن هناك وقتَ ’حدوثِه‘ فضاءٌ لينفجرَ فيه؛ فالمكانُ، حسب نظرية "الانفجار العظيم"، لم يكن موجوداً، بل أنه نشأ بنتيجةِ ذلك ’الانفجارِ‘ المجازيِّ ذاتِه؛ كما أنه لم يكن ’عظيماً‘، لأن الكتلة المتوفِّرة عند ’حدوثِه‘ لم تكن كبيرةً، بحيث ينتج منها أثرٌ عظيم، بل كانت، في واقع الأمر، متناهيةَ الصغر. ولتسهيلِ التصوُّر، يمكن النظر لـِ"الانفجار" باعتباره انفجاراً للفضاءِ ذاتِه، وليس حيِّزاً يحدُث بداخلِه انفجار؛ إضافةً إلى أن مضاعفة الكتلة المتناهية في الصغر ترليونات المرات (10 ترليون ترليون –واحد وأمامه 25 صفراً- بتقدير ألان غوث) في بضعِ نانوثوانٍ في فترةِ التضخم التي أعقبت "الانفجار" لا تصل بالجُسيم المتناهي الصغر إلى حجمِ الشمَّامِ أو البطيخ (هل تذكر طعمَهُما بعد وجبةِ غداءٍ دَسِمة في عصرِ يومٍ قائظ!).
    نظرية "الانفجار العظيم" المهيمنة حالياً في مجال علم الكونيات، هي تماماً مثل تيار "النيودارونية"، المهيمن في مجال علم الأحياء -والذي يتزعَّمه دوكنز، كما سبقت الإشارة إلى ذلك- فكلاهما يعتمد على نهجِ الإمساكِ بالشجرة؛ فشجرةُ الكون، مثلما هو الحال مع شجرةِ الحياة، تنطلق من منشأٍ واحد، وتتبع مساراً بعينه، وتلزِمُه ضرورةٌ محدَّدة، يُقامُ عليها الدليل، وتنصاعُ الكائناتُ القائمة في إطارِه لقوانينَ مُلزِمةٍ للكل. صحيحٌ أن ميكانيكا الكم تكسر هذه الضرورة (وهو موضوعٌ لا أريد الخوضَ فيه هنا، لأنني قد خصَّصت له مكاناً في "حروف الكون" ضمن "ثلاثية الحروف المضيئة"، وسأطلعك عليها في حينه)، ولكنني لا أريد أن أبرحَ علمَ الكونيات، قبل أن أوضِّحَ بأن هذه الضرورة قد هُدِّدت من داخله، ببروزِ نظريةِ الأكوانِ المتعدِّدة أو الكونِ متعدِّدِ الأكوان.
    فحسب التصوُّرِ التقليدي لنظرية "الانفجار العظيم"، فإن ’الانفجارَ‘ أعقبته مباشرةً فترةٌ تُسمى "التضخُّم"، نتج عنها اتساعٌ للفضاء، وكان معدَّل التضخم معادلاً بصورةٍ أو بأخرى لقوة الجاذبية؛ وقد اشتملت النظرية النسبية العامة على تضمينٍ افتراضيٍّ لهذه القوة المضادة للجاذبية. ولكن ألان غوث بنى عليها في بداية الثمانيناتِ من القرن الماضي فكرةَ الكونِ متعدِّدِ الأكوان؛ وهي أكوانٌ تنشأ بنتيجةِ ازديادِ معدَّل التضخم، وتجاوزه للاتساع التقليدي، بحيث يتغلَّب على معدَّل الجاذبية، ويؤدِّي إلى تمطيط الكون وتسطيحه، وانبثاقِ عددٍ محدَّدٍ أو لانهائي (وفقاً لمعدَّل التضخم، وهو غيرُ معروفٍ ولا يمكن حسابه حالياً) على أطرافِ أو فيما وراءِ الكون المرئي. وقد راقت هذه النظرية لعددٍ من علماء النسبية العامة، بينهم -وربما أشهرهم- ليونارد سسكند من جامعة ستانفورد الأمريكية. ما يهمُنا من هذه النظرية هنا هي أنها أدخلت عنصرَ الاحتمال، وخلخلت الضرورة التي تشتمل عليها نظرية "الانفجار العظيم" بشكلِها التقليدي؛ أي أنها انتقلت، حسب تصوٌّرنا لها، من نهجِ الاستمساك بالشجرة إلى الاستظلالِ بغابةٍ متراميةٍ فيما وراء الأفقِ المرئي.
    ينبغي هنا أن نتوقَّفَ قليلاً لنوضِّحَ ما نعني بمفهوم الضرورة الذي نضعه في مقابل مفهوم الاحتمال، وذلك قبل أن نتحدَّث عن هذين النهجين في مجال اللغة، خصوصاً وأن مفهوم الضرورة يرتبط بصورةٍ خاصة بمفهومَي الشكل والمحتوى، اللذين لا يخفى على أحدٍ أهميتهما بالنسبة للغة بصورةٍ عامة، والأدب بصورةٍ خاصة. ففي العلوم الطبيعية، تتجلَّى الضرورة في الصيغ الرياضية المعروفة، فترتبط بالشكل؛ كما تتجلَّى فيما يُعرف بثوابت الطبيعة (وهي مقاديرُ محدَّدةٌ لا يمكن تفسيرها حالياً بنظريةٍ أكثر عمقاً)، فترتبط بما يُسمى بالمحتوى (المقابل للمضمون في مجال الأدب). وعلى سبيل المثال، ترتبط نظرية نيوتن بصيغةٍ رياضية معروفة ( )، كما ترتبط بمقدارٍ محدَّدٍ لقيمةِ ثابتِ الجاذبية (G)؛ ومن جانبها، ترتبط النظرية النسبية منذ بروز صيغتها الخاصة في عام 1905 بصيغةٍ رياضية شهيرة ( )، كما ترتبط بمقدارٍ محدَّد لقيمةِ ثابتِ سرعةِ الضوء (c). ووفقاً لذلك، ينشأ احتمالان بالنسبة للأكوان الأخرى، فهي إما أنها مختلفةٌ عن هذا الكون في المقادير (ولا يشبه كونٌ آخرُ هذا الكون، إلا إذا تساوتِ المقادير)، أو أنها مختلفةٌ في الصيغ الرياضية نفسها (وفي هذه الحالة، يتعذَّر وجودُ شبيهٍ لهذا الكون).
    بعد أن تتبَّعنا نهجَي الشجرة والغابة في علمَي الأحياء والفيزياء، دعنا نرصد طريقة عملهما في مجال اللغة. فعلى وجهِ العموم، تتأرجَّح اللغة بمعماريتها الرأسية (من الصوتِ إلى الدلالة)، كقاربٍ شراعيٍّ على أمواجِ بحرٍ متلاطمة، بين التوصيفِ والوصف. يشدُّها التيارُ الأول نحو القَوْلَبَة، والصرامة، والجمود؛ بينما يميل بها التيارُ الثاني نحو التساهلِ، واللينِ، وقابلية التطوُّر (إنْ لم نقل التفكُّك والانقراض). ويمكن التمثيل على ذلك بعلمَي النحو والصرف لقُربِه من السلوكِ اللغويِّ في حياة الناسِ اليومية؛ فمَنْ مِنَّا لم يتعرَّض منذ الصغر لحملة "قل أو لا تقل"؛ ومَنْ مِنَّا لم يسمع بتمرُّدِ هذا الشاعر أو ذاك على قواعد اللغة أو صيغها الصرفية المُلزِمة. ورحِم اللهُ ابن جني وغفر له اشتطاطَه الواضحَ أحياناً، فقد كان ينبري للدفاع عن المتنبي ويجد له المخارجَ والحيلَ اللغوية البارعة ("الفتح الوهبي على مشكلات المتنبي")، هذا غير دفاعه عن القراءاتِ الشاذَّة في القرآن. وكان رغم انتماءِ أستاذه أبي علي الفارسي إلى مدرسة البَصرة (والتي يُحسب أحياناً ضمنها)، يتخذُ مكاناً وسطاً بين مدرستي البَصرة والكوفة. وربما يفسِّر هذا الموقفُ الوسطي سرَّ معاناتِه وتأرجُّحَه في إيجادِ إجابةٍ أو ترجيحٍ لأيٍّ من الإجاباتِ الواردة حول أصل اللغة. ولولا خوفٌ من تطويل، لأوردت فقرةً كاملة من كتابه الأشهر "الخصائص".
    أرست مدرسة البَصرة أسسَ القياسِ والتعليل، وتميَّزت مدرسة الكوفة عنها فوق ذلك باتساعِها في الروايةِ والقياس. ويجدُر هنا، تقديراً للأمهاتِ الأربع وتطييباً لخاطرِهن، أن نُبَسْمِلَ ونستغيثَ ثلاثاً بالشيخ إبراهيم المكاشفي قبل أن نضمَّ "العقربَ" و"الزنبورَ" إلى حقلِ هذه الرسالة التي امتلأت بالحيواناتِ الواردةِ إليها من كافَّةِ العصور، فقد أورد النحويُّ النابه أبو البركات الأنباري نحو مئةٍ وعشرين مسألةً في "الإنصاف في مسائل الخلاف"، لتوضيحِ الاختلاف بين النحويين البَصريين والكوفيين، والنصرة لكليهما على سبيل الإنصاف؛ إلا أن أشهرَ مسألةٍ وأكثرها دلالةً على اتساعِ الكوفيين في الرواية والقياس هي المسألة "التاسعة والتسعون" أو ما اشتُهرت في الأدبيات النحوية بـِ"المسألة الزنبورية"؛ وسببُ تسميتِها ناتجٌ من ’حكايةٍ‘ مشهورة بين الكسائي وسيبويه، حيث سأل الأولُ الثاني في مجلسٍ محضور: كيف تقول: "كُنْتُ أظُنُ أن العقرب أشدُّ لَسْعَةً من الزُّنْبُورِ فإذا هو هي، أو فإذا هو إيَّاها، فقال سيبويه: "فإذا هو هي"، ولا يجوز النصب. فقال له الكسائي: لَحَنْتَ.
    ولم يكتفِ الكسائي بذلك، بل استعان على سيبويه بأعرابٍ من عشيرة الحُطَمة النازلين ببغداد، أوقفهم على بابِ دارِ يحي البرمكي، فأيَّدوه عندما تمَّ استدعاؤهم حسب طلبه؛ إلا أن تأييدهم لا يؤبه له في الحقيقة، لأنهم لم يكونوا على درجةٍ عاليةٍ من الفصاحة أو قلَّت فصاحتهم بمساكنتهم لأهلِ المدن، وكان البَصريون يعتمدون في الرواية على العرب الخُلَّص ولا يأخذون عن سكان المدن أو البراري التي تحيط بها. بمعنًى آخر، فإن عرب الحُطَمة، سكان البراري، الذين جِيء بهم لإقامةِ الدليل، هم في أصلِ الخلاف القائم بين البَصريين والكوفيين، ولا يصحُّ تقديمُهم لنصرةِ أحد، إلا هروباً من مواجهةٍ أو افتراضاً لحُجَّةٍ دون تقديمٍ لاحتجاج؛ فقولهم في هذا الموضع "فإذا هو إياها" من الشاذِّ الذي لا يُعبأ به، حسب وجهة نظر البَصريين. وعموماً، تتشدَّد البَصرة فيمن تأخذ عنهم الشِعرَ والتعبيراتِ اللغوية؛ وتتساهل الكوفة، وتأخذ حتى عن الأعرابِ الذين تحلَّقوا بحواضر العراق، مما دفع أحدُ البصريين للافتخارِ عليهم بقوله: "نحن نأخذ اللغة عن حَرَشة الضباب وأكَلَة اليرابيع، وأنتم تأخذونها عن أكلة الشواريز (اللبن الرائب بعد استخراج مائه) وباعة الكواميخ (المخلَّل)".
    وحول أصل اللغة أإلهامٌ هي أم اصطلاح، يقرٌّ ابن جني بأن "أكثرَ أهلِ النظر على أن أصلَ اللغة إنما هو تواضعٌ واصطلاح، لا وحيٌ (وتوقيف)"، هذا بالرغم من أن أستاذه أبا علي الفارسي يرى أنها هي من عندِ الله، ويحتجُّ بقولِه سبحانه: "وعلَّم آدمَ الأسماءَ كلَّها"؛ إلا أن ابن جني يرى بأن طرحَ أستاذِه "لا يتناول موضِعَ الخلاف. وذلك أنه قد يجوز أن يكون تأويلُه: أقدر آدمَ على أنْ واضعَ عليها؛ وهذا المعنى من عندِ الله سبحانه لا محالة". ولأبي الحسين أحمد بن فارس رأيٌّ طريف عرضه في كتابِه "الصاحبي"، في "باب القول على لغة العرب: أتوقيفٌ أم اصطلاح؟"؛ حيث يقول بلا تردُّد إن لغة العرب توقيف؛ وهي لم تأتِ "جملةً واحدة"، وإنما وقَّف اللهُ جلَّ وعزَّ آدمَ عليه السلام على ما شاءَ أن يعلِّمَه إياه مما احتاج إلى علمِه في زمانِه ..ثم علَّم بعده عربَ الأنبياء صلوات الله عليهم نبيَّاً نبيَّاً ما شاءَ أن يعلِّمه، حتى انتهى الأمرُ إلى نبيِّنا محمد (صلى الله عليه وسلَّم)، فآتاه اللهُ جلَّ وعزَّ من ذلك ما لم يؤتِه أحداً قبله..ثم قرَّ الأمرُ قرارَه، فلا نعلم لغةً من بعدِه حدثت".
    ما يهمنا من كلام النحويين العرب القدامى حول أصل اللغة، هو أنها، تماماً كمالأحياءُ والفيزياءُ، يتنازعها منحَيان: منحًى يُدْرِجها ضمن مسارٍ واحد، يبدأ من أصلٍ هو "تلك الشجرة" التي أكل منها آدمُ، ثم تتفرَّعُ في الأرضِ، إلى أن تصِلَ إلى اللغةِ التي نتحدَّثُ بها اليوم؛ ومنحًى يُوقِفُها على مواضعاتِ الناس واصطلاحاتِهم على مرِّ العصور، مما يعرِّضها إلى إمكانية التطوُّر أو الاندثار. المنحى الأول يرتبط بالنهج الذي أسميناه نهجَ الشجرة، الذي يعتمد على قوانينَ ثابتةٍ وشروطٍ صارمةٍ للاستخدامِ اللغوي، لعل أبرزها ذلك التوجُّه المعياري الذي يتمُّ صياغته -أمراً ونهياً- في عبارة :قل ولا تقل"؛ والمنحى الثاني يرتبط بنهج الغابة، الذي يعتمد على ديناميكية اللغة ومشروعية التعدُّد ضمن اللسان الواحد، مما يسهِّل مهمة المواكبة، إلا أنه -للسببِ نفسِه- محفوفٌ بمخاطرِ التمييع، إنْ لم يصلْ به الأمرُ في نهاية المطاف إلى درجةِ الانقراض.
    وإذا انتقلنا من أصلِ اللغة إلى بلاغةِ التعبير في إطارِ تاريخِ اللغةِ العربية، فإننا نجد نفس المنحَيين المذكورين: ينعكس المنحى الأول في موقف البلاغيين من التشبيه، بينما ينعكس الثاني في موقفهم من الاستعارة. فقد لقي التشبيه اهتماماً وإعجاباً شديدين من قبل اللغويين، لدرجةِ أن أبا الهلال العسكري قد قال عنه في "كتاب الصناعتين" إن جميع المتكلمين من العرب والعجم قد أطبقوا عليه ولم يستغنِ أحدٌ منهم عنه؛ بل جاء منهم "ما يُستدل به على شرفه وفضله وموقعه من البلاغة بكلِّ لسان". وسرُ الاهتمام بالتشبيه ناتجٌ من إبقائه على الحدود القائمة بين طرفين هما: المشبَّه والمشبَّه به؛ فمهما أُضفي على هذه العلاقة من غرابةِ التعبير وندرته، فإنها تظلُّ محكومةً بتوازنٍ لا يلغي التمايز، ولا يضحِّي بالوضوح؛ وتظلُّ أداةُ الشبه بارزةً كعلامةٍ دالَّةٍ على الارتباطِ الوثيق بين الطرفين؛ وحتى لو سقطتِ الأداةُ إمعاناً في الإيجاز أو مبالغةً في إظهارِ التشابه، فإن ذلك لا يُلغي التمايزَ القائم بينهما. لذلك لم يخشَ أحدٌ من البلاغيين الأوائل من الإسرافِ في التشبيه، ولم تعترِ أيَّاً منهم خَشيَةٌ من تقويضِه لوضوحِ الدلالة.
    على أن الأمرَ ليس كذلك بالنسبة للاستعارة؛ فقد رأى فيها بعضُ الأقدمين خطورةً على وضوحِ المعنى؛ وهو ما كانوا يصفونه بالغموض. فباستنادِ الاستعارة على طرفٍ واحد، بحذفِ المُشبَّه وأداةِ التشبيهِ معاً، ينشأ ارتباكٌ حول طبيعةِ المُشبَّه به، مما يستدعي تجوُّزاً أو انتقالاً من ظاهرِ اللفظ المُستخدم إلى ’حقيقتِه‘، مما يعرِّضه إلى عددٍ لا يُحصى من التكهُّنات. وقد انحصرت جهودُ البلاغيين القُدامى في تقييدِ الاستعارة بإلزاماتِ التشبيه، من تحديدٍ منطقيٍّ لأوجه الشبه، والتناسب اللازم بين الأطراف المقارنة، حتى لا تختلط الحدود، وتتداخل المعالم، وتتشابك أغصانُ المعاني فيما وراء الأفق المرئي. إلا أن عبد القاهر الجرجاني قد وضعها في مرتبةٍ أعلى من التشبيه، لقدرتها على إصابةِ المعنى بأكبرِ قدرٍ من الإيجاز. ولكن بما أن الاستعارة عند عبد القاهر هي واحدةٌ من طُرُقِ الإثبات التي قوامها الادِّعاء، فإن نجاحَها رهينٌ بالإصابة في ’صِحَّةِ‘ ما تدَّعيه، إلا أنها مع ذلك تظلُّ مفتوحةً على كلِّ الاحتمالات، ومن هنا خطورتها التي عبَّر عنها الأقدمون بمصطلح الغموض.
    لا تخلو لغةٌ إنسانية من استخدامِ التشبيه؛ وبما أن له ارتباطاً وثيقاً بالتناسبِ المنطقي، فإنه يرِدُ بكثرةٍ في وصفِ العلوم المختلفة وفي كتابةِ تاريخها؛ أما الاستعاره، فإنها ترتبط بشكلٍ أكبر بالشعر والرواية. وللأستاذ الراحل جمال محمد أحمد، أولِ رئيسٍ لاتحاد الكتَّاب السودانيين، رأيٌ طريفٌ حول الرواية والتاريخ؛ وطرافته ليست نابعةً من السَعَةِ والتحرُّرِ الناشئين من الانتقال المدهش من حرفيَّةِ التاريخ إلى بلاغةِ الرواية، وإنما مصدرُها ناجمٌ عن رأيِّهِ حول التاريخِ ذاتِه، فقد كان يرى في التاريخ، حسب ما ورد في دراسةٍ له حول "الرواية والتاريخ"، ما كان يراه فيكو؛ وما كان يراه الفيلسوفُ الإيطالي غيامباتيستا فيكو، هو أن هناك احتمالاً قوياً بأن الناسَ في فتراتٍ تاريخية مختلفة يمتلكون أنظمةً متباينة للفكر، مما يعني أن حرفيَّةَ التاريخِ ذاتِها خاضعةٌ لأنماطِ التفكير المتنوِّعة، الأمر الذي يضاعف من حريَّةِ الانتقالِ في مجالِ التعبيرِ الروائي؛ هذا بالإضافة إلى مزيَّةِ الانتقالِ من المعطياتِ الخارجية للحسِّ إلى الدفقاتِ الداخلية للشعورِ.
    من الجائز أن يكون الأستاذ جمال محمد أحمد قد توقَّف في مشوارِ التماسِه لقبسِ الحداثةِ الأوروبية، بحُكمِ السنِّ، عند فيكو؛ ولكنَّ شبابَ الكتَّابِ، في منتدياتهم التي غصَّت بها دارُهم في المقرن، كانوا ينشدون فكاكاً من إسارِ التقليد، فينتهجون بنيويةً لهم ثم تفكيكاً، فينتقلون في سلاسةٍ ويُسر من فيكو إلى فوكو؛ فيتعلَّمون من الفيلسوف الفرنسي ميشيل فوكو حِرفة التنقيب، وكيفية إجراءِ حفرياتٍ عميقة في حقل المعرفة. إلا أن أولَ رئيسٍ لاتحاد الكتاب السودانيين كانت له أيضاً حفرياتُه المتميِّزة؛ فبينما كان الشبابُ يهرعون ويتقاطرون سراعاً للانضواءِ تحت أسلوبيَّةٍ معاصرة، ظلَّ أستاذُنا الكبير ينقِّب بصبر في بنيةِ اللغة العاميَّة السودانية، ويجد لها وشائجَ وارتباطاتٍ وصلاتِ نَسَبٍ وقُربى باللغةِ العربيةِ الكلاسيكية، فيُرفِدُ كتاباتِه بدفقاتِ مشاعرَ حيَّةٍ، نابعةٍ من وصلِ اللغةِ الشعبيَّةِ الحميمة برَحِمِ أمِّها الفُصحى، فيكون له بين جمهرةِ الكتَّاب جميعهم، صغيرهم وكبيرهم، أسلوبُه الأدبيُّ الخاص، ذو النكهةِ الجماليَّةِ المُحبَّبة.
    ولكنْ شتانَ ما بين الأسلوبيَّة والأسلوب؛ الأسلوبُ فرديٌّ وذو نزعةٍ ذاتيّةٍ محفوفةٍ بشتَّى الاحتمالات، فيما تأخذُ الأسلوبيَّةُ بُعداً موضوعياً، باعتبارِها من ناحيةٍ أولى جهداً قام به عددٌ من الباحثين اللسانيين لإرساءِ علمٍ للأسلوب؛ وبما أن الأسلوب هو في الأساس عملٌ أدبيٌّ يتحدَّد عبر صياغاتٍ إبلاغية، فإن مهمَّة الباحث اللساني في هذا المجال تنصَّبُّ حول معرفةِ الخصائص اللغوية التي يتحوَّلُ بمقتضاها الخِطابُ من وظيفتِه الإبلاغية إلى تأثيرِه البلاغي، أو من بُعدِه الإخباري إلى أثرِه الجمالي؛ وباعتبارِها – أي الأسلوبيَّة- من ناحيةٍ ثانية توصيفاً جماعياً أو تصنيفاً نقدياً تنخرطُ في إطارِه أساليبُ كُتَّابٍ من مدرسةٍ بعينها أو من فترةٍ تاريخيةٍ محدَّدة. ووفقاً لهذا التقسيم، تقع الأسلوبيَّة ضمن نهج الشجرة الذي يسمح بصياغةِ قوانينَ شاملةٍ للأسلوب، تُوهم بامتلاكِها لضرورةٍ لها سمةُ العلمِ وبنيتُه المنطقية المستقرة؛ فيما يقع الأسلوبُ نفسُه، وهو المادةُ الأساسية للأسلوبيَّة، ضمن نهجِ الغابة الذي يستعصي على الإحاطةِ العلمية، لتعدُّدِه، ونسبيتِه، ولانطوائِه على عددٍ لا يُحصى من الاحتمالات.
    في عام 1985، كان الكتَّابُ الكبار، من أمثال جمال محمد أحمد، قليلي العدد في الخرطوم؛ وكان الأستاذ الشاعر محمد عبد الحي يخشى من قيامِ الاتحاد في غَيبَةِ الكبار (الطيِّب في لندن، وصلاح في باريس، وجَيلي في موسكو)، إلا أن الأستاذ على المك، وعدداً من ناشئةِ الكتَّاب كانوا يهدِّؤون من خاطرِه ويطمئنونه ألا خَشيةَ عليهم من الأغلبية الميكانيكية التي يملكها الصغار. وكان الأستاذ بشرى الفاضل، بما يملك من موهبةٍ فذَّة وتقديرٍ أكاديميٍّ عال، مرشَّحاً لأنْ يُحدِثَ توازناً مناسباً بين الفئات العُمُرية داخل الاتحاد، وقد نجح إلى حدٍّ ما في تحقيقِ ذلك، إلا أنه لم يكن ذا صلةٍ لصيقة أو على درايةٍ كافيةٍ باتجاهاتِ وميولِ الكتَّاب ذوي السنِّ الأصغر، ناهيك أن يكون قادراً، في منتصف الثمانيناتِ من القرن الماضي، على تقييمهم أو التمييز بينهم. وكان بشرى، منذ "الفقسِ" (التي حصُل على اسمها بإذنٍ كريمٍ من الأستاذ جعفر طه حمزة – لَكَمْ أشتاقُ إلى أحاديثِه العذبة وحكاياتِه التي يصعُب التمييزُ فيها بين الواقع والخيال) يقفُ على قمَّةِ مجموعةٍ من القصَّاصين السودانيين، وكنتَ أنتَ، يا أخي وصديقي عادل القصَّاص، تقفُ على قمَّةِ مجموعةٍ أخرى، سيرِدُ فيما يلي تفصيلٌ لكلتيهما.
    يأتي في طليعةِ المجموعة الأولى القاصُّ الشاب ذو الإحساسِ المرهف والنبوغِ المبكِّر سامي يوسف غبريال، يليه شابٌ تتَّقد عيناه ذكاءً وتفتُّحاً مبكِّراً، هو القاصُّ من الله الطاهر من الله؛ وقد رافقتُ كليهما خلال أيام الطلبِ الباكرة إبان المرحلةِ المتوسطة، وكان بمدرسة بيت الأمانة نهران: شرقٌ وغرب؛ وكان كلا القاصَّيْن بالضفَّةِ الشرقية، تضمُهما جمعيَّةٌ أدبيَّة يرعاها القاصُّ الأستاذ الشاب عيسى الحلو، وكانت باكورة إنتاجه "ريش الببغاء" قد خرجت لتوِّها من المطابع، ولا زالت رائحةُ الحبرِ عالقةً بأغلفةِ النُسَخِ المعروضة في المكتباتِ وأكشاكِ الجرائد؛ وكنتُ في الضفةِ الأخرى، على هامشِ الجمعيَّة الأدبيَّة تحت رعاية المعلِّم الفذ شيخ مصطفى عبد المولى، خزانة الأدب العربي: أشعارُه، وأمثالُه، وحِكَمُه، وأقوالُه المأثورة؛ وكان لا يطرأ طارئٌ أثناء اليوم الدراسي إلا وقابله بما يُطابِقُه من خزانتِه التي لا يفلت من مظلَّةِ تفسيرِها حدثٌ عارضٌ أو قولٌ يوميٌّ ممجوج.
    لم يمهلنا سامي يوسف كثيراً للاستضاءةِ بنورِ علمه وحداثته؛ كان شغوفاً بالمعرفة، مُحِبَّاً للكتابة، إلا أنه كان متلهفاً مع ذلك للرحيل؛ فمضى بلا تردُّد، فكان رحيله صادماً لذويه ومحبيه على قدم المساواة؛ وتفاجأ العديدون من المهتمين بشؤونِ الأدب بموتِه المُفجع، مثلما تفاجئوا أولَ مرَّةٍ بنبوغِه المبكِّر. أما من الله، فقد راجت سيرتُه في المنتدياتِ والأوساطِ الأدبيَّة الأمدرمانية لفترةٍ من الزمن، إلا أن مهنة الطب قد سحبته من صفوةِ المدينة الموسومةِ بالقلقِ الستيني الوجودي، وألقت به هاشَّاً باشَّاً إلى عمومِ المرضى بمُستشفى أمدرمان التعليمي. وكنتُ على هامشِ الجمعيَّةِ الأدبية، بعيداً عن الأدب والسلوكِ الجمعي. صحيحٌ أن شيخ مصطفى قد فتح ذهني على أسرارِ النحوِ والصرف، وكنت أرى من خلالهما نافذةً تفتح على المنطق، إلا أنني كنت أكتفي بالوقوف على شاطئ الأدب، ولم أكن أرى مسوِّغاً كافياً للانغماسِ في لجَّته أو السباحةِ المحترفةِ في مياهِهِ العميقة.
    ويأتي ضمن المجموعة الأولى القاصُّ الشاب الحَيِيُّ، ذو الرهافةِ والشفافيةِ العالية، هاشم محجوب، وكان يقابله في معالجةِ الكتابة شعراً، والبحثِ عن بدائلَ للأطرِ الأدبيَّة المستقرة، الشاعر الشاب محجوب كبلو. رافقت كليهما إبان المرحلة الثانوية، وكانا على طرفي نقيضٍ في صياغةِ أحلامهما، وفي تخيِّر توسُّلهما لأجناسِ الأدب؛ لكنهما كانا مُتَّحِدَيْن في رؤيتهما لمستقبله، وفي تقاسمِهما لاسمٍ لا يُنسى (فهو اسمٌ لأخي الأصغر، الذي رحل مبكِّراً هو الآخرُ في تلك الفترة، فسمَّيتُ عليه ابنيَّ الأكبر، حَفِظَه الله)، وفي مناهضتهما للتيارِ العام الذي يُرسِي التقليدَ أساساً لتجميدِ محاورِ الكتابة. وكان لإمِّ هاشمٍ كوخٌ بمنطقة "القماير"، وكنَّا نعمُرُه بمعيَّة يحي زروق، وبشرى عبد الكريم، والمرحوم عبد المنعم الطيِّب؛ وكنَّا نحلم، في ذلك الوقت، بترسيخِ أساسٍ لدولة العدل والمساواة بين قاطني الأكواخ العشوائيَّة؛ وفي الطرفِ المقابل، كان محجوبٌ يحلم بإرساءِ نفسِ الأساس على أرضيَّةٍ إسلاميَّةٍ جديدة بين مزاولي الصلاة في مسجدِ الحيِّ العادي بـِ"ود أرو"، المجاور لـِ"سبيل خلف الله". وكان الفارقُ، وقتَها، بين الحُلُمَيْن ضئيلاً، لغيابِ تجربةِ الحكمِ الفعلي، ولتشاركهِما في مُعاداةِ التقليد.
    وكانا ينخرطانِ في منتديات أمدرمان التي تضمُّ بين عضويتها الراحل عمر الطيِّب الدوش، والتجاني سعيد، وكامل الطيِّب إدريس، وغيرهم؛ وكنت رغم محاولات هاشم محجوب ودعواته المتكرِّرة، لا أرغب في الامتزاج بدوائرِ الأدب، وأُفضِّلُ، عوضاً عنها، الاحتماءَ بدفءِ اللغةِ المستقرة، وبناءاتِها المنطقية المُطَمْئِنَة. لكن سرعان ما انجذب هاشمٌ إلى أوكارِ حيِّ العمدة وبريقِ سَحْبِ المراهناتِ القادمِ مع "توتو كورة"، فتوقَّف زمناً عن الكتابة، ثم غطَّته المهاجرُ العربية بسُحُبِ الصمت الداكنة، إلى أن عاد قريباً، وأرجو أن تكون خزانته مازالت ملأى بتحفِ السردِ والذكرياتِ الباقية. ثم انشغل محجوبٌ زمناً بتوترٍ ستيني، ثم ساقته المهاجرُ إلى مخابئها الواسعة، إلى أن عاد إلى الظهورِ عبر أعمدةِ الصحفِ المحليَّة، وأرجو أن تكون ذكرياتُه حافلةً بقديمٍ راسخٍ، متجدِّداً عبر الحقب، وأن تكون حقيبتُه أبعدَ غوراً مما يتسعُ به العمودُ اليوميُّ المتعجِّل.
    وينضمُّ إلى المجموعةِ الأولى أيضاً رجلٌ ذو حواشٍ رقيقة، ومناقيرَ مُعَدَّةٍ لالتقاطِ ما استدقَّ من تفاصيلِ الحياةِ اليوميَّة، وقدرةٍ فائقةٍ على "الفقسِ" في كلِّ لحظة؛ وهو الكاتبُ المفكِّر الفذ جعفر طه حمزة. كرَّس لرواية "المداري" وقتاً أطول مما قضاه الماحي علي الماحي في تصوُّرِ "التصعيديَّة"، أو الشيخ محمد الشيخ في تطوُّرِ "الفاعليَّة"، حتى أصبحنا وكأننا لا ندري: أيكتبُ "المداري" أم أن روايته "المداري" تكتبه لحظةً إثر لحظة؛ ففي حضرةِ حمزة، يختلط الواقعُ بالخيال، وتمتزج الرؤى بالرؤيا، ويفوحُ في المكانِ عطرٌ صادرٌ من أعماقِ روحِه القصيَّة. فالقصُّ عنده حياةٌ ممتدةٌ عبر الأزمنة، مثلما أن الحياة لديه مشدودةٌ دوماً بخيوطٍ من سرد. وكنا نضجر أحياناً من حياةِ الداخلياتِ الرتيبة بثكناتِ الجيشِ البريطاني "البركس"، فنذهبُ معه إلى "الكدرو"، فيذهب عنَّا الكدر، في حوشٍ ممتدٍ إلى أبعدِ حد، وهو خطُّ السكك الحديدية؛ ولا بدَّ أن تقادمَ العهدِ، وتكاثرَ السلالةِ، حسبما قدَّر اللهُ، قد قسَّما تلك الرقعة الممتدة، حتى ضاقت، كما الوطنُ الواسعُ، بساكنيها.
    للدبلوماسيَّةِ سحرُها الذي لا تُخطئه العينُ الفاحِصة، كما أن للحياةِ الأكاديميَّةِ بريقُها وغواياتُها؛ وقد تعاون السحرُ والغواية في اختطافِ حمزة من محيطِه الروائيِّ الأثير ليغطيانه بضبابيَّةِ الحياة الدبلوماسيَّة، والغبارِ المُثارِ من مجلَّداتِ الكتب ورفوفِ المكتباتِ العتيقة؛ مثلما تعاونت مهنةُ المحاماةِ والسياسةُ اليومية المتلاحقة في اختطافِ ساحرٍ آخرَ من فنون القصِّ، قبل أن يختطفه إجرامٌ غادر في جنوب لندن، وهو القاصُّ الذكي، ذو الروحِ المتأجِّجة على الدوام، عبد السلام حسن عبد السلام. كان يعشق كافكا عشقاً لا فكاكَ منه، حتى بعد أن تعرَّف في نهاية السبعيناتِ على عالم ماركيز. كان يتدفَّقُ في الكلام، ولا يعترف بفواصلِه أو نقاطِ توقُّفِه. كانت تدفعه روحٌ لا تغفو أو تنام؛ وعندما يستسلمُ الجسدُ أخيراً إلى النوم، سرعان ما يصحو ويواصل ما انقطع من حديثٍ، بحرفِ ربطٍ (لا أظنُّ أن پِنْكَر سيقرُّه كبرزخٍ بين عالمَيْن) وكأنَّه لم ينقطع إلى نومٍ أو أحلامٍ ليلية. وكان في ذلك تماماً مثل وجدي مصطفى طه، وهو الفيلسوفُ الذي لم نحصُل إلى الآنَ عليه؛ ربما بسببٍ من أن الدبلوماسيَّة قد أجرت سحرها أيضاً عليه، إلا أن الأملَ معقودٌ في أن لا تنجح الحياةُ الأكاديميَّة بنيويورك في حجبِ ظهورِه إلى الأبد؛ فالفيلسوفُ الحقيقي، كالنبعِ الجوفي، لا تقفُ صخرةٌ أو عائقٌ جيريٌّ أمام بروزِه المحتوم أو تدفقِه اللاحق الذي لا مفرَّ من حدوثِه.
    وينضافُ إلى هذه المجموعة باستحقاقٍ وجدارة قاصٌّ شاب متعدِّد المواهب، اشتُهر بترجماته لأقاصيصَ قصيرة أو أقصوصاتٍ لكافكا، كما اشتُهر أيضاً بتأليفه لمسرحية "حكاية تحت الشمس السخنة"، ولاحقاً رواية "سن الغزال"؛ إلا أن مواهبه لا تقفُ عند هذا الحد، فقد كان يعزف الكلارنيت منذ تتلمُّذِه على يد الصول حسن بالمدرسة الأهلية الثانوية، والساكسفون أمام أستاذ فاروق (دارسِ الموسيقى، الذي رحل عنَّا قبل تأسيسِ معهدٍ وطنيٍّ لها في عام 1968)، والعود برفقة هاشم حبيب الله ومحمد إسماعيل الأزهري، والمزمار والهارمونيكا ليُذهب عن نفسه، وعنَّا ساكني داخلية بحر العرب، وحشةَ الانعزال ومرارةَ العهدِ الدكتاتوريِّ الثاني، وذلكم هو القاصُّ المبدع صلاح حسن أحمد. ترافقنا في المرحلتين الثانوية والجامعية، إلا أننا لم نلتقِ إلا في مراتٍ معدودة في المهجر بلندن، رغم الإقامة الطويلة، وحقيبة الذكريات المنتفخة، وكثرة الأصدقاء المشتركين.
    لم ينقطع صلاح عن الكتابة، ولكن حرفة الصحافة أخذت جُلَّ وقتِه، منذ مجلة "سوداناو" وإلى صحيفة "الشرق الأوسط" بلندن. وأثناء فترة عملِه في إدارة تحرير المجلة، التي كانت تشرف عليها وزارة الثقافة والإعلام، تقدَّمتُ إلى صلاحٍ بأولِ نصٍّ أكتبه باللغة الإنجليزية، فقامت إدارة "سوداناو" بنشرِه في عام 1980؛ وكان النصُّ تحت عنوانٍ يمكن ترجمته بما يلي: "تحليقٌ انسيابيٌّ فوق حَرَمِ الجامعة"، وقد ساهم بيتر ڤيرني مشكوراً في تحريره؛ ولم ألتقِ به أيضاً في لندن، رغم أنه كان يُصدِرُ نشرة "سودان أپديت"، وقد ذهبت إليه مراراً في صحبة الراحل عبد السلام حسن، إلا أنني لم أُسعَد في أيٍّ من المرَّاتِ بمقابلته. ولأن النصَّ كان مفارقاً لما عُهِد الناسُ عليه، فقد طلبت منِّي إدارةُ المجلة أن أكتبَ توضيحاً للإدارة، حتى تكون على بيِّنةٍ من أمرِها، إذا استدعى الحالُ الدفاعَ عن النص. وبالفعل، كتبت تقييماً نقدياً للطريقة التي استحدثتها في الكتابة، وهي عبارة عن أسلمةٍ عفوية لنمطٍ ألمانيٍّ معروفٍ في الكتابة.
    اشتُهر شوبنهاوز ونيتشه وفيتجنشتاين بوضعِ أفكارهم في شكلِ أفوريزمات، وهي فقراتٌ تحتوي على حِكَمٍ أو أقوالٍ مأثورة أو ملاحظاتٍ ثاقبة تنبثقُ منها حقائقُ عامَّة، وما أضفته أنا لهذه الأفوريزمات هو وضعُ الفقراتِ في شكلِ خرزٍ يتم اختراقه بخيطٍ، هو الفكرة الرئيسية، فيأخذ العملُ بمجملِه شكلَ المِسبحة؛ كلُّ خرزةٍ منها مستقلةٌ بذاتِها، إلا أنها مرتبطةٌ بذاتِ الخيط مع الفقراتِ التي تسبقُها وتليها، وتكوِّنُ بهذا الارتباطِ نفسِه بنيةً واحدة، هي التي تُكسِبُ العملَ وحدتَه الشكليَّة والموضوعيَّة معاً. وسأكون مُمْتَنَّاً لو أن دارَ الوثائقِ المركزية تحتفظُ بأرشيفٍ مكتمل لكافَّةِ مكاتباتِ المجلة، وليس أعدادها فقط، أو كان أحدُ العاملين بها، ومن ضمنهم صلاح حسن أحمد، قد احتفظ لنفسِه بقطعةٍ مصوَّرةٍ من الأرشيف، أو صورةٍ لهذا التقييم النقدي بالذات؛ أما عددُ المجلة الذي نُشر فيه العملُ نفسُه، فقد كان ضمن المجلد الخامس، العدد رقم 11، الصادر في شهر نوفمبر من عام 1980.
    بعد نشرِ العملِ مباشرةً، انتبهتُ إلى أن قُرَّاءَه المعروفين لديَّ -من بين المتعلمين الذين يقرأون باللغتين- لا يتجاوزون أصابعَ اليد، هذا غير أنه مخترقٌ من أقصاه إلى أقصاه بروحٍ متشائمة، أنشأتها حالةُ البؤسِ الفكريِّ التي تخلَّلت سنواتِ الدراسةِ الجامعية. وكان في جعبتي عددٌ من حبَّاتِ الخرزِ جاهزاً للنشر، فقرَّرتُ التريُّثَ زمناً، ترسَّختُ في أعقابه داخل الوسط الثقافيِّ العاصمي، فكانت "تلك الشجرة" -التي ظهرت في مجلة "حروف"- أولَ النصوصِ العربية التي دفعتُ بها للنشر، لمعانقةِ قُراءٍ أشدَّ قُرباً وأكثرَ حميميةً وتفاعلاً. وكان آخرُ نصٍّ قصصىٍّ كتبته تحت عنوان: "بذرة المطر" ضمن النصوص المُعَدَّةِ للنشرِ في آخرِ عددٍ لمجلة "الثقافة السودانية"؛ ربما تحتفظُ جهةٌ ما بذلك النصِّ الأخير؛ وربما تكون هناك نسخةٌ منه قابعةً في خزانة معتصم إزيرق، أو عبد الله عبد الوهاب، أو أم الخير كمبال، وهم رموزُ حقبةٍ زاهيةٍ قصيرة بمجلةٍ قد خبا نورُها مع مطلع التسعينات.
    وما بين أولِ وآخرِ نصٍّ قصصي، نُشرتْ لي نصوصٌ لا تتعدَّى أصابعَ اليدِ الواحدة، لا أذكر منها إلا "مخلَّفات الرابية الشمالية"، التي نُشرت بمجلة "المحتوى"، التي كان يشرف على ملفِّها الثقافي القاصُّ المُبدع، والإنسانُ الشفَّاف، بشرى الفاضل بخيت، آخرُ عنقودِ هذه المجموعة، وأنضرُها عوداً، وأذكاها أريجاً، وأجملُها خَلْقاً وخُلْقاً. ترافقنا طيلة سنواتِ الجامعة، من أولِ يومٍ إلى آخرِ أُمْسِيِّة؛ احتضنتنا كليَّةٌ واحدة، وتلقَّينا قسماً من العلوم بشعبةٍ واحدة؛ ننام ونصحو في داخلياتٍ واحدة، ابتدأناها بداخلية "أربعات"، حيث تقاسمنا غرفةً واحدة مع أربعةٍ آخرين، وسريراً واحداً بطابقين؛ ولم أظفر بالسريرِ الأعلى، إلا لأن بشرى كان يعاني في ذلك الوقت اضمحلالاً في البصر، رغم تنامٍ مذهلٍ في البصيرة. وقد ترافق مع تفوُّقِه الأكاديمي فوزٌ بجوائزَ أدبيَّة، ونشرٌ مبكِّرٌ لأعمالِه القصصية. وقد استفاد بشرى إلى آخرِ حدٍّ من التنشئة التربوية والفكرية التأسيسيَّة بمدرسة حنتوب الثانوية، التي مهَّدت لامتلاكِه قدرةً هائلةً على هضمِ المحصول الفكريِّ المتوفِّر، على نُدرتِه، وتنميتِه بمزيدٍ من التحصيلِ والإنتاجِ الإبداعي.
    لم يخلُ طقمُ أساتذتي بالمدرسة الأهلية بأمدرمان من قاماتٍ أدبيَّةٍ سامقة، فقد كان فيهم من الشعراء: محمد عبد القادر كرف، ومحي الدين فارس، وعوض حسن أحمد، ومحمد سعد دياب، إلا أنهم كانوا على تميُّزهم الأدبي، وقدرتهم الفائقة على توصيلِ الدروس، لا يبذلون كبيرَ عناءٍ في تعميقِ خبرة الناشئين عبر تمليكِهم لتجاربِهم الحيَّة. على سبيل المثال، كان كرف يستنكفُ عن الكلامِ عن صديقِ روحِه الشاعر المرهف التجاني يوسف بشير، وينسدُّ حلقُه بغُصَّةٍ تراها رؤية العين، خصوصاً عندما تغرورقُ عيناه وتنهمرُ بالبكاء. في المقابل، كان الأستاذ عبد الله بولا في مدرسة حنتوب الثانوية يمتزجُ بطلابِه، ويُنشئُ معهم طلائعَ للهدهد، مثلما أنشأ في القضارف طلائعَ للقندول؛ فتسري التجاربُ بالامتزاجِ وعبر تلك المؤسَّساتِ الأهليَّة في سهولةٍ ويُسر، فتلتقطها ذائقةٌ لها استعدادُ بشرى وموهبتُه الفطرية، فتُعِدُّه إلى ما هو آتٍ، فيكونُ "فقسٌ"، وتكونُ "حملةٌ"، ثم تكونُ "حكايةٌ" لبنتٍ طارت بحقٍّ عصافيرُها.
    لم تكن مواهب بولا حصراً على الرسم، بل تعدَّدت، وشملت الموسيقى والكتابة الفكرية والإبداعية؛ وكان مُولعاً بتصميمِ أزيائِه الخاصة، التي يبرع الترزي الفنان مايكل في تنفيذِها. وأذكر أنْ كان له قميصٌ مُزركش ذو ياقةٍ مرتفعة وأكمامٍ واسعة، أشرف على تصميمِه بنفسِه؛ وقد تنقَّل ذلك القميص المشهور بين عددٍ من تلاميذه من الرعيل الأول لطلائع الهدهد والقندول: من هاشم صالح، إلى أسامة، إلى الباقر موسى، إلى عبدالله محمد الطيب، إلى النعمان جعفر الباقر، إلى أن وصلني أنا، خريج الأهلية الثانوية، عن طريق حسن على سر الختم، من طلائع القندول؛ ثم اختفى أثرُ القميص، إلا أن آثارَه لا زالت باقيةً على مُرْتَدِيْهِ المعروفين. وكما كان يقول الكاتب المسرحي، أنطون تشيكوف، قد خرجنا كلُّنا من معطف غوغول، فإن كثيراً من الكتَّاب والمبدعين الذين أعرفهم، ومن ضمنهم بشرى الفاضل، قد خرجوا من قميص بولا؛ أما أنا، فحياتي الفكرية يمكن تلخيصها بالخروجِ منه، فالخروجُ عليه.
    أما المجموعة الثانية، فقد كانت تضمُّ باقةً متميِّزة من النقاد والقصَّاصين؛ كان أبرزهم في مجال النقد، الإنسان الشَّفَّاف الناقد الراحل أحمد الطيِّب عبد المكرَّم؛ وكان من ضمنهم سَمِيِّي وصديقي الكاتب المثقَّف والمهذَّب -تثقيفاً وتهذيباً عاليَيْن- الأستاذ محمد خلف الله سليمان؛ وكنتَ أنتَ يا عزيزي عادل، رغم التفافِكَ حول كوكبةٍ متميِّزةٍ من الكتَّابِ السودانيين، ألمعهم شهرةً، وأكثرهم –توسُّلاً بالتعبيرِ الرشيق والوصفِ الحميمِ- قدرةً على جذبِ القارئِ العاديِّ إلى فضاءِ النصِّ، وإغوائه على معايشته، واشتهائه، حتى لو فشل في فكِّ كلِّ شفراته. وتكبُر هذه الميزات عشراتِ المرات، إذا عرفنا أن المجموعة تشمل أساتذةً كباراً من ذوي الخِلالِ التي لا يتأذَّى منها صديقٌ ولا تجرح خليلاً، وأَرُومةٍ إبراهيميةٍ كريمة لا تُخْطِئُها العينُ الناظرةُ إلى أسمائهم التقليديَّةِ المُحبَّبة: عبد القادر محمد إبراهيم، وعبد الله محمد إبراهيم، وإبراهيم جعفر.
    وكان الراحل بشَّار الكُتُبي لا يأتي إلى دارِ الاتحادِ بالمقرن ويحرُص على مرافقةِ أمِّه الطاعنةِ في السنِّ بالمنزل، لذلك كنَّا نرحل إليه في "الثورة"، فنستمعُ لتجاربِه المبكِّرة، ونستمتعُ برؤياه الآثِرة، عن الثورة؛ زارني بالفندق أثناء مؤتمرٍ بالقاهرة، وكان لا يزال مُفعماً بأُوارِ نارٍ قديمة، لم يطفئها حتى ارتحاله إلى الأراضي الجديدة، لكنه لم يقضِ فيها وقتاً طويلاً قبل ارتحالِه الأبدي. أما أحمد مصطفى الحاج، فقد كان يهفو إلينا بلهفةٍ وشوق ولا يسترجئُ قراءةَ نصوصِه علينا إلى وقتٍ يُناسبُنا، وكنتَ ترجوه بلطفٍ إلى أنْ يستجيبَ بوداعةِ طفلٍ تارةً، وبِحَنَقِه تارةً أخرى. وعلى ذكرِ الوداعةِ والطفولة، أين صديقُك الإنسانُ المتفائلُ إلى حدٍّ لا يبعد كثيراً عن المستحيل: الناقد السينمائي محمد المصطفى الأمين؛ هل لا زال يحلمُ، مع تلك الكوكبةِ النادرة من السينمائيين السودانيين (إبراهيم شداد، ومنار الحلو، والطيِّب مهدي، وناصر المك، وسليمان محمد إبراهيم، ووجدي كامل – آخر العنقودِ وأقربهم إلى النفسِ رغم تراكُمِ اللَّومِ وبُعْدِ الشُّقَّة)، بإنتاجِ سينما متطوِّرة في البلاد؟
    هذا ما كان في شأنِ المُلتفين حولِك، حيث هيأتِ الرسالةُ إفرادَ كلماتٍ قليلةٍ في حقِّهم. وبالرغم من أنها بدأت بملاحظةٍ تقريرية أبديتها أنتَ في ثنايا كلامٍ عن تجربتك القَصَصِيَّة، إلا أنها سمحت بتشعُّبِ الحديثِ عن السردِ في شتَّى مجالاتِه؛ ولكن الأهمَّ من ذلك كلِّه، أنها تصلُح مناسبةً للحديثِ بصيغةِ الغائب عن ذلك الإنسان الوديع الذي يقبع وراء نشاطِه السردِيِّ المتميِّز. ليس صعباً على الباحثِ الذكي أن يجد عادل القصَّاص في نصوصِه؛ فهذه مهمَّة النقد، على وجه العموم؛ ولكن الباحثَ الأكثرَ ذكاءً سيلتمِسُه في فضاءاتٍ اجتماعيةٍ أرحبَ سَعَةً وأعمقَ غوراً: سيجدُه في جلساتِ الاستماعِ، والمنتديات؛ وسيلحظُه في المجالسِ العفوية، والسهراتِ، والمناسباتِ الاجتماعيَّة؛ مثلما سيلقاه ناشطاً متجلِّياً في الروابطِ، والجمعياتِ، والاتحاداتِ الأهلية. ولم يكن يتخذ تلك الأطر مطيَّةً للوجاهةِ الاجتماعيَّة، أو سُلَّماً للمناصبِ السياسيَّة؛ بل كان ينفُذ إلى عِظامِ الكلمات، ويتخللُ أبنيتها الصرفية، ويتسللُ إلى جذورها، لإيقاظِ دلالاتِ الارتباطِ، والإجماعِ، والوحدةِ الهاجعةِ في أحشائها العميقة.
    كان يحضُر يومياً إلى دارِ اتحادِ الكتاب؛ يضيقُ ذرعاً بجهازِه الفوقي، ولا يرى مبرِّراً كافياً لبقاءِ شاغليه على دفَّة القيادة، لكنه يتنازلُ طَوْعاً لأجلِ إحداثِ تسويةٍ مؤقَّتة أو مَنْعاً للبلبلةِ والتشتُّت. في المقابل، كان ينخرطُ بكلِّ كيانِه في أنشطةِ الدارِ الداخليَّة، ويساهم بهمته المعهودة في منتدى الأحد، ويسعى مع آخرينَ لترفيعه ليُصْبِحَ مناراً حقَّاً للكتابة، عوضاً عن استنساخِه لثقافةِ المُشافهة. إلا أن فضاءَه الاجتماعيَّ الأكثرَ رحابةً كان هو حَرَمُ الجامعة، وقد مكَّنته وظيفتُه وسِنُّه -كأمينِ مكتبةٍ في مُقتبلِ العُمُر- من التعرُّف على عددٍ لا حصرَ له من الأساتذة والطلاب، تخيَّر من بينهم كوكبةً ذهبيَّةً من الأصدقاء: أحمد البكري بكلية العلوم، قسم الأحياء؛ عثمان حامد بكلية الهندسة؛ إبراهيم جعفر بشعبة الفلسفة؛ بشرى الفاضل بشعبة اللغة الروسية، محمد أحمد محمود بشعبة اللغة الإنكليزية؛ مُنى عبيد بكلية الطب، وأحمد الطيِّب عبد المكرَّم بمعاملها؛ ودرير وأماني سنجة، وندى عبدالمنعم، وهالة الأحمدي بكلية الاقتصاد والعلوم السياسية.
    ويومَ سُرِّحتُ عن العمل، استقبلني عادل بالأحضان، وفتح لي فضاءَه الأثيرَ مَسْرَحَاً لأنشطتي الأكاديميَّة والاجتماعيَّة داخل الحرم الجامعي. وفي حضرةِ القصَّاصِ، لا يحتاجُ المرءُ إلى تقنيةِ "التحليقِ الانسيابي" حتى يتنقَّلَ في أرجاءِ الحرم، أو إلى مِنظارٍ أسودَ للكشفِ عن حالةِ بؤسٍ فكريٍّ مُتوهَّمٍ في الثمانينات، بل كلُّ ما يحتاجه هو أن تخِفَّ حركتُه، وأن يتعلَّق بحقيبةِ ظهرِه ذات اللونِ الأزرقِ المُخْضَرِّ، لكي يطوفَ معه في سهولةٍ ويُسر عبر ممراتِ مروجِ الجامعة، ومن خلال مطاعمِها ومقاهيها، وداخل قاعاتِ مكتبتها، ودارِ طُلَّابِها، وحُجْراتِ داخلياتِها أو استقبالهِا، ومكاتبِ أساتذتِها: تذهب معه إلى محمد محمود، فيُحَدِثُكَ عن الثقوبِ السوداء؛ وإلى بشرى الفاضل، فيُدْهِشُكَ بأحاديثَ رائعةٍ عن سيرجي يسينين؛ وإلى إبراهيم جعفر، فيُؤْنِسُكَ بِطَرَفٍ من أقوالٍ لنيتشة أو تشوبنهاور؛ أما أحمد البكري، فقد كان يُبْحِرُ في رحلةٍ معاكسةٍ لمسيرتي الفكرية: من دارون إلى إدوارد سعيد، وكنت أهربُ من فضاءاتِ الاستشراقِ إلى آفاقِ الانتقاءِ الطبيعي، وما ورائه، إنْ كان هناك وراء. لشدَّ ما أتوقُ لمحاورتِه حول فتوحاتِ علمِ الأحياء، في هذا القرنِ وسابقِه.
    قُبيل امتحاني لدخول الدراسات العليا بوحدة الترجمة والتعريب بجامعة الخرطوم، كان الأستاذ علي المك مُشْرِفاً على برنامج الماجستير، ورئيساً لاتحاد الكتاب السودانيين في ذاتِ الوقت، فكان يخشى أن يخذله كاتبٌ ناشئٌ في المنافسة التي اشترك فيها آنذاك عددٌ من السفراء والوزراء المفوّضين، وكبارُ مفتشي اللغة الإنجليزية بوزارة التربية، خصوصاً وأننا كنا نبدو بمظهرٍ خادعٍ أنداداً له أمام سكرتيرتِه الأستاذة مُنى، عندما نجتمعُ بمكتبِه أو مكتبةِ شعبةِ الترجمة، إبان صياغة دستور الاتحاد والتحضيرِ لاجتماعِ الجمعيَّة العموميَّة؛ لكنه اطمأنَّ وبرزت نواجذه، عندما تفوَّقتُ عليهم جميعاً في امتحانِ الدخول. وبعد أن قيَّدت اسمي ضمن برنامج الماجستير، هيأ لي عادل القصَّاص مكاناً في مكتبةِ التجاني الماحي، التي كانت تفتحُ ببابٍ داخلي على مكتبةِ الشنقيطي، وسهَّل لي دخولاً آمِناً إلى قسمِ الدوريات، وحُجيرةً قريبةً من قاعةِ الاستقبال الرئيسية، حيث كان يعمل، مما يسَّر لكلينا تنظيمَ حصصِ الاستراحات (البريكات)، التي كنَّا نتشوَّق لقضائها ضمن بقية الأصدقاء بالجامعة.
    لم يكتفِ عادل بذلك، بل يسَّر لي، بتهذيبِه الأسطوريِّ وعلاقاتِه التي لا تعرف حدَّاً في نطاقِ الجامعة، تسجيلاً سريعاً في كورس اللغة الفرنسية بوحدة تعليم اللغة الفرنسية (السيدوست)، وآخرَ بشعبة اللغة الألمانية، التي كانت تحتفي بانتسابِ طلاب الدراسات العليا إلى دوراتِها في تعليم اللغة. وذهب معي عادل إلى معهد غوته، وضمِنني أمام أمينةِ مكتبتها الألمانية مارغريت، زوجة الشاعر السوداني الرائع، النور عثمان أبكر، التي كانت تخشى، عندما استلفتُ كتاباً جديداً ضخماً ليورغن هبرماس لم يقرأه أحدٌ بعد، أن يخذلها كاتبٌ سودانيٌّ شاب أمام إدارة المعهد، إذا لم يُرجِع عُهدتَه، مثل بقيةِ كثيرٍ من الروَّاد السودانيين الذين خبِرتهم بالتجربة. لم يكنِ الخُذلانُ ضمن تصوُّري على الإطلاق، ولكن كاتباً آخرَ خذلنا جميعاً، عندما تسلَّل إلى غرفةٍ عُليا بأحدِ منازلِ بنك الادِّخار بحيِّ العمدة، الذي كنّا نأوي إليه باستضافةٍ كريمة من محمد ميرغني، صديقِ عادلٍ ودرير، فأخذ معه كتاب هبرماس، بلا رجعةٍ أو نيَّةٍ بالاعتراف، إلا بعد أن أصبحَ الكتابُ دَيْنَاً هالِكاً؛ ولكنني لا زلتُ، ومنذ أكثر من عشرين سنةً، احتفظ بنسخةٍ، لم أقرأها ولن أتصفَّحها، من كتاب "الخطاب الفلسفي للحداثة" (1985)، على أملِ إرجاعِها إلى معهد غوته بنفسي، مع تحمُّلِ كافَّةِ العقوبات. ويا حبَّذا لو رجع أيضاً إلى معهد غوته الألماني في يومٍ أبيضَ غير ذي مسغبةٍ صديقٌ آخرُ لعادل القصاص هو الشاعرُ المثقَّف والمهذَّبُ غاية التهذيب، موسى أحمد مروَّح.
    ويومَ طلب منِّي صاحبُ البيت إخلاءَ المنزل الكائن بأركويت، استقبلني عادل بالأحضان، وفتح لي غرفته الأثيرة مرقداً، ومعاشاً، ومنشطاً، حيث كانتِ الغرفةُ تكتظُّ بالكتبِ والمجلاتِ والدورياتِ العربيةِ النادرة، ويُقيمُ بها، فوق ذلك، عددٌ من الكتابِ والشعراء (عادل القصاص، محمد خلف الله عبد الله، محمد مدني، عادل عبد الرحمن)؛ كما كانت تستقبل عدداً آخرَ منهم بصورةٍ متقطِّعة (عبد الله عبد الوهاب، عبد المنعم رحمة، عثمان حامد)؛ كما كانت أمسياتُها تزدانُ بزياراتٍ متواترة لبعضٍ منهم (الراحل أحمد الطيِّب عبد المكرَّم، محمد خلف الله سليمان، عبد اللطيف علي الفكي)؛ كما كان يجيء إليها (القاصُّ أحمد مصطفى الحاج) في أوقاتٍ لا يمكن التكهُّن بحدوثِها. أما (بشَّار الكُتبي)، فقد كان على مرمى حجرٍ من "السابعة"، وكنَّا نمضي بلهفةٍ إليه، كما سبقت الإشارة إلى ذلك.
    أنا إنْ أنسى مواقفَ ونوادرَ وحكاياتٍ شَهِدَتْها غرفةُ "السابعة"، فما أنسى، ولن أنسى يومَ تعرَّفتُ فيها بالصديق الحميم عثمان حامد؛ كان طالباً بالسنةِ الأخيرة بكلية الهندسة، متحمِّساً للعلمِ والأدب، رسَّاماً رفيعاً في تذوِّقه الفني، مستقيماً في خُلُقه، وصَلْبَاً مُشاكِساً في مواقفِه السياسيَّةِ اليوميَّة. احتد النقاشُ بيننا بعد ثوانٍ قليلة من التعارف، ولا زلنا على طرفي نقيض في كثيرٍ من الرؤى الأيديولوجيَّة الأساسيَّة، لكن حبلَ التواصلِ بيننا يزداد متانةً مع توالي الأيام، مع أن حواشيه العميقة تزداد رِقَّةً وعذوبةً مع التقادمِ الطبيعي وطولِ الاستخدام. هو يحلم بجذبي مرةً أخرى إلى حظيرةِ الحداثة، وأنا أسعى إلى وصلِها بطاقةٍ روحيِّةٍ أبعدَ غوراً وأقدمَ عهداً. كنَّا نأتي إلى الجامعة كلَّ يوم، فيستقبلُنا عثمان بترحيبِه الودود، ثم سرعان ما يُفرِغ جيْبَه ليمكِّننا من شراءِ وجبةٍ خفيفة أو أقداحٍ من الشاي والقهوة؛ ولا يكتفي بذلك، بل يَحْرِصُ على أن ننالَ بعد الظُهْرِ وجبةَ غداءٍ مُكتملة، بالشراءِ نَقْدَاً أو بالدَيْن من حاجَّة "آمنة" بائعةِ الكِسرة والمُلاح. وفي المساء، عندما يتعذَّر ذهابُنا أحياناً إلى "السابعة"، أو نخشى الوصولَ إليها بعد مواعيدِ حظرِ التجوُّل، كان يُهيئُ لنا مرقداً بداخلية "تهراقا"، حيث يكتنز دولابُ الغرفة بملاءاتٍ "تكفي لعددٍ من الأصدقاء، ربما يفوق العشرة".
    ومنذ بدءِ كتابة هذه الرسالة، راجع معي عثمان فقراتِها، فقرةً على إثرِ فقرة؛ يصحِّحُ معلوماتٍ بها تارَّةً، أو يُقيِّمُ محتوياتِها تارَّةً أخرى. فقد كنَّا نعتبرها رسالةً تهمُّ كلَّ الأصدقاء، إنْ لم نقل كلَّ القراء؛ لذلك، فينبغي أن تخرُجَ خاليةً، قدر الإمكان، من جُلِّ العيوب. وكنتُ أشتكي خوفاً من التطويلِ الموضعيِّ للفقرات، وكان يشجعني للمُضيِّ قُدُماً، حتى تكتمل الفكرة؛ وعندما بدأت أشتكي من طول الرسالة نفسها، اقتنع عثمان معي بخَتْمِها، على أن أُنبِّهَ إلى الموضوعاتِ التي أُسقطت عَمْدَاً منها، وأن أُبيِّنَ ما إذا كان سيتمُّ تغطيتُها في رسالةٍ أخرى أو أيٍّ مقامٍ كتابيٍّ آخر. وما أنْ وصل عثمان إلى جدوى هذا الاقتراح، حتى زال عنِّي التوتر، فقد كانتِ الموضوعاتُ التي تمَّ تأجيلُ تناولِها تشمل فكرتَي المكان والزمان، ومفهوم الحق، وتمييزه عن المفهوم المتداول للحقيقة، الذي يكثُر استخدامُه عن طريق الخطأ أو التعوُّدِ الاصطلاحي باعتبارِه مُرادفاً له.
    أما فكرة المكان، فقد مَسِسَتْها الرسالةُ مسَّاً خفيفاً، عند بدايتها؛ فقد افتُرع الكلامُ عن مِلبورن، ومفهوم الفيلسوف الفرنسي غاستون باشلار الخاص بالمكان الذي احتواه كتابه "جماليَّات المكان"؛ وكان الأملُ معقوداً على وصلِ الفكرة بتقسيمِ فريدريك نيتشه في "هكذا تكلَّم زرادشت" لطبوغرافيا المكان إلى: أعلى الجبل، والغابة على سفحِه، التي تقود إلى أسفلِ المدينة؛ ومن ثَمَّ، توزيع الحكمة المُكتسبة ضمنيَّاً وفقاً لهذا التقسيم. وكنت أرغب في وصلِ ذلك بتقسيمِ روبرت إم بيرسيج في كتابِه: "مذهبُ زِنْ وفنُّ قيادة الدرَّاجات الناريَّة"، الذي لاقى استحساناً وإعجاباً كبيرين في حقبةِ الستيناتِ في الغرب؛ وخصوصاً تقسيمه الذي يبدأ بقمَّةِ الجبل في الساحلِ الشرقي، وينتهي بقاعِ المحيط في الساحلِ الغربي، مروراً بالنطاقِ الشجري، الذي لا تُلتمس الحكمةُ ضمنيَّاً إلا من فوقِه، وحيث يمضي السرد، عبر رحلةٍ بالدراجة النارية، من بوزمان إلى سان فرانسسكو، وتتراوح الحالةُ العقلية من الجنونِ في قمَّةِ الجبل إلى الحياةِ العاديَّةِ على الساحلِ الباسفيكي. كنتُ أرغبُ في توضيحِ هذا الوصلِ الأرضي، ووصلِه بفضاءاتٍ علويةٍ أوسعَ رحابةً.
    هذا فيما تمَّ تتبُّعُ فكرة الزمان عبر مساراتِ السرد، بدءاً من تقديرِ مُفسِّري الكتاب المقدَّس لعُمُر الأرض الذي لا يتعدَّى لديهم الستة آلاف سنة، إلى سردِ دارون الذي لا يحتاجُ تقديراً لذلك سوى بضعةِ ملايينَ من السنوات، إلى عُمُرِها الذي قُدِّر بالقياسِ الإشعاعيِّ بحوالي 4.54 بليون سنة. ثم تتبُّعُ أصلِ الكون الذي يُقدَّرُ عُمُرُه منذ ’الانفجار العظيم‘ بحوالي 13,8 بليون سنة. وكان الأملُ معقوداً على عدم التوقُّفِ عند هذا الحدِّ العلميِّ الحاسم، بل السعيِّ إلى تتبُّعِ التساؤلِ العفويِّ عمَّا كان ’يُوجدُ‘ قبل ’الانفجار‘؛ وعدم الاكتفاء بالإجابةِ التي تقدَّم بها من قبلُ القديس توما الأكويني، بل محاولةُ وصلِ زمنِ ’الانفجارِ‘ نفسِه بديمومةٍ لا تقترب منها وسائلُ العلمِ الطبيعي المحفوفةُ بأفقٍ ضوئيٍّ محدود (مخروط الضوء)، ولكن ذلك لا يمكن قبوله إلا بإحداثِ تمييزٍ جوهري بين الحقِّ والحقيقة، وليس مجرد التعامل معهما كمترادفين فقط.
    إلا أن سَمِيِّيَّ الآخر في شمال الوادي، محمد أحمد خلف الله، لم يهتدِ، في أولِ الخمسينات، عامِ مولدي، إلى ذلك التمييز، بل تعاملَ معهما كمترادفين، في كتابِ "الفنِّ القصصيِّ في القرآنِ الكريم"، مع أن مصطلح "الحقيقة"، المُشتق من مادَّة [ح ق ق] لم يرِد في القرآن بهذه الصيغة الصرفية مُطلقاً؛ بينما نجدُ الصيغَ الصرفية الأخرى ترِدُ بكثرة، خصوصاً: "الحقُّ"، "بالحقِّ"، "حقٌّ"، "بحقِّ"؛ ثم بنسبةٍ أقل: "حقَّاً"، "حقَّت" "يحقُّ"، "ليحقُّ" "استحقَّ"، "استحقَّا"، "حقَّه"، "أحقُّ" و"حقيقٌ". ويقول صاحبُ "الفنِّ القصصيِّ" في عبارةٍ واحدة من جملةٍ طويلة إن "القصَّة إنما تُوصف بالحقِّ، لأنها تشرح الحقَّ وتقرِّره، لا لأنها في ذاتها حقيقةٌ ثابتة"؛ وهو يؤكِّد أيضاً أن "المثل يُوصف بالحقِّ، لأنه شارحٌ للحقِّ ومبيِّنٌ له، ولأنه مقررٌ للحقِّ ومؤكِّدٌ له"؛ ثم يجمع "الحقَّ" على صيغة "حقائق"، فيقول: "الأمثال لا يلزم أن تكونَ من الحقائقِ الثابتة، فقد تكون من المتخيَّلات، ومن الأساطيرِ والأوهام". مع أن الحقَّ واحدٌ صمديٌّ وقديم، وأن الحقيقةَ هي التي تقبلُ الفتقَ والتشظِّي، وتميل دوماً إلى التجدِّدِ والاستحداثِ مع مرورِ الزمن؛ ذلك الزمنُ المتمكِّنُ في هذا الكونِ منذ ’انفجارِه‘.
    هذا الفتقُ هو في أساسِ المتاعب التي تشوِّش تصوُّرَنا للعالم واللغة والعقل. على مستوى العالم، يقترب العلماء، وخصوصاً في صياغتهم لنظرية ’الانفجار العظيم‘، من التصويرِ القرآني لأصلِ الكون الذي جاءَ طرفٌ منه في الآية 30 من سورة الأنبياء: "أَوَ لَمْ يَرَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّ السَّمَاوَاتِ والأَرْضَ كَانَتَا رَتْقًاً فَفَتَقْنَاهُمَا وجَعَلْنَا مِنَ المَاءِ كُلَّ شَيءٍ حَيٍّ أَفَلَا يُؤْمِنُونَ". إلا أن فيتجنشتاين صاحبَ أنبغِ العقولِ الفلسفيَّة في خمسيناتِ القرن الماضي، لم يستطع أن يُنشيءَ نظريةً واحدةً متكاملة بتوسطِ اللغة، فأنتج عوضاً عن ذلك فلسفتين: في الأولى توجَّه بالخبر، وهو المعادلُ المنطقي للعبارة اللغوية، نحو مصدرِه الواقعيِّ ضمن أشياء العالم، وترك وراءَه -بصياغته الصارمة لنظرية الصورة- تعدُّدَ المقاصد الدلاليَّة المحتملة؛ وفي الثانية، اهتم بالتعدُّد، فضاعَ من يدِه حلمُ الوحدة. بمعنًى آخر، حاول فيتجنشتاين في فلسفتِه الأولى تتبُّع شجرةِ اللغة إلى أصلِها في العالم، وانتهى في فلسفتِه الثانية بالاستمساكِ بغابةٍ تمتدُّ وتترامى فيما وراء الأفقِ المرئي.
    أما على مستوى العقل، فلا مناصَ من التمييز بين الحقِّ والحقيقة، ليس بإنتاجِ ثنائيةٍ متوهَّمة، كتلك التي بعجها ديكارت في القرن السابع عشر ولا زال الفكرُ العالمي يعاني من متاعبها؛ ولا بوحدةٍ زائفة كتلك التي ابتدعها القائلون بوحدةِ الوجود، إذ إن الوجودَ نفسَه إنشاءٌ بمشيئةِ خالقٍ قديم؛ ولكن بالنظرِ إلى كُنْهِ العلاقةِ بين الحقِّ والحقيقة، والترفُّقِ بمنتجاتِ الحقيقة، وتتبُّعِ مسيرتها، والتوسُّلِ بها إلى مجالِ الحقِّ ووصلِها به، ولكن هيهات؛ فالعلاقة بين الحقِّ والحقيقة هي علاقةٌ غير متماثلة، تماماً مثل علاقة الأب بالابن، فالأب ينتج ابنه، ولكنْ يمتنعُ على الابنِ أن يفعلَ الشيءَ نفسَه أو مثلَه؛ هذا علاوةً على أن الحقَّ ينكشفُ بغتةً ولا يمكن التيقُّن الحاسم من مصدرِه؛ والحقيقة، في المقابل، يتمُّ اكتشافُها خطوةً على إثرِ خطوة إلى أن تأخذ شكلَ نظريةٍ مُلزِمةٍ وعاملةٍ لحقبةٍ من الزمن، إلى أن يتمُّ استبدالُها بنظريةٍ أخرى أكثر قدرةً على التفسير، مثل الانتقال من الفيزياء النيوتونية إلى النظرية النسبية العامة، على سبيلِ المثالِ لا الحصر.
    إن أكثر ما يمكن إيراده لتوضيح فكرة الرتق، في مقابل فكرة الفتق (أو الوصل في مقابل الفصل)، هو العباراتُ الأدائية التي أوضحها جي إل أوستن في كتاب "كيف يتسنَّى فعلُ الأشياءِ بالكلمات". فعندما تُسمِّي ملكةُ بريطانيا سفينةً باسم "إليزابيث"، فإنها لا تكون قد تفوَّهت بعبارةٍ فقط، وإنما يكون تفوُّهُها بتلك العبارة إيذاناً بتدشينِ السفينة المُسماةِ باسمها، وعقداً ملزِماً، ليس لطاقمها فقط، وإنما لشركاتِ التأمين وكافةِ الأنشطة الرائجة في المياه الدولية؛ وعندما يطلق الحَكَمُ صفارةَ البدء، فإنه لا يكون قد أخرج صفيراً فقط، وإنما تكون الصفارةُ إيذاناً ببدءِ المباراة، وإلزاماً للاعبين بالانخراطِ فيه على الفور. إلا أن كلتا الحالتين تقومُ على التشظِّي، فالملكةُ ليست وحدُها الآمِرة، وليس الحَكَمُ وحدُه المسؤولَ عن مجرى المباراة، إذ تقومُ خلفهما مؤسَّساتٌ، وأجهزةٌ، ونظمٌ، ودساتيرُ، ولوائحُ عملٍ، وعاملون، وجمهورٌ يطلب الإرضاء ويستحقُّه. ولكن عندما يجيء في سورة "النحل" قوله تعالى: "إِنَّمَا قَوْلُنَا لِشَيْءٍ إِذَا أَرَدْنَاهُ أَن نَّقُولَ لَهُ كُن فَيَكُون"؛ أو في سورة "يس": "إِنَّمَا أَمرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيئاً أَن يَقُولَ لَهُ كُن فَيَكُونُ"، فإن الكينونةَ لا يكونُ وراءها غيرُه، وهذا معنى الرتق الصمدي، لأن فعلَه قديم، ويحقُّ فعلَه القديمَ بكلماته؛ ويقول في سورة يونس: "وَيُحِقُّ اللهُ الحَقَّ بِكَلِمَاتِه وَلَو كَرِهَ المُجرِمُونَ".
    وعندما يجيء في سورة "يوسف" قولُه: "نَحنُ نَقُصُّ عَلَيكَ أَحسَنَ القَصَصِ بِمَا أَوحَينَا إِلَيكَ هَذَا القُرآنَ وإِن كُنتَ مِن قَبلِهِ لَمِنَ الغَافِلِينَ"؛ أو في سورة "الأنعام": "إِنِ الحُكمُ إِلَّا لِلَّهِ يَقُصُّ الحَقَّ وَهُوَ خَيرُ الفَاصِلِينَ"، فإن التأكيدَ يأتي من اندماجِ الحقِّ وصمديته، باشتماله على القدرة والعلم والإرادة، وهي مَلَكَاتٌ تتشظَّى في مجالِ الحقيقة، وتتوزَّع على مجالاتٍ في مسارِ النشوءِ والتطوُّرِ الذي لا ينقطع: هي العلمُ أو الواقعُ الموضوعي، واللغة الإنسانية، والعقلُ البشري. فيكون بها قصٌّ للأمام بتتبُّعِ شجرةٍ لها بنيةُ سردٍ محدَّدة، أو يكون ارتدادٌ للخلف لقصِّ أَثَرٍ أو استرجاعٍ لحدث؛ وهو المعنى المقصود في سورة "الكهف": "فَارتَدَّا عَلَى آثَارِهِمَا قَصَصَاً". وهي شبيهةٌ بالازدواجية التي تحيط باسمك، ياعزيزي وصديقي عادل القصّاص؛ فمن جهةٍ أنت "مهندسٌ" فعليٌّ لفنِّ القصِّ في السودان، ومن جهةٍ أخرى أنت سليلُ "القصَّاص" الذي اخترته بنفسك في فعلٍ أدائيٍّ متميِّز، فكان اسماً أدبيَّاً رائعاً لمُسمًى أكثر روعةً.
    عزيزي عادل
    اختَرتُ لهذه الرسالة عنواناً هو "عادل القصاص والحصَّة تاريخ"، عِوضاً عن "الحصَّة قصَّة"، وهي العبارة المُتجانسة التي وردت في عنوان حوارِكَ مع يحي فضل الله؛ ليس تقليلاً من شأنِ ناظرِ المدرسة، أو انحيازاً مهنياً لرئيسِ الاتحاد؛ كما أنه ليس انتقاءً للبَصرة على حساب الكوفة؛ أو التشبيه بدلاً عن الاستعارة؛ أو الأسلوبية عوضاً عن الأسلوب؛ أو إحلال فيتجنشتاين الأول مكان فيتجنشتاين الثاني؛ أو اعتماد نهج الشجرة بديلاً للغابةِ المتراميةِ الأطراف؛ وإنما لإمعانِ النظرِ مجدَّداً في عنوانِ دراستِه "الرواية والتاريخ"، واعتبار الواو التي تتوسَّطة نقطةَ توازنٍ حسَّاسٍ لميزانِ عدلٍ لا يميلُ جُزافاً إلى أيٍّ من الطرفين. ويمكن تصوُّر ذلك في سهولةٍ ويُسر، إذا نظرنا إلى الذاكرةِ البشرية، ليس باعتبارها مستودعاً ساكناً للمعلومات، وإنما بوصفها حقلاً ديناميكياً، أو بلغةِ أهل العلم، شبكةً لمساراتٍ عصبيَّة متداخلةٍ ومتكاملة. لذلك يمكن، بفضلٍ من الله، وبعونٍ طفيفٍ من رجاحةِ العقل، السيطرة –بغيرِ رقابةٍ خارجية أو مرسومٍ ملكي، على مَلَكَةِ الخيال لإحداثِ توازنٍ ذهبيٍّ، لا ينتصرُ بنوعٍ من الغباء التاريخي لتجميدِ الدلالة أو يهلِّلُ بنوعٍ من الحُمق الما بعد حداثي للنسبيةِ الدلاليةِ المُنفلتة.




