الوطن والوطنية والمواطنة متلازمات لا تنفك عن بعضها البعض!

نعى اليم ...... سودانيز اون لاين دوت كم تحتسب الزميل فتحي البحيري فى رحمه الله
وداعاً فتحي البحيري
مرحبا Guest
اخر زيارك لك: 04-28-2024, 08:41 AM الصفحة الرئيسية

منتديات سودانيزاونلاين    مكتبة الفساد    ابحث    اخبار و بيانات    مواضيع توثيقية    منبر الشعبية    اراء حرة و مقالات    مدخل أرشيف اراء حرة و مقالات   
News and Press Releases    اتصل بنا    Articles and Views    English Forum    ناس الزقازيق   
مدخل أرشيف الربع الثاني للعام 2012م
نسخة قابلة للطباعة من الموضوع   ارسل الموضوع لصديق   اقرا المشاركات فى شكل سلسلة « | »
اقرا احدث مداخلة فى هذا الموضوع »
04-16-2012, 07:43 PM

محمد جمال الدين
<aمحمد جمال الدين
تاريخ التسجيل: 10-28-2007
مجموع المشاركات: 5262

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
الوطن والوطنية والمواطنة متلازمات لا تنفك عن بعضها البعض!

    سلامات يا أبناء وبنات وطني الأعزاء/العزيزات (ممكن تسمحوا لينا نشارك معاكم شوية في المعمعة الحاصلة دي... حول معنى الوطن والوطنية؟... وهناك معضلة المواطنة؟)؟.

    بيان: البوست دا ربما جاء طويلآ جدآ بطول الوطن وعرضه!.

    طلب: أتمنى إنو الناس البعرفو ترجمة المصطلحات يترجمو لينا بحسب معرفتهم ورؤيتهم كلمات ممثل (الوطن والوطنية والمواطنة ) طبعآ عندي رأيي وترجمتي الخاصين بس قصة ترجمة المصطلحات دي لي قدام أتوقع إكون فيها عكة كبيرة في خواطر العارفين كما المهتمين لأن اللغة(مجرد إشتقاقات) كماالمفهوم وافدان من الخارج ليسا من تراثنا "المحلي" لا اللغوي ولا الديني والعلمي ولا العملي ولا التاريخي!.


    القصة ليست ذات علاقة بهجليج... وبس. لا... هي أكبر... قصة قديمة قدم التاريخ!.

    والآن نبدأ على بركة الله. وصبرآ جميلآ.


    محمد جمال
                  

04-16-2012, 07:51 PM

محمد جمال الدين
<aمحمد جمال الدين
تاريخ التسجيل: 10-28-2007
مجموع المشاركات: 5262

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: الوطن والوطنية والمواطنة متلازمات لا تنفك عن بعضها البعض! (Re: محمد جمال الدين)

    الوطن والوطنية والمواطنة متلازمات لا تنفك عن بعضها البعض...

    ذاك هو زعمي ومبرري في إفتراع هذا البوست "؟!".
                  

04-16-2012, 07:58 PM

محمد جمال الدين
<aمحمد جمال الدين
تاريخ التسجيل: 10-28-2007
مجموع المشاركات: 5262

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: الوطن والوطنية والمواطنة متلازمات لا تنفك عن بعضها البعض! (Re: محمد جمال الدين)

    "وطن" في اللغة والإصطلاح

    لمحة عاجلة:
    كلمة وطن لا توجد في القواميس العربية القديمة بالمفهوم الشائع الذي نعرفه بها اليوم، لا توجد على الإطلاق، إذ لم يعرف العرب ممالكهم/سلطناتهم/دولهم بالوطن، هذا المفهوم حديث جدآ ووافد من أروبا الغربية التي تخلقت عندها مفاهيم "الوطن والوطنية والمواطنة" فيما بعد الثورة الفرنسية ولم يظهر المفهوم بمعناه الحالي في الشرق الأوسط كما الأدني بما في ذلك السودان إلا قبل عقود قليلة خلت وما يزال المفهوم مشوش وضبابي من جراء جدته وعدم رسوخه كما إنبتاته من الجذور.
    ونجد أفضل تعريف لل"وطن" في قاموس لسان العرب.

    ملخص "وطن" في لسان العرب:
    وطن: الوَطَنُ: المَنْزِلُ تقيم به، وهو مَوْطِنُ الإنسان ومحله؛والجمع أَوْطان. وأَوْطانُ الغنم والبقر: مَرَابِضُها وأَماكنها التي تأْوي إليها؛ يقال: أَوْطَنَ فلانٌ أَرض كذا وكذا أَي اتخذها محلاً ومُسْكَناً يقيم فيها. . وفي صفته، صلى الله عليه وسلم: كان لا يُوطِنُ الأَماكن أََي لا يتخذ لنفسه مجلساً يُعْرَفُ به. والمَوْطِنُ: مَفْعِلٌ منه، ويسمى به المَشْهَدُ من مشَاهد الحرب، وجمعه مَوَاطن. وفي التنزيل العزيز: لقد نصَركُمُ اللهُ في مَوَاطن كثيرة؛ وقال طَرَفَةُ: على مَوْطِنٍ يَخْشَى الفَتَى عنده الرَّدَى، متى تَعْتَرِكْ فيه الفَرائصُ تُرْعَدِ وأَوطَنْتُ الأَرض ووَطَّنْتُها تَوطِيناً واسْتَوْطَنْتُها أَي اتخذتها وَطَناً، وكذلك الاتِّطانُ، وهو افْتِعال منه. غيره: أَما المَوَاطِنُ فكل مَقام قام به الإنسان لأَمر فهو مَوْطِنٌ له

    يتواصل... "الوطن والوطنية والمواطنة"

    محمد جمال
                  

04-16-2012, 08:12 PM

محمد جمال الدين
<aمحمد جمال الدين
تاريخ التسجيل: 10-28-2007
مجموع المشاركات: 5262

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: الوطن والوطنية والمواطنة متلازمات لا تنفك عن بعضها البعض! (Re: محمد جمال الدين)

    معنى الوطن في الدين والتاريخ الإسلاميين:

    لا يوجد شيء في الدين الإسلامي إسمه "وطن" ولا في التاريخ الإسلامي. هناك أمة "إسلامية" في مقابل أمم "كتابية" وأمم أخرى لا "كتابية" عند لحظة تجلى الحضارة العربية الإسلامية في أوج إنتصاراتها. وربما كان هناك "قوم" في لحظة الإنحطاط كما تجلت بوضوح النزعات "العروبية" إبان مقاومة الإمبراطورية التركية وتمظهرت تلك النزعات في أوجها في حزب البعث العربي الإشتراكي (القومية العربية) في كل من سوريا والعراق وتمددت لاحقآ إلى بلدان أخر .

    غير أن الأمة ظلت هي السمة الأساس للإسلام في تجليه كدولة. بل أن أمة الأسلام ربما ضمت كائنات أخرى من غير البشر مثل الجن والطير والنمل. وكما هو معلوم فإن مفهوم الأمة غير مرتبط بالأرض (رقعة جغرافية) وإنما في المقام الأول بالإيمان و بالحقوق و الواجبات المنصوص عليها في المقدس ولا يهم أين يقيم الإنسان من الكرة الأرضية. وبهذا المعنى يكون الوطن كرقعة جغرافية على أساسها تتحدد حقوق وواجبات الإنسان (مفهومي الوطن والمواطنة) في حالة تضاد وصدام صارخ (شبه حالة كفر) مع المفاهيم الدينية الكلاسيكية وإلى حين إشعار آخر!. (ربما أعود لهذه النقطة التاريخية في وقت آخر، ما لزم). لا يوجد شيء أسمه وطن أو/وطنية أو/و مواطنة على مر تاريخ المنطقة التي نحن جزءآ منها "بلاد ما يسمى بالعرب وبالأفارقة" وحتى منتصف القرن العشرين وحتى هذه اللحظة لا يوجد إجماع لا عمليآ ولا نظريآ على معاني تلك المفاهيم الوافدة.

    وعندنا في السودان أمثلة عديدة عملية لتلك المعضلة التاريخية ومن أسطعها: الثورة المهدية كما يسمى بالثورة الإنقاذية. وهنا سأستعين بمقاطع سابقة من مساهمة خاصتي قارنت عندها بين دولة مهدية الماضي ودولة إنقاذ اليوم.

    ملاحظة هامة: طبعآ أنا أشارككم بخيط إسفيري وليس مقالة!.

    يتواصل... "الوطن والوطنية والمواطنة"

    محمد جمال

    (عدل بواسطة محمد جمال الدين on 04-17-2012, 08:43 AM)

                  

04-16-2012, 08:29 PM

محمد جمال الدين
<aمحمد جمال الدين
تاريخ التسجيل: 10-28-2007
مجموع المشاركات: 5262

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: الوطن والوطنية والمواطنة متلازمات لا تنفك عن بعضها البعض! (Re: محمد جمال الدين)

    مداخلة عابرة ونمضي إلى الأمام:

    عندي زعم في مكان الإيمان الراسخ أن أي حديث عن "الوطنية" لا يفصح عن ماهية "المواطنة" هو خداع وإستهبال آيدولوجي مفضوح!.

    إذ كيف جاز لك ومن أنت كي تحدثني عن "الوطنية" دون تحدثني عن حقوقي وواجباتي "المتحققة" كمواطن في إطار هذا الشيء المدعو "وطن"؟!.

    محمد جمال
                  

04-16-2012, 09:05 PM

محمد جمال الدين
<aمحمد جمال الدين
تاريخ التسجيل: 10-28-2007
مجموع المشاركات: 5262

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: الوطن والوطنية والمواطنة متلازمات لا تنفك عن بعضها البعض! (Re: محمد جمال الدين)

    الدولة = الوطن بمعناه الإصطلاحي... والوطنية هي فقط المتلازمة الوجدانية "الشعور الخاص" بما يسمى بالوطن بينماred]المواطنة هي التعبير العملي والنهائي لحالة كون أحدهم "مواطن" ودونها لا يستقيم ولا يمكن أن يشعر ذاك الكائن بال"وطنية"! .

    المواطنة = الحقوق والواجبات المتساوية للناس المحددين "الأحرار والمتساوين قانونيآ" فوق رقعة جغرافية محددة من الكرة الأرضية.

    أليس كذلك؟!.

    يتواصل...

