أبو عركي البخيت..الاحتجاج بالصمت!
ضياء الدين بلال
[email protected]
ما حدث كان أقرب للخيال..في فترة الجامعة كنت بالمحطة الوسطى بحري مساء يوم غابر، وبالحافلة المتجهة لأم درمان، كان شريط الكاسيت يصدح بواحدة من أجمل أغاني أبو عركي البخيت..
يا قلب أنا كنت قايلك
تبت من تعب السفر
ومن مخاواة القماري
ومن شراب موية المطر
وعند نهاية كبري شمبات وعركي في عليائه المجيدة، ترددت كثيراً في اكمال المشوار الى موقف الشهداء او النزول للدخول الى أبو روف عبر شارع النيل.بعد أن شاورت جيبي في الأمر كان قراري الاضطراري أن أوقف الحافلة قبل انتهاء الأغنية.نزلت من الحافلة ممتلئاً بالنشوة وفي الخاطر حسرة، على تلك المتعة التطريبية التي لم تكتمل. ولعدم وجود مواصلات بشارع النيل في امتداده الأم درماني، قررت أن امارس (التمليح).المدهش أن اول عربة اشرت اليها كانت كوريلا بيضاء يعتريها بعض الغباش، كان يمسك بمقودها الفنان أبو عركي، واذا بصرخة احتفائية عفوية تصدر مني ترتفع على اثرها حواجب البخيت الى فوق مستوى التعجب. ولم ترتخ حواجب الدهشة إلا بعد أن حكيت لعركي قصة انسحابي من رحلة القماري وشراب موية المطر.
خيراً فعل تلفزيون السودان بسعيه لإعادة المبدع الرائع أبو عركي البخيت الى الشاشة البلورية، كما فعلت الحسناء (النيل الأزرق) في عيد الفطر الماضي مع هاشم صديق، ومن قبل كانت اطلالة الشاعر محمد الحسن سالم حميد عبر التلفزيون القومي من الإشراقات الجميلة، وطوال سنوات الإنقاذ لم ينقطع الشاعر محمد طه القدال عن الأجهزة الإعلامية، اذاعات وفضائيات ومقابلات صحفية.
وقبل أكثر من سبع سنوات سجلت زيارة في معية الأستاذين الصديقين أبوبكر الأمين وعثمان ميرغني إلى منزل الشاعر الجماهيري العظيم محجوب شريف وبين ثرثرة المعالق والشاي الخفيف دار حوار عميق عن الجدوى السياسية والقيمية لمقاطعة المبدع لأجهزة الإعلام، لم يقتنع ابو مريم بما نقول، وكان مع كل حجة يغلق باب النقاش بابتسامة حاسمة.
وربما بعد كل هذه السنوات وإنهاء المقاطعات من قبل عدد من المبدعين وخروج صحيفة الميدان الناطقة باسم الحزب الشيوعي من كتام السرية الى رحاب العلن، بات الوقت مناسباً لأن ينهي الأستاذ محجوب شريف مقاطعته لأجهزة الإعلام المحلية، فالصمت ليس سلاح المبدعين، وبعد تلك الزيارة خرج عثمان ميرغني عبر عموده (حديث المدينة)، ليعلن للملأ - بقناعة لا يخالطها شك - بأن محجوب ود مريم محمود أحد اولياء الله الصالحين.
ومحجوب شاعر جماهيري يفتح قلبه وأبيات شعره مساكن شعبية لكل السودانيين دون شهادات بحث حزبي او طبقي.
بكل أسف لقد أضر ثاني أكسيد السياسة بكل مناحي الحياة، حدائق الشعر ورياض النغم، لم يعد بإمكاننا أن نتنفس هواءً نقياً، ما الذنب الذي ارتكبه الشعب السوداني ليحرم من الاستماع لشعر محجوب شريف بصوته:
عيوني فى الدمعات وحيله
أنا لا الصبر قادر عَلَىْ..
ولا عندى حيله
حدّثت عنك نجمة جارة
وزرعت اسمك..
حارة حارة
فى مناديل العذارى
فى مشاوير الحيارى
فى لحى الأشجار كتبتو..
نحتو فى صم الحجارة
وبحت للشمس البتقدل..
فى مدارها
قبل عام استشارني صديق مقيم بأمريكا في دعوة وجهت إليه من قبل وزير الدولة بمجلس الوزراء -آنذاك- كمال عبد اللطيف للمشاركة في مؤتمر السودانيين العاملين بالخارج، ولعلمي بهواجس الرجل وخوفه من حرب الأسافير التي قد تشن عليه من معارضي الخارج، اخترت أقصر الطرق، قلت له بعد دخول دكتور جون قرنق القصر الجمهوري على البساط الأحمر وخروج الأستاذ نقد من مخبئه وعبور دكتور الترابي الى الخارج عبر قاعة كبار الزوار، وإقامة عدد من قيادات المعارضة المسلحة بحي المطار وشوارع البلدية والجامعة لم يعد من المجدي الاحتجاج على الحكومة بالغياب.
ترحب سودانيزاونلاين بجميع الاراء الحرة و المقالات ,الاخبار و البيانات لنشرها فى هذه الصفحة.ويمكنك لزوارنا الكرام ارسالها الى [email protected] كما نرجو ذكر الاسم الحقيقى و الكامل و مكان الاقامة مدة بقاء المقال فى هذه الصفحة 10 اعوام
أعلى الصفحة