The Washington Post
Faith, As I Faced Death
Mohammad Ali Salih
"واشنطن بوست": الايمان، وانا اواجه الموت (ترجمة)
واشنطن: محمد علي صالح
قبل اسابيع، اخرجونا زوجتي وانا سالمين من سيارتنا بعد حادث مروع. صدمت السيارة قطعة حديد في طريق بري. ثم مالت نحو اليمين ونحو الشمال مرات. ثم دارت حول نفسها مرات. ثم انقلبت على الارض مرات. ثم استقرت في النهاية راسا على عقب.
بعد ان رايت الموت بعيني، جعلني الحادث اتساءل عن انواع الايمان المختلفة: الايمان بالنفس؟ او بالله؟ او بشجرة؟ او ببوذا؟ او بكجور؟ او بالامر الواقع؟ او بالحظ؟
-------------
لا، ما كنا تحت تأثير الخمر، ولا كنا نتشاجر، ولا حتى نتحدث. كانت زوجتي تقود السيارة وتسمع المذياع، وانا اقرأ صحيفة.
لاكثر من ثلاثين سنة، ظللنا نقود سياراتنا (قبل ولادة ابننا وبنتينا، ومعهم، وبعد ان كبروا وصارت لهم سياراتهم). خلال كل هذه السنوات، كان اطار سيارة مخروق، مرتين او ثلاث مرات، هو اسوأ حادث حدث لنا كلنا.
لم يكن الطقس مشكلة، فقد كان صباح يوم جميل والشمس ساطعة. ولم تكن السيارة مشكلة، فهي سيارة فورد "اسكيب اس يو في"، عمرها سنوات قليلة، وخرجت لتوها من مراجعة ميكانيكية روتينية.
كنا في طريقنا من منزلنا في ضاحية بيرك (ولاية فرجينيا)، بالقرب من واشنطن العاصمة، الى بون (ولاية نورث كارولينا) لزيارة اهل زوجتي.
وبالقرب من تقاطع الطريقين البريين رقم 81 ورقم 64، بالقرب من ولاية نورث كارولينا، فجأة شعرنا ان السيارة مرت فوق شئ ما. (في وقت لاحق، قالت الشرطة انها قطعة حديد صغيرة وقعت من سيارة كانت امامنا).
كنت واعيا عندما حاولت زوجتي السيطرة علي السيارة عندما مالت يمينا ويسارا. لكنى لا اتذكر ما حدث خلال الثواني القليلة التالية. في وقت لاحق، قالت زوجتي انها هي نفسها لا تتذكر ما حدث خلال تلك الفترة، وقالت:"لفترة قصيرة، كان شئ امامي مثل الظلام."
اول شئ اتذكره بعد ذلك كان منظرنا نحن الاثنين معلقين راسا على عقب من حزام السيارة. بطريقة ما، استطعت التخلص من حزامي. ووقعت على "ارض" السيارة (الذي كان سقفها).. حاولت ان اخرج من السيارة، وادور حولها، وافتح الباب من ناحية زوجتي، واخلصها من الحزام.
لكن، فتح باب السيارة من ناحيتي لمسافة صغيرة، كافية فقط لأن امد يدي الى الخارج.
رأيت عددا كبيرا من الرجال والنساء يوقفون سياراتهم على الطريق، ويسرعون نحونا. كان بعضهم يتحدث في تلفونات، واعتقد انهم كانوا يتصلون بالنجدة. بعد دقائق قليلة، وصلت سيارت الشرطة والمطافئ والاسعاف، وخلصونا.
-----------------
في وقت لاحق، سالت نفسي اسئلة فلسفية:
كيف يجتمع الايمان والموت؟ ماذا نفعل عندما نواجه الموت؟ ماذا نفعل عندما نشاهد آخرين يواجهون الموت؟ اين كان ايماني خلال تلك الدقائق؟ وماذا عن ايمان الآخرين؟ وما هي انواع الايمان؟
كنت اعتقد ان ايماني بنفسي هو اهم شئ في حياتي، وهو مركز تفكيري، وهو اساس هويتي. لكن، خلال تلك الدقائق، واجهت ايمانا من نوع جديد: الايمان بالامر الواقع. غمرني احساسان:
الاول: العجز عن انقاذ نفسي.
الثاني: الهدوء غير العادي.
زوجتي وانا لم نتحدث، ولم نصرخ، ولم يصيبنا هلع. طبعا، كنا نعرف ان الناس سينقذوننا لان الطريق رئيسي، وفيه حركة مرور كثيرة.
لكن، تأكدت بأن ايماني بنفسي له حدود. وذلك لسببين:
اولا: لثواني قليلة، غابت "نفسي"، ولم اعد اقدر على ان اعتمد عليها.
ثانيا: بعد تلك الثواني، وعودة "نفسي"، لم تقدر على ان تنفذني.
----------------------
لهذا، "استسلمت" للايمان بالامر الواقع. وبحقيقة انني داخل سيارة مقلوبة راسا على عقب. وبحقيقة اني لا اقدر على انقاذ نفسي..
اعتقد ان ايماني بالامر الواقع كان سبب الهدوء غير العادي الذي احسست به.