    محمد جمال
                  

04-17-2012, 00:17 AM

محمد جمال الدين
<aمحمد جمال الدين
تاريخ التسجيل: 10-28-2007
مجموع المشاركات: 5262

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: الوطن والوطنية والمواطنة متلازمات لا تنفك عن بعضها البعض! (Re: محمد جمال الدين)


    النزعات الوطنية في السودان الحديث في مئة عام "بين حادثي المهدية 1885 و الإنقاذ " 1989

    (سأنحو إلى الإختصار بقدر ما أمكنني في تغطية مئة عام من الأحداث في طريق هدفي المعلن في محاولة إضاءة القضية الشائكة "الوطن، الوطنية والمواطنة" في السودان).
    "آيدولوجيا" المهدية ... رؤية من الزمن البعيد:

    تتمحور رؤية "آيدولوجيا" المهدية حول فكرة المهدي المنتظر. ذاك المهدي المنتظر الذي حفل به تراث الفكر الشيعي الإسلامي كونه الإمام المعصوم الذي يأتي آخر الزمان ليملأ الارض عدلآ بعد أن ملأت جورآ وظلمآ، برغم ان المهدي لم يكن شيعيآ وانما كان متصوفآ سنيآ لكنه أخذ بجسد فكرة المهدي المنتظر وعبأه بمحتويات جديدة، روح جديدة.

    أقر المهدي الجهاد "إستخدام القوة" كأداة للتحرر من الأجنبي كما إقامة الدين الصحيح، أوقف العمل بالمذاهب الفقهية المختلفة ودعا الى الرجوع مباشرة إلى الكتاب والسنة دون غيرهما من الكتب التي يرى أنها خلافية. ألغى جميع الطرق الصوفية وأبطل جميع الأوراد داعيا الجميع إلى نبذ الخلافات والالتفاف حول طريقته المهدية وحدها دون غيرها وألف ورداً خاصآ بطريقته "الراتب". حرم كل أشكال الأحتفالات البذخية. منع البكاء على الأموات وخفف مهور الزواج وبسط الولائم وحرم الرقص والغناء والموسيقى. حارب الخمر والتبغ والتنباك. صك العملة بإسمه وأقام الإقتصاد وفق ما فهمه من مقاصد الشريعة الإسلامية. وكان المهدي يعتقد بعالمية دعوته ولهذا دخل في حروب جهادية مع الدول المجاورة مثل أثيوبيا ومصر وراسل ملكة بريطانيا وسلطان تركيا وكان يطمع في نشر دعوته في كل أرجاء الأرض كتكليف رباني.

    وفي جملة قصيرة أستطيع أن أقول لدى هذا السرد المقتضب أن أهم سمات الثورة المهدية أنها فرضت إيدولوجيا جماعة مدنية بعينها على مجمل إتحاد البنيات المدنية المشكلة لموزايك الرقعة الجغرافية المساة بالسودان، فكانت الرؤية الموحدة للعيش المشترك "الدولة" هي نفسها رؤية المهدية دون إعتبار لأي آخر من كان. فلم تقم المهدية ضد تنوع البنى الفوقية وحدها "الآيدولوجيات الأخرى الممكنة" بل قامت ضد مجمل "المنظومات القيمية" لتلك البنيات المدنية الأصيلة مما شكل تهديدآ جديآ بفناء أو زعزعة بقاء بنيات مدنية أصيلة وراسخة مثل الطرق الصوفية وبعض القبائل والعشائر إضافة إلى كيانات مؤثرة كتجمعات تجار المدن ومزارعي ورعاة مناطق الوسط النيلي. مما قاد في نهاية المطاف إلى فوضى عارمة إنتهت بفناء المهدية كدولة وصحب ذلك تشوه هيكلي وقيمي ورؤيوي لمجمل البنيات المدنية الأصيلة في السودان إستمر لعشرات السنين التالية وما تزال بعض آثاره قائمة حتى الآن.

    وخلاصة الأمر فالمهدية لم يرد لها أن تكون دولة وإنما كانت ثورة وما تراء منها من سلطة مركزية ودواوين حكومية وكأنه جهاز رسمي "نهائي" جاء بمقتضى المرحلة هدفه الأساس كان "الجهاد" أي الفتوحات في دفقات متتالية إلى الأمام. وإن كانت الدولة ليست بشيء غير ثورة، فإن المجتمع المدني في كلياته أريد له أن يكون مجرد خادم خانع لآيدولوجي الامر الواقع و يكون الفرد لا شيء غير "أنصاري" للآيدولوجي. وبالتالي يقوم المجتمع المدني في مقابل أمر الله.
    ومادام الأمر كذلك فعند المهدي لا حوجة لأي هيكل مدنى آخر سوى "المهدية كطريقة" أي كهيكل وفكرة لكن في تجليهما كفعل أي "ثورة" من أجل إعلاء قيم الحق التي جاء بها المهدي المنتظر. وعليه عمل المهدي وخليفته كلما بوسعهما من أجل إفناء أو تحجيم التمظهرات المدنية الفاعلة سواءآ كانت هيكلية أو لا هيكلية، مثل الطرق الصوفية حيث تعامل معها بعنف شديد والقبيلة ولو بقدر أقل حدة. فألغى جميع الطرق الصوفية وأبطل جميع الأوراد داعيآ الجميع إلى نبذ الخلافات والالتفاف حول طريقته المهدية وحدها دون غيرها وألف ورداً خاصآ بطريقته "الراتب". ومعروف أن الطريقة الصوفية تعتبر تمظهر مدني هيكلي ذا فاعلية خطيرة في حياة الناس آنذاك. كما انه من الناحية الأخرى حرم كل أشكال الأحتفالات الكبيرة "البذخية" و منع البكاء على الأموات وخفف مهور الزواج وبسط الولائم وحرم الرقص والغناء والموسيقى.
    وكل تلك أواني قيمية تعتمل إمكانية تمظهرات مدنية لا هيكلية لا حصر لها. ولو بدا لنا أن الدواعي من وراء تلك الأفعال دينية، فلا نقل شيء، غير أنها أيضآ تحقق الهدف الذي نتحدث عنه هنا بفاعلية تامة، إنه لأمر يبدو عندي من الناحية الفنية في غاية الدهاء الفطري ولو كانت خاتمة الأمر في منتهى السوء. ذاك الدهاء يتجلى في أنه لم يكتفي بوضع ضوابط صارمة لتحجيم التمظهرات المدنية الهيكلية وحدها بل عمل بذات الصرامة إلى الإلتفات للتمظهرات المدنية غير الهيكلية مثل تجمهرات الأفراح والأتراح. وقد ورد في خلاصاتنا هنا حول تمظهرات المجتمع المدني الهيكلية وغير الهيكلية: (- يتمظهر المجتمع المدني أفقيآ كما رأسيآ: أفقيآ في صورة أحداث وهياكل (هيكليآ ولا هيكليآ). كما يتمظهر رأسيآ (في نسخته الهيكلية) في صورتين 1- "أصيلة" = "تحتية" و2- فوقية (مولدة عن الأصيلة). النسخة المدنية الأصلية تستند على منظومة قيم إجتماعية تنقسم الى ثلاثة أنماط (1- جسدانية "فروسية" 2- روحانية "غيبية" و 3- عقلانية "موضوعية"). بينما يستند التمظهر الفوقي "المولد" إلى منظومة آيدولوجية.

    يتمظهر المجتمع المدني لا هيكليآ في شكل أحداث متكررة وراتبة من خلفها قيم وعندها أهداف وأعراف وسوابق راسخة في العقل الجمعي. مثال ذلك الألعاب الشعبية ومراسم الزواج وشعائر الجنازة والفذعة والنفير و"الزار" و"المبارزة" و "البطان" والحكاوي الشعبية و"القعدات" بأشكالها المختلفة كجلسات القهوة "الجبنة" و الشاي والخمر والكتشينة). (لطفآ، راجع الخلاصات في نهاية الصفحة رقم 4 من هذا الخيط).

    وبذاك هدفت قيادة المهدية من حيث المبدأ إلى سد الطريق أمام جميع سلاسل المنظومات القيمية الإجتماعية الأخرى ما دون الطريقة المهدية من أن تتجسد أو تتمظهر بأي شكل من الاشكال "هيكليآ أو لا هيكليآ" والقصد النهائي هو إفناء تلك القيم السائدة في سبيل نصر نهائي وحاسم وأبدي للمهدية كطريقة دينية "منظومة قيمية مقدسة" وثورة وخلافة على وجه الأرض، وهذا الفهم يكون منسجمآ تمامآ مع جوهر المهدية كأمر إلاهي!.

    في ختام هذا المشهد أنظر على سبيل المثال كيف كانت حالة القانون وطريقة الحكم بقراءة مقطع من منشور المهدي بتاريخ 27 يناير سنة 1883 يعلن في جزء منه حق الخليفة عبد الله التعايشي في قتل النفس البشرية ومصادرة الأموال والممتلكات متى شاء وكيف أراد، إذ قال: (واعلموا أن "عبد الله التعايشي" جميع أفعاله وأحكامه محمولة على الصواب لأنه أوتي الحكمة وفصل الخطاب ولو كان حكمه على قتل نفس منكم أو سلب أموالكم، فلا تتعرضوا عليه فقد حكمه عليكم بذلك ليطهركم ويزكيكم من خبائث الدنيا.. ومن تكلم في حقه.. فقد خسر الدنيا والآخرة ذلك هو الخسران المبين ويخش عليه من الموت على سوء الخاتمة.... وهو المذكور خليفتنا في الدين وخلافته بأمر من النبي صلى الله عليه وسلم. فمن كان منكم مؤمناً بالله واليوم الآخر ومصدقا بمهديتي فليسلم للخليفة عبد الله ظاهراً وباطناً. وإذا رأيتم منه أمراً مخالفا في الظاهر فاحملوه على التفويض بعلم اله والتأويل الحسن).

    وبهكذا فهم لم يكن الفرد والمجتمع المدني والدولة سوى وسائل رخيصة لغاية نبيلة لا يفهما أحد غير "المهدي المنتظر" وخلفاءه.

    وإذ تلاشت المهدية كثورة بفعل تناقضاتها الذاتية وماتت كدولة على يد الغزو الإنجليزي فأن المهدية ظلت واحدة من أهم تجليات المجتمع المدني "الأصيلة والفوقية على حد سواء" في السودان منذ نشأتها وحتى اليوم، ممثلة في الطريقة المهدية "الأنصارية" التي تمخضت في بداية الخمسينات عن بنية مدنية فوقية "آيدولوجي" هو حزب الأمة (الأمة وكيان الأنصار). فالمهدية كثورة ودولة إنطلقت في الأساس من الطريقة الصوفية القادرية "السمانية" عند بداياتها وإنتهت كطريقة صوفية جديدة هي المهدية "الأنصارية" في خاتمة المطاف.

