مسرح فى الهوا (مليان) على قناة الشروق
سيف الدين عبد العزيز ابراهيم – محلل اقتصادى بالولايات المتحدة
[email protected]
فى حملة يوغندا الصحيه الناجحه لمواجهة ومجابهة خطر انتشار فيروس نقص المناعه المكتسبه المسبب لمرض للايدز استخدمت كل الوسائل المتاحه من أحدث التقنيات الطبيه التى تمكنت من الحصول عليها بواسطة المنظمات العالميه المهتمه بهذا الجانب الصحى وفى مقدمتها منظمة الصحه العالميه ومنظمات الأمم المتحده الاخرى المهتمه بالجوانب المساعده للصحه كالتنميه والتعليم, أيضا تلقت يوغندا مساعدات كبيره من الولايات المتحده ومن أوروبا لدعمها فى مسعاها الجاد والمبرمج والممنهج لمكافحة ذلك الوباء. داخليا لم تكتفى الحكومه اليوغنديه بتلقى المعونات فقط أو السكون لتتبع الخطوات الصحيه التقليديه ولكنها اتجهت الى منحى الوقايه والتوعيه لها وفى ذلك استعانت بكل قطاعات المجتمع من رجالات الدين, المدارس, سلاطين القبائل والعشائر,المثقفين, نجوم المجتمع وما الى ذلك من الفئات التى لها المقدره على النفاذ الى الجمهور والتأثير الايجابى عليه لتقبل حملة مكافحة المرض بجديه والعمل بها. من ضمن تلك الفئات استعانت الدوله بالمسرح الشعبى والمدرسى الذى يحبه قطاع مقدر من الشعب اليوغندى وفى مناطق معينه اشتهرت به ضمن قطاعاتها. أظهر ذلك القطاع نجاحا مقدرا أهله للحصول على دعم بعينه مخصص له ضمن المساعدات التى وصلت يوغندا من المنظمات العالميه لقناعاتهم وايمانهم بدوره الفعال وجديته فى التوعيه الجماهيريه. بعد النجاح الذى حققته يوغندا عموما فى مكافحة أو تقليل حالات الاصابه بالفيروس ذلك النجاح الذى أصبح نموذجا اهتدت به الكثير من الدول فى مختلف انحاء العالم اتجهت الدوله الى استخدام تلك الوسيله (المسرح الشعبى والمدرسى) فى قيادة حملات صحيه أخرى ولامراض مختلفه, أيضا استخدمته لمكافحة العادات الضاره لدى المجتمعات الريفيه وما الى ذلك من الجهود التى تأتى فائدتها بمردود ايجابى على المواطن وعلى فئات وقطاعات المجتمع المختلفه وقد اثبت ذلك النهج فاعليته وتكلفته المنخفضه نسبيا.
تذكرت هذا الجهد المبتكر والمحدث لأسلوب وآليه فعاله ذات الطابع الشعبى الناجح وأنا أشاهد برنامج تلفزيونى على قناة الشروق السودانيه يحتوى على مجهود فنى بسيط الانتاج, غنى المضمون, غايه فى الابداع الاخراجى والمحتوى الدسم فى برنامج يطلق عليه (مسرح فى الهوا) وفيه يتناول الممثلون الكثير من المواضيع أو القضايا الاجتماعيه, السياسيه, الاقتصاديه وغيرها وهذا فى حدث ذاته ليس بالخبر الغريب لأن المسرح ومعظم الفنون تتفاعل مع مايجرى فى المجتمع وعلى الشارع فى كل بقاع العالم, ولكن الملفت للنظر ان هذا المسرح يقام على (خشبة) مسرح الشارع وفى الهواء الطلق. أى بمعنى أن هؤلاء الفنانيين والفنانات يقومون بتمثيل أدوارهم فى الشارع وفى الاحياء والمناطق التى يختارونها كنموذج للمناطق التى يجب أن تصل اليها هذه الرساله ومضمون الرساله يتأثر كثيرا بموقع (المسرح), أى بمعنى أن المواضيع التى تطرح أمام المدارس أو الجامعات تختلف عن تلك التى تطرح فى الاحياء الشعبيه أو مناطق تجمع المواصلات وهكذا. وبعد الانتهاء من أداء المسرحيه يتم استطلاع الجمهور المشاهد واشراكه بفاعليه وبطريقه تثرى الحوار والماده المطروحه لمعرفة رأيه فيما طرح ومدى اتفاقه أو اختلافه واضافاته فى عمليه سلسه جعل منها أعضاء الفرقه تجربه ثره وجيده. امكانيات أعضاء الفرقه الخطابيه والحواريه الجيده جعلت من مشاركة الجمهور فاعله لجعلهم للمشارك فى منتهى الارتياح الذى يمكنه من المشاركه دون رهبه مسرحيه أو خوف من الخطابه الجماهيريه التى تقف عقبه أمام الانسان العادى