    محمّد خلف


    ملحوظه هامه للقراء الأفاضل أن هذه الكتابه الرصينة الرائعة تولدت نتيجة
    لكتابة الأستاذ القاص عادل القصاص لموضوعه الحصه قصه باللغة الإنكليزيه فى موقع سودانفور
    أول وترجم تلك الكتابه الأخ الأستاذ عادل عثمان وهنا أشير إلى النص والترجمه مرفقين فى المداخله
    الثانيه أى التى تلى كتاب محمد خلف الحاوى على تاريخ الثقافه عبر العقود الماضيه لا بل غاصت إلى
    أن ضمت كرف وصنوه التجانى فى فجر القرن المنصرم. الرجاء مواصلة القراءه للمتعة والربط المعرفى


    منصور



    (عدل بواسطة munswor almophtah on 11-08-2014, 01:47 AM)
    (عدل بواسطة munswor almophtah on 11-10-2014, 03:25 AM)
    (عدل بواسطة munswor almophtah on 11-10-2014, 06:25 AM)
    (عدل بواسطة munswor almophtah on 11-10-2014, 06:29 AM)
    (عدل بواسطة munswor almophtah on 11-15-2014, 02:08 AM)
    (عدل بواسطة munswor almophtah on 11-27-2014, 00:42 AM)

                  

11-07-2014, 04:21 PM

munswor almophtah
<amunswor almophtah
تاريخ التسجيل: 12-02-2004
مجموع المشاركات: 19368

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: عادل القصاص الحصه قصه//محمد خلف الله عبدالله....... (Re: munswor almophtah)


    الحِصَّة قِصَّة


    قبل عام أو نحوه، طلب مني صديق أسترالي-إيطالي، إسمه برونو ليتيري Bruno Lettieri، يعمل منسقا لتحرير مجلة ربع سنوية تحمل إسم "منبر" Platform، أن أكتب لأجل هذه المجلة موضوعا - من إختياري - له صلة ب"التعليم النظامي"، الذي هو محور العدد القادم أو رقم 16 (صدر قبل أسبوعين تقريبا) من "منبر"، التي يصدرها قسم الكتابة المحترفة Professional Writing، الذي يعمل فيه برنو مدرسا، بكلية التعليم التقني والإضافي TAFE التابعة لجامعة فكتوريا الأسترالية. تقوم فكرة المجلة، التي هي من بنات أفكار برونو، على أن يقوم بكتابة موضوعاتها أو نصوصها، كما بتحريرها، طلبة قسم الكتابة المحترفة هذا، كما تساهم فيها بالكتابة أقلام من خارج هذا القسم، ربما تضم طلبة من أقسام أخرى أو أساتذة أو حتى كتاب محترفين وكاتبات محترفات من داخل وخارج الجامعة، حيث الغرض هو ربط طلبة وطالبات هذا القسم بممارسة الكتابة المحترفة، لا سيما الإبداعية، كما بالإحتكاك الثقافي أو الإبداعي مع نصوص "محترفة" أو إبداعية صادرة من خارج قسمهم-قسمهنّ.

    فكان هذا النص الذي إستدعيت موضوعه من ذكرى حوار مطوّل، أجراه معي الصديق يحيى فضل الله العوض قبل ما يربو على عشر سنواتٍ بعام أو إثنين، حيث جئت على ذكر "واقعة الحِصَّة قِصَّة" - التي إستعدتها لأجل هذا المقال الإنقليزي أيضا - في إحدى المنعطفات المُبَكِّرَة لذلك الحوار. وقد كان يحيى يعمل حينها كاتبا ومحررا متعاونا مع جريدة "الخرطوم" على أيام إقامتها في القاهرة. فقام بنشر ذلك الحوار، الذي كان عنوانه "عادل القصاص والحَصَّة قَصَّة"، على حلقاتٍ أربعٍ، في الصفحة الأدبية الأسبوعية التي كان يشرف على تحريرها. ومن الواضح أنني إستعرت عنوان مقال "منبر" هذا من نصف العنوان الحميم الذي سبق ليحيى أن إبتكره.



    Story Lesson

    It was my very first day at school. My family did its best to prepare me for that significant day, that decisive period.

    I was dressed, like other pupils, in a new white jallabiyyah, which was believed – not without controversy – to be ‘the national dress’ of my country of origin, Sudan. Therefore, it was imposed as the public school uniform in those days.

    Like many schoolboys, who descended from the lower class, my shoes were white plastic ones. On the other hand, and like many pupils who derived from the middle class, my schoolbag was made of leather. It had probably been imported from a foreign country such as Egypt. However, I lacked the privileges other middle class students enjoyed. For instance, I never went to pre-elementary school which would have provided me with a preschool grounding. In those days there were two types of pre-schooling in Khartoum, the capital city of Sudan; the khalwa and the modern kindergarten. The latter was not very common at the time and was inherited from the British colonial tradition, while the first was its old-fashioned Islamic-sophist #####alent. My lack of preparation did not matter to me. I lost no important advantage, as my marks ranged between excellent, very good and good throughout my elementary schooling.

    On that very first day of school, I was as filled with excitement, pandemonium and enigmatic expectations as any of the schoolboys attending that day.
    When we had finished learning and practising how to properly perform the morning assembly, and how to enter the clean classroom with its dark green door, windows, desks and seats, a teacher entered. He was handsome in a formal way and his elegance and refinement made an immediate impression on us. He introduced himself as the headmaster of the school. And, as if he felt the mixture of eagerness, pleasure and anxiety that was racing through us, he said: "I’m going to tell you a wonderful story".

    Accordingly, we directed our whole attention towards him. It’s unfortunate that I’m now not able to recall the entire details of that ‘wonderful story’. I can only remember a vague image of a knight riding a horse and a gorgeous princess riding on the back of that same horse, encircling her arms around the knight’s waist, while the horse galloped fast along the road leaving clouds of thick dust floating in the air.

    That headmaster was a brilliant teacher because he had chosen an ideal informal starter to our formal education. He had whetted our appetites and left us perfectly prepared for the upcoming official lessons. That appetizer made me look at the school as an attractive place; an apartment of stories. Therefore, I loved – at least during that elementary phase – going to school. Furthermore, I believe that that appetizer contributed substantially to the development of my own narrative impulse. The curriculum itself helped me to develop this impulse. That is to say, subjects such as ‘Islamic Religion’, ‘Arabic Language’ and ‘History’, were mostly presented in narrative forms. My imagination even allowed me to deal with subjects like biology and geography in a narrative mood. It was natural for me to envisage the growing stages of a plant as a story. I was also enjoying seeing continents, such as Africa, Europe and Asia as women who had different features.

    However, as my schooling advanced, new subjects were introduced and old subjects were getting complicated. My engagement with subjects that had narrative characteristics, such as ‘Arabic Reading’, ‘English Reading, ‘Arabic Composition’, ‘English Composition’ and ‘History’ was increasing. On the other hand, my relationship with subjects like ‘Mathematics’, ‘Physics’, ‘Chemistry’, ‘Arabic Grammar’ and ‘English Grammar’, degenerated from a half-hearted interest to a complete detestation. I guess that their lack of narrative structure made a significant contribution to my declining interest.

    Ever since I learned to read independently, my affiliation with narrative has become increasingly intimate. I’m now unable to imagine my life without narrative. Narrative has grown into the most decisive component of my cultural-creative identity. As a result, I became known in my motherland, Sudan, as one of its prominent 'professional narrators'.

    Moreover, I’m now doing a PhD in postcolonial studies at Victoria University. My ‘narrative creative identity’ has been having the upper hand in determining the approach and method I’m employing in my academic project. In other words, I am making use of the story telling skills I have acquired from my experience in writing short stories, together with the imagination that has been considerably enriched by my ongoing immersion in reading – and sometimes watching – a wide range of narrative and other creative genres. These experiences have played vital role in my decision to utilize them in my thesis.

    Could all that be possible without that very first ‘story lesson’ in that very first day in that very first school?

    .My answer is: it’s likely not


    عادل القصاص القصاص


    لاخ عادل القصاص القصاص
    سلامات
    ارجو ان افيدك انني ترجمت مقالتك/قصتك اليوم من اللغة الانقليزية الى العربية. إذا اعجبتك الترجمة فهذا من حسن حظي ان تعجب ترجمتي كاتب متمكن من اللغتين وفي السرد مثلك. وإن لم تعجبك، فهي محاولة، قابلة للتطوير والتجويد.

    ____________


    الحصة قصة
    بقلم عادل القصاص

    كان ذلك يومي الأول في المدرسة
    . لم تدخر أسرتي وسعا لاعدادي لذاك اليوم التاريخي، لتلك المرحلة الحاسمة.
    كغيري من التلاميذ كنت ارتدي جلابية بيضاء اللون وهي تعتبر الزي الرسمي لبلدي الاصل السودان وفي ذلك جدال. وهكذا فرضت الجلابية زيآ رسميآ لمدارس الحكومة آنئذ.

    كغيري من تلاميذ المدارس المنحدرين من الطبقة الدنيا، حذائي كان من البلاستيك الابيض. بيد ان شنطتي كانت من الجلد شأن تلاميذ الطبقة الوسطى. اغلب الظن ان شنط الجلد استوردها التجار من بلد اجنبي مثل جمهورية مصر . غير انني كنت محرومآ من الامتيازات الاخرى التي كان يتمتع بها تلاميذ الطبقة الوسطى. على سبيل المثال، لم ادخل في التعليم قبل المدرسي الذي كان من شأنه تزويدي بمهارات قبل الالتحاق بالمدرسة الابتدائية. في ذاك العهد كان هناك نوعان من التعليم قبل المدرسي في الخرطوم، عاصمة السودان: الخلاوي ورياض الاطفال الحديثة. رياض الاطفال لم تكن منتشرة وقتئذ، وهي من تركة وتقاليد الاستعمار البريطاني، بينما كانت الخلاوي هي المقابل القديم حسب التقاليد الاسلامية والصوفية. افتقاري للاستعداد لم يقلقني. لم اخسر اي امتياز مهم، فقد كانت درجاتي تتراوح ما بين ممتاز، جيد جدآ، وجيد، سنوات دراستي الابتدائية.

    في يومي الاول في المدرسة، كنت محتشدآ بالمتعة والانبهار كما الخوف والتوقعات الغامضة كغيري من التلاميذ الحضور في ذاك اليوم.
    عندما فرغنا من تعلم طابور الصباح وكيفية ادائه على افضل نحو، وكيفية الدخول الى الفصول النظيفة ذات الابواب والشبابيك والادراج والكنبات غامقة الخضرة، دخل استاذ الى الفصل. كان انيق المظهر، بطريقة رسمية، ولقد ترك مظهره الانيق وحسن طلعته فينا اثرآ عميقآ. عرفنا على نفسه، ناظر المدرسة. وكأنه شعر بخليط التشوق والمتعة والسرور والقلق الذي كان يعترينا، قال: "ساحكي لكم قصة باهرة".

    وهكذا صوبنا انتباهنا كلية نحوه. ولكنني للاسف لا استطيع ان اتذكر تفاصيل القصة الباهرة كلها. استطيع فقط ان اتذكر صورة غامضة لفارس على صهوة فرسه، وخلفه يرتدف اميرة حسناء، كانت تحيطه بذراعيها، بينما الفرس يعدو سريعآ على الطريق مخلفآ سحابات من الغبار الكثيف في الجو.

    كان الناظر معلمآ بارعآ، ذلك انه اختار بداية مثالية وعفوية لتعليمنا الرسمي. وبهذه الطريقة فتح شهيتنا واعدّنا تمامآ للدروس المقررة القادمات. فتح شهيتنا بهذه الطريقة مكننا من ان ننظر للمدرسة كمكان جذاب، محل للقصص. ولهذا احببت الذهاب الى المدرسة على الاقل في المرحلة الابتدائية. اضافة الى انني اعتقد ان تلك القصة، فاتحة الشهية، ساهمت كثيرآ في تنمية موهبتي السردية ونزوعي القصصي. المنهج المدرسي نفسه ساعدني في تطوير تلك النزعة. بمعنى ان دروسآ مقررة، كالدين الاسلامي واللغة العربية والتاريخ، كانت تدرس على طريقة السرد القصصي. كما ان خيالي اعانني في التعامل مع حصص كعلم الاحياء والجغرافيا بمزاج سردي. لقد كان من الطبيعي بالنسبة لي ان اتخيل مراحل نمو النبات كمسرد قصصي. كما كنت استمتع برؤية القارات كافريقيا واوروبا واسيا مثلها مثل نساء بملامح مختلفات.

    ومهما يكن من أمر، ومع تقدمي في الدراسة، ظهرت دروس جديدة، والدروس القديمة صارت اصعب. وازداد اشتغالي واهتمامي بالمواد التي لها خصائص سردية كالقراءة العربية، والقراءة الانقليزية، والانشاء العربية، والانشاء الانقليزية، والتاريخ. ومن ناحية اخرى، كانت علاقتي بمواد كالرياضيات والفيزياء والكيمياء والنحو والصرف العربي، والنحو والصرف الانقليزي، قد تدهورت من اهتمام فاتر الى كراهية شاملة. اعتقد ان افتقاد هذه المواد لتراكيب سردية ساهم مساهمة اساسية في فتور وتدهور اهتمامي بها.

    منذ ان تعلمت القراءة دون مساعدة او توجيه، صارت صلتي بالسرد حميمة اكثر فاكثر. والان لا يمكنني ان اتخيل حياتي بدون سرد وقصص. صار السرد عنصرآ حاسمآ في هويتي الثقافية/الابداعية. وترتب على ذلك انني في بلدي السودان صرت مشهورآ كواحد من اميز واهم قصاصيها المحترفين.

    واضيف بالقول انني الان احضّر لنيل درجة الدكتوراه في "دراسات ما بعد الكولونيالية" في جامعة فكتوريا. "هويتي السردية الابداعية" لها الدور الاعظم في تحديد مقاربتي ومنهجي الذي استخدمه في مشروعي الاكاديمي. بمعنى آخر، انا استخدم مهاراتي السردية التي راكمتها من خبرتي في كتابة القصة القصيرة، جنبآ الى جنب مع خيالي الذي اغتنى كثيرآ بانغماسي المستمر في قراءة واحيانآ مشاهدة طائفة عريضة من الاجناس السردية والابداعية المختلفة. ولقد لعبت هذه الخبرات دورآ حيويآ في قراري استخدامها في التحضير لاطروحتي.


    هل كان من الممكن ان يتحقق هذا كله بدون تلك الحصة الاولى "الحصة قصة"، في يومي الاول ذاك، في مدرستي الاولى تلك؟
    اجابتي هي: في غالب الظن لا.
    _________________
    There are no people who are quite so vulgar as the over-refined.
    Mark Twain


    عادل عثمان

    (عدل بواسطة munswor almophtah on 11-10-2014, 06:16 AM)

                  

11-07-2014, 05:57 PM

munswor almophtah
<amunswor almophtah
تاريخ التسجيل: 12-02-2004
مجموع المشاركات: 19368

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: عادل القصاص الحصه قصه//محمد خلف الله عبدالله....... (Re: munswor almophtah)

    الإخوه محمد خلف وناديا أراكما قد وضعتمانى فى إمتحانٍ قاس وشاق
    بأن أقول قولى فى هذا السفر الفريد لا بل هذه المقامه الرفيعه التى
    أحسبها حقيقة بجلوة باهره خرج بها محمد من زاويته بعد أن صام عن
    القول كما الذى نذر بأن لا يكلم إنسيّاَ قط معتكفاً فى زاويته مبتهلا
    متوكلا على الله فى رحلة السفر إلى عمق الذات العصيه والتى
    تقْسُ وتشق معرفتها لتفلتها كما البروة فى اليد إلا لذوى اللالوب والقرض
    والزهد فى الغرض إغتداء بقول سيد الحق عليه أفضل الصلاة والسلام
    (من عرف نفسه عرف ربه) ومن قبله سغراط الذى هوى بالفلسفة من
    عوالم السماء إلى الأرض ومن عوالم المثل والأرواح لعوالم المادة
    والأشباح بقوله (أعرف نفسك) وبذلك الكتلوج إستطاع محمد خلف أن
    يخرج أثقاله الحارقة لافاها ليعصف بعقولنا ويلعب بها كما الذى يلعب
    بحبات سبحته مستغرقا ربه وليس فى عالمه إلا ركوةٍ وفروه. شدنى تقارب
    محمد للمكان والزمان فى الأدب والقرآن والتاريخ الإجتماعى وأثره فى
    تشكيل ذاكرة فى نخاع الروح يخرجها الروائى والشاعر فى نصٍ مبدع
    تبين فيه دلالات المكان وأثره وكما للمكان تلك الخاصيه ف للزمان مثلها.
    إستطاع محمد خلف فى مناغمته لعادل القصاص أن يسرد تاريخا إجتماعيا
    دالا على وفائه وإخلاصه وسماحته ففى ذكر أماته اللواتى
    لم يختف طعم النعناع فى شايهن من لسان ذاكرته وكذا القهوه لا
    لم تستطع السنين أن تنسيه لون الشباك الذى كانت تأتيهم عبره
    أو من خلاله تلك القهوة والشاى والشباك رمزٌ لحياة كامله سكت
    فيها عن الكثير لا بل قال الأكثر وطفق يذكر أهل الحارة فردا فردا
    جكسا وصنوه وأبناء شيخ الدين المقداد وتبارك وتماضر الوصافه وعفاف
    العزافه وعائشه والوافر ورشا وهمرور فعائشه يا محمد بأميركا متزوجه
    من الأخ إسماعيل أحمد فرح شقيق أصدقائى الأفاضل وهى فى فرح سرمدىٍّ
    أبدى ونتمنى لها ذلك نعم أن للمكان قداسته وأن السرد الروائى والإبداع
    الشعرى لاريتأتى إلا من مخزون متراكم يخرجها الأديب بإزميل يراعه
    راشا عليها بمكر الكتابة بهارٍ يحدث فيها بعداً معيارياً لافتاً كما فى
    موسم الهجره إلى الشمال وضوء البيت ودومة حامد والمنسى وما
    ينطبق على الطيب ينطبق على إبراهيم إسحاق والقصاص بعد
    إن إشتدت عيدان الدِرْبَة فيهم ومثلهم الآخرين شعراء وأهل قص.
    أيضا عزف خلف لحونا شجيه فى فقه اللغه ودورها كصفائح
    حمولٍ للإبداع ودلق معرفة بعظم النقد جباره ولم يشح
    بوجهه عن الفلسفه بل غرف من مواعينها وكبّها لنا فى دُلّقٍ
    مهيل ورمى عليه قرعةً لنغرف بها وهى ترعى كما الوزة عليه
    وعلى ما فيه من سلاف فكرٍ وخندريس معرفه فيا عزيزى محمد خلف
    هذه كتابة كما كتابة الحوليات وأن قراءتها تحتاج لحولٍ كامل
    أعدك بأن ساقيس فمها بودعةٍ وأمشى وأجيها راجع إنها لا تتأتى
    إلا لبشرٍ من طينتنا صيد باله ناجعٌ منه - أشكرك يا خلف
    على هذه الوجبة الدسمة الفخيمه التى عملت فيها إزميل معرفتك
    بحرفنة خارقه أخرجت لنا هذه المقامة البديعه الشكر والسلام
    لكم والأبناء.


    منصور

    (عدل بواسطة munswor almophtah on 11-07-2014, 06:09 PM)
    (عدل بواسطة munswor almophtah on 11-08-2014, 01:26 AM)
    (عدل بواسطة munswor almophtah on 11-25-2014, 01:26 AM)

                  

11-07-2014, 10:55 PM

إحسان عبد العزيز
<aإحسان عبد العزيز
تاريخ التسجيل: 05-30-2012
مجموع المشاركات: 3094

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: عادل القصاص الحصه قصه//محمد خلف الله عبدالله....... (Re: munswor almophtah)

    Quote: ياعزيزي
    وصديقي عادل القصّاص؛ فمن جهةٍ أنت "مهندسٌ" فعليٌّ لفنِّ القصِّ في السودان، ومن جهةٍ أخرى أنت سليلُ "القصَّاص" الذي اخترته بنفسك في فعلٍ أدائيٍّ متميِّز، فكان اسماً أدبيَّاً رائعاً لمُسمًى أكثر روعةً


    التحية لصديقى المبدع عادل القصاص
    ومثلها لكاتب الرسالة الاستاذ محمد خلف
    ولك مليون تحية منصور المفتاح يا انسان
                  

11-08-2014, 05:35 PM

munswor almophtah
<amunswor almophtah
تاريخ التسجيل: 12-02-2004
مجموع المشاركات: 19368

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: عادل القصاص الحصه قصه//محمد خلف الله عبدالله....... (Re: إحسان عبد العزيز)

    أستاذه إحسان ألف سلام عليك والأسره وألاف الأمانى لك والأهلين الشكر والتقدير
    ياخ أصدقائك لهما من الملكات ما يملؤك حيرة ويعبيك غبطة وفرح لأنهما يدخلانك فى جخانين عصيه، فيا إحسان هذه كبسولة موزونة الكيمياء والفيزياء والأحياء
    بهار النقد وفقهه ومنطقه وتاريخه متاح ومضبوط فيها لغة فلسفة وفيها روح التصوف وفيها جمال البيان ورصانة الكلمه والإنتقال السلس وفيها حٌشد المكان
    كمؤثر خطيرٍ وكنطاق باعث للحراك الذى يحرك الوجدان ليبدع نصا أوسردا أنظرى للحى عند المجذوب وخلف يقول إنه بيت المال وأنظرى أنظرى للقصاص
    كما الكنار بين الربى والرياض والحدائق الغنى وملكات السرد التى لم تغب وأنظرى لعبر الفلاسفه وأهل النقد والمنطق إنها سيمفونية سباعية السلالم عزفها خلف
    لحونا عذاب، شكرا إحسان وشكرا إنك لم تنسين العشره ولم تتأخرين عن فعل الواجب ولك ثانية السلام

    (عدل بواسطة munswor almophtah on 11-08-2014, 05:37 PM)
    (عدل بواسطة munswor almophtah on 11-25-2014, 01:23 AM)

                  

11-09-2014, 04:53 AM

munswor almophtah
<amunswor almophtah
تاريخ التسجيل: 12-02-2004
مجموع المشاركات: 19368

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: عادل القصاص الحصه قصه//محمد خلف الله عبدالله....... (Re: munswor almophtah)

    إذا جاء بك الطريق عليك أن تفك الريق هنا توجد الكتابه المشبعه
                  

11-09-2014, 07:35 AM

Mohamed Abdelgaleel
<aMohamed Abdelgaleel
تاريخ التسجيل: 07-05-2005
مجموع المشاركات: 10415

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: عادل القصاص الحصه قصه//محمد خلف الله عبدالله....... (Re: munswor almophtah)

    المنصور/ محمد خلف/ عادل القصاص .. التحايا والحصة قصة والكتابة التفتح دهاليز
    قصة الحياة واللغة والدروب المستحيلة ..
                  

11-09-2014, 11:52 PM

munswor almophtah
<amunswor almophtah
تاريخ التسجيل: 12-02-2004
مجموع المشاركات: 19368

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: عادل القصاص الحصه قصه//محمد خلف الله عبدالله....... (Re: Mohamed Abdelgaleel)

    الأخ العزيز محمد عبدالجليل السلام ورحمة الله وبركاته عليك وعلى الأهلين
    نعم بعض الكتابات ضغط كهربائها عالى تجذب من إقترب منها حتى ولو بلغ وزن الفيل حضورا ومعرفه وتلك الكتابة
    تفعل ذلك وتجعلك تسمع بأذنك عضلات عقلك تقول طق طق حتى تحسب أن يافوخك كاد أن يطق، كتابة
    تجتمع فيها العلوم كلها وتتشكل فى قوس قزح بديع نشكرك ومحمد خلف والقصاص على أن جئتم بالحد أو الأثر
    فوق الطندبه وتلك خاصية أهل القصاص فى العالمين فلا يغيب عنهم الأثر ولو دخل الماء.
    شكرا محمد

    منصور

    (عدل بواسطة munswor almophtah on 11-10-2014, 00:57 AM)
    (عدل بواسطة munswor almophtah on 11-25-2014, 01:28 AM)
    (عدل بواسطة munswor almophtah on 12-18-2014, 02:10 AM)

                  

11-10-2014, 06:11 AM

munswor almophtah
<amunswor almophtah
تاريخ التسجيل: 12-02-2004
مجموع المشاركات: 19368

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: عادل القصاص الحصه قصه//محمد خلف الله عبدالله....... (Re: munswor almophtah)


    كتابة يجب الوقوف عليها



    (عدل بواسطة munswor almophtah on 11-10-2014, 06:32 AM)

                  

11-10-2014, 06:24 AM

بكرى ابوبكر
<aبكرى ابوبكر
تاريخ التسجيل: 02-04-2002
مجموع المشاركات: 18727

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: عادل القصاص الحصه قصه//محمد خلف الله عبدالله....... (Re: munswor almophtah)

    عادل القصَّاص والحصَّة تاريخ
    صديقي عادل
    أمرُ هذه الدنيا مُمَدَّدٌ (وإنْ شئتَ مشدودٌ) بين الضرورةِ المُتوهَّمة وواقعِ الاحتمال. والمناهجُ التي نتخيَّرها، هي الأخرى، متأرجِّحةٌ بين الاكتفاءِ بالشجرةِ المُتاحة أو الاستظلالِ بالغابةِ المترامية فيما وراء الأفقِ المرئي. سأشرح بتمهُّلٍ ما أعني بهذا المدخلِ المُعتم، بعضِ الشيء. ولكن، قبل أن أفعلَ ذلك، قلْ لي:
    أولاً، كيف تتلاءمُ ذاكرتُك القصَّصية مع انزياحاتِ المكان وتبدلاتِه العاصفة: من أمدرمانَ إلى دمشقَ وأديس أبابا وأسمرا، ثمَّ أديس أبابا مرَّةً أخرى، فالقاهرة (وكانت كلُّ الرجرجةِ التي عاناها سلفُك لا تتعدَّى رحلةً شاقةً بالفعل "من أسكلةِ الخرطومِ إلى الجبلينِ إلى الرجاف"، فلم يشهدوا فسطاطَ عمرٍو ولا قلعة صلاح الدين، بل أن بعضُهم أُرْجِعَ من محطة القطار النهائية ببحري)؛ وثانياً، كيف يعملُ قرنُ آمونِك الذكيُّ مع طبوغرافيا المكانِ في مِلبورن (وكنتُ لا أعرفُ عنها قبلك سوى أنها المدينة التي يُقام فيها أولُ المنافساتِ الكبرى لكرةِ المضرب، إلى جانب "غولان روش" بباريس، و"ويمبلدون" بلندن، و"فلشينغ ميدوز" بنيويورك).
    وقد نبَّهني من قبلُ كِتابُ "جماليَّات المكان" للفيلسوف الفرنسي غاستون باشلار للدورِ الذي يلعبه المفهومُ المسبق في تشكيلِ ذاكرة الشعراء والروائيين؛ وكنت أعرفُ كيف يشدُّني امرؤ القيسِ إلى بيئته من "سِقطِ اللِّوى" إلى "الدَخولِ فحَوْمَلِ"؛ وكيف يجذبني طرفة إلى "بُرقةِ ثَهْمَدِ"؛ أو زهيرُ إلى "حَومانةِ الدَّرَّاجِ فالمُتَثَلَّمِ"؛ أو جميعهم إلى باقةٍ لا تُنسى من الأماكنِ العربيةِ المُحبَّبة مثل "المُتَرّدَّمِ" و"الرَّقْمَتين" و"مِنًّى"؛ ثم تعرُج بك الأخيرةُ إلى اصطفافٍ آخرَ من الاستخدامِ القرآنيِّ لبلاغةِ المكان: "وشجرةً تخرجُ من طورِ سيناءَ تنبُتُ بالدُهنِ وصِبْغٍ للآكِلِين" أو "وَطُورِ سِينِينَ وهذا البلدِ الأمين" أو "إِرَمَ ذاتِ العِمادِ الَّتي لم يُخْلَقْ مِثلُها في البِلاد".
    ولكن (ولا يرى ستيفن پِنْكَر، في أحدثِ كتبِه غضاضةً في افتتاحِ فقرةٍ جديدة بحرفِ ربط) هل يؤجِّجُ الارتحالُ أو الانتقالُ المفاجئ من مكانٍ إلى آخرَ مفهوماً ثانياً لباشلار، وهو "القطعُ المعرفي"؛ إذ أراك ’تقطعُ‘ في وقتٍ وجيز ما يستغرق المرءُ عُمُراً كاملاً في غرفة "الحارة السابعة"؛ وقد فَعَلَها من قبلُ شيخُ الروائيين السودانيين، حيث أخرج للناسِ روايةً تتناقلها الألسنُ وتتحدَّث بها الرُكبان. أمَّا شيخُ الشعراء السودانيين، فقد وجد ضالته في مفهوم باشلار الأول: اُنظُر في "نار المجاذيب" أو "تلك الأشياء" وتأمَّل كيف احتمى بدفءِ المكان؛ أمَّا أنا، فيعنيني بشكلٍ خاص تذييلَ بعضِ قصائدِه تحت اسم الحيِّ الذي نشأتُ فيه، ولا زالت ذاكرتي تترعرعُ به -هذا غيرُ أحلامي وانتكاساتي المتكرِّرة- وهو حيُّ "الكراكسة"، بِحارة "بيت المال" القديمة. وخلافاً للشيخين، ظللتُ مشدوداً رَدَحاً من الدهرِ بين الشِعْرِ والقَصِّ، إلى أن ناداني "القُرآنُ"، فهفوتُ مُسْرِعاً إليه، ومازلت في أرجائه أدور.
    بمناسبة "الحارة السابعة"، سلامي ودعواتي إلى أمِّي الرابعة "حاجَّة صفيَّة"، عسى أن يحفظَها اللهُ ويمنحَها العافية وطولَ العُمُر؛ وصلواتي ودعواتي إلى أمِّي الثالثة المرحومة "حاجَّة آمنة"، عسي أن يُكرِمَها اللهُ ويُهيئَ لها فسيحَ الجنان؛ وصلواتي ودعواتي إلى أمِّي الثانية المرحومة "حاجَّة صفية ’الأولى‘ بنت البدوي"، عسى أن يكتُبَها اللهُ مع النبيين والصديقين والشهداء؛ وأن يحفظَ اللهُ أمِّي الأولى، صاحبةَ الفضلِ الأكبر، "حاجَّة مُنى". وكيف حال "مُفيدة"؟ لازلت أتذوقُ في ذاكرتي نكهة الشاي -الذي يتسللُ إلى "الغرفةِ" إلينا عبر ذلك "الشُبَّاكِ" الأخضر- وأتعجبُ في نفسي كيف تُضاهي بمُفْرَدِها نكهة القهوة التي تَبْرَعُ في صنعها الأمهاتُ الأربع! وكيف حال رواد "الغرفة" من جمهرة الكتاب والشعراء؛ وكيف حال جيرانها: علمت بموت قاسم حسن درار، رجلٌ من "السابعة" لا يُدانيه امرؤٌ في سموِّ الخُلُقِ والحَرْفَّنةِ الكروية إلا رجلٌ آخرُ من "الثامنة"، هو نصر الدين عباس ’جكسا‘؛ وكلاهما ارتبط بفريق "الهلال"؛ استمر أحدُهما مع الفريق، فطَبَّقَتْ شُهْرَتُهُ الآفاق؛ وانقطع الآخرُ، فتناساه الجمهور؛ ولن ينساه اللهُ، ولا قِلَّةٌ من أفاضلِ الهلاليين.
    ولله دَرُّكَ يا "شيخُ الدين" و"بنتُ همرور"! لم أرَ امرأةً سودانية أفضلَ في التمثيلِ المسرحيِّ من "تماضر"، حتى لو أدخلنا ضمنهن نساءً في قامةِ فايزة عمسيب. ولا زلت أخجل من نفسي يومَ سُئلتُ عن تقييمِ أفضلِ ممثلين وممثلاتٍ في عرضٍ مسرحيٍّ لامتحانِ خريجي قسم المسرح بالمعهد العالي للموسيقى والمسرح، فأجبت "تماضرَ" في الخاناتِ الثلاث، وكانت تمثِّلُ دوراً مساعِداً في واحدٍ من عروض الدبلوم! ما شاء الله وتبارك وتعالى، غير أني لا أذكر كلَّ الأسماء؛ ولكن، مَنْ ينسى "تبارك" -وياله من اسم!- أو "الوافر" من فرقة "السمندل" الموسيقية أو "المقداد" الذي كنا نُهيؤه قبل التاسعة ليقرأَ للناسِ "نشرة التاسعة" في تلفزيون جمهورية السودان. و"عفافُ" أذكرها وأخلط اسمها أحياناً –وربما لاسم أخيها- باسم زوجة عركي، مع أن الله لم يُسعدني برؤية كليهما؛ وعندما زرتهما في "الحتَّانة" بصُحبة عميري ومريم، لم نجد سوى عربةٍ معتَّقةٍ تليقُ بعركي، هاجعةً في دلالٍ وَدَعَةٍ خارج الدار. كما لم أحظَ برؤية "همرورَ" وأخته "أميمة" إلا لِماماً، كما لم ألتقِ "رشا" يا عذارى "السابعة"؛ وأين "الصادق"؛ ولكن يالله أين "عشَّة"، أرجو أن تكون عائشةً على أفضلِ وقتٍ، وأن يهبها اللهُ الصِحَّةَ وطولَ العُمُر،ِ وأن يُجنِّبها الفاقَّةَ والعِوَزَ ورِفاقَ الطقسِ الصحوِ وعداواتِ اليومِ الغائم.
    وبمناسبةِ "الكراكسة" و"جكسا" و"قاسم"، فإنني أتساءل: لماذا لا يُعيدون تأسيسَ فريق "الكراكسة" لكرةِ القدم، خصوصاً بعد انتقالِ أو ذوبانِ فريق "ناصر" الذي دُمِجَ فيه اعتسافاً بقرارٍ فوقي؛ أو لماذا لا يقومُ أخي الشاعر "بابكر الوسيلة" بمسحٍ أنثروبولوجي لِما تبقَّى من الحيِّ القديم أو لقاطنيه الذين رحلوا عنه إلى "العرضة" أو "الثورات"، لمعرفةِ الظروف والملابسات التي قادتِ "المجذوبَ" إلى الاحتماءِ بالحي؛ وما هو السحرُ الذي جذبه إليه أو وَجَدَه فيه، حتى يُقَيِّدَ الاسمَ في ذيلِ بعضِ قصائده - هل هو شَغَفُه بغريبِ "الدوالِ" أم في الأمرِ عِلَّةٌ كامنةٌ في عُمْقِ المدلول؛ وأين كان يسكن بالتحديد، في أيِّ بيتٍ أم في أيِّ كوخ، وما أكثرَ الأكواخَ في "بيتِ المالِ" القديم! وهل ذهب العقارُ مع إعادة التخطيط أم أن هناك أملاً في "تعليقِ" شِعْرِه عليه: بداخلِه كمتحفٍ يحمل اسمَه البهيَّ أو أبياتٍ مُرصَّعةٍ بخارجِه، كتذكيرٍ دائمٍ بأهميةِ المكان.
    وعلى ذكرِ المكانِ، فلْنَعُدْ إلى المدخل، لنستأنفَ ما انقطع من حديثٍ حول الضرورةِ المُتَوهَّمة وواقعِ الاحتمال، وحول نهجَي الشجرة والغابة. وكإضاءةٍ أولى لِعَتَمَةِ المدخل، أقول بأن ما دفعني لكتابةِ هذه السطور، غيرُ وَكْزِ عثمان حامد المتكرِّر، هو ملاحظةٌ أبديتها أنت، وبشكلٍ تقريري، في مقالِك باللغةِ الإنكليزية الذي استوحيتَه من مقالٍ آخرَ ليحي فضل الله تحت عنوان: "عادل القصَّاص والحصَّة قصَّة"، حيث قلتَ ما تُعادلُ ترجمتُه الزعمَ بأن علاقتك بمواد "الرياضيات" و"الكيمياء" و"قواعد اللغتين العربية والإنكليزية" قد تدهورت من اهتمامٍ فاترٍ إلى كراهيةٍ تامَّة، نسبةً لاعتقادك بأن هذه المواد لا تنطوي على محتوًى سردي أو حسب ظنك تحديداً بأنها تفتقرُ إلى بنيةِ سردٍ خاصَّةٍ بها (الإضافة المُظلَّلة من عندي، فالترجمةُ ضربٌ من التفسير، وكلُّ مُفَسِّرٍ يحمل على عاتقه، كما طائرُ البَطْروسِ في قصيدةِ "البحَّارِ القديمِ" لصمويل كولردج، جريرةَ تفسيرِه).

