الليبرالية :اسسها و المواقف المختلفه منها
د.صبري محمد خليل/ استاذ الفلسفة بجامعه الخرطوم [email protected]
يستعمل مصطلح الليبرالية للتعبير عن دلالات ومعاني مختلفة، فالمعنى اللغوي للمصطلح هو الحرية،غير أن لمصطلح الليبرالية دلالتين: دلالة عامة مشتركة: اى الحرية كمفهوم مجرد تشترك في فهمه كل الفلسفات والمناهج، ودلالة خاصة منفردة اى ما اكتسبه مفهوم الحرية من معنى كمحصله لتطبيقه في واقع اجتماعي معين زمانا ومكانا(واقع المجتمعات الغربية منذ القرن السابع عشر حتى اليوم)، وهو المعنى الذي تنفرد بفهمه فلسفه ومنهج معينين(هما الليبرالية كفلسفة ومنهج) .
تستند الليبراليه كمنهج إلي فكره القانون الطبيعي، ومضمونها( أن مصلحه المجتمع ككل تتحقق حتما من خلال عمل كل فرد فيه على تحقيق مصلحته الخاصة). فللمنهج الليبرالي اذا بعد سلبى يتمثل في القول أن تحرير الناس من القيود المفروضة عليهم شرط لازم لتغيير الواقع،ولكنه يفتقر الى البعد الايجابي لانه لم يضع ضوابط موضوعيه لضمان تحقيق التوازن بين مصلحه الفرد ومصلحه الجماعة.
و طبقا لهذا فان المفهوم الليبرالي للحرية قائم على أن حرية المجتمع ككل ستتحقق حتما من خلال سعى كل فرد لتحقيق حريته الخاصة،استنادا إلي فكره القانون الطبيعي. فهو يركز على الحرية الفردية ويتجاهل حرية الجماعة، كما انه يركز على الجانب السلبي للحرية ويتجاهل الجانب الايجابي للحرية ممثلا في ضوابطها.
اما الليبراليه كمذهب (ايديولوجيه) فان تطبيق المنهج الليبرالي على المشاكل التي طرحها الواقع الغربي أدى إلى ظهور الكثير من النظريات في الدولة(الديمقراطية الليبرالية) والقانون(سيادة القانون) والاقتصاد(الراسماليه أو الاقتصاد الحر) والاجتماع والأخلاق(الفردية) والأدب(الفن للفن) ومذاهب في الدين المسيحي(حركات الإصلاح الديني "المذاهب البروتستانتية المختلقة ") والتي يمكن أن نطلق على مجموعها المذاهب والنظم الليبرالية.
أماعلاقة الدين بالدولة فتقوم في الليبرالية على فصل الدين عن الدولة،اى العلمانية التي كانت في الأصل جزء من الديانة المسيحية، وتحولت إلي جزء من النظام الليبرالي كنظام متكامل للحياة جاء محصله عوامل عديدة سادت أوربا نحو سبعه قرون.
وفى اطار المجتمعات العربيه والمسلمه هناك ثلاثه مواقف مختلفة من الليبرالية:
فهناك موقف الرفض المطلق لليبرالية(التقليد)، و يستند إلى أن تحقيق التقدم الحضاري للمجتمعات المسلمة يكون بالعودة إلى الماضي، والعزلة عن المجتمعات المعاصرة.
وهناك موقف القبول المطلق لليبرالية (التغريب)، ويستند إلى أن تحقيق التقدم الحضاري للمجتمعات المسلمة لا يمكن أن يتم إلا باجتثاث الجذور وتبني قيم المجتمعات الغربية.
وأخيرا هناك الموقف النقدي (التجديد) الذي يقوم على أن تحقيق التقدم الحضاري يتم باستيعاب ما لا يناقض أصول الإسلام التى تمثل الهيكل الحضاري للمجتمعات المسلمة،سواء كانت من إبداع المسلمين ، أو إسهامات المجتمعات المعاصرة الأخرى.