الغير متمرس على التحدث أمام الجمهور. هذا باختصار شديد مايمكننى أن أصف به المجهود مع كل اعتذارى للفرقه المحترمه ان كنت لم انجح فى ايفائهم حقهم واختزلت ادوارهم ورسالتهم دون قصد لأنى لست بالناقد المسرحى ولكن ما أنا بصدده هو المجهود نفسه والذى أعتبره فى غاية الاثراء, الرقى, الفاعليه, والعبقريه, نعم العبقريه, لأن هذا المجهود هو طريقه حديثه وخلاقه فى تقديرى لايصال الرساله أى كان نوعها. أتيحت لى الفرصه بمشاهدة عدة حلقات من على التلفزيون (قناة الشروق) كانت آخرها ما قدمه أعضاء الفرقه من عمل يتناول مرض الايدز والفيروس المسبب له فى محاوله جاده فى غاية البساطه ولكنها قمه فى الفاعليه الاعلاميه من حيث الماده وقوة الرساله الموجهه وبلغه بسيطه يتفهمها الشارع ويتقبلها بيسر شديد. أعجبت أيما اعجاب بمجهودات هذه المجموعه التى أجهل عنها الكثير حتى أسمائهم وتاريخ الفرقه وخلافه ولكنى وجدت نفس غير محتاج لمعرفة الاجابه عن تلك التساؤلات وكان كل اهتمامى هو أن الرساله التى حاولوا ايصالها وفى ذلك نجحوا وبجداره فى الاستحواز على اهتمام المشاهد على التلفزيون والمشارك الحى الذى كان جزءا منها.
هذا الدور المبتكر والخلاق للنشاط المسرحى عموما وللتوعيه على وجه الخصوص, مجهود جدير بالتوقف عنده واتخاذه نموذجا يمكن للمؤسسات السودانيه الاستفاده منه لتفعيل الحملات الصحيه, الاجتماعيه, والتعليميه والتى تخدم الجمهور وتمس حياته مباشره. لقد كتبت كثيرا منتقدا أداء بعض المؤسسات والمسؤولين ونعتهم بفقدان الخيال والقدره على الابتكار والتحديث ولكنى وجدت نفسى أحنى قبعتى الرمزيه اجلالا لهذا المجهود الراقى والفعال الذى تقوم به هذه المجموعه بقناة الشروق. صحيح أن هذه التجربه ليست بالمكتمله أو الناضجه بعد, ولكنها كمنهج فهى غاية التطور ويمكن لقطاعات مختلفه فى السودان مناطه بها نشر المعلومه للمصلحه العامه والتوعيه للجمهور أن تقتبس من هذا النموذج وتطوره أو تحوره بما يخدم رسالتها لخدمه أكثر فعاليه للمواطن. لقد أستمعت الى تعليقات بعض القائمين على أمر هذا الجهد ولبعض النقاد والتى أبدت درجه عاليه من النضج الفنى والابداعى حيث أشاروا الى أو شددوا على دعوة الكل لابداء الرأى النقدى والفنى وللمقترحات لتطوير الاداء وتشجيعهم للافادات المختلفه وهذا فى حد ذاته درجه من النضج الفنى والتطوير لأن الايمان أو الاقتناع بأهمية وجدوى النقد وتقبل الاقتراحات يدل على تفهم هذه المجموعه للدور التكاملى لكل المشاركين من فنانيين, نقاد, وجمهور فى تطوير هذا النموذج. أيضا يمكن لهذا النموذج أن يكون فعالا فى قطاعات التوعيه الصحيه, المروريه, السلامه, محاربة العادات الضاره وما الى ذلك من الحملات التوعويه. ليس من طبعى وبناء على التجربه التعويل الكبير على مشاركة الحكومه فى دعم مثل هذه المناشط والمجهودات ولكن الامل أو العشم فى القطاات الخاصه ومنظمات العمل الطوعى والمجتمع المدنى فى دعم مثل هذا النشاط. ولكن يمكن أو بالأحرى يجدر بالهيئات والقطاعات الحكوميه الاستفاده الفنيه من هذه التجربه لتطوير وسائل مخاطبتها للجمهور واستخدامها كوسيله للتوعيه والارشاد. دور الفنون ليس محصورا فقط فى الترفيه ولكن قياس مدى رقى الامم يمكن الاسندلال على بعض جوانبه بجودة ورقى الفنون بمختلف أنواعها.لكل المساهمين فى برنامج ومجهود مسرح على الهوا كل الدعوات بالتوفيق.
ترحب سودانيزاونلاين بجميع الاراء الحرة و المقالات ,الاخبار و البيانات لنشرها فى هذه الصفحة.ويمكنك لزوارنا الكرام ارسالها الى [email protected] كما نرجو ذكر الاسم الحقيقى و الكامل و مكان الاقامة مدة بقاء المقال فى هذه الصفحة 10 اعوام
أعلى الصفحة