    ذاك من ناحية كما أن من الناحية الأخرى فإن المهدية بفعلها كثورة ودولة ومن ثمة مجتمع مدني ظلت على الدوام حاضرة في سلوك الفرد وقيم المجتمع المدني العريض على مستوى بنيتها المدنية الأصيلة وحاضرة على مستوى الدولة على مر السنين في مستوى بنيتها المدنية الفوقية، فعلى سبيل المثال الحي فالمهدية كبنية مدنية فوقية ممثلة في حزب الأمة كانت على الدوام تكون الكيان الأول أو الثاني المشكل لجهاز الدولة التنفيذي منذ العام 1953 وحتى الآن أو تكون في مكان الممثل الفعلي الأول أو الثاني على مستوى الفعل المعارض للجهاز التنفيذي.

    وخلاصة الأمر فالمهدية بغض النظر عن كل شيء ما تزال مجتمع مدني فاعل على مستوى بنيتيها الأصيلة + الفوقية أي "الأنصارية + الأمة" وعلى الدوام.

    هام جدآ: المجتمع المدني أعني به "المجتمع" في كلياته قديمه وحديثه في الريف وفي

    المدينة في مقابل "الدولة" قديمها وحديثها وبغض النظر عن طبيعة محتواها أو/و هياكلها.

    راجع إن لزم الأمر بوست خاصتي متعلق بالشأن يشمل شرح تفصيلي للأمر:
    الانسان والمجتمع والدولة في السودان - نحو أفق جديد
    http://sudaneseonline.com/forum/viewtopic.php?t...12b10be7a3a21514a3e8

    يتواصل... "الوطن والوطنية والمواطنة"

    محمد جمال
                  

04-17-2012, 00:44 AM

محمد جمال الدين
<aمحمد جمال الدين
تاريخ التسجيل: 10-28-2007
مجموع المشاركات: 5262

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: الوطن والوطنية والمواطنة متلازمات لا تنفك عن بعضها البعض! (Re: محمد جمال الدين)


    تواصلآ مع "المهدية"

    ألمحت أعلاه إلى أن المجتمع المدني في حالة المهدية كان معكوس الوضع الطبيعي إذ جاء مقابلآ للآيدلوجي وليس الدولة كما يجب. وهي حالة ليست بالضرورة نادرة بالنظر الى السياق الزماني والمكاني للمهدية فالتاريخ حفل بأشكال مختلفة لأشباه الدولة المهدية. كما أن عند المهدية تحديدآ فإن الدولة لم تتشكل في صيغتها النهائية. فما فتح أمدرمان إلا كفتح مكة.
    فكان من المحتمل ان يكون مركز الدولة مختلفآ جدآ إذا ما تحققت أحلام وخطط المهدي وخليفته في الفتوحات غير محدودة الأفق، فالمهدية كما يبدو بدهيآ ليست ثورة ولا دولة وطنية بقدر ما هي ثورة آيدولوجية "دينية/أممية" همها الأول هو " الأمة" وليس الوطن وهنا تكون بغداد وقاهرة المعز والدرعية والإستانة وموسكو ولندن وطوكيو وكيب تاون وواشنطن كلها عواصم محتملة لدولة المهدية في نسختها الحالمة.
    فامدرمان كانت مجرد ضربة البداية ويبدو أن هناك خمسة مراكز كانت هدفآ إستراتيجيآ للمهدية بما عنته آنذاك من معنى ديني وسياسي وعسكري وإقتصادي وتاريخي وهي: إستانبول (عاصمة الخلافة العثمانية) والقاهرة (موقع إستراتيجي) والحجاز (الأماكن المقدسة) وبغداد (عاصمة الخلافة الإسلامية تاريخيآ) ولندن (عاصمة الإمبراطورية التي لا تغرب عنها الشمس).

    يتواصل... "الوطن والوطنية والمواطنة"

    محمد جمال
                  

04-17-2012, 01:29 AM

محمد جمال الدين
<aمحمد جمال الدين
تاريخ التسجيل: 10-28-2007
مجموع المشاركات: 5262

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: الوطن والوطنية والمواطنة متلازمات لا تنفك عن بعضها البعض! (Re: محمد جمال الدين)

    مرة أخيرة المهدية حصرآ ونمضى إلى الأمام.

    "انت قايل الدنيا مهدية"
    لقد إرتطمت المهدية كثورة ودولة إرتطامآ عنيفآ بعديد من البنيات المدنية في وقتها. فالمهدية لم تحارب آيدولوجيات محتملة لتلك البنى المدنية من قبيل الطرق الصوفية وعدد من القبائل وتجار المدن ومزارعي ورعاة الوسط النيلي وإنما عملت على الفناء المادي لتلك البنيات من الأساس.

    وتلك الحقيقة كانت أس الفوضي بجانب الحملة الجهادية الرومانسية المتواصلة مما أدى إلى دمار وخراب شمل وشل جميع قطاعات الحياة لدرجة أصبح فيها السودان شبيه بحالة ألمانيا لحظة خروجها من النازية. وهناك مقولة تختزل ذاك الوضع الفوضوي ظلت تترد منذ نهاية القرن التاسع عشر وحتى الآن وهي:
    ( انت قايل الدنيا مهدية) والبعض يقول جهدية، وهي كناية عن الفوضى الراسخة واللا قانون.

    فالمهدية لم ترضى بالفرد إلا "إنصاري" ولا المجتمع المدني إلا "مهدي" ولا الدولة إلا "مهدية" ونظرت إلى بقية العالم إما ضال أو كافر وجب عليه أن "يتمهدد". وداخل ذلك الوضع المأزوم لم تكن هناك خطة واضحة اين تبدأ الاحداث وكيف تنتهي. كان هناك موت ومسغبة في جميع الإتجاهات. إنتهي بموت آلاف الناس في معركة كرري وماتت الدولة والثورة دون أن يكون هناك مقابلآ ولو ضئيل عاد على الناس من جراء كل ذاك الموت الزؤام والمجاعة والخوف والدمار المطبق.

    فجاء الإنجليز بكل سهولة وبساطة فحكموا السودان لحوالي ستين عامآ تالية دون أن يواجهوا بأي مقاومة جدية تذكر حتى رحلو بملء إراتهم لأسباب ليس من ضمنها جوهريآ مقاومة مؤتمر الخريجين السلمية محدودة الأثر. وعندي أن السلبية واللا مبالاة التي تسم قدر كبير من السودانيين في الماضي والحاضر تكون أحد التجليات لتلك الفوضى العارمة التي تمخضت عنها الدولة المهدية ، فلحظة ميلاها كانت مؤلمة ولحظة "دولتها" كانت مؤلمة ولحظة موتها كانت أكثر إلامآ.

    فأصبح بعدها عند الكثير من السودانيين كل شيء لا يعني شيء!. فأصيب الكثير من الناس وإلى يومنا هذا بقدر كيبر من الشعور بالعبثية واللا مبالاة. وهو أمر ضمن أسباب أخرى بدورها جوهرية يفسر مقولة كثيرآ ما نسمعها من بعض الناس في بلدان عربية وأفريقية فحواها أن السوداني إنسان مسالم!.

    ملاحطة هامة: نحن لسنا بالضرورة في محل تقييم أو محاكمة تاريخية للمهدية في زمكانها وإنما من هنا نود أن نخرج إلى معنى "الوطن"؟. كما ماهية الوطنية وسؤال المواطنة؟.

    يتواصل... "الوطن والوطنية والمواطنة"

    محمد جمال
                  

04-17-2012, 01:49 AM

هيثم طه
<aهيثم طه
تاريخ التسجيل: 08-30-2011
مجموع المشاركات: 1153

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: الوطن والوطنية والمواطنة متلازمات لا تنفك عن بعضها البعض! (Re: محمد جمال الدين)

    Quote: الوطن والوطنية والمواطنة متلازمات لا تنفك عن بعضها البعض...

    يا جيمي دا كلام خطير جدا !!
    و يتعارض تماما مع مفهوم الوطن والوطنية الاسست ليهو الانظمة الديكتاتورية التي ورثت الاوطان بعد الاستعمار !!
    يعني يتعارض مع المفهوم الايدلوجي للوطن - الذي لا علاقة له بالانسان اوالمواطن - عمرو اكثر من نصف قرن ! و اتوظف بجدارة لحماية السلطة وامتلاك الشرعية !

    المهم كلامك دا خطر جدا علي انظمة السلطة القمعية ما بعد الاستعمار الي الان !

    يوم بتقتل ليك (وطن) !

    --
    (الاوطان) الحالية يا صديقي اغلي من الانسان نفسه ! اوهكذا قال لنا الحكام ! لذا من السهل قتل الانسان لحماية الوطن !
    وهل لكوكب الارض اهمية ان لم يسكنه الانسان !
    اذن فيذهب الحكام للقتال من اجل تراب عطارد و زحل !!


    واصل ومتابعة

    (عدل بواسطة هيثم طه on 04-17-2012, 01:51 AM)

                  

04-17-2012, 04:38 AM

محمد جمال الدين
<aمحمد جمال الدين
تاريخ التسجيل: 10-28-2007
مجموع المشاركات: 5262

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: الوطن والوطنية والمواطنة متلازمات لا تنفك عن بعضها البعض! (Re: هيثم طه)

    الإنقاذ "؟!"

    سؤال هام جدآ... بلا شك!... وفي المسافة الفاصلة بين المهدية والإنقاذ عشرات الأسئلة الهامة بدورها!.


    يتواصل... "الوطن والوطنية والمواطنة"

    محمد جمال
                  

04-17-2012, 06:16 AM

aydaroos
<aaydaroos
تاريخ التسجيل: 06-29-2005
مجموع المشاركات: 2965

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: الوطن والوطنية والمواطنة متلازمات لا تنفك عن بعضها البعض! (Re: محمد جمال الدين)

    Quote: عندي زعم في مكان الإيمان الراسخ أن أي حديث عن "الوطنية" لا يفصح عن ماهية "المواطنة" هو خداع وإستهبال آيدولوجي مفضوح!.

    إذ كيف جاز لك ومن أنت كي تحدثني عن "الوطنية" دون تحدثني عن حقوقي وواجباتي "المتحققة" كمواطن في إطار هذا الشيء المدعو "وطن"؟!.


    هي هكذا يا محمد يا جمال الدين ... بالضبط هكذا
                  

04-17-2012, 07:12 AM

أحمد ابن عوف
<aأحمد ابن عوف
تاريخ التسجيل: 04-26-2010
مجموع المشاركات: 7610

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: الوطن والوطنية والمواطنة متلازمات لا تنفك عن بعضها البعض! (Re: aydaroos)

    كتابة ثورية

    سلام يا محمد

    محطه اتمنى ان تقف عندها

    سيد قطب "الاوطان كالاوثان"

    حديثك ذكرني بمثل "اعتقد انه امريكي"
    Before you build a wall, ask your self, what are you walling in or walling out

    ____________________
    لو كنت من متابعي فضائيات الحكومة هذه الايام، لتم "سلخ" ايمانك بالوطنية
                  

04-17-2012, 08:52 AM

محمد جمال الدين
<aمحمد جمال الدين
تاريخ التسجيل: 10-28-2007
مجموع المشاركات: 5262

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: الوطن والوطنية والمواطنة متلازمات لا تنفك عن بعضها البعض! (Re: أحمد ابن عوف)

    سلامات هيثم طه وعيدروس وأحمد إبن عوف...

