المعارضة والعمل وسط الجماهير
فى المستهل دعونا نتساءل: كيف يمكن أن تصبح المعارضة مقبولة لدى الشعب السودانى في وقت تتعرض فيه البلاد لتحدي كبير وهو الانفصال؟، ثم كيف تتضافر الجهود للتخلص من النظام القائم..؟
رأيت ان ابدأ بهذا السؤال ، مع التوضيح بأن الهدف ليس، التشكيك اوالقدح في مواقف ونضالات البعض، بقدر ما الهدف منه، توسيع للمدارك وبحث عن المشتركات والتي يتصدرها، النضال من اجل الوحدة ، والدفاع عن مكتسباتنا التاريخية، واحترام ارادة اخوتنا في جنوب السودان في حال تصويتهم للانفصال بغرض لم شمل الوطن من جديد، بعد تخليصه من نظام الانقاذ، ومهمة اخرى، وهي تقديم البديل السياسي المطمئن، لكل اقاليم السودان الاخرى، التي ربما ترى في خيار تقرير المصير، الخيار الاكثر موضوعية، في ظل هيمنة النظام الحالي، واعتقد ان مبادرة الاستاذ علي محمود حسنين والبيان الختامي لمؤتمر الجبهة الوطنية العريضة، قد قدم الضمانات اللازمة في هذا الصدد، ومهمة اخرى وهي مهمة التغيير المنشود في السودان اي الخلاص من نظام الانقاذ، واقامة البديل الديمقراطي على ان لا نعيد بصيغة ما تجربة الانقاذ ثانية، او نقيم تجربة ديمقراطية بلا مضمون، كما عرفاناها في التجارب الديمقراطية السابقة التي لم تعمر طويلاً بسبب المماحكات العقيمة، وانشغال الاحزاب بقضاياها الخاصة على حساب قضايا الشعب الاساسية من تعليم وصحة وتنمية وعدالة وامن واستقرار الخ.
تخضع الاجابة عن هذا السؤال للاجتهاد الشخصي سواء كان المرء منتميا إلى حزب من الأحزابً ام مستقلاً ، ولكن الاجابة عنه يفترض ان تبنى في كل الاحوال على اسس ديمقراطية ورؤية يتبناها ويحترمها المجتمع ويدافع عنها وان تستند الى الواقع الموضوعي في السودان بمكوناته الحقيقية والقدرات الفعلية للمعارضة السودانية.
واجتهادي المتواضع في هذا الصدد يبدو على النحو الاتي: ان المطلوب من قوى المعارضة السودانية بغض النظر عن اتجاهاتها الفكرية والسياسية ان تقر بمبادئي المجتمع المدني الديمقراطي الحديث، وان تعترف وتحترم مبدأ عدم استغلال الدين في السياسة وان تمارس ذلك قولاً وفعلاً، لأن ما وصلت اليه البلاد من تردي فى الوقت الراهن كان ولازال سببه الاساسي هو خداع الشعب والنفاق والد جل السياسي باسم الدين، وللخروج من عنق الزجاجة بعد زوال هذا النظام الفاسد، طرحنا نحن فى الجبهة الوطنية العريضة ان تتضمن دساتير، كل الأحزاب، فى الساحة السياسية، وبرامجها الفكرية والسياسية، هذا المبدأ الاساسي. وهذا يعني، الاعتراف بحيادية الدولة ازاء الدين، وموقفها الحيادي ازاء كل الاديان، بغض النظر، عن تكوين المجتمع الديني، من حيث الاكثرية، او الاقلية الدينية فيه، وذلك، لأن الذي يفشل في التعايش، مع اتباع الاديان الاخرى، حتماً، سيفشل ان يتعايش مع الآخر، سواء كان الآخر هذا، مذهباً، او طائفة، او قبيلة، لذلك لابد ان تعي، القوى السياسية، هذه الحقائق، في هذا العصر، الذي لا يرحم، من يتخلف، حتى، لا نعيد مرارات الماضي.
والمطلوب ايضا، الاعتراف الكامل بمبدأ التعددية السياسية والديمقراطية، ومبدأ حرية وديمقراطية تداول السلطة وفق المفاهيم والمبادئي، والحياة الديمقراطية الدستورية، وهذا، يتطلب ايضا، ان تمارس الاحزاب النقد الذاتي، والحوار وتبادل الرأي بصورة حضارية، حديثة تسمح للراي والراي الآخر، بالتعايش جنبا الى جنب والتفاعل المتبادل.
كما ان تكون مبادئي حقوق الانسان الواردة في الاعلان الدولي لحقوق الانسان، والعهود والمواثيق الدولية الاخرى، جزءا عضوياً من الشرعية الداخلية لسياسات القوى والاحزاب السياسية، سواء كانت الآن وهي في المعارضة، ام عندما تصل للحكم لاحقا،ً على ان تتعهد بالالتزام الكامل باحترامها وممارستها فعلاً، والدفاع عنها ورفض تجاوزها في كل الاحوال . ان إقرار هذه المباديء كإطار عام سيسمح، دون ادنى ريب، بغض النظر، عن اتجاهات القوى الفكرية والاحزاب السياسية، بلقاء وطني ديمقراطي وحضاري، لكل القوى السياسية السودانية، والاتفاق فيما بينها، على مواجهة طغمة الانقاذ والتخلص منها في وقت قريب.
فى إعتقادنا كجبهة وطنية عريضة، أن زمن الدجل والشعوذة وخلط السياسة بالدين قد مضى بغير رجعة، وماعادت الجماهير السودانية تقبل بلعب دور الكومبارس فى مسرح السياسة . كما أنها بفضل سياسات القمع والإرهاب التى مارستها قوى الظلام طوال العقدين الماضيين، قد صار لديها حساسية مفرطة تجاه من يتدثرون بدثار الدين ليمرروا سياسات ظلامية مجحفة في حق أبناء الوطن .
أننا فى الجبهة الوطنية العريضة، نحس بنبض الجماهير ونعي ما تطالب به، وجماهيرنا المتشربة بروح الديمقراطية، والمتطلعة للعدالة والمساواة، لن تقبل بعد اليوم إلا بالوضوح، ولن ترضى بغير تلاحم القيادات مع الجماهير، لبناء نسق حياة جديد يرضي طموحات كل السودانيين، بإختلاف إنتماءتهم وثقافاتهم ومعتقداتهم، ما دام جميعهم يشاركون فى المواطنة التى تحمي وتصون وتعطي كل ذي حق حقه . وبالتالي يصبح العمل وسط الجماهير واضحا، ومبني على أسس المشاركة الحقيقة، فى القيادة والريادة والتوجه. وعندها، يتم تلاحم الجماهير مع قياداتها، وتصبح الجماهير على درجة من الوعي تمكنها من لعب دورها الحقيقي فى الممارسة السياسية وتبقى هى القادرة على عزل القيادات التي تحيد عن صائبة الطريق .
الطيب الزين
ترحب سودانيزاونلاين بجميع الاراء الحرة و المقالات ,الاخبار و البيانات لنشرها فى هذه الصفحة.ويمكنك لزوارنا الكرام ارسالها الى [email protected] كما نرجو ذكر الاسم الحقيقى و الكامل و مكان الاقامة مدة بقاء المقال فى هذه الصفحة 10 اعوام
أعلى الصفحة