ما وراء الدعوة لحرق نسخ من المصحف الشريف
مصعب المشـرّف:
القرار الهمجي الذي إتخذه "مركز اليد الطولى لعالم الحمامة" الكنسي برئاسة القس "باستور تيري جونز" بتخصيص يوم 11/9 من كل عام لحرق مئات النسخ من المصحف الشريف ثم تراجعه عن هذا القرار بعد ضغوط من البيت الأبيض قادها الرئيس أوباما بنفسه .
ثم إعلان كنيسة مسيحية أمريكية أخرى إسمها "وستبورو ببتيس" مقرها في ولاية كينساس بحرق نسخ من المصحف الشريف داخل فناء مقرها الرئيسي (وهي التي أحرقت نسخا من القرآن الكريم عام 2008م).
ثم تكريم الرئيسة الألمانية أنجيلا ميركيل مؤخرا لرسام الكاريكاتير الدنماركي "كورت فيستر جارد" صاحب الرسوم الكاريكاتورية التي حاول من خلالها الإساءة لرسل الله صلى الله عليه وسلم. ودون أن يدري هذا الرسام المأجور أن الشخص الذي سخر منه في رسوماته ليس برسول الله صلى الله عليه وسلم كون أنه لا توجد صورة له متعارف عليها ....
كل هذا مما يجري من فعاليات تحت أعيننا وبين أيدينا ؛ ربما يتطلب منا نحن المسلمون عامة والعرب خاصة إعادة قراءة صحيحة للآية رقم (82 ) من سورة المائدة التي جاء نصها : [لَتَجِدَنَّ أَشَدَّ النَّاسِ عَدَاوَةً لِلَّذِينَ آمَنُوا الْيَهُودَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُوا وَلَتَجِدَنَّ أَقْرَبَهُمْ مَوَدَّةً لِلَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ قَالُوا إِنَّا نَصَارَى ذَلِكَ بِأَنَّ مِنْهُمْ قِسِّيسِينَ وَرُهْبَانًا وَأَنَّهُمْ لايَسْتَكْبِرُونَ]
وحيث لم يحسم المفسرون حتى تاريخه تحديد ماهية المشركين المشار إليهم في هذه الآية الكريمة ... لاسيما وأن طبيعة الصراع آنذاك ثم لإنطباع الذي خلـّـفه كان يركز على أن المشركين إنما هم كفار قريش خاصة والعرب عامة ثم توسع المصطلح ليشمل عبدة النار والأوثان وهلم جرا من تعليمات أرضية .... وأما النصارى المشار إليهم في الآية فقد ظن الناس ولا يزالون أن المقصود بهم هم المسيحيين الآن من كاثوليك وبروتستانت ..إلخ .......
وكان الأحرى أن يدرك البعض أن كل من لا يؤمن بأن الله واحد أحد هو مشرك وكافر لاسيما أولئك من يقولون أن الله ثالث ثلاثة (الأب والإبن والروح القدس) ؛ فيجعلون من عيسى بن مريم عليه السلام إله ومن جبريل عليه السلام إله وكلاهما (عيسى وجبريل عليهما السلام) في النهاية شريكان لله في الألوهية ويستحقان العبادة إلى جوار الله عز وجل على قدم وساق . كبرت كلمة تخرج من أفواههم إن يقولون إلا كذبا.
وحيث يقول الله عز وجل في الآية (17) من سورة المائدة:
[لَقَدْ كـَفـَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ قُلْ فَمَنْ يَمْلِكُ مِنَ اللَّهِ شَيْئًا إِنْ أَرَادَ أَنْ يُهْلِكَ الْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَأُمَّهُ وَمَنْ فِي الأَرْضِ جَمِيعًا وَلِلَّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ] ........ ومن ثم فإن كفر هؤلاء منصوص عليه في هذه الآية وبالتالي لا يحتاج إلى إجتهاد أو مداراة بإسم التطبيع ومحاربة الإرهاب لأن الدين الإسلامي إنما قام على الوسطية ولا يعرف الإرهاب.