    نهار سعيد

    قليلآ وأقف على مساهماتكم القيمة...

    تقبلوا فائق معاني الود والإحترام وحتى نعود...

    محمد جمال
                  

04-17-2012, 09:04 AM

محمد جمال الدين
<aمحمد جمال الدين
تاريخ التسجيل: 10-28-2007
مجموع المشاركات: 5262

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: الوطن والوطنية والمواطنة متلازمات لا تنفك عن بعضها البعض! (Re: محمد جمال الدين)

    قبل النظر في "الإنقاذ" وددت لطفآ لو تشاركونني قراءة مقالة سابقة لي "متعلقة"حاولت عندها مقاربة موضوعات (القيم والآيدولوجيا والوطن) ضمن سلسة "سؤال الهوية" عل ذاك يعينني لاحقآ مع صحابي في قدر من وضوح الرؤية حول جدلية "الوطن/الوطنية/المواطنة" اللنك مثبت نهاية المقالة:



    في سبيل الإجابة على سؤال "الهوية " 4-4"

    [email protected]


    ماهية الهوية ثم أشكالها ومستوياتها ومآلاتها؟.


    إستنادآ إلى تصوري لتجليات المجتمع المدني السوداني وجدليته مع الدولة والذي قلت به لدي الحلقة الماضية (رقم 3). أستطيع أن أقول أن هناك ثلاثة مستويات للهوية. هوية قيمية وهوية رؤيوية وهوية زمكانية. والهوية الزمكانية هي الهوية الكلية "الشاملة". وقد سبق أن بينت أنني أعتقد أننا إن لم نتعرف على طبيعة المجتمع المدني السوداني وعلاقته بالدولة لن نستطيع أن نجيب على سؤال الهوية بالصورة المثلى. وتأتي ضرورة التعرف على طبيعة المجتمع المدني السودان من حيث المبدأ لإعتقاد مني بأنه لا يوجد مجتمع مدني واحد يحمل نفس الصفات والمواصفات ويتمظهر بنفس النسق والمنوال لا في الريف ولا في المدينة. كما أن المجتمع المدني يبقى على الدوام متباينآ و متمايزآ بين زمان وزمان ومكان ومكان "في الدول المختلفة". المجتمع المدني عندي مثل بصمات الأصابع لا يتكرر مرتين ولا يتطابق ابدآ في اللحظة التاريخية المحددة. ومن هنا رأيت أنه لزامآ علي أن أتلمس طبيعة المجتمع المدني السوداني وتجلياته المختلفة كما جدليته مع الدولة قبل أي تلمس مباشر لموضوعة الهوية كجوهر أو كفاعلية إجتماعية. لا يوجد شيء إسمه الدولة يقوم بمعزل عن المجتمع المدني والعكس صحيح. هناك ثلاثة مستويات تعيش في جدل مستمر أي تشكل بعضها البعض: القيم الإجتماعية + اللوائح (وهي عندي خلاصة الدين والثقافة والتجربة الإنسانية العلمية والعملية) والرؤى الشتيتة للعيش المشترك "الآيدولوجيات" والرؤية الموحدة للعيش المشترك وهي الدولة "رؤية موحدة للعيش المشترك في نسختها المثالية" (عقد إجتماعي).

    المجتمع المدني يتشكل على الدوام من بنيتين: بنية تحتية "قيمية" وبنية فوقية "رؤيوية". البنية التحتية تشكل البنية الفوقية والبنية الفوقية تشكل الدولة. مرة ثانية الدولة تشكل البنية الفوقية والبنية الفوقية تشكل البنية التحتية وذاك ما أعنيه على الدوام بجدلية المدني والرسمي أي المجتمع المدني والدولة". إنها دائرة تدور في محيطها.

    مع علاقة هذا بالهوية؟. ليست علاقة فقط بل تلك عندي هي الهوية ذاتها!. كيف؟.

    الهوية عندي بمعناها السوسيولوجي تكون هي شعور الفرد الذاتي المحض بالإنتماء العضوي لجماعة ما ايآ كانت تلك الجماعة في إطار "زمكان" ما، أيآ كان ذاك الزمكان. بنفس القدر هي تصور الآخر للآخر في إطار جماعته الحقيقية أو المتصورة وزمكانه المحدد.

    ونستطيع بشكل عملي أن نقول أن هناك ثلاث إشراقات يمكن أن يعبرها الناس في الواقع وعلينا الوعي بها موضوعيآ، وهي: حالة الإنتماء للبنية المدنية التحتية "الأصيلة" المفردة، حالة الإنتماء للبنية المدنية الفوقية المفردة وحالة الإنتماء للدولة = إتحاد البنيات المدنية مجتمعة في "زمكان" محدد. وهي بدورها تعتمل ثلاث حالات للهوية أو تمثل ثلاث مستويات للهوية:
    1- هوية قيمية من قبيل "أنا جعلي أو دينكاوي (قيمية جسدانية أو فروسية) أو صوفي تجاني أو عضوء كنيسة أنجيلكانية (قيمية غيبية أو روحانية) أو عضوء نقابة أطباء السودان أو عضوء الجمعية السودانية لحماية البيئة (قيمية موضوعية أو عقلانية) وهي هوية غالبآ ما تكون بالإصالة.

    2- هوية رؤيوية من قبيل " أنا شيوعي أو إتحادي ديمقراطي أو بعثي أو ناصري أو حزب أمة أي أنا أنتمى إلى رؤية ذاتية للعيش المشترك" وهي هوية غالبآ ما تكون بالإكتساب.

    3- هوية "زمكانية" أي وطنية من قبيل "أنا سوداني أي أنا أنتمي إلى رؤية موحدة للعيش المشترك وهي هوية تاريخية غالبآ ما تكون أصيلة ومكتسبة في ذات الأوان.!.

    ويمكن للفرد أن يشعر بشكل تلقائي أو يحدد لنفسه بشكل واعي قدر لا حد له من الهويات "القيمية" إضافة إلى إحتمالية إنتمائه إلى رؤية ذاتية للعيش المشترك في مقابل الهوية الكلية الزمكانية "الدولة" أي الوطن.

    والشعور بالهوية الوطنية قد يتأتي تامآ أو ناقصآ أو منعدمآ بحسب الفاعلية الموجبة أو السالبة للدولة على هوية/هويات الفرد الذاتية. وبلغة أخرى فإن شعور الفرد بإنتمائه للدولة "الرؤية الموحدة للعيش المشترك" ينبني بشكل جوهري على طبيعة تأثير الدولة على إنتماءات الفرد للبنيات المدنية محل هويتيه القيمية والرؤيوية. وعلى قدر طبيعة تأثير الدولة من حيث السلب أو الإيجاب يأتي شعور الفرد أو الجماعة بإنتماء تام أو ناقص أو منعدم للدولة "الوطن".

    إذن عندما أقول "مثلآ" أنا جعلي أو دينكاوي تلك هوية قيمية وعندما أقول أنا إتحادي ديمقراطي تلك هوية رؤيوية ذاتية وعندما أقول أنا سوداني تلك هوية زمكانية. وتلك عندي جميع المستويات الممكنة للهوية في حدود ما يسمى ب "الوطن". والمستويان الأولان يشكلان المستوى الآخير وهو المستوى الشامل "الزمكان" أي الرؤية الموحدة "الكلية" للعيش المشترك "الوطنية". وعليه تكون الهوية عملية دينامية لا حدود لسيرورتها ولا صيرورتها.


    الشعور الذاتي بالهوية:

    قلنا أن هناك ثلاثة مستويات للهوية بحسب هذا التصور. هذه المستويات الثلاثة ليست بسيطة أو مسطحة وإنما كل منها ينعم بتعقيد كبير في النوع وفي المقدار كما أنها في جدل دائب مع بعضها البعض وفي مور لا يهدأ له بال. وهن:

    1- الهوية القيمية... الهوية القيمية هي قاعدة الهويات وأسها، تليها
    2- الهوية الرؤيوية (تتشكل على أساس الهوية الأولى) وتنتهي ب
    3- الهوية الزمكانية (تتشكل على قاعدة الهوية الثانية) وتمثل خلاصة الهويات.

    1- الهوية القيمية
    تستند الهوية القيمية على ثلاثة منظومات قيمية رئيسية تقوم فوق كل منها تمظهرات إجتماعية بعينها غالبآ ما تكون مكان ولاء صارم للفرد كالقبيلة والطائفة الدينية والنقابة العمالية. وتلك هي أمثلة حية للبنيات التحتية للمجتمع المدني. ولكل تمظهر مدني أصيل "تحتي" هدف محدد يقوم على أساسه . هذا الهدف على الدوام، هو: (البقاء أو/و المعاش أو/و الأمن أو/و الرفاهية) وفي سبيل هذا الهدف تتشكل القيم الإجتماعية في ثلاثة منظومات رئيسية في السودان (بحسب ملاحظتي الذاتية) تقف هذه المنظومات القيمية خلف مجمل تمظهرات المجتمع المدني الأصيلة "التحتية" في السودان. وتمثل سببآ جوهريآ في تنوع تمظهرات المجتمع المدني وتمايزها عن بعضها البعض، وهي:
    1- منظومة قيم الجسدانية "الفروسية" 2- منظومة قيم الروحانية "الغيب" و 3- منظومة قيم العقلانية "الموضوعية". (مع الوضع في الحسبان إختلاط وتشابك القيم). راجع المقال السابق (رقم 3) من هذه السلسلة.

    هل عند حد الهوية القيمية تتوقف الهوية أي تنتهي أو ينتهي الشعور بها؟.

    الإجابة بنعم صحيحة ... غير أن الإجابة بلا تكون هي الأصح!.

