كتب في 24-4-2004
السيد علي الميرغي: يا لحّاق بعيد
في مناسبة حوليتة
يثير أشفاقي ذلك الرهط من شباب الجلابة الذي يخلع عروبته وإسلاميته (أو الإسلاموعروبية كما يسمونها) ويعرض بهويته الأفريقية "الخالصة" في عرصات البلد. ووقلت أنهم يثيرون إشفاقي لا حنقي لأنهم ضحايا سياسات عربية وإسلامية نزعت من وجدانهم تلك المعاني نزعاً وألجاتهم الي هويه أفريقية ظنوا بها خلاصهم من العروبة والأسلام وما هو كذلك. فقد هدت كاهل هؤلاء الشباب سياسات للدولة في السودان جعلت هوية الجماعة العربية الإسلامية هي هوية الدولة الوطنية التي تستوطنها هويات عديدة. وقد بلغت هذه السياسة ذروتها علي يد الإنقاذ علي أنها لم تستنها أول مرة. وضاعف من جفاء هؤلاء الخلعاء للإسلاموعربية عروبة "الكفيل" التي عانوا منها في مواضع هجرتهم ببلاد العرب التي حقنتهم بالمرارات, وترشح هذه المنطويات الآن علي صفحات الإنترنت. وما يشفقني عليهم أنهم من فرط ضيقهم بذلك كله نسوا انهم حين يهربون من الأسلاموعربية الي أفريقيا فإنما يهربون الي هوية معطونة في العروبة والإسلام كالطحنية والعسل. فاللسان العربي أوسع إنتشاراً في افريقيا من موطنه الباكر في آسيا. ومن الجهة الأخري لا يغلب الأسلام في قارة مثل أفريقيا. فمما يشفق علي هؤلاء العارضين بهوية أفريقية "خالصة" هو إستعدادهم الذهني المحير لإسقاط العروبة والإسلام في توخيهم أفريقيا. وأتمني ان تكون كلماتهم في هجاء الإسلاموعربية هي كلمة قيلت في لحظة غضب.
كنت عرضت مراراً علي هؤلاء الخلعاء أرشيفاً لعناية جيلنا ومن سبقنا بهويتهم الأفريقية في سياق النضال ضد الإستعمار وفي سبيل إستقلال إقتصادي وإجتماعي وثقافي للقارة. وزدت بأن عرضت عليهم حتي ما صدر بحق افريقيا عن الدولة السودانية الموصومة بالتواطؤ مع العرب دون افريقيا. وهو كثير ومشرف بكل المقاييس. واعدت عليهم القول أننا حين لقينا أفريقيا لم نلقها جسداً واحداً بل جسدين متنازعين جداً حول خطة التحرر الوطني ومعاداة الإستعمار. ثم عرجت علي الحركة القومية الجنوبية، التي ترغب في إحتكار الصفة الأفريقية، وقلت إنها لم تعرف في الغالب من أفريقيا سوي الرعيل الرجعي الإستعماري. وقد إضطرها الي ذلك نهجها الإنفصالي الذي حببها الي أشرار أفريقيا لا أخيارها.
وقد نبهتني مقالات قرأتها للدكتور محمد وقيع الله مؤخراً في الصحافة أن عناية الجلابة بأفريقيا وأفريقيا الشتات كانت أيضاً شغل جماعة يقظة من ناشطي الحركات الأسلامية. ففي هذا المقالات، التي إتسمت بصبر شديد علي البحث، رصد وقيع الله تأثير دعاة من مسلمي السودان علي تكوين المرحوم مالكوم إكس (1925-1965) الزعيم المسلم بين الإمريكان الأفارقة الذي بث العزة بالسواد والأفريقانية بينهم بما لا يوازيه سوي المرحوم مارتن لوثر كنق. فقد تربي مالكوم علي يد المرحوم أليجا محمد، زعيم جماعة "امة الإسلام" الذي تلقي بعض إسلامه من الشيخ ساتي ماجد، الداعية الدنقلاوي الذي قدم الي أمريكا في 1904. ثم تعرف مالكوم علي الداعية السلفي السوداني احمد حسون وتفقه علي يديه. وحسون هو الذي غسل جثمان مالكوم بعد إغتياله وجهزه لتقاليد الرحيل المسلمة.وكان مالكوم قد تعرف أيضاً علي السيد أحمد صديق عثمان (الحلفاوي) الذي أبنه عند قبره. وقصة حوارات أحمد مع مالكوم شيقة. وقد ترجم وقيع الله خطاباً أرسله مالكوم الي أحمد يسأل فيه عن تفسير بعض الآيات. ومنها "يوم ينفخ في الصور ونحشر المجرمين يومئذ زرقاً". وقال وقيع الله ان مالكوم ربما استشعر في الأية تحيزاً ضد السواد وهو الذي كان يبث العزة به في أهله. وقد جاء أحمد بصيغ مختلفة لشراح الآية طمأنت ملكولم علي دينه.
وأنا أقرأ مقالات وقيع الله النبيهة تصادف أن كنت أقلب صفحات كتاب الأستاذ عبدالرحمن مختار، عافاه الله وشفاه ورده الي بلده، المعنون ( خريف الفرح). ولم أكن مستعداً للمفاجأة التي عثرت بها فيه. فقد قال عبدالرحمن إن المرحوم السيد علي استدعاه يوماً من عام 1960 وهو علي أهبة السفر لأمريكا. وتدارس السيد مع عبدالرحمن حركة الحقوق المدنية التي قادها مارتن لوثر كنق وتزايد إعتناق السود للإسلام. وتنبأ السيد أن الإسلام سيبلغ مداه في أمريكا ويغلب في عام 2000 ولم يستبعد ان يسود عليها افريقي امريكي بالإنتخاب. كما طلب من عبدالرحمن أن ينتقي له كتباً عن حركة السود هذه. وقد أفاض في الحديث عن مارتن لوثر كنق وزكي له تعدد الزوجات إذا كان جاداً في دعوته لتكاثر السود في أمريكا حتي يفاخر بهم الأمم. وقد سأل عبدالرحمن أن يلتقي بمارتن لوثر نيابة عنه وقد حمَّله رسالة له. وقال عبدالرحمن إنه فعل وأحسن مارتن لوثر إستقباله ووعد أن يكون السودان أول بلد يزوره متي سنحت له الفرصة لزيارة أفريقيا.
وهل غادر الشعراء من متردم؟
تعليق: فرقت نبوءة السيد 8 سنوات عن إنتخاب أسود كما نرى اليوم.
ترحب سودانيزاونلاين بجميع الاراء الحرة و المقالات ,الاخبار و البيانات لنشرها فى هذه الصفحة.ويمكنك لزوارنا الكرام ارسالها الى [email protected] كما نرجو ذكر الاسم الحقيقى و الكامل و مكان الاقامة مدة بقاء المقال فى هذه الصفحة 10 اعوام
أعلى الصفحة