ويقول الله تعالى في الآية (73) من سورة المائدة:
[لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ ثَالِثُ ثَلااثَةٍ وَمَا مِنْ إِلَهٍ إلاّ إِلَهٌ وَاحِدٌ وَإِنْ لَمْ يَنْتَهُوا عَمَّا يَقُولُونَ لَيَمَسَّنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ]
بل ولربما كان كفار قريش أقل كفرا وإشراكا من أتباع الثالوث من المسيحيين ؛ ذلك أنهم كانوا لا يعترفون للأصنام بملكية أنفسهم ويردون ملكيتهم لله عز وجل . وكانوا يقولون أنها تقربهم لله زلفى .
وفي حديث تَلْبية الجاهلية خلال الطواف حول الكعبة : [لبيك لا شريك لك إلاَّ شريك هُوَ لك تملكه وما مَلكَ] ، يَعْنون بالشريك الصنم، يريدون أَن الصنم وما يملكه ويختص به من الآلات التي تكون عنده وحوله والنذور التي كانوا يتقرّبون بها إليه كلها ملك لله عز وجل، فذلك معنى قولهم تملكه وما ملك.
إذن فإن إعادة قراءة صحيحة لهذه الآية الكريمة [لَتَجِدَنَّ أَشَدَّ النَّاسِ عَدَاوَةً لِلَّذِينَ آمَنُوا الْيَهُودَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُوا وَلَتَجِدَنَّ أَقْرَبَهُمْ مَوَدَّةً لِلَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ قَالُوا إِنَّا نَصَارَى ذَلِكَ بِأَنَّ مِنْهُمْ قِسِّيسِينَ وَرُهْبَانًا وَأَنَّهُمْ لايَسْتَكْبِرُونَ] .... إعادة القراءة الصحيحة أصبح اليوم أمر لابد منه ونحن نرى من حقد المسيحي واليهودي والكره الأعمى الكثير مما لا يمكن التهوين من أمره فهذا هو المعلن والجزء الظاهر من جبل الجليد وما خفي كان أعظم..... وحيث يمارس الكافة منه هذا الحقد والكراهية سواء على الجانب الكنسي الكهنوتي أو الرسمي الممثل في رؤساء الدول والحكومات .. بل وحتى قادة الفكر العلماني السائد في الساحات الفكرية والثقافية لديهم.
وفي سياق المشار إليه أعلاه من آيات قرآنية تم إيرادها ؛ يستلزم الأمر إعادة تعريف مصطلح النصارى هنا ومن هم المقصود بهم ، لاسيما وأن مسمى النصارى في هذه الآية الكريمة قد ألحق مباشرة بقوله عز وجل : [ذَلِكَ بِأَنَّ مِنْهُمْ قِسِّيسِينَ وَرُهْبَانًا وَأَنَّهُمْ لا يَسْتَكْبِرُونَ].
قبل هذا القس الأمريكي المعتوه باستور تيري جونز ؛ فإن تاريخ قادة المسيحية ولا سيما البابوية الفاتيكانية يشير إلى أن البابا أوروبان الثاني 1088 - 1099م، كان هو المسئول والمحرض الأول على إشعال الحروب والحملات الصليبية . وأنه المحرض المباشر على الحملة الأولى 1095م، التي اُحتلت فيها القدسُ، وذُبِح أكثر من 70 ألف من المسلمين وغير المسلمين لأنهم جنس ملعون كما خطب البابا أوروبان.
وحيث لاشك أنه ومن خلال الممارسة العملية لا نرى من القساوسة والرهبان الحاليين سوى العداء السافر أو الخفي للإسلام والمسلمين على حد سواء . ولعل خطاب بابا الفاتيكان بنيدوكتس السادس عشر الذي زعم فيه أن الإسلام قد إنتشر بالسيف لدليل على حقيقة ما يجري في عقول هؤلاء الذين جرى التعارف على وصفهم "مجازا" بالقساوسة والرهبان.
وقد قال الله عز وجل في الآية (51) من سورة المائدة :
[ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاءَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِين].
فينهى الله عز وجل هنا عباده المؤمنين عن موالاة اليهود والنصارى الذين هم أعداء الإسلام والمسلمين والذين هم من جهة أخرى يتحالفون ويشاركون بعضهم البعض هذا العداء السافر وهو ما نراه بوضوح في تحالف المحافظون الجدد مع الصهيونية والصليبية ...