    فلو قلتَ (ولا داعي لتكرار كلام پِنْكَر الذي جاء بالفقرةِ الرابعة) إن طريقة عرض الناظر لحكايته في أولِ يومٍ دراسي -إلى جانب منهاج الدراسة بالمدرسة الأولية- قد كرَّسَتِ الانطباعَ بأن الموادَّ المذكورة عاليه لا تنطوي على بنية سرد -كما هو الحال مع مواد "الدين الإسلامي" و"اللغة العربية" و"التاريخ"- لَمَا أثار كلامُك ما يلزم التنويه، ولكنك اعتقدت فيما يُشبهُ الجزمَ بأنها تفتقرُ إلى قوامٍ سردي. وما يستدعي الاستغراب أنك بدأت فعلاً في إعمالِ الخيال لدرجةٍ أمكنتك التعاملَ مع "علمِ الأحياء" و"الجغرافيا" بمزاجٍ سردي - فبأيِّ فرمانٍ يمكننا أن نُحِدَّ من مَلَكَةِ الخيال، فنُوقفها عند حدودِ الحياة؟ ربما تأتي الإجابةُ، وبشكلٍ غير متوقَّعٍ، من علمِ الأحياءِ ذاتِه؛ ولكن، قبل التعرُّف على الإجابةِ، دعنا نُفلفل ’بنية السرد‘ في المجالِ القصصي.
    ’بنيةُ السردِ‘ - أو البنية السردية – هي في المقام الأول قالَبٌ شكليٌّ محدَّد أو مفهومٌ مجرد يتمُّ إسقاطُه (أو التعرُّف عليه، بواسطة الكاتب أو القارئ على التوالي) على مادةٍ قابلةٍ للتشكُّل أو ذات محتوًى حكائيٍّ كامن، بحيث يتم إكساب المادة عنصراً من عناصر الانتظام، وعادةً ما يأخذُ شكلَ تأليفٍ، يتضمَّنُ شخوصاً، ينشأ بينهم صراعٌ، يحتدم إلى درجةٍ، تقود في النهاية إلى حلٍّ للعقدة؛ وبالطبع، يمكن إضافة بعض الرتوش لهذا التعريف المبسَّط أو الاشتطاط في تبسيطه؛ وفي أيٍّ من الاحتمالين، ينصرف انتباهُنا إلى الإطارِ النظريِّ النقي، والقابلِ في ذاتِ الوقت للتطبيقِ على مادَّةٍ لا حصرَ لها. وهذه، تحديداً، هي الخاصيَّة التي سمحت لخيالِك الخصب بالتعاملِ مع عِلْمَي ’الأحياء‘ و’الجغرافيا‘ "بمزاجٍ سردي"، على حدِّ تعبيرك الموفَّق؛ إذ إن بنية السرد هي عنصرٌ أدبي، يتضمَّنُ في إطاره ’قصةً‘-تدورُ أحداثُها في مكانٍ معيَّن- وتتخذ خطَّاً متصاعداً، يصل إلى ذروةٍ، تنفكُّ بها عقدةٌ في نهاية العمل؛ وتنويعاً على ذلك، وخاصةً في الأعمال الحديثة، يمكن لذلك التصاعد أن يمضي بلا انقطاع، أو يُفتتحُ العملُ بدءاً مِمَّا يُشبه الذروة، ثم تنفكُّ عناصرُه أو تنحلُّ طلاسُمه عن طريقِ تقنياتِ الارتجاع أو "الفلاش باك".
    إذا كان بإمكانك تصوُّر نموِّ زهرةٍ كقصَّة، فيمكنك أن تتخيَّل أيَّ ملاحمَ نسجها علماءُ أفذاذٌ حول نشوءِ العناصر (الكيمياء) والأنواع (الأحياء)، هذا غير نشوء الكون نفسه (الفيزياء)؛ كما يمكنك أن تتخيَّل أيَّ أساطيرَ حبكها علماءُ نحوٍ وصرفٍ حُذَّاقٌ حول نشوء اللغة (قواعد اللغة العربية) أو تطوُّرِها (قواعد اللغة الإنجليزية). يمكنك أن تتعاطف مع أبي الفتح عثمان (ابن جني)، وتحِسُّ بمعاناته وهو يحاولُ أن يَبْعَجَ إجابةً شافية حول أصل اللغة: أهي اصطلاحٌ أم توقيف؟ وترجع حسيراً معه، حينما تتعثر خطاه ويعزُّ مطلبه. ما أوجد الانطباعَ لديك وقتها، ولم يَسَعَكَ لاحقاً لمراجعته، هو قوةُ عرضِ الناظر لمادَّته وبراعته في وضعها ضمن قالَبٍ قصصى. ولو كان لمجايليه (تلك الكلمة المحبَّبة لأحمد الطيِّب عبد المكرَّم – أيُّ فراغٍ تمدَّدَ في أعقابِه، أيُّ أسًى ترسَّبَ في القلب) من مدرسي المواد الأخرى قوةُ عرضِه وبراعتُه، لَتَبَدَّدَ هذا الانطباعُ في المهدِ، ناهيك أن يصحبك، رغم بُعدِ الشُقَّةِ، إلى مِلبورن.
    الإضاءة الثانية، هي أن خطوط القصَّة، بما تفرضه من انتظامٍ في السبك، تُوهِمُ بوجودِ ضرورةٍ محدَّدة تلزم الأحداثَ بالانصياعِ لتتابعٍ بعينه، في حين أن الواقعَ مليءٌ بالاحتمالاتِ التي لا تخضع لأيِّ ترتيبٍ مُسبق. والإضاءةُ الأخيرةُ للمدخل، حتى تنقشعَ عتمتُه دون حاجةٍ إلى مزيدٍ من التطويل، هو أن خطوط القصَّة، بنظمِها المبسَّط، تلائمُ النهجَ الذي يكتفي بالإمساكِ بالشجرة، في حين أن الواقع المُشبع دوماً بالاحتمالات، غالباً ما يُضحِّي بالضرورة، فلا يُناسبه أحياناً إلا نهجٌ يحاول أن يُمسكَ سُدًى بكلِّ تلابيبِ الواقع، فيستظلُّ، واهماً هو الآخرُ، بغابةٍ كثيفةٍ، متراميةٍ فيما وراء الأفقِ المرئي.
    علمُ الأحياء، بغزارةِ مادته وتفرُّعِ أقسامه، تتقاسمه مدرستان، في إطار النظرية الدارونية المهيمنة، بالتوليفةِ الحديثة بين الانتخاب الطبيعي وعلم الوراثة؛ المدرسة الأولى، وهي الأكثر هيمنةً، قامت على أكتافِ علماءَ فطاحل، لكن خطيبَها المفوَّه، والأسطعَ نجوميةً، وربما لمهاتراتِه وبُعدِه المنهجي عن "الاستقامةِ السياسية"، هو ريتشارد دوكنز، الأستاذ بجامعة أوكسفورد، صاحب المؤلفات العديدة، بينها كتابُه الأشهر: "الجينة الأنانية"؛ والفيلسوف المدافع عنها على رؤوسِ الأشهاد، هو دان (يل) دينيت، الأستاذ بجامعة تَفْتس الأمريكية، صاحب المؤلفات العديدة، هو الآخرُ، ومن بينها كتابُه الأشهر: "وعيٌ وقد تمَّ تفسيرُه"؛ أما المدرسة الثانية، فقد قامت على أكتافِ ثلاثةِ علماءَ إنجليز وإيرلنديين بجامعة كمبردج، لكن زعيمَها الأشهر، المروِّجَ لأفكارِها الأساسية، هو الراحلُ ستيفن جاي غوولد، الأستاذ بجامعة هارفرد، صاحب المؤلفات العديدة، بينها كتابُه الأشهر: "[يا له من] عالمٍ رائع".
    يمتليءُ "الجينة الأنانية" بمختلفِ الحكاياتِ والقصص التي تعكس وتفسِّر مختلفِ سلوك الحيوانات (والنباتات)، وقد اعتمد الكاتب على أسلوبٍ أدبيٍّ شيِّق، وطريقةٍ أدبيةٍ علميةٍ في آن، تتبنَّى نهجَ "التحليل المغاير للوقائع". وخلافاً للحكايات والقصص في المجال الأدبي، لا تعتمد الطريقة العلمية على "بنيةِ سردٍ" عادية فحسب، وإنما تلجأ أيضاً إلى شكلٍ شبيهٍ بها، وهو "خطة بناء الجسم"؛ ومن سلسلةٍ متدرِّجةٍ لخطةِ البناء، يتمُّ نسجُ ’قصَّةٍ‘ تفسِّر مراحلَ تطوُّرِ نوعٍ إلى جنسٍ ففصيلة، إلى آخرِه؛ أو تحدُّرِه منه إلى فصيلةٍ، فجنسٍ، فنوع. إلا أنها، تماماً مثل "بنية السرد"، بفرضِها لضرورةٍ محدَّدة، تخنقُ كلَّ احتمالاتِ التنوُّع، فلا تُناسبُ إلا نهجَ الإمساكِ بشجرةٍ بعينها: شجرةِ نسبِ هذا الأرنبِ البريِّ أو تلك الوردةِ الجبلية.
    وفي هذا الخصوص، نبَّه الراحلُ ستيفن جاي غوولد إلى أن السُلَّم المُتصاعِدَ الظاهرَ للعيان لخُطَّةِ بناءِ أجسام الخيول قد أوهم بوجودِ تطوُّرٍ لا ينقطع، من جنس الهايراكثيريم (وهو جنسُ حيوانٍ ثديِّيٍّ منقرض شبيهٍ بالوبريات، كان يعتاشُ على العشب) إلى الأحْمِرة الحديثة (الإيكوس)، مما سهَّل مهمة تدبيجِ قصةٍ ملائمة حول ’تطوُّرِ‘ الخيول، الأمر الذي لم يتوفَّر في حالة الخفافيش والظباء والقوارض؛ إلا أن الخيول، في واقع الأمر، لا تنتظم، بحسب غوولد، في سُلَّمٍ تطوُّري أو تندرج ضمن سلالةٍ مركزية، إذ إن هذا ’السُلَّمَ المتصاعدَ‘ الظاهري هو واحدٌ من المساراتِ المتشابكة المتعدِّدة ضمن غابةٍ في غايةِ التعقيد؛ ولم يُكتبِ النجاحُ لهذا المسارِ بالذات، إلا بإخفاقِ المساراتِ الأخرى، أي انقراضِها.
    بمعنًى آخر، يمكن لشاعرٍ جاهليٍّ، مثل طرفة بن العبد، أن يعتامَ الناقةَ مناطاً للاستفاضة في الوصفِ، للتعبيرِ من خلالِه عن تطوُّرِه العقليِّ والروحي؛ ويمكن لفيلسوفٍ معاصرٍ، مثل طوماس نيجل، أن ينتقي الخفاشَ مثالاً لتوضيحِ مشكلة الوعي المُستعصية على الفهم؛ كما يمكن لشاعرٍ، مثل أخي بابكر الوسيلة أن يستأنسَ بفراشاتِه للاحتماءِ بها من غيلةِ الدهر؛ أمَّا بشأنِ فصيلة الخيول، فقد تسنَّى لشاعرٍ راحلٍ، مثل محمود درويش، أن يكتب: "لماذا تركتَ الحصانَ وحيداً؟"، مجيباً عن أبٍ لابنِه: "لكي يُؤنسَ البيتُ يا ولدي، فالبيوتُ تموتُ إذا غاب سكانُها"؛ مما تسنَّى لاحقاً لصديقٍ راحلٍ آخرَ، مثل سميح القاسم، أن يستخدمها معاتباً رفيقَ صباه على سبقِه بالرحيلِ عن الدنيا: "أنتَ تركتَ الحصانَ وحيداً..لماذا؟ وآثرتَ صهوةَ موتِكَ أفقاً". ومع ذلك، فلا يمكن التوسُّلُ بكلِّ الخيولِ أداةً للإمساكِ بمسيرة التاريخ البشري، إلا إذا اتسعتِ الرؤية وأسعفتها التجربة وحالفها توفيقٌ نادر، وهذا هو بالتحديد ما أنجزه الشاعرُ المصري الراحل أمل دنقل في قصيدةِ "الخيول" (أين أنت يا خالد عبد الله؛ هل ما زِلتَ تحفظُها عن ظهرِ قلب، وتُسْمِعُها بصوتِك الجهوريِّ الممتع لباقةٍ مما تبقى من أصدقاء؟)
    على ذكرِ التوفيقِ النادر واتساعِ الرؤية، وضعَ عالمُ الإحاثة (أي علمُ الأحياء المُوغلة في القدم، والتي تأخذُ شكلَ متحجَّراتٍ حيوانية أو نباتية) الأمريكي الشهير، تشارلس دوليتل وولكوت، يدَه، في عام 1909، على أثمنِ كنزٍ من الأُحفوريات في أعالي جبال الروكي الكندية؛ وهو ما بات يُعرف لاحقاً في الأدبيات العلمية باسم بيرغيس شيل. وأهمية هذا الاكتشاف تنبع من أنه من النادر جداً أن يحصُلَ المرءُ على أُحفورياتٍ للحيوانات اللافقارية ذات الأجسام اللينة، لأنها، ببساطة شديدة، لا تملكُ هياكلَ تدلُّ عليها بعد اندثارها؛ ولكنَّ، هذا ما حدث تحديداً في حالة أحفوريات بيرغيس شيل؛ إذ تعاونت ظروفٌ ومصادفاتٌ نادرة – انهيارٌ جليدي وانسدادُ مدخلِ مغارةٍ على حافةِ بحيرةٍ جبلية بكتلٍ من الثلج – على الإبقاءِ على مجموعةٍ نادرة من حيوانات بيرغيس شيل الناعمةِ الملمس. إلا أن مكتشفَها، على الرغم من طولِ باعِه العلمي، لم يكن يملك من اتساعِ الرؤيةِ ما يؤهِّله لتقديرِ القيمة الفعلية لاكتشافِه النادر؛ وكان كلُّ ما فعله ينصبُّ بصورةٍ رئيسية في تصنيفِ مجموع الحيوانات المُكتشفة وفق ما هو موجودٌ بالفعل، مع أنها كانت تشير بخرطومينِ بائنين (أنومالوكيريس) وأعينٍ خمس (أوپابينيا) إلى عصرِ المفصلياتِ ثلاثيةِ الفصوص، التي تضاهي في أهميتها عصر الديناصورات.
    وقد تضافرت عدَّةُ جهودٍ في توسيعِ الرؤية لإعادةِ تقويم أحفوريات بيرغيس شيل، إلا أن جهودهم ما كان يمكن أن تصِلَ إلى جمهورٍ واسعٍ من القراء والمشاهدين، لولا مساهمة غوولد المتميِّزة في كتاب "(يا لها من) حياة رائعة"، إضافةً إلى تقنية تحريك الصور عن طريق الحاسب الآلي، التي مكَّنت من إنتاجِ أفلام فيديو لا تُنسى حول حيوانات بيرغيس شيل، التي ظهرت إلى الوجود في أعقابِ العصر الكمبري، عصر انفجار الحياة في هذا الكون البالغ التعقيد. وما ميَّز مساهمة غوولد عن غيرها من المساهمات العلمية الرائدة في إعادة التقويم المذكورة، هو اعتمادُه أسلوباً أدبياً تشويقياً وتصويراً درامياً فعَّالاً، ساعد في بثِّ روحٍ جديدة على مجموعةِ حيواناتٍ منقرضة منذ ما يقارب 570 مليونَ عام. فمَنْ ينسى بعد قراءة الكتاب المُحتشد بالرسومِ البارعة والقَصَصِ المصاحبة "ماريلللا" أو "ويواكسيا" أو "هلوسيجينيا" أو "أتويا" أو "أيشايا" أو"هبيليا"؛ وإنْ نسي أحدُنا واحدةً منهن أو جميعهن، مَنْ يقدر على أن يسقط من ذاكرته الدائمة "أنومالوكاريس" ذات الخرطومين البارزين، أو "أوبابينيا" ذات الأعينِ الخمس.
    وما يلفت الانتباه في إعادة تقويم بيرغيس شيل، ليس فقط الكشفَ عن وجودِ عالمٍ جديد يخلخل المفاهيمَ البيولوجية السائدة حول نشأةِ الحياة، وإنما أيضاً تسليطها الضوءَ على ذلك البعدِ الأكثر عُمقاً لتضاعيفِ الزمن، هذا المفهوم المُسبق الذي يشكِّل في مجال الحكيِّ عنصراً هاماً في أيِّ بنيةِ سرد. وعندما بدأ جيمس هاتون في عرضِ نظريته حول الأرض على أعضاء الجمعية الملكية بإدنبرة في مارس 1785، لم يكن أحدٌ من الحاضرين بمكتبة الجامعة مستعداً لتصديقِه، خصوصاً عندما زعم بأن عُمُرَ الأرضِ أكبرُ بما لا يُقاس من أيِّ تحديدٍ سابق، وقد عزَّز زعمَه بقولِه إنه لا يمكن بالوسائل المتوفِّرة لدى البشر حساب الوقت الذي تستغرقه عملياتُ التعرية شديدةُ البطء، إضافةً إلى قوةِ الأرض الباطنية التي تؤدِّي إلى رفعِ الصخور؛ وبناءً على ذلك، يمكن أن يكون عُمُرُ الأرضِ ملايين السنين، وقد يكون بلايين السنيين (ونحن نعرف الآن، بالقياس الإشعاعي، أن عمرها يبلغ 4.54 بليون)؛ وكانت معظمُ التحديدات المقدَّمة من جمهرةِ العلماء لا تتعدَّى 6 آلاف سنة؛ وهو الرقمُ الذي اتفق عليه مفسرو الكتاب المقدَّس في ذلك الوقت.
    إلا أن تشارلس لايل، مؤلفَ كتاب "مبادئ الجيولوجيا"، قد استيقن بنفسه في عام 1824، عندما شاهد، بصحبة جيمس هول (صديق جيمس هاتون)، النتوءَ الصخري في منطقة سيكار بوينت على الساحل الشرقي لإسكتلندا، حيث يظهر عليه بوضوحٍ شديد ’اللا توافق‘ الذي تحدَّث عنه هاتون (وعثر عليه بصحبة صديقيه جون بليفير وهول)؛ وهو عبارة عن لسانٍ أو أرضٍ رأسية يوجد بها صخورٌ عمودية قائمةً بين تراصفين من الصخور الرسوبية، مما يؤكِّد أن ارتفاع الصخور لم يكن بفعلِ انحسار الماء -وإلا لَكَانتْ أفقيةً- وإنما باندفاعِها بقوةٍ رافعة من باطنِ الأرض؛ فما كان منه إلا أن ضمَّنها في كتابِه الشهير، الذي أرسل نسخةً منه إلى تشارلس دارون، الذي اطَّلع عليها أثناء وجودِه على ظهر السفينة "بيغل". وعندما وصل إلى أرخبيل غالاباغوس، كان دارون قد وجد بالمصادفةِ السعيدة وحسنِ التوفيق ضالتَيْه: مكانٌ (أو حيِّزٌ جغرافيٌّ) محصور يحتوي على عددٍ من الحيوانات (بينها فينتشاتُه الشهيرة؛ أي عصافيرُه أو شراشيرُه) التي يوجد بينها تنوُّعٌ يسمح بتكيُّفِ بعضٍ منها، بحيث ترتقي (بشكلٍ طبيعي/ وليس اصطناعي، مثل حماماتِه الشهيرةِ أيضاً)، وينشأ عنها أنواعٌ جديدة قابلة للبقاء؛ وزمانٌ (أو عمقٌ تاريخيٌّ) مديدٌ وكافٍ لإكمالِ هذه العمليات البالغةِ البطء؛ وبتضافرِ هذين العنصرين (الزمان والمكان)، تمكَّن دارون من صياغة بنيةِ سردٍ ملائمة لـِ"حُجَّتِه الطويلة" التي صاحبت قصة "النشوء"، التي أودعها كتابه الأشهر: "أصل الأنواع".
    أما في حالة "نشوء" الكون، فإن "الزمان" و"المكان" يلتحمانِ في إطارٍ واحد هو "الزمكان"، حسب ألبرت آينشتاين، وتصبح التلسكوبات المُستخدمة في رصدِ حركة الكون، ليست مجرد أجهزة فعَّالة لتقريب الأمكنة البعيدة، بل هي أيضاً أدواتٌ ناجعة لتقريب الأزمنة الموغلة في القدم؛ فحسب علمِ الفيزياء، فإن طولَ موجاتِ الأشعة الكهرومغنطيسية الصادرة عن جسمٍ تزدادُ وتنزاحُ نحو الأحمر كلما تباعدتْ عن مركزِ الرصد (مثلما أنها تقصُرُ وتنزاحُ نحو الأزرق كلما اقتربت من مركز الرصد)؛ وبما أن ما شاهده إدوين هابل عبر تلسكوبه (قبل أن يتسمَّى آخرُ باسمه) في عام 1929 كان ينطوي على انزياحٍ أحمرَ في كلِّ الاتجاهات، فإن ذلك يعني أن الكونَ في حالةِ اتساعٍ مطَّرد، وأن المجرَّاتِ بالتالي تتباعدُ عن بعضِها البعض بشكلٍ مستمر؛ وبما أن هذا الاتساع يحدث في كلِّ الاتجاهات، فإن من السهل أن نتخيَّل ابتداءَ الكونِ من نقطةٍ واحدة، بتراجعِ "السردِ" من ذروةٍ هي ما يحدثُ الآن في أطرافِ المجرَّاتِ، إلى بدايةٍ سحيقةٍ في القدم، هي نشأةُ هذا الكون من جُسيمٍ متناهٍ في الصغر، كثيفٍ وساخنٍ بلا حدود؛ وهذا باختصار هو المنطقُ "السردي" -إنْ جازَ التعبير- الذي يقبعُ خلف نظرية "الانفجار العظيم".
    ولكنْ (شكراً لِـپنكر على تسهيله مهمة الربط بين الفقرات)، لسنا هنا أمام قصَّةٍ خيالية، بل نظريةٍ علمية قام عليها دليلٌ مخبري (بمعهد ’سيرن‘ بسويسرا)، وأكَّدها دليلٌ آخرُ قاطعٌ كالسيف، وهو إشعاعُ الموجات الصغرى لخلفية الكون (سي إم بي). إلا أنه ينبغي لإدراكِ ’صحَّةِ‘ هذه النظرية، أن ندرك أيضاً أن "الانفجارَ" لم يكن انفجاراً بالمعنى المألوف، كما أنه لم يكن "عظيماً" بأيِّ مقياس! إذَاً، لماذا سُمِّي بـِ"الانفجار العظيم"، في المقام الأول؟ إنها طريقةٌ مجازيةٌ في التعبيرِ، فحسب؛ وقد افترعها فريد هويل، الذي لم يكن مقتنعاً بهذه النظرية في الأساس، ولكنَّ تعبيرَه المجازيَّ قد رَسَخَ مع كثرةِ الاستعمال؛ ولم ينشأ ضررٌ من رسوخِه وسط العلماء، غير أنه مضلِّلٌ إلى حدٍّ بعيد للمبتدئين. لم يكنِ "الانفجارُ" ’انفجاراً‘ بالمعنى المألوف، لأنه لم يكن هناك وقتَ ’حدوثِه‘ فضاءٌ لينفجرَ فيه؛ فالمكانُ، حسب نظرية "الانفجار العظيم"، لم يكن موجوداً، بل أنه نشأ بنتيجةِ ذلك ’الانفجارِ‘ المجازيِّ ذاتِه؛ كما أنه لم يكن ’عظيماً‘، لأن الكتلة المتوفِّرة عند ’حدوثِه‘ لم تكن كبيرةً، بحيث ينتج منها أثرٌ عظيم، بل كانت، في واقع الأمر، متناهيةَ الصغر. ولتسهيلِ التصوُّر، يمكن النظر لـِ"الانفجار" باعتباره انفجاراً للفضاءِ ذاتِه، وليس حيِّزاً يحدُث بداخلِه انفجار؛ إضافةً إلى أن مضاعفة الكتلة المتناهية في الصغر ترليونات المرات (10 ترليون ترليون –واحد وأمامه 25 صفراً- بتقدير ألان غوث) في بضعِ نانوثوانٍ في فترةِ التضخم التي أعقبت "الانفجار" لا تصل بالجُسيم المتناهي الصغر إلى حجمِ الشمَّامِ أو البطيخ (هل تذكر طعمَهُما بعد وجبةِ غداءٍ دَسِمة في عصرِ يومٍ قائظ!).
    نظرية "الانفجار العظيم" المهيمنة حالياً في مجال علم الكونيات، هي تماماً مثل تيار "النيودارونية"، المهيمن في مجال علم الأحياء -والذي يتزعَّمه دوكنز، كما سبقت الإشارة إلى ذلك- فكلاهما يعتمد على نهجِ الإمساكِ بالشجرة؛ فشجرةُ الكون، مثلما هو الحال مع شجرةِ الحياة، تنطلق من منشأٍ واحد، وتتبع مساراً بعينه، وتلزِمُه ضرورةٌ محدَّدة، يُقامُ عليها الدليل، وتنصاعُ الكائناتُ القائمة في إطارِه لقوانينَ مُلزِمةٍ للكل. صحيحٌ أن ميكانيكا الكم تكسر هذه الضرورة (وهو موضوعٌ لا أريد الخوضَ فيه هنا، لأنني قد خصَّصت له مكاناً في "حروف الكون" ضمن "ثلاثية الحروف المضيئة"، وسأطلعك عليها في حينه)، ولكنني لا أريد أن أبرحَ علمَ الكونيات، قبل أن أوضِّحَ بأن هذه الضرورة قد هُدِّدت من داخله، ببروزِ نظريةِ الأكوانِ المتعدِّدة أو الكونِ متعدِّدِ الأكوان.
    فحسب التصوُّرِ التقليدي لنظرية "الانفجار العظيم"، فإن ’الانفجارَ‘ أعقبته مباشرةً فترةٌ تُسمى "التضخُّم"، نتج عنها اتساعٌ للفضاء، وكان معدَّل التضخم معادلاً بصورةٍ أو بأخرى لقوة الجاذبية؛ وقد اشتملت النظرية النسبية العامة على تضمينٍ افتراضيٍّ لهذه القوة المضادة للجاذبية. ولكن ألان غوث بنى عليها في بداية الثمانيناتِ من القرن الماضي فكرةَ الكونِ متعدِّدِ الأكوان؛ وهي أكوانٌ تنشأ بنتيجةِ ازديادِ معدَّل التضخم، وتجاوزه للاتساع التقليدي، بحيث يتغلَّب على معدَّل الجاذبية، ويؤدِّي إلى تمطيط الكون وتسطيحه، وانبثاقِ عددٍ محدَّدٍ أو لانهائي (وفقاً لمعدَّل التضخم، وهو غيرُ معروفٍ ولا يمكن حسابه حالياً) على أطرافِ أو فيما وراءِ الكون المرئي. وقد راقت هذه النظرية لعددٍ من علماء النسبية العامة، بينهم -وربما أشهرهم- ليونارد سسكند من جامعة ستانفورد الأمريكية. ما يهمُنا من هذه النظرية هنا هي أنها أدخلت عنصرَ الاحتمال، وخلخلت الضرورة التي تشتمل عليها نظرية "الانفجار العظيم" بشكلِها التقليدي؛ أي أنها انتقلت، حسب تصوٌّرنا لها، من نهجِ الاستمساك بالشجرة إلى الاستظلالِ بغابةٍ متراميةٍ فيما وراء الأفقِ المرئي.
    ينبغي هنا أن نتوقَّفَ قليلاً لنوضِّحَ ما نعني بمفهوم الضرورة الذي نضعه في مقابل مفهوم الاحتمال، وذلك قبل أن نتحدَّث عن هذين النهجين في مجال اللغة، خصوصاً وأن مفهوم الضرورة يرتبط بصورةٍ خاصة بمفهومَي الشكل والمحتوى، اللذين لا يخفى على أحدٍ أهميتهما بالنسبة للغة بصورةٍ عامة، والأدب بصورةٍ خاصة. ففي العلوم الطبيعية، تتجلَّى الضرورة في الصيغ الرياضية المعروفة، فترتبط بالشكل؛ كما تتجلَّى فيما يُعرف بثوابت الطبيعة (وهي مقاديرُ محدَّدةٌ لا يمكن تفسيرها حالياً بنظريةٍ أكثر عمقاً)، فترتبط بما يُسمى بالمحتوى (المقابل للمضمون في مجال الأدب). وعلى سبيل المثال، ترتبط نظرية نيوتن بصيغةٍ رياضية معروفة ( )، كما ترتبط بمقدارٍ محدَّدٍ لقيمةِ ثابتِ الجاذبية (G)؛ ومن جانبها، ترتبط النظرية النسبية منذ بروز صيغتها الخاصة في عام 1905 بصيغةٍ رياضية شهيرة ( )، كما ترتبط بمقدارٍ محدَّد لقيمةِ ثابتِ سرعةِ الضوء (c). ووفقاً لذلك، ينشأ احتمالان بالنسبة للأكوان الأخرى، فهي إما أنها مختلفةٌ عن هذا الكون في المقادير (ولا يشبه كونٌ آخرُ هذا الكون، إلا إذا تساوتِ المقادير)، أو أنها مختلفةٌ في الصيغ الرياضية نفسها (وفي هذه الحالة يتعذَّر وجودُ شبيهٍ لهذا الكون).
    بعد أن تتبَّعنا نهجَي الشجرة والغابة في علمَي الأحياء والفيزياء، دعنا نرصد طريقة عملهما في مجال اللغة. فعلى وجهِ العموم، تتأرجَّح اللغة بمعماريتها الرأسية (من الصوتِ إلى الدلالة)، كقاربٍ شراعيٍّ على أمواجِ بحرٍ متلاطمة، بين التوصيفِ والوصف. يشدُّها التيارُ الأول نحو القَوْلَبَة، والصرامة، والجمود؛ بينما يميل بها التيارُ الثاني نحو التساهلِ، واللينِ، وقابلية التطوُّر (إنْ لم نقل التفكُّك والانقراض). ويمكن التمثيل على ذلك بعلمَي النحو والصرف لقُربه من السلوكِ اللغويِّ في حياة الناسِ اليومية؛ فمن منَّا لم يتعرَّض منذ الصغر لحملة "قل أو لا تقل"؛ ومن منَّا لم يسمع بتمردِ هذا الشاعر أو ذاك على قواعد اللغة أو صيغها الصرفية المُلزِمة. ورحِم اللهُ ابن جني وغفر له اشتطاطَه الواضحَ أحياناً، فقد كان ينبري للدفاع عن المتنبي ويجد له المخارجَ والحيلَ اللغوية البارعة ("الفتح الوهبي على مشكلات المتنبي")، هذا غير دفاعه عن القراءاتِ الشاذَّة في القرآن. وكان رغم انتماءِ أستاذه أبي علي الفارسي إلى مدرسة البَصرة (والتي يُحسب أحياناً ضمنها)، يتخذ مكاناً وسطاً بين مدرستي البَصرة والكوفة. وربما يفسِّر هذا الموقفُ الوسطي سرَّ معاناتِه وتأرجُّحَه في إيجادِ إجابةٍ أو ترجيحٍ لأيٍّ من الإجاباتِ الواردة حول أصل اللغة. ولولا خوفٌ من تطويل، لأوردت فقرةً كاملة من كتابه الأشهر "الخصائص".
    أرست مدرسة البَصرة أسسَ القياسِ والتعليل، وتميَّزت مدرسة الكوفة عنها فوق ذلك باتساعِها في الروايةِ والقياس. ويجدُر هنا، تقديراً للأمهاتِ الأربع وتطييباً لخاطرِهن، أن نُبَسْمِلَ ونستغيثَ ثلاثاً بالشيخ إبراهيم المكاشفي قبل أن نضمَّ "العقربَ" و"الزنبورَ" إلى حقلِ هذه الرسالة التي امتلأت بالحيواناتِ الواردةِ إليها من كافَّةِ العصور، فقد أورد النحويُّ النابه أبو البركات الأنباري نحو مئةٍ وعشرين مسألةً في "الإنصاف في مسائل الخلاف"، لتوضيحِ الاختلاف بين النحويين البَصريين والكوفيين، والنصرة لكليهما على سبيل الإنصاف؛ إلا أن أشهرَ مسألةٍ وأكثرها دلالةً على اتساعِ الكوفيين في الرواية والقياس هي المسألة "التاسعة والتسعون" أو ما اشتُهرت في الأدبيات النحوية بـِ"المسألة الزنبورية"، وسبب تسميتها ناتجٌ من ’حكايةٍ‘ مشهورة بين الكسائي وسيبويه، حيث سأل الأول الثاني في مجلسٍ محضور: كيف تقول: "كُنْتُ أظُنُ أن العقرب أشدُّ لَسْعَةً من الزُّنْبُورِ فإذا هو هي، أو فإذا هو إيَّاها، فقال سيبويه: "فإذا هو هي"، ولا يجوز النصب. فقال له الكسائي: لَحَنْتَ.
    ولم يكتفِ الكسائي بذلك، بل استعان على سيبويه بأعرابٍ من عشيرة الحُطَمة النازلين ببغداد، أوقفهم على بابِ دارِ يحي البرمكي، فأيَّدوه عندما تمَّ استدعاؤهم حسب طلبه؛ إلا أن تأييدهم لا يؤبه له في الحقيقة، لأنهم لم يكونوا على درجةٍ عاليةٍ من الفصاحة أو قلَّت فصاحتهم بمساكنتهم لأهلِ المدن، وكان البَصريون يعتمدون في الرواية على العرب الخُلَّص ولا يأخذون عن سكان المدن أو البراري التي تحيط بها. بمعنًى آخر، فإن عرب الحُطَمة، سكان البراري، الذين جِيء بهم لإقامةِ الدليل، هم في أصلِ الخلاف القائم بين البَصريين والكوفيين، ولا يصحُّ تقديمُهم لنصرةِ أحد، إلا هروباً من مواجهةٍ أو افتراضاً لحُجَّةٍ دون تقديمٍ لاحتجاج؛ فقولهم في هذا الموضع "فإذا هو إياها" من الشاذِّ الذي لا يُعبأ به، حسب وجهة نظر البَصريين. وعموماً، تتشدَّد البَصرة فيمن تأخذ عنهم الشِعرَ والتعبيراتِ اللغوية؛ وتتساهل الكوفة، وتأخذ حتى عن الأعرابِ الذين تحلَّقوا بحواضر العراق، مما دفع أحدُ البصريين للافتخارِ عليهم بقوله: "نحن نأخذ اللغة عن حَرَشة الضباب وأكَلَة اليرابيع، وأنتم تأخذونها عن أكلة الشواريز (اللبن الرائب بعد استخراج مائه) وباعة الكواميخ (المخلَّل)".
    وحول أصل اللغة أإلهامٌ هي أم اصطلاح، يقرٌّ ابن جني بأن "أكثرَ أهلِ النظر على أن أصلَ اللغة إنما هو تواضعٌ واصطلاح، لا وحيٌ (وتوقيف)"، هذا بالرغم من أن أستاذه أبا علي الفارسي يرى أنها هي من عندِ الله، ويحتجُّ بقولِه سبحانه: "وعلَّم آدمَ الأسماءَ كلَّها"؛ إلا أن ابن جني يرى بأن طرحَ أستاذِه "لا يتناول موضِعَ الخلاف. وذلك أنه قد يجوز أن يكون تأويلُه: أقدر آدمَ على أنْ واضعَ عليها؛ وهذا المعنى من عندِ الله سبحانه لا محالة". ولأبي الحسين أحمد بن فارس رأيٌّ طريف عرضه في كتابِه "الصاحبي"، في "باب القول على لغة العرب: أتوقيفٌ أم اصطلاح؟"؛ حيث يقول بلا تردُّد إن لغة العرب توقيف؛ وهي لم تأتِ "جملةً واحدة"، وإنما وقَّف اللهُ جلَّ وعزَّ آدمَ عليه السلام على ما شاءَ أن يعلِّمَه إياه مما احتاج إلى علمِه في زمانِه ..ثم علَّم بعده عربَ الأنبياء صلوات الله عليهم نبيَّاً نبيَّاً ما شاءَ أن يعلِّمه، حتى انتهى الأمرُ إلى نبيِّنا محمد (صلى الله عليه وسلَّم)، فآتاه اللهُ جلَّ وعزَّ من ذلك ما لم يؤتِه أحداً قبله..ثم قرَّ الأمرُ قرارَه، فلا نعلم لغةً من بعدِه حدثت".
    ما يهمنا من كلام النحويين العرب القدامى حول أصل اللغة، هو أنها، تماماً كمالأحياءُ والفيزياءُ، يتنازعها منحَيان: منحًى يُدْرِجها ضمن مسارٍ واحد، يبدأ من أصلٍ هو "تلك الشجرة" التي أكل منها آدمُ، ثم تتفرَّعُ في الأرضِ، إلى أن تصِلَ إلى اللغةِ التي نتحدَّثُ بها اليوم؛ ومنحًى يُوقِفُها على مواضعاتِ الناس واصطلاحاتِهم على مرِّ العصور، مما يعرِّضها إلى إمكانية التطوُّر أو الاندثار. المنحى الأول يرتبط بالنهج الذي أسميناه نهجَ الشجرة، الذي يعتمد على قوانينَ ثابتةٍ وشروطٍ صارمةٍ للاستخدامِ اللغوي، لعل أبرزها ذلك التوجُّه المعياري الذي يتمُّ صياغته -أمراً ونهياً- في عبارة :قل ولا تقل"؛ والمنحى الثاني يرتبط بنهج الغابة، الذي يعتمد على ديناميكية اللغة ومشروعية التعدُّد ضمن اللسان الواحد، مما يسهِّل مهمة المواكبة، إلا أنه -للسببِ نفسِه- محفوفٌ بمخاطرِ التمييع، إنْ لم يصلْ به الأمرُ في نهاية المطاف إلى درجةِ الانقراض.
    وإذا انتقلنا من أصلِ اللغة إلى بلاغةِ التعبير في إطارِ تاريخِ اللغةِ العربية، فإننا نجد نفس المنحَيين المذكورين: ينعكس المنحى الأول في موقف البلاغيين من التشبيه، بينما ينعكس الثاني في موقفهم من الاستعارة. فقد لقي التشبيه اهتماماً وإعجاباً شديدين من قبل اللغويين، لدرجةِ أن أبا الهلال العسكري قد قال عنه في "كتاب الصناعتين" إن جميع المتكلمين من العرب والعجم قد أطبقوا عليه ولم يستغنِ أحدٌ منهم عنه؛ بل جاء منهم "ما يُستدل به على شرفه وفضله وموقعه من البلاغة بكلِّ لسان". وسرُ الاهتمام بالتشبيه ناتجٌ من إبقائه على الحدود القائمة بين طرفين هما: المشبَّه والمشبَّه به؛ فمهما أُضفي على هذه العلاقة من غرابةِ التعبير وندرته، فإنها تظلُّ محكومةً بتوازنٍ لا يلغي التمايز، ولا يضحِّي بالوضوح؛ وتظلُّ أداةُ الشبه بارزةً كعلامةٍ دالَّةٍ على الارتباطِ الوثيق بين الطرفين؛ وحتى لو سقطتِ الأداةُ إمعاناً في الإيجاز أو مبالغةً في إظهارِ التشابه، فإن ذلك لا يُلغي التمايزَ القائم بينهما. لذلك لم يخشَ أحدٌ من البلاغيين الأوائل من الإسرافِ في التشبيه، ولم تعترِ أيّاً منهم خَشيَةٌ من تقويضِه لوضوحِ الدلالة.
    على أن الأمرَ ليس كذلك بالنسبة للاستعارة؛ فقد رأى فيها بعضُ الأقدمين خطورةً على وضوحِ المعنى؛ وهو ما كانوا يصفونه بالغموض. فباستنادِ الاستعارة على طرفٍ واحد، بحذفِ المُشبَّه وأداةِ التشبيهِ معاً، ينشأ ارتباكٌ حول طبيعةِ المُشبَّه به، مما يستدعي تجوُّزاً أو انتقالاً من ظاهرِ اللفظ المُستخدم إلى ’حقيقتِه‘، مما يعرِّضه إلى عددٍ لا يُحصى من التكهُّنات. وقد انحصرت جهودُ البلاغيين القُدامى في تقييدِ الاستعارة بإلزاماتِ التشبيه، من تحديدٍ منطقيٍّ لأوجه الشبه، والتناسب اللازم بين الأطراف المقارنة، حتى لا تختلط الحدود، وتتداخل المعالم، وتتشابك أغصانُ المعاني فيما وراء الأفق المرئي. إلا أن عبد القاهر الجرجاني قد وضعها في مرتبةٍ أعلى من التشبيه، لقدرتها على إصابةِ المعنى بأكبرِ قدرٍ من الإيجاز. ولكن بما أن الاستعارة عند عبد القاهر هي واحدةٌ من طُرُقِ الإثبات التي قوامها الادِّعاء، فإن نجاحَها رهينٌ بالإصابة في ’صِحَّةِ‘ ما تدَّعيه، إلا أنها مع ذلك تظلُّ مفتوحةً على كلِّ الاحتمالات، ومن هنا خطورتها التي عبَّر عنها الأقدمون بمصطلح الغموض.
    لا تخلو لغةٌ إنسانية من استخدامِ التشبيه؛ وبما أن له ارتباطاً وثيقاً بالتناسبِ المنطقي، فإنه يرِدُ بكثرةٍ في وصفِ العلوم المختلفة وفي كتابةِ تاريخها؛ أما الاستعاره، فإنها ترتبط بشكلٍ أكبر بالشعر والرواية. وللأستاذ الراحل جمال محمد أحمد، أولِ رئيسٍ لاتحاد الكتَّاب السودانيين، رأيٌ طريفٌ حول الرواية والتاريخ؛ وطرافته ليست نابعةً من السَعَةِ والتحرُّرِ الناشئين من الانتقال المدهش من حرفيَّةِ التاريخ إلى بلاغةِ الرواية، وإنما مصدرُها ناجمٌ عن رأيِّهِ حول التاريخِ ذاتِه، فقد كان يرى في التاريخ، حسب ما ورد في دراسةٍ له حول "الرواية والتاريخ"، ما كان يراه فيكو؛ وما كان يراه الفيلسوفُ الإيطالي غيامباتيستا فيكو، هو أن هناك احتمالاً قوياً بأن الناسَ في فتراتٍ تاريخية مختلفة يمتلكون أنظمةً متباينة للفكر، مما يعني أن حرفيَّةَ التاريخِ ذاتِها خاضعةٌ لأنماطِ التفكير المتنوِّعة، الأمر الذي يضاعف من حريَّةِ الانتقالِ في مجالِ التعبيرِ الروائي؛ هذا بالإضافة إلى مزيَّةِ الانتقالِ من المعطياتِ الخارجية للحسِّ إلى الدفقاتِ الداخلية للشعورِ.
    من الجائز أن يكون الأستاذ جمال محمد أحمد قد توقَّف في مشوارِ التماسِه لقبسِ الحداثةِ الأوروبية، بحُكمِ السنِّ، عند فيكو؛ ولكنَّ شبابَ الكتَّابِ، في منتدياتهم التي غصَّت بها دارُهم في المقرن، كانوا ينشدون فكاكاً من إسارِ التقليد، فينتهجون بنيويةً لهم ثم تفكيكاً، فينتقلون في سلاسةٍ ويُسر من فيكو إلى فوكو؛ فيتعلَّمون من الفيلسوف الفرنسي ميشيل فوكو حِرفة التنقيب، وكيفية إجراءِ حفرياتٍ عميقة في حقل المعرفة. إلا أن أولَ رئيسٍ لاتحاد الكتاب السودانيين كانت له أيضاً حفرياتُه المتميِّزة؛ فبينما كان الشبابُ يهرعون ويتقاطرون سراعاً للانضواءِ تحت أسلوبيَّةٍ معاصرة، ظلَّ أستاذُنا الكبير ينقِّب بصبر في بنيةِ اللغة العاميَّة السودانية، ويجد لها وشائجَ وارتباطاتٍ وصلاتِ نَسَبٍ وقُربى باللغةِ العربيةِ الكلاسيكية، فيُرفِدُ كتاباتِه بدفقاتِ مشاعرَ حيَّةٍ، نابعةٍ من وصلِ اللغةِ الشعبيَّةِ الحميمة برَحِمِ أمِّها الفُصحى، فيكون له بين جمهرةِ الكتَّاب جميعهم، صغيرهم وكبيرهم، أسلوبُه الأدبيُّ الخاص، ذو النكهةِ الجماليَّةِ المُحبَّبة.
    ولكنْ شتانَ ما بين الأسلوبيَّة والأسلوب؛ الأسلوبُ فرديٌّ وذو نزعةٍ ذاتيّةٍ محفوفةٍ بشتَّى الاحتمالات، فيما تأخذُ الأسلوبيَّةُ بُعداً موضوعياً، باعتبارِها من ناحيةٍ أولى جهداً قام به عددٌ من الباحثين اللسانيين لإرساءِ علمٍ للأسلوب؛ وبما أن الأسلوب هو في الأساس عملٌ أدبيٌّ يتحدَّد عبر صياغاتٍ إبلاغية، فإن مهمَّة الباحث اللساني في هذا المجال تنصَّبُّ حول معرفةِ الخصائص اللغوية التي يتحوَّلُ بمقتضاها الخِطابُ من وظيفتِه الإبلاغية إلى تأثيرِه البلاغي، أو من بُعدِه الإخباري إلى أثرِه الجمالي؛ وباعتبارِها – أي الأسلوبيَّة- من ناحيةٍ ثانية توصيفاً جماعياً أو تصنيفاً نقدياً تنخرطُ في إطارِه أساليبُ كُتَّابٍ من مدرسةٍ بعينها أو من فترةٍ تاريخيةٍ محدَّدة. ووفقاً لهذا التقسيم، تقع الأسلوبيَّة ضمن نهج الشجرة الذي يسمح بصياغةِ قوانينَ شاملةٍ للأسلوب، تُوهم بامتلاكِها لضرورةٍ لها سمةُ العلمِ وبنيتُه المنطقية المستقرة؛ فيما يقع الأسلوبُ نفسُه، وهو المادةُ الأساسية للأسلوبيَّة، ضمن نهجِ الغابة الذي يستعصي على الإحاطةِ العلمية، لتعدُّدِه، ونسبيتِه، ولانطوائِه على عددٍ لا يُحصى من الاحتمالات.
    في عام 1985، كان الكتَّابُ الكبار، من أمثال جمال محمد أحمد، قليلي العدد في الخرطوم؛ وكان الأستاذ الشاعر محمد عبد الحي يخشى من قيامِ الاتحاد في غَيبَةِ الكبار (الطيِّب في لندن، وصلاح في باريس، وجَيلي في موسكو)، إلا أن الأستاذ على المك، وعدداً من ناشئةِ الكتَّاب كانوا يهدِّؤون من خاطرِه ويطمئنونه ألا خَشيةَ عليهم من الأغلبية الميكانيكية التي يملكها الصغار. وكان الأستاذ بشرى الفاضل، بما يملك من موهبةٍ فذَّة وتقديرٍ أكاديميٍّ عال، مرشَّحاً لأنْ يُحدِثَ توازناً مناسباً بين الفئات العُمُرية داخل الاتحاد، وقد نجح إلى حدٍّ ما في تحقيقِ ذلك، إلا أنه لم يكن ذا صلةٍ لصيقة أو على درايةٍ كافيةٍ باتجاهاتِ وميولِ الكتَّاب ذوي السنِّ الأصغر، ناهيك أن يكون قادراً، في منتصف الثمانيناتِ من القرن الماضي، على تقييمهم أو التمييز بينهم. وكان بشرى، منذ "الفقسِ" (التي حصُل على اسمها بإذنٍ كريمٍ من الأستاذ جعفر طه حمزة – لَكَمْ أشتاقُ إلى أحاديثِه العذبة وحكاياتِه التي يصعُب التمييزُ فيها بين الواقع والخيال) يقفُ على قمَّةِ مجموعةٍ من القصَّاصين السودانيين، وكنتَ أنتَ، يا أخي وصديقي عادل القصَّاص، تقفُ على قمَّةِ مجموعةٍ أخرى، سيرِدُ فيما يلي تفصيلٌ لكلتيهما.
    يأتي في طليعةِ المجموعة الأولى القاصُّ الشاب ذو الإحساسِ المرهف والنبوغِ المبكِّر سامي يوسف غبريال، يليه شابٌ تتَّقد عيناه ذكاءً وتفتُّحاً مبكِّراً، هو القاصُّ من الله الطاهر من الله، وقد رافقتُ كليهما خلال أيام الطلبِ الباكرة إبان المرحلةِ المتوسطة، وكان بمدرسة بيت الأمانة نهران: شرقٌ وغرب؛ وكان كلا القاصَّيْن بالضفَّةِ الشرقية، تضمُهما جمعيَّةٌ أدبيَّة يرعاها القاصُّ الأستاذ الشاب عيسى الحلو، وكانت باكورة إنتاجه "ريش الببغاء" قد خرجت لتوِّها من المطابع، ولا زالت رائحةُ الحبرِ عالقةً بأغلفةِ النُسَخِ المعروضة في المكتباتِ وأكشاكِ الجرائد؛ وكنتُ في الضفةِ الأخرى، على هامشِ الجمعيَّة الأدبيَّة تحت رعاية المعلِّم الفذ شيخ مصطفى عبد المولى، خزانة الأدب العربي: أشعارُه، وأمثالُه، وحِكَمُه، وأقوالُه المأثورة؛ وكان لا يطرأ طارئٌ أثناء اليوم الدراسي إلا وقابله بما يُطابِقُه من خزانتِه التي لا يفلت من مظلَّةِ تفسيرِها حدثٌ عارضٌ أو قولٌ يوميٌّ ممجوج.
    لم يمهلنا سامي يوسف كثيراً للاستضاءةِ بنورِ علمه وحداثته؛ كان شغوفاً بالمعرفة، مُحِبَّاً للكتابة، إلا أنه كان متلهفاً مع ذلك للرحيل؛ فمضى بلا تردُّد، فكان رحيله صادماً لذويه ومحبيه على قدم المساواة؛ وتفاجأ العديدون من المهتمين بشؤونِ الأدب بموتِه المُفجع، مثلما تفاجئوا أولَ مرَّةٍ بنبوغِه المبكِّر. أما من الله، فقد راجت سيرتُه في المنتدياتِ والأوساطِ الأدبيَّة الأمدرمانية لفترةٍ من الزمن، إلا أن مهنة الطب قد سحبته من صفوةِ المدينة الموسومةِ بالقلقِ الستيني الوجودي، وألقت به هاشَّاً باشَّاً إلى عمومِ المرضى بمُستشفى أمدرمان التعليمي. وكنتُ على هامشِ الجمعيَّةِ الأدبية، بعيداً عن الأدب والسلوكِ الجمعي. صحيحٌ أن شيخ مصطفى قد فتح ذهني على أسرارِ النحوِ والصرف، وكنت أرى من خلالهما نافذةً تفتح على المنطق، إلا أنني كنت أكتفي بالوقوف على شاطئ الأدب، ولم أكن أرى مسوِّغاً كافٍ للانغماسِ في لجَّته أو السباحةِ المحترفةِ في مياهِهِ العميقة.
    ويأتي ضمن المجموعة الأولى القاصُّ الشاب الحَيِيُّ، ذو الرهافةِ والشفافيةِ العالية، هاشم محجوب، وكان يقابله في معالجةِ الكتابة شعراً، والبحثِ عن بدائلَ للأطرِ الأدبيَّة المستقرة، الشاعر الشاب محجوب كبلو. رافقت كليهما إبان المرحلة الثانوية، وكانا على طرفي نقيضٍ في صياغةِ أحلامهما، وفي تخيِّر توسُّلهما لأجناسِ الأدب؛ لكنهما كانا مُتَحِدَيْن في رؤيتهما لمستقبله، وفي تقاسمِهما لاسمٍ لا يُنسى (فهو اسمٌ لأخي الأصغر، الذي رحل مبكِّراً هو الآخرُ في تلك الفترة، فسمَّيتُ عليه ابنيَّ الأكبر، حَفِظَه الله)، وفي مناهضتهما للتيارِ العام الذي يُرسِي التقليدَ أساساً لتجميدِ محاورِ الكتابة. وكان لإمِّ هاشمٍ كوخٌ بمنطقة "القماير"، وكنَّا نعمُرُه بمعيَّة يحي زروق، وبشرى عبد الكريم، والمرحوم عبد المنعم الطيِّب؛ وكنَّا نحلم، في ذلك الوقت، بترسيخِ أساسٍ لدولة العدل والمساواة بين قاطني الأكواخ العشوائيَّة؛ وفي الطرفِ المقابل، كان محجوبٌ يحلم بإرساءِ نفسِ الأساس على أرضيَّةٍ إسلاميَّةٍ جديدة بين مزاولي الصلاة في مسجدِ الحيِّ العادي بـِ"ود أرو"، المجاور لـِ"سبيل خلف الله". وكان الفارقُ، وقتَها، بين الحُلُمَيْن ضئيلاً، لغيابِ تجربةِ الحكمِ الفعلي، ولتشاركهِما في مُعاداةِ التقليد.
    وكانا ينخرطانِ في منتديات أمدرمان التي تضمُّ بين عضويتها الراحل عمر الطيِّب الدوش، والتجاني سعيد، وكامل الطيِّب إدريس، وغيرهم؛ وكنت رغم محاولات هاشم محجوب ودعواته المتكرِّرة، لا أرغب في الامتزاج بدوائرِ الأدب، وأُفضِّلُ، عوضاً عنها، الاحتماءَ بدفءِ اللغةِ المستقرة، وبناءاتِها المنطقية المُطَمْئِنَة. لكن سرعان ما انجذب هاشمٌ إلى أوكارِ حيِّ العمدة وبريقِ سَحْبِ المراهناتِ القادمِ مع "توتو كورة"، فتوقَّف زمناً عن الكتابة، ثم غطَّته المهاجرُ العربية بسُحُبِ الصمت الداكنة، إلى أن عاد قريباً، وأرجو أن تكون خزانته مازالت ملأى بتحفِ السردِ والذكرياتِ الباقية. ثم انشغل محجوبٌ زمناً بتوترٍ ستيني، ثم ساقته المهاجرُ إلى مخابئها الواسعة، إلى أن عاد إلى الظهورِ عبر أعمدةِ الصحفِ المحليَّة، وأرجو أن تكون ذكرياتُه حافلةً بقديمٍ راسخٍ، متجدِّداً عبر الحقب، وأن تكون حقيبتُه أبعدَ غوراً مما يتسعُ به العمودُ اليوميُّ المتعجِّل.
    وينضمُّ إلى المجموعةِ الأولى أيضاً رجلٌ ذو حواشٍ رقيقة، ومناقيرَ مُعَدَّةٍ لالتقاطِ ما استدقَّ من تفاصيلِ الحياةِ اليوميَّة، وقدرةٍ فائقةٍ على "الفقسِ" في كلِّ لحظة؛ وهو الكاتبُ المفكِّر الفذ جعفر طه حمزة. كرَّس لرواية "المداري" وقتاً أطول مما قضاه الماحي علي الماحي في تصوُّرِ "التصعيديَّة"، أو الشيخ محمد الشيخ في تطوُّرِ "الفاعليَّة"، حتى أصبحنا وكأننا لا ندري: أيكتبُ "المداري" أم أن روايته "المداري" تكتبه لحظةً إثر لحظة؛ ففي حضرةِ حمزة، يختلط الواقعُ بالخيال، وتمتزج الرؤى بالرؤيا، ويفوحُ في المكانِ عطرٌ صادرٌ من أعماقِ روحِه القصيَّة. فالقصُّ عنده حياةٌ ممتدةٌ عبر الأزمنة، مثلما أن الحياة لديه مشدودةٌ دوماً بخيوطٍ من سرد. وكنا نضجر أحياناً من حياةِ الداخلياتِ الرتيبة بثكناتِ الجيشِ البريطاني "البركس"، فنذهبُ معه إلى "الكدرو"، فيذهب عنَّا الكدر، في حوشٍ ممتدٍ إلى أبعدِ حد، وهو خطُّ السكك الحديدية؛ ولا بدَّ أن تقادمَ العهدِ، وتكاثرَ السلالةِ، حسبما قدَّر اللهُ، قد قسَّما تلك الرقعة الممتدة، حتى ضاقت، كما الوطنُ الواسعُ، بساكنيها.
    للدبلوماسيَّةِ سحرُها الذي لا تُخطئه العينُ الفاحِصة، كما أن للحياةِ الأكاديميَّةِ بريقُها وغواياتُها؛ وقد تعاون السحرُ والغواية في اختطافِ حمزة من محيطِه الروائيِّ الأثير ليغطيانه بضبابيَّةِ الحياة الدبلوماسيَّة، والغبارِ المُثارِ من مجلَّداتِ الكتب ورفوفِ المكتباتِ العتيقة؛ مثلما تعاونت مهنةُ المحاماةِ والسياسةُ اليومية المتلاحقة في اختطافِ ساحرٍ آخرَ من فنون القصِّ، قبل أن يختطفه إجرامٌ غادر في جنوب لندن، وهو القاصُّ الذكي، ذو الروحِ المتأجِّجة على الدوام، عبد السلام حسن عبد السلام. كان يعشق كافكا عشقاً لا فكاكَ منه، حتى بعد أن تعرَّف في نهاية السبعيناتِ على عالم ماركيز. كان يتدفَّقُ في الكلام، ولا يعترف بفواصلِه أو نقاطِ توقُّفِه. كانت تدفعه روحٌ لا تغفو أو تنام؛ وعندما يستسلمُ الجسدُ أخيراً إلى النوم، سرعان ما يصحو ويواصل ما انقطع من حديثٍ، بحرفِ ربطٍ (لا أظنُّ أن پِنْكَر سيقرُّه كبرزخٍ بين عالمَيْن) وكأنَّه لم ينقطع إلى نومٍ أو أحلامٍ ليلية. وكان في ذلك تماماً مثل وجدي مصطفى طه، وهو الفيلسوفُ الذي لم نحصُل إلى الآنَ عليه؛ ربما بسببٍ من أن الدبلوماسيَّة قد أجرت سحرها أيضاً عليه، إلا أن الأملَ معقودٌ في أن لا تنجح الحياةُ الأكاديميَّة بنيويورك في حجبِ ظهورِه إلى الأبد؛ فالفيلسوفُ الحقيقي، كالنبعِ الجوفي، لا تقفُ صخرةٌ أو عائقٌ جيريٌّ أمام بروزِه المحتوم أو تدفقِه اللاحق الذي لا مفرَّ من حدوثِه.
    وينضافُ إلى هذه المجموعة باستحقاقٍ وجدارة قاصٌّ شاب متعدِّد المواهب، اشتُهر بترجماته لأقاصيصَ قصيرة أو أقصوصاتٍ لكافكا، كما اشتُهر أيضاً بتأليفه لمسرحية "حكاية تحت الشمس السخنة"، ولاحقاً رواية "سن الغزال"؛ إلا أن مواهبه لا تقفُ عند هذا الحد، فقد كان يعزف الكلارنيت منذ تتلمُّذِه على يد الصول حسن بالمدرسة الأهلية الثانوية، والساكسفون أمام أستاذ فاروق (دارسِ الموسيقى، الذي رحل عنَّا قبل تأسيسِ معهدٍ وطنيٍّ لها في عام 1968)، والعود برفقة هاشم حبيب الله ومحمد إسماعيل الأزهري، والمزمار والهارمونيكا ليُذهب عن نفسه، وعنَّا ساكني داخلية بحر العرب، وحشةَ الانعزال ومرارةَ العهدِ الدكتاتوريِّ الثاني، وذلكم هو القاصُّ المبدع صلاح حسن أحمد. ترافقنا في المرحلتين الثانوية والجامعية، إلا أننا لم نلتقِ إلا في مراتٍ معدودة في المهجر بلندن، رغم الإقامة الطويلة، وحقيبة الذكريات المنتفخة، وكثرة الأصدقاء المشتركين.
    لم ينقطع صلاح عن الكتابة، ولكن حرفة الصحافة أخذت جُلَّ وقتِه، منذ مجلة "سوداناو" وإلى صحيفة "الشرق الأوسط" بلندن. وأثناء فترة عملِه في إدارة تحرير المجلة، التي كانت تشرف عليها وزارة الثقافة والإعلام، تقدَّمتُ إلى صلاحٍ بأولِ نصٍّ أكتبه باللغة الإنجليزية، فقامت إدارة "سوداناو" بنشرِه في عام 1980؛ وكان النصُّ تحت عنوانٍ يمكن ترجمته بما يلي: "تحليقٌ انسيابيٌّ فوق حَرَمِ الجامعة"، وقد ساهم بيتر ڤيرني مشكوراً في تحريره؛ ولم ألتقِ به أيضاً في لندن، رغم أنه كان يُصدِرُ نشرة "سودان أپديت"، وقد ذهبت إليه مراراً في صحبة الراحل عبد السلام حسن، إلا أنني لم أُسعَد في أيٍّ من المرَّاتِ بمقابلته. ولأن النصَّ كان مفارقاً لما عُهِد الناسُ عليه، فقد طلبت منِّي إدارةُ المجلة أن أكتبَ توضيحاً للإدارة، حتى تكون على بيِّنةٍ من أمرِها، إذا استدعى الحالُ الدفاعَ عن النص. وبالفعل، كتبت تقييماً نقدياً للطريقة التي استحدثتها في الكتابة، وهي عبارة عن أسلمةٍ عفوية لنمطٍ ألمانيٍّ معروفٍ في الكتابة.
    اشتُهر شوبنهاوز ونيتشه وفيتجنشتاين بوضعِ أفكارهم في شكلِ أفوريزمات، وهي فقراتٌ تحتوي على حِكَمٍ أو أقوالٍ مأثورة أو ملاحظاتٍ ثاقبة تنبثقُ منها حقائقُ عامَّة، وما أضفته أنا لهذه الأفوريزمات هو وضعُ الفقراتِ في شكلِ خرزٍ يتم اختراقه بخيطٍ، هو الفكرة الرئيسية، فيأخذ العملُ بمجملِه شكلَ المِسبحة؛ كلُّ خرزةٍ منها مستقلةٌ بذاتِها، إلا أنها مرتبطةٌ بذاتِ الخيط مع الفقراتِ التي تسبقُها وتليها، وتكوِّنُ بهذا الارتباطِ نفسِه بنيةً واحدة، هي التي تُكسِبُ العملَ وحدتَه الشكليَّة والموضوعيَّة معاً. وسأكون مُمْتَنَّاً لو أن دارَ الوثائقِ المركزية تحتفظُ بأرشيفٍ مكتمل لكافَّةِ مكاتباتِ المجلة، وليس أعدادها فقط، أو كان أحدُ العاملين بها، ومن ضمنهم صلاح حسن أحمد، قد احتفظ لنفسِه بقطعةٍ مصوَّرةٍ من الأرشيف، أو صورةٍ لهذا التقييم النقدي بالذات؛ أما عددُ المجلة الذي نُشر فيه العملُ نفسُه، فقد كان ضمن المجلد الخامس، العدد رقم 11، الصادر في شهر نوفمبر من عام 1980.
    بعد نشرِ العملِ مباشرةً، انتبهتُ إلى أن قُرَّاءَه المعروفين لديَّ -من بين المتعلمين الذين يقرأون باللغتين- لا يتجاوزون أصابعَ اليد، هذا غير أنه مخترقٌ من أقصاه إلى أقصاه بروحٍ متشائمة، أنشأتها حالةُ البؤسِ الفكريِّ التي تخلَّلت سنواتِ الدراسةِ الجامعية. وكان في جعبتي عددٌ من حبَّاتِ الخرزِ جاهزٌ للنشر، فقرَّرتُ التريُّثَ زمناً، ترسَّختُ في أعقابه داخل الوسط الثقافيِّ العاصمي، فكانت "تلك الشجرة" -التي ظهرت في مجلة "حروف"- أولَ النصوصِ العربية التي دفعتُ بها للنشر، لمعانقةِ قُراءٍ أشدَّ قُرباً وأكثر حميميةً وتفاعلاً. وكان آخرُ نصٍّ قصصىٍّ كتبته تحت عنوان: "بذرة المطر" ضمن النصوص المُعَدَّةِ للنشرِ في آخرِ عددٍ لمجلة "الثقافة السودانية"؛ ربما تحتفظُ جهةٌ ما بذلك النصِّ الأخير؛ وربما تكون هناك نسخةٌ منه قابعةً في خزانة معتصم إزيرق، أو عبد الله عبد الوهاب، أو أم الخير كمبال، وهم رموزُ حقبةٍ زاهيةٍ قصيرة بمجلةٍ قد خبا نورُها مع مطلع التسعينات.
    وما بين أولِ وآخرِ نصٍّ قصصي، نُشرتْ لي نصوصٌ لا تتعدَّى أصابعَ اليدِ الواحدة، لا أذكر منها إلا "مخلَّفات الرابية الشمالية"، التي نُشرت بمجلة "المحتوى"، التي كان يشرف على ملفِّها الثقافي القاصُّ المُبدع، والإنسانُ الشفَّاف، بشرى الفاضل بخيت، آخرُ عنقودِ هذه المجموعة، وأنضرُها عوداً، وأذكاها أريجاً، وأجملُها خَلْقاً وخُلْقاً. ترافقنا طيلة سنواتِ الجامعة، من أولِ يومٍ إلى آخرِ أُمْسِيِّة؛ احتضنتنا كليَّةٌ واحدة، وتلقَّينا قسماً من العلوم بشعبةٍ واحدة؛ ننام ونصحو في داخلياتٍ واحدة، ابتدأناها بداخلية "أربعات"، حيث تقاسمنا غرفةً واحدة مع أربعةٍ آخرين، وسريراً واحداً بطابقين؛ ولم أظفر بالسريرِ الأعلى، إلا لأن بشرى كان يعاني في ذلك الوقت اضمحلالاً في البصر، رغم تنامٍ مذهلٍ في البصيرة. وقد ترافق مع تفوُّقِه الأكاديمي فوزٌ بجوائزَ أدبيَّة، ونشرٌ مبكِّرٌ لأعمالِه القصصية. وقد استفاد بشرى إلى آخرِ حدٍّ من التنشئة التربوية والفكرية التأسيسيَّة بمدرسة حنتوب الثانوية، التي مهَّدت لامتلاكِه قدرةً هائلةً على هضمِ المحصول الفكريِّ المتوفِّر، على نُدرتِه، وتنميتِه بمزيدٍ من التحصيلِ والإنتاجِ الإبداعي.
    لم يخلُ طقمُ أساتذتي بالمدرسة الأهلية بأمدرمان من قاماتٍ أدبيَّةٍ سامقة، فقد كان فيهم من الشعراء: محمد عبد القادر كرف، ومحي الدين فارس، وعوض حسن أحمد، ومحمد سعد دياب، إلا أنهم كانوا على تميُّزهم الأدبي، وقدرتهم الفائقة على توصيلِ الدروس، لا يبذلون كبيرَ عناءٍ في تعميقِ خبرة الناشئين عبر تمليكِهم لتجاربِهم الحيَّة. على سبيل المثال، كان كرف يستنكفُ عن الكلامِ عن صديقِ روحِه الشاعر المرهف التجاني يوسف بشير، وينسَّدُّ حلقُه بغُصَّةٍ تراها رؤية العين، خصوصاً عندما تغرورقُ عيناه وتنهمرُ بالبكاء. في المقابل، كان الأستاذ عبد الله بولا في مدرسة حنتوب الثانوية يمتزجُ بطلابِه، ويُنشئُ معهم طلائعَ للهدهد، مثلما أنشأ في القضارف طلائعَ للجندول؛ فتسري التجاربُ بالامتزاجِ وعبر تلك المؤسَّساتِ الأهليَّة في سهولةٍ ويُسر، فتلتقطها ذائقةٌ لها استعدادُ بشرى وموهبتُه الفطرية، فتُعِدُّه إلى ما هو آتٍ، فيكونُ "فقسٌ"، وتكونُ "حملةٌ"، ثم تكونُ "حكايةٌ" لبنتٍ طارت بحقٍّ عصافيرُها.
    لم تكن مواهب بولا حصراً على الرسم، بل تعدَّدت، وشملت الموسيقى والكتابة الفكرية والإبداعية؛ وكان مُولعاً بتصميمِ أزيائِه الخاصة، التي يبرع الترزي الفنان مايكل في تنفيذِها. وأذكر أنْ كان له قميصٌ مُزركش ذو ياقةٍ مرتفعة وأكمامٍ واسعة، أشرف على تصميمِه بنفسِه؛ وقد تنقَّل ذلك القميص المشهور بين عددٍ من تلاميذه من الرعيل الأول لطلائع الهدهد والقندول: من هاشم صالح، إلى أسامة، إلى الباقر موسى، إلى عبدالله محمد الطيب، إلى النعمان جعفر الباقر، إلى أن وصلني أنا، خريج الأهلية الثانوية، عن طريق حسن على سر الختم، من طلائع القندول؛ ثم اختفى أثرُ القميص، إلا أن آثارَه لا زالت باقيةً على مُرْتَدِيْهِ المعروفين. وكما كان يقول الكاتب المسرحي، أنطون تشيكوف، قد خرجنا كلُّنا من معطف غوغول، فإن كثيراً من الكتَّاب والمبدعين الذين أعرفهم، ومن ضمنهم بشرى الفاضل، قد خرجوا من قميص بولا؛ أما أنا، فحياتي الفكرية يمكن تلخيصها بالخروجِ منه، فالخروجُ عليه.
    أما المجموعة الثانية، فقد كانت تضمُّ باقةً متميِّزة من النقاد والقصَّاصين؛ كان أبرزهم في مجال النقد، الإنسان الشَّفَّاف الناقد الراحل أحمد الطيِّب عبد المكرَّم؛ وكان من ضمنهم سَمِيِّي وصديقي الكاتب المثقَّف والمهذَّب -تثقيفاً وتهذيباً عاليَيْن- الأستاذ محمد خلف الله سليمان؛ وكنتَ أنتَ يا عزيزي عادل، رغم التفافِكَ حول كوكبةٍ متميِّزةٍ من الكتَّابِ السودانيين، ألمعهم شهرةً، وأكثرهم –توسُّلاً بالتعبيرِ الرشيق والوصفِ الحميمِ- قدرةً على جذبِ القارئِ العاديِّ إلى فضاءِ النصِّ، وإغوائه على معايشته، واشتهائه، حتى لو فشل في فكِّ كلِّ شفراته. وتكبُر هذه الميزات عشراتِ المرات، إذا عرفنا أن المجموعة تشمل أساتذةً كباراً من ذوي الخِلالِ التي لا يتأذَّى منها صديقٌ ولا تجرح خليلاً، وأَرُومةٍ إبراهيميةٍ كريمة لا تُخْطِئُها العينُ الناظرةُ إلى أسمائهم التقليديَّةِ المُحبَّبة: عبد القادر محمد إبراهيم، وعبد الله محمد إبراهيم، وإبراهيم جعفر.
    وكان الراحل بشَّار الكُتُبي لا يأتي إلى دارِ الاتحادِ بالمقرن ويحرُص على مرافقةِ أمِّه الطاعنةِ في السنِّ بالمنزل، لذلك كنَّا نرحل إليه في "الثورة"، فنستمعُ لتجاربِه المبكِّرة، ونستمتعُ برؤياه الآثِرة، عن الثورة؛ زارني بالفندق أثناء مؤتمرٍ بالقاهرة، وكان لا يزال مُفعماً بأُوارِ نارٍ قديمة، لم يطفئها حتى ارتحاله إلى الأراضي الجديدة، لكنه لم يقضِ فيها وقتاً طويلاً قبل ارتحالِه الأبدي. أما أحمد مصطفى الحاج، فقد كان يهفو إلينا بلهفةٍ وشوق ولا يسترجئُ قراءةَ نصوصِه علينا إلى وقتٍ يُناسبُنا، وكنتَ ترجوه بلطفٍ إلى أنْ يستجيبَ بوداعةِ طفلٍ تارةً، وبِحَنَقِه تارةً أخرى. وعلى ذكرِ الوداعةِ والطفولة، أين صديقُك الإنسانُ المتفائلُ إلى حدٍّ لا يبعد كثيراً عن المستحيل: الناقد السينمائي محمد المصطفى الأمين؛ هل لا زال يحلمُ، مع تلك الكوكبةِ النادرة من السينمائيين السودانيين (إبراهيم شداد، ومنار الحلو، والطيِّب مهدي، وناصر المك، وسليمان محمد إبراهيم، ووجدي كامل – آخر العنقودِ وأقربهم إلى النفسِ رغم تراكُمِ اللَّومِ وبُعْدِ الشُّقَّة)، بإنتاجِ سينما متطوِّرة في البلاد؟
    هذا ما كان في شأنِ المُلتفين حولِك، حيث هيأتِ الرسالةُ إفرادَ كلماتٍ قليلةٍ في حقِّهم. وبالرغم من أنها بدأت بملاحظةٍ تقريرية أبديتها أنتَ في ثنايا كلامٍ عن تجربتك القَصَصِيَّة، إلا أنها سمحت بتشعُّبِ الحديثِ عن السردِ في شتَّى مجالاتِه؛ ولكن الأهمَّ من ذلك كلِّه، أنها تصلُح مناسبةً للحديثِ بصيغةِ الغائب عن ذلك الإنسان الوديع الذي يقبع وراء نشاطِه السردِيِّ المتميِّز. ليس صعباً على الباحثِ الذكي أن يجد عادل القصَّاص في نصوصِه؛ فهذه مهمَّة النقد، على وجه العموم؛ ولكن الباحثَ الأكثرَ ذكاءً سيلتمِسُه في فضاءاتٍ اجتماعيةٍ أرحبِ سَعَةً وأعمقِ غوراً: سيجدُه في جلساتِ الاستماعِ، والمنتديات؛ وسيلحظُه في المجالسِ العفوية، والسهراتِ، والمناسباتِ الاجتماعيَّة؛ مثلما سيلقاه ناشطاً متجلِّياً في الروابطِ، والجمعياتِ، والاتحاداتِ الأهلية. ولم يكن يتخذ تلك الأطر مطيَّةً للوجاهةِ الاجتماعيَّة، أو سُلَّماً للمناصبِ السياسيَّة؛ بل كان ينفُذ إلى عِظامِ الكلمات، ويتخللُ أبنيتها الصرفية، ويتسللُ إلى جذورها، لإيقاظِ دلالاتِ الارتباطِ، والإجماعِ، والوحدةِ الهاجعةِ في أحشائها العميقة.
    كان يحضُر يومياً إلى دارِ اتحادِ الكتاب؛ يضيقُ ذرعاً بجهازِه الفوقي، ولا يرى مبرِّراً كافياً لبقاءِ شاغليه على دفَّة القيادة، لكنه يتنازلُ طَوْعاً لأجلِ إحداثِ تسويةٍ مؤقَّتة أو مَنْعاً للبلبلةِ والتشتُّت. في المقابل، كان ينخرطُ بكلِّ كيانِه في أنشطةِ الدارِ الداخليَّة، ويساهم بهمته المعهودة في منتدى الأحد، ويسعى مع آخرينَ لترفيعه ليُصْبِحَ مناراً حقَّاً للكتابة، عوضاً عن استنساخِه لثقافةِ المُشافهة. إلا أن فضاءَه الاجتماعيَّ الأكثرَ رحابةً كان هو حَرَمُ الجامعة، وقد مكَّنته وظيفتُه وسِنُّه -كأمينِ مكتبةٍ في مُقتبلِ العُمُر- من التعرُّف على عددٍ لا حصرَ له من الأساتذة والطلاب، تخيَّر من بينهم كوكبةً ذهبيَّةً من الأصدقاء: أحمد البكري بكلية العلوم، قسم الأحياء؛ عثمان حامد بكلية الهندسة؛ إبراهيم جعفر بشعبة الفلسفة؛ بشرى الفاضل بشعبة اللغة الروسية، محمد أحمد محمود بشعبة اللغة الإنكليزية؛ مُنى عبيد بكلية الطب، وأحمد الطيِّب عبد المكرَّم بمعاملها؛ ودرير وأماني سنجة، وندى عبدالمنعم، وهالة الأحمدي بكلية الاقتصاد والعلوم السياسية.
    ويومَ سُرِّحتُ عن العمل، استقبلني عادل بالأحضان، وفتح لي فضاءَه الأثيرَ مَسْرَحَاً لأنشطتي الأكاديميَّة والاجتماعيَّة داخل الحرم الجامعي. وفي حضرةِ القصَّاصِ، لا يحتاجُ المرءُ إلى تقنيةِ "التحليقِ الانسيابي" حتى يتنقَّلَ في أرجاءِ الحرم، أو إلى مِنظارٍ أسودَ للكشفِ عن حالةِ بؤسٍ فكريٍّ مُتوهَّمٍ في الثمانينات، بل كلُّ ما يحتاجه هو أن تخِفَّ حركتُه، وأن يتعلَّق بحقيبةِ ظهرِه ذات اللونِ الأزرقِ المُخْضَرِّ، لكي يطوفَ معه في سهولةٍ ويُسر عبر ممراتِ مروجِ الجامعة، ومن خلال مطاعمِها ومقاهيها، وداخل قاعاتِ مكتبتها، ودارِ طُلَّابِها، وحُجْراتِ داخلياتِها أو استقبالهِا، ومكاتبِ أساتذتِها: تذهب معه إلى محمد محمود، فيُحَدِثُكَ عن الثقوبِ السوداء؛ وإلى بشرى الفاضل، فيُدْهِشُكَ بأحاديثَ رائعةٍ عن سيرجي يسينين؛ وإلى إبراهيم جعفر، فيُؤْنِسُكَ بِطَرَفٍ من أقوالٍ لنيتشة أو تشوبنهاور؛ أما أحمد البكري، فقد كان يُبْحِرُ في رحلةٍ معاكسةٍ لمسيرتي الفكرية: من دارون إلى إدوارد سعيد، وكنت أهربُ من فضاءاتِ الاستشراقِ إلى آفاقِ الانتقاءِ الطبيعي، وما ورائه، إنْ كان هناك وراء. لشدَّ ما أتوقُ لمحاورتِه حول فتوحاتِ علمِ الأحياء، في هذا القرنِ وسابقِه.
    قُبيل امتحاني لدخول الدراسات العليا بوحدة الترجمة والتعريب بجامعة الخرطوم، كان الأستاذ علي المك مُشْرِفاً على برنامج الماجستير، ورئيساً لاتحاد الكتاب السودانيين في ذاتِ الوقت، فكان يخشى أن يخذله كاتبٌ ناشئٌ في المنافسة التي اشترك فيها آنذاك عددٌ من السفراء والوزراء المفوّضين، وكبارُ مفتشي اللغة الإنجليزية بوزارة التربية، خصوصاً وأننا كنا نبدو بمظهرٍ خادعٍ أنداداً له أمام سكرتيرتِه الأستاذة مُنى، عندما نجتمعُ بمكتبِه أو مكتبةِ شعبةِ الترجمة، إبان صياغة دستور الاتحاد والتحضيرِ لاجتماعِ الجمعيَّة العموميَّة؛ لكنه اطمأنَّ وبرزت نواجذه، عندما تفوَّقتُ عليهم جميعاً في امتحانِ الدخول. وبعد أن قيَّدت اسمي ضمن برنامج الماجستير، هيأ لي عادل القصَّاص مكاناً في مكتبةِ التجاني الماحي، التي كانت تفتحُ ببابٍ داخلي على مكتبةِ الشنقيطي، وسهَّل لي دخولاً آمِناً إلى قسمِ الدوريات، وحُجيرةً قريبةً من قاعةِ الاستقبال الرئيسية، حيث كان يعمل، مما يسَّر لكلينا تنظيمَ حصصِ الاستراحات (البريكات)، التي كنَّا نتشوَّق لقضائها ضمن بقية الأصدقاء بالجامعة.
    لم يكتفِ عادل بذلك، بل يسَّر لي، بتهذيبِه الأسطوريِّ وعلاقاتِه التي لا تعرف حدَّاً في نطاقِ الجامعة، تسجيلاً سريعاً في كورس اللغة الفرنسية بوحدة تعليم اللغة الفرنسية (السيدوست)، وآخرَ بشعبة اللغة الألمانية، التي كانت تحتفي بانتسابِ طلاب الدراسات العليا إلى دوراتِها في تعليم اللغة. وذهب معي عادل إلى معهد غوته، وضمِنني أمام أمينةِ مكتبتها الألمانية مارغريت، زوجة الشاعر السوداني الرائع، النور عثمان أبكر، التي كانت تخشى، عندما استلفتُ كتاباً جديداً ضخماً ليورغن هبرماس لم يقرأه أحدٌ بعد، أن يخذلها كاتبٌ سودانيٌّ شاب أمام إدارة المعهد، إذا لم يُرجِع عُهدتَه، مثل بقيةِ كثيرٍ من الروَّاد السودانيين الذين خبِرتهم بالتجربة. لم يكنِ الخُذلانُ ضمن تصوُّري على الإطلاق، ولكن كاتباً آخرَ خذلنا جميعاً، عندما تسلَّل إلى غرفةٍ عُليا بأحدِ منازلِ بنك الادِّخار بحيِّ العمدة، الذي كنّا نأوي إليه باستضافةٍ كريمة من محمد ميرغني، صديقِ عادلٍ ودرير، فأخذ معه كتاب هبرماس، بلا رجعةٍ أو نيَّةٍ بالاعتراف، إلا بعد أن أصبحَ الكتابُ دَيْنَاً هالِكاً؛ ولكنني لا زلتُ، ومنذ أكثر من عشرين سنةً، احتفظ بنسخةٍ، لم أقرأها ولن أتصفَّحها، من كتاب "الخطاب الفلسفي للحداثة" (1985)، على أملِ إرجاعِها إلى معهد غوته بنفسي، مع تحمُّلِ كافَّةِ العقوبات. ويا حبَّذا لو رجع أيضاً إلى معهد غوته الألماني في يومٍ أبيضَ غير ذي مسغبةٍ صديقٌ آخرُ لعادل القصاص هو الشاعرُ المثقَّف والمهذَّبُ غاية التهذيب، موسى أحمد مروّح.
    ويومَ طلب منِّي صاحبُ البيت إخلاءَ المنزل الكائن بأركويت، استقبلني عادل بالأحضان، وفتح لي غرفته الأثيرة مرقداً، ومعاشاً، ومنشطاً، حيث كانتِ الغرفةُ تكتظُّ بالكتبِ والمجلاتِ والدورياتِ العربيةِ النادرة، ويُقيمُ بها، فوق ذلك، عددٌ من الكتابِ والشعراء (عادل القصاص، محمد خلف الله عبد الله، محمد مدني، عادل عبد الرحمن)؛ كما كانت تستقبل عدداً آخرَ منهم بصورةٍ متقطِّعة (عبد الله عبد الوهاب، عبد المنعم رحمة، عثمان حامد)؛ كما كانت أمسياتُها تزدانُ بزياراتٍ متواترة لبعضٍ منهم (الراحل أحمد الطيِّب عبد المكرَّم، محمد خلف الله سليمان، عبد اللطيف علي الفكي)؛ كما كان يجيء إليها (القاصُّ أحمد مصطفى الحاج) في أوقاتٍ لا يمكن التكهُّن بحدوثِها. أما (بشَّار الكُتبي)، فقد كان على مرمى حجرٍ من "السابعة"، وكنَّا نمضي بلهفةٍ إليه، كما سبقت الإشارة إلى ذلك.
    أنا إنْ أنسى مواقفَ ونوادرَ وحكاياتٍ شَهِدَتْها غرفةُ "السابعة"، فما أنسى، ولن أنسى يومَ تعرَّفتُ فيها بالصديق الحميم عثمان حامد؛ كان طالباً بالسنةِ الأخيرة بكلية الهندسة، متحمِّساً للعلمِ والأدب، رسَّاماً رفيعاً في تذوِّقه الفني، مستقيماً في خُلُقه، وصَلْبَاً مُشاكِساً في مواقفِه السياسيَّةِ اليوميَّة. احتد النقاشُ بيننا بعد ثوانٍ قليلة من التعارف، ولا زلنا على طرفي نقيض في كثيرٍ من الرؤى الأيديولوجيَّة الأساسيَّة، لكن حبلَ التواصلِ بيننا يزداد متانةً مع توالي الأيام، مع أن حواشيه العميقة تزداد رِقَّةً وعذوبةً مع التقادمِ الطبيعي وطولِ الاستخدام. هو يحلم بجذبي مرةً أخرى إلى حظيرةِ الحداثة، وأنا أسعى إلى وصلِها بطاقةٍ روحيِّةٍ أبعدِ غوراً وأقدمِ عهداً. كنَّا نأتي إلى الجامعة كلَّ يوم، فيستقبلُنا عثمان بترحيبِه الودود، ثم سرعان ما يُفرِغ جيْبَه ليمكِّننا من شراءِ وجبةٍ خفيفة أو أقداحٍ من الشاي والقهوة؛ ولا يكتفي بذلك، بل يَحْرِصُ على أن ننالَ بعد الظُهْرِ وجبةَ غداءٍ مُكتملة، بالشراءِ نَقْدَاً أو بالدَيْن من حاجَّة "آمنة" بائعةِ الكِسرة والمُلاح. وفي المساء، عندما يتعذَّر ذهابُنا أحياناً إلى "السابعة"، أو نخشى الوصولَ إليها بعد مواعيدِ حظرِ التجوُّل، كان يُهيئُ لنا مرقداً بداخلية "تهراقا"، حيث يكتنز دولابُ الغرفة بملاءاتٍ "تكفي لعددٍ من الأصدقاء، ربما يفوق العشرة".
    ومنذ بدءِ كتابة هذه الرسالة، راجع معي عثمان فقراتِها، فقرةً على إثرِ فقرة؛ يصحِّحُ معلوماتٍ بها تارَّةً، أو يُقيِّمُ محتوياتِها تارَّةً أخرى. فقد كنَّا نعتبرها رسالةً تهمُّ كلَّ الأصدقاء، إنْ لم نقل كلَّ القراء؛ لذلك، فينبغي أن تخرُجَ خاليةً، قدر الإمكان، من جُلِّ العيوب. وكنتُ أشتكي خوفاً من التطويلِ الموضعيِّ للفقرات، وكان يشجعني للمُضيِّ قُدُماً، حتى تكتمل الفكرة؛ وعندما بدأت أشتكي من طول الرسالة نفسها، اقتنع عثمان معي بخَتْمِها، على أن أُنبِّهَ إلى الموضوعاتِ التي أُسقطت عَمْدَاً منها، وأن أُبيِّنَ ما إذا كان سيتمُّ تغطيتُها في رسالةٍ أخرى أو أيٍّ مقامٍ كتابيٍّ آخر. وما أنْ وصل عثمان إلى جدوى هذا الاقتراح، حتى زال عنِّي التوتر، فقد كانتِ الموضوعاتُ التي تمَّ تأجيلُ تناولِها تشمل فكرتَي المكان والزمان، ومفهوم الحق، وتمييزه عن المفهوم المتداول للحقيقة، الذي يكثُر استخدامُه عن طريق الخطأ أو التعوُّدِ الاصطلاحي باعتبارِه مُرادفاً له.
    أما فكرة المكان، فقد مَسِسَتْها الرسالةُ مسَّاً خفيفاً، عند بدايتها؛ فقد افتُرع الكلامُ عن مِلبورن، ومفهوم الفيلسوف الفرنسي غاستون باشلار الخاص بالمكان الذي احتواه كتابه "جماليَّات المكان"؛ وكان الأملُ معقوداً على وصلِ الفكرة بتقسيمِ فريدريك نيتشه في "هكذا تكلَّم زرادشت" لطبوغرافيا المكان إلى: أعلى الجبل، والغابة على سفحِه، التي تقود إلى أسفلِ المدينة؛ ومن ثَمّ،َ توزيع الحكمة المُكتسبة ضمنيَّاً وفقاً لهذا التقسيم. وكنت أرغب في وصلِ ذلك بتقسيمِ روبرت إم بيرسيج في كتابِه "مذهبُ زِنْ وفنُّ قيادة الدرَّاجات الناريَّة" الذي لاقى استحساناً وإعجاباً كبيرين في حقبةِ الستيناتِ في الغرب؛ وخصوصاً تقسيمه الذي يبدأ بقمَّةِ الجبل في الساحلِ الشرقي، وينتهي بقاعِ المحيط في الساحلِ الغربي، مروراً بالنطاقِ الشجري، الذي لا تُلتمس الحكمةُ ضمنيَّاً إلا من فوقِه، وحيث يمضي السرد، عبر رحلةٍ بالدراجة النارية، من بوزمان إلى سان فرانسسكو، وتتراوح الحالةُ العقلية من الجنونِ في قمَّةِ الجبل إلى الحياةِ العاديَّةِ على الساحلِ الباسفيكي. كنتُ أرغبُ في توضيحِ هذا الوصلِ الأرضي، ووصلِه بفضاءاتٍ علويةٍ أوسع رحابةً.
    هذا فيما تمَّ تتبُّعُ فكرة الزمان عبر مساراتِ السرد، بدءاً من تقديرِ مُفسِّري الكتاب المقدَّس لعُمُر الأرض الذي لا يتعدَّى لديهم الستة آلاف سنة، إلى سردِ دارون الذي لا يحتاجُ تقديراً لذلك سوى بضعةِ ملايينَ من السنوات، إلى عُمُرِها الذي قٌدِّر بالقياسِ الإشعاعيِّ بحوالي 4.54 بليون سنة. ثم تتبُّعُ أصلِ الكون الذي يُقدَّرُ عُمُرُه منذ ’الانفجار العظيم‘ بحوالي 13,8 بليون سنة. وكان الأملُ معقوداً على عدم التوقُّفِ عند هذا الحدِّ العلميِّ الحاسم، بل السعيِّ إلى تتبُّعِ التساؤلِ العفويِّ عمَّا كان ’يُوجدُ‘ قبل ’الانفجار‘؛ وعدم الاكتفاء بالإجابةِ التي تقدَّم بها من قبلُ القديس توما الأكويني، بل محاولةُ وصلِ زمنِ ’الانفجارِ‘ نفسِه بديمومةٍ لا تقترب منها وسائلُ العلم الطبيعي المحفوفةِ بأفقٍ ضوئيٍّ محدود (مخروط الضوء)، ولكن ذلك لا يمكن قبوله إلا بإحداثِ تمييزٍ جوهري بين الحقِّ والحقيقة، وليس مجرد التعامل معهما كمترادفين فقط.
    إلا أن سَمِيِّيَّ الآخر في شمال الوادي، محمد أحمد خلف الله، لم يهتدِ، في أولِ الخمسينات، عامِ مولدي، إلى ذلك التمييز، بل تعاملَ معهما كمترادفين، في كتابِ "الفنِّ القصصيِّ في القرآنِ الكريم"، مع أن مصطلح "الحقيقة"، المُشتق من مادة [ح ق ق] لم يرِد في القرآن بهذه الصيغة الصرفية مُطلقاً؛ بينما نجدُ الصيغَ الصرفية الأخرى ترِدُ بكثرة، خصوصاً: "الحقُّ"، "بالحقِّ"، "حقٌّ"، "بحقِّ"؛ ثم بنسبةٍ أقل: "حقَّاً"، "حقَّت" "يحقُّ"، "ليحقُّ" "استحقَّ"، "استحقَّا"، "حقَّه"، "أحقُّ" و"حقيقٌ". ويقول صاحبُ "الفنِّ القصصيِّ" في عبارةٍ واحدة من جملةٍ طويلة إن "القصَّة إنما تُوصف بالحقِّ، لأنها تشرح الحقَّ وتقرِّره، لا لأنها في ذاتها حقيقةٌ ثابتة"؛ وهو يؤكِّد أيضاً أن "المثل يُوصف بالحقِّ، لأنه شارحٌ للحقِّ ومبيِّنٌ له، ولأنه مقررٌ للحقِّ ومؤكِّدٌ له"؛ ثم يجمع "الحقَّ" على صيغة "حقائق"، فيقول: "الأمثال لا يلزم أن تكونَ من الحقائقِ الثابتة، فقد تكون من المتخيَّلات، ومن الأساطيرِ والأوهام". مع أن الحقَّ واحدٌ صمديٌّ وقديم، وأن الحقيقةَ هي التي تقبلُ الفتقَ والتشظِّي، وتميل دوماً إلى التجدِّدِ والاستحداثِ مع مرورِ الزمن؛ ذلك الزمنُ المتمكِّنُ في هذا الكونِ منذ ’انفجارِه‘.
    هذا الفتقُ هو في أساسِ المتاعب التي تشوِّش تصوُّرَنا للعالم واللغة والعقل. على مستوى العالم، يقترب العلماء، وخصوصاً في صياغتهم لنظرية ’الانفجار العظيم‘، من التصويرِ القرآني لأصلِ الكون الذي جاءَ طرفٌ منه في الآية 30 من سورة الأنبياء: "أَوَ لَمْ يَرَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّ السَّمَاوَاتِ والأَرْضَ كَانَتَا رَتْقًاً فَفَتَقْنَاهُمَا وجَعَلْنَا مِنَ المَاءِ كُلَّ شَيءٍ حَيٍّ أَفَلَا يُؤْمِنُونَ". إلا أن فيتجنشتاين صاحبَ أنبغِ العقولِ الفلسفيَّة في خمسيناتِ القرن الماضي، لم يستطع أن يُنشيءَ نظريةً واحدةً متكاملة بتوسطِ اللغة، فأنتج عوضاً عن ذلك فلسفتين: في الأولى توجَّه بالخبر، وهو المعادلُ المنطقي للعبارة اللغوية، نحو مصدرِه الواقعيِّ ضمن أشياء العالم، وترك وراءَه -بصياغته الصارمة لنظرية الصورة- تعدُّدَ المقاصد الدلاليَّة المحتملة؛ وفي الثانية، اهتم بالتعدُّد، فضاعَ من يدِه حلمُ الوحدة. بمعنًى آخر، حاول فيتجنشتاين في فلسفتِه الأولى تتبُّع شجرةِ اللغة إلى أصلِها في العالم، وانتهى في فلسفتِه الثانية بالاستمساكِ بغابةٍ تمتدُّ وتترامى فيما وراء الأفقِ المرئي.
    أما على مستوى العقل، فلا مناصَ من التمييز بين الحقِّ والحقيقة، ليس بإنتاجِ ثنائيةٍ متوهَّمة، كتلك التي بعجها ديكارت في القرن السابع عشر ولا زال الفكرُ العالمي يعاني من متاعبها؛ ولا بوحدةٍ زائفة كتلك التي ابتدعها القائلون بوحدةِ الوجود، إذ إن الوجودَ نفسَه إنشاءٌ بمشيئةِ خالقٍ قديم؛ ولكن بالنظرِ إلى كُنْهِ العلاقةِ بين الحقِّ والحقيقة، والترفُّقِ بمنتجاتِ الحقيقة، وتتبُّعِ مسيرتها، والتوسُّلِ بها إلى مجالِ الحقِّ ووصلِها به، ولكن هيهات؛ فالعلاقة بين الحقِّ والحقيقة هي علاقةٌ غير متماثلة، تماماً مثل علاقة الأب بالابن، فالأب ينتج ابنه، ولكنْ يمتنعُ على الابنِ أن يفعلَ الشيءَ نفسَه أو مثلَه؛ هذا علاوةً على أن الحقَّ ينكشفُ بغتةً ولا يمكن التيقُّن الحاسم من مصدرِه؛ والحقيقة، في المقابل، يتمُّ اكتشافُها خطوةً على إثرِ خطوة إلى أن تأخذ شكلَ نظريةٍ مُلزِمةٍ وعاملةٍ لحقبةٍ من الزمن، إلى أن يتمُّ استبدالُها بنظريةٍ أخرى أكثر قدرةً على التفسير، مثل الانتقال من الفيزياء النيوتونية إلى النظرية النسبية العامة، على سبيلِ المثالِ لا الحصر.
    إن أكثر ما يمكن إيراده لتوضيح فكرة الرتق، في مقابل فكرة الفتق (أو الوصل في مقابل الفصل)، هو العباراتُ الأدائية التي أوضحها جي إل أوستن في كتاب "كيف يتسنَّى فعلُ الأشياءِ بالكلمات". فعندما تُسمِّي ملكةُ بريطانيا سفينةً باسم "إليزابيث"، فإنها لا تكون قد تفوَّهت بعبارةٍ فقط، وإنما يكون تفوُّهُها بتلك العبارة إيذاناً بتدشينِ السفينة المُسماةِ باسمها، وعقداً ملزِماً، ليس لطاقمها فقط، وإنما لشركاتِ التأمين وكافةِ الأنشطة الرائجة في المياه الدولية؛ وعندما يطلق الحَكَمُ صفارةَ البدء، فإنه لا يكون قد أخرج صفيراً فقط، وإنما تكون الصفارةُ إيذاناً ببدءِ المباراة، وإلزاماً للاعبين بالانخراطِ فيه على الفور. إلا أن كلتا الحالتين تقومُ على التشظِّي، فالملكةُ ليست وحدُها الآمِرة، وليس الحَكَمُ وحدُه المسؤولَ عن مجرى المباراة، إذ تقومُ خلفهما مؤسَّساتٌ، وأجهزةٌ، ونظمٌ، ودساتيرُ، ولوائحُ عملٍ، وعاملون، وجمهورٌ يطلب الإرضاء ويستحقُّه. ولكن عندما يجيء في سورة "النحل" قوله تعالى: "إِنَّمَا قّوْلُنَا لِشَيْءٍ إِذَا أَرَدْنَاهُ أَن نَّقُولَ لَهُ كُن فَيَكُون"؛ أو في سورة "يس": "إِنَّمَا أَمرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيئاً أَن يَقُولَ لَهُ كُن فَيَكُونُ"، فإن الكينونةَ لا يكونُ وراءها غيرُه، وهذا معنى الرتق الصمدي، لأن فعلَه قديم، ويحقُّ فعلَه القديمَ بكلماته؛ ويقول في سورة يونس: "وَيُحِقُّ اللهُ الحَقَّ بِكَلِمَاتِه وَلَو كَرِهَ المُجرِمُونَ".
    وعندما يجيء في سورة "يوسف" قولُه: "نَحنُ نَقُصُّ عَلَيكَ أَحسَنَ القَصَصِ بِمَا أَوحَينَا إِلَيكَ هَذَا القُرآنَ وإِن كُنتَ مِن قَبلِهِ لَمِنَ الغَافِلِينَ"؛ أو في سورة "الأنعام": "إِنِ الحُكمُ إِلَّا لِلَّهِ يَقُصُّ الحَقَّ وَهُوَ خَيرُ الفَاصِلِينَ"، فإن التأكيدَ يأتي من اندماجِ الحقِّ وصمديته، باشتماله على القدرة والعلم والإرادة، وهي مَلَكَاتٌ تتشظَّى في مجالِ الحقيقة، وتتوزَّع على مجالاتٍ في مسارِ النشوءِ والتطوُّرِ الذي لا ينقطع: هي العلمُ أو الواقعُ الموضوعي، واللغة الإنسانية، والعقلُ البشري. فيكون بها قصٌّ للأمام بتتبُّعِ شجرةٍ لها بنيةُ سردٍ محدَّدة، أو يكون ارتدادٌ للخلف لقصِّ أَثَرٍ أو استرجاعٍ لحدث؛ وهو المعنى المقصود في سورة "الكهف": "فَارتَدَّا عَلَى آثَارِهِمَا قَصَصَاً". وهي شبيهةٌ بالازدواجية التي تحيط باسمك، ياعزيزي وصديقي عادل القصّاص؛ فمن جهةٍ أنت "مهندسٌ" فعليٌّ لفنِّ القصِّ في السودان، ومن جهةٍ أخرى أنت سليلُ "القصَّاص" الذي اخترته بنفسك في فعلٍ أدائيٍّ متميِّز، فكان اسماً أدبيَّاً رائعاً لمُسمًى أكثر روعةً.
    عزيزي عادل
    اختَرتُ لهذه الرسالة عنواناً هو "عادل القصاص والحصَّة تاريخ"، عِوضاً عن "الحصَّة قصَّة"، وهي العبارة المُتجانسة التي وردت في عنوان مقال يحي فضل الله؛ ليس تقليلاً من شأنِ ناظرِ المدرسة، أو انحيازاً مهنياً لرئيسِ الاتحاد؛ كما أنه ليس انتقاءً للبَصرة على حساب الكوفة؛ أو التشبيه بدلاً عن الاستعارة؛ أو الأسلوبية عوضاً عن الأسلوب؛ أو إحلال فيتجنشتاين الأول مكان فيتجنشتاين الثاني؛ أو اعتماد نهج الشجرة بديلاً للغابةِ المتراميةِ الأطراف؛ وإنما لإمعانِ النظرِ مجدَّداً في عنوانِ دراستِه "الرواية والتاريخ"، واعتبار الواو التي تتوسَّطة نقطةَ توازنٍ حسَّاسٍ لميزانِ عدلٍ لا يميلُ جُزافاً إلى أيٍّ من الطرفين. ويمكن تصوُّر ذلك في سهولةٍ ويُسر، إذا نظرنا إلى الذاكرةِ البشرية، ليس باعتبارها مستودعاً ساكناً للمعلومات، وإنما بوصفها حقلاً ديناميكياً، أو بلغةِ أهل العلم، شبكةً لمساراتٍ عصبيَّة متداخلةٍ ومتكاملة. لذلك يمكن، بفضلٍ من الله، وبعونٍ طفيفٍ من رجاحةِ العقل، السيطرة –بغيرِ رقابةٍ خارجية أو مرسومٍ ملكي، على مَلَكَةِ الخيال لإحداثِ توازنٍ ذهبيٍّ، لا ينتصرُ بنوعٍ من الغباء التاريخي لتجميدِ الدلالة أو يهلِّلُ بنوعٍ من الحُمق الما بعد حداثي للنسبيةِ الدلاليةِ المُنفلتة.