    لماذا؟. قد يكتفي أحدهم بالشعور بكونه جعلى أو هدندوي أو دينكاوي أو فولاني (هوية قيمية فروسية) وقد يكتفي أحدهم بكونه قادري أو شاذلي أو سماني أو أنجليكاني (هوية قيمية روحانية) وقد يكتفي أحدهم بكونه حداد ليس إلا، ينتمي إلى جماعة الصنايعية على سبيل المثال (هوية قيمية موضوعية). غير أن دروب الهوية لا تنتهي في العادة عند هذا الحد بحكم الضرورة. هناك معضلة عظيمة تجابه الإنسان وهي مشكلة "الآخر" مشكلة تجابهها البشرية في كل زمان ومكان منذ أن إختار الإنسان بحكم الضرورة العيش في تجمعات بشرية كبيرة. إذ أن النوباوي على سبيل المثال سيجد نفسه على أحتكاك مادي بالمسيري والفوراوي بالزقاوي والجعلي سيجد نفسه في لحظة ما على إحتكاك مادي بالشايقي والدنقلاوي من ناحية الشمال وبالفونجي من ناحية الجنوب. عندها هناك أمر ما لا بد أن يحدث!. نستطيع أن نضعه في صيغة سؤال هو سؤال "العيش المشترك"؟. عند هذا السؤال يتشكل وعي جديد. تتشكل بالضرورة بذرة رؤية لكيفية العيش المشترك فوق قطعة جغرافية من الأرض "هي أرض الفونج والجعليين" على سبيل المثال.

    وعلى أساس هذا الوعي الجديد تتشكل هوية جديدة لا تجب الأولى بل تقوم فوقها وتستند عليها كلية. إنها الرؤية الذاتية للعيش المشترك. تستطيع أن تسميها مذهب يعتنقه الأفراد أو رؤية أو آيدولوجيا وهي في زماننا هذا تأخذ صيغتها العملية في شكل الأحزاب السياسية. ذاك هو المستوى الثاني للهوية (إتحادي، أمة، بعثي، عدل ومساواة، جبهة إسلامية، حركة شعبية وحزب شيوعي) على سبيل المثال. تلك هي أمثلة للرؤية الذاتية للعيش المشترك وتبقى في نزوع مستمر الى أن تتحول إلى نظام صارم عبر كل الوسائل المشروعة وغير المشروعة عبر التراضي "الوفاق" أو العسف المادي حتى تتحول في نهاية المطاف إلى دولة فأكون أنا جعلي عبدلابي وذاك سناري فونجي ننتمى إلى رؤية موحدة للعيش المشترك عبر التوفيق بين رؤآنا "الذاتية" ودون المساس بهويتنا العرقية (القيمية) تحت مسمى "السلطنة الزرقاء" أو كما كان يسميها أهلها. وذاك هو المستوى الثالث والأخير للهوية "هوية زمكانية" . وإلتماسي لمملكة سنار كمثال لا يجب أن يربك محتوى الفكرة المجردة لكونها في تقديري صالحة لجميع اللحظات التاريخية في السودان. (ملاحظة هامة: أتحدث عن التمظهرات الجسدانية (القبيلة) والروحانية (الطائفة الدينية) كثيرآ هنا، كونها هي الصورة الغالبة للتجليات الإجتماعية التحتية الفاعلة في السودان وبغض النظر عن رأينا القيمي فيها).

    تلك محاولة مني أولى لمقاربة سؤال الشعور بالهوية كما تشكلها في حيز الوجود ودون أن أتحدث عن صراع الهوية. وعندما أتطرق إلى صراع الهوية في سانحة أخرى سنجد أن الهوية الواحدة "المفردة" تبقى في توتر مستمر ونزاع مستمر في ذات كتلتها ومع هويات الآخرين. فلقيم قد تحارب بعضها البعض والرؤى الذاتية للعيش المشترك تفتك ببعضها البعض في سبيل تحولها إلى رؤية موحدة للعيش المشترك "دولة" ولا ينتهى الأمر بتشكل الدولة ففي كل مرة تبدأ دورة جديدة. وقيم تموت وأخرى تحيا ورؤى تموت وجديدة تنبعث من العدم وتنهتك الرؤية الموحدة للعيش المشترك مرات ومرات فتكون مروي ثم المقرة وتخرب سوبا وتنهض سنار وهلمجرا.

    2- الهوية الرؤيوية

    قلنا أن الهوية تتشكل في ثلاثة مستويات أو قل تقوم في ثلاثة مستويات على الدوام وهن: المستوي القيمي والمستوى الرؤيوي والمستوى الزمكاني. وسبق أن تحدثنا عن المستوى الأول للهوية مع محاولة تلمس المستوى الثاني لكن دون تعمق في الفكرة. وأبدا هنا من جديد بالمستوى الثاني من مستويات الهوية وهي ما أسميه بالهوية "الرؤيوية".

    من أحد معاني الرؤية هو "الفكرة". وهو ما يعنيني من معاني الكلمة. والفكرة المعنية هنا عملية جدآ نجدها في سؤال العيش "المشترك؟" كما أسلفنا الحديث. والعيش المشترك أمر جلل!. يبدو أن الناس لا تستطيع أن تتعايش فوق رقعة جغرافية واحدة يتضاجعون، يتناسلون، يتبادلون المنافع وينظمون شئون حياتهم الكثيرة ويكتبون الشعر دون فكرة ما محددة يتواطئون عليها "رؤية كلية للعيش المشترك" = دولة. من أين تأتي هذه الرؤية الكلية؟. تأتي بحكم الضرورة. يشارك في تأسيسها قدر كبير من الجماعات وفق رؤاهم الذاتية لكيفية العيش المشترك ومن المحتمل أن تنتصر جماعة واحدة لرؤيتها الذاتية وتفرض شروطها بالكامل على مجمل الجماعات الأخرى عبر العسف المادي وحده كما حدث في المملكة العربية السعودية عام 1932 ومصر عام 1952 وهو ذاته الأمر الذي حدث في تونس والجزائر وليبيا وسوريا والمغرب والجزائر ودول أخرى أفريقية وأسيوية عديدة ويحدث في السودان منذ العام 1989 وإستمر حتى الآن ويبقى السودان في زمان الثورة المهدية أسطع مثال لفرض رؤية ذاتية واحدة مفردة للعيش المشترك لتكون رؤية كلية عبر العسف المادي وحده. وهو مثال ليس ببعيد في محتواه عن ما فعلته الجبهة الإسلامية بعد استيلائها على السلطة السياسية عام 1989.
    إذ أن الجبهة الإسلامية في السودان انتصرت لرؤيتها الذاتية للعيش المشترك عبر العسف المادي وحده وصيرتها رؤية كلية للعيش المشترك (دولة) قهرآ ودون إعارة أي إنتباه للرؤى "الذاتية" الأخرى العديدة التي بدورها لها وجهات نظر مختلفة لكيفية العيش المشترك فوق الرقعة الجغرافية المسماة سودان "مليون ميل مربع". ماذا جرى وماذا يجرى الآن بعد ما فعلت الجبهة الإسلامية فعلتها تلك لهو أمر ساطع الوضوح.

    كيف تتشكل الرؤية الذاتية؟.

    تتجلى من ضرورة العيش المشترك وتنبني بالضرورة على خلفية منظومة قيمية "هوية قيمية" وتبقى في نزوع مستمر إلى أن تصبح رؤية الجميع أي رؤية كلية للعيش المشترك أي دولة. وبطريقة عجلى كل هوية رؤيوية تبقى في مسعى دؤوب كي تصبح هوية كلية "زمكانية".
    والرؤية المعنية قد يسميها الناس أسماء مختلفة وانا لا أتحرج بل ارى أن من أدق أسمائها المحتملة تكون: آيدولوجيا!. وهذا هو فهمي للرؤية الذاتية للعيش المشترك "الآيدولوجيا". وأبدا هنا بالإجابة على سؤال محتمل عن ما أعنيه ب"آيدولوجيا" ثم أقدم سردآ مقتضبآ لكيفية تشكل الآيدولوجيا "رؤية ذاتية للعيش المشترك صادرة من جماعة مدنية ما، من كانت".


    الرؤية الذاتية للعيش المشترك = الآيدولوجيا؟:

    يجوز أن نقول أن الآيدولوجيا هي مجموعة الأنساق الفكرية التي تحدد رؤية مجموعة من الناس للواقع. تمام. هذا من الناحية النظرية. انها نسق فكري "مثالي" في مقابل الواقع "المادي". أليس كذلك؟. ويبدو أن هذا " النسق الفكرى" هو المتحول في المعادلة في مقابل الثابت وهو النسق المقيم "المادي" = الواقع. الواقع المادي = الإنسان كعظم ولحم والطبيعة بمعناها العريض. ولهذا تختلف الآيدولوجيات والواقع واحد على الدوام. كل ذلك من الناحية التجريدية. والكلام يمكن أن يذهب بلا حدود. لكن كيف تفعل الآيدولوجيا فعلها في أرض الواقع؟. هنا نستطيع أن نلتقي في المحك. من المؤكد أن الآيدولوجيا ليست شيئآ إعتباطيآ وإنما في الغالب هي مخلوق في مقابل هدف ملموس. هذا الهدف عندي يتمحور حول "العيش المشترك". لدرجة ان منظومة "آيدولوجية" واضحة المعالم مثل الماركسية يكون بشكل مستمر مرادفها "الشيوعية" أو الشيوعية العلمية بما يعنيه الإسم من دلالات تتمحور بدورها حول "العيش المشترك".

    أعتقد أننا يسهل أن نتفق مبدءآ في أن الآيدولوجيا هدفها يكون في محاولة الإحاطة "الموضوعية" بالواقع.

    وبعد دا؟. يعني بعد ما نفهم الواقع كيف يتنزل فهمنا على الأرض؟. فالآيدولوجيا ما هي إلا نتيجة نشاط ذهني "تراكمي" يقود إلى مسلمات نظرية تتحدث عن أفضل السبل لمعالجة مشاكل الإنسان في إطار حيزه الزماني والمكاني. أي بقاءه ومعاشه وأمنه ورفاهيته في مقابل الطبيعة والآخر.

    وعليه تكون عندي الآيدولوجيا هي رؤية ذاتية للعيش المشترك (رؤية جماعة مدنية محددة) في مقابل الرؤية الكلية للعيش المشترك (الدولة). أي رؤية ذاتية للعيش المشترك نازعة إلى أن تكون رؤية كلية للعيش المشترك. وقد تعتمل هذه الرؤية "الآيدولوجيا" معالجات شتيتة لسايكولجي الفرد لكنها في الاساس هي عملية ترويض الناس في خضم حراكهم الهيكلي واللا هيكلي على العيش المشترك في "زمكان" محدد. أي الربط الواعي للمجتمع المدني بالدولة. بحيث لا تكون الدولة بشئ في نهاية المطاف غير رؤية موحدة للعيش المشترك وفق رؤية " آيدولوجيا" واحدة منتصرة عسفآ أو سلمآ أو رؤى "آيدولوجيات" شتيتة متحدة عضويآ ومنتصرة سلمآ أو عسفآ. (طبعآ أنا هنا أتحدث عن فهمي الخاص للآيدولوجيا أو بالآحرى إستخدامي للمصطلح في قراءتي للدولة والمجتمع المدني).

