بسم الله الرحمن الرحيم
ما الذى لا يملكه السودان !!؟ ..
المتوكل محمد موسي
Almotwakel_[email protected]
كلما جلست لحضور الأخبار أمام التلفاز مستعرضاً لقنوات البث الفضائية يلفت إنتباهى الإرتفاع المستمر لمؤشرى البترول والذهب فى بورصات الأسواق العالمية، فمنذ شهور عديدة وسعرا هذين المعدنين فى إرتفاع مضطرد .. طبعاً الخاطر لا يترك المرء فى حاله، فما أن أقرأ أو أسمع هذه الأخبار حتى تقفز صورة السودان وما يملكه من إحتياطات ضخمة من هاتين السلعتين الهامتين .. فإذا أعمل الإنسان ذهنه فى ما يملكه السودان من موارد أخرى تضاهى الذهب والبترول فى عظم إحتياطياته المخزونة ثم تحول بطرفٍ خفى إلى واقع السودان الإقتصادى والسياسى والإجتماعى وحالة الحروب والأوضاع الأمنية المأزومة التى يعيشها .. فإنه دون شك سيتهم عقل السودانين بما يشبه اللوثة .. علام يصطرع أهل السودان وهم يملكون كل هذه الثروات؟!.
أتحدى من يشير إلى فقر السودان فى أى موردٍ من الموارد الطبيعية .. السودان يملك الأرض الواسعة .. حتى وإن إنفصل الجنوب، السودان يملك المياه الوفيرة، ويملك المراعى والسهول الخصبة الواسعة، السودان يملك الغابات ويملك الأنهار والبحار .. لم نذكر الموقع الجغرافى فهو يحادد ويجاور تسعة دول عاشرتها السعودية عن طريق البحر كلها تمثل معابر ومداخل وأسواق وأموال .. السودان يملك ثروة حيوانية ترتع فى السهول والبوادى لتأكل مجاناً ففى حين أن هناك دولاً بعيدةً جغرافياً تعلف مرحاتها من الثروة الحيوانية منذ ولادتها وحتى تاريخ تصديرها .. إلا أنها تنافس السودان بل تتفوق عليه فى هذا المجال ثم تبيع منتجاتها منها فى أسواق دول تجاور السودان بأرخص من أسعار المنتجات السودانية من حيوانات الذبيح.
نحن أمة لن تستطيع أن تنهض وهى تنتهج هذه الطريقة الموغلة فى الإهمال والتفريط .. إستعراضنا السريع لما يملكه السودان من موارد ، وقياساً لها كواقع إضافةً إلى تجارب الآخرين ، فإن السودانيين ينبغى أن لا يكون لديهم وقت ليهدروه فى سبيل الحصول على فردوسهم المفقود .. ولكن مما لامراء فيه أننا أمة لا تدرك ولا تقدر ولا تحترم حجم ما تملك من ثروات.
قلنا إن أسعار الذهب والبترول فى إرتفاع مستمر ومنذ عدة أعوام والحالة الإقتصادية فى السودان تتردى وتهوى نحو الحضيض .. فلنستعرض سريعاً ما يملكه من هذين العنصرين الثريين .. ففى مجال البترول تُقدر إحتياطيات السودان بحوالى مليار ومئتى برميل والمربعات التى تم إكتشاف هذا المعدن الهام فيها بلغت أكثر من (17) مربع موزعة فى أقاليم الشرق والغرب والشمال والجنوب والوسط .. وهكذا نرى أن مساحة المناطق التى يوجد بها البترول فى السودان تكاد تُغطى معظم مساحته، ورغم أن السودان يُعد حديث عهدٍ فى مجال التنقيب عن البترول إلا أنه الآن ثالث الدول الأفريقية إنتاجاً وهو أمرٌ يؤشر إلى موقعه الريادى فى مستقبل صناعة البترول فى أفريقيا.
أما الذهب فقد بلغ عدد الشركات التى تعمل فى مجال التنقيب فيه أكثر من ثلاثين ولعَّل أهم ما يدلل على ثراء السودان من معدن الذهب تؤكده أعداد المواطنين الذين يبحثون عن الذهب بطريقة عشوائية، فقد بلغ عددهم زُهاء الـ 200 ألف مواطن يبحثون عن الذهب فى قشرة الأرض فى الطبقة ذات الرمل الرسوبى ويحصلون عليه .. وقد قال الجيولوجيون أن الذهب يُوجد بكميات إقتصادية دوماً فى أعماق الأرض وأن الذهب الذى يوجد على سطح الأرض هو مؤشر على أن باطن الأرض التى يوجد فيها النوع الرسوبى فى سطحها يحتوى على عروقٍ ضخمة من الذهب ولك أن تتخيل حجم الذهب فى السودان بمقياس عدد المنقبين العشوائيين؟ حتى الذين يُسمون بالمنقبين العشوائيين عن الذهب هم أفضل من التركى محمد على باشا الذى جرد حملاتٍ عسكرية للحصول على ذهب السودان فى ذلك الزمن البعيد وقبل إكتشاف آلات الكشف عن الذهب فى حين أن أصحاب التنقيب العشوائ اليوم يستخدمون أجهزة للكشف عن الذهب وإن كانت بسيطة فى تقنيتها ورغم ذلك لم تتوفر لمحمد على باشا الذى إستولى على السودان وحصل على مراده من ذهب البلاد، كل هذا يدلل على ثراء السودان من هذا المعدن النفيس.