    (عدل بواسطة بكرى ابوبكر on 11-11-2014, 04:04 AM)

                  

11-11-2014, 06:55 AM

munswor almophtah
<amunswor almophtah
تاريخ التسجيل: 12-02-2004
مجموع المشاركات: 19368

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: عادل القصاص الحصه قصه//محمد خلف الله عبدالله....... (Re: بكرى ابوبكر)

    فى القراءة الأولى أو الفشة لتلك القماشه النادره من الكتابه ترى بعض الأشياء وتستوقفك إلا أن مساسكة القراءه تنزعك لتسترسل وفى
    القراءة الثانيه تبين لك الحواشى والمطايا مبثوثةً فى أرجائها لتتكئ أنّ شاء لك ذلك. يبين فى تلك الكتابه قلق الصبى وعنفوان التطلع
    والإستغراق والبحث عن زاد المعرفة الذى توفرت أسبابه مابين كرف وعلى المك بدءً
    بمبدع (مدلينا) الخلاسيه التى إندغم فيها الشرق والغرب إندغاما وميقاَ
    لتخرج سمراء عفواً تسر الناظرين الأستاذ الأديب محمد سعد دياب والشاعر الأنيق المعطر المرهف الأديب عوض حسن أحمد ناحت
    صغيرتى أوتذكرين ومن ثم الجامعه وبشرى الفاضل وإبراهيم جعفر والقصاص وعثمان حامد من ثم صوالين الأدب وسلاطينه وأساطينه
    من النقاد أحمد عبدالمكرم والتجانى سعيد وغيرهم من الذين وردت أسماؤهم كمشاعل للثقافة والأدب والفكر وأماكن وأناس يشتعل
    فيهم الحس والذوق الأدبى أحصاهم خلف ووسمهم بصفاتهم
    محقاً لا مزائداً ولا بضنين إستطاع بمهارته أن ينتقل بالكتابة
    من مرحلة الحبو للمتاتاة ثم النهوض والركض وينتقل بصناعها
    وبارعيها من مرحلة إلى مرحله وذلك عبر مخاطبة القصاص
    عادل القصاص الذى أيقظ ثباته بالحصة قصه فكانت الحصة
    تاريخ حاوية حاملة لصناعه ومبدعيه شكرا خلف شكرا القصاص
    على هذه الترف المعرفى والبذخ الفكرى والإندياح العفوى.


    منصور

    (عدل بواسطة munswor almophtah on 11-11-2014, 07:00 AM)
    (عدل بواسطة munswor almophtah on 12-18-2014, 02:14 AM)

                  

11-12-2014, 09:54 AM

munswor almophtah
<amunswor almophtah
تاريخ التسجيل: 12-02-2004
مجموع المشاركات: 19368

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: عادل القصاص الحصه قصه//محمد خلف الله عبدالله....... (Re: munswor almophtah)

    الكتابه الجاده تحتاج إلى قراءة أكثر جديه وتحتاج إلى إستعداد كبير!!



    منصور
                  

11-13-2014, 00:47 AM

munswor almophtah
<amunswor almophtah
تاريخ التسجيل: 12-02-2004
مجموع المشاركات: 19368

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: عادل القصاص الحصه قصه//محمد خلف الله عبدالله....... (Re: munswor almophtah)

    قميص بولا عند أولئك النفر المجيد كطوبة بيان الولى أو الرايه التى توضع عليه مزارا - وبركة بولا هدت فى خلف!!


    منصور

    (عدل بواسطة munswor almophtah on 11-13-2014, 02:04 AM)

                  

11-13-2014, 02:33 AM

abdalla elshaikh
<aabdalla elshaikh
تاريخ التسجيل: 03-29-2006
مجموع المشاركات: 4001

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: عادل القصاص الحصه قصه//محمد خلف الله عبدالله....... (Re: munswor almophtah)

    UP
                  

11-13-2014, 11:11 AM

munswor almophtah
<amunswor almophtah
تاريخ التسجيل: 12-02-2004
مجموع المشاركات: 19368

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: عادل القصاص الحصه قصه//محمد خلف الله عبدالله....... (Re: abdalla elshaikh)

    الأخ الأستاذ عبدالله أكمل القراء بتمهل ثم أخبرنا بصيدك منها
    الشكر لك والسلام
                  

11-13-2014, 06:57 PM

munswor almophtah
<amunswor almophtah
تاريخ التسجيل: 12-02-2004
مجموع المشاركات: 19368

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: عادل القصاص الحصه قصه//محمد خلف الله عبدالله....... (Re: munswor almophtah)

    (يوم فى الدهر فنّ سمعنا الزهر غنّى)
    هذا هو غناء الزهر الذى يٌطْرِبَ سامعيه!!


    منصور

    (عدل بواسطة munswor almophtah on 11-25-2014, 01:32 AM)

                  

11-14-2014, 02:26 AM

abdalla elshaikh
<aabdalla elshaikh
تاريخ التسجيل: 03-29-2006
مجموع المشاركات: 4001

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: عادل القصاص الحصه قصه//محمد خلف الله عبدالله....... (Re: munswor almophtah)

    الأخ منصور تجدني إنشاء الله تلميذا و حوارا ملازما لهذه الحصة كما البسطامي الذي تتلمذ يعاين للحق من خرم الإبرة ببسطام حتي فتح له أو هكذا قيل!! فحصة محمد خلف هذه كنا نتحاورها بإتحاد الكتاب السودانيين وقبلها في ندوة الجندول ثم جمعية تجاوز للثقافة والإبداع و منتديات مصلحة الثقافة و مجلتها الرصينة ومشروع مجلة حروف لدار جامعة الخرطوم للنشر والذي ساهم في ولادته بأفكار خلاقه ناس خلف وأسامه الخواض و مكرم و عبداللطيف علي الفكي والبشير سهل جمعة سهل الأمر الذي أذهل حراس الأكاديميا بجامعة الخرطوم{عمداء الكليات ألذين حضروا الإجتماع} فذهلوا من عمق المعرفة التي يتجشمها هؤلاء الشباب الجربان فقالوا لخالد المبارك وكان وقتها مديرا لدار جامعة الخرطوم للنشر قالوا له{يا دكتور جبتنا لناس متخصصين} فيا منصور الأولاد أبان خرتويات ديل {بوصف أستاذنا عبدالله بولا}متفرشحين في المعرفه
    و يا منصور يا صديق! عادل قصاص بتخرج القصة من مسام جلده ولديه أم إسمهاصفيه و أخت إسمها مفيده ياخي ديل صبرا علينا جنس صبر!! كلنا كنا عطاله و محالون للصالح العام و ماعندنا شغله غير الكلام عن رولان بارت و جاك دريدا وفوكو وإشتراوس و جوليا كريستيفا و حفريات في بنية العقل الفرعون كناية عن أبناء الختان الفرعوني و عندما يستبد بنا التعب ننيخ رهق هذا التعب في سراير حاجه صفيه و خدمات شقيقتنا الصغيرة مفيده
                  

11-14-2014, 01:45 PM

munswor almophtah
<amunswor almophtah
تاريخ التسجيل: 12-02-2004
مجموع المشاركات: 19368

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: عادل القصاص الحصه قصه//محمد خلف الله عبدالله....... (Re: abdalla elshaikh)

    الأخ العزيز abdalla elshaikh سلام لك وسلام عليك وحظك الذى تناغيه كحظ أبا يزيد البسطامى ويا لعظمة حظك الذى ضاقت عبارته وأتسعت
    إشارته أو الدباره فظل على ذاك الثقب من الإبره وسنظل فى جلدٍ وصبرٍ على وخزها. وأشاطرك الرآى على قدرة القصاص على نخب الحكى من جوف
    الذاكره بمنقاش أثره الموروث فى الدماء من السلف الذين يرون ظل الطير على الصخر بعد المطر وفى عز العاصفه فيا ود عبدالوهاب تلك الصفيه وبنتها
    تمكنتا من أن يقدمن زادا لا ينقصه الأخذ منه بل يزيد لأنه زاد السخاء والبركه فشملتكم أجمعين فأوفيتماها حقها أنت وخلف خلف الله علينا وعليكم بالخير
    والعافية والرزق الحلال ولك وللكل السلام.


    منصور
                  

11-15-2014, 12:00 PM

munswor almophtah
<amunswor almophtah
تاريخ التسجيل: 12-02-2004
مجموع المشاركات: 19368

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: عادل القصاص الحصه قصه//محمد خلف الله عبدالله....... (Re: munswor almophtah)

    قراءة لا تندم عليها أبداَ لا بل تجد نفسك فيها!!



    منصور

    (عدل بواسطة munswor almophtah on 11-15-2014, 12:03 PM)

                  

11-16-2014, 09:04 PM

munswor almophtah
<amunswor almophtah
تاريخ التسجيل: 12-02-2004
مجموع المشاركات: 19368

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: عادل القصاص الحصه قصه//محمد خلف الله عبدالله....... (Re: munswor almophtah)

    قراءة لا تخرج منها إلا ووزنك المعرفى قد تضاعف وسكر الدم والكلسترول
    قد إنخفضاء وتدفقت فيك الحيويه!!


    منصور

    (عدل بواسطة munswor almophtah on 11-16-2014, 11:35 PM)

                  

11-16-2014, 11:33 PM

munswor almophtah
<amunswor almophtah
تاريخ التسجيل: 12-02-2004
مجموع المشاركات: 19368

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: عادل القصاص الحصه قصه//محمد خلف الله عبدالله....... (Re: munswor almophtah)


    يا عادل عثمان والقصاص

    ناديه علمٌ ممنوع من الصرف للعلميه ومجيئها على وزن الفاعل وعلم بالإضافه إلى علمين الرشيد نايل ومحمد خلف
    وعلمٌ لأنها القارئ الأول لخلف وعلمٌ لأنها ملمه إلماما دقيقا بكل فنون التثقيف وواقفه عى أرضيةٍ معرفيه صلده
    وإن توفر لها الظرف لتكتب فحتماً سيقع فك قارئها من الدهشه فإن لناديه حس أدبى وفنى وإنسانى رفيع المقام
    لها التحايا وسمح الأمانى.





    منصور
                  

11-16-2014, 11:57 PM

عادل القصاص
<aعادل القصاص
تاريخ التسجيل: 11-27-2004
مجموع المشاركات: 43

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: عادل القصاص الحصه قصه//محمد خلف الله عبدالله....... (Re: munswor almophtah)

    الهميم والحميم، منصور

    ها أنتذا تبرهن، عبر أكثر من حزمة عشب أو باقة ورد، بأن الدرب الذي التقينا فيه، كان، وسيظل، أخضرا ل أو على كلينا، كما ل أو على كل من بنا مَسٌّ منه أو منها.

    (عدل بواسطة عادل القصاص on 11-17-2014, 00:00 AM)
    (عدل بواسطة عادل القصاص on 11-17-2014, 04:21 AM)

                  

11-17-2014, 11:57 AM

munswor almophtah
<amunswor almophtah
تاريخ التسجيل: 12-02-2004
مجموع المشاركات: 19368

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: عادل القصاص الحصه قصه//محمد خلف الله عبدالله....... (Re: عادل القصاص)

    القصاص عل الدرب يبقى أخضرا وسالكا ليس بشاقٍ ولا وعِرْ وعلنا نظل قادرين
    على أن نسلكه، شكراً عادل وشكرا لعادل الآخر الذى منحنا رخصة
    القول عن ناديا ولم نستطع قولها كما ينبغى.
    شكرا ثانية القصاص,



    منصور
                  

11-18-2014, 00:46 AM

munswor almophtah
<amunswor almophtah
تاريخ التسجيل: 12-02-2004
مجموع المشاركات: 19368

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: عادل القصاص الحصه قصه//محمد خلف الله عبدالله....... (Re: munswor almophtah)

    لسان حال الحركة الثقافيه المعاصره يلهج وهجاَ بلسان يراع أحد صناعها
    الذين يدركون سعة كيدها فكاد بقدره أو أكبر ليقولها كما هى!!


    منصور
                  

11-18-2014, 03:03 PM

munswor almophtah
<amunswor almophtah
تاريخ التسجيل: 12-02-2004
مجموع المشاركات: 19368

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: عادل القصاص الحصه قصه//محمد خلف الله عبدالله....... (Re: munswor almophtah)

    مراحل تطور الرواية أو القصه تشكلا من البذرة إلى نبتة
    فشجرة مورقة ثم شجرة مثمرة يتلذذ القاطف طعمها ونكهتها!!



    منصور
                  

11-18-2014, 10:39 PM

عادل القصاص
<aعادل القصاص
تاريخ التسجيل: 11-27-2004
مجموع المشاركات: 43

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: عادل القصاص الحصه قصه//محمد خلف الله عبدالله....... (Re: munswor almophtah)

    الصديقة العزيزة إحسان عبد العزيز،

    أعتذر عن العودة المتأخرة، إليك وإلى بقية الأصدقاء المعلقين هنا. منيت نفسي بالعودة برواقة، ولكني أعيش في واقع ما أن يعييني على تجاوز عقبة حتى يبعث إليّ بأخرى أو أخريات.

    المهم لك، ولصديقي أحمد محي الدين، وبقية أعضاء أسرتك الصغيرة - وكما أشتاق لجلسة شاي أو غداء في بيتكم الأسمراوي الكريم ذاك - التحايا والمودة.

    أحمد محي الدين من الأصدقاء الأصيلين، هو شخص ذو كفاءة انسانية ، وطنية ومهنية عالية . لقد قلت مرة للصديق حمدان جمعة إن مثله، ومثل حمدان نفسه وكثيرون آخرين وكثيرات أخريات، قمين بأن توظف طاقاتهم الوجدانية السخية وومهاراتهم العلمية والمهنية الرفيعة في الإدراة - العملية - لشؤون واقعنا بكل ما يعني هذا من مسؤوليات ومناصب سياسية ذات علاقة عضوية بخطط فعلية للتنمية المركبة، المستدامة نظريا ، أي فكريا، وعمليا. ولكن العائق أمام مثل هذا التوظيف - أو التكليف بالأحرى - إنما يكمن، ليس في ارادة السلطة السياسية الحكومية فقط، وانما في مزاج سلطة المعارضة التي تحركها - في الغالب - نزوات أفراد - بالذات هؤلاء يبيعون شعارات "الجدة" - أكثر من أي حافز موضوعي.

    أشكرك على مرورك الكريم هنا. وعناق أناس مثلك لما نكنب إنما هو القلادة الحقيقية.

    وسنتواصل.

    (عدل بواسطة عادل القصاص on 11-19-2014, 02:15 AM)

                  

11-19-2014, 02:05 AM

ibrahim kojan
<aibrahim kojan
تاريخ التسجيل: 03-29-2007
مجموع المشاركات: 1457

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: عادل القصاص الحصه قصه//محمد خلف الله عبدالله....... (Re: عادل القصاص)

    من الاشخاص القلائل الذين (مشوا السوسيقا) في دمي .. محمد خلف ... منذ أن إلتقيته في إحد] نهارات أكتوبر الباردة ذات الغيم الكثيف، كحاجبي عازف متجول في شوارع لندن ... أكتوبر الكثيف بضابيته الملعونة وأهوائه القسر) ... كان حديثه هادئاً جميلاً وتقطيببته الجادة كشروق الموت الذي لا مفر منه...... إستمتعت بحديثه و(أورديسي) وسيد أحمد بلال... وأظن أنه كان في معيتنا فضيلي جماع...................................

    لن أضف سطرااَخراً فقط................

    أهداني التشكيلي إبراهيم محمد أحمد... مجموعة عادل القصاص وأنا في طريقي لبلدٍ يصبح فيها اليوم في شهر يونيو بعمر خريف كردفاني كامل


    كمم أحببت القصاص هذا!

    منذ أن رأيت هذا البوست ...... بحثت عن الباص ورد لأدخل .... وربما سأعود! لك التحية......

    (عدل بواسطة ibrahim kojan on 11-19-2014, 02:09 AM)

                  

11-19-2014, 06:24 AM

عادل القصاص
<aعادل القصاص
تاريخ التسجيل: 11-27-2004
مجموع المشاركات: 43

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: عادل القصاص الحصه قصه//محمد خلف الله عبدالله....... (Re: ibrahim kojan)

    العزيز محمد عبد الجليل،

    عذرا على مجيئي المتأخر اليك. غير أنني لم أنس العودة، وانما كنت أنشد المهلة، التي باتت عصية.

    البركة في قارئ حصيف مثلك، يتشرف المرء بمعانقة فؤاده وذهنة لما نكتب.

    لك مودتي وسنتواصل.
                  

11-19-2014, 07:56 AM

عادل البراري
<aعادل البراري
تاريخ التسجيل: 01-07-2013
مجموع المشاركات: 4051

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: عادل القصاص الحصه قصه//محمد خلف الله عبدالله....... (Re: عادل القصاص)

    على عجالة لا تريد التوقف ...
    تحياتي منصور .. عادل القصاص .. محمد خلف
    هذا البوست يأتي باشواق عنيفة
    هل سيحتملها الواقع ...؟
    نعم مازالت تكنولوجيا هذا العقل
    غير معطوبة تثير تصورات مازالت محفورة
    تتنفس وتنمو بشغف ...
                  

11-19-2014, 07:39 PM

munswor almophtah
<amunswor almophtah
تاريخ التسجيل: 12-02-2004
مجموع المشاركات: 19368

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: عادل القصاص الحصه قصه//محمد خلف الله عبدالله....... (Re: عادل البراري)

    الدكتور جراح القلوب إبراهيم كوجان، الفنان شواف الساكن الخافت فى
    الطبيعة والمجسدات المبثوثه حولها، لتزيدها بداعة بعين حصيفة ناقلة
    لها، بحرفية الفنان القدير الماهر، وتلك الخواص لا تتوفر إلا للخواص،
    فتطريز القلوب بعد شقها من أشقّ وأعسر أنواع الجراحه، ولكنك تتقنها
    يا كوجان!!
    لم تقل غير الحقيقة فى خلف، فهو كذلك الذى ذكرت وهو أكثر من ذلك
    ألف سلام وتحايا لك وألف أمانٍ وشكر.

    منصور
                  

11-20-2014, 06:35 AM

عادل القصاص
<aعادل القصاص
تاريخ التسجيل: 11-27-2004
مجموع المشاركات: 43

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: عادل القصاص الحصه قصه//محمد خلف الله عبدالله....... (Re: munswor almophtah)

    ياااااه! يا عبد الله عبد الوهاب!