ولما كانت المذاهب و النظم الملائمة لتحقيق المبادىء الكلية الصالحة لكل زمان ومكان والتي جاء بها الإسلام، في زمان ومكان معين خاضعة لاجتهاد المسلمين. فانه يمكن للمسلمين الاستفادة من إسهامات المذاهب والنظم الليبرالية بشرط اتفاقها مع هذه المبادىء الكلية و واقع المجتمعات المسلمة .
طبقا لهذه الاصول فان الحرية في التصور الإسلامي بخلاف التصور الليبرالى ليست مطلقه، بل محدودة( مقيده) تكوينيا بالسنن الالهيه التي تضبط حركه الوجود، وتكليفيا بالأوامر والنواهي التي جاء بها الوحي ،وهذا التحديد هو ضمان موضوعي مطلق لتوافر هذه المقدرة،وبالتالي تحقيق الحرية بتحقيق التوازن بين أبعادها المختلفة.
كما ان الحل الإسلامي للعلاقة الدين بالدولة يقوم على انها علاقة وحده(لا خلط كما فى الثيوقراطيه) لان السلطة في الإسلام مقيده بالقواعد الأصول التي مصدرها النصوص اليقينية الورود القطعية الدلالة. كما أنها علاقة تمييز( لا فصل كما فى العلمانيه) لان الإسلام ميز بين النوع السابق من القواعد القانونية والتي اسماها تشريعا، وجعل حق وضعها لله تعالى وحده. والقواعد الفروع،والتي محلها الفقه في الإسلام ،والتي جعل سلطة وضعها للجماعة
والفلسفة الاقتصادية الاسلاميه تلتقي مع الفلسفة الاقتصادية الليبرالية في تقريرها للحرية الاقتصادية، إلا أنها تختلف عنها في وضعها لمجموعه من المبادىء الكلية التي هي بمثابة ضوابط موضوعيه مطلقه للحرية في المجال الاقتصادي أهمها:إسناد ملكية المال لله تعالى وحدهـ ، واستخلاف الجماعة في الانتفاع بالمال،وان الفرد وكيل عنها في الانتفاع المال على الوجه الذي لا يتناقص مع مصالحها.أما الفلسفة الاقتصادية الليبرالية فتنطلق من إسناد الملكية(حق التصرف المطلق في الثروة) للفرد أما على مستوى المذاهب النظم والإشكال الفنية الاقتصادية الملائمة لتحقيق هذه المبادىء،فانه يمكن للمسلمين الاستفادة من إسهامات المذاهب والنظم الاقتصادية الليبرالية في هذا المجال بشرط اتفاقها مع هذه المبادىء الكلية وواقع المجتمعات المسلمة .
كما تلتقي الفلسفة السياسية الاسلاميه مع الفلسفة السياسية الليبرالية في تقريرها للحرية السياسية، لكنها تختلف عنها في تقريرها لمجموعه من المبادىء الكلية التي هي بمثابة ضوابط موضوعيه مطلقه للحرية في مجال السياسة أهمها: إسناد الحاكمية(السيادة- السلطه المطلقه ) لله وحدة،واستخلاف الجماعة بإسناد الأمر(السلطة) إليها،وان الحاكم نائب ووكيل عنها لها حق تعيينه ومراقبته وعزله.أما الفلسفة السياسية الليبرالية فتنطلق من إسناد السيادة(السلطة المطلقة) للشعب. أما على مستوى المذاهب النظم والاشكال الفنية السياسية الملائمة لتحقيق هذه المبادىء الكلية في زمان ومكان معين. فانه يمكن للمسلمين الاستفادة من إسهامات المذاهب والنظم السياسية الليبرالية (الديمقراطية) في هذا المجال بشرط اتفاقها مع بشرط اتفاقها مع هذه المبادىء الكلية وواقع المجتمعات المسلمة.
ترحب سودانيزاونلاين بجميع الاراء الحرة و المقالات ,الاخبار و البيانات لنشرها فى هذه الصفحة.ويمكنك لزوارنا الكرام ارسالها الى [email protected] كما نرجو ذكر الاسم الحقيقى و الكامل و مكان الاقامة مدة بقاء المقال فى هذه الصفحة 10 اعوام
أعلى الصفحة