    وعليه يكون عندي أي رؤية في جدل مع الدولة هي آيدولوجيا حتى لو رآها البعض بدائية أو غير مكتملة "النسق الفكري". والحكم بالبدائية أو قصور النسق الفكري لآيدولوجيا محددة دائمآ ما يكون مجرد وجهة نظر ذاتية متعالية غالبآ ما تكون منطلقاتها بدورها آيدولوجية. فالمهدية آيدولوجيا والميرغنية آيدولوجيا والشيوعية آيدولوجيا واللبرالية آيدولوجيا و"العدل والمساواة" آيدولوجيا و"الدستور الإسلامي" آيدولوجيا والسودان الجديد آيدولوجيا و "كوش" آيدولوجيا و "الوطنية-الإتحادية" آيدولوجيا و "السودان لكل السودانيين" آيدولوجيا وهكذا الأمر.

    سأضرب بعض الأمثلة وسأستعين مبدءآ بمثال عارض لكنه في غاية الأهمية عندي لكارل ماركس في طريق محاولة مقاربة معنى "منظومة القيم" ومصطلح "آيدولوجيا".

    حاول ماركس في مرة من المرات أن يقول للناس ما يعنيه بكلمة آيديولوجيا من خلال ضرب الأمثال. فقد استخدم تشبيه قلب الصورة في غرفة سوداء، وهي العملية الإبتدائية لفن التصوير. وعليه فإن الوظيفة الأساسية للآيديولوجيا هي: استنساخ صورة معكوسة للواقع (انتهى تشبيه ماركس).

    ويجوز عندي مبدءآ أن يفهم المرء أن هدف إستنساخ تلك الصورة المعكوسة للواقع، هو: محاولة فهم الواقع نظريآ. ومن ثمة العمل على إستيعابه أو/و تطويعه أو/و ترويضه أو/و تحويره أو/و تزييفه في صحنه الموضوعي أو ميدانه المادي. غير أن ذاك الهدف "الأولي" ما هو إلا الجزء التقني أو الفني من الصورة.

    فالهدف النهائي للآيدولوجيا بما هي آلية منتجة عمدآ بقصد إستيعاب أو/و تطويع أو/و ترويض أو/و تحوير أو/و تزييف الواقع، هو "أي الهدف النهائي" هو: إضفاء قدر أكبر من المشروعية لفعل مجموعة "منظمة" إجتماعية محددة في إطار المجتمع المدني الكلي وفي مقابل الدولة. وزيادة على ذلك محاولة إدماج الكل في الجزء بوسائل في الغالب ما تكون تعسفية.

    وان صح هذا الإعتقاد، تكون الآيدولوجيا هي الخاصية الجوهرية للبنيات الإجتماعية المدنية الفوقية "الجماعات و الأحزاب السياسية" لا البنيات المدنية الأصيلة "التحتية" (أي لا أحداث ومنظمات المجتمع المدني). كون وظيفة الآيدويولوجا الأولية هي إنتاج صورة معكوسة للبنيات الإجتماعية المدنية الأصيلة في سبيل الهدف الذي سقناه آنفآ. وبلغة أخرى فوظيفة الآيديولوجيا في الأساس هي الربط الواعي للمجتمع المدني "ببنياته الأصيلة" مع الدولة. كما أن الآيدولوجيا في البدء تكون بمثابة "سديم" الدولة.).


    كيف تتشكل الآيدولوجيا "الرؤية الذاتية" عمليآ؟.

    (القيم "التمظهر الأصيل".. ثم الآيدولوجيا "التمظهر الفوقي" .. ومن ثمة فالمصلحة المجردة "الدولة"


    قلنا أن لا تمظهر مدني تحتي يكون ممكنآ إلا في حالة توفر ثلاث عوامل في ذات الأوان ودون نقصان: 1- قيم 2-هدف و 3-لائحة (اللائحة تعني الإطار النظري للهيكل ويمكن أن تكون مبتدعة أو مكتسبة أو موروثة "مكتوبة أو غير مكتوبة").

    وعلى هذا النحو نستطيع رؤية أي تمظهر مدني أصيل أي تحتي من الداخل أي يمكننا قرائته وتشخيصه ومعرفة مرجعيته ومآلاته.

    التمظهر الأصيل ينتج تمظهر فوقي بغرض الجدل مع الدولة والتمظهر الفوقي ليس بشئ غير حاضنة الآيدولوجي (سديم الدولة) والدولة في الاساس تقوم عند نقطة تلاقي المصالح/تعارضها أي مكان تقاطع "أهداف" التمظهرات المدنية الأصيلة. لهذا لا تشبه الدولة أي شئ آخر غير التمظهرات المدنية الاصيلة السائدة أي المنتصرة (على الدوام) إلا في حالة غزو من خارج حدودها الجغرافية والقيمية وهذا ما حدث مرتين في تاريخ السودان القريب وأدي الى تدمير شبه تام لبعض البنى الإجتماعية التحتية "الأصيلة" التي كانت سائدة (منتصرة) وطاح بدولتها. مثل الفونج في حالة الغزو التركي وقبيلة التعائشة في حالة الغزو الإنجليزي مما أدى بهما الى حالة شبه إنزواء في التاريخ. كما أديا (الغزوان) الى تخلق أشكال مدنية جديدة لم تكن معهودة قبل الغزو الأول وتوطدت أكثر بعد الغزو الثاني وتلك التمظهرات الجديدة المستندة على القيم الجديدة الوافدة مع الغزو، تتجسد في "النقابة" (تمظهرات المدينة) وهنا يتكشف القدر الأعظم من سر الصراع بين الريف "ذو القيم الأصيلة" مع المدينة "ذات القيم الوافدة. (هناك تفصيل أكثر حول هذه النقطة نهاية هذا السرد).

    القيم والآيديولوجيا والدولة:

    لننظر مرة أخرى الى المنظومات القيمية الثلاثة عارية ثم نمتحن تجسدها (تمظهرها الأصيل) في الأرض عمليآ ولنحاول أن نتحسس كيف تتخلق الأشكال المدنية الفوقية (الآيدولوجيا) بضرب الأمثال الحية.

    القيم عارية:

    1- قيم الجسدانية (الفروسية): الرجولة والشجاعة والأمانة والكرامة والشرف والمروءة والشهامة والكرم.

    2- قيم الروحانية (الغيب) : الزهد والتواضع والإتكال على الله.

    3- العقلانية (الموضوعية) : الموضوعية والإستنارة والإنسانية والنظافة والنظام والإدخار.

    القيم متجسدة (متمظهرة) بمراعاة الترتيب أعلاه:

    1- قبيلة الرزيقات (أو للدقة إحدى عشائرها) هي تمظهر أصيل لقيم الفروسية

    2- طائفة الختمية هي تمظهر أصيل لقيم الغيب

    3- مؤتمر الخريجين هو تمظهر أصيل لقيم الموضوعية


    التمظهرات الأصيلة "في الأمثلة الثلاثة أعلاه" تنتج أو تغذي بنية فوقية (آيديولوجي) بمراعاة الترتيب السابق:

    1- حزب الأمة هو تمظهر فوقي للقبيلة (بمراعاة المثال أعلاه حصريآ)

    2- حزب الشعب الديمقراطي (إئتلف لاحقآ مع تمظهر "نقابي" فوقي "مديني" بقيادة الأزهري إسمه الوطني الاتحادي) فأصبح الإسم الجديد الحزب الإتحادي الديمقراطي. هو تمظهر فوقي للطائفة.

    3- الحزب الشيوعي السوداني + جبهة الميثاق + الوطني الإتحادي (الأزهري) هي تمظهرات فوقية للنقابة (النقابة كرمز لتمظهرات المجتمع المدني المديني الأصيلة "التحتية).



    3- الهوية الزمكانية

    المعني الحرفي لكلمة "الزمكان" طبعآ معروف وهو أن الزمكان دمج فيزيائي لكلمتي الزمان والمكان والمقصود من حيث المعنى لحظة زمنية ما طويلة أو قصيرة تتمدد فوق مكان جغرافي ما بما يحتويه من بشر و كائنات أخرى حية وأشياء وأحداث.

    وأنا أصطحب هذا المعنى في معيتي بتصرف عندما أقول الهوية الزمكانية. ولن أكرر ما قلته سلفآ تفصيليآ ولكن وجب التذكير بالضرورة أن الهوية الزمكانية المعنية تتشكل إنبناءآ على هوية أو هويات رؤيوية تحدثنا عن كنهها بإستفاضة أعلاه. مرة ثانية الهوية الرؤيوية في حد ذاتها لا بد أن تقوم على هوية قيمية. القيم والرؤى مرتبطتان ارتباطآ حاسمآ بالزمان والمكان، يعيشان في جدل مستمر مع الزمكان. الزمكان بما هو لحظة زمنية "تاريخية" ومكانية "جغرافية" نستطيع أن نسميه الوطن. ذاك هو المعنى!. فالهوية الزمكانية هي ذاتها الهوية الوطنية. وعندي أيضآ أن كلمة وطن كلمة مرادفة لكلمة دولة. والدولة هي الرؤية الموحدة "الكلية" للعيش المشترك في نسختها المثالية. أقول هذا إحترازآ كوني إستخدمت وسأستخدم كل هذه الكلمات المختلفة ذات المعنى الواحد في مواقع مختلفة في مناسبات مختلفة من كتابتي هذي.

    إذن بكل بساطة الهوية الزمكانية هي الهوية التي تتشكل من هويات رؤيوية "ذاتية" تقوم بدورها على هويات قيمية. وبهذا المعنى تكون الهوية الزمكانية في طورها المثالى هي الهوية الكلية/الجامعة أي الرؤية الكلية للعيش المشترك.

    هل تستقر الهوية الزمكانية عند لحظة تمام تشكلها النهائي كخلاصة للهويتين القيمية والرؤيوية؟.
    الإجابة حتمآ، لا!.

    والسبب بسيط وهو "الزمان". فإن كان المكان ثابت من حيث هو قطعة أرض فإن الزمان متحرك كالرمال الزاحفة تعرى هذا المكان وتغمر آخر وهكذا. وقلنا أن القيم والرؤى مرتبطتان بالزمان إرتباطآ عضويآ. ويجوز أن أقول مجازآ أنهما مكان الرمل من زحف الزمان!. لا إستقرار. لا شيء يستقر. ولو أن شيئآ يستقر لكان حفيد أركماني في القصر الجمهوري بالخرطوم هذه اللحظة يحتفل بالألفية الثالثة لثورة أبادمك "الإله رأس الأسد" إله الحرب.

    إذن لماذا تتحرك "القيم" مع الزمان وما علاقة ذلك بالدولة؟.