    كارلوس، أين أنت يا صاحب الأزمنة الخصيبة والوسيمة؟

    تعال ياخي، تعال أكثر.
                  

11-20-2014, 10:42 PM

munswor almophtah
<amunswor almophtah
تاريخ التسجيل: 12-02-2004
مجموع المشاركات: 19368

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: عادل القصاص الحصه قصه//محمد خلف الله عبدالله....... (Re: عادل القصاص)

    العزيز عادل البرارى سلام من الله عليك، ولك جد شاكر على
    إنفعالك بتلك العلائق المتداخله المتشابكة المتينه، وشكرى لك
    على رؤية يقظة العقل المنفعل، بقضايا المعرفه المطلقه، وأنسجامها
    فى حيزى الزمان والمكان، إنسجاماً ها هو جرسه يرن ويرن
    كطبل المجذوب فى المولد، وها هى حِلَق أهل جذبته يرجحن
    دراويشها فى الأرجاء، على ذلك الرنين الذى أطلقه خلف بمهارة
    ومكرٍ شديد - سلامى يا عادل البرارى وألف شكرى لك
    والتقدير.


    منصور
                  

11-21-2014, 02:53 AM

abdalla elshaikh
<aabdalla elshaikh
تاريخ التسجيل: 03-29-2006
مجموع المشاركات: 4001

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: عادل القصاص الحصه قصه//محمد خلف الله عبدالله....... (Re: عادل القصاص)

    يا سلام ياقصاص!!
    لا أدري من أين أبدأ?? من رصانة خلف وهو يحفر عميقا في حقل المعرفة ولا من وين وكيف لـمتين
    يا حزن يا مرتاح
    بين الرموش والعين
    تعبت معاك الروح
    والليل حشد سهرو
    شباك حلم مفتوح
    للفاتوا ما رجعوا
    قصيدة للصديق يحي فضل الله كان يقرؤها لنا والصحاب ينسربون خلسة عبر مطار الخرطوم لفضاءات ليست لهم سامي سالم, خلف, مكرم, منعم رحمه, عادل قصاص, عادل عبدالرحمن, و القائمة تطول و يطول معها جدل الزمان و المكان وأذكر إنني طرحت سؤال الزمان والمكان علي الشاعر الإنسان عمر الطيب حين عاد من غربته فأجابني بسخريته العذبة تلك قائلا: هو اللي قال ليك منو أنا طلعت من السودان
    يا خي إبراهيم جعفر خليفه دا هو الوحيد اللي يمكن يترجم نصوصك القصصيه لأنو واحد من نقاد الحساسية الجديدة في الحكي السوداني و فوق ذلك فهو زول مجنون يخاصم تماما كل ما هو مألوف!! تساكنا سويا بمنزل في حي الزهور في الثمانينات وأذكر إنه دعا أهله من كوستي لزوم يعقدوا ليهو بالخرطوم فقاموا جوا بعربيتهم و هيلمانتهم فإستقبلناهم في البيت فصلوا العصر ثم المغرب فالعشاء و لم يظهر إبراهيم جعفر و عندما جاءت الساعة العاشرة ركبوا عربيتهم عائدين لكوستي فظهر إبراهيم جعفر فقمنا فيه موبخين ولكنه رد علينا كأن لم يحدث شيئ قائلا أنا ضد المألوف
    مكرم زول زي إبراهيم جعفر!! وبينما أنا مغادر القاهرة لأمريكا لم يقل لي حظك ماشي محل الدولارات وإنما قال حظك ستمشي تقرأ الكتب في مظانها!! وكم تواقا لأن أرجع الخرطوم لأحكي له عن حركة الهامش الثقافي الأمريكي وعن صديقي دفيد كاتب القصه وعن الموسيقار جوجو وصديقته المسرحية و عن جماعة الفيلم السينمائي والتي تحاول جاهدة صناعة فيلم خارج هوليود منذ العام 1975 ولم يحققوا هذا الحلم إلا بعد ظهور الكاميرا الرقمية!! وكنت سأقول له عندما أذهب معهم إلي جخانينهم يذكروني بأصدقائي قاسم ابو زيد و يحي فضل الله و قدال و منعم رحمه و خلف وسامي سالم.. وكنت أقول له إنهم لايصوتون في الإنتخابات و لا يدفعون الضرائب حتي لا يساهموا في حروب أمريكا
                  

11-22-2014, 00:03 AM

munswor almophtah
<amunswor almophtah
تاريخ التسجيل: 12-02-2004
مجموع المشاركات: 19368

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: عادل القصاص الحصه قصه//محمد خلف الله عبدالله....... (Re: abdalla elshaikh)

    شكرا القصاص وشكرا كارلوس
                  

11-22-2014, 03:04 AM

عادل القصاص
<aعادل القصاص
تاريخ التسجيل: 11-27-2004
مجموع المشاركات: 43

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: عادل القصاص الحصه قصه//محمد خلف الله عبدالله....... (Re: munswor almophtah)

    العزيز ابراهيم كوجان

    لست أحسدك، ولكني "بغران"، من توصيفك، الجامع والمانع، لتسريان خلف فيك، فينا، ب"مشي الموسيقا في الدم".

    أنت صاحبي يافردة، رغم أننا لم نلتق وجها لوجه، ولكننا نلتقي وجدانا لوجدان، و"صاحب صاحبك صاحبك"، بالمعنى غير "العشائري" كما تعلم.

    لن يزداد هذا البوست اخضرارا الا بعودتك.

    بالأحضان يا صديقي

    (عدل بواسطة عادل القصاص on 11-22-2014, 03:48 AM)

                  

11-22-2014, 04:26 AM

عادل القصاص
<aعادل القصاص
تاريخ التسجيل: 11-27-2004
مجموع المشاركات: 43

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: عادل القصاص الحصه قصه//محمد خلف الله عبدالله....... (Re: عادل البراري)

    يا عادل يا ود البراري

    لك، ولتلك الجهات من القلب، الأشواق التي قدرت كثافتها.

    وهل تستقيم حضرة البراري، امتداد ناصر، المنشية، الجريف والطائف، دونك، عبد اللطيف على الفكي، مريم محمد الطيب، عصام (علي) السمين، محمد مصطفى الأمين، هالة الأحمدي، حاتم يوسف، عثمان حامد وياسر عبيدي، وهذه أسماء للتمثيل والتعيين!

    "مرحبا ياشوق".

    (عدل بواسطة عادل القصاص on 11-22-2014, 04:27 AM)

                  

11-22-2014, 04:35 AM

عادل القصاص
<aعادل القصاص
تاريخ التسجيل: 11-27-2004
مجموع المشاركات: 43

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: عادل القصاص الحصه قصه//محمد خلف الله عبدالله....... (Re: عادل القصاص)

    ..."وهو القال لينا منو نحنا طلعنا من السودان" يا كارلوس!

    تفرحني طلتك، رغم أن في القلب غصة كثيفة بسبب الغياب الجسدي، القسري، لعمر الدوش، لبشار الكتبي، لعبد الله محمد ابراهيم، لعبد الوهاب حسن الخليفة، ولأحمد عبد المكرم.

    لي عودة مفصلة دون ريب، حتى لو تأخرت.
                  

11-22-2014, 05:19 AM

عبد الحميد البرنس
<aعبد الحميد البرنس
تاريخ التسجيل: 02-14-2005
مجموع المشاركات: 7114

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: عادل القصاص الحصه قصه//محمد خلف الله عبدالله....... (Re: عادل القصاص)

    تحية للجميل عادل القصاص في فرادته وعلو شأنه وشاعرية براعته أو براعة شاعريته لست أدري لكن لمثله ترفع القبعات حقا لأهلها وشكرا أستاذ منصور المفتاح.
                  

11-22-2014, 09:23 PM

munswor almophtah
<amunswor almophtah
تاريخ التسجيل: 12-02-2004
مجموع المشاركات: 19368

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: عادل القصاص الحصه قصه//محمد خلف الله عبدالله....... (Re: عبد الحميد البرنس)

    عبدالحميد البرنس، الكاتب والناقد، هذا كتاب إبن خلف الله بين يديك، أخبرنا عن ما ترى فيه، وما يسير، بعين أزرق اليمامة النقدى، فيا رجل
    أخذتك عنا بلاد الكانقرو حيث الجو المعتدل، ألف سلام وتحايا لك والأسره، فها قد أتحفنا خلف وأخرجنا من الثبات والركود، بهذه الورقة الحاوية
    الحافله بالكثير الأثير المثير الخطر،أشواقنا لكم والتحايا.

    منصور
                  

11-23-2014, 02:46 AM

عادل القصاص
<aعادل القصاص
تاريخ التسجيل: 11-27-2004
مجموع المشاركات: 43

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: عادل القصاص الحصه قصه//محمد خلف الله عبدالله....... (Re: عبد الحميد البرنس)

    يالغبطتي، المضاعفة، باطلالتك يا عبد الحميد!

    الوجه الأول لهذه الغبطة يكمن في الفرح المبدأي لزيارة اسمك لهذا البوست.
    أما الوجه الثاني لها فيتمثّل في تفتّق رسمك، الذي يجاور اسمك هنا، أي "تداعيات في بلاد بعيدة".

    فقلت أكافئني - قبل الكتابة اليك هنا - بالحديث المباشر معك عبر الهاتف. غير أن الرقم الذي بحوزتي، والذي يبدأ ب 47، قادني الى شخص لا أعرفه.
    فهلا بعثت اليّ، برقم هاتفك الراهن.

    أيضا بين ظهراني سيدني هذه الأيام صديقنا عبد الله محمد عبد الله (فلوت)، وهو يبحث عن رقم هاتف لك.

    أتطلع الى توصيل باقة وردي اليك عبر صوتي.
                  

11-23-2014, 08:43 PM

munswor almophtah
<amunswor almophtah
تاريخ التسجيل: 12-02-2004
مجموع المشاركات: 19368

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: عادل القصاص الحصه قصه//محمد خلف الله عبدالله....... (Re: عادل القصاص)

    لمزيدٍ من القراءة نجعله بين يديك ورهن الإشاره!!


    منصور
                  

11-24-2014, 11:27 PM

munswor almophtah
<amunswor almophtah
تاريخ التسجيل: 12-02-2004
مجموع المشاركات: 19368

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: عادل القصاص الحصه قصه//محمد خلف الله عبدالله....... (Re: munswor almophtah)

    النفس والعقل كما العاديات، يحتاجان لِسيّسٍ ضالعٍ بأسرار التمرد فيهما،
    وكتابة خلف تلك، فيها ألف سيّسٍ وسيّس، وفيها ألف رسنِ ولجام،
    لكل جَموحٍ وجَنوح!!



    منصور

    (عدل بواسطة munswor almophtah on 11-25-2014, 01:45 AM)
    (عدل بواسطة munswor almophtah on 11-25-2014, 11:47 AM)

                  

11-26-2014, 02:22 AM

munswor almophtah
<amunswor almophtah
تاريخ التسجيل: 12-02-2004
مجموع المشاركات: 19368

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: عادل القصاص الحصه قصه//محمد خلف الله عبدالله....... (Re: munswor almophtah)

    ليس هنالك متعة أكثر من متعة التنقل فى عوالم الكتابه وأنت حابس الأنفاس
    مشدود ومنتبه وكأنك فى خشوع صلاة غرض، ألّح عليك، هنا توجد تلك
    المتعه، ويوجد ذلك الإحساس، ويتحقق لك الغرض!!


    منصوؤ
                  

11-27-2014, 00:56 AM

munswor almophtah
<amunswor almophtah
تاريخ التسجيل: 12-02-2004
مجموع المشاركات: 19368

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: عادل القصاص الحصه قصه//محمد خلف الله عبدالله....... (Re: munswor almophtah)

    أخيرا وبإستخدام التومه هبه منصور إستطعنا أن ننجز نقل الصوره المعدله عن أصلها لمكان عرضها
    بسلام ولكن ستظل بعض الهنات التى ربما يدركها القارئ المتمعن بدقة فائقه والشكر الجزيل على الصبر الجميل
    الذى تمناه الخضر من موسى وألف سلام وود لكما والأسره.

    منصور
                  

11-27-2014, 02:06 AM

abdalla elshaikh
<aabdalla elshaikh
تاريخ التسجيل: 03-29-2006
مجموع المشاركات: 4001

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: عادل القصاص الحصه قصه//محمد خلف الله عبدالله....... (Re: munswor almophtah)

    سلام يا منصور

    يا خي خلف دا شقق دماغي بتشقق الحقيقه وتشظيها و التي هي حتما ليست حقا وأعادني إلي يقينية خاله أيام حرب الخليج ألأولي إذ كان خلف يخشي أن يصطدم خاله بحقيقة أن صواريخ توما هوك ستهزم حقيقة صدام حسين و ذلك لأن صدام حسين يسير في ركاب الجيلاني و أولياء الله الصالحين فجزم الخال في أنه وفي حالة هزيمة صدام حسين فأنه لن يدق النوبة وسوف لن يدخل ضريحا!! صديقي ديفيد كاتب القصة قال لي لقد تركته حبيبته المراهقة والتي كان يشبهها بالقمر وذلك عندما تحدث أحد رواد أبولو والذين نزلوا القمر لأول مرة قائلا:-- إنه حجر!!! فتشظت حقيقة القمر الرومانسية التي طرزها خيال الشعر وجماليات السرد و دفئ الأسطورة إلي حقيقة ملموسة عن كونه حجر
                  

11-27-2014, 11:10 AM

munswor almophtah
<amunswor almophtah
تاريخ التسجيل: 12-02-2004
مجموع المشاركات: 19368

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: عادل القصاص الحصه قصه//محمد خلف الله عبدالله....... (Re: abdalla elshaikh)

    قَالُوا ادْعُ لَنَا رَبَّكَ يُبَيِّن لَّنَا مَا هِيَ إِنَّ الْبَقَرَ تَشَابَهَ عَلَيْنَا وَإِنَّا إِن شَاءَ اللَّهُ لَمُهْتَدُونَ (70) قَالَ إِنَّهُ يَقُولُ إِنَّهَا بَقَرَةٌ لَّا ذَلُولٌ تُثِيرُ الْأَرْضَ وَلَا تَسْقِي الْحَرْثَ مُسَلَّمَةٌ لَّا شِيَةَ فِيهَا ۚ قَالُوا الْآنَ
    جِئْتَ بِالْحَقِّ ۚ فَذَبَحُوهَا وَمَا كَادُوا يَفْعَلُونَ (71) وَإِذْ قَتَلْتُمْ نَفْسًا فَادَّارَأْتُمْ فِيهَا ۖ وَاللَّهُ مُخْرِجٌ مَّا كُنتُمْ تَكْتُمُونَ (72) فَقُلْنَا اضْرِبُوهُ بِبَعْضِهَا ۚ كَذَٰلِكَ يُحْيِي اللَّهُ الْمَوْتَىٰ وَيُرِيكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ
    (73) ثُمَّ قَسَتْ قُلُوبُكُم مِّن بَعْدِ ذَٰلِكَ فَهِيَ كَالْحِجَارَةِ أَوْ أَشَدُّ قَسْوَةً ۚ وَإِنَّ مِنَ الْحِجَارَةِ لَمَا يَتَفَجَّرُ مِنْهُ الْأَنْهَارُ ۚ وَإِنَّ مِنْهَا لَمَا يَشَّقَّقُ فَيَخْرُجُ مِنْهُ الْمَاءُ ۚ وَإِنَّ مِنْهَا لَمَا يَهْبِطُ مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ ۗ وَمَا اللَّهُ
    بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ (74) ۞ أَفَتَطْمَعُونَ أَن يُؤْمِنُوا لَكُمْ وَقَدْ كَانَ فَرِيقٌ مِّنْهُمْ يَسْمَعُونَ كَلَامَ اللَّهِ ثُمَّ يُحَرِّفُونَهُ مِن بَعْدِ مَا عَقَلُوهُ وَهُمْ يَعْلَمُونَ (75) وَإِذَا لَقُوا الَّذِينَ آمَنُوا قَالُوا آمَنَّا وَإِذَا خَلَا
    بَعْضُهُمْ إِلَىٰ بَعْضٍ قَالُوا أَتُحَدِّثُونَهُم بِمَا فَتَحَ اللَّهُ عَلَيْكُمْ لِيُحَاجُّوكُم بِهِ عِندَ رَبِّكُمْ ۚ أَفَلَا تَعْقِلُونَ (76)

    وهنالك الحجاره الكريمه التى تتحور لها أعناق الناس إلى أعناق نوق وزراف ويزرفون من أجلها الدمع السخين لنيلها أوعدمه أنظر لخصائص الأحجار فى الآيه من تشقق وإخراج
    ماء ومن ثم هبوط خشيةَ ورهبة من الله وبعض قلوب الناس لا تفعل ذلك ولا تقدر عليه لصراع النجدين فيها
    وتعذر إقتحام العقبة لها فتتعطل وتتحلل وتتلاشى لعدم قدرتها على التدرج فى سلالم اليقين وعين اليقين لحق اليقين - أما الجيلانى لا أدرى إن كان
    وربه راضيان عن صدام أم لا ولكنى أرى أن الله أبتلى صدام حتى ظن أن القوة فيه فنزعها الله عنه ليطهره ويستشهد على الأشهاد ببسالته التى خذلت قاتليه وجذبت
    أفئدةً من الناس تدعو له بالفردوس الأعلى.
    الشكر لك يا عبدالله ونحمد الله أن تقاطعت خيولنا فى ديربى عقبة
    الإمتحان العسير الذى وضعنا تحت طائلته خلف بسماحة ولطف.


    منصور
                  

11-28-2014, 10:27 AM

عبد الحميد البرنس
<aعبد الحميد البرنس
تاريخ التسجيل: 02-14-2005
مجموع المشاركات: 7114

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: عادل القصاص الحصه قصه//محمد خلف الله عبدالله....... (Re: munswor almophtah)

    العزيز منصور المفتاح:

    شكرا لك ولمحمد خلف الله لكل هذا الاحتفاء بكاتب مهم مثل عادل القصاص. وكنت أطالع أجندة قديمة (1999)، فإذا بي أجدني أكتب مخططا لقصة عادل القصاص (صباح مشوش بنزعة الظهر)، لا أدري الآن ما الذي حال بيني وبين المضي قدما في دراسة ذلك النصّ، ويبدو أنني كتبت ذلك المخطط في شكل ملاحظات غامضة ومبتسرة، كما لو أنني كنت أخشى من سرقة الفكرة، أو لربما كنت أعتمد على ذاكرة قريبة لملء الفجوات، ومن ذلك: هيمنة الوصف/ الوظيفة (وصف الأشياء/ الزجاجات + العلامات التجارية والأسماء / رمز لسيطرة الخارج- هيمنتها على الإنسان). الفعل المضارع (أفعال سلبية) / الفعل الماضي (هيمنة الذاكرة وايجابياتها ). رمز الأب (ألن روب جيريه /ملمح من أسلوبه/). ميزة الأدب الجديد الاهتمام بالتفاصيل واليومي دون الأيديولوجيا؟. مشكلة النص في إنتاج الدلالة / الإسراف في المبنى على حساب المعنى. اكتمال الخيوط/ ثنائيات متضافرة/ النهاية المفتوحة/ الطفولة/ الأب والأم/ بيع الزجاجة الفارغة/ اللحمة الأساسية/ انتفاء الموضوع/ بيان غربة الإنسان/ الحوار مساق بعربية فصحى لكنه لم ينس الفروقات القائمة بين الخطابات الثقافية والاجتماعية داخل النص.

    وهكذا.

    يا للحنين ينبع حين مطالعة الأشياء الموغلة في البعد والقدم.
                  

11-29-2014, 05:58 AM

عادل القصاص
<aعادل القصاص
تاريخ التسجيل: 11-27-2004
مجموع المشاركات: 43

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: عادل القصاص الحصه قصه//محمد خلف الله عبدالله....... (Re: abdalla elshaikh)

    أنت سارد أو قصّاص أو روائي بارع وناقد ذكي يا عبد الحميد.

    تلكُ لعمري مفاصلُ مُقَاربةٍ من أو لناقد إمتلك العناصر أو الأبعاد الأكثر مفصلية في أو لتلك القصة.

    فرجاءً، ثم رجاءً، لا تبخل علينا بالتنفيذ.

    حقاً انَّ النظر من بعد طول مدة الى بعض ملامحنا - والكتابة هي الملمح الرئيس لأناس مثلنا - أحياناً يُطَرِّجُنَا، وأحياناً يُضَمِّخُنَا، بمشاعر ضاربةٍ في الأصالة.

    بيد أنَّ النظر، بعد مثل طول غيابك هذا، الى فكرة مثل تلك-هذه، سيجلب اليها - دون ريب - عناصر نوعية غنية أخرى ما كان من الممكن أن تتوفَّر في ذلك الوقت، أي تلك العناصر المكتسبة من الاطلاعات، المعارف، بل وحتى المكابدات الوجودية ، اللاحقة.

    نحن بانتظارك.

    (عدل بواسطة عادل القصاص on 11-29-2014, 11:12 PM)

                  

11-29-2014, 12:37 PM

Mohamed Abdelgaleel
<aMohamed Abdelgaleel
تاريخ التسجيل: 07-05-2005
مجموع المشاركات: 10415

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: عادل القصاص الحصه قصه//محمد خلف الله عبدالله....... (Re: عادل القصاص)

    المنصور/محمد خلف/القصاص/البرنس .. الضاربين أقلامهم عند الكتابة الـ (تفتح شبابيك اليقين) وهيهات
    سنقرأ حتى يأذن الله في الأمر .. فأكتبوا .. نصح.
                  

11-29-2014, 10:45 PM

munswor almophtah
<amunswor almophtah
تاريخ التسجيل: 12-02-2004
مجموع المشاركات: 19368

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: عادل القصاص الحصه قصه//محمد خلف الله عبدالله....... (Re: Mohamed Abdelgaleel)

    عزيزنا عبدالحميد البرنس السلام ورحمة الله عليك والأبناء

    ومصر تلك التى جمعت معاويه نور بالعقاد والطيب صالح بمحفوظ وعبدالله الطيب بطه حسين وجمعت سيد خليفه بعبد الوهاب
    والعباسى بجيله وإبنه الطيب العباسى بجيله وأخذت عنا السر قدور والريفى وجذبتك وحيدر إبراهيم وعبدالمكرم وصلاح الزين
    وعباس عمر وعبداللطيف على وعمر دفع الله وحبيب نوره وكان لكم فيها السلام من جاء منكم من البدو كأهل يوسف ومن جاء من
    الحضر كأهل موسى ولكنها جاءت إلينا نحن وتتلمذنا على فطاحلتها تالدا عن تلد ورضعنا من ثدى معرفتها اللباء عند البدايات واللبن
    الحليب عندما قوى العود فأخذنا بركة عاطف العراقى ومصطفى النشار ويوسف كرم وأميره حلمى مطر وعبدالقادر محمود
    عنهم وعن تلامذتهم محمد محمد مدين وغيره وزكريا بيومى وعبدالغفار وزيد وغيرى من أبو البلبعية بلبع ومن طلبه عويضه ومن
    أبو الإجتماع صمويل باسليوس ففتحوا لنا أبوابا ساقتنا إلى أبواب أخر وما زلنا فى سباق للحاق بالأبواب وموسيقى صريرها تطربنا
    وتشجينا ولكنكم كافحتم أهلها وناكفتم بعضهم وغازلتم بديعهم وحاورتم أهل فكرهم وجالستم أهل الأدب فيا عبدالحميد أصنع لنا من
    التجريد ذلك فى قص القصاص حقيقة حتى نتعرف أكثر على القصاص التحايا الصادقات لك وله والسلام
    والمحبه ولخلف الذى كان سبباً لذاك.


    منصور
                  

12-01-2014, 00:42 AM

munswor almophtah
<amunswor almophtah
تاريخ التسجيل: 12-02-2004
مجموع المشاركات: 19368

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: عادل القصاص الحصه قصه//محمد خلف الله عبدالله....... (Re: munswor almophtah)

    الأخ محمد عبدالجليل السلام ورحمة الله عليك وبعد
    وفى كتابة خلف تتلمس الأحوال ونفس المقام كما فى كتابة محمد نايل
    الإبداعية تلك كتابة خارجة عن ذات نقيه مجرده من كل هوس ولا لوث
    لذا تصيبك سهامها فى غشاء الروح الشفاف كلسع النحل تحدث فيك
    خدرا فاترا كذلك الذى يتملكك عندما تستغرق فى
    (جرى ما جرى طمعى فى حب ليلة ما جرى-وليلى إذ توارت عنى فى الورى) إنها الكتابه التى
    تمتلك خاصية الأسودين وعليها يمكن أن تعيش وأنت راضٍ.


    ألف سلام يا محمد


    منصور
                  

12-01-2014, 11:09 AM

عادل القصاص
<aعادل القصاص
تاريخ التسجيل: 11-27-2004
مجموع المشاركات: 43

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: عادل القصاص الحصه قصه//محمد خلف الله عبدالله....... (Re: munswor almophtah)

    مرحى، مرحى، يا محمد عبد الجليل!

    يقول أهلنا: "الخير على قدوم الواردين".

    وأنت واردٌ كفؤٌ وساقٍ سخيٌّ.
                  

12-01-2014, 09:41 PM

munswor almophtah
<amunswor almophtah
تاريخ التسجيل: 12-02-2004
مجموع المشاركات: 19368

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: عادل القصاص الحصه قصه//محمد خلف الله عبدالله....... (Re: عادل القصاص)


    قصاص أجنحة القص بالمقص السحرى عزيزنا عادل القصاص
    متعك الله بوافر الصحة والعافيه وفتح علينا وعليك فتح العارفين
    بالله لنغرف من علمه حتى ما تمتلئ مواعيننا الضيقة المحدوده
    لنتلمس الطرق الوعرة الشاقه فى مناكب هذا الكوكب السيار القدار
    بهدىً وحرص نبيل.

    لك التحيات الطيبات


    منصو
                  

12-02-2014, 02:10 AM

عادل القصاص
<aعادل القصاص
تاريخ التسجيل: 11-27-2004
مجموع المشاركات: 43

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: عادل القصاص الحصه قصه//محمد خلف الله عبدالله....... (Re: munswor almophtah)

    لك مني ، أخي منصور، الشكر الجزيل وبالغ الامتنان.
                  

12-02-2014, 02:14 AM

عادل القصاص
<aعادل القصاص
تاريخ التسجيل: 11-27-2004
مجموع المشاركات: 43

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: عادل القصاص الحصه قصه//محمد خلف الله عبدالله....... (Re: عادل القصاص)

    صديقي خلف،
    رُبَّمَا في الفترة التي كنتَ أنت تبدع خلالها نَصَّكَ السردي الأول، "تحليق انسيابي فوق حرم الجامعة"، باللغة الإنقليزية، أو رُبَّمَا – وهذا هو الأرجح – في الوقت الذي نُشِرَ فيه هذا النص في مجلة سوداناو، في نوفمبر من عام 1980، كان ضجري وضيقي، من جُلِّ المواد التي كان يفرضها علينا منهج تدريس مواد الزراعة، خلال السنة الأولى واليتيمة التي درستها في مدرسة أُم ضَوَّاً بان الزراعية، قد بَلغَا أوجهما.
    كان السبب الرئيس الذي دفعني إلى اختيار دراسة الزراعة هو أنني أردتُ أنْ أنخرط في دراسة ثانوية عُليا (ثانوية لاحقاً)، لا تحتوي – في ذلك الوقت – على مواد الرياضيات، الفيزياء والكيمياء! فعندما كنتُ أنتظر دوري لمقابلة مُمَثِّل وزارة التربية والتعليم، الذي كانت مهمته مراجعة استمارات الالتحاق بالمرحلة الثانوية العُليا، قُبَيْل الجلوس لامتحانات نيل شهادتها، بما في ذاك التأكد من صِحَّة البيانات الشخصية للطُّلَّاب المُمْتَحَنِين ومنح الفرصة لمن يرغب في تغيير – أو بالأحرى – إعادة ترتيب تطلُّعاته أو خياراته الدراسية للمرحلة الثانوية العُليا، إذا بأحد زملائي الطلبة المُمْتَحَنِين يسألنني عمَّا إذا كنت سأجري تعديلاً في ترتيب تطلُّعاتي أو خياراتي، التي كانت: (1) أكاديمي، (2) زراعي، (3) تجاري (أو، رُبَّمَا، صناعي - طبعاً لو كان متاحاً لي خيار عدم كتابة "تجاري" أو "صناعي"، لفعلت!) فأجبته بأنْ لا. فقال لي بأنه قَرَّر وضع خيار التعليم الزراعي في صدر تطلُّعاته أو خيارته. وعندما سألته لماذا يريد أن يقدم على خطوة كهذه، أجابني بأنه يُقَالُ إنَّ مواد التعليم الزراعي قليلة وسهلة. فسألته هل تعني سهولتها هذه خُلُّوُها من الرياضيات، الفيزياء والكيمياء. فرَدَّ عليَّ بأَّنَّ هذا بالضبط ما حَبَّبَ إليه هذا الخيار! فما كان مني إلَّا أنْ حذوتُ حذوه، ليس دون تَأمُّلٍ فحسب، وإنَّمَا بلَهْوَجَةٍ ودغدغةِ أُمْنِيَةٍ مُكَابِرَةٍ أيضاً، فيما كانت مُخَيِّلَتِي تتَذَوًّقُ النُعُومَةَ والفُغُوْمَ اللذين توحي بهما كلمة "زراعة"؛ فطلبتُ من ممثل الوزارة أنْ يجعل تطلُّعاتي أو خيارتي مرتبة على هذا النحو: (1) زراعي، (2) أكاديمي ، (3) تجاري (أو صناعي).
    ثم لم ألبث أنْ نجحتُ في امتحان الدخول للمرحلة الثانوية العُليا بنسبة غير ممتازة ولكنها جيدة، إذْ أحرزتُ تقديرات عالية في مواد كالتاريخ، الجغرافيا، اللغة الإنقليزية، اللغة العربية، والتربية الإسلامية، بينما أذكر أنَّ تقديري في الرياضيات كان 3 من 100 (وفي أغلب الظن أنَّ ذلك التقدير العددي، الفقير جداً جداً، لم يُمْنَح لي مقابلَ حَلِّيَّ لمسألةٍ من مسائل الامتحان، وإنَّمَا لقاءَ كتابة اسمي ورقم جلوسي على صدر ورقة الإجابات!). فكانت مدرسة أُم ضَوَّاً بان الزراعية من نصيبي، حيث عانيتُ، في اليوم الأول من وصولي إليها، من ثلاث صدمات:
    الصدمةُ الأولى تتمثَّلُ في أنني وجدتُ مباني مدرسةٍ تُنَاقِضُ الصورة التي أنشأها في مُخَيِّلَتي قِسْمٌ مُؤثِّرٌ من قراءاتي السردية والشعرية، حتى ذلك الوقت، إلى جانب الدلالات الناعِمَة والفاغِمَة التي أحالتني إليها كلمة "زراعة"؛ ذلك أنني فُوجِئْتُ بمباني مدرسةٍ لا تتوسَّطُ مَرْجَاً أخضرَ مُطَرَّزَاً بأشجارٍ متنوعةٍ وورودٍ وزهورٍ مُتَعَدِّدَة، وإنَّما صُفِعَتْ عينايَ بهيئةٍ هزيلةٍ وكئيبةٍ لمبانٍ مُقَامةٍ على أرضٍ شاسعةٍ، آيلةٍ لصحراء، ينبتُ منها الغبار والعُبُوس.
    الصدمةُ الثانيةُ تتلخَّصُ في أنَّ غُرَف الداخليات كان عبارة عن غُرَفٍ مُلَفَّقَةٍ، أُنْشِئَتْ لأجلنا – مؤقتاً، فيما قيل لنا – داخل بَرَنْدَةٍ طويلة ذات سقفٍ زِنْكِيٍّ؛ أي أنَّ ذلك الإِنشاء تَمَّ بتقسيم تلك البَرَنْدَةٍ إلى حُجَيْرَاتٍ ضيِّقة، تشبه الزنازين، بواسطة ألواحٍ من خشب البُوسَنَايْت أو الأَبْلَكَاش؛ وكان الفصل شتاءً، حيث الريح لا تُحَاوِرُ الخاطر، وإِنَّمَا تَلْطُمه.
    أما الصدمةُ الثالثةُ – الأشَدُّ قُوَّةً وقسوةً من الصدمة الأولى والثانية معاً – فقد كان مصدرها ليس تَبَيُّنِي خرافة خُلُّو مواد التدريس هناك، التي كان ينحدر معظمها من منهج تدريسٍ مصريٍّ، من الرياضيات، الفيزياء والكيمياء فقط، وإِنَّمَا – أيضاً – اكتشافي أنه لم تكن ثَمَّة مادة من المواد التي كنا نُدَرَّسُهَا خلال تلك السنة عارية – بدرجات مختلفة – من عناصر تلك المواد الثلاث. فكانت النتيجة أنني لم أجد أيَّمَا متعة – لذلك السبب ولغياب السرد – في أية مادة من مواد تلك السنة الدراسية، الأولى والأخيرة. الإِثارةُ الهَشَّةُ، الوحيدة والمؤقتة، التي كنت أشعر بها خلال الأسابيع القليلة الأولى هناك، كانت تتمَثَّلُ في المعانقة الطازجة لأُذنيَّ للهجة المصرية الصادرة عن عدد قليل من مدرسينا المصريين.
    كان ذلك مأزقٌ دِرَاسيٌّ لم – وفي الغالب لن – أواجه مثيلاً له طوال حياتي الدراسية المُنتَظِمَة. وكان ما ضاعف من غيظي أنَّ ذلك الزميل الطالب، الذي تَسبَّبَ لي في ذلك المأزق، لم يكن من بين الطلبة الذين تَمَّ إلحاقهم بمدرسة أُم ضَوَّاً بان الزراعية؛ فلو كان معنا هناك لكنت فَشَّيْتُ غبينتي فيه بطريقةٍ تلائم عمرنا في ذلك الحين. فقلت في نفسي رُبَّمَا كان من اللذين أُحِيلُوا إِلى مدرسة زراعية أخرى مثل طلحة أو أبو نعامة؛ أو – ورجَّح حُنْقِي، أو رغبتي في الانتقام، هذا الاحتمال – رُبَّمَا لم ينجح في امتحان الشهادة الثانوية العليا؛ إذْ إنَّ شخصاً بمثل هذا الغباء – واستثنيت نفسي، طبعاً، باعتباري ضحيةً – لا يمكن أنْ يكون النجاح حليفه!
    أما أملي في الخلاص من ذلك المأزق، فلم يكن سوى أنْ أتطلَّعَ، بفارق الصبر، إلى انتهاء العام الدراسي، كي أحزم روحي وأمتعتي وأعود إلى بيتنا الأُمدرماني، الكائن في الثورة الحارة السابعة، دون رجعة، مهما كانت النتائج.
    وما أنْ فعلتُ العودة، بنهاية ذلك العام الدراسي، حتى أبلغتُ ناس بيتنا بعدم رغبتي في العودة لمواصلة دراسة الزراعة، كما اقترحت عليهم أنْ يجدوا لي طريقة تنقلني إلى "مدرسة أكاديمية" في أمدرمان، إلى حيث لابد أن يكون للسرد نصيبٌ في بعض المواد.
    قابَلَ رَجُلَا بيتنا، أبي وأخي الأكبر، قراري ذاك بعاصفة من الغضب، الذي كانت عَاقِبَتهُ إعلان كليهما الامتناع (الرَخْوِ طبعاً) عن تقديم المساعدة لي، فيما احتضنته امرأة البيت، أمي وأمك، الحاجة صفيَّة، ليس بعاطفتها السخيَّة فَحَسْب، وإِنَّمَا بسعيها العملي كذلك – هي التي ليست بقارئة ولا كاتبة – لإيجاد مدرسة ثانوية ("أكاديمية") تستوعبني.
    فكان أنْ كُلِّلَتْ مساعيها بقبولي في المدرسة الأهلية الثانوية العليا بأمدرمان (حيث سبقتني أنت إلى الدراسة فيها) التي كان ناظرها، في تلك الفترة، يُدْعَى التِّلِب (نسيت اسمه الأول؛ ترى، هل تربط صديقنا مأمون التِّلِب أية قرابة به، غير قرابة أمدرمان، رُبَّمَا؟) غير أنَّ إدراة المدرسة رفضت قبولي في الصف الثاني بحجة أنني قرأت مواد مختلفة ("غير أكاديمية") في السنة الأولى؛ فرأتْ أنْ لابد من مروري بمواد الصف الأوَّل. ولم يكن ثَمَّة من بُدٍّ من الرضوخ؛ فانتظمت في "سنة أولى ثانوي عالي" مرة أخرى.
    لم يوَفِّر لي التحاقي بالمدرسة الأهلية الثانوية العليا الاستمتاع بمواد ذات وشائج متباينة الكثافة بالسرد (مثل اللغة العربية، اللغة الإنقليزية، التربية الإسلامية والتاريخ) فقط، وإنَّما كافأت روحي الظمأى للسرد، للشعر، ولأنواع أخرى من "القراءات أُمْ غِيْرْ دَقْ"، بالمكتبة المدرسية.
    كانت المكتبة المدرسية هناك ذات فوائد نوعية مُرَكَّبَة. فهي رفدتني بثروة سردية وشعرية ضخمة، علاوة على آفاق تأملية ونقدية مختلفة، في مدة وجيزة، مما كان سيستغرق منِّي سنوات من "المُعَافَرَة المُستَقِلَّة"؛ كمَا أهدتني فكرة عملية ثانية للتَهَرُّبِ من حِصَصِ الرياضيات، الفيزياء والكيمياء، وذلك بأنْ غدوت أتجَنَّب – في كثير من الأحيان – حضور تلك الحِصَص بالذهاب إلى المكتبة.
    أمَّا الفكرة العملية الأولى، فقد كانت تتمثَّل في أنني كثيراً ما كنت أحوِّل الوقت المُمِلَّ، الذي كنت أقضيه في هذه الحِصَص، إلى وقتٍ مُمْتِعٍ؛ وذلك إمَّا بالقراءة، شبه السِرِّيَّة، لجزءٍ أو نَصٍّ – إبداعي على الأرحج – من كتابٍ، مجلةٍ أو صحيفةٍ؛ أو بالانهماك، شبه السِرِّيِّ، في كتابةٍ ما، غالباً ما يكون لها نزوعٌ إبداعيٌّ؛ أو بمحاولاتٍ، شبه سِرِّيَّةٍ، في الرسم؛ (وقد كان من فوائد انتقالي إلى المدرسة الأهلية أنَّه كان لدينا أستاذٌ مُتَخَصِّصٌ في الرسم، رغم عدم اكتراث معظم التلاميذ بحضور حِصَّتِهِ – بل أحياناً كنت أنا التلميذ الوحيد الذي يحرص على حضورها؛ غير أنني لست أستَحْضِر، على وجه التحديد، فيما إذا كنتُ قد تَمَرَّدتُ على تلك الحِصَّة كذلك، لصالح القراءة، أم أنها أُلْغِيَت بالأساس. على أنني أتذَكَّر أنني لم أنخرط سوى في حِصَصٍ قليلة منها، وهي التي كان محكوماً عليها – أصلاً – بحضور بالغ الضمور في الجدول الأسبوعي للحِصَص المُقرَّرَة علينا. كما أستَدْعِي أنَّ أستاذ مادة الرسم ذاك كان هو أيضاً أحد المرتادين القلائل لتلك المكتبة المدرسية. كذلك كان من أبرز الفوائد التي منحني لها ذلك الأستاذ أنْ علَّمني كيفية تقسيم سطح الورقة – ذهنياً أو تَصَوُّرِيَّاً على الأقل – قبل البدء في رسم منظر طبيعي؛ كما كان قد اقترح عليَّ قراءة كتاب إِيْرْنِسْتْ فِشَرْ "ضرورة الفن"، الذي كان حاضراً في المكتبة أيضاً – وقد فعلت ذلك بمتعةٍ وفخر. ومن المؤسف أنني لا أستَحْضِرُ اسم ذلك الأستاذ. بيد أنني أتذَكَّر حين تعرَّفْتُ لأوَّل مرة، في منزل بَشَّار الكُتُبي، إلى الفنان التشكيلي عبد المنعم الرَّيَّح – بعد ذلك ببضعِ سنواتٍ – ظننتُ – لمدة غير قصيرة – أنه ذلك الأستاذ من فرط أوجه الشبه بينهما: نفس طول القامة، عين لون البشرة، نفس الوجه المستطيل العامر بلحيةٍ موصولةٍ بالفودين وبالشارب. وعندما سألتُ وَدَّ الرَّيَّح فيما إذا كان هو ذلك الأستاذ، لم ينفِ ولم يُؤَكِّد. بيد أنَّ افتقار وَدَّ الرَّيَّح – في ذلك الوقت على الأقل – إلى مَلْمَحٍ رَئيسٍ من ملامح ذاك الأستاذ – المُتَمَثِّل في هدوءٍ راسخٍ – كان هو الذي حسم لي أمر اختلاف الشخْصِيَّتَين).


    (يتبع)

    (عدل بواسطة عادل القصاص on 12-02-2014, 04:57 AM)
    (عدل بواسطة عادل القصاص on 12-02-2014, 06:53 AM)
    (عدل بواسطة عادل القصاص on 12-02-2014, 09:28 PM)
    (عدل بواسطة عادل القصاص on 12-03-2014, 10:58 PM)
    (عدل بواسطة عادل القصاص on 12-08-2014, 08:37 AM)

                  

12-02-2014, 07:03 PM

munswor almophtah
<amunswor almophtah
تاريخ التسجيل: 12-02-2004
مجموع المشاركات: 19368

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: عادل القصاص الحصه قصه//محمد خلف الله عبدالله....... (Re: عادل القصاص)

    واصل يا عادل
                  

12-03-2014, 09:31 AM

عبد الحميد البرنس
<aعبد الحميد البرنس
تاريخ التسجيل: 02-14-2005
مجموع المشاركات: 7114

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: عادل القصاص الحصه قصه//محمد خلف الله عبدالله....... (Re: munswor almophtah)

    إلى حين عودة:
                  

12-03-2014, 01:40 PM

عبد الحميد البرنس
<aعبد الحميد البرنس
تاريخ التسجيل: 02-14-2005
مجموع المشاركات: 7114

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: عادل القصاص الحصه قصه//محمد خلف الله عبدالله....... (Re: عبد الحميد البرنس)

    العزيز منصور المفتاح:

    أردت من العودة مجددا مجرد القول بعد مداخلة القصاص الأخيرة في علاقة ما كتب محمد خلف الله عند مفتتح البوست إنني أشعر كما لو أنني أقع في منتصف المسافة ما بين قطبي الفيض. مستمتع تماما بالقراءة والمتابعة. ولو أن الجرأة طاوعتني لكان ما سأكتبه مجرد ثرثرة. أتمنى أن يمر بشرى الفاضل من هنا.
                  

12-05-2014, 01:45 AM

munswor almophtah
<amunswor almophtah
تاريخ التسجيل: 12-02-2004
مجموع المشاركات: 19368

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: عادل القصاص الحصه قصه//محمد خلف الله عبدالله....... (Re: عبد الحميد البرنس)

    العزيز عبد الحميد البرنس لك سلام غير منقطع وسلام يتحور إلى طوق ينجيك من شرور الحياة وحرورها وبعد.
    إن الوقوف فى ظل قطبٍ واحد يأتى بالفتوحات والفيوض وما بالك إن وقفت يبن قطبين!! إن بعض الثرثرة سارٌ ودرارٌ
    لمتعة الروح بما لا يضاهى ولا يقاس وحتما كانت ستكون ثرثرتك، فقد طالعت خلف أول مره عندما بعث إلى فى
    منتصف التسعين من القرن الماضى بعددين من مجلةٍ كان من دعامات إخراجها فأدركت أنه يمتلك جوامع الكلم ومكلمٍ
    فصيحٍ عارفٍ ومتمكن ومن ثم جاء سفره هذا وقطع الشك باليقين الذى لا شك بعده إلا شك العارف بالله الذى فوق اليقين
    فأيقنا بعبقرية محمد عبقرية مستمدة بمحبة محمد سيد الخلق فكيف لمن حب محمد أن لا ينال فتحاً وفيضاً وكشفاً وإلهاماً
    كالذى تنزل على خلف فيا عزيزنا البرنس عندما يكون الكدح شاقاً يكون اللقاء كفاحاَ ويكون الغرف
    الكبير فى الإناء الواسع فتح علينا الله أبواب المعارف كلها وجلى قلوبنا وكشف لها الحجب لتمشى فأبو محجوب خبابٌ
    عباب - والشكر لك والسلام.


    منصور

    (عدل بواسطة munswor almophtah on 12-05-2014, 01:48 AM)

                  

12-05-2014, 02:33 AM

عادل القصاص
<aعادل القصاص
تاريخ التسجيل: 11-27-2004
مجموع المشاركات: 43

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: عادل القصاص الحصه قصه//محمد خلف الله عبدالله....... (Re: عبد الحميد البرنس)

    كتبتُ، على مدار بضع حِصَصٍ من حِصَصِ الرياضيات، الفيزياء والكيمياء رسالةً طويلة، ذات ثلاثة أجزاء تقريباً، موجَّهة إلى صديقي القديم، الحميم، الهميم، بكري حسين حسن عمران، الذي – ويا لحزني المقيم عليه – رحل عن دنيانا بعد كتابة تلك الرسالة بنحو ربع قرن، بسبب صعقة كهرباء خليجية.
    حين كتبتُ تلك الرسالة الطويلة إليه، كان بكري مُبْتَعَثَاً، من قِبَل عائلته التي كانت تجاور أسرتي في الحارة السابعة، ليتلَقَّى كورساً قصيراً في علوم الكمبيوتر في القاهرة. كان سرداً حارَّاً، أهيَفَاً ودفَّاقاً. كانت حساسيتي النقدية، الغريزية تقريباً في ذلك الأوان، قادرةً على أنْ تتعرَّف بسهولة على الهوية الإبداعية العامة لتلك الرسالة. فتماطلتُ في بعثها إليه بالاشتغال الدؤوب، المُمْتِع، عليها، إلى الدرجة التي كانت أحياناً تُنْسِيني أنَّ هذه رسالة كُتِبَتْ إلى صديقٍ صميمٍ وأنَّ من حقه، ليس أنْ يطَّلع عليها فحسبُ، وإنَّمَا أنْ يمتلكها في المقام الأوَّل والأخير. فظللتُ على ذلك النحو من التماطل و/أو العمل عليها، الذي تُوِّجَ بعَنْوَنَتِي لها بِ "حُمَّى الزمنِ الصِفْر"، إلى أنْ رجع بكري من القاهرة، فسلَّمته نسخة منها باليد! فقال لي، بسخريته الهادئة، الرشيقة والموحية، بأنه لن يكون بوسعه أنْ يتقَيَّد بنفس الخطوات والإطار الزمني للردِّ عليها!
    أمَّا النسخة التي بقيتْ بحوزتي، والتي كان كل يومٍ يمرُّ عليها يزيدني قناعة بأنها نص إبداعي، فقد أرسلتها إلى محمد نجيب محمد علي، الذي كان حينها يشرف على تحرير صفحتين أدبيتين أسبوعيتين من صفحات مجلة الإذاعة والتلفزيون والمسرح. بيد أنه لم يتمكن من نشرها – رغم إعجابه الجارف بها – كما أوضح لي ذلك حين التقيته بعد بضعة أسابيع من إرسالي إليه بها، وذلك بتحريض وتسهيل من خلف الله سعد، صاحب كُشْك الجرائد الشهير الواقع في سوق الحارة الرابعة. فكان السبب الذي منع محمد نجيب من نشرها يعود إلى إنهاء المجلة تعاقدها معه في الوقت الذي كان هو يعدُّ ذلك النص للنشر في العدد المقبل.
    كان للإعجاب الجارف لمحمد نجيب بتلك الكتابة، كما كان لحَمِيَّة خلف الله سعد نحوي، كشاب يافع ظل يراه يعِدُ بمستقبل إبداعي، دوراً حاسماً في أن أعرض على الأخير نصاً سردياً آخر، موسوماً بعنوان "عفواً، كنتُ أُمارِسُ فيكِ العِشقَ"، كنتُ قد فرغتُ حديثاً من كتابته، التي توزعتْ بين حِصَصِ الرياضيات، الفيزياء والكيمياء وبين "غرفة السابعة".
    يدين هذا النص، وقبله كاتبه، لخلف الله سعد بالكثير.
    تعود صلتي بخلف الله إلى "علاقتي التاريخية" بكُشْكه، الذي لم يكن شهيراً بسبب بيعه للجرائد، المجلات، الدوريات وطائفة من مطبوعات أخرى، محلية وغير محلية، فقط، إذْ كان يتمتع بزبائن كُثْرٍ بنتيجة موقعه في سوق كبير، ولا بعامل الانتشار الاجتماعي لخلف الله، فحسب، وإنَّمَا، أيضاً، لأنه كان يُمَثِّلُ مُلتَقًى عفوياً لعدد من ذوي الاهتمامات و/أو الممارسات التي تنتمي للحقل الثقافي، الإبداعي، الكتّابي والسياسي من قاطني الحارة الرابعة، وبعض الحارات المجاورة وشبه المجاورة، بل وحتي بعض الحارات القَصِيَّة إلى ذلك الزمن. فقد كان من أشهر مرتاديه – على سبيل التمثيل – بَشَّار الكُتُبِي، سامي سالم، عبد الوهاب حسن الخليفة، أحمد الطَيِّب عبد المُكَرَّم وأحمد المصطفى الحاج; ولم أكن أعرف من هذه القامات النقدية والأدبية أحداً عدا سامي سالم، الذي كانت تربطه صداقة بابن عمي الشاعر محمد الفاضل تمساح، مما نجم عنها صداقات له مع أقرباء آخرين لي؛ فيما كنتُ أنا – رُغْمَ صِغَر سِنِّي في ذلك الحين – أحد أبرز "الزبائن العريقين" للكُشْك؛ إذْ إنَّ علاقتي المتنامية به بدأت منذ أنْ كنت تلميذاً في مُستَهَلِّ المرحلة الثانوية العامة (المُتَوَسِّطَة لاحقاً)، ورُبَّمَا قبل ذلك بقليل، أي منذ ذيل المرحلة التي كنتُ فيها صديقاً لسلسلات الألغاز، أرسين لوبين، القديس والهارب، على سبيل المثال. فكان من نتيجة كثرة تَرَدُّدِي على الكُشْك أن غدوتُ صاحب حظوة وثقة لدى خلف الله إلى الدرجة التي صَيَّرَتهُ يطلب مني أحياناً الجلوس في الكُشْك لحراسته والإشراف على البيع، حينما يكون ذاهباً لقضاء غرضٍ ما، لمدة تطول أو تقصر، وكانت غالبا ما تطول؛ بالإضافة إلى أنه – وهو القارئ الذكي، المُتَابِعُ الاجتماعي النشط والسياسي اليساري العنيد، كان قادراً على الإلمام العام بمراحل نمو حساسيتي الثقافية، الإبداعية والسياسية العامة، غير السائدة فيمن هم في مثل عمري. وذلك ما جعله يأمل – كما أصدقاء ومعارف آخرين – في أن أصبح عضواً في الحزب الشيوعي السوداني، الذي كان هو عضواً فيه.
    وفي مرحلة ما من مراحل "صعودي المدرسي"، التي كان يوازيها نُمُوٌّ حَثيثٌ لحساسيتي الثقافية، الإبداعية، الاجتماعية والسياسية، المُكتَسَبَة من خارج المدرسة بشكلٍ رئيس، انتقل سَأَمِي من مواد الرياضيات، الفيزياء والكيمياء إلى بقية المواد الدراسية. فكان هذا حافزاً إضافياً لي للتَهَرُّبِ، ليس من حِصَصٍ بعينها فقط، وإنَّمَا من الذَهَابِ إلى المدرسة بَرُمَّتِها. فصار ذهابي إلى الكُشْك، سواء للونسة مع خلف الله أو لمساعدته بحراسة الكُشْك والإشراف على البيع في غيابه، بما يشمل طبعاً حافز "الاطِّلاع المجَّاني" على بعض المعروضات، من العادات المُحَبَّبَة لديَّ.
    لم يترَتَّب على قراءة خلف الله لنص "عفواً، كنتُ أُمارِسُ فيكِ العِشقَ" إعجاباً به فحسب، وإنَّمَا أيضاً حماساً لعرضه على مَنْ يرتاد الكُشْك من ذوي الاهتمامات والخبرات النقدية والأدبية. فكان بَشَّار الكُتُبِي أوَّل من قرأ هذا النص، بحضوري المُتوَتِّر. أثنى بَشَّار على النص مُعَلِّقاً بأنه يُمَثِّلُ كتابةً جميلة وجديدة؛ ثُمَّ اقترح على خلف الله عَرْضه على كُلٍّ من سامي سالم و أحمد الطَيِّب عبد المُكَرَّم للإفادة من رأيهما، كما من احتمال تَمكُّنِهمَا من المساعدة في نشره.
    وفي يومٍ تالٍ، أو رُبَّمَا في عصر نفس ذلك اليوم، طالع أحمد الطَيِّب النص، بحضوري المُتَطَلِّع بغير قليل من التَوتُّر. سيلعب التقييم النقدي لأحمد الطَيِّب الدور الحاسم، الأوَّل، في أن تغدو هويتي الأدبية: كاتِبَ قِصَّةٍ قصيرة؛ إذ كان رأيه أنَّ هذا النص يمكن إدراجه تحت تصنيف "الحساسية الجديدة في القِصَّة القصيرة" – وسيتفق معه لاحقاً كُلٍّ من عبد الوهاب حسن الخليفة، عبد الله محمد إبراهيم، سامي سالم وبَشَّار الكُتُبِي – وذلك لما يشتمل عليه – كما أوضح – من مفارقة للشكل والأسلوب التقليديين للقِصَّة القصيرة، حيث يتم تطبيق تقنيات مختلفة على الشكل وحيث الطاقة الشعريةً للُّغَة تتفَجَّرُ إلى مدىً بعيد.
    قَبْلَ أحمد الطَيِّب، ومَنْ أيَّدَه مِنْ تلك القامات الأدبية والنقدية، لم أكن أعلم أن ذلك النص يمكن أن يُصَنَّفَ كقِصَّة قصيرة، كما لم أسمع بتيار "الحساسية الجديدة في القِصَّة القصيرة". ومنذ ذلك الحين، أصبحت قراءة القصة القصيرة لديَّ تسير على قدم المساواة مع – إن لم تتَفوَّق أحياناً على – قرائتي للرواية والشعر؛ حيث سأفيد، فائدةً جَمَّة، من خبرات الاطِّلَاع، الكتابة والنقد، في هذا الحقل وفي غيره من حقولٍ، لتلك القامات الأدبية والنقدية، ولقاماتٍ أخرى تَشرَّفتُ بمعرفتها ومصادقتها، في نفس تلك الفترة تقريباً، وهذه تشمل محمد خلف الله سليمان، أحمد المصطفى شريف ومحمد عثمان عبد النبي، وقبلهم وأثناءهم، أحمد المصطفى الحاج، الذي لعب دوراً مماثلاً لخلف الله سعد في سريان اسمي والحديث عن تلك القصة إلى دائرة أوسع، لا تبدأ من محمد نجيب محمد علي ولا تنتهي عند سعد الدين إبراهيم، وذلك بحكم حركته اليومية الدائبة بين أكثر من حارةٍ، حَيٍّ ومَوقِع.

    (يتبع)

    (عدل بواسطة عادل القصاص on 12-05-2014, 07:46 AM)
    (عدل بواسطة عادل القصاص on 12-05-2014, 07:59 AM)
    (عدل بواسطة عادل القصاص on 12-05-2014, 08:01 AM)
    (عدل بواسطة عادل القصاص on 12-05-2014, 08:16 AM)
    (عدل بواسطة عادل القصاص on 12-05-2014, 08:34 AM)
    (عدل بواسطة عادل القصاص on 12-06-2014, 05:57 AM)
    (عدل بواسطة عادل القصاص on 12-07-2014, 03:12 AM)
    (عدل بواسطة عادل القصاص on 12-08-2014, 08:29 AM)

                  

12-06-2014, 05:09 AM

munswor almophtah
<amunswor almophtah
تاريخ التسجيل: 12-02-2004
مجموع المشاركات: 19368

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: عادل القصاص الحصه قصه//محمد خلف الله عبدالله....... (Re: عادل القصاص)

    إستطاع محمد خلف أن يخلف الكى للكتابه لتستوى
    على عرش عرضها للناس!!


    منصور
                  

12-06-2014, 09:31 AM

عبد الحميد البرنس
<aعبد الحميد البرنس
تاريخ التسجيل: 02-14-2005
مجموع المشاركات: 7114

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: عادل القصاص الحصه قصه//محمد خلف الله عبدالله....... (Re: munswor almophtah)

    Quote: (عدل بواسطة عادل القصاص on 05-12-2014, 06:46 AM)
    (عدل بواسطة عادل القصاص on 05-12-2014, 06:59 AM)
    (عدل بواسطة عادل القصاص on 05-12-2014, 07:01 AM)
    (عدل بواسطة عادل القصاص on 05-12-2014, 07:16 AM)
    (عدل بواسطة عادل القصاص on 05-12-2014, 07:34 AM)
    (عدل بواسطة عادل القصاص on 06-12-2014, 04:57 AM




    كذلك، تكون الكتابة شاقة، عند أي مستوى، وحقل مشيّ مفخخ بهواجس السعي نحو كمال مستحيل، لدى عادل القصاص.
                  

12-07-2014, 12:37 PM

munswor almophtah
<amunswor almophtah
تاريخ التسجيل: 12-02-2004
مجموع المشاركات: 19368

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: عادل القصاص الحصه قصه//محمد خلف الله عبدالله....... (Re: عبد الحميد البرنس)

    نعم إنها شاقه ولكنها شيقه!!


    منصور
                  

12-09-2014, 01:09 AM

munswor almophtah
<amunswor almophtah
تاريخ التسجيل: 12-02-2004
مجموع المشاركات: 19368

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: عادل القصاص الحصه قصه//محمد خلف الله عبدالله....... (Re: munswor almophtah)

    بقدر سعة الإبداع فى الكتابه تكون ضخامة المتعه فى قرآتها!!