لكني، لاحظت ان هناك صلة بالايمان بالامر الواقع وبالايمان بالحظ. هل انا واقعي او غير واقعي؟ هل انا محظوظ او غير محظوظ؟
من هذه الناحية، كنت محظوظا:
عندما كانت السيارة تميل يمينا ويسارا، وتدور حول نفسها، لم تصدمها سيارة اخرى. ولم تشتعل وتتحول الى كرة من نار. ولم تتدحرج نحو اسفل التل. وكنت محظوظا لاني لم اصاب بكسر في عنقى او ظهري. ولم تقطع رجلي او يدي. ولم تصب منى قطرة دم.
لهذا، قال لي عدد كبير من الاميركيين: "انت محظوظ جدا." وهم على حق، حسب طريقة تفكيرهم. اي شئ آخر غير الحظ انقذني؟ هل هناك ايمان اقوي من الحظ؟
-----------------
لكن، ماذا عن ايمان السودانيين الذين سمعوا بالحادث؟
كلهم قالوا جملة واحدة لم تتغير: "الحمد لله على سلامتك". وكلهم اقترحوا ان اذبح خروفا، فداء، لان الله انقذني من الموت.
اساس هذا الايمان قصة في القرأن الكريم عن سيدنا ابراهيم. امره الله ليذبح ابنه ليختبر قوة ايمانه. وافق ابراهيم، وكلم ابنه، واحضر سكينا. لكن، في آخر لحظة، ارسل الله له خروفا ليذبحه بديلا عن ابنه.
قال لى هؤلاء السودانيون ان الشريعة تنص على ذبح الضحية، لان دم الضحية يحل محل دم الانسان. (عكس ما يعتقد كثير من الناس، ليست كل قوانين الشريعة كلها عن قطع الايدي، والرجم، والجلد).
وقال واحد منهم اكثر من ذلك: يجب ان اوزع لحم الضحية على جيراني. وقال آخر اكثر من ذلك: يجب ان اوزع اللحم بطريقة خفية، حتى لا يعرف الناس انني صاحب اللحم (حتى لا تعرف اليد اليسرى ما تنفق اليد اليمني).
-------------------
يوم الجمعة التالي، ذهبت الى صلاة الجمعة في مسجد "آدم" (مسجد في ضاحية دالس، بالقرب من واشنطن العاصمة) حيث الامام السوداني محمد ماجد. سالته. وبعد ان حمد الله على سلامتي، اقترح ان اتبرع للمسجد بما اريد، وان يضحي اهلي بالنيابة عنى في قريتي في السودان (وادي حاج، قرب ارقو، على نهر النيل، الى الجنوب من الحدود مع مصر).
وهكذا، انقذني الامام من حرجين:
اولا: حرج الدق على ابواب منازل جيراني، واعطاء كل جار لفة من اللحم.
ثانيا: حرج وضع لفة لحم امام باب كل واحد (حتى لا يعرفون انني صاحبها)
لو فعلت ذلك، اعتقد ان جيراني كانوا سيتصلون بالشرطة، ويتهموني بالجنون، او نشر امراض معدية، او "الارهاب."
--------------------
وماذا عن ايمان "بنت الحور"؟
عندما كنت داخل السيارة المقلوبة، شاهدت فتاة جميلة شقراء، شعرها لامع في لون الذهب، وخداها احمران في لون الورد، وعيناها زرقاوتان في لون السماء الصافية.
مثل آخرين، اوقفت سيارتها، واسرعت تحو السيارة المقلوبة، وركعت على الارض، على شارع الاسفلت، لتكون قريبة مني. سألت عن حالي، وطمأنتني بان سيارات الشرطة والاسعاف في طريقها. ومسكت يدي.
لاحظت لهجتي الاجنبية، وقالت في بطء: "اريد منك ان تدعو معي دعائي المفضل. انا ساقول جملة، وانت تكرر بعدي". ثم بدأت "ذا لورد براير" (دعاء الرب) المسيحي: "يأ ابانا، الذي في السماء ... "
ظهرت الدهشة على وجهها عندما لاحظت انني لا اردد الدعاء بعدها، لكنى اردده معها. وسبب ذلك هو انني، عندما جئت الى اميركا قبل اكثر من ثلاثين سنة، بدات اتعرف على المسيحية، واول شئ حفظته كان "دعاء الرب".
بعد ان اكملنا "دعاء الرب"، سالتها: "شاركتك دعائك المفضل. هل تشاركينني دعائي المفضل؟". قالت: "نعم". قرأت سورة الفاتحة. ثم طلبت منها ان تردد معي ترجمة السورة باللغة الانجليزية.
عندما اكملنا سورة الفاتحة، وقلنا معا "آمين"، نظرت الى الوراء. وقالت ان سيارات الاسعاف والمطافئ وصلت. وضغطت على يدي، وودعتني، واختفت. واسرع رجال المطافئ نحو السيارة المقلوبة وهم يحملون خراطيش الماء، يتوقعون ان السيارة يمكن ان تنفجر في اي لحظة، وتصير كرة من نار.
-----------------------
sp; [email protected]
ترحب سودانيزاونلاين بجميع الاراء الحرة و المقالات ,الاخبار و البيانات لنشرها فى هذه الصفحة.ويمكنك لزوارنا الكرام ارسالها الى [email protected] كما نرجو ذكر الاسم الحقيقى و الكامل و مكان الاقامة مدة بقاء المقال فى هذه الصفحة 10 اعوام
أعلى الصفحة