مرثية الذات المنهوكة
بقلم: الدكتور نائل اليعقوبابي
*( إن البشر لا يقتنعون أبداً بأسبابك وصدقك
وجدية عذابك إلا حين تموت، وما دمت حياً فإن قضيتك
مغمورة بالشك.)
- ألبير كامو-
-1-
لأنك غير قادر على القفز فوق حبال الهلاك، ولم تتعلم بعد أبجدية الفرح، ولا تتقن التعبير عما يعتريك في زمن التشتت والوحل، فإنك ستكتشف أن القصيدة التي كتبتها ذات قهر، وفضحت فيها أسرار العناكب والكيزان والبعوض والحشرات الضالة، لا تصلح للقراءة. وأن مفرداتك التي استخدمتها للتعبير عن مأساتك غير جديرة باهتمام النقاد المصابين بلوثة ( التدين الكاذب). لهذا لا غرابة أن تلتمس لنفسك ركناً قصياً يعيد إليك الطمأنينة والسكون والثقة بالنفس بعد أن داهمتك الطرقات بضجرها، والنوافذ بضحالة مواسمها، والحقول بديدانها الشرسة، لا غرابة أن تندفع بكل ما أوتيت من جرأة إلى ابتكار جنون جديد يعيد إليك توازنك مع الذات والكون والحياة.
-2-
لأنك غير قادر على رؤية الشمس تتمرغ فوق رمال البحر عارية إلا مما يستر سوءتها، وغير قادر على متابعة ذوات القد المياس، وهن يترنحن فوق مسرح الابتذال بحنكة ودهاء ويتسابقن في اصطياد الرساميل في دولة المشروع الحضاري!، وغير قادر على ابتداع لغة تعينك على اقتراف إثم المواجهة بلا ضجيج.. فإن حمّى القلق سوف تُنشب مخالبها بفضاءاتك ووعيك وأنت تحاول تفسير الأسباب التي دفعت ذاكرتك إلى قبول الآخر دون الأخذ بالحسبان الظروف التي ترزح تحت وطأتها قضاياك المصيرية في زمن العتمة، والأحداث الجسام التي زلزلت اعتقادك بأننا خير أمة أخرجت للناس، وتصريحات الآخر السياسية التي تؤكد رغبته في اقتحام ذاكرتك وتراثك وتاريخك دون وازع أخلاقي أو رادع إنساني يدعوه إلى احترام حقك في العيش فوق هذه البسيطة بسلام وأمان.
-3 –
لأنك غير قادر على صرف أحلامك في مصارف السياسة دون فائدة.. وغير قادر على مقايضة قصائدك بربطة خبز تسند بها وجودك أو عدمك لا فرق.. ولا تملك أسلوباً بارعاً للدخول في مفاوضات تتعلق بانكسارك وانهيارك.. وغير قادر على زحزحة قضبان الحصار التي فرضتها عليك الصحف والمجالات الأنيقة وكتب الأبراج. وغير قادر على التسكع فوق الأرصفة، وبين البيوت الطينية القديمة التي نقشت فوق جدرانها رسائل عشقك الأولي بسبب ترهل أحزانك واستفحال الأورام الفكرية التي جعلت جهازك العصبي لا يستجيب لعواء الريح وصهيل قراصنة الجسد.
فإنك ستطلق لقدميك العنان لتلحق بالركب الذين لم يتوانو عن اصطياد أحلامك في عز يقظتك، لا لتسايرهم بل لتصوب نحوهم طلقة الألم الأخيرة التي احتفظت بها في أحشاء دموعك التي أهرقتها ذات فاجعة. وآن تصل إليهم سيعلو لهاثك.. وتنتفخ أوداجك.. وترتمي نياشينك وأوسمتك في الطين.. وتداهمك الكوابيس بطقوسها المريرة قبل أن تشرق عليك شمس العذاب..وأنت تحاول أن تغط على زناد مسدسك الذي اتجهت فوهته. بطريقة غرائبية. نحو صدرك المفعم بآهات الحرمان.. وآن تخرج الطلقة ستمّحي خطواتك عن الأرصفة.. وتغلق السماء أبوابها بوجه عرائك.. ووحشتك.. ورهاناتك الخاسرة؟
حينذاك ستنتهي مأساتك بهدوء فظيع.. قبل أن تبدأ أبواق الشتات عويلها!.
ترحب سودانيزاونلاين بجميع الاراء الحرة و المقالات ,الاخبار و البيانات لنشرها فى هذه الصفحة.ويمكنك لزوارنا الكرام ارسالها الى [email protected] كما نرجو ذكر الاسم الحقيقى و الكامل و مكان الاقامة مدة بقاء المقال فى هذه الصفحة 10 اعوام
أعلى الصفحة