    منصور
                  

12-12-2014, 01:46 AM

عادل القصاص
<aعادل القصاص
تاريخ التسجيل: 11-27-2004
مجموع المشاركات: 43

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: عادل القصاص الحصه قصه//محمد خلف الله عبدالله....... (Re: munswor almophtah)

    مَوْضَعَتْنِي بعضُ الصداقات التي تَسَبَّبَتْ فيها قِصَّة "عفواً، كنتُ أُمارِسُ فيكِ العِشقَ" – قبل أن يتحقَّقَ لها النشر بنحوٍ من عامين – في مرحلة جديدة من الأسئلة و/أو الاهتمامات ذات العلاقة العضوية بالهَوِيَّة الشخصية والمشتركة، بالممارسة الاجتماعية-الثقافية الشخصية وبالتغيير السياسي العام؛ وهي المرحلة التي شهدت تأثيراً متداخلاً ومتفاوتاً من كُلٍّ من بَشَّار الكُتُبِي، محمد سعيد بَازَرْعَة وأحمد الطَيِّب عبد المُكَرَّم. إنها المرحلة الراديكالية، إلى سأقطع فيها مع التعليم المدرسي المُنتَظِم، ومع الخريطة الاجتماعية الأبجدية.
    فإذا كنتُ في السابق أتَجنَّبُ أحياناً الذهاب إلى المدرسة كي أقضي وقتاً طويلاً في كُشْك خلف الله سعد، فقد صرتُ الآن أُكْثِرُ من تفادي المضي إليها من أجل قضاءِ زمنٍ أطول في صالون بَشَّار. فلو كان الجلوس لحِصَصِ الرياضيات، الفيزياء والكيمياء يجلب لي حموضة سابقاً، فقد بات حضوري لأيَّةِ حِصَّةٍ اليوم يَتسبَّبُ لي في حَرَقَان. أصبح شعوري بالغربة عن أيَّةِ مادَّةٍ، أيِّ مُدَرِّسٍ أيِّ تلميذٍ زميلٍ، يتعاظم يوماً بعد آخر. وشيئاً فشيئا غدوتُ أُحِسُّ بأن بعض الطلبة يتغامزون بشأني، إذ يلمسون انكماشي من التفاعل المؤسسي-الاجتماعي معهم، كأنَّمَا لسان غمزهم يقول: "مَنْ يظنُّ نفسه؟!" وليس ذلك بنتيجةِ تحاشيَّ الانغماس العام معهم في عوالم المرحلة فحسب، وإنَّما، أيضاً، لأنني درجتُ – عندما أجيئ إلى المدرسة – على جلب جريدة يومية، "الأيام" أو "الصحافة"، معي. فكنتُ، قبيل الدخول إلى مبنى المدرسة صباحاً، أقرأ الصفحة الأخيرة – تلك التي تضُمُّ الصفحة قبل الأخيرة كذلك، أي التي تحتوي عادةً على شؤون الرياضة، التي هجرتُ الاطِّلاع عليها مع تَوقُّفي عن ممارسة لعبة كرة القدم، رغم أنني كنت مُبَرِّزاً فيها، منذ بضعة أعوام. ولما كانت هذه الصفحة هي مثار الاهتمام الأبرز لأغلب بقية زملائي الطلبة، مما يحمل بعضهم على التَسابُق نحوي، وبالتالي انكبابهم وفرضهم عليَّ إفرادها بيننا من أجل القراءة المشتركة، كنت أقوم بفصلها عن بقية الجريدة، ومن ثَمَّ أمنحها لأوَّل زميل يَبلُغَني؛ ولم أكن أفعل ذلك دون ندمٍ وخجلٍ داخليين.
    ظللتُ على هذه الحال من الغربة عن المدرسة، من إهمال دروسها، ومن التَهرُّبِ المتزايد من الذهاب إليها، لصالح المضي إلى صالون بَشَّار، إلى أن جاءت المرحلة الحاسمة، مرحلة الجلوس لامتحانات الشهادة السودانية، التي لم أكن، بالطبع، مستعداً لها من جميع الجوانب. ولأنني لم أُرِدْ أن أُبَدِّد وقتي في عمل شيء أنا على يقين من أنْ لا طائلَ من ورائه، أي كتابة اسمي ورقم جلوسي وانتظار مرور نصف الزمن على كل امتحان لكي أُحَرِّر نفسي منه، لم أجلس لأيِّ امتحان.
    وازى ذلك "التَحوُّل الثقافي" تَغيُّرٌ تدريجيٌّ في خريطة ارتباطاتي الاجتماعية، التي كان يطغى عليها صداقاتي ومنادماتي مع الأقرباء والجيران. فصار صالون بَشَّار، بالنسبة لي، هو المدرسة والمَلْهَى: نقاشاتٌ ثريَّة تبدأ خلال النهار، أو منذ الصباح عندما يكون اليوم عطلة، وتستمر إلى المساء الذي يكافئها بالعَرَق، وغالباً بانضمام مناقشين أو ندماء جُدُد. كنتُ أنا الرائد الأصغر سِنَّاً، الأكثر صمتاً وإصغاء، بين رُوَّاد ذلك الصالون، الذي كان يقيم فيه محمد سعيد بَازَرْعَة لبضعة أشهرٍ لبضعة أشهرٍ كلما حضر إلى العاصمة من بورتسودان، والذي كان يرتاده، على نحوٍ شِبْهِ مُنتَظِمٍ، كُلٌّ من أحمد الطَيِّب عبد المُكَرَّم، عبد الوهاب حسن الخليفة، عبد الله محمد إبراهيم، معاوية معروف وشخصي. غير أن ذلك الصالون لم يكن يخلو، سواء خلال النهار أو المساء، من رُوَّاد غير مُنتَظِمين، من ذوي الاهتمامات الثقافية أو الإبداعية أو السياسية، أو حتى ناشدي "المنادمة الصرفة". فكنت تلتقي فيه أحياناً بسامي سالم، أحمد المصطفى الحاج، محمد مصطفى الأمين، التجاني سعيد، عمر الطَيِّب الدوش، ود أبُّو، الطاهر عبد الرحيم، خلف الله سعد، محمد عثمان عبد النبي، سيد أحمد بلال، خالد عبد الله حسن (نيجي)، عبد الله محمد الطَيِّب (أبْسَفَّة)، صلاح محمد إبراهيم، حاتم محمد صالح، يحيى فضل الله العوض، السر السيد، عثمان الحويج، هشام الشاذلي، حسان الشاذلي، عبد الحليم كابو، عبد المنعم الرَيَّح، محمد عبد الله (تَمَّنُّو)، كمال إبراهيم، محمد خلف الله سليمان، الفاضل كَبَّاشي، أبو الحسن بَلَّه، عبد المنعم الشيخ، جعفر نصر، محمد مدني، عادل عبد الرحمن، محمد أحمد عمر الحَبُّوب، إبراهيم سعيد، الطَيِّب إبراهيم العبَّادي؛ ولاحقاً، عبريَ على الأرجح، بكري حسين حسن عمران، محمد خلف الله عبد الله، إبراهيم جعفر، عثمان حامد، أحمد الأمين أحمد، محمد النعمان، درير محمد عبد الرحيم، عصام علي (السمين). إنَّمَا هذه أسماء للتمثيل فقط.
    كانت الكثير من الأفكار والحوارات التي تدور في ذلك الصالون تثير اهتماماً متنامياً عندي. لكن كانت قضيتا ما يُسمى بـِ "الأقليَّات العرقية" (وذلك-هذا مُصطَلَحٌ خبيثٌ، مُكَابِرٌ، مُتَعجْرِفٌ، مُضَلِّلٌ) و"التغيير السياسي الرَادِيكَالي"، عبر الكفاح المسلح، من أجل بناء مجتمع اشتراكي، على رأس القضايا التي تجد مني اهتماماً أكثر. كانت القضية الثانية تتَعزَّزُ باضطراد بتأثير من حواراتي الشخصية مع كل من بَشَّار الكُتُبِي ومحمد سعيد بَازَرْعَة وأسئلتي واستفسارتي لهما عن ملابسات تأسيس ومآلات منظمة "طلائع الكادحين الثوار"، التي أُشْتُهِرَت بنعت "الجيفاريين"، الذي يُقَالُ إنَّ مصدره هو تصنيفٌ نقديٌّ لعبد الخالق محجوب، والتي شاركا في تأسيسها في نهاية ستينيات القرن المنصرم إلى جانب كُلٍّ من عمر شين، فضل عبد الحميد، الطاهر عبد الرحيم، ولاحقاً محمد عثمان عبد النبي وفتح الرحمن بارْدُوس (وقيل سيد أحمد بلال كذلك). كما اضطلعا في ممارسة عملها العنيف المتناثر المحدود، الرمزي تقريباً، الأوَّل والأخير، الذي تفَجَّر في أعقاب انقلاب 25 مايو 1969 بفترةٍ وجيزة. ساهم في ذلك التعزيز أيضاً بعضُ قراءاتٍ ماركسية كلاسيكية وأخرى ماركسية جديدة و/أو نقدية للرؤى والتطبيقات الاشتراكية – تلك المستندة إلى تأويلاتٍ رائجة لأفكارٍ وشعاراتٍ ماركسية كلاسيكية – التي كانت سائدة في ذلك الحين. على أن ذلك التعزيز تُوِّجَ، وأُلهِمَ أكثر، ببزوغ الأفكار الآيديولوجية-السياسية والعمليات العسكرية للحركة الشعبية والجيش الشعبي لتحرير السودان، ومِن ثَمَّ اقترنتْ – بوضوح أكثر – بالقضية الأولى، هذه التي دَرَجَ الأدب السياسي، و"غير السياسي"، السائد لدينا، على وَسْمِها بمشكلة أو مسألة أو قضية "الأقليَّات العرقية" في السودان.
    لم يأتِ ترتيب "قضية الأقليَّات العرقية"، في هذا السياق، باعتبارها المسألة الأولى التي أثارت اهتماماً مركزياً متنامياً لديَّ، جُزَافاً. يعود الفضل، الأوَّل، في غَرْسِ هذه القضية في قلبي، قبل عقلي لحُسْنِ حظِّي، لأُمِّي، أي أُمِّنَا، الحاجة صفيَّة بنت محمود، الأنصارية. حدث ذلك عندما شاهدتها، وأنا بعد تلميذٌ في أُهْبَةِ المرحلة الثانوية العامة، تُوَجِّهُ أسئلةً مُدَجَّجَةً بالغضب، بالاحتجاج وبالإدانة، إلى قُوَّةٍ من الشرطة كانت تقوم باعتقال مريم، جارتنا، الحيطة بالحيطة، صانعة وبائعة العَرَقِ، أُمِّ عوضية، رمضان وسعيد وآخرين، التي كنتُ أنا – وما أزال – ابناً لها كذلك، والتي سنصير، نحن مقيمي "غرفة السابعة" وزُوَّارنا من الأصدقاء، رُوّاداً لبيتها وزبائن لمنتجها من العَرَقِ. رأيتُ مريم، ذلك اليوم، مُكَوَّمَةً في منتصف شاحنة الكُومَر. كانت، في تكَوُّمِها ذاك، مُحَاطَةً بعددٍ من أوانيها التي تستخدمها في صناعة العَرَقِ وفي بيعه، قِدُورٌ، حِلَلٌ وقنانٍ. ولم يكن بوسع أُمِّي، أي أُمِّنَا، الحاجة صفيَّة بنت محمود، الأنصارية، سوى أن تُشْهِرَ قلبها وعقلها، عبر لسانها، في تلك القُوَّةِ من الشرطة:
    "مالكُمْ قاطعين رزقها ومُجَوِّعين أولادها؟! إنتو جِبتوا ليها شُغُل تاني وهي أبَتو؟! حَسَّع بتستفيدو شنو من البتعملوا فيهو ده؟!"
    لم يأبه أيُّ فرد من أفراد تلك القُوَّةِ بهذه المرافعة؛ ثُمَّ مضت شاحنة الكُومَر وفي صندوقها الحديدي الخلفي تترجرج مريم وأوانيها، وقد خلَّفَ ذلك المشهد حزناً في بعض مَنْ كان يشاهد، لاسِيَّمَا فينا، نحن أطفالها، لا مبالاةً من بعض الجيران والمارَّة، شماتةً من بعضٍ آخر منهم، غضباً ولعناتٍ من الحاجة صفيَّة بنت محمود، الأنصارية:
    "الله لا بَارَكْ فِيكُمْ ولا كَسَّبْكُمْ! الله يَقطَعْ عِيْشْكُمْ زي ما قطعتوا عيشها! شَاحْدَةْ الله، صاحب القُدْرَةْ المَابَعَدَا قُدْرَةْ، يَوَرِّيني فِيكْ يوم ياالنميري!"
    كان ذلك المشهد يتَكرَّر بين فترة وأخرى. وكانت مرافعة الحاجة صفيَّة بنت محمود، الأنصارية، تتَكرَّر معه أو فيه، إنْ كانت حاضرةً، وهي التي لم تكن – وما تزال لا – تريدنا – نحن أولادها – أن نشرب الخمر لأنها تُضِرُّ بصَحَّتِنا، تُبَدِّدُ مالنا، ولأن الله يُحَرِّمها. أمَّا إنْ لم تكن حاضرةً، فإن عباراتها الغاضبة ولعناتها سرعان ما تبدأ بملاحقة آثار الشرطة، التي ترى أنها لم تعد تجد شغلاً لها سوى تصَيُّد الفقراء من أمثال مريم، لتُخْتَتم بالدعاء على الذي كان السبب، جعفر نميري، وبالشروع في خصم بعض أكل البيت، المحدود غالباً – إلى الدرجة التي يمكن أن تُسَوِّغَ تحريمه على الجيران أحياناً – لتناوله لعوضية، الابنة البكر لمريم، عبر الحيطة التي تفصل بين بيتينا. وحين يتم إطلاق سراح مريم، فإنها تناولها التهنئة أو الحَمْدَلَة بالسلامة، إلى جانب شيءٍ يُؤكَلُ أو يُحَلَّي به، عبر نفس الحيطة، التي كانت مريم تبادلها عبرها بعض أكل بيتها أو تَحْلِيَاتِه في أوقاتٍ أخرى، مُستَقِرَّة.
    بعد مرور أكثر من عشر سنواتٍ على واقعة اعتقال مريم تلك، سأقوم باستلهامها وحلم العدالة الاجتماعية، الذي يتوَسَّلُ الكِفاح المُسلَّح، في قصتي القصيرة، "نَشيدُ التَماسُكِ وزَهرَاءُ التي تعرفُ كيف تضحكُ ويتَرقرقُ صوتُها في فمكَ"، التي صَدَّرتُها بإهداءٍ إلى كُلٍ من بَشَّار الكُتُبِي، محمد سعيد بَازَرْعَة، عُشَاري أحمد محمود وعبد الله بولا. ولو مُنِحْتُ سانحة لأجري تعديلاً في، أو إضافة إلى، ذلك الإهداء، لوضعتُ أُمَّنَا، الحاجة صفيَّة بنت محمود، في المقدمة، ثُمَّ أضفت أحمد الطَيِّب عبد المُكَرَّم، حسن موسى وعبد الله على إبراهيم – الذي أعانتني أطروحته الرائدة والنافذة، "الماركسية وقضايا اللغة في السودان"، أيَّمَا اعانة، ولكن مواقفَ وممارساتٍ صحفية تالية له من خلال مقالاتٍ كان يُكَرِّسُها للمتابعة السياسية، عبر زاوية كان يكتبها لجريدة "الخرطوم" على أيام شِبْهِ ديموقراطيتنا الثالثة، وَلَّدَتْ غُصَّةً في قلبي. كان ذلك الإهداء – وما يزال – امتنانٌ وعرفانٌ لرموزٍ أضافت لي مواقفها وممارساتها الاجتماعية، السياسية، وأطروحاتها الثقافية-الفكرية الكثير، النوعي، الذي سيعينني لاحقاً على ارتياد آفاق ثقافية وسياسية أرحب، حيث سَيتَطوَّرُ سؤال "الأقليات العرقية" إلى اهتمام أشمل بـِ "مسألة الهَوِيَّة" لدينا على أكثر من مستوًى، بما يشمل العام والخاص، وعبر سياقات زمانية ومكانية مختلفة، بما في ذلك تجربة شتاتنا السوداني العريض الراهن.


    (يتبع)

    (عدل بواسطة عادل القصاص on 12-12-2014, 02:17 AM)
    (عدل بواسطة عادل القصاص on 12-12-2014, 06:30 AM)
    (عدل بواسطة عادل القصاص on 12-12-2014, 06:53 AM)
    (عدل بواسطة عادل القصاص on 12-12-2014, 11:25 PM)
    (عدل بواسطة عادل القصاص on 12-13-2014, 05:32 AM)
    (عدل بواسطة عادل القصاص on 12-13-2014, 06:02 AM)
    (عدل بواسطة عادل القصاص on 12-13-2014, 06:16 AM)
    (عدل بواسطة عادل القصاص on 12-16-2014, 09:11 PM)
    (عدل بواسطة عادل القصاص on 12-21-2014, 00:07 AM)
    (عدل بواسطة عادل القصاص on 01-04-2015, 09:15 AM)

                  

12-12-2014, 02:01 AM

abdalla elshaikh
<aabdalla elshaikh
تاريخ التسجيل: 03-29-2006
مجموع المشاركات: 4001

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: عادل القصاص الحصه قصه//محمد خلف الله عبدالله....... (Re: عادل القصاص)

    We are here
                  

12-12-2014, 02:31 AM

عادل القصاص
<aعادل القصاص
تاريخ التسجيل: 11-27-2004
مجموع المشاركات: 43

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: عادل القصاص الحصه قصه//محمد خلف الله عبدالله....... (Re: abdalla elshaikh)

    يا عبد الله عبد الوهاب، يا كارلوس، يا أيها الفردة.
                  

12-13-2014, 03:48 AM

munswor almophtah
<amunswor almophtah
تاريخ التسجيل: 12-02-2004
مجموع المشاركات: 19368

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: عادل القصاص الحصه قصه//محمد خلف الله عبدالله....... (Re: عادل القصاص)

    القصاص هل من مزيد!؟

    منصور

    (عدل بواسطة munswor almophtah on 12-13-2014, 03:49 AM)

                  

12-15-2014, 05:29 AM

munswor almophtah
<amunswor almophtah
تاريخ التسجيل: 12-02-2004
مجموع المشاركات: 19368

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: عادل القصاص الحصه قصه//محمد خلف الله عبدالله....... (Re: munswor almophtah)

    هنا محمد خلف الله عبدالله يتجلى ويرطن فأربطوا الكرابة لتصلوا المقام
    وتدركوا الرمز!!


    منصور
                  

12-16-2014, 06:52 AM

عادل القصاص
<aعادل القصاص
تاريخ التسجيل: 11-27-2004
مجموع المشاركات: 43

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: عادل القصاص الحصه قصه//محمد خلف الله عبدالله....... (Re: munswor almophtah)

    في تلك الفترة – وهي عينُ الفترة التي انهمكتُ فيها في صداقتك، عزيزي خلف، وصداقةِ عزيزنا عبد اللطيف علي الفكي – كان إعجابي بأطروحات عبد الله بولا وعشاري أحمد محمود قد بلغ ذروته. كما كانت رغبتي – المُفْعَمَة بعناقٍ غَضٍّ لمفهوم "المثقف العضوي" – في الانخراط في عملٍ سياسي قد وصلت أوجها. ففيما كان بولا يبدو لي المفكر التقدمي الأمثل، كان عشاري (الذي كنت أحسبه عضواً في الحركة الشعبية) يقف، بأطروحته الجديدة والسديدة عن "السياسة اللغوية في السودان"، في عيني نموذجاً لذلك المفهوم الغرامشيِّ، الذي برهن عليه – أكثر، في نظري، لاحقاً – "تقريرُ مذبحة الضعين" وتعرُّضُه للاعتقال المتكرِّر، في الوقت الذي كان فيه بَشَّار الكُتُبِي ومحمد سعيد بَازَرْعَة تجسيداً لروعة الفعل والشعر له. فكان أن اقترحتُ على بَازَرْعَة – الذي كان يضع اللمسات الأخيرة لمغادرة السودان والالتحاق بالحركة الشعبية والجيش الشعبي لتحرير السودان – أن يجعلني أصحبه. بيد أنه كان يرى أن الحركة الشعبية في أمَسِّ الحاجة إلى شماليين يعملون على الجباه السياسية، الثقافية، الإعلامية، النقابية والطلابية في الخرطوم، وأن بوسعي تقديم الكثير في هذا الصدد بمكوثي في العاصمة، على نحو ما يفعل عشاري، حسبما مَثَّلَ.
    غير أن العمل السياسي الجماعي المساند للحركة الشعبية من الشمال كان بالغ الضمور، البطء والبعثرة، تقوم به بؤرٌ جَدُّ قليلة ونحيلة، تفتقر إلى التنسيق فيما بينها، كما فيما بينها وبين الحركة الشعبية، التي كانت تُرَكِّزُ – بسببٍ من قصورٍ فكري، ثقافي وسياسي بنيوي داخلي وبتأثيرٍ من الحصار الحكومي المركزي – على العمل الاستخباري أكثر من الفعل السياسي اليومي. فأخذتُ أُحِسُّ بعطالةٍ سياسية فيما كان إشرئبابي لممارستها تنظيمياً يزداد احتقاناً. ورغم قناعتي بما ظللتُ أراه كجمودٍ فكريٍّ وضعفٍ سياسي للحزب الشيوعي السوداني، وغضبي من وموقفه العام، ليس غير المُتَحمِّسِ للنضال المسلح فحسب، بل الذي كان يسعى، في المقابل، للوقوف موقف اليمين من الحركة الشعبية والجيش الشعبي لتحرير السودان في ذلك الوقت من خريف شبه ديموقراطيتنا الثالثة، إلَّا أنني ما فتئتُ أُكِنُّ، أنا المُكْتَنِزُ بالأحلام المدنية الوسيمة، إعجاباً بـِ، وعرفاناً لـِ، تراثه المدني، السياسي والثقافي. فقلتُ أنضَمُّ إليه، إذ رُبَّمَا أساهم – إلى جانب آخرين من أعضائه وأخريات من عضواته مِمَّنْ يتوقون- يَتُقْنَ لتجديد إستراتيجيته الفكرية والسياسية – ولي فيهم-فيهنَّ أصدقاء صميمون وصديقاتٌ صميمات – أثق في سلامة الوجدان وفي خصوبة العطاء اللذين يَتمَتَّعون- يَتمَتَّعنَ بهما. وكنتُ أظنك – إلى قبل نحو عام من وقت انقلاب 30 يونيو – عضواً فيه (إلى أن أخبرتني أنت بالأسباب التي دعتك – من جانبك – للتَوَقُّفِ عن العمل السياسي المباشر منذ منتصف سبعينيات الألفية الدَّابِرَة)؛ كما كان تَسنُّمُكَ لرئاسة "نقابة إدراييِّ الخطوط الجوية السودانية" يسند اعتقادي ذاك. لذلك حاولتُ – أكثر من مرة – أن أستشيرك في مثل ذاك القرار إذ كنتُ أقول لك – لو تَتذكَّر – وكانت إقامتنا وقتها تَتوَزَّعُ بين منزلَيْ الحارة السابعة وأركويت – ما معناه "إنني أريد مناقشتك أو الاستئناس برأيك في أمر هام يخصني". وكنتُ أُحِسُّ بأنك كنتَ تُخَمِّنُ ما أريد استشارتك بشأنه، ومع ذلك فقد كنتُ أشعر بأنك – وأنت سَخِيُّ العاطفة، الفكر والفعل – لا ترغب في تَحمُّلِ مسؤولية الموافقة أو الاعتراض، في ذلك الحين على الأقل، و/أو، أنك كنتَ تريد لي مزيداً من "النضج الفكري والسياسي" بما يؤهلني لتَحمُّلِ تبعات مثل ذلك القرار الجليل. فلجأتُ إلى عبد الله بولا أطلب رأيه. فنصحني، بعاطفته الوريفة وأفكاره الظليلة، بالانتظار لمدة عامين. وقد فهمتُ من هذا أنه يشترك معك – رغم قناعتي بأنكما لم تتحدثا عن هذا الأمر – فيما حَدَّسْتُ أنه موقفك.
    ثم لم يلبث أن أجهز انقلاب 30 يونيو على ما تَبقَّي من الأمل في العمل السياسي العلني العام. فكان ذلك سبباً – آخر، بالنسبة إليَّ – أدَّى إلى مضاعفة جيشان وجداني برغبة الانخراط السياسي المؤسسي. فكتبتُ طلب انضمام إلى الحزب الشيوعي، بواسطة "مكتب الكُتَّاب والفَنَّانين"، عبر بشرى الفاضل، في مُسْتَهَلِّ الشهور الأولى للانقلاب. (تُرَى، هل يوحي اختيار مخاطبة أو توسيط "مكتب الكُتَّاب والفَنَّانين" بدرجةٍ ما من الحرص على هَوِيَّتي الثقافية-الابداعية؟) كان ذلك طلباً غير سائدٍ في أفكاره وفي أسلوبه، أتَذكَّرُ أنني صدَّرته بعبارتين: الأولى لكارل ماركس، "كُلُّ ما هو إنسانيٌّ ليس غريباً عني"، والثانية لمكسيم غوركي، "لن أكُفَّ عن أن أكون إنسانياً أبداً"؛ ثم بدأتُ بالتثمين العالي للدور التاريخي، الطليعي، الكبير، الذي اضطلعَ، وما يزال يضطلعُ، به الحزب في مسيرة الاستنارة، التَمَدُّن، التحديث والتقدم نحو مجتمع العدل والمساواة في السودان؛ ومن ثَمَّ أعربتُ عن قراري في أن أساهم في مسيرة التغيير التي يقودها. على أنني أبرزتُ وأكَّدتُ – في نفس السياق – اختلافي في بعض جوانب الإستراتيجية السياسية السائدة للحزب، ثُمَّ عَبَّرتُ عن رغبتي في مناقشة رؤيتي المختلفة عبر القنوات المتاحة داخله. بيد أنني سرعان ما ذهبتُ إلى أبعد من هذا، حين تَقَدَّمتُ برجاء ألَّا أُخْضَعَ لنمط التأهيل الماركسي المدرسي الشائع في الحزب (مدرسة الكادر) حيث بَرَّرتُ ذلك بأنني على درايةٍ بأُسُسِ الماركسية الكلاسيكية.
    طبعاً لم يكن "مكتب الكُتَّاب والفَنَّانين" ينتظر الاعتداد الأخير بالنَّفْس لكي يصدر قراراً سريعاً، غير مباشر، برفض ذلك الطلب، إذ طُلِبَ من بشرى الفاضل أن يبلغني بصعوبة عقد اجتماع للمكتب لاتخاذ قرار في هذا الوقت بالتحديد (الشهور الأولى للانقلاب) بشأن طلبي، ثُمَّ أوصاني – المكتب، عبر بشرى – "أن أعمل بالتوازي مع الخط العام للحزب إلى حين يَتِمُّ البَتُّ في الطلب". سيؤكد لي الخاتم عدلان، بعد عدة أعوام في أسمرا، ما كنتُ أُحَدِّسُه: رَفْضُ الحزب (بذريعة أنني سأجلب له مشاكل) منحي عضويته، ولكن الاستعاضة عن ذلك الرفض بالإرجاءِ الذي تتناسل منه إرجاءات. نفس القرار والتبرير سيؤكدهما لي أيضاً بشرى الفاضل في القاهرة في بداية هذه الألفية، أي عقب حديثي مع الخاتم بخمسة أو ستة أعوام. قلتُ لم يكن الحزب ينتظر ذاك الاعتداد لأنني كنتُ أتَمَيِّزُ – بحسب شائعةٍ في ذلك الحين – بسمعة مزعجة كـ: "مُخَرِّبٍ" (ناقد للخط السياسي السائد للحزب)، كـ: " عُضوٍ مُفْتَرَضٍ في تنظيم يساري مُوَازٍ أو مُنَافِسٍ للحزب" ("الجيفاريين" و/أو اتحاد القوى الوطنية: الخشية من الاختراق ونَهْشِ الحزب من الداخل) وكـ: "عائقٍ" (أمام تجنيد عدد من الطالبات الديموقراطيات والطلبة الديموقراطيين في جامعة الخرطوم في ذلك الوقت: هالة، ندى، أماني سين، أماني عين، انتصار، درير، أحمد، نعمان، الصادق – لاحظ أن نجلاء، التي كانت تربطني بها علاقة حب، كانت قد استقالت من الجبهة الديموقراطية، ثُمَّ تلاها عصام الذي كان لصيقاً بي).
    والآن، حين أعود بعيني الداخلية إلى الوراء، لاسِيَّمَا بعد تراكم معارف وخبرات سياسية، ثقافية، اجتماعية، وجودية، إبداعية ومهنية متعددة، باستطاعتي أن أستخلص تأثير قطبين على مسار حياتي الفكرية-الثقافية-السياسية: القُطْبُ الأوَّل يحتفي بالثقافي والإبداعي فيما يُفَضِّلُ الفعل السياسي-المؤسسي، وهذا يُمَثِّلُه بَشَّار الكُتُبِي ومحمد سعيد بَازَرْعَة (ويدعمه أحمد الطَيِّب عبد المُكَرَّم). أما القُطْبُ الثاني فيشترط التأسيس الفكري والثقافي، الذي هو تأسيسُ موقفٍ سياسي بالضرورة، بغض البصر عن الانخراط السياسي-المؤسسي أو عدمه، ويقف على رأس هذا عبد الله بولا، محمد خلف الله عبد الله وعبد اللطيف علي الفكي (ويدعمه أحمد الطَيِّب عبد المُكَرَّم. – ولا يعني هذا أن أحمد كان يقف على "الحياد". بل كان يرى جدوى ممارسة، تبادل وتداخل الحقلين، الثقافي والسياسي، في نفس الوقت). القُطْبُ الأول يصبو إلى الممارسة اليومية والنتيجة الإيجابية، بينما القُطْبُ الثاني يتبصَّر في العملية المُستَمِرَّة أو الحِرَاك (أو البُرُسِّسْ) للتطوُّر الفكري-الثقافي الذاتي والاحتمالات.
    ورغم أن عدم تَرَيُّثي دفعني، عقب اقتناعي بالعائد السلبي لطلب التحاقي بالحزب الشيوعي – بالذات بعد إطلاق سراحي وخروجي من السودان – إلى الانخراط السياسي السريع مع "القيادة الشرعية للقوات السودانية المسلحة" (بواسطة بَشَّار الكُتُبِي وعادل عبد الرحمن، وتشجيعٍ – وتنبيهٍ لمزالق ذلك الانخراط – من أسامة عبد الرحمن النور)، ثُمَّ الانتظام مع الحركة الشعبية لتحرير السودان، في إرتريا، مما يمكن أن يعطي انطباعاً بـِ، أو رُبَّمَا يؤكد على، ميلي لمُقْتَرَحِ القُطْب الأوَّل. بيد أن تلك التجربة السياسية، أثبتت، في تقديري، أن هَوِيَّتي الثقافية-الإبداعية هي الأرسخ في وجداني أوَّلاً في عقلي ثانياً (أرجو ألَّا يوحي هذا الترتيب بتفريقٍ ميكانيكي). فهذه الهَوِيَّة أظهرتْ أن الذي ظَلَّ يقود بصيرتي السياسية ويحرس ممارستها إنَّمَا يكمن في حساسيتي الثقافية والإبداعية، الغريزية في المقام الأوَّل، ثُمَّ في معرفتي المحدودة، المُكْتَسَبَة من قراءاتٍ وخبراتٍ متواضعة، ومن أشواقٍ سامقة، ولكن المُسْتَلْهِمَة لمفاهيم يعود قسمٌ مَرْمُوقٌ منها – على سبيل النَمْذَجَة – إلى قراءات، إصغاءات لـِ، وحواراتٍ مع، عبد الله بولا، محمد خلف الله عبد الله وعبد اللطيف علي الفكي، في المقام الثاني (أرجو، مرَّةً أخرى، ألَّا يوحي هذا الترتيب بتفريقٍ ميكانيكي). فثلاثتكم يشترك في هَمِّ اكتسابِ – قبل توفير – المعرفة؛ منهجيةِ السَّبْر العميق؛ تَبَنِّي التَعدُّد، الشَّكِّ والاحتمال؛ خَصيصَةِ التَأنِّي، وسِمَةِ الانتباه لفراغات العادة واليقين. فَحَمَلَ وجداني وذهني، إلى منفاي الخارجي، تحذيرات عبد الله بولا من خطورةِ الخِفَّةِ الثقافية؛ تنبيهات محمد خلف الله للعوائق المفهومية لبُنْيَةِ العقل المَخْتُون؛ ودفاعات عبد اللطيف علي الفكي عن أولوية التنظير والكتابة، كأفعالٍ موازيةٍ. أعانني كُلُّ ذلك، وسواه حتماً، على ألَّا أُقَدِّمَ أيَّ تَنَازُلٍ – رغم الضغوط، الإغراءات والمكابدات – التي أنت على إلمام ببعض معالمها البارزة – لصالح السياسي النمطي السائد عندنا، يساراً كان موقعه أم يميناً. فلم أكن الأبْعَدُ عن وظيفة حرق البخور ومهنة التصفيق للقادة فحسب، وإنَّمَا كنتُ، أيضاً، المُبَادِرَ المُخْتَلِفَ، والمُمَارِسَ المُنَاهِضَ لـِ "تقليد التمرير أو التفويت"، (وهو التقليد الصادر عن بلادةٍ حيناً، عن خمولٍ حينا،ً عن مُدَاهَنةٍ حيناً، عن استسلامٍ حيناً، عن مراعاةٍ أو تَطُّلعٍ لمصالح شخصية حيناً، عن عدم تقدير للكوارث التي يمكن أن تَتَرتَّب على السكوت – كفعلٍ من أفعال التواطؤ – حيناً، ليظلَّ – ذلك-هذا التقليد – ماثلاً دائماً، مهيمناً، تحت لافتاتٍ وتبريراتٍ عِدَّة، على وجهٍ رئيسٍ، وفاعلٍ، من أوجه عملنا المؤسسي، السياسي و "الغير سياسي")؛ كما كنتُ الناقدَ، المَوْسُومَ بمواجهة الذات قبل مواجهة الرفيق، لقادةٍ ذوي وجوهٍ مَطْلِيَّةٍ بشعاراتٍ كالانفتاح الذهني والتقدمية، قَلَّ أن يجرؤ أحدٌ على توجيه نَقدٍ لهم، حيث كنتُ، وما أزال، أرى أن فداحة أثرهم على حاضر ومستقبل الحياة السياسية (وغير السياسية طبعاً) في السودان لا يقلُّ عن فداحة آثار قادة الأنظمة التي يسعون إلى تغييرها، أو، للدِقَّة، إلى الحلول محلها. وهذا بالضبط ما ضاعف – دون ندمٍ مني – من تَجَشُّمَاتي الوجدانية والمادية، أنا الذي عشتُ، في حقبة إرتريا سِيَّمَا، أفتقرُ إلى المصادر الثقافية والفكرية، وإلى حَدٍّ كبير، الإبداعية، المُوَاكِبَة، كما إلى الوَرَفَان والتَخَاصُب المُبَاشِرَين لبعضٍ مِنَّا لسنواتٍ طويلة، مما سَبَّبَ لي رضوضاً عميقة في الروح، ما تزال بعض آثارها ناتئة، إلى الدرجة التي جَعَلَتْها تَقْعِدُ بالكثير، النوعي، من طاقاتي، خلال مرحلة ما بعد إرتريا أيضاً، أي طوال مدة مكوثي الأخير في مصر، وطرفاً من فترة انتقالي إلى أستراليا.
    خلاصةُ القولِ، إنَّ تَشبُّثِي بهَويَّة المثقف، الكَاتِب، الفنَّان، حَصَّنَني من أدران السياسة اليومية، العارضة، مَيَّزَني بالعين الثالثة، لكنه – في نفس الوقت – جعلني – بالنتيجة – عُرْضَةً للانتهاش الخارجي والداخلي.
    ومرَّةً أخرى، لستُ نادماً – قَطُّ – على ذلك-هذا التَشبُّثِ.
    وكيف لي أن أعرِفَني دون ذلك-هذا التَشبُّثِ؟


    (يتبع)

    (عدل بواسطة عادل القصاص on 12-16-2014, 10:11 PM)
    (عدل بواسطة عادل القصاص on 12-17-2014, 05:20 AM)
    (عدل بواسطة عادل القصاص on 12-17-2014, 05:28 AM)
    (عدل بواسطة عادل القصاص on 12-17-2014, 06:30 AM)
    (عدل بواسطة عادل القصاص on 12-17-2014, 06:46 AM)
    (عدل بواسطة عادل القصاص on 12-17-2014, 07:48 AM)
    (عدل بواسطة عادل القصاص on 12-17-2014, 09:59 AM)
    (عدل بواسطة عادل القصاص on 12-18-2014, 08:45 AM)

                  

12-17-2014, 04:37 PM

munswor almophtah
<amunswor almophtah
تاريخ التسجيل: 12-02-2004
مجموع المشاركات: 19368

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: عادل القصاص الحصه قصه//محمد خلف الله عبدالله....... (Re: عادل القصاص)

    فى كل مرة أقرأ موسم الهجرة إلى الشمال أخرج عنها بإنطباع آخر
    الشئ الذى يؤكد المقوله الفلسفيه (إنك لا يمكن أن تدخل النهر مرتين)
    فكذا نهر كتابة خلف متجدد العذوبة والمنابع وشدة الإنسياب والسريان
    فيثرى فيك مفاهيما ويسرى بك إلى عوالم ٍ من فوقها عوالم ومن تحتها
    عوالم لا يدرك كنهها إلا الله.


    منصور
                  

12-20-2014, 07:47 PM

عبد الحميد البرنس
<aعبد الحميد البرنس
تاريخ التسجيل: 02-14-2005
مجموع المشاركات: 7114

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: عادل القصاص الحصه قصه//محمد خلف الله عبدالله....... (Re: munswor almophtah)

    العزيز منصور:

    هذا البوست, يزداد دسامة, كلما تقدم وتقدم القصاص القصاص في السرد, وأخشى ما أخشاه على معدة الكثيرين, وأنا نفسي لا أزال أقوم بتناول فتافيت منه, من وقت لآخر, حتى لا أموت من تخمة, أما ما يفيض به من حنين فمسألة لا تحتمل. أو حتى يكفي أن أطالع هنا أسماء مثل عبدالمكرم وبشار الكتبي لأدرك فداحة فقد ما كان ذات يوم في محيط المحادثة. شكرا.
                  

12-22-2014, 08:57 AM

عادل القصاص
<aعادل القصاص
تاريخ التسجيل: 11-27-2004
مجموع المشاركات: 43

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: عادل القصاص الحصه قصه//محمد خلف الله عبدالله....... (Re: عبد الحميد البرنس)

    آمل أن يكون ما تيقى من السرد عند حسن ظنك أيها العزيز عبد الحميد.
    لك الشكر، المودة والعرفان.
                  

12-25-2014, 04:35 AM

عادل القصاص
<aعادل القصاص
تاريخ التسجيل: 11-27-2004
مجموع المشاركات: 43

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: عادل القصاص الحصه قصه//محمد خلف الله عبدالله....... (Re: عادل القصاص)


    في وقتٍ ما من عودة عبد الله بولا، نجاة محمد علي وبناتهما إلى السودان خلال النصف الثاني من ثمانينيات القرن الماضي، وذلك بنيِّة الاستقرار النهائي في السودان، كانت نجاة قد وجدت عملاً كمدرسة لغة فرنسية في الوحدة العلمية الفرنسية (السُوْدُسْتْ) بكلية آداب جامعة الخرطوم – وكنتُ أحد تلاميذها كما أخالك تتذكَّر – بينما كان بولا ما يزال يبحث عن عمل. فاقترحتُ عليه أن يسعى للعمل أستاذاً (لعلم الجمال أو الفلسفة مثلاً) في معهد الموسيقى والمسرح أو أستاذاً في كلية الفنون الجميلة. فَرَدَّ بقوله: "هاتان المؤسستان – بوضعهما الراهن – لن تُعَلِّمَاني. أنا أبحث عن عمل في مؤسسة تُعَلِّمَني". وعقب فَصْلِكَ من عملك في الخطوط الجوية السودانية مباشرة – ضمن الموجة الهِسْتيريَّة، لكن الإستراتيجية، التي هدف بها النظام الانقلابي إلى تصفية الخدمة المدنية والعسكرية من غير الموالين-المواليات له – رأيتك متماسكاً، كأن شيئاً لم يكن، ليس قادراً على التعامل مع سَدِّ منفذ عيشك الرئيس، بكلِّ ما يتصل بهذا من تداعيات (وأنت الذي كنت على وشك إتمام بقية خطوات زواجك) بواقعية فحسب، وإنَّمَا، أيضاً، تحويل ذاك الحدث إلى مناسبةٍ لبدايةٍ جديدةٍ، سانحةٍ تواصل خلالها العمل – بإيقاعٍ غير مُشَوَّشٍ بالوظيفة ذات الالتزامات اليومية – على تحقيق مشاريع مؤجلة، فيما ترتبط أثناءها بمشاريع جديدة، ينتمي معظمها إلى حقلَيْ القراءة والكتابة، أي الرغبة في التَعلُّم والإنتاج الكتابي. فشاهدتك – أو بالأحرى رافقتك، كما أشرتَ في رسالتك – للارتباط بكورسٍ لِلُّغة الفرنسية، وآخرَ للألمانية، فيما شرعتَ في الماجستير، بشهيَّةٍ عارمةٍ للتحصيل الأكاديمي والاطِّلَاع العام. وكان طرفٌ من خريطة قراءاتك (كما كان معظم جوانب خريطة قراءات إبراهيم جعفر) يلفت نظري، لأنه بدا لي كانحرافٍ جِذْريٍّ عن المزاج اليساري العام، الماركسي في الغالب، للاطِّلَاع الذي كان مهيمناً في أو حتى تلك الفترة؛ فكنت تقرأ، من بين ما تقرأ، لإيمانويل كانط ويورغن هبرماس. وأتذكَّرُ أنني أبديتُ لك – بوازعٍ من فضولٍ أبيضَ – ملاحظة ذلك "الانحراف الجذري"، فرددتَ عليَّ بما معناه أن بالإمكان بلوغ الحقيقة عبر أكثر من طريق. وفي ذلك الحين، كان كُلٌّ من عبد الله بولا ومحمد أحمد محمود يَتَفكَّران – كُلٌّ على حدة على الأرجح – في طريقةٍ ترفد ذلك القاص اليافع، المكتظ بتَوَقَانَاتِ الفَنِّ، التغيير الاجتماعي والثقافي، بإستراتيجية أكاديمية لاكتساب المعرفة والثقافة. فكان بولا يحثُّني على الارتباط بتَعلُّم اللغة الفرنسية (وكان قد أسعده أنني سبق أن انخرطتُ – قبل السُوْدُسْتْ – في كورسين أوليين لها عبر كُلٍّ من معهد لوممبا للغات والمركز الثقافي الفرنسي)؛ ذلك أنه كان يرى أن من شأن مثل هذا الارتباط أن يُوفِّر لي مدخلاً مناسباً لذلك الاكتساب الذي قد ينجم عنه تأهيل أكاديمي مُتَقدِّم – وعد بأنه ونجاة لن يدَّخِرا وسعاً في دعمه – في الخرطوم أو في باريس (التي كانا لا يستبعدان أن يحيلني إليها – بمساعدتهما أو بغيرها – تقدمي في الارتباط باللغة الفرنسية). أما محمد أحمد محمود، فقد كان يسعى لإيجاد وسيلة غير تقليدية تُلحِقُ تلميذاً سابقاً ظلمه تَعَسُّفُ المنهجِ التعليمي في مرحلة معيَّنة، عاملاً في الجامعة ومبدعاً صاحب إنتاج مُمَيَّزٍ كما كان يرى – كطالبٍ منتظمٍ في نفس الآن – بكلية آداب جامعة الخرطوم؛ فكان يبحث عن "أساس تشريعي" في قوانين الجامعة تسمح بذلك. كما تحدث في هذا الخصوص إلى إدارايين نافذين في مجلس الكلية وفي إدارة الجامعة؛ وفي نفس الوقت، كان يحاول – عبر صديق له تربطه صلة قوية بالثقافة الإسبانية كما بالبعثة الدبلوماسية الإسبانية في الخرطوم – أن يجد لي منحة للسفر والتحصيل الأكاديمي في إسبانيا. كذلك كان يفكر في مفاتحة الملحق الثقافي الفرنسي لدى السودان، الذي كانت تجمعه به علاقة جيدة، كما الملحق الثقافي الألماني لدي السودان، بخصوص تدبير منحة تعليمية في إحدي هاتين الدولتين. ولم يكن أيٌّ من تلك المشاريع بعيداً عن التَحقُّق لولا وقوع انقلاب 30 يونيو الذي أرغم محمداً، وهو أحدُ الأعداء الفكريين الناشطين البارزين لـِ، والمُترَصَّدُ بهم من قِبَلِ، الجسد الآيديولوجي السياسي للنظام الجديد، على أن يكون – ومعه كُلُّ الحق طبعاً – من أوائل المغادرين للسودان؛ وبذا أُطْفِئَتْ تلك المساعي الحَرَّى.
    لعب ذلك المفهوم المُتَقدِّم للرغبة المستمرة في التَعلُّم، الذي أكَّدَتْ عليه رؤية بولا وممارستك، دوراً مهماً في أن تصبح هذه الرغبة من أولوياتي الحياتية. كما كان لتقدير وتثمين بولا ومحمد أحمد محمود لعطائي الإبداعي، لأشواقي الثقافية والاجتماعية، للثقة في قدرتي على، و/أو لجدارتي بـِ ، التَطوُّر الفكري، الثقافي والإبداعي عين الدور من الأهمية، بل والإلهام، اللَّذَيْنِ ساهما في تحويل بعض إمكانيات موقع إقامتي الراهن إلى مصادر للتنمية الفكرية، الثقافية والإبداعية الذاتية. (وبالمناسبة، لعب محمد أحمد محمود – هنا أيضاً – عبر شهادتيْ تزكيةٍ – دوراً بالغ الأهمية في أن أحصل على منحةٍ داعمةٍ لبكاريوس في تنمية المجتمع، كما على منحةٍ تالية لعمل ماجستير في العلوم الاجتماعية، الذي ما لبث أن غَدَا دكتوراة في دراسات ما بعد الاستعمار، بنفس المنحة).
    إستراتيجية الانفتاح الثقافي أو القراءات الخارجة على السائد – قبل مرحلة الانكماش الماركسي الحالي، الرسمي أو ذي البعد الواحد على الأقل – التي لَمِسْتُها في إبراهيم جعفر وفيك، ظَلَّتْ معي على الدوام، لكنها اتخذت طابعاً عملياً أثناء استقراري النسبي في أستراليا وإمعاني في خَطٍّ صاعدٍ من الدراسة الأكاديمية، المتعالقة مع همومٍ ثقافية قديمة وحادثة؛ حتى أن بوسعي أن أزعم بأنه قد كان – وما يزال – لبعض قراءاتي، خلال هذه المرحلة، دور حاسم – إلى الآن على الأقل – في النظر إلى نفسي، إلى السودان وإلى العالم. فمثلاً، الهَوِيَّة التي خرجتُ بها من السودان، والتي عَبَّأتني، خلال فاتحة الشتات (بداية تسعينيات الألفية المنصرمة)، بفكرة كتابة كتاب عن "تجربة المنفى" يحمل عنوان "كم أنا سوداني"، تَطوَّرتْ، بعد عِدَّة أعوام، إلى كتابة كتابٍ عن نفس الموضوع – ولكن برؤية وإطار مختلفين – بعنوان أوَّلي هو "كتاب المنفى". هَوِيَّة مُعِدِّ الكتاب-التَصَوُّر الأوَّل كانت – على الرغم من، رُبَّمَا، مزاعم كانت مُضَادَّة – عبارة عن هَوِيَّة مُعْطَاةٍ، مُطْمَئِنَّةٍ، تَامَّةٍ أو مُنْجَزَة، بينما هَوِيَّة كاتب الكتاب-التَصَوُّر الثاني في حالة حراك (بُرُسِّسْ) أوتَكَوُّن دائم (في سودانيتها). هذا الاختلاف الرَّادِيكَالي بين هَوِيَّتَيْ صاحبيْ التَصَوُّرين ما كان من الممكن أن يَتحقَّق دون إعادة تأمُّل أو قراءة تجربة شتاتي الشخصي – في سياق تجربة الشتات السوداني-الشمالي-العربي-المسلم – على ضوء تقسيمها إلى نوعين من الهجرة: هِجرَةٌ قريبة أو مُطْمَئِنَّة وأخرى قَصِيَّة أو مُغَامِرَة. الهجرة القريبة أو المُطْمَئِنَّة هي هجرة إلى المَفَرِّ، إلى حيث وشائج الثقافة، اللغة، الديانة تُشَكِّلُ حافزاً هاماً للاطمئنان إليها، النظري على الأقل؛ ومِصْرُ تُعْتَبَرُ الموقع الجغرافي الأبجدي لهذه الهجرة. ومع ذلك، فقد ظللتُ، إلى وقتٍ طويل، أرى إلى هَوِيَّتي العامة، شأن الكثيرين والكثيرات (الغالبية؟) مِنَّا، كهَوِيَّةٍ نقيضةٍ لهَوِيَّات عامة أخرى في هذا السياق: مصرية، سورية (أو عربية بصورة عامة)؛ (كما نقيضةٍ للهَوِيَّة العامة التِقْرِينيَّة أو التِقْرِنْجِيَّة في السياق الإرتري الذي هو، بالنسبة إليَّ على الأقل، سياق للهجرة المُطْمَئِنَّة كذلك. – لاحظ أنني استبعدتُ التِقْرِيْ بسبب تَواطُؤي، في تلك الفترة، مع بعدها الخِلَاسِي-العربي-الإسلامي-السوداني الشمالي). أما الهجرة القَصِيَّة أو المُغَامِرَة، فهي هجرة إلى اللَّامَفَرِّ، إلى الغرب-الأوروبي-الأمريكي الشمالي-الأسترالي، إلى حيث السياقُ الاجتماعي، الثقافي، اللغوي، السياسي والآيديولوجي ليس لا يُطْمَئَنُّ إليه فحسب، وإنَّمَا يُعْتَبَرُ، أيضاً، من قِبَلِ الكثيرين والكثيرات (الغالبية؟) مِنَّا، نقيضاً أو مُضَادَّاً. فكنتُ، إلى عدة سنوات للوراء، أنظر إلى هَوِيَّتي العامة – مثلي مثل الكثيرين والكثيرات أو الغالبية مِنَّا، رغم زعمي عكس ذلك، ورغم أنني ظللتُ أرى نفسي كنقيض للكثيرين والكثيرات مِنَّا – كهَوِيَّةٍ نقيضةٍ لهَوِيَّات عامة أخرى، أسترالية-أوروبية-غربية. أما الآن، فإنني أرى إليها كهَوِيَّةٍ مُتَمَيِّزَة، لا أفضل ولا أسوأ من بقية الهَوِيَّات. هي هَوِيَّةٌ أفضل أو نقيضةٌ أو مُضَادَّةٌ في مواجهة الظلم، الاستغلال، الاستعباد، الإقصاء، التعالي وكل أنواع الأفكار والممارسات البشعة ضد الإنسان ومجاله الحيوي. النظر إلى، أو التَشَبُّثُ بـِ ، الهَوِيَّة كمُعْطًى ثابتٍ، كمُنْجَزٍ جوهريٍّ وتام، ليس غير تاريخي فقط، وإنَّمَا هو ادِّعَاءٌ مُكَابِر يدحضه تاريخ وحاضر مسيرة التطور الاجتماعي والثقافي البشري. الهَوِيَّة – كالثقافة – لا تتطور من داخلها، وإنَّمَا من انفتاحها على، تجاورها أو تحاورها، مع، أخذها من، وعطائها لـِ ، ثقافاتٍ-هَوِيَّاتٍ أخرى.
    لقد كان انفتاحي الثقافي، مثله مثل انفتاح العديدين والعديدات منا، تحت رحمة سوق ومبادرات الترجمة، التي هي تحت رحمة الشرطة الثقافية للدولة-نظام الحكم، في السودان وفي بعض مواقع هجرتنا القريبة (وذلك-هذا الاعتماد على سوق ومبادرات الترجمة ما يزال، لأسبابٍ متباينة، وإن بدرجة أقل، حال الكثيرين والكثيرات مِنَّا حتى في مواقع هجرتنا القَصِيَّة). لكنها سوق ومبادرات تتم – على ندرتها وتَقطُّعِها وصعوبة الحصول على منتجاتها – خارج سياق تَطوُّرٍ أو نُموٍّ عام يطال البنيات الاجتماعية، الاقتصادية، السياسية، الثقافية، التعليمية، التقنية، الصحية، وغيرها، في بلدنا. وفي هذا السياق، من التَخلُّف شبه العام، ذي البواعث (والنتائج) السياسية المعلومة، فإن رخاوة بنيتنا الثقافية العامة (بما فيها التعليمية طبعاً)، ذات الأسباب (والعواقب) السياسية المعروفة، في السودان، كانت – وما تزال – من العوامل الرئيسة التي ما فتئت تعرقل انفتاحنا الثقافي.
    وفي واقعٍ اجتماعيٍّ-ثقافيٍّ داخليٍّ، مُكَبَّلٍ بعِللِ التَخلُّف العام، وآخرَ خارجيٍّ مُقَيَّدٍ باستصحاب آثاره، تغدو المصادر العامة للتحفيز أو الإلهام، الحَاثِّ على الانفتاح الثقافي، شبه منعدمة لدينا. فلا تبقى، في مثل هذه الحال، إلَّا المصادر الاستثنائية للتحفيز أو الإلهام، التي من بينها، لشخص مثلي، على سبيل النَّمْذَجَة فحسب، صداقة أشخاصٍ مثل عبد الله بولا، محمد أحمد محمود، محمد عوض كَبَلُّو، سيد أحمد بلال، بشرى الفاضل، أحمد البكري، الطاهر حسن العبيد، عبد اللطيف علي الفكي، إبراهيم جعفر، موسى أحمد مُرَوِّح، ومثلك، طبعاً، عزيزي خلف.
    فيما يُدَلِّلُ – أكثر – قِسْمٌ كبيرٌ من رسالتك إليَّ، أيها العزيز خلف، على حَمِيميَّتك وسخائك الوجداني، فإن قِسْماً كبيراً آخرَ منها يبرهِنُ – أكثر – على انفتاحك الثقافي والمعرفي. إنه – هذا القِسْمُ الكبيرُ – قِسْمٌ مُعَلِّمٌ، ناقلُ مَعرِفَةٍ، جديدةٍ بالنسبة إليَّ أنا على الأقل، بالذات فيما يَتَّصِلُ – على سبيل المثال – بتقسيمات، حلقات وتفاصيل تتعلَّق بعلوم الأحياء، الفيزياء والكونيَّات. ومن المصادفات المدهشة أنني كنتُ قد شاهدتُ – قبيل أيام قلائل من وصول رسالتك إليَّ – إحدي حلقات سلسلة علمية تلفزيونية يتحدث فيها عالم الفيزياء والكونيَّات الإنجليزي، إسْتِيفَنْ هُوكِنْغْ، عن انبثاق أو خلق الكون كمُحَصِّلَة لـِ "الانفجار العظيم". فتخيَّلتُ ذاك "الانفجار العظيم" انفجاراً لا سابق أو، رُبَّمَا، لا لاحق، لضخامته. فإذا بالمعلومة الدقيقة التي وفَّرتها مواكبتُك تكشف أنه لم يكن بالحجم الهائل الذي توحي به العبارة-التوصيف. بيد أن هذه الأطروحة، الانفجار العظيم، كما فهمتُ من بعض خطوطها العريضة سابقاً ومن حلقة إسْتِيفَنْ هُوكِنْغْ التلفزيونية عن أصل الكون حديثاً، تجعلني أتفَكَّرُ في أنها تقوم على نفي الأطروحة الدينية (التوحيدية)، المتمحورة حول وجود الله، وبالتالي رد أصل الكون وكل ما يحدث له وفيه لمشيئته وقدرته فقط. بكلمة أخرى، إن أطروحة الانفجار العظيم – في نسختها التي يُمَثِّلها أو يدعمها هُوكِنْغْ على الأقل – تنفي وجود الله، وتدحض، بالنتيجة، خلق الكون بسببٍ منه. على أنه، فيما يوحي لي عرضك – السردي – الدقيق والشَّيِّق – باقتناعك بهذه الأطروحة، أي بحدوث الانفجار العظيم، فإن موقفك الوجودي الراهن، الذي تشهد عليه مواضع مُتَعدِّدَة في الرسالة، تشير إلى مساندة للأطروحة الدينية (التوحيدية، في هيئتها الإسلامية طبعاً) فيما يتعلق بأصل الكون ومآله. فهل يعني هذا الجَمْع بين الأطروحتين – على افتراض صِحَّة فهمي باقتناعك بحدوث الانفجار العظيم – قناعتك بوقوعه بمشيئة وقدرة الله، مما يُجَرِّدُ هذه النظرية من مقدمتها ونتيجتها، بحسب طرح هُوكِنْغْ على الأقل، وبالتالي فإن هذه القناعة تَدرِجُ هذا الجَمْع ضمن "سعيك إلى وصلِ الحداثة بطاقةٍ روحيِّةٍ أبعدَ غوراً وأقدمَ عهداً"؟
    ليس باعث ذلك السؤال – "الثانوي" بالنسبة لـِ "لموضوع الرئيس" الذي حَفَّزَ كتابة رسالتك الحميمة إليَّ – رغبةٌ في المناكفة، عزيزي خلف، وأنت لم تعهدني مناكفاً، وإنَّمَا هو سليلُ بعضٍ من التَفَكُّرِ – كما سبق أن أشرتُ في ردِّي الأوَّلي المضغوط عليها – الذي وَلَّدَتهُ بعض أبعادها الثرية. فهو، بهذا المعني الأبيض، سؤال اِمرءٍ لم تَشْفِ الاجتهاداتُ العلمية، مُمَثَّلَةً في نظرية الانفجار العظيم، ولا المرجعيات الدينية التوحيدية الإسلامية، غليلَ سؤالِ الوجودِ لديه حتى الآن.