ومن ناحية أخرى يتوعد الله عز وجل من يوالي اليهود والنصارى بأنه قد صار في عداد الظالمين ...... وغني عن القول أن نذكر هؤلاء بأن الظلم ظلمات يوم القيامة .. والظلمات لا تكون إلا في التوهان عن الحوض المورود وعن الصراط المستقيم أولا .. ثم الظلمات لا تكون إلا في نار جهنم ثانيا
من هم النصارى المقصودين في هذه الآية؟
َجاء في تفسير القرطبي في قوله عز وجل : [وَلَتَجِدَنَّ أَقْرَبَهُمْ مَوَدَّةً لِلَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ قَالُوا إِنَّا نَصَارَى ذَلِكَ بِأَنَّ مِنْهُمْ قِسِّيسِينَ وَرُهْبَانًا وَأَنَّهُمْ لايَسْتَكْبِرُونَ]
قَالَ مُقَاتِل وَالْكَلْبِيّ : كَانُوا أَرْبَعِينَ رَجُلا مِنْ أَهْل نَجْرَان مِنْ بَنِي الْحَارِث بْن كَعْب , وَاثْنَانِ وَثَلاثُونَ مِنْ الْحَبَشَة , وَثَمَانِيَة وَسِتُّونَ مِنْ أَهْل الشَّام.
وَقَالَ قَتَادَة : نَزَلَتْ فِي نَاس مِنْ أَهْل الْكِتَاب كَانُوا عَلَى شَرِيعَة مِنْ الْحَقّ مِمَّا جَاءَ بِهِ عِيسَى , فَلَمَّا بَعَثَ اللَّه مُحَمَّدًا صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ آمَنُوا بِهِ فَأَثْنَى اللَّه عَلَيْهِمْ .
وَذَكَرَ الْبَيْهَقِيّ عَنْ اِبْن إِسْحَاق قَالَ : قَدِمَ عَلَى النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عِشْرُونَ رَجُلاً (وَهُوَ بِمَكَّة أَوْ قَرِيب مِنْهاَ) مِنْ النَّصَارَى حِين ظَهَرَ خَبَره مِنْ الْحَبَشَة . فَوَجَدُوهُ فِي الْمَسْجِد فَكَلَّمُوهُ وَسَأَلُوهُ . فَلَمَّا فَرَغُوا مِنْ مَسْأَلَتهمْ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَمَّا أَرَادُوا , دَعَاهُمْ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى اللَّه عَزَّ وَجَلَّ , وَتَلا عَلَيْهِمْ الْقُرْآن ، فَلَمَّا سَمِعُوهُ فَاضَتْ أَعْيُنهمْ مِنْ الدَّمْع , ثُمَّ اِسْتَجَابُوا لَهُ وَآمَنُوا بِهِ وَصَدَّقُوهُ ، وَعَرَفُوا مِنْهُ مَا كَانَ يُوصَف لَهُمْ فِي كِتَابهمْ مِنْ أَمْره . فَلَمَّا قَامُوا مِنْ عِنْده اِعْتَرَضَهُمْ أَبُو جَهْل فِي نَفَر مِنْ قُرَيْش فَقَالُوا : خَيَّبَكُمْ اللَّه مِنْ رَكْب ! بَعَثَكُمْ مَنْ وَرَاءَكُمْ مِنْ أَهْل دِينكُمْ تَرْتَادُونَ لَهُمْ فَتَأْتُونَهُمْ بِخَبَرِ الرَّجُل , فَلَمْ تَظْهَر مُجَالَسَتكُمْ عِنْده حَتَّى فَارَقْتُمْ دِينكُمْ وَصَدَّقْتُمُوهُ بِمَا قَالَ لَكُمْ , مَا نَعْلَم رَكْبًا أَحْمَق مِنْكُمْ - أَوْ كَمَا قَالَ لَهُمْ - فَقَالُوا : سَلام عَلَيْكُمْ لا نُجَاهِلكُمْ لَنَا أَعْمَالنَا وَلَكُمْ أَعْمَالكُمْ , لانَأْلُوا أَنْفُسنَا خَيْرًا . فَيُقَال : إِنَّ النَّفَر النَّصَارَى المشار إليهم إنما كانوا مِنْ أَهْل نَجْرَان