    لا ننسى أن منظومات القيم التي نتحدث عنها (البنية الإجتماعية التحتية) لا تقوم في الفراغ وانما تقوم في مقابل هدف واضح ومحدد هدف كلي مركب وهو: "البقاء والمعاش والأمن والرفاهية". هذا الهدف ثابت على الدوام لا يتغير أبدآ غير أن وسائل تحقيقه تتغير وتتبدل بشكل مستمر مع الزمان مما يقتضي تحوير وتبديل وتغيير في منظومات القيم يلحقه تلقائيآ تغيير في البنى الإجتماعية التحتية. و أي حدث يحدث سلبآ أو إيجابآ في المنظومات القيمية (البنية التحتية) يؤدي بشكل تلقائي إلى ردة فعل مباشرة في المستوى الثاني من البنية الإجتماعية "الفوقية" وهي بنية الرؤى. ونتيجة لذلك وكما هو منطقي ينعكس كل ذلك الحراك على الرؤية الكلية للعيش المشترك "الدولة" كون الدولة تقوم على البنية السابقة عليها. تتشكل القيم من جديد تتشكل الرؤى من جديد تتشكل الدولة من جديد. تتشكل المستويات الثلاثة للهوية في نسق جديد. والأمر أكثر تعقيدآ من هذا كون جدلية القيم والرؤى والدولة لا تمضى على الدوام بهكذا نسق بل قد يحدث في لحظة ما إستثنائية العكس تمامآ بحيث تتشكل الدولة تتشكل الرؤى ثم تتشكل القيم. أي تتشكل الهوية الزمكانية أولآ ثم الرؤى ثم القيم. عندي أنها دائرة تدور في محيطها. هذا بإقتضاب. قد أعود في وقت لاحق بمزيد من الإضاءة ما لزم الأمر.

    المعادلة المعتادة على الدوام هي أن تتشكل القيم تتشكل الرؤى تتشكل الدولة. تتشكل المستويات الثلاثة للهوية في نسق ما. تموت القيم تموت الرؤى تموت الدولة. تتشكل القيم من جديد تتشكل الرؤى من جديد تتشكل الدولة من جديد. تتشكل المستويات الثلاثة للهوية في نسق جديد. وهكذا تكون على سبيل المثال مروي ثم المقرة وعلوة فسنار. وتكون بالطبع تلك التموجات "الزمكانية" مشحونة بملايين الهويات القيمية والرؤيوية.

    في مرات نادرة تتعقد تلك المعادلة إذ يحدث في لحظة ما إستثنائية العكس تمامآ بحيث تتشكل الدولة "الزمكان" أولآ ثم تتشكل من بعدها الرؤى فلقيم.
    هل دا حصل في الواقع؟. نعم!. حصل في السودان عام 1821 وحصل مرة ثانية عام 1899!.

    في عام 1821 جاء إبن محمد على باشا "إسماعيل الذي قتله حرقآ المك نمر". إبن محمد علي باشا صنع "زمكان" بالإيد الشديدة، عبر العسف المادي وحده. زمكان لا علاقة له بالرؤى السائدة حينها ولا القيم الإجتماعية. فصنع دولة ثم لحقتها رؤى جديدة للعيش المشترك وتبع ذلك تخلق قيم جديدة رويدآ رويدآ. هي قيم العقلانية قيم المدينة قيم الرأسمالية قيم الفردانية. قيم غير معروفة بالكامل قبل دخول إبن محمد على باشا للسودان. هذه القيم الجديدة هي القيم التي تشكل وعي سكان المدن حتى اليوم و وعي ما يعرف بالمثقفين على مر تاريخ السودان الحديث وتخلقت نخبة إجتماعية جديدة عندها قيم إجتماعية جديدة ورؤى جديدة تواكب الحياة الجديدة التي فرضها الواقع الجديد وبرزت للوجود رويدآ رويدآ طبقة الأفندية التي تم تشكلها النهائي لدى الغزو الثاني "الإنجليزي".

    وقد نلاحظ الآن بجلاء أن كل الذين كتبوا عن المجتمع المدني السوداني في الوقت الراهن اعتبروا الغزو "التركي المصري" هو بداية تخلق المجتمع المدني السوداني وبلا إستثناءات تذكر!. وهو بلا شك انحياز آيدولوجي واضح ولو جاء صادرآ من اللاوعي!.وعندي أن المثقف السوداني على مر تاريخ السودان الحديث وأيآ كان موقعه الرؤيوي (يمينآ أويسارآ) هو إبن الغزوين. ولهذا السبب يكاد الكل يجمع على أن "المجتمع المدني السوداني" هو وحده المجتمع الذي يقوم على قيم الموضوعية "المدينة". وذاك بالقطع أمر يتضمر الإقصاء للريف بشكل فظ وواضح كون المدينة الحديثة في السودان هي بنت الغزوين "قيم وافدة" في مقابل الريف ذو القيم الأصيلة. وعندي قناعة أنه خطأ معنوي ومنهجي جسيم أنبنت عليه مسلمات لا حدود لها من السوء!. ما يهمني هنا هو أن الزمكان بطريقة أو أخرى يستطيع أن يأتي سابقآ على الرؤى والقيم. وما تلي عام 1821 هو خير دليل. إذ بعده بدأت دورة جديدة للشعور بالهوية "الزمكانية" وتشكلت طبقة إجتماعية جديدة تقوم بشكل شبه كلي على قيم جديدة هي قيم الموضوعية قيم "أنا" لأول مرة في تاريخ السودان (تلك لحظة التواصل "السوداني" العضوي الأصيل مع العالم الرأسمالي الجديد الذي تشكل في أوروبا الغربية إبان الثورة الصناعية وما تلاها).

    الهوية القيمية غير محدودة لا في النوع ولا في المقدار. غير أن الهويتين الرؤيوية والزمكانية تبقيان مفردتان لا تتعددان في المعتاد. إذ أنني أستطيع أن أشعر بأنني جعلي أو دينكاوي "قيمية فروسية" وتجاني "قيمية غيبية" وعضو الجمعية السودانية لحماية البيئة "قيمية موضوعية"، كل ذلك في نفس الوقت. فالهوية القيمية وهي أس الهويات غير محدودة. . لكني لا أستطيع أن أكون ماركسي وأنادي بالدستور الإسلامي في ذات الأوان، غير منطقي، وهو المستوى الثاني للهوية. الهوية الرؤيوية هوية مفردة. بذات القدر فإن الشعور بالهوية الزمكانية مفرد لا يتعدد في المعتاد. فعندما أقول أو أشعر بأنني "سوداني" فليس من المحتمل أن يعتريني في ذات الأوان ذات الشعور تجاه أثيوبيا مثلآ. وتلك هي الهوية الزمكانية.

    وعليه يستطيع المرء على سبيل المثال أن يكون جعلى أو نوباوي تابع للطريقة الشاذلية عضو الجمعية السودانية لحماية البيئة هلالابي ضد المريخ (هويات قيمية) رئيس فرعية الحزب الشيوعي بالحصاحيصا معارض للمؤتمر الوطني (هوية رؤيوية ذاتية) وسوداني (هوية زمكانية). وتلك هي جميع المستويات الممكنة للهوية في إطار "الزمكان". طبعآ هذا بحسب ملاحظتي الذاتية للواقع والوقائع!.

    وبهذا أكون قد انتهيت من محاولة شرح فكرتي تقنيآ لماهية الهوية. وتبقى علي ما لزم أن أتحقق من كيف تجري الأمور في الواقع المعاش. ولو بشكل مجمل كون التفاصيل تبقى غير محدودة.

    محمد جمال الدين

    يعني شنو "هوية" (صراع القيم والرؤى والمصالح) ووجه...ي كلام الباقر العفيف]
                  

04-17-2012, 10:06 AM

Abdel Aati
<aAbdel Aati
تاريخ التسجيل: 06-13-2002
مجموع المشاركات: 33072

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: الوطن والوطنية والمواطنة متلازمات لا تنفك عن بعضها البعض! (Re: محمد جمال الدين)

    عصف فكري مقدر - كالعادة - يا محمد جمال
    للأسف لا يلاقي دائما حقه الكافي من الاهتمام والنقاش

    سأرجع لك بعد القراءة الثانية وربما الثالثة
    فالموضوع تقيل ويحتاج الى هضم هادئي



    لك الشكر وانت تفتح كوى للمعرفة والتفاكر ..
                  

04-17-2012, 04:41 PM

محمد جمال الدين
<aمحمد جمال الدين
تاريخ التسجيل: 10-28-2007
مجموع المشاركات: 5262

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: الوطن والوطنية والمواطنة متلازمات لا تنفك عن بعضها البعض! (Re: Abdel Aati)

    عادل عبد العاطي "العزيز"

    مرحبآ بك. بس ولا يهمك إن كان فيما نقول بعض فائدة ستبقى ... وإن لم يكن فقد إجتهدنابقدر ما نستطيع ويقولون لكل مجتهد نصيب ولا يكلف الله نفسآ إلا وسعها. وشكرآ كثيرآ على التشجيع والمجاملة الجميلة... وفي إنتظارك متى عدت تجدني أرحب بك وبمساهمتك التي أثق في صبرها ونفاذها.

    محمد جمال
                  

04-17-2012, 05:38 PM

محمد جمال الدين
<aمحمد جمال الدين
تاريخ التسجيل: 10-28-2007
مجموع المشاركات: 5262

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: الوطن والوطنية والمواطنة متلازمات لا تنفك عن بعضها البعض! (Re: محمد جمال الدين)

    الوطنية هي إكسير حياة الإنقاذ ... والوطن في ظل الإنقاذ عنقاء المواطن!

    جاءت الجبهة الإسلامية إلى السلطة مستعينة بالخدعة وظلت في السلطة حتى تاريخ اليوم تمارس تكتيك الخداع كلما دعت الضرورة وأحيانآ بدون ضرورة!.

    أول خدعة كانت هي إنكار الخلفية الآيدولوجية للإنقلاب... ثم بعد أن أدت الخدعة بعض أغراضها تشكشف رويدآ رويدآ الأمر الذي لم يكن خافيآ على أولي الالباب وهو أن الإنقلاب "جبهة إسلامية" مئة بالمئة.
    ثم تترت الخدع كحبات المطر من قبيل:
    - هي لله هي لله لا للسلطة ولا للجاه – أمريكا وروسيا دنى عذابهما – المشروع الحضاري – تطبيق شرع الله – نأكل مما نزرع ونلبس مما نصنع – إتفاقيات السلام العديدة - وطنية الجيش والخدمة المدنية - الإنتصارات في ميادين القتال وهلمجرا كثيرآ من خدع وأكاذيب كثيرها لم ينطلي إلا على بعض الشباب اليافع وأستمر النظام في سدرة السلطة حتى الآن لأسباب أخرى محلية وأقليمية وعالمية ليس من بينها الخدع ولا المكر ولا الدهاء وأنما لخدمته مصالح وأجندات دول ومنظمات أجنبية نافذة على حساب تراب الوطن وحرية وكرامة المواطن (سنقف على هذه النقطة بالتفصيل لاحقآ).