    (يتبع)

    (عدل بواسطة عادل القصاص on 12-25-2014, 04:49 AM)
    (عدل بواسطة عادل القصاص on 12-25-2014, 05:00 AM)
    (عدل بواسطة عادل القصاص on 12-25-2014, 06:17 AM)
    (عدل بواسطة عادل القصاص on 12-25-2014, 06:40 AM)
    (عدل بواسطة عادل القصاص on 12-25-2014, 06:44 AM)
    (عدل بواسطة عادل القصاص on 12-27-2014, 07:07 AM)

                  

12-26-2014, 01:16 AM

munswor almophtah
<amunswor almophtah
تاريخ التسجيل: 12-02-2004
مجموع المشاركات: 19368

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: عادل القصاص الحصه قصه//محمد خلف الله عبدالله....... (Re: عادل القصاص)

    الأخ العزيز عبدالحميد البرنس كل سنه وأنت والأسره بألف خير، إن القراءة التى تطوى لك الزمان وتأتى لك بأشخاص كالكتبى
    وعبدالمكرم وعبدالحى والطيب صالح لا بل تغوص وتاتى بالتجانى المسلول وجماع المزهول والمهدى المجذوب وتأتى بعبدالحى ويأتى
    عبدالحى بود ضيف الله وبود وود الأرباب وصاحب الربابه وتأتى بما ومن غير ذلك، تلك هى الكتابة الكشافة العصيه، وما نحن سوى
    ماضٍ تليدٍ وحاضرٍ باهتٍ ومستقبلٍ مجهول، فجماع مات بكنزه إلا ما أشار إليه ومعاويه مات بكثيف سحبه المعرفيه إلا ما هطل علينا
    منها، والتجانى مات بعبقريته إلا بما أبان وأفصح، وعبدالحى كذلك فما يصيبنا من دوار فمن جراء عدم الإنتقال السلس بين الأجيال
    فلا الشونه حملت كل العلف المعرفى ولا الطبقات حوت كل جيولجيا التكوين والتشوين والتخزين الواجب كما ينبغى ولم نتعرف من
    خلالها على الفنون والآداب والسرد والرقص والطقوس إلا على النذر اليسير ولم تفعل مدارس الثلاثين من القرن المنصرم
    كالفجر أبناء الهاشماب والمورده وأبناء أبوروف وبيت المال ما ينبغى أن تفعله بتدوين حراكهم ورصده ومجتمعهم وحاله كما ينبغى
    بل نتلمس بعض الشئ فى قدله يا مولاى حافى حالق بالطريق الشاقى الترام، وفى بعض الأشتات فما عدنا نجهل الكثير عن عبدالله
    عشرى ومحمد عشرى ونجهل كرف ولا نعرف عن الرشيد نايل إلا ما ذكره عنه عبدالله الطيب فى حقيبة الذكريات ونجهل جل الأدب
    الشعبى عن العباسى وجل إخوانياته وماتت فى صدر إبن أخيه الشريف الشيخ صالح وكذلك أعمالاَ كثيره للناصر قريب الله ولم نتعرف إلى
    الذى نسبه لغيره وتغنى به الصياع وصار تراثاً من الحقيبه فيا عبدالحميد إن الحفر الحقيقى لم يبدأ بعد وإن خلف جاء بالمعاول ورسم
    الخُرّط وحدد الملامح فهل لنا أن نشرع أم ننتظر علماء الآثار فى القرون القادمه لكى يتعرفوا علينا كما تعرفوا على السلف، شكرا يا
    عبدالحميد بأنك هناك وأنك واقف على ما أقول فقد إستطاع خلف أن يقدم إضاءه باهره يمكن أن تكون ركيزة للإنطلاق.



    منصور

    (عدل بواسطة munswor almophtah on 12-26-2014, 11:43 AM)

                  

12-26-2014, 11:39 AM

munswor almophtah
<amunswor almophtah
تاريخ التسجيل: 12-02-2004
مجموع المشاركات: 19368

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: عادل القصاص الحصه قصه//محمد خلف الله عبدالله....... (Re: munswor almophtah)

    وهذا تعليقٌ بعث به محمد خلف الله عبد الله، حول الفقرتين الأخيرتين من تعقيب القصاص عادل القصاص الأخير: 

    عزيزي عادل

    فيما يختص بآخرِ فقرتين لآخرِ جزءٍ تمَّ نشرُه من رسالتك إليَّ، يُجدر القول بأنه لِمثل هذه التساؤلات والاستفسارات الذكية، إضافةً إلى التشديد على المحتوى المعرفي للمساهمات السردية المتنوِّعة، قد كُتبت الرسالةُ إليك في المقام الأول؛ فلا حرجَ ولا انكسافَ ينشأُ عنها، بل سرورٌ وحبور؛ وما كان يزعج المرءُ قليلاً جداً أنها تأخَّرت بعض الشيء، وكنتُ منذ تعليق علي بابكر الحصيف أتهيأ لمناقشاتٍ ذكية مع عددٍ لا يُحصى من الأصدقاء بالداخل وفي بلدان الشتات؛ ولكن التلكؤَ مفهومٌ ومبرَّرٌ ومتوقعٌ، فأرجو أن تكون استفساراتُك فاتحةَ خيرٍ لشلالٍ قادمٍ من جهةِ الأصدقاء الأعزاء في جميع بقاع الأرض.
    نظرية "الانفجار العظيم"، في حدِّ ذاتها، لا تنفي الاعتقاد الديني في أيٍّ من تمظهراته فيما يتعلق بأصل الكون ومآله (على حدِّ تعبيرك الموفَّق). بل إن الفاتيكان، بعد تعثُّرِه في السابق وتورُّطه في إداناتٍ سابقة للعلماء من أمثال كبيرنيكس وكيبلر وغاليلي، قد كان سبَّاقاً إلى قبول النظرية بشكلها الحالي، لدحضها للنظريات السابقة القائلة بوجودِ كونٍ لا بداية ولا نهاية له، ولتأكيدها على وجودِ بدايةٍ محدَّدة لهذا الكون، مما يسهُل معه الزعم بأن منشئ هذا الكون هو الله.
    في المقابل، فإن العلماء الملحدين، من أمثال ريتشارد دوكنز وإستيفن واينبيرج وغيرهما، يرون بأن إستيفن هوكنز وألبرت آينشتاين، على سبيل المثال، لم يخدما العلم بما يكفي لاستخدامهما لاسم الذات الإلهية بشكلٍ مجازي، عوضاً عن نفيها تماماً. إلا أن إلحاد هوكنز لا يصدُر عن تبنيه لنظرية "الانفجار العظيم"، إذ إنها بذاتها لاتكفي لنفي وجود الله، ولكنه ينشأ من اعتقاده بأن الكون، على الرغم من ابتدائه المؤكَّد بحدوث ’الانفجار‘ ذاته، إلا أنه بلا حدود؛ بمعنى أن الزمان-المكان نفسه محدود، من غير أن يكون له حدود، مما يعني أنه ليس له بدء.
    وأنت كما ترى، فإن حجَّته، إن قبلنا سلفاً بعدم تناقضها ووجاهتها النظرية، تقع خارج إطار نظرية ’الانفجار‘ التي قام عليها الدليل؛ وتحوم، عوضاً عن ذلك، في مجال الاستبصارات النظرية والفلسفية؛ ولا عيبَ في ذلك، إلا أنها تفتقر لذلك الدليل القاطع كالسيف، الذي تتحلَّى به نظرية "الانفجار العظيم" نفسها.
    أما في العالم الإسلامي، فخلافاً لافتقاره لوحدة المركز الذي يقبل أو يرفض أيًّاً من النظريات السائدة، فإنه مكبَّلٌ بتضخُّم التفاسير، وقِدَمِها، وعدم قدرتها على المواكبة، وفقدان صلتها بالموضوعات الحيَّة؛ وأنت تعرف جيِّداً بأنه لا يمكن، ولا فائدةَ من، مواجهة ذلك الواقع وجهاً لوجه؛ لكن التبصُّر العقلاني للموضوعات العلمية ذاتها، من غير تزيُّدٍ فلسفي، قد يفتح بابَ التفاسيرِ المغلق على مصراعيه، من دون حاجةٍ إلى مواجهةٍ تُذكر، غير مواجهة العقل المغلق ذاته.
    هذا لا يعني بالطبع أن هذه التفاسير القديمة قد أكل عليها الدهر وشرب تماماً، بل على العكس، فإنها، بصيرورتها تراثاً باذخاً، ما زالت هي من أفضلِ المداخلِ الهيرمنوطيقية إلى سبيل الهداية، وأسلسِ الطرقِ إلى نور الإيمان؛ إلا أنها، مع ذلك، لا تكفي بذاتها للنظرِ إلى الإبل كيف خُلقت، أو لإماطة سر الجبال التي تمُرُّ مَرَّ السحاب، ناهيك عن فضِّ مغاليق الكون بأكمله؛ وهو ما تسعى العلومُ الحديثة لتحقيقه، إنْ لم نقلْ قد اقتربتْ بالفعل من تحقيقه، خصوصاً ثلاثة علومٍ طبيعية رئيسية، هي: علم الأحياء الجزيئية، وعلم فيزياء الجُسيمات المتناهية الصغر، وعلم الكونيات.

    (عدل بواسطة munswor almophtah on 12-27-2014, 03:24 AM)

                  

12-28-2014, 01:50 AM

munswor almophtah
<amunswor almophtah
تاريخ التسجيل: 12-02-2004
مجموع المشاركات: 19368

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: عادل القصاص الحصه قصه//محمد خلف الله عبدالله....... (Re: munswor almophtah)


    نِعْمّ الغابو وجابو


    منصور
                  

12-30-2014, 05:41 AM

عادل القصاص
<aعادل القصاص
تاريخ التسجيل: 11-27-2004
مجموع المشاركات: 43

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: عادل القصاص الحصه قصه//محمد خلف الله عبدالله....... (Re: munswor almophtah)

    أما بخصوص "الموضوع الرئيس"، الذي أثار عندك الرغبة في مناقشتي في رأييِّ القائل بـِ "افتقارِ موادَّ مدرسيةٍ كالرياضيات، الفيزياء، الكيمياء وقواعد اللغتين العربية والإنجليزية إلى بنيةٍ سردية خاصَّةٍ بها"، فإنني أبدأ بالقول، أو التأكيد على، أنني لم أقل بأن هذه العلوم، التي تنحدر منها تلك المواد المدرسية، تخلو من بنيةِ سردٍ خاصَّةٍ بها، وهو ما توحي به مُقَدِّمَةُ، مَتْنُ ومُلَخَّصُ مناقشتك، وذلك لسببٍ بسيط، هو أنني أفتقر إلى إلمَامٍ عامٍّ – مُتوَاضِعٍ حتى – بهذه العلوم، بما يؤهلني للجزم بهذا الخُلوِّ؛ وهذا أمرٌ – أي عدم الإلمام بهذه العلوم – آسَفُ – حقيقةً – له. بهذه المعني، فإن معرفتي النسبية، أو، بالأحرى، ذات الدرجات المتباينة في فقرها، بهذه العلوم مستقاةٌ من تجربةٍ محدودةٍ محصورةٍ – زمنياً – في فترة تتلمُّذي خلال مرحلة الدراسة الثانوية العامة (أربع سنوات، بعد أن نضيف إليها سنة إعادة جلوسي لامتحانات الإنتقال إلى المرحلة الثانوية العليا، إذ لم أنجح في المرة الأولى لأنني لم أحصل على تقديرٍ كافٍ في الرياضيات، الفيزياء والكيمياء)، ثم تتلمُّذي عبر فترة مرحلة الدراسة الثانوية العليا (أربع سنوات، بعد أن نضيف إليها تكرار السنة الأولى، التي كانت زراعية ثم أصبحت "أكاديمية"). لهذا جاءت عبارتي الواردة في مقالي باللغة الإنجليزية، التي إعتمدت أنت عليها في مناقشتك لي، حَذِرَةً من الجَزْم بـِإفتقارِ تلك المواد المدرسية إلى بنية سردية. فهذه العبارة تقول، بحسب ترجمتي لها، التي تتبنَّي ترجمتك وترجمة عادل عثمان، ولكن باضافةِ تعديلٍ طفيف منِّي، بغية توضيحٍ أكثر للمعنى المقصود منها في أصلها الإنجليزي: "من جهةٍ أخرى، فإن علاقتي بموادَّ كالرياضيات، الفيزياء، الكيمياء وقواعد اللغتين العربية والإنكليزية، قد تدهورت من اهتمامٍ فاترٍ إلى كراهيةٍ تامَّة. وأظُنُّ أن إفتقار هذه المواد لبنيةٍ سردية ساهم مساهمةً أساسية في إنحدار إهتمامي بها". وكما تلاحظ، عزيزي خلف، أنني استعضت عن كلمة "أعتقد" بالمرادفة "أظُنُّ" لافتراضي أن كلمة "أعتقد"، العربية بالذات، ربما تقترب – أحياناً – حتى بغير اضافة الحرف "في" – من معنى "أؤمن". لذلك تصبح خياراتي لترجمة العبارة الإنجليزية (I guess) – من أجل استقبال غير مُشَوَّش – "أظُنُّ"، "أُقَدِّرُ"، "أَفْتَرِضُ"، علماً بأنني لا أستبعد "أعتقد" لأن استعمالها السائد لدينا يجعلها – أيضاً – مرادفة للكلمات أو الخيارات الثلاث المذكورة للتو. قصدتُ بهذا التوضيح أن أقول إن عبارتي تلك – حتى باستعمال المرادفة "أعتقد" – لم تقطع بخُلوِّ تلك المواد (المدرسية)، (ولا العلوم التي تنحدر منها)، من البنية السردية. ومع ذلك، ومن أجل ذلك أيضاً، فإنني لا أرفض تأويلك لكثافة تعبيري بعبارة "بما يشبه الجزم"، ذلك أنني عنيتُ، فعلاً، ما يشبه الجزم، ولكن ليس الجزم، للسبب البسيط، الذي ذكرته قبل قليل، وهو إفتقاري، الذي أنا لست فخوراً به، إلى درجةٍ متواضعة حتى، من المعرفة بهذه العلوم. غير أن مناقشتك أوحت بأنني صادرٌ عن ايمانٍ قاطعٍ بخُلوِّ، ليس فقط تلك المواد المدرسية من بنيةٍ سردية، بل، أيضاً، بافتقادِ العلوم التي تَتحَدَّرُ منها إلى هذه البنية. وبما أنني لست مُلِمَّاً، إِلماماً متواضعاً حتى، بهذه العلوم، فإِنَّ المرجعية الوحيدة التي صُدِرَ عنها ظني أو تقديري أو إِفتراضي (أو اعتقادي) بافتقارِ تلك المواد المدرسية، التي قام بوضعها أساتذة مُتَخَصِّصِون وأستاذات مُتَخَصِّصَات في وضع المنهج التعليمي لتلك المراحل المدرسية، هو تلك المواد المدرسية نفسها. ولو تتَضَمَّن ظَنِّي أو تقديري أو إِفتراضي (أو اعتقادي) هذا – وأعتقد في أنه يفعل – إِنتقاداً لهذا الخُلوِّ من البنية السردية، فانه إِنتقادٌ موجَّهٌ، ضمنياً، للمنهج التعليمي، الذي قام بوضعِ تلك المواد في قَالَبٍ للتعليم المدرسي، أكثر منه لتلك المواد المدرسية نفسها. وحتى لو كانت تلك المواد المدرسية تتمتع ببنيةٍ سردية، فان سردك الشَّيِّق – الذي استمتعت به أيَّمَا متعة – لم يُدَلِّل على وجودها في أيَّةِ مَادَّة من هذه المواد المدرسية، مثلما أشرتَ إِلى تَمَتُّعِ كتابيْ "الجينة الأنانية" و "أصل الأنواع" بحضورها (لاحظ أنني لم أضف علم الأحياء إِلى قائمة الرياضيات، الفيزياء، الكيمياء وقواعد اللُّغَتين)؛ ويجدر بي هنا أن أؤكِّد بأنني لا أؤمن بأن تلك المواد المدرسية – رغم ظَنِّي بافتقارها لبنيةٍ سردية – عاريةً من توفير المتعة لكُلِّ متلقيها، بخلاف المتعة التي كانت ترفدني بها مواد التاريخ والمطالعة مثلاً، وإنَّمَا كانت عاطلةً عن توفيرها لي أنا، وبعض تلاميذَ آخرين دون شك. ورُبَّمَا كانت هذه المتعة تكمن، مثلاً، في قدرة مُخَيِّلات زملائي التلاميذ – مِمَّن يجدونها في هذه المواد – على تحويل هذه المواد، في أذهانهم، إِلى بنياتٍ أو مَوَادَّ ذات خصائصَ سردية. غير أنني لم أكن – ولست إلى الآن – قادراً على هذا، رغم قناعتي – وقناعة آخرين وأخريات، ويشَرِّفني أنك في مقدمة القائمة أيها العزيز خلف – بأن مُخَيِّلتي لا تعاني من عَطَبٍ، رئيسٍ على الأقل.
    إنَّ المتعة، التي قَدَّمَتْ لي معرفةً جديدةً، بطريقةٍ جيِّدة وجَذَّابة، والتي وَفَّرَتهَا لي بعضُ حلقات إستيفَنْ هُوكِنْغْ التلفزيونية، "كَوْنُ إستيفَنْ هُوكِنْغْ" أو "[إلى] داخل الكَون مع إستيفّنْ هُوكِنْغْ"، تجد سببها الأساس في القَالَبِ السردي-المُصَوَّر لتلك الحلقات. وأحد العناصر – السردية والبلاغية – الذي حَبَّبَ لي، عندما كنت تلميذاً يافعاً، مَادَّة الجغرافيا، يكمن – مثلاً – في شَخْصَنَة، النيلين الأبيض والأزرق. فالأوَّل شُبِّهَ سَيْره (عبر أرضٍ سهلية، منبسطة، تلت خروجه من منبعه، بحيرة فكتوريا، إلى حيث يلتقي بالنيل الأزرق في المقرن) بسَيْر الرجل الهَرِم، كنايةً عن بطئه أو سريانه الوئيد، في مقابل جريان الثاني، النيل الأزرق، الذي مُثِّلَ بِعَدْوِ الشاب، الفَتِيِّ، القَوِيِّ، المُندَفِعِ (من المنبع إلى المصب، من/عبر الهضبة الحبشية وإمتداداتها متدرجة الانخفاض في السودان حتى سهل وسطه). وأعتقد بأن هذا الوصف يعود – بالأساس – إلى الصحفي-المراسل الحربي البريطاني أَلَنْ مُوْرْهِدْ المُتَضَمَّن في كتابيه-إستطلاعيه السَّرْدِيَين المُمتِعَين "النيل الأبيض" و "النيل الأزرق".
    في مواجهة هذين النموذجين، ذوي الوشائج الوُثقى بالسرد، ما هو السردي في المعادلات الرياضية (لاحظ، أيها العزيز خلف، أنك لم تَتعَرَّض للرياضيات بالحديث)، المعادلات الفيزيائية والمعادلات الكيميائية؟ بكلماتٍ – وإضافاتٍ قليلة – أخرى: ما الذي جعل بعض حلقات إستيفَنْ هُوكِنْغْ التلفزيونية، وقبلها، مادتيْ الأحياء والجغرافيا المَدْرَسَيَّتَين قادرتين على جذب مزاجي السردي ولم يجعل مواد الرياضيات، الفيزياء والكيمياء المدرسية قادرةً على ذلك؟
    طبعاً قد يقول قائلٌ، رُبَّمَا يعود سبب ذلك (عدم جَذْبِ مواد الرياضيات، الفيزياء والكيمياء) إلى خَلَلٍ في طريقة عَرْض أو تقديم المُدَرِّس لهذه المواد، لا سِيَّمَا أن كلنا يعلم أن ثمة أساتذةً ذوي مهاراتٍ متواضعة أو فقيرة في التوصيل. هذا بالطبع وَارِدٌ؛ ولكن ليس في كل فترات تحصيلي المدرسي، ليس طوال ثمانِ سنوات. أضف إلى هذا، أنني على قناعة – من خلال التجربة – بأن بعض مُعَلِّمِيْ هذه المواد الثلاث كانوا من أبرز المُعَلِّمِين، من جهة تَمَتُّعِهم بمهارات العَرْض أو الشرح أو التوصيل، بدليل أن بعضاً من هؤلاء المُعَلِّمِين المُتَمَيِّزِين كان يدرسنا – إلى جانب مواد الرياضيات، الفيزياء والكيمياء – موادَّ أخرى كالأحياء والجغرافيا. (وأنا أتذكر هنا – على سبيل المثال – ناظرنا في مدرسة بَكَّار الثانوية العامة، مصطفى الأسد، الذي كان مُعَلِّمِاً مُتَعَدِّد المعارف والمهارت التدريسية (والإدارية)، فقد كان يُدَرِّسُنا الرياضيات، الفيزياء، الكيمياء، الأحياء، الجغرافيا واللغة الإنجليزية!) إذن، ثَمَّة من سببٍ (لأتَجَنَّب قول ثَمَّة من خَلَلٍ) كَامِنٍ – باعتقادي – في المنهج الذي قُدِّمَت به هذه المواد المدرسية إلينا، وهو سببٌ لم يُمَكِّن تلميذاً متواضعاً مثلي، كما لم يُمَكِّن تلاميذَ متواضعين آخرين وتلميذاتٍ متواضعاتٍ أخريات، من التَعَرُّفِ على المفهوم (أو الشكل أو القَالَب) السردي بواسطة مُتَلَقٍّ وقارئ مثلي، أو بواسطة مُتَلَقِّين آخرين ومُتَلَقِّيات أخريات، وقُرَّاء آخرين وقارئات أخريات. ومرةً أخرى، أؤكِّد بأن هذا لا يعني عطالة هذه العلوم عن توفير متعة ما لمُتَلَقِّين آخرين ومُتَلَقِّيات أخريات، وقُرَّاء آخرين وقارئات أخريات، وذلك – في ظنِّي – لسببٍ آخرَ، غير تَمَتُّعِ تلك المواد المدرسية ببنية سردية. بمعنى آخر، لماذا لم يتَبَنَّ واضعو وواضعاتُ منهجِ تدريسِ هذه المواد الثلاث "الإطار النظري [السردي] النقي القابل للتطبيق على مَادَّةٍ لا حصرَ لها"؟ وإذا كان من الممكن النظر إلى مثل هذا السؤال كمُطَالَبَةٍ أو كمُقْتَرَحٍ "يخنِقُ كل احتمالات التَعَدُّد"، فلماذا ننظر إلى المنهج الذي أُعِدَّتْ بواسطته (سطوته؟) تلك المواد الثلاث كضرورة (وقد صارت تقليداً، ينتمي لـِنهج الشجرة) تخنِقُ – هي الأخرى – كل احتمالات التَعَدُّد، أي باصرارها على رفض الاستظلال بالغابة؟
    أما ناظر مدرستي الأوليَّة، مدرسة الحارة الثانية الأوليَّة بالمهدية، المُعَلِّمُ الحاذقُ والتربوي ذو المُخَيِّلَة الرحيبة والقلب العامر بالحب، هو الآخر (ولست أذكر، لأسفي البالغ، اسمه)، فقد كانت قوة عرضه وبراعته في عرض " مَادَّته"، أي للحكاية التي رواها لنا، (وهي ليست مَادَّته) مؤثِّرَةً بالفعل. بيد أن قُوَّةَ عَرْضِهِ و براعته في سرد تلك القصَّة (التي هي ليست مَادَّته) لم تكن هي التي وَضَعَتْ مَادَّة تلك الحكاية ضمن قَالَبٍ قصصي. لقد أتته تلك المَادَّة جاهزةً (في قَالَبٍ حكائيٍّ أو قَصَصَيٍّ) ، أي لقد سبق أن وضعها مُؤلِّفها (أو مُؤلِّفتها أو مُؤلِّفوها ومُؤلِّفاتها) في قَالَبٍ سرديٍّ، حكائيٍّ، قَصَصَيٍّ، وقد كان متاحاً لناظرنا الحصول عليها (سواء عبر القراءة أو من خلال التواتر الشفهي)؛ وكل ما فعله هو أن قام بسردها علينا (وليس تأليفها لنا)؛ وقد فعل ذلك بأسلوبِ تَوْصِيلٍ مُمْتِعٍ دون ريب، تماماً مثلما بالإمكان أن يحكي لك بشرى الفاضل قِصَّةً كتبها أنطون تشيكوف أو خوان رولفو ببراعة تثير اعجابك)، لكن أسلوب الناظر ذاك (وأسلوب عرض بشرى المُفْتَرَض لك) لم يكن هو الذي صَنَعَ، خَلَقَ، أَلَّفَ تلك القِصَّة في المقام الأول، كما تعطي الانطباع بذلك الجملة الأخيرة في الفقرة المعنية من رسالتك الحميمة والصميمة أيها الصديق العزيز خلف.
    أمَّا مَادَّة القواعد/النحو فهي، بالنسبة إليَّ، أقل وطأةً بكثير. وسبب هذا، على الأرجح، هو إعتمادها البديهي – سواء من أجل التوضيح أو الترسيخ أو الاختبار – على إيراد نماذج أو فقرات، غالباً قصيرة، من سردياتٍ أو أبياتٍ من الشعر: (مثلاً: "عَيِّنْ الجُمْلَة الإسمية أو الجُمْلَة الفعلية أو جُمْلَة الشَّرْط أو جَوَاب الشَّرْط أو الحَال أو ظَرْف المكان أو ظَرْف الزمان أو: أعْرِبْ ما تحته خط، في هذه الفقرة أو في الأبيات الشعرية التالية"). بهذا المعنى، فأنا أعتقد أن مادة القواعد/النحو لا تتمتع، في حدِّ ذاتها، ببنية سردية، لكنها تلجأ للسرد (والشعر) كوسيلةٍ للايضاح، للترسيخ وللاختبار. طبعاً هذا يختلف عن تَتَبُّعِنا لقصَّة أو رحلة "عِلْم القواعد"، التي لا أشك في أنه قد ساهم في صياغته أو تكَبُّدِ مشاقه أو إرساء أسسه أو بلورة معالمه عُلمَاء نحوٍ وصرفٍ حُذَّاق. لقد إستمتعتُ – على عكس ما كان يعتريني في بعض حِصَصِه (في مَادَّة القواعد، فقط) – بحكايةٍ (أسطورةٍ؟) سردها علينا، نحن تلاميذه، أُستَاذٌ كان مُحَبَّبَاً عندي عن اعرابيٍّ (عالمٍ نحويٍّ؟) قديم لم يكن يرتاح لِلْغَاءِ المُسَكَّنَة (غْ) التي تَصْدُرُ – عادةً – عن طائر الغُرَاب حين يصَوِّتُ: غَاغْ؛ فجرى يلاحق غُرَاباً يصَوِّتها على هذا النحو وهو لا يفتأ يطالبه، على نحو مُتَكَرِّرٍ، عبر الصياح فيه: "ياغُرَابُ قُلْ: غَاغُ" (بضمِّ الغين الأخيرة)، فلم يُبْصِر حفرةً على الأرض، لأنه كان يعدو وعينيه تتابعان الغراب في الفضاء، فوقع في الحفرة وكسر، من جراء ذلك، إحدى ساقيه!) كما ان حكاية أو مسيرة أو ملحمة أيِّ عِلْمٍ (ناهيك عن قصَّة أو سيرة أو ملحمة أيِّ فَنٍّ) ساهم في ميلاده أو صياغته أو تكَبُّدِ مشاقه أو إرساء أسسه أو بلورة معالمه علماءُ حُذَّاقٌ يثيرون ماهو أبعد من التقدير، الاعجاب والإجلال (أُسْتُشْهِدَ بعضٌ منهم، و تَعَرَّضَ بعضٌ آخرُ منهم لصُنُوفٍ شَتَّى من المكابدات، بل والتعذيب، كما تخبرنا الحياة التي تدين أوجهٌ – رئيسةٌ مُتَعَدِّدَةٌ – من أوجهه ملحمة احتمالها، تطورها ووسامتها لهم).

    ***

    تَذْييلٌ خَاطِرِيٌّ: فقرةٌ من قِصَّةٍ قصيرة كتَبْتُها عام 1984 بعنوان: صُوَرٌ زِنْكُوغْرَافِيَّة ليَومٍ عَادِي:

    إنْحَنَى، بزاويةٍ حَادَّة، نحو الأرض. جَهِدَتْ يده اليمني، في محاولةٍ جادةٍ لإلتقاط كتاب من وسط الكتب التي كانت تَفْتَرِشُ الأرضَ بطريقةٍ حاول فارشها أن تبدو، قدر الامكان، مُتَّسِقَة.
    (............................)
    حينما كادت اليد اليمنى تلامِسُ الكتاب، امتَدَّتْ ثلاثة من أصابعها بالانكماش نحو الراحة. وبينما أفلح الإبهام والسَّبَّابَة في إلتقاطه، تَحَوَّلتْ الزاوية الحَادَّة إلى زاويةٍ منفرجة، فإلي وضعٍ طبيعي.

    ***

    صديقي خلف،

    كَمْ أُحِبُّنَا!

    عادل القَصَّاص

    (عدل بواسطة عادل القصاص on 12-30-2014, 09:05 AM)
    (عدل بواسطة عادل القصاص on 12-30-2014, 09:35 AM)
    (عدل بواسطة عادل القصاص on 12-31-2014, 05:04 AM)
    (عدل بواسطة عادل القصاص on 12-31-2014, 05:16 AM)
    (عدل بواسطة عادل القصاص on 12-31-2014, 05:31 AM)
    (عدل بواسطة عادل القصاص on 01-07-2015, 06:58 AM)

                  

12-31-2014, 11:13 AM

munswor almophtah
<amunswor almophtah
تاريخ التسجيل: 12-02-2004
مجموع المشاركات: 19368

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: عادل القصاص الحصه قصه//محمد خلف الله عبدالله....... (Re: عادل القصاص)


    وهذا تعليق عن النص وخارجه عن الأديب الراوى والشاعر المجيد فضيلى جماع

    فضيلي جماع


    Re: شيراز فضيلي جماع.. مبروك (Re: munswor almophtah)

    الأخ الأستاذ منصور المفتاح.. شكرا على الطلة والتهنئة. متعك الله بالعافية أيها الأديب.
    خارج النص:
    طالعت بوستك عن الأستاذ عادل القصاص.. وهو عمل رائع وعميق. كما إن استدعاء الذكريات مع أصدقائكم في الوطن الأم قبل الدياسبورا السودانية كان إضافة ممتعة - رغم ما تخللها من حزن وبعض النوستالجيا لزمن مضى ولوطن نسأل الله له الشفاء والعودة إلى القرية الكونية - فما يحدث في السودان منذ 25 عاما ونيف هو عمل تدميري من فئة أشك مرات عديدة أنها تنتمي وجدانيا وثقافيا إلى تراب السودان! كن يخير.

    (عدل بواسطة munswor almophtah on 01-01-2015, 01:36 AM)

                  

12-31-2014, 11:38 PM

abdalla elshaikh
<aabdalla elshaikh
تاريخ التسجيل: 03-29-2006
مجموع المشاركات: 4001

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: عادل القصاص الحصه قصه//محمد خلف الله عبدالله....... (Re: munswor almophtah)

    كل عام وأنتم بخير صديقنا منصور
    ألتاريخ يشير ليوم الأثنين {31 ديسمبر سنة 1991} والخاطرة التي سجلتها في مذكرتي تقول {لقد وصلت إلي الطاهر بشري العديد من هدايا الجميلات وكانت خشومنا نحن ملح ملح لأنو لحد الساعة ثلاثه و نص لم يظهر في الأفق ما يفرح فجاءنا قصاص بفرح جميل جدا و ذهبنا معه بالبصات إلي مزرعة بسوبا ممنين النفس بيوم سنه متفرد ولكن!! رجعنا مكسوفين بالتي هي أصعب عن طريق يا عم إلي الثورة الحارة العاشره ثم السابعه وكان يوم فاصل بصحبة قصاص و محي الدين الزين و سيف الفاضل}
    طبعا يا منصور بعد ذلكم العام نثرتنا مروي بذور إغتراب في شتي فجاج الأرض !! فتأمل!!
                  

01-01-2015, 01:30 AM

munswor almophtah
<amunswor almophtah
تاريخ التسجيل: 12-02-2004
مجموع المشاركات: 19368

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: عادل القصاص الحصه قصه//محمد خلف الله عبدالله....... (Re: abdalla elshaikh)

    رسالتي للقاصِّ عادل القصَّاص ليست خاصَّة

    عزيزي منصور
    لاحظت أن العديد من القراء، مِمَّن وصلني تحفُّظهم عبر أكثر من صديق، يتحرَّجُ بعضَ الشيء في الدخول –عبر ركنك الذي نُشِرَتْ فيه الرسالة- في الحوار، فكأنهم يظنون أن النقاشَ مغلقٌ، وأنهم لايريدون أن يدخلوا طرفاً في حوارٍ خاص بين شخصين؛ الأمر الذي اضطرك لأن تقومَ، بعونِ الله، بجهدِ الجبابرة برفعِ الركنِ –في معظم الأحيان- وحدك، وحراسته وحدك، والحفاظ عليه من النسيان وحدك. ولو استرجع هؤلاء القراءُ الأعزاء ما قلته في موضعٍ من الرسالة، لما داخلهم هذا الظن؛ ولعرفوا أنها رسالةٌ كُتبت منذ البدء بعلمِ صديق، وهي موجَّهة في المقام الأول، عبر صديق، إلى جميع القراء، ومن بينهم بقية الأصدقاء؛ فقد قلت: "ومنذ بدءِ كتابة هذه الرسالة، راجَعَ معي عثمان (حامد) فقراتِها، فقرةً على إثرِ فقرة؛ يصحِّحُ معلوماتٍ بها تارَّةً، أو يُقيِّمُ محتوياتِها تارَّةً أخرى. فقد كنَّا نعتبرها رسالةً تهمُّ كلَّ الأصدقاء، إنْ لم نقل كلَّ القراء؛ لذلك، فينبغي أن تخرُجَ خاليةً، قدر الإمكان، من جُلِّ العيوب".
    كما علمتُ أيضاً من الإشادات العديدة التي تصلُني عبر الهاتف والبريد الإلكتروني أن بعض الأصدقاء يتحرَّجون من تناولِ رسالةٍ قد أعطتهم قدراً عالٍ من التقييم الإيجابي؛ أو أنهم يتحسَّسون من التقريظ الذي انهال عليهم، فهم ينزوون حياءً مما نزل عليهم من تكريم. ولهؤلاء أقول، علاوةً على أنهم يستحقون أكثر مما قِيل عنهم، بأننا لا نحتاج أن ننقضَ عادة تكريم الموتى، ولكن الأحياءَ الذين يسعون بين أيدينا بهذا التكريمِ أَوْلَى، خصوصاً إذا سنح سياقٌ أو مناسبةٌ أو مقامٌ جليلٌ بتقديمِ تلك الواجبات.
    كما أقول لهم أيضاً بأن الرسالة قَصَدَتْ من الاحتفاء بالقاصِّ عادل القصَّاص احتفاءً بحركةٍ ثقافية كاملة؛ لذلك، فإننا نحتاج إلى كلِّ الأصوات للمشاركة في تقييمها، وكتابة تاريخها، واستئناف ما انقطع منها، وإعادة فتح الفضاء الثقافي ليزدهرَ مرَّةً أخرى عبر هذه الوسائط الإعلامية الجديدة.

    عزيزي منصور
    هذا ما كان من شأن استقبال الرسالة؛ أما بخصوص استمراريتها، فإنني سأعدُّ لك، ولفائدة القراء الأعزاء، تعريفاً موجزاً عن الأمهات الأربع (حاجَّة صفية، حاجَّة آمنة، حاجَّة صفية الأولى، وحاجَّة منى)؛ فلماذا لا تحذو حذوي، وتعدُّ لنا، نحن جمهرة القراء، تعريفاً مقتضباً عن الأبطال الأربعة (معتصم، الموج، يحي، ومنصور) لسرديتك الرائعة "دراويش في بلاد الكبابيش" عندما تشرع في الإعدادِ لنشرِ إصدارٍ جديدٍ لها، بإذن الله.
    مع خالص الود
    محمد خلف (كما يحلو للأصدقاء بمناداتي؛ غير أن اسمي الكامل، كما تدرك طبعاً، هو محمد خلف الله عبد الله؛ وما هذا الاحترازُ، إلا لكيلا يتحمَّل صديقي القاص الرائع محمد خلف الله سليمان نصيباً من أخطائي)
                  

01-01-2015, 01:44 AM

munswor almophtah
<amunswor almophtah
تاريخ التسجيل: 12-02-2004
مجموع المشاركات: 19368

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: عادل القصاص الحصه قصه//محمد خلف الله عبدالله....... (Re: munswor almophtah)


    دا كلام عجيب
    وعجبه في هذه المعرفة الباذخة المخيفة التي قدمها مع خلف
    كانب به قد اوقف حياته على الغور في داخل هذا الكون ليقف على حقيقته
    وددت لو قابلته يومها في "مونتري"، ومنعني من مقابلته تفسير خاطيء لجملة قالها لي الاستاذ مسعود، فهمتها بغير ما ارداها
    ولكن ما علينا، فما يطرحه محمد خلف فتح عيني على حقيقة دهشة عظيمة اصابتني ذات يوم وانا اقرا (اكتب من الايباد ولذلك لن تظهر الهمزات على الالف ولا على الياء)
    عن الخارطة الجينية ورحلة الانسان العظيمة من افريقيا الى بقية العالم
    اقول انها كانت دهشة عظيمة لم اعرف كنهها، ولكني عرفت الان انا ما دهشني ليس الحقاءيق التى اوردها المقال
    بقدر ما هو القدرة السردية في الرواية.

    حينما قرات للمرة الاولى كتاب فراس السواح ( مغامرة العقل الاولى) تنبهت لهذا السرد الباذخ، ولكني عزيته للطابع القصصي نفسه
    للاساطير التى قامت عليها ديانات الهلال الخصيب، واجدني الان وانا اقرا ما كتبه خلف ان السرد هو المفتاح لدهشتي وللمتعة التى احسها في قراءة النصوص
    علمية كانت ام ادبية.

    ارجو ان يكون مهفهوما ما اعنيه بالسرد هنا وانا اقصد طريقة التقديم للشيء، واعتقد ان ماحاوله خلف هنا
    هو ان يفتح عيون القصاص على سردية الحياة كلها، واعتقد ان عرضه (سرده) لفتوحات العلم من فيزياء وغيره
    وتنبيهه للجانب السردي فيها هي محاولة لتقاسم متعته الشخصية واندهاشه (قياسا على حالي والذي وصفته بالدهشة)
    مع عادل القصاص
    ليت خلف اضاء لنا اكتشافه للحق، وسرد لنا ماقبل الانفجار العظيم حيث انه في هذه الحالة لم يكن سوى الله ومعه الحرفين (الكاف والنون)
    او هذا ما تصورته عن تفريقه بين الحق والحقيقة

    اقول مرة اخرى ان هذا كلام عجيب واتمنى ان يتواصل السرد في هذا المكان
    فالحصة قصة او سرد لم يكتمل بعد

    دمتم
    ودمت يا قصاص

    الصادق إسماعيل
                  

01-01-2015, 01:51 AM

munswor almophtah
<amunswor almophtah
تاريخ التسجيل: 12-02-2004
مجموع المشاركات: 19368

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: عادل القصاص الحصه قصه//محمد خلف الله عبدالله....... (Re: munswor almophtah)



    إلى الصادق إسماعيل، رجلٍ آخرَ وصديقٍ محتملٍ، من كاليفورنيا

    أو

    "حفلة كوكتيل" في مونتري


    يزدهي الوجودُ ويزدان برفقة أصدقائي الفعليين؛ أما أصدقائي المُحتملين، شأنهم في ذلك شأن الفعليين منهم، فإنهم مثل "بيير" في مقهى "الوجود والعدم" لجان بول سارتر، فإن وجودهم يزداد حضوراً وتكثُّفاً بغيابهم؛ أما أنا، فإنني مثل "بيتر" في مسرحية "حفلة كوكتيل" للشاعر والكاتب المسرحي البريطاني، ذي الأصل الأمريكي، توماس إستيرنز إليوت، الشهير بـِ"تي إس إليوت"؛ فقد كانت عيادة الدكتور السير هاري هاركورت-رايلي في المسرحية تتبنَّى أساليبَ غريبة في جمعِ المعلومات عن المرضى، وتصنِّف حالاتهم وفقاً لثلاثِ طرقٍ مُتَّبعة في علاجهم: الطريقة الأولى، إرجاع المرضى إلى حالتهم العادية بإقرارهم بسخف الحياة العادية نفسها، وبالتالي مواجهتها في شيءٍ من الصدق والواقعية – وهي الطريقة التي اتُّبعت مع "إدوارد" و"لافينيا" (عائلة "تشمبرلين")؛ أما الطريقة الثانية، فإنها تُتبع مع الأشخاص القلائل المتميِّزين الذين يدفعهم قنوطهم دفعاً إلى الإيمان، حيث يتم إرسالهم إلى مصحَّةٍ مجازية، ويُقال لهم كلماتٍ لا معنى لها، مثل "اِعمل على خلاصِ نفسِك بعنايةٍ تامة"؛ وهي كلماتٌ تسري على الناس العاديين، إلا أنها لا معنى لها معهم تحديداً، لأن هؤلاء الأشخاص المتميِّزين سيكون لهم تجربتهم الخاصة، التي لا تسري فيها هذه الكلماتُ، مهما خلُصت نوايا القائلين بها – وهي الطريقة التي اتُّبعت مع "سيليا"؛ أما الطريقة الثالثة، فهي الطريقة التي تُتبع مع الأشخاص الذين لم يصلوا بعدُ إلى مستوًى تكون فيه الكلماتُ التي تُلقى عليهم سارية المفعول؛ وتعتمد هذه الطريقة على الإرجاء، وتستفيد من الروابط والعلاقات التي يقيمها أوصياء العيادة مع أشخاصٍ حتى ولو كانوا في كاليفورنيا – وهي الطريقة التي اتُّبعت مع "بيتر".
    فيا صديقي المحتمل، فإن كاليفورنيا مليئةٌ بالصلات الطيَّبة؛ ففيها هاشم محمد صالح بمدينة سان هوزيه، رجلٌ يندر مثاله؛ أقام لنا أولَ ندوةٍ لجماعة "تجاوز" عن "علم اللغة الحديث"، وكانت بمباني قصر الشباب والأطفال، الذي كان يستضيف في ذلك الوقت المعهد العالي للموسيقى والمسرح، الذي كان يسمح لنا بدورِه بعقدِ ندواتِ الجماعة بشكلٍ منتظم. وكانتِ الندوةُ بقاعةٍ مفتوحة تحت المبنى الرئيسي، تهبُّ عليها الرياح من جهاتٍ ثلاث؛ ومع بداية الندوة، اكفهرت السماءُ واحمَّر لونُها بعاصفةٍ ترابية أمدرمانية شهيرة، فتوقَّع الجميعُ بأن تقوم إدارة الندوة برفعها أو تأجيلها، أو يعتذر مقدِّمُ الندوة على طريقة الصورة النمطية لأساتذة الجامعات ويهرب بجلده من أتون العاصفة؛ لكن ما حدث كان متوقعاً بالنسبة لي تماماً، لأنني أعرف أرُومة الرجل ومعدنه النفيس، إلا أن ما فاجأني بحقٍّ، هو صمودُ الجمهورِ نفسِه واستمرارُ الندوة في الظلام ولمدَّة ساعتين، بتلهُّفٍ ومشاركةٍ ذكيةٍ من الحاضرين؛ وكان فيهم -بوجوده الراسخ في الندوات- الراحل أحمد الطيٍّب عبدالمكرَّم، والراحل عمَّار محمود الشيخ؛ وكان يمكن أن يكون فيها من الجمهور الثابتِ لاحقاً في ندوات الجماعة: الراحل سامي سالم، والراحل عبدالله محمد إبراهيم، والراحل محمد الحسن سالم حميد؛ أما الأحياء، فأرجو أن يسجِّلوا حضورهم في دفتر الحضور بحروفٍ من نور، متى ما سمحت لهم ظروف الكتابة بذلك.
    وفي كاليفورنيا أيضاً، يقيم الأستاذ عبد اللطيف على الفكي، الذي أدهش أساتذة المعهد العالي للموسيقى والمسرح قبل طُلَّابها، الذين طالبوا بنقلِ ندواتِه العامة لجماعة "تجاوز" إلى حُجراتِ الدراسة الأكاديمية بالمعهد؛ وفيها الأستاذ أسامة الخواض، الذي كان يلهب الجماعة بحماسِه وتدفُّقِه الإبداعيِّ الثر؛ وفيها الأستاذة مريم محمد الطيِّب، مخرجة "الصلاتِ الطيِّبةِ" ذاتِها، وأمُّ سالي وعزَّة وعلي، وبنتُ أمي الثالثة حاجَّة آمنة بنت همرور، والدة كلٍّ من عوض الكريم، وعبد المنعم، وفاطمة، وسمية، والراحل إبراهيم، إضافة إلى الفنان التشكيلي البارع عبد الله محمد الطيِّب، ومحمود الصحفي بجريدة "التجمع" إبان الانتفاضة، والزراعي عبد المجيد، والمسرحي عبد العظيم؛ وفيها الأستاذ مسعود محمد علي، المعلِّم الصادق النقيُّ السريرة؛ إذا أشاد بك، فليطمئن فؤادك بأنه يعني ما يقول؛ وإذا نبَّهك إلى عيوبٍ، فعليك بالعودة مرَّةً أخرى إلى منضدة الكتابة؛ وفيها الرجل الطيِّب عمر عبد الله محمد علي، زميلي سابقاً برابطة الكتاب والصحفيين بلندن، وصحيفة "الفجر" الأولى؛ وكان في كاليفورنيا، عندما زرتُها، الشاعر محمد المكي إبراهيم ذو الكلمةِ الشعريةِ المتميِّزة، صاحب "الأكتوبريات" و"زنزباريات" و"أصبع في الشمس" و"غنائي لأختي أمان"؛ وبالطبع، "بعضُ الرحيقِ أنا والبرتقالةُ أنتِ"؛ لم ألتقِه في مونتري، لكن سيرتَه كانت تملأ البيوتَ بأريجِ ريحٍ طيِّبة، مثل ما كانت تملأُ من قبلُ بيتَ المرأةِ الفاضلة –في حي "ود أرو" بجوار سبيل "خلف الله"- فاطمة وزوجها الطيِّب عبد الرازق، والد كلٍّ من خضر وسميرة (رحمها الله وأسكنها فسيحَ جنانه) ومأمون والراحل عبد المنعم وأختهم الصغرى سهام؛ وكان فيها أيضاً الأستاذ عمر القراي، الذي كان يدهشني في أركان النقاش بالجامعة بحجم معرفته، وتمكُّنه ممَّا يؤمن به، هذا إضافةً إلى استبصاراته الدينية العميقة.
    وقد أنشأ أوصياءُ العيادة علاقاتٍ وصلاتٍ مكَّنت "بيتر" من الاشتغال بصناعة الأفلام، إلا أن الروابط القائمة والمحتملة في كاليفورنيا لا تتوقف فقط على "ديزني" أو "هوليوود"، أو منها إلى مجال السياسة وحكم الولاية، ومن ثمَّ حكم الولايات المتحدة نفسها (حالة رونالد ريجان)، أو حكم الولاية توطئةً إلى الدخول إلى البيت الأبيض (حالة آرنولد إشفارتسنيغر)؛ ولكنها تشمل أيضاً سيليكون فالي وكالتيك؛ وجامعة كاليفورنيا في لوس أنجلس؛ والأخرى في بيركلي، التي ظلَّ يدرِّس بها الفيلسوف الأمريكي جون آر سيرل منذ أكثر من خمسين عاماً؛ كما تشمل بيغ سير، التي ذهبتُ إليها بصحبة مسعود، والتي كان يقيم بها الكيميائي الشهير لايناس كارل بولينغ، صاحب كتاب "طبيعة الروابط الكيميائية"، الذي استخدم انكسار الأشعة السينية للتعرُّف على بنية الهيموغلوبين، ولاحقاً البروتين، وكان يمكن أن ينجح في معرفة بنية الـ"دي إن إيه" قبل توماس واتسون وفرانسيس كريك، لو كان قد تحصَّل على صورِ انكسارِ الأشعةِ السينية من روزاليند فرانكلين أو موريس ويلكينس قبلهما.
    وفي مونتري، أقامتِ السلطاتُ المحلية تمثالاً لجون شتاينبيك بشارع كنري رو، الذي سُمي باسمِ روايةٍ له تحملُ نفسَ الاسم في عام 1958، وهو الشارعُ الذي كان يعجُّ بمصانع الساردين، إبان أيام الرواية التي تدور أحداثُها في زمنِ الكساد العظيم في ثلاثينياتِ القرنِ الماضي. وفي عام 2007، قام حاكم الولاية وزوجته بتقديمِ جائزةٍ لأسرة الكاتب وتنصيبه عضواً في قاعة كاليفورنا للمشاهير. وقد تعرَّفتُ على روايات الكاتب لأولِ مرَّةٍ من خلال الصديق الراحل خلف الله حسن فضل، الذي كان يكِنُّ له تقديراً خاصاً؛ ومنه قد اطَّلعت بالاستلاف على رواية "عناقيد الغضب" (1939)، وتعرَّفت من خلاله على "كنري رو" (1945) و"تورتيَّا فلات" (1935)، و"شرقي عدن" (1952)؛ أما رواية "بشأنِ الفئران والرجال" (1937)، فقد قرأتها من خلال بنتي ماريا، وكانت الرواية كتاباً مقرَّراً على طلاب الشهادة العامة للتعليم الثانوي، إلى أنْ أوقفها وزيرُ التعليم السابق مايكل غوف، فسلَّط الله عليه من يُقصيه من الصفوف الأمامية لحكومة المحافظين الحالية في بريطانيا.
    ومن حسن الصدف، أن شتاينبيك نال جائزة نوبل للآداب في نفس العام (1962) الذي نال فيه كلٌّ من توماس واتسون وفرانسيس كريك وموريس ويلكينس جائرة نوبل في علم وظائف الأعضاء أو الطب؛ وكان يمكن أن تشاركهم فيها روزاليند فرانكلين، لو أن لوائح الجائزة تسمح بإعطائها لأسرِ الراحلين والراحلات. وتيمُّناً برواية "بشأنِ الفئران والرجال"، كتب فرانسيس كريك كتاباً بعنوان "بشأنِ الجزيئيات والرجال" (1966)، فكأنه يريد أن يقول بلسانٍ طلقٍ فصيح إن السرد، ممثلاً في عنوان رواية أمير السرد الأمريكي، هو أفضلُ الطرقِ لتوصيل المعرفة الجديدة المُكتسبة بشأنِ الحلزونِ المزدوج، الحاملِ للحامض النووي الريبي منقوص الأكسجين (دي إن إيه)، الحافظِ بدوره للخصائص الوراثية؛ وعلى نفس المنوال، ألَّف شخصانِ كتاباً في عام 2000 تحت عنوان "بشأنِ العقول والجزيئيات"، وهو عبارة عن استبصاراتٍ فلسفية حول علم الكيمياء.
    أما بخصوص ملاحظاتك عن السرد، فإنها سديدة، وهي التي دفعتني، في المقام الأول، إلى التوغُّلِ في مزيدٍ من السرد ضمن هذا التعقيب، إلا أن مدَّهُ (أو إنْ شئتَ شدَّهُ) إلى ما قبل لحظة "الانفجار العظيم"، فليس بمقدورِ شخصٍ عاديٍّ تحقيقه؛ فياليتني كنتُ متحرِّكاً بالضمِّ على حرفِ الكاف، أو ساكناً بالوقفِ على حرفِ النون، ولكن هيهات؛ فذاك مقامٌ لم يُشركِ اللهُ فيه أحداً غيرَه: "ما أشهدتُهُم خلقَ السماواتِ والأرضِ ولا خلقَ أنفُسِهِم وما كُنتُ مُتَّخذَ المُضِلِّين عَضُداً" ("الكهف"، آية رقم "51"). ولكننا نتشارك في مجال الحقيقة، وهو يشمل كافَّة مجالات العلوم الطبيعية والإنسانية، كما يشمل الخبرات المكتسبة في مجالات الفنون والآداب جميعها. والحقيقة بهذا المعنى، هي اسمُ جنسٍ لكلِّ ما هو حقيق؛ وهي -وإنْ كانت في ظاهرِها صيغةُ مفردٍ مؤنث- صيغةٌ تشمل في إطارها، في واقع الأمر، كلَّ ما تمَّ التأكُّد منه وتعزيزه وتثبيته، ولو بصورةٍ مؤقتة. ويتفرَّد "مَنْ يَخْلُقُ" على "مَنْ لا يَخْلُقُ" بأنه "يحقُّ الحقَّ بكلماته"، كما جاء في سورة ("يونس"، الآية رقم "82")؛ وهو الحقُّ وقولُه مرادفٌ لاسمه: و"قولُهُ الحَقُّ"، كما جاء في سورة ("الأنعام"، الآية رقم "73")؛ أما رُسُلُه، فترتقي الحقيقة لديهم بفضلِ رسالتِهم ذاتِها إلى مرتبةِ الحقِّ: "حقيقٌ عليَّ أن لا أقولَ على اللهِ إلا الحَقَّ"، كما جاء على لسان موسى عليه السلام في سورة ("الأعراف" الآية رقم "105").
    والحقيقةُ شأنُها في هذا شأنُ الخليقة، فهي اسمُ جنسٍ لكلِّ ما هو خليق؛ وكذلك البسيطة فهي اسمٌ للأرض، وتشمل كلَّ ما هو مسطحٌ وبسيط؛ والشبيبة اسمُ جنسٍ لكلِّ من شبَّ: ذكراً كان أم أنثى؛ وإذا صحَّ هذا الزعمُ، فإن الدابة هي أيضاً اسمُ جنسٍ لكلِّ حشرةٍ تدبُّ على الأرض. وفي هذا الشأن، يورد عالمُ الأحياء المتخصِّص في النمل، ومؤسِّسُ علم الأحياء الاجتماعي، إدوارد أو ويلسون، قصَّةً للنملِ في كتابٍ له تحت عنوان "الخلق" (2006)؛ إنْ أنت تأمَّلتها، وقارنتها بسورة "النمل"، لعرفت الفرقَ بين الحقيقةِ -التي هي تكهُّنٌ بتفسيرٍ لوقائعَ، والحقِّ –الذي هو في الدرجةِ الصفرِ من التفسير تحققٌ وكشفٌ للوقائعِ ذاتها. هذا علاوةً على أن من حقِّ "مَنْ يُخْلَقُ" أن يخُطَّ كتاباً عن الخلق، إلا أن "مَنْ يَخْلُقُ" يُنشئُ الخلقَ ذاتَه ثم يُعيدهُ؛ "أَوَ لم يَرَوا كيف يُبدئُ اللهُ الخلقَ ثم يُعيدهُ إن ذلك على اللهِ يسيرٌ" ("العنكبوت" الآية رقم "19").

    محمد خلف

    (عدل بواسطة munswor almophtah on 01-02-2015, 00:46 AM)

                  

01-01-2015, 12:48 PM

munswor almophtah
<amunswor almophtah
تاريخ التسجيل: 12-02-2004
مجموع المشاركات: 19368

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: عادل القصاص الحصه قصه//محمد خلف الله عبدالله....... (Re: munswor almophtah)

    محمد خلف الله عبد الله، مخاطباً عادل القصاص:


    "نظرية "الانفجار العظيم"، في حدِّ ذاتها، لا تنفي الاعتقاد الديني في أيٍّ من تمظهراته فيما يتعلق بأصل الكون ومآله (على حدِّ تعبيرك الموفَّق)."-


    إبراهيم جعفر، سائلاً محمد خلف الله عبد الله:

    ذلك صحيح تماماً.

    ثُمَّ: هلا لا تحدسُ، مثلي، يا محمد خلف، صلة ما، على مستوى الفلسفة، وليس مستوى العلم الطبيعي، على الأدق، ما بين نظرية "الانفجار العظيم" تلك ونظرية "الخلق المستمر" عِندَ أصحاب "علم الكلام" من فلاسفةالمسلمين الأشاعرة؟



    هامش: أما بشأن ما قلتماه عني، بل ما نفحتُمَانِيَ به، يا عادل ومحمد خلف، في أرجاء عدة من هذا البريد، من طيّب الكلامِ، فأنا، في كامل شأني، لستُ تماماً قدره. على كُلٍّ، لكما العرفان، بل بعض دمع العرفان، على الأدقِّ/الأرِقِّ!