أيضاً هناك ملاحظة أخرى فى هذا الشأن ، ففى الأخبار قبل يومين دعا روبرت زوليك مدير صندوق النقد الدولى إلى ربط قيمة العملات بالذهب كضرورة للحفاظ على الإقتصاد العالمى من ويلات طباعة العملات الورقية بلا غطاءٍ إقتصادى ،ألا يعنى مثل هذا الحديث من مسئول صندوق النقد العالمى شيئاً لأهل السودان الذين يملكون كل هذه الإحتياطيات من الذهب؟ .
تأكيداً لمعاناة السودان والسودانيين مع حكوماتهم السياسية وإهدارها للموارد الإقتصادية نحكى قصة المدبغة الحكومية للجلود .. وهى قصة تُثير الحزن والإشفاق على حالنا فى السودان، أكثر مما تُحسب نجاحاً لوزير الصناعة السيد عوض الجاز الذى زار المدبغة ، بعد توليه شئون وزارة الصناعة ، وأمهل القائمين عليها مدة إسبوع لنظافتها وتأهيلها .. إذ نبتت فيها غابةٌ من الأشجار والحشائش وعشعشت العناكب فى مبانيها بسبب الإهمال .. وبعد عدة شهور من الزيارة أقامت المدبغة الحكومية معرضاً ناجحاً للمنتجات الجلدية السودانية .. فى رأى فإن هذه الحادثة ينبغى ألا تمر مرور الكرام ، بل ينبغى أن يُفتح فيها تحقيقاً ويُقدم الذين كانوا وراء تعطيل المدبغة للمحاكمة .. وكان حرياً بالسيد الوزير أن يفعل ذلك لأن هذه جريمة يجب ألا تمر دون محاسبة إن كنا نرغب فى الإستفاقة من ثُباتنا الإقتصادى العميق .. لتمتد المساءلة والبحث والتقصى عن بقية مرافق السودان الإقتصادية الأخرى خاصة تلك التى كانت تعمل فى يوم من الأيام ثم توقفت عن العمل بدءً من مشروع الجزيرة إلى مشاريع الألبان ومزارع الدواجن.
أنا دائم التملى والنظر فيما يملكه السودان من ثراء فى كل شئ .. وأنا فى هذه الحال يقفز إلى ذهنى دوماً بيت شعرٍ لسابق عصره الشاعر أبو الطيب المتنبى الذى قاله عندما زار جنات "شعب بوان" فى أرض فارس والتى تقع قرب شيراز ولما أذهلته الحدائق والروض والطبيعة الساحرة رأى "شعب بوان" بمثابة منزلة الربيع من الزمان فتساءل على لسان حصانه أعن هذا يُسار إلى الطعان؟ أى عن هذا الخير والجمال وحسن الطبيعة وطيب الهواء ينصرف أهل فارس إلى الحروب ويضيعون على أنفسهم فرص الإستمتاع بها؟!.وهو قولٌ ينطبق علينا أيضاً فى السودان ، لماذا يتقاتل السودانيون وهم يملكون كل هذه الثروات والنعم ولماذا لا يُوجهون طاقاتهم وجهودهم لتفجير هذه الموارد الثرية قمحاً ووعداً وتمنى؟ ولله فى خلقه شئون!.
أحد أصدقائ ونحن نتجاذب أطراف الحديث فى هذا الهم الوطنى تساءلت أمامه فى حيرة عما لايملكه السودان من موارد تُعينه على الإرتقاء بحياة مواطنيه وتنتشلهم من البؤس الإقتصادى الذى يعيشون فيه ؟ أجابنى بسرعة وحسم مشوبان بسخريةٍ لاذعة ينقصه الإنسان الذى يملك الإرادة لتفجير هذه الموارد الطبيعية
ترحب سودانيزاونلاين بجميع الاراء الحرة و المقالات ,الاخبار و البيانات لنشرها فى هذه الصفحة.ويمكنك لزوارنا الكرام ارسالها الى [email protected] كما نرجو ذكر الاسم الحقيقى و الكامل و مكان الاقامة مدة بقاء المقال فى هذه الصفحة 10 اعوام
أعلى الصفحة