وَقِيلَ : إِنَّ جَعْفَرًا (إبن أبي طالب) وَأَصْحَابه قَدِمَ عَلَى النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي سَبْعِينَ رَجُلاا عَلَيْهِمْ ثِيَاب الصُّوف , فِيهِمْ اِثْنَانِ وَسِتُّونَ مِنْ الْحَبَشَة وَثَمَانِيَة مِنْ أَهْل الشَّام وَهُمْ بَحِيرَاء الرَّاهِب وَإِدْرِيس وَأَشْرَف وَأَبْرَهَة وَثُمَامَة وَقُثَم وَدُرَيْد وَأَيْمَن , فَقَرَأَ عَلَيْهِمْ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سُورَة " يس " إِلَى آخِرهَا , فَبَكَوْا حِين سَمِعُوا الْقُرْآن وَآمَنُوا ، وَقَالُوا : مَا أَشْبَه هَذَا بِمَا كَانَ يَنْزِل عَلَى عِيسَى فَنَزَلَتْ فِيهِمْ " لَتَجِدَنَّ أَشَدّ النَّاس عَدَاوَة لِلَّذِينَ آمَنُوا الْيَهُود وَاَلَّذِينَ أَشْرَكُوا وَلَتَجِدَنَّ أَقْرَبهمْ مَوَدَّة لِلَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ قَالُوا إِنَّا نَصَارَى " يَعْنِي وَفْد النَّجَاشِيّ وَكَانُوا أَصْحَاب الصَّوَامِع.
, وَقَالَ مُقَاتِل وَالْكَلْبِيّ : كَانُوا أَرْبَعِينَ رَجُلًا مِنْ أَهْل نَجْرَان مِنْ بَنِي الْحَارِث بْن كَعْب , وَاثْنَانِ وَثَلاثُونَ مِنْ الْحَبَشَة , وَثَمَانِيَة وَسِتُّونَ مِنْ أَهْل الشَّام .
من هو القسيس؟
َقَالَ عُرْوَة بْن الزُّبَيْر : ضَيَّعَتْ النَّصَارَى الإنجيل ، وأدخلوا فيه ما ليس منه ؛ وكانوا أربعة نفر الذين غيروه ؛ لُوقَاس ومرقوس وَيُحَنَّس ومقبوس . وبقيَ "قِسِّيس" عَلَى الحق وعلى الإستقامة ، فمن كان على دينه وهديه فهو قسيس.
. وَالْقِسِّيس الْعَالِم ; وَأَصْله مِنْ قَسَّ إِذَا تَتَبَّعَ الشَّيْء فَطَلَبَهُ
وَالْقَسّ أَيْضًا رَئِيس مِنْ رُؤَسَاء النَّصَارَى فِي الدِّين وَالْعِلْم , وَجَمْعه قُسُوس
من هم الرهبان؟
الرُّهْبَان جَمْع رَاهِب .
قَالَ النَّابِغَة :
لَوْ أَنَّهَا عَرَضَتْ لأشمَط رَاهِب عَبَدَ الإِلَه صَرُورَة مُتَعَبِّد
لَرَنَا لِرُؤْيَتِهَا وَحُسْن حَدِيثهَا وَلَخَالَهُ رَشَدًا وَإِنْ لَمْ يَرْشُدِ
وَالْفِعْل مِنْهُ رَهِبَ اللَّه يَرْهَبهُ أَيْ خَافَهُ رَهْبًا وَرَهَبًا وَرَهْبَة.
وَالرَّهْبَانِيَّة وَالتَّرَهُّب هي التَّعَبُّد فِي صَوْمَعَة.
وَالمقصود بالرهبان هنا إذن هم ِمَنْ آمَنَ مِنْهُمْ بِمُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دُون مَنْ أَصَرَّ عَلَى كُفْره ......ومن هؤلاء الذين آمنوا بحيرا الراهب على سبيل المثال لا الحصر.
ترحب سودانيزاونلاين بجميع الاراء الحرة و المقالات ,الاخبار و البيانات لنشرها فى هذه الصفحة.ويمكنك لزوارنا الكرام ارسالها الى [email protected] كما نرجو ذكر الاسم الحقيقى و الكامل و مكان الاقامة مدة بقاء المقال فى هذه الصفحة 10 اعوام
أعلى الصفحة