    إبراهيم جعفر
                  

01-01-2015, 12:51 PM

munswor almophtah
<amunswor almophtah
تاريخ التسجيل: 12-02-2004
مجموع المشاركات: 19368

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: عادل القصاص الحصه قصه//محمد خلف الله عبدالله....... (Re: munswor almophtah)


    وثَمَّةُ هذا التعقيب، الحميم أيضاً، من محمد خلف:



    إلى إبراهيم جعفر وكلِّ من تقاسموا معي الفضاء الداخلي لإلفةِ البيوت

    عزيزي إبراهيم
    أرجو أن تسمح لي باعتبارِ هذا القسم الأول من الردِّ على تساؤلك بمثابةِ ردٍّ على عددٍ من الإخوة والأصدقاء الذين علَّقوا على رسالتي إلى عادل القصَّاص فور ظهورها على موقع "سودانفورول"؛ فقد لاحظت أن كلَّ مَنْ سَارَعَ إلى التفاعلِ معها لحظةَ نشرِها، تربِطُني به -بصورةٍ أو بأخرى- وشيجةً حميمة تتعلَّق بفضاءِ البيت وإلفته، أو بدرجةٍ أخص بفضاءِ الغرفة ورائحتها الأليفة. ففي بيت حي الزهور، تقاسمت غرفةً مع عبد الله عبدالوهاب، وبشير سهل، وعبد المنعم رحمة، وجعفر التجاني، كما تقاسمت فضاء البيتِ العامرِ دوماً معك؛ ذلك البيت الذي كانت تعمُر أماسيه نقاشاتٌ أدبية وفكرية لا تُنسى، اشترك فيها عددٌ من الأسماء المعروفة، من بينهم: عبد القدوس الخاتم، والراحل عبد الواحد كمبال، والراحل سامي سالم، وعبد القادر محمد إبراهيم. وفي الفتيحاب، تقاسمت الغرفة مع علي بابكر؛ وكان يعمُرها بشكلٍ دائم أو شبه دائم كلٌّ من محمد مدني، وعادل عبد الرحمن، وأسامة الخوَّاض، وعبد اللطيف علي الفكي، وعمَّار محمود الشيخ، والسر السيِّد، وخالد عبد الله، وحسن كفاح؛ كما كانت تُقام في الفضاءِ المعروشِ خارجها ندوة الفتيحاب، التي شرَّفها المفكِّر حيدر إبراهيم علي، والحاج وراق، والماحي علي الماحي، وعبد المنعم رحمة، ومحمد عبد الحميد، ومحمد بيرق حسين، والراحل خلف الله حسن فضل، وأبوبكر الأمين، وجمال الزبير وأحمد الفكي. وفي السجَّانة، تقاسمتُ المنزل العامر مع الصديق العزيز إبراهيم بحيري، بصحبة عبد المنعم رحمة؛ وكان البيتُ لا يخلو من الصحاب، من أمثال أسامة الخوَّاض، وعبد اللطيف علي الفكي؛ وكانت زوجته الراحلة إيفا تحتملنا بصبرٍ ومحبَّة، وتراقبنا –وعلى مقربةٍ منها ابنهما باسل- بدهشةٍ واستغرابٍ أوروبي من نمطِ حياتِنا العجيب. وفي كلٍّ من امتداد شمبات والصافية، تقاسمتُ البيتين مع عبد المنعم رحمة، الذي استضاف بِنُبْلٍ ومحبَّة عدداً لا يُستهان به من الكتَّاب؛ من ضمنهم، محمد مدني وعادل عبد الرحمن، وعمَّار محمود الشيخ، وشخصي؛ وكان البيتُ لا يخلو من حَمَلَةِ القلم؛ من بينهم، الشاعر الصديق محمد طه القدَّال، وتاج السر سليمان (أبو السُرَّة)، وأسامة الخواض، وعبد اللطيف علي الفكي، والسر السيِّد. وفي الحارة الحادية والعشرين، تقاسمت البيت الواسع مع الصديق العزيز مسعود محمد علي، بصحبة عبد الله عبد الوهاب، وكان يؤنسنا أحياناً محمد جلال هاشم بتحمُّسه وتحليلاته الثقافية المُستحدثة حول موضوع الهويَّة. أما في حي الكراكسة، فقد نشأتُ وترعرعتُ إلى جانب أخي بابكر، ثم انتقلنا إلى الثورة، ترعانا أمٌّ فاضلة، ويكفلُنا خالٌ شهم، لولاه لما أكملتُ، بفضلِ الله، تعليماً؛ ولما نجحتُ، بصُحبَةِ إخوتي، في معركة البقاء اليومية على قيدِ الحياة؛ ناهيك عن أن أصبح كاتباً صاحبَ رسالةٍ لم أستبنْ إلى الآن كافَّةِ جوانبها. أما سميِّ محمد خلف الله سليمان، فعلى الرغم من أننا لم نتقاسم سكناً واحداً، إلا أننا أقمنا تحت اسمٍ واحدٍ، وتَشَارَكْنَا، بسببِ الخلطِ في الاسمين، أفضالَ بعضِنا، مثلما تحمَّلنا نصيباً من الأخطاء التي يرتكبها بعضُنا البعض على طولِ طريقِ الإنتاج الكتابي.
    من يعرفونني عن قرب، يدركون أنني كثيرُ الكلام، قليلُ الكتابة؛ وأحاول منذ مدَّةٍ أن أعكس هذا الاتجاه، ولربما تكون رسالتي إلى عادل القصَّاص تدشيناً لهذا المنحى الجديد. لكنني، على أيِّ حالٍ، لم أستغرب تلهُّفَهم بالتعقيب، وكأنهم قد لمِسوا بحدسِهم التلقائيِّ إرهاصاً جديداً لهذا الاتجاه. إلا أن وشيجة الإلفة الناتجة بسببٍ من فضاء المنزل وشعريَّة المكان، بتعبير الفيلسوف الفرنسي غاستون باشلار، إضافةً إلى المورِّثات الجينية والتحام الاسم بالاسم، هي التي سرَّعت بهذه الحدوس، فسَارَعوا بنشرِ تعقيباتهم على موقع "سودانفورول". ولو كنت مُلِمَّاً بالبعدِ الاجتماعيِّ الراسخ لأركانِ النقاش بالمواقع المختلفة داخل الشبكة، لرددتُ على كلِّ واحدٍ منهم فرداً فرداً، ولكن اللهَ أراد من وراءِ ذلك خيراً، فقد سخَّر لي سياقاً يمكنني من الردِّ عليهم جميعاً بنبرةٍ واحدة، ونَفَسٍ واحد.
    وبالرغم من أن دفء المكان وحميميته يولِّد الإلفة والشعور بالأمان، إلا أنه يولِّد أحياناً الاحتكاك والشعور بالضيق، لكن اللهَ قد كرَّمني بأن أسمعني شهادةً من العديد من الذين تشاركت معهم رُوْحَ المكان، بأن الأيام التي قضيتها معهم تُعدُّ من أفضل أيام حياتهم، أو بحسب تعبير بحيري، من أثرى أيام حياتهم؛ وها هو الصديق التشكيلي ابن أمي الثالثة حاجَّة آمنة بنت همرور، عبد الله محمد الطيِّب، يسأل بتلهُّف، عبر محادثةٍ هاتفية مع عثمان حامد، عن فترة بري، التي لم تكن لتغيبَ عن الرسالة لولا غيابُ السياق الذي أُوْقِفَ بشكلٍ شبه حصريٍّ على القصَّاصين؛ وهي فترةٌ تزدهي بالفنانين على مختلفِ ضروبِهم، إذ كان على رأسِها عبد الله نفسُه؛ وشقيقته المسرحية والمخرجة التلفزيونية القديرة مريم محمد الطيِّب؛ وزوجها في ذلك الوقت ووالد بنتيها سالي وعزَّة، المسرحي والشاعر الغنائي المبدع خطَّاب حسن أحمد؛ والفنان الراحل عبد العزيز العميري الذي كان يعطِّر أجواء البيت بنكاته وأغانيه الصدَّاحة، بصحبة المبدع عازف العود الماهر مهلَّب علي مالك، الذي كان يتبادل الغناء مع عميري، ويتبارى معه في صنع القفشاتِ والنكاتِ البارعة؛ كما كان المكانُ يتعطَّر أحياناً بأريجٍ من نفحاتِ المقداد شيخ الدين، المذيعِ التلفزيونيِّ لاحقاً، وشقيقته تماضر التي لا يُباريها أحدٌ في التمثيل المُرتجل، وصنعِ النكات اللطيفة والمواقف الكوميدية بشكلٍ فوريٍّ وتلقائي.
    أما بخصوص سؤالك الأساسي، يا إبراهيم، بشأنِ الصلة، على مستوى الفلسفة وليس على مستوى العلم الطبيعي، ما بين نظرية "الانفجار العظيم" ونظرية "الخلق المستمر" عند الأشاعرة، فقد نبَّهني الدكتور الراحل محمد عابد الجابري، في أكثر من موضعٍ بكتاباته الفلسفية، بعدم الانزلاق في مشكلات الماضي أو الانخراط في صراعاته؛ هذا لا يعني، بالطبع، عدم تناولها كمادَّةٍ أكاديمية في مؤتمرٍ بحثي أو فصلٍ دراسي. إلا أنني اهتممتُ أيضاً بقوله بأن الفلسفة العربية كانت توظيفاً للفكر اليوناني في مجال الدولة العربية الناشئة. فاستخلصتُ بدوري بأنه ما دام أن علم الكلام قد تأثَّر بالفلسفة العربية وترسَّم خطاها في طريقة طرح القضايا وتناولها بالتحليل، وبما أن الفلسفة اليونانية كانت شاملةً لكلِّ العلوم المُتعارف عليها اليوم، فإن علم الكلام لم يواجه علوماً منفصلةً عن رحمها الفلسفي، كما لم يواجه فلسفةً خاليةً من مصادراتِ العلوم الطبيعية، مما أنتج خلطاً لا جدوى من إعادةِ إنتاجه.
    وإذا أضفنا إلى ذلك، القولَ بأن العلوم الطبيعية قد استقلَّت، وشبَّت عن الطوقِ الفلسفي، إلى درجةٍ وصلت معها إلينا صيحاتٌ صادرةٌ عن عددٍ من العلماء الأفذاذ، على رأسهم إستيفن هوكينز، بأن الفلسفة قد ماتت، فإن من الحكمة بمكان، تناول القضايا الدينية بإزاء العلوم الطبيعية بمعزلٍ عن الفلسفة، مع تجاهل تلك الصيحات غير المُستنيرة التي تظنُّ شططاً بأن الفلسفة قد نفقت؛ وبنفس المستوى، فإن من الحكمة تناولها (أي القضايا الدينية) بإزاء الفلسفة وقد تبرأتْ من الشحناتِ الأيديولوجية والنظرياتِ العلمية التي أكل عليها الدهرُ وشرِب، والتي سبَّبت في السابق كثيراً من المتاعب للمشتغلين بالفلسفة وعلم الكلام، وعلى رأسهم أبو حامد الغزالي، الذين رأوا فيها، بوضعها الهجينِ ذاك، تهديداً للدين.
    بالطبع، يمكنك يا صديقي، إنْ وجدت ما يربط بين نظرية "الانفجار العظيم" و"الخلق المستمر" أن تُضيئَها لنا نحن جمهرة القرَّاء المتابعين لاستبصاراتِك الفلسفية، ولكنني أُنبهكَ مقدَّماً بما استفدته من تحفُّظ الجابري، ولا أتمنى لك أن تسقط في وهدة الانجرار إلى صراعات الماضي؛ فأمامنا القرآن، وفيه قولُ الحقِّ؛ وأمامنا العلوم الطبيعية والاجتماعية، وبها المناهج التي تنتج الحقيقة بدرجاتها وتشكُّلاتها المختلفة؛ وأمامنا أخيراً الفلسفة، بما فيها صناعة المنطق، فعن طريقِها يتمُّ صقلُ المناهجِ التي تنتج بدورِها الحقيقة بدرجاتِها المعرفية المتنوِّعة.

    (عدل بواسطة munswor almophtah on 01-02-2015, 09:57 AM)
    (عدل بواسطة munswor almophtah on 01-02-2015, 10:01 AM)
    (عدل بواسطة munswor almophtah on 01-02-2015, 10:05 AM)

                  

01-02-2015, 10:33 AM

munswor almophtah
<amunswor almophtah
تاريخ التسجيل: 12-02-2004
مجموع المشاركات: 19368

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: عادل القصاص الحصه قصه//محمد خلف الله عبدالله....... (Re: munswor almophtah)

    العزيز عبدالله الشيخ السلام ورحمة الله عليك والبركات إن الفرح فى ذلك الزمان فرض كفايه فقد ناله الطاهر بشرى وسقط
    عنكم عمدا بل شقّ الحُلم به وأحسبها كانت سنة كبيسه فقد كدحتم فيها كدحا لتلتقوا بالقصاص ومحى الدين الزين وسيف الفاضل
    ليكون ملاذكم الأخير الثوره الحاره السابعه ب(بسم الله مجراها ومرساها) يا عبدالله ما أروع التدوين الذى يدوِّر الأزمنة والأمكنه
    ويزويها ويعيد ذات الإحساس وذات الظرف وتتجدد المتعه وتتمدد حباً ووفاءً وإخلاص لصناع تلك السانحه النادره القيمه
    فى تاريخ إجتماع الأخاء والنبل البديع ألف تهانىّ لك وللأسره وألف أمانىّ لك ولمن معك بسعد السنين القادمات كلها وألف سلام عليك.


    منصور

    (عدل بواسطة munswor almophtah on 01-04-2015, 06:10 AM)

                  

01-04-2015, 00:30 AM

munswor almophtah
<amunswor almophtah
تاريخ التسجيل: 12-02-2004
مجموع المشاركات: 19368

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: عادل القصاص الحصه قصه//محمد خلف الله عبدالله....... (Re: munswor almophtah)


    الدكتور فضيلى جماع السلام ورحمة الله عليك والأسره وأسعدكم
    الله بسعادة الأبناء وأكرمكم، فقط وقوفك على هذا الحوض المعرفى والنبع
    الجمام والجامع لأطياف أهل الإبداع من كل لون وجنس فى تناغمٍ وتجانسٍ
    وتداخل حميمٍ ودالٍ على الهم المعرفى والنهم الجبار لتحقيقه
    بكل الطرائق والوسائل المتاحه رغم قسوة الظرف وندرة الأسباب
    وقلة الحيّل ولكن كان هناك حراكاً شمله هذا الفتح الإلهامى الذى تنزل
    على خلف وحواه بلطف وإتقان وما سكت عن شئ فيه عنوةً ولكن عفواَ
    وحقق بذلك تدويناً لجهد جيل يبقى إمتداداً لمدارس المعرفه المختلفه
    بعد العباسى والتجانى وأحمد عبدالرحيم ومدرسة الفجر وجماعة أبوروف
    وما تلاهم من جهد الأربعين التحررى إلى الغابة والصحراء وأبا دماك
    وما تلاها ليتواصل البناء المعرفى بالتسليم السلس للأجيال بجهد عباقرة
    كما الأنبياء يفعلون ذلك جيلاً إثر جيل فالشكر لك أبو شيراز فلك ولها
    ولأمها التهانى وسمح الأمانى والسعاده الأبديه.


    منصور

                  

01-04-2015, 05:40 AM

Amin Mahmoud Zorba
<aAmin Mahmoud Zorba
تاريخ التسجيل: 02-09-2005
مجموع المشاركات: 4578

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: عادل القصاص الحصه قصه//محمد خلف الله عبدالله....... (Re: munswor almophtah)

    يا الله يا الله
    لمتعة الكلام
    حين تكون الصلاة صلاة
    وحين تكون اللغة حيز الوجود
    شكرا
    للكل
    منصور محمد خلف
    وعادل
    سوف اعيد البوست من الأول
    قد اعود
    او اموت من اللذة

    (عدل بواسطة Amin Mahmoud Zorba on 01-04-2015, 05:41 AM)

                  

01-04-2015, 11:37 PM

munswor almophtah
<amunswor almophtah
تاريخ التسجيل: 12-02-2004
مجموع المشاركات: 19368

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: عادل القصاص الحصه قصه//محمد خلف الله عبدالله....... (Re: Amin Mahmoud Zorba)

    الأخ Amin Mahmoud Zorba
    السلام والإجلال والتقدير أنعم الله عليك ببصرٍ يفوق ما للحدأة وببصيرةٍ
    تفوق ما للحداة من أهل الفراسة والكشف لتتكشف لك الأشياء وتراها
    كما رأيتها الآن بسر(لَقَدْ كُنْتَ فِي غَفْلَةٍ مِنْ هَذَا فَكَشَفْنَا عَنْكَ غِطَاءَكَ فَبَصَرُكَ الْيَوْمَ حَدِيدٌ) لترى
    الصلاةِ فى الصلاة ويتطابق معنى الفقه واللغه برباط (وخالق الناس بخلق حسن) وما سعة اللغة لتستوعب الوجود
    إلا لقداسة فيها وما تحويه من سر الأسرار فى الكاف والنون.
    شكرا يا زوربا.


    منصو

    (عدل بواسطة munswor almophtah on 01-04-2015, 11:48 PM)
    (عدل بواسطة munswor almophtah on 01-04-2015, 11:51 PM)
    (عدل بواسطة munswor almophtah on 01-04-2015, 11:52 PM)

                  

01-06-2015, 00:18 AM

munswor almophtah
<amunswor almophtah
تاريخ التسجيل: 12-02-2004
مجموع المشاركات: 19368

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: عادل القصاص الحصه قصه//محمد خلف الله عبدالله....... (Re: munswor almophtah)

    عزيزي منصور
    فيما يلي:
    تعريفٌ موجز وكلماتُ وفاءٍ قليلةِ العدد جليلةِ الشأن في حقِّ الأمهاتِ الأربع
    سبق أن وعدت بإعدادِه لكَ، ولصالحِ قُرَّاءِ رسالتي إلى القاصِّ المبدع عادل القصَّاص

    حاجَّة صفية الثانية: هي صفية بنت السيِّد محمود بن السيِّد حامد بن الخليفة محمد شريف (ابن عم الإمام المهدي وخليفته الثاني، بعد التعايشي) الذي قتلته قواتُ كتشنر في قرية الشكابة، التي سُمِّيت باسمه (الشكابة شريف)، والدة المُحتفى به عادل حسن محمد (الشهير بـعادل القصَّاص)؛ وهي أيضاً أمي الرابعة: ورثت ’حرارة‘ القلب من مُناصري الثورة المهدية، فوظَّفتها في الدفاع عن المُستضعفين، وتحمَّلت بما تبقَّى لها من طاقةٍ روحية وقوَّةِ دفعٍ عارمة أصدقاءَ ابنِها عادل المُبعدين عن الخدمة، مهما كثُر عددُهم، أو طال زمانُ تشرُّدِهم في البلاد.
    حاجَّة آمنة: هي آمنة بنت عثمان همرور، والدة المخرجة التلفزيونية والممثلة المسرحية مريم بنت آمنة بنت همرور (الشهيرة بـمريم محمد الطيِّب)، وخالة المعلِّمة الرائعة والممثلة المسرحية القديرة تماضر بنت علوية بنت همرور (الشهيرة بتماضر شيخ الدين)؛ وهي أيضاً أمي الثالثة: استطاعت بحنكتها، وبراعتها التلقائية الآسِرة، أن تتحاورَ على قَدَمِ المساواة مع أبنائها المتعلِّمين رفيعي الثقافة، وبناتها المتعلِّماتِ رفيعاتِ الثقافة، وكانت تبُزُّهُم في كثيرٍ من الأحيان، خصوصاً حينما يتعلَّق الأمرُ بالبعدِ الاجتماعيِّ للحياة والترتيباتِ المعيشيةِ اليومية.
    حاجَّة صفية الأولى: هي صفية بنت بدوي سليمان كركساوي، والدة النصري أمين علي النصري، الرجلِ الصالح الذي يسعى بين أيديكم في ولاية ألبرتا الكندية (الشهير بجدو)؛ وهي أيضاً أمي الثانية: أنجبت أحدَ عشرَ كَوْكَبَاً وكَوْكَبَة (هذا غير الراحلتين شادية وسامية، أسكنهما الله فسيحَ جنانه)، وتحمَّلت بجدارةٍ أعباءَ تربيتهم، بمعاونةِ أبٍ فاضل، فلم يُحوِجاهم إلى شيء، حتى ليحارَ المرءُ كيف صاروا يستأنفون مسيرة الحياةِ العاديةِ بدونهما.
    حاجَّة منى: هي منى بنت مكي حسن حمد، والدة أخي الشاعر أبي بكر (الشهير ببابكر الوسيلة سر الختم)؛ وهي أيضاً أمي الأولى: أوقفت حياتها على تربيةِ أبناءٍ وبناتٍ خلَّفهما لها زوجانِ رائعانِ (طيَّب الله ثراهما)؛ إلا أنها سعت، علاوةً على ذلك، ضمن علاقاتٍ أسرية واسعة وممتدة، إلى ملازمةِ المرضى ووصلِ الرحم، وبثِّ روح المرح في بيوتِ الأفراح والمناسبات الاجتماعية السعيدة، كما لم تتوانَ لحظةً عن مواساةِ المكلومين حين يفاجئهم موتٌ خاطفٌ بقدومٍ لا مفرَّ من حدوثه.

    محمد خلف

    (عدل بواسطة munswor almophtah on 01-11-2015, 01:57 AM)

                  

01-06-2015, 10:13 PM

munswor almophtah
<amunswor almophtah
تاريخ التسجيل: 12-02-2004
مجموع المشاركات: 19368

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: عادل القصاص الحصه قصه//محمد خلف الله عبدالله....... (Re: munswor almophtah)


    عزيزنا خلف السلام ورحمة الله عليك ياخ يقولون سئل جحا عن ما إذا
    كان غريق البحر أم حاره النار فأجاب حلو السكر ولوسئلت أنا نفس
    السؤال لما ترددت بأن أقول ممتعةٌ جدا كتابة محمد خلف والتى تمور
    بإحساس ضخم وسخاء معرفى جبار ووفاء من أجل الوفاء وأريحية العباقره
    لا بل عتاة العباقره فما ردك للصادق إسماعيل وحفاوتك وفرحك
    الطفولى البرئ به وكثافة الرسالة التى بعثتها له بل لطفها الهلامى الذى
    يهز ساق كل من مر عليها مهما تضخم أو أنتفخ هذه وما بعثتها لإبراهيم
    جعفر يستحقان مقام مقامات الحريرى ورسائل صكوك الغفران للمعرى
    وعبقريات الجاحظ وفلسفة لغته لا بل لغة فلسفته شكرا خلف صنعت لنا
    موسماُ للإحتفاء والإحتفال موافقا لمواسم الإحتفالات الكونيه والوطنيه
    الجامعه الشكر لك ثم الشكر لك بهذا الفتح الكتابى المبين والسلام لك وللأسره.


    منصور

    (عدل بواسطة munswor almophtah on 01-07-2015, 02:08 AM)

                  

01-07-2015, 02:06 AM

abdalla elshaikh
<aabdalla elshaikh
تاريخ التسجيل: 03-29-2006
مجموع المشاركات: 4001

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: عادل القصاص الحصه قصه//محمد خلف الله عبدالله....... (Re: munswor almophtah)

    UP
                  

01-07-2015, 11:32 PM

munswor almophtah
<amunswor almophtah
تاريخ التسجيل: 12-02-2004
مجموع المشاركات: 19368

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: عادل القصاص الحصه قصه//محمد خلف الله عبدالله....... (Re: abdalla elshaikh)

    الشيخ عبدالله الشيخ رفع الله شأنك وعلاك بكرمه وتنازيله اللدنيه
    وعلمك سر العلم وعلم السر وإياك يا ود الشيخ والتحايا لك


    منصور
                  

01-09-2015, 02:21 AM

munswor almophtah
<amunswor almophtah
تاريخ التسجيل: 12-02-2004
مجموع المشاركات: 19368

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: عادل القصاص الحصه قصه//محمد خلف الله عبدالله....... (Re: munswor almophtah)


    العزيز محمد خلف لا يعرف الفضل إلا أهل الفضل ولا ينسى الفضل إلا
    غير فاضل ولا يحفظه إلا الأفاضل، نساءٌ من إكسير ولا يخلف الإكسير
    إلا فرعاَ منه فبنات همرور من منا لم يذق فضلهن المدفوق على الناس
    بسخاء يسرُ قابضيه وحاصليه أما الصفيتين فقد جئن بالأصفياء
    ومثالاَ لذلك عادل والنصرى أما منى فقد منحتك لنا منذ أن منحناك
    ناديه وصرت منيحة درارة للمعارف لنا ولسوانا حفظها الله فى الدارين
    وبراها بلطفه وأكرمها بفردوسه بعد أن يمتعها بسعادتكم أجمعين وكذا
    نسأل اللطف والكرم للأخريات فى الدنيا والآخره يا أكرم الأكرمين
    وتجدنى جد مسرورٍ بنيل البركة من ثلة الصالحات ولك الشكر
    والسلام.

    منصور

    (عدل بواسطة munswor almophtah on 01-09-2015, 02:23 AM)

                  

01-10-2015, 00:25 AM

عادل القصاص
<aعادل القصاص
تاريخ التسجيل: 11-27-2004
مجموع المشاركات: 43

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: عادل القصاص الحصه قصه//محمد خلف الله عبدالله....... (Re: munswor almophtah)


    على حلقاتٍ خمس، سنبدأ هاهنا في إعادة نشر الحوار الذي أجراه معي، في مطلع هذه الألفية في القاهرة، الصديق يحيى فضل الله العوض؛ وهو الحوار الذي استدعتني ذكرى أحدِ محاوره أن أكتب المقال الإنجليزي الذي أعدت نشره في صدرِ هذا الخيط، مستعيراً النصف الثاني للعنوان الذي أبدعه يحيى لذلك الحوار، وهو "عادل القصَّاص والحِصَّة قِصَّة". كان يحيى قد أجرى هذا الحوار عن طريق الاستكتاب، عندما كانت إقامتي تَتوَزَّعُ بين شقَّة صديقنا الراحل-المقيم أحمد الطيِّب عبد المُكَرَّم وشقَّته؛ ومن ثَمَّ قام بنشره، للمرَّةِ الأولى، على خمس حلقات، في صفحته التي كانت تحمل اسم "نوافذ"، التي كان يشرف على تحريرها في جريدة "الخرطوم" على أيامِ صدورِها من القاهرة.


    نوافذ مفتوحة
    =========
    يحيي فضل الله
    ===============
    عادل القصَّاص والحِصَّة قِصَّة ( 1)
    ========================


    ( حين تختمرين في عصبي
    أُسائلُ كلَّ نافذةٍ ستأتي بالعصافيرِ
    التي غازلتْ صمتَ الحروف )


    هي النوافذُ مفتوحةٌ ، لكنها ، عصافيرُ الحكي هي التي كانت تتمانع علينا ؛ هنا في هذه المدينة القاهرة ، كتبت مرَّةً معلناً خيبتي العاطفية تجاه هذه العصافير ، كتبت: "مؤلمٌ أن العصافيرَ لا تخصُّني" ، تهرب منِّي ومنه عصافيرُ الحكي ، أن نجادلَ بعضنا بالسرد ، أن ننتمي إلى الحكي خاصَّةً وأنها علائقُ تخصُّنا ، تخصُّه وتخصُّني ، نحدِّقُ في فراغاتٍ نحاول أن نشحنها بذلك الصمت الظاهر، بينما الدواخلُ تخفي تلك الضجَّة التي بإمكانها أن تُحالَ إلى منولوجٍ كثيف ، هي أسئلتي التي كتبتها محرِّضاً صديقي القاصَّ عادل القصَّاص على نوعٍ من تلك الحوارات الحميمة ، أسئلتي كادت أن تتملَّص من شهوتها وهي تُهملُ شهوراً داخل إحدى جيوب عادل القصَّاص ، أعرفه ، فهو ضنينٌ بالكتابة ، و لكنه يلوذ إليها - الكتابة - حين يخطفه برقٌ يخصُّه نحو الاشتعال ، حين لا مناصَ منها؛ و هي - الكتابة - رغبةٌ حارقة في أن يصفعَ تفاصيلَ الكآبة والاكتئاب ، حين يخرج من اللاجدوى ويحسُّ أن بالإمكان أن يمنح بياض الورق ذلك الجدل الكثيف مع سواد الحبر . عادل القصَّاص يحبُّ أقلام الحبر السائل ؛ فذاتَ ظهيرةٍ مَلُولةٍ ومرتبكةٍ بكثيرٍ من الضجر، ضجَّت دواخلي بفرحٍ لا يمكن إخفاء ملامحه، وذلك حين سألني عادل وهو يحاول أن ينتهزَ خروجي أنا وهادية والأولاد من الشقَّة ، سألني بفكرةِ كاتبٍ محتقن تجاه استثمارِ وتفعيلِ وحدته :-
    "قلم السايل الباركر وين يا يحيي ؟"
    دخلت الغرفة وناولته القلم والمحبرة السوداء بهمَّةٍ محرِّضة ، ولم تمضِ ربع ساعة حتى أعاد إليَّ عادل القصَّاص القلم الباركر والمحبرة، و كأنه يحاول أن يتخلَّص من قدرٍ حتمي ، فكان أن ارتبكت فرحتي في الدواخل.
    أفتحها النوافذ تجاه عوالمه الثرَّة، وأمامي الآن على ورقٍ أصفرَ مكتوبٍ عليه بالأزرق هذا الكرنفال من السرد ، أخاف من صمتِ هذا الكاتب القصصي المميَّز ، أخاف من السجن داخل ذلك الانخطاف السياسوي المباغت، والذي عادةً ما يحيل المواهب إلى ركامٍ ورمادٍ وهذيان ، أخاف من خصوبةٍ في الخيال قد تتحوَّل إلى عقم ، أخاف من أن يتحوَّل الاستثنائي إلى عادي.
    هاهي النوافذُ مفتوحةٌ وها هو عادل القصَّاص يطلُّ منها:

    وُلِدتُ في إحدى سليلات النيل الأزرق ، هي قرية الشُكَّابَة ، ولتمييزها عن عددٍ من الشَكَاكِيب ، سُمِّيَتْ "الشُكَّابَة شريف" نسبةً إلى محمد شريف ، ابن عم الإمام محمد أحمد المهدي ؛ كما كانت هي الموقع الذي دارت فيه إحدى معارك الإنجليز الأخيرة ضد المهدية ، حيث اُسْتُشْهِدَ ، من بين مَنْ اُسْتُشْهِدَ ، ابنا المهدي ، بشرى والفاضل . لهذا ، فإن قاطني قريتنا كانت تربطهم "الوشيجة الأنصارية" إلى جانب أواصر القربي والنسب والمصاهرة التي كانت تجمع غالبيتهم . هناك ، في تلك الشُكَّابَة ، نَبَتُّ . كانت طفولتي مفعمةً بالنيل الأزرق ، بطميه ، بجروفه ، بأسماكه ، بتمساحه العشاري الذي لم أره ، برماله البيضاء التي يتراقص فيها بعضُ لمعانٍ ذهبي ، بجميزته التليدة التي تثمر ، من بين ما تثمر، ظلالاً . كانت طفولتي تَغُصُّ بالبِلْدَات ، بالمطامير ، بأكواخِ القش ، بغرفِ الجالوص ، بجنينة جدِّي لأمي ، هي بستانُ فاكهة وخضروات ، باللبنِ المُقَنَّن، بروثِ البقر والأغنام ، بنباحٍ كلابٍ وعواءِ مرافعين لم أرها ونهيقِ حمير ، بالهجليج والسدر ذي الثمار وردية اللون ، لاذعة المذاق ، ببشارةِ الخريف ، الدعاش ، بأعراسِ نهاية الموسم ، الدَرَت ، بغسلِ النساء للملابس على الشاطئ و مهارةِ خالتي مريم في السباحة ، بالعزيمة والبَخْرَة ، باللوح والمِحاية .
    لم تنجب جدَّتي سوى أُمِّي ، لذا كان حبُّ جدَّتي لنا بالغَ التركيز . كنتُ لصيقاً بجدَّتي ، لهذا كانت أبجديتي مكتظةً بالأحاجي والخرافاتِ والأساطير . كانت جدَّتي وأُمِّي تحكيان لي ملامحَ من تاريخ المهدية مؤسطرةً . كانت تقولان لي إن المهدي انتصر على "النصارى" في الجزيرة أبا وقدير وشيكان بسيفٍ من شجرِ العشر ، وأن وجبته المفضَّلة كانت عبارة عن "كسرة بي مويه" ، التي كانت تطلقان عليها - تَحَبُّبَاً وتسويغاً - عبارة "سَمْن المهدي" . لم تكونا - شأنهما في ذلك شأن كلِّ قاطني القرية - تتحدثان عن "واقعة الشُكَّابَة" كهزيمة . اكتشفنا ، ذات لهوٍ ، نحن بعض أطفال القرية ، أجزاءً من هياكلَ عظميةٍ بشرية قديمة كانت مقبورةً في منطقةٍ ما بين القرية والشاطئ ، حيث جرفت سيولُ الأمطار بعضَ القبور ، فظهرت لنا أجزاءٌ من تلك الهياكل العظمية . وحين أخبرْتُ جدَّتي وأُمِّي بما اكتشفنا ، قالتا لي ، دون تردُّد ، وبلهجةٍ واثقة ، إن تلك بقايا جثث الأنصار الذين هزموا الإنجليز ( النصارى ) في الشُكَّابَة. على كلٍّ ، ما زلت إلى الآن أجد صعوبة في التعامل مع تلك الواقعة بكونها هزيمة ، ولست منزعجاً من ذلك . بالإضافة إلى ذلك ، كانت أُمِّي تسرد عليَّ ، بحالةٍ تتناوس ما بين النشوة والفخر ، حكاياتٍ عن سلالة أبي ، الذي كان يؤكِّد لي صحَّتها ، وكيف أن بعضهم كانوا فرساناً هَمْبَاتَة ، لصوصاً شرفاء ؛ ومازلت ، بسببِ حكاياتِ أُمِّي ، أحتفظُ بصورةٍ أسطورية لجدِّي محمد ، والد أبي ، باعتباره كان قصَّاصاً فَذَّاً للأثر ، من ذلك أذكر أن أُمِّي كانت تقول عنه ، ويؤكِّد أبي ، إنه كان ذا حذاقةٍ في تَتَبُّعِ الأثر، حتي ولو في الماء .

    النبشُ في الذاكرة ، تحديداً ذاكرة الطفولة ، عادةً ما توثِّق ملامح امتصاص الإنسان للحياة ؛ وإذا اعتبرنا أن ذاكرة القاصِّ هي ذاكرةٌ يُعوَّلُ عليها كثيراً في هذه المهام ، مهام الحكي والسرد واختزان التفاصيل والأحداث والشخصيات وملامح المكان وتذوُّق الأزمنة ، فها هي ذاكرة عادل القصَّاص ، ذاكرة طفولته تعطي لهذه النوافذ مشروعية إنفتاحها و حشدها لتفاصيل تلك الذاكرة .

    في الخامسة من عمري أو في زهائها ، انتقلنا إلى أمدرمان ، إلى حي ود نوباوي ، الذي كان ، مثل العديد من أحياء أمدرمان القديمة يتمتَّع بوشائج ، سلوك ، ملامح ، نكهة وآيديولوجيا القرية . في ودنوباوي، سمعت ، رأيت ، شممت ، لمست المهدية بشكلٍ مختلف ، على أنه كان شكلاً متَّسقاً مع "مهدية الشُكَّابَة ؛ ففيه - في ود نوباوي - ازدادت الوقائع وتعدَّدت مصادر الحكي والسرد عنها . ثمة جدَّات ، خالات ، عمَّات أخريات . لم ترسخ في وجداني وذهني حكاياتٌ من شاكلة "فاطمة السمحة والغول"، مثلما رسخت حكايات ، وقائع ، أمكنة ، شخصيات المهدية ، المؤسطر معظمها.
    في ذلك الوقت ، لم تكن أمدرمان ، بالنسبة إليَّ ، سوى ودنوباوي ، قُبَّة المهدي ، متحف بيت الخليفة عبد الله التعايشي ، ساحة المولد ، بوابة عبد القيوم ، الإسبتالية ، كوبري النيل الأبيض ، النيل ، المُكَرَّس في تصوُّري لـِ "السيرة" ، مبنى البلدية بساعته الكبيرة وبتمساحه العشاري الشهير ، حي بيت المال ، الذي كنت أتصوَّره منزلاً ذا غرفٍ ممتلئة حتى السقف بالعملاتِ الورقية والمعدنية . كلُّ تلك الأمكنة لم تكن بالنسبة إليَّ إلا جزءاً من ود نوباوي . كان حي ودنوباوي ، كما الشُكَّابَة : عنقريب ، فروة ، سِبْحة لالوب ، حُق ، فِرْكَة قرمصيص ، فردة ، توب زراق ، طلح ، شاف ، كليت ، حِنَّة ، رحط ، قيلولة قهوة ورَمِي وَدِع . كان حي ودنوباوي ، الذي هو أمدرمانُ كلُّها بالنسبة إليَّ ، عبارة عن منزلِ أسرتِنا المديدة الموسوم بـِ "حوش يابا السيد حامد" ذي النفَّاجات التي تؤكِّد على أواصره الحميمة والصميمة .
    كان ودنوباوي جدَّتي لأبي نفيسة ، سريعة الانفعال والصداع ، المتطرفة في حُبِّها لنا ، كان حياء وارتباك عمَّتي بتول ، كان نزق وشهامة وأسطورية عمِّي محمود ود مكِّي ، ذي الحُقَّة الأسطوانية الصغيرة فِضِّية اللون ، مُحَدَّبَة القاعدة والغطاء ، مُفَصَّصَة المتن . كان الحضور الصاخب ، عن غضب أو فرح ، لعمِّي كمال طمبل . كان نطقي الخاطئ لاسم أحد أعمامي ، حيث كنت أقول "صاروخ"، عوضاً عن "فاروق" . كان رهافة عمَّتي النعمة بت القصَّاص بكلامها المتلاحق الكلمات وممضوغها .
    كان ودنوباوي الأناقة ذات الذوق الإنجليزي غير المسبوقة في حوشنا لعمِّي محمد شريف ، تاجر الأناتيك ، وابنته سلوى المجبولة على العاطفة الرحيبة والوسامة والثياب البشوشة والضحكات الطليقة . كان شجرة تمرهندي في باحة منزلنا . كان شارع ود البصير ، محطَّة زمراوي ، حِلَّة ود السيد ، القُرَشَاب ، عبد الكريم الحافي ، السوق الجديد ، الحريقة ، الدومة ، التكيَّة ، دكان علي الإمام ، دكاكين اليمانية ، بإستراتيجية الناصية ، حلاوة طحنية ، حلاوة لبن ، حلاوة لَكُّوم ، بسكويت كوكو ، كَرَمِلَّا وبزيانوس . كان قُضِّيمَاً ، بلحاً ، دُقَّة قنقليس ، ودُوْمَاً وبوقاً يعلن عن قدوم عربة الدندرمة أو بائع حلاوة قُطُنْ . كان ودنوباوي جلابية على الله ، راتب المهدي ، عَرَّاقِي دمورية أو دَبَلَان ، جلابية بوبلين أو سكروته ، عباية سميكة أو عِمَّة ساكوبيس ، أزِقَّة تُخَاصِر البيوت ولعبة دومينو أمام بيت عمِّي عوض خيري ، تاجر الخيش . كان تلاوة الشيخين صديق أحمد حمدون وعوض عمر للقرآن ، سرادق الأفراح والمآتم ، الرحمتات ، المولد ، سمسمية ، عرائس وأحصنة من السكر واللون الوردي . كان ودنوباوي شملة ، رائحة الدلكا ، كَثَّة الهويَّة ، عرضاً راقصاً لعروسٍ في السباته ، رشَّةً من عطرِ فلير دمور وريف دور.
    حينما انتقلنا إلى مدينة المهدية ، التي جعلت عنقي يشرئب لرؤية جبل كرري ، كنتُ على أهبة المدرسة الأولية ، التي ذهبت إليها بجلابية ، عمامة ، شِدَّة بيضاء وبوجدانٍ عامر وخيالٍ مُخَصَّب . "الحِصَّة قِصَّة!" كانت تلك هي الفاتحة ، عتبة من الشغف والجاذبية ، تلك هي الحَضْرَةُ ، تلك هي حضرتي ، إذاً ، أنا درويش ، مجذوب الحكي والسرد . كان أغلب ما تحتويه مادَّتَي العربي والدين محكياً ومسروداً ، المطالعة ، الوقائع القرآنية ، السيرة النبوية ، الصحابية والراشدية ، لتنضمَّ إليها لاحقاً ، متوخيةً هاتين الخصيصتين ، مادَّة التاريخ . ما أن تمكَّنت من القراءة ، وقد فعلت ذلك على نحوٍ من السرعة، كأنِّي كنتُ أعدو نحو شيءٍ فاتني ، حتى شرعت ألتهم كتب المطالعة والتاريخ التهاما . كنتُ أقرؤها من الغلاف إلى الغلاف ، رغم أن أساتذتنا كانوا بالكاد يدرِّسوننا نصفها .
    كانت مدينة المهدية إذاً ، مدرسةً ، جَرَسَاً ، طابوراً دقيقاً للتأكُّد من تشذيب شعر الرأس ، قصِّ الأظافر ، نظافة الملابس الخارجية والداخلية ، فصلاً بكنباتٍ و أدراجٍ داكنةِ الخضرة ، فُسْحَةً ، سندوتشاتٍ ، فولاً ، سلطة أسود ، طعمية ومربَّى ، عطلاتٍ ، دافوري ، أُمَّ الصِّلَص ، شَدَّتْ ، حَرِّينَا ، كَمْبَلَتْ ، السورو ، البِلِّي ، ضَرَّاباً وجُلَّة ، الحِجْلَة ، اختلاسَ تَسَلُّقِ وركوبِ عرباتِ الكارو من الخلف ، استئجارَ درَّاجة ، محاكاةَ نداءاتِ الحلبي مُرَمِّم الأسِرَّة والعربي شاري القناني ، الصفائح والجوَّالات الفارغة وبائع الترمس والكبكبي . كانت المهدية ، تلفزيون الجيران ، جنَّة الأطفال وماما صفية ، سمير أبو سمره وحمدي بولاد، مسلسل الكلبة لاسي ووليام تيل ، عبد الحليم حافظ وحسن يوسف.
    "الولد ده ما بذاكر ، الولد ده ما حينجح في المدرسة"
    هذا ما كان يقوله أبي بغضبٍ حقيقي.
    "يا ولدي الصور دي والدخان حيقدِّدوا عيونك"
    وهذا ما كانت تقوله أُمِّي باحتجاجٍ رخو ، إذ يرياني منهمكاً لأوقاتٍ طويلة في مجلات "ميكي" و"سمير" ، لاسيما ليلاً وأنا في وضعيةٍ شبه احتكارية للفانوس ، ذلك أننا كُنَّا قد انتقلنا لشهورٍ وجيزة إلى الحارة التاسعة بمدينة الثورة التي لم تكن شبكة الكهرباء قد غطَّتها بعد . كانت محاولات أبي لإطفاء الفانوس كثيراً ما تُصاب بالفشل، بسببِ اعتراضاتِ أُمِّي المدجَّجة بنتائجي في الامتحانات السابقة ، فيما أبي يبتعدُ ممتعضاً وهو يتمتمُ بكلامٍ يقول بتسبُّبي في نفادِ وقودِ الفانوس قبل أن يحينَ أجلُه .
    انتقالُنا الأول ، الوجيز ، إلى الثورة - الحارة التاسعة - والثاني ، المديد ، إلى الحارة السابعة ، لم يضعف علاقتنا بالمهدية ، فقد ظلَّت هي عاصمتنا ، مدرسة ، كهرباء ، شارع أسفلت ، شفخانة ، مستشفي ، زرائب عيش ، حطب وفحم ، طاحونة ، طابونة ، بائع برسيم ، بائع لبن ، سوق ، باعَّة خراف موسميين ، أراجيح الأعياد ، راديو ، صوت صالحين ، تور الجر ، أبو قبوره ، لسان العرب ، أسماء الوفيات ، ما يطلبه المستمعون ، وردي ، سيِّد خليفة ، عثمان حسين ، محمد أحمد عوض ، صلاح بن البادية والطيِّب عبد الله ، الذي كانت شقيقتي عواطف تتواشج معه بـِ "السنين"، فيما هي تقوم بكنسِ الباحة . ظلَّت المهديةُ ، باسطةً ، بسبوسةً ، سَرَنْدَبُل ، كُنافةً ، بَقلاوةً ، خُشَافاً ، عصير ليمون وكركدي ، سينما جوَّالة ، سينما الحارة الرابعة ، السواري ، بائعي التسالي ، التبش والعَجُّور، اصطفافاً غالباً ما تُصاب استقامته بالاختلال ، المناظر ، الاستراحة ، الجابري وهوج الرياح ، ديجانقو ، أميقو ، رِنْقو ، ماشيست ، هرقل ، روشا ، دارسنج ، ممتاز ، شامي كابور وسَبْنَا .... فيما حِصَّة القِصَّة ، التي لم أكن أستمع إليها بأذنيَّ فحسب، وإنما كنتُ أصغي إليها بعينيَّ وشراييني وأوردتي أيضاً ، أخذتْ فتراتُها تتباعد كلَّما تقدَّمنا سنةً دراسية ، كانت علاقتي تتوطَّد بـِ "سوبرمان" ، "الرجل البرق" ، "الوطواط" ، "طرزان" ، "بونانزا" ، "المغامرون الخمسة" و"الشياطين ال13" ، إلى جانب التهامي الذي بات نَهِمَاً لكتب المطالعة والتاريخ ؛ أهو نوعٌ من التعويض ؟
    كنتُ ، على عكسِ جلِّ التلاميذ ، لا أمَلُّ حِصَّة الإنشاء ، وكنتُ أكتبُ موضوع الإنشاء بدِقَّة وعناية ؛ ترى هل كان ذلك تَمَثُّلَاً وتعويضاً معكوساً؟
    في السنةِ الخامسة ، التي استبدلنا فيها الجلابيب والعمامات البيضاء بأرديةٍ قصيرة داكنةِ الزُرْقة وقمصانٍ فاتحةِ الزُرْقة ، أذكرُ أن مدرِّس مادَّة العربي كان كثيراً ما كان يُذَيِّلُ تقييمه لكتابتي الإنشائية ، بعد تقرير جيِّد ، جيِّد جداً وأحياناً ممتاز، بكلمة "أشكرك"؛ فيما كان أستاذ مادَّة الرياضيات يزداد امتعاضاً منِّي، وفيما كانت علاقتي ، التي بدأت قبل ذلك ، تمعن في الرسوخ بـِ "أرسين لوبين" ، "القدِّيس" ، "شرلوك هولمز" ، "أجاثا كريستي" و"الهارب"، الدكتور ريتشارد كمبل ، الطبيب الذي أُتُّهِمَ ظلماً بقتلِ زوجته ، وهرب ليبحثَ عن القاتل الحقيقي ، الذي هو الأكتع.

    و لا تزال النوافذ مفتوحةً على عوالمِ القاصِّ عادل القصَّاص، وستغازل عصافيرُ الحكي والسرد عليها صمتَ الحروف.

    (عدل بواسطة عادل القصاص on 01-10-2015, 05:58 AM)
    (عدل بواسطة عادل القصاص on 01-11-2015, 04:01 AM)
    (عدل بواسطة عادل القصاص on 01-12-2015, 04:47 AM)
    (عدل بواسطة عادل القصاص on 01-24-2015, 03:31 AM)

                  

01-11-2015, 02:04 AM

munswor almophtah
<amunswor almophtah
تاريخ التسجيل: 12-02-2004
مجموع المشاركات: 19368

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: عادل القصاص الحصه قصه//محمد خلف الله عبدالله....... (Re: عادل القصاص)


    عزيزي منصور
    فيما يلي:
    تعريفٌ موجز وكلماتُ وفاءٍ قليلةِ العدد جليلةِ الشأن في حقِّ الأمهاتِ الأربع
    سبق أن وعدت بإعدادِه لكَ، ولصالحِ قُرَّاءِ رسالتي إلى القاصِّ المبدع عادل القصَّاص

    لو كان لي نصيبٌ من فصاحتك، وسلاسة عبارتك، و"خفَّة دم" كلماتك؛ لكنْتُ ضمَّخْتُ دعواتي إلى أمهاتي الأربع بعطرِ الورد، ولمَزَجْتُ عباراتي بطعمِ الكمثرى ونكهةِ القرنفُل. إلا أن
    طبيعة التعريف المقتضب تقتضي تقليصاً لمساحةِ الفقرات، مما يستتبعُ حَجْراً محلياً على حرية الاستطراد، وتكبيلاً مؤقتاً لتقنياتِ الكتابة؛ هذا فيما تتزاحمُ المعلوماتُ الواردة لِتشغلَ مكانها الطبيعي ضمن سياق التعريف الموجز.
    فأرجو أن تفسحَ للعباراتِ التالية حيِّزاً يليقُ بوالدة المُحتفى به حتى تشغلَ كلماتُها صدارةَ الفقرةِ الأولى:
    حاجَّة صفية الثانية: هي صفية بنت السيِّد محمود بن السيِّد حامد بن الخليفة محمد شريف (ابن عم الإمام المهدي وخليفته الثاني، بعد التعايشي) الذي قتلته قواتُ كتشنر في قرية الشكابة، التي
    سُمِّيت باسمه (الشكابة شريف)، والدة المُحتفى به عادل حسن محمد (الشهير بـعادل القصَّاص)؛ وهي أيضاً أمي الرابعة: ورثت ’حرارة‘ القلب من مُناصري الثورة المهدية، فوظَّفتها في الدفاع
    عن المُستضعفين، وتحمَّلت بما تبقَّى لها من طاقةٍ روحية وقوَّةِ دفعٍ عارمة أصدقاءَ ابنِها عادل المُبعدين عن الخدمة، مهما كثُر عددُهم، أو طال زمانُ تشرُّدِهم في البلاد.
    حاجَّة آمنة: هي آمنة بنت عثمان همرور، والدة المخرجة التلفزيونية والممثلة المسرحية مريم بنت آمنة بنت همرور (الشهيرة بـمريم محمد الطيِّب)، وخالة المعلِّمة الرائعة والممثلة المسرحية القديرة تماضر بنت علوية بنت همرور (الشهيرة بتماضر شيخ الدين)؛ وهي أيضاً أمي الثالثة: استطاعت بحنكتها، وبراعتها التلقائية الآسِرة، أن تتحاورَ على قَدَمِ المساواة مع أبنائها المتعلِّمين رفيعي الثقافة، وبناتها المتعلِّماتِ رفيعاتِ الثقافة، وكانت تبُزُّهُم في كثيرٍ من الأحيان، خصوصاً حينما يتعلَّق الأمرُ بالبعدِ الاجتماعيِّ للحياة والترتيباتِ المعيشيةِ اليومية.
    حاجَّة صفية الأولى: هي صفية بنت بدوي سليمان كركساوي، والدة النصري أمين علي النصري، الرجلِ الصالح الذي يسعى بين أيديكم في ولاية ألبرتا الكندية (الشهير بجدو)؛ وهي أيضاً أمي الثانية: أنجبت أحدَ عشرَ كَوْكَبَاً وكَوْكَبَة (هذا غير الراحلتين شادية وسامية، أسكنهما الله فسيحَ جنانه)، وتحمَّلت بجدارةٍ أعباءَ تربيتهم، بمعاونةِ أبٍ فاضل، فلم يُحوِجاهم إلى شيء، حتى ليحارَ المرءُ كيف صاروا يستأنفون مسيرة الحياةِ العاديةِ بدونهما.
    حاجَّة منى: هي منى بنت مكي حسن حمد، والدة أخي الشاعر أبي بكر (الشهير ببابكر الوسيلة سر الختم)؛ وهي أيضاً أمي الأولى: أوقفت حياتها على تربيةِ أبناءٍ وبناتٍ خلَّفهما لها زوجانِ رائعانِ (طيَّب الله ثراهما)؛ إلا أنها سعت، علاوةً على ذلك، ضمن علاقاتٍ أسرية واسعة وممتدة، إلى ملازمةِ المرضى ووصلِ الرحم، وبثِّ روح المرح في بيوتِ الأفراح والمناسبات الاجتماعية السعيدة، كما لم تتوانَ لحظةً عن مواساةِ المكلومين حين يفاجئهم موتٌ خاطفٌ بقدومٍ لا مفرَّ من حدوثه.

    محمد خلف

    (عدل بواسطة munswor almophtah on 01-11-2015, 01:54 PM)
    (عدل بواسطة munswor almophtah on 01-11-2015, 02:13 PM)

                  

01-12-2015, 03:28 AM

munswor almophtah
<amunswor almophtah
تاريخ التسجيل: 12-02-2004
مجموع المشاركات: 19368

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: عادل القصاص الحصه قصه//محمد خلف الله عبدالله....... (Re: munswor almophtah)


    سُئل بدوىٌ عن ما إذا كان هنالك أفضل من (هاك)
    أجاب بالحيل ( أقيف النزيدك)
    فزادنا الله بما تفضل به علينا من ما سخر به عبده محمد خلف الله عبدالله
    ببره الأطاط ونحن له جد شاكرين.


    منصو
                  

01-13-2015, 02:32 AM

munswor almophtah
<amunswor almophtah
تاريخ التسجيل: 12-02-2004
مجموع المشاركات: 19368

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: عادل القصاص الحصه قصه//محمد خلف الله عبدالله....... (Re: munswor almophtah)

    عزيزي منصور

    اختمر في ذهني فكرةُ هذا الردِّ منذ مدَّة، فلم يتهيأ ظرفٌ مناسب للكتابة،
    إلا قبل قليل. فأرجو أن تنشره في ركنك، وأن تعتذرَ عنِّي للتأخير، إنْ رأيت داعياً لذلك

    مع خالص الود

    محمد خلف


    ما بين أمين زوربا السوداني وأليكس زوربا اليوناني

    تنبَّه أمين محمود زوربا في مشاركته الحميمة إلى الصلة (أو إنْ شئت الاعتماد المشترك/التعزيز المتبادل) بين المتعة والصلاة (حينما تكونُ الصلاةُ صلاةً؛ وإلاَّ، فإنها حركةٌ جسمانية منتظمة، تقترب شيئاً فشيئاً من الرياضة البدنية العادية). ولو تمَّ التشديدُ على المتعة وحدها، لسقطت عباراته تحت مظلَّة مذهب المتعة الذي جاء به ديموقريطوس اليوناني، أو تحدَّرت إلى ما يُشبة الأبيقورية الإغريفية، إنْ لم نقُلْ تطاوحتْ كلماتُه حتى لامست ما قال به كلٌّ من جيرمي بينثام وجون إستيوارت مِل في القرن التاسع عشر. ففي المتعة تجويدٌ للصلاة (وهذا أمرٌ يسهُل تصوُّره)، إلاَّ أن في الصلاةِ أيضاً توقُّعاً واستحصالاً للمتعة؛ فقد رُوي عن رسول الله أنه قال: "يا بِلَالُ، أقِمِ الصلاةَ أرِحْنَا بِهَا".
    أما صديقي الشاعر سيد أحمد بلال، فقد أراحنا جميعاً بأن هيأ لنا في عام 1998 ترجمةً لعملٍ تأسيسيٍّ من أعمال نيكوس كزانتزاكيس من اليونانية مباشرةً (وليس ترجمةً ثانيةً عن طريقِ لغةٍ أوروبية أخرى، كما جرتِ العادة)، وهو كتاب "تصوُّف" (وهو مقابلٌ قد توخَّى فيه المترجم موازاةً وتقريباً لثقافةِ القارئ العربي الإسلامي، وكان يمكن أن يكون "باطنية" أو "روحانية" أو "غموضية" أو غيرها مما يوحي بصلةٍ مباشرةٍ، بلا واسطة، مع مصدرِ الإلهام أو الألوهية)، الذي يُجسِّد، حسب بلال، رؤيا كزنتزاكيس الأساسية التي عبَّر عنها في ما بعد من خلال أعماله الروائية، ومن ضمنها رواية "زوربا اليوناني"، الذي تسمَّى به أمين محمود السوداني.
    كان كزانتزاكيس يسعى لتحقيقِ عدالةٍ في الأرض، ولكنه أيضاً كان يحرص على إسنادها بقاعدةٍ روحية لم تكن متوفِّرة في الثقافة الأوروبية السائدة، فلجأ إلى تحصيلها من الهامش، غربياً كان أم شرقياً؛ ففي رواية "زوربا"، كان بطل الرواية "بازل" يقرأ، قبل مقابلته لـِ"أليكس زوربا" في مقهًى بميناء بيريه، مقاطعَ من "الكوميديا الإلهية"، كما كان يقارن نفسه ببوذا؛ إلا أن كلَّ ذلك قد تبخَّر في الهواء، عندما التقى بـِ"زوربا"، الذي قدَّم نفسه كطاهٍ، وعاملِ منجم، وعازفٍ لآلة السنتوري الموسيقية؛ فصحبه معه إلى جزيرة كريت التي كان يسعى في إحدى قُراها النائية إلى إعادةِ افتتاحِ منجمٍ ورثه عن والده. وبمعرفته لـِ"زوربا"، تغيَّر كلَّ شيء؛ فلم يكن "زوربا" شهوانياً، غارقاً في المتعةِ إلى أذنيه فقط، بل كان يوظِّف كلَّ ذلك في الدفاع عن المستضعفين والأرامل، ويتخذ حبَّه للحياة مطيَّةً للصبر على المكاره، ودرعاً واقياً لامتصاص الصدمات.
    ولا شيءَ يمكن أن يجسِّد ذلك أفضل من الرقصة التي جاءت في نهاية الفيلم الذي حمل اسم الرواية، والتي أصبحت تُعرف بـِ"رقصة زوربا"، لأنها كانت مزجاً بين نوعين سائدين من الرقص اليوناني التقليدي: السريع، الذي يعتمد على القفز بإيقاعٍ خفيف؛ والبطئ، الذي يعتمد على سحب الأرجل ببطء على ساحة الرقص. فبعد ثلاثِ تجاربَ فاشلةٍ لإعادةِ التشغيل، انهار منجمُ الفحم الحجري الذي صمَّمه زوربا؛ وبدلاً من الإحباط وخيبة الأمل العميقة وتبادل اللوم الذي لا يجدي، انهمك الرجلان (أنتوني كوين في دور "زوربا"، وألان بيتس في دور "بازل") في تناول وجبة الغداء المكوَّن من لحمِ الحملِ المشوي، الذي أُعد خِصِّيصاً للاحتفال بإعادة تدشين المنجم؛ ولم يكتفيا بذلك، بل انخرطا بكلِّ كيانهما في ممارسة رقصة السانتوري، التي اشتُهرت لاحقاً بـِ"رقصة زوربا".
    فشكراً يا أيها السمي النبيه لملاحظتك الثاقبة؛ وشكراً لله من قبلُ ومن بعدُ، فقد هيأ لي عبر تعليقك الحصيف، سانحةً للحديث عن الصديق العزيز، الشاعر الرقيق، سيد أحمد علي بلال؛ فقد كنت راغباً، لولا ضيقٌ في السياق، في الزجِّ باسمه في رسالتي للقاصِّ عادل القصَّاص، التي كانت في معظمها وَقْفَاً على القصَّاصين، ولكن الله أراد أن يرِدَ اسمُه –حتى الآن- ثلاثَ مراتٍ في الردودِ والمشاركات التي جاءت في أعقاب الرسالة؛ وها هي فرصةٌ أخرى، أرجو أن يتسلسل منها ردودٌ ومشاركات. وأرجو أخيراً أن تعود إلينا، عزيزي زوربا، مرَّةً أخرى، مدجَّجاً بما يُمتع من كلام، وبرغبةٍ عارمةٍ في التواصلِ مع القراء عبر هذا الركن.
                  

01-13-2015, 04:55 PM

munswor almophtah
<amunswor almophtah
تاريخ التسجيل: 12-02-2004
مجموع المشاركات: 19368

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: عادل القصاص الحصه قصه//محمد خلف الله عبدالله....... (Re: munswor almophtah)


    إستطاع خلف أن يقارب بين أمين وأليكس زوربا بذات الصلاة التى تصنع
    التطهير بالإنكفاء على الذات والنزوع إليها وأعتزال عوالم الأشباح لعوالم
    الأرواح حيث السمؤ الأبدى بالغا مقاما للتصوف ومقاما لمجد الفلسفه
    الأبقوريه التى بلغت السموق وقتذاك ووقت الأيونين كذلك لتصنع
    أسباب مجدها ومجد الدوله العباسيه التى أخذت علم الكلام من السفسطة والجدل
    الأبقورى ليزدهر التصوف والتطهير ويبلغ شأواَ كييرا فى عهدها ببروز مدارس
    علم الكلام شكراَ أمين زوربا على
    حث خلف على العصف الذهنى ودلق أسباب التطهير وأسس التصوف
    الباكر وتحقيق قيمة الصلاة والصلاه وشكرا لخلف الذى جعل ذلك ممكناً.



    منصور

    (عدل بواسطة munswor almophtah on 01-13-2015, 04:56 PM)
    (عدل بواسطة munswor almophtah on 01-13-2015, 04:58 PM)
    (عدل بواسطة munswor almophtah on 01-13-2015, 05:00 PM)

                  

01-14-2015, 11:50 AM

munswor almophtah
<amunswor almophtah
تاريخ التسجيل: 12-02-2004
مجموع المشاركات: 19368

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: عادل القصاص الحصه قصه//محمد خلف الله عبدالله....... (Re: munswor almophtah)

    وطن حواه قولاً مبدعٌ هو زين العابدين وغناه بفرادة مبدع هو كابلى فكيف تقف عجلة إبداعه!؟



                  


[رد على الموضوع] صفحة 1 „‰ 2:   <<  1 2  >>




احدث عناوين سودانيز اون لاين الان
اراء حرة و مقالات
Latest Posts in English Forum
Articles and Views
اخر المواضيع فى المنبر العام
News and Press Releases
اخبار و بيانات



فيس بوك تويتر انستقرام يوتيوب بنتيريست
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة
About Us
Contact Us
About Sudanese Online
اخبار و بيانات
اراء حرة و مقالات
صور سودانيزاونلاين
فيديوهات سودانيزاونلاين
ويكيبيديا سودانيز اون لاين
منتديات سودانيزاونلاين
News and Press Releases
Articles and Views
SudaneseOnline Images
Sudanese Online Videos
Sudanese Online Wikipedia
Sudanese Online Forums
If you're looking to submit News,Video,a Press Release or or Article please feel free to send it to [email protected]

© 2014 SudaneseOnline.com

Software Version 1.3.0 © 2N-com.de