    ونقطة هامة ليس بالضرورة أن كل تلك "البروبقاندا" عني بها أو أبتليت بها شعوب السودان وحدها بل كان بعضها موجه للخارج وتحديدآ إلى دول من شاكلة إيران ومنظمات إسلامية من شاكلة القاعدة وغيرها.

    غير أن كل خدعة من تلك الخدع ظل عندها مدى زمنى أنتهت عنده ولم يبقى منها شيء غير الذاكرة... كلها أندثرت عبر الوقت وثبت خطلها ... ما عدا خدعة واحدة ظلت سارية المفعول كل الوقت... هي؟:

    هي خدعة "الوطن والوطنية"!. حيث بدأ النظام بيانه الأول متدثرآ بالوطن والوطنية دون أن يقول أي شيء عن توجهه السياسي والآيدولوجي و فحوى برنامجه الحقيقي الذي ثبت عبر الإمتحان أن ليس من ضمن أجندته الوطن أو ترابه أو رموزه أو تاريخه بل ولا شعبه وأستمرت هذه الخدعة "الوطن والوطنية" فاعلة كلما دعت الضرورة في المسافة بين البيان الأول وإحتلال منطقة هجليج في جنوب كردفان "تاريخ اليوم".
    وهذا هو البيان الإنقاذي الأول "لنتأمله من جديد ونذهب من بعده إلى الأمام" يا مواطني الشرفاء لا حظوا لطفآ كيف تتكر كلمات مثل "وطن، مواطن، مواطنون" وكل فقرة من فقرات البيات بدأت بأحد مشتقات "وطن" ما عدا الفقرة الأولى حيث قال بالشعب:

    Quote:
    أيها الشعب السوداني الكريم
    إن قواتكم المسلحة المنتشرة في طول البلاد وعرضها ظلت تقدم النفس والنفيس حماية للتراب السوداني وصونا للعرض والكرامة . وترقب بكل أسى وحرقة التدهور المريع الذي تعيشه البلاد في شتى أوجه الحياة ، وقد كان من ابرز صوره فشل الأحزاب السياسية في قيادة الأمة لتحقيق ادني تطلعاتها في صون الأرض والعيش الكريم والاستقرار السياسي ، حيث عبرت علي البلاد عدة حكومات خلال فترة وجيزة ما يكاد وزراء الحكومة يؤدون القسم حتى تهتز وتسقط من شدة ضعفها وهكذا تعرضت البلاد لمسلسل من الهزات السياسية زلزل الاستقرار و هيبة الحكم والقانون والنظام .

    إيها المواطنون الكرام
    لقد عايشنا في الفترة السابقة ديمقراطية مزيفة ومؤسسات الحكم الرسمية الدستورية فاشلة ، وإرادة المواطنين قد تم تزييفها بشعارات براقة مضللة وبشراء الذمم والتهريج السياسي ، ومؤسسات الحكم الرسمية لم تكن إلا مسرحا لإخراج قرارات السادة ، ومشهد ا للصراعات والفوضى اما رئيس الوزراء فقد أضاع وقت البلاد وبدد طاقاتها في كثرة الكلام والتردد في المواقف حتى فقد مصداقيته.

    أيها المواطنون الشرفاء
    إن الشعب بانحياز قواته المسلحة قد أسس الديمقراطية في نضال ثورته في سبيل الوحدة والحرية ولكن العبث السياسي قد افشل الحرية والديمقراطية وأضاع الوحدة الوطنية بإثارته النعرات العنصرية والقبلية في حمل أبناء الوطن الواحد السلاح ضد إخوانهم في دارفور وجنوب كردفان علاوة على ما يجري في الجنوب في مأساة وطنية وسياسية .

    مواطني الأوفياء
    إن عداوات القائمين على الأمر في البلاد في الفترة المنصرمة جعلتهم يهملون عن قصد إعداد قواتكم المسلحه لكي تقوم بواجبها في حماية البلاد ولقد ظلت قواتكم المسلحة تقدم ارتالا من الشهداء كل يوم دون أن تجد من هؤلاء المسئولين ادني اهتمام من الاحتياجات أو حتى في الدعم المعنوي لتضحياتها مما أدي إلى فقدان العديد من المواقع والأرواح حتى أصبحت البلاد عرضة للاختراقات والاستلاب من إطرافها العزيزة في هذا الوقت التي نشهد فيه اهتماما ملحوظا بالمليشيات الحزبية .

    أيها المواطنون
    لقد فشلت الحكومات و الأحزاب السياسية في تجهيز القوات المسلحة في مواجهة التمرد وفشلت أيضا في تحقيق السلام الذي عرضته الأحزاب للكيد والكسب الحزبي الرخيص حتى اختلط حابل المختص بنابل المنافقين والخونة وكل ذلك يؤثر على قواتكم المسلحة في مواقع القتال وهى تقوم بالإشراف على المعارك ضد المتمردين ولا تجد من الحكومة عونا على الحرب أو السلام هذا وقد لعبت الحكومة بشعارات التعبئة العامة دون جهد أو فعالية.


    أيها المواطنون الشرفاء
    لقد تدهور الوضع الاقتصادي بصورة مزرية وفشلت كل السياسات الرعناء في إيقاف التدهور ناهيك عن تحقيق أي قدر من التنمية مما زاد حدة التضخم وارتفعت الأسعار بصورة لم يسبق لها مثيل واستحال علي المواطن الحصول علي ضرورياتهم إما لانعدامها أو ارتفاع الاسعارها مما جعل الكثير من ابناء الوطن يعيشون علي حافة المجاعة وقد أدي التدهور الاقتصادي إلي خراب المؤسسات العامة وانهيار الخدمات الصحية والتعليمية وتعطيل الإنتاج بعد أن كنا نطمع أن تكون بلادنا سلة غذاء العالم أصبحنا امة متسولة تستجدي غذاءها وضرورياتها من خارج الحدود وانشغل المسئولون بجمع المال الحرام حتى عم الفساد كل مرافق الدولة وكل هذا مع استشراء التهريب والسوق الأسود مما جعل الطبقات الاجتماعية من الطفيليين تزداد ثراء يوم بعد يوم بسبب فساد المسئولين وتهاونهم في ضباط الحياة والنظم .

    أيها المواطنون الشرفاء
    لقد امتدت يد الحزبية والفساد السياسي إلي الشرفاء فشردتهم تحت مظلة الصالح العام مما أدي إلي انهيار الخدمة المدنية ولقد أصبح الولاء الحزبي والمحسوبية والفساد سببا في تقديم الفاشلين في قيادة الخدمة المدنية وافسدوا العمل الإداري وضاعت بين ايديهم هيبة الحكم و سلطان الدولة ومصالح القطاع العام .

    المواطنون الكرام
    إن إهمال الحكومات المتعاقبة علي الأقاليم أدي إلي عزلها من العاصمة القومية وعن بعضها في ظل انهيار المواصلات وغياب السياسات القومية وانفراط عقد الأمن حتى افتقد المواطنون ما يحميهم ولجأوا إلي تكوين المليشيات كما انعدمت المواد التموينية في الأقاليم إلا في السوق الأسود وبأسعار خرافية .


    أيها المواطنون
    لقد كان السودان دائما محل احترام وتأييد من كل الشعوب والدول الصديقة كما انه أصبح اليوم في عزلة تامة والعلاقات مع الدول العربية أصبحت مجالا للصراع الحزبي وكادت البلاد تفقد كل صداقاتها علي الساحة الإفريقية ولقد فرطت الحكومات في بلاد الجوار الإفريقي حتى تضررت العلاقات مع اغلبها وتركت لحركة التمرد تتحرك فيها بحرية مكنتها من إيجاد وضع متميز أتاح لها عمقا استراتيجيا تنطلق منه لضرب الأمن والاستقرار في البلاد حتى أصبحت تتطلع إلي احتلال موقع السودان في المنظمات الإقليمية والعالمية وهكذا أنهت علاقة السودان مع عزلة مع الغرب وتوتر في إفريقيا والدول الاخري .

    أيها المواطنون الشرفاء
    إن قواتكم المسلحة ظلت تراقب كل هذه التطورات بصبر وانضباط وكان شرفها الوطني دفعها لموقف ايجابي من التدهور الشديد الذي يهدد الوطن واجتمعت كلمتها خلف مذكرتها الشهيرة التي رفعتها منبهة بشدة من المخاطر ومطالبة بتقديم الحكم وتجهيز المقاتلين للقيام بواجبهم ولكن هيئة السيادة السابقة فشلت في حمل الحكومة علي توفير الحد الادني لتجهيز المقاتلين واليوم يخاطبكم أبناؤكم في القوات المسلحة وهم الذين أدوا قسم الجندية الشرفية أن لا يفرطوا في شبر من ارض الوطن وان يصونوا عزتهم وكرامتهم وان يحافظوا علي البلاد سكانها واستقلالها المجيد وقد تحركت قواتكم المسلحة اليوم لإنقاذ بلادنا العزيزة من أيدي الخونة والمفسدين لا طمعا في مكاسب السلطة بل تلبية لنداء الواجب الوطني الأكبر في إيقاف التدهور المدمر ولصون الوحدة الوطنية في الفتنة والسياسة وتامين الوطن وانهيار كيانه وتمزق أرضه ومن اجل إبعاد المواطنين من الخوف والتشرد والجوع والشقاء و المرض .


    قواتكم المسلحة تدعوكم أيها المواطنين الشرفاء للالتفاف حول رايتها القومية ونبذ الخلافات الحزبية والإقليمية الضيقة وتدعوكم الثورة معها ضد الفوضى والفساد واليأس من اجل إنقاذ الوطن ومن اجل استمراره وطنا موحدا كريما.
    عاشت القوات المسلحة حامية كرامة البلاد عاشت ثورة الإنقاذ الوطني عاش السودان حرا مستقلا ..... الله اكبر والعزة للشعب السوداني الأبي .


    عميد أ.ح عمر حسن احمد البشير
    رئيس مجلس قيادة الثورة



    يتواصل... "الوطن والوطنية والمواطنة"

    محمد جمال
                  

04-18-2012, 00:04 AM

محمد جمال الدين
<aمحمد جمال الدين
تاريخ التسجيل: 10-28-2007
مجموع المشاركات: 5262

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: الوطن والوطنية والمواطنة متلازمات لا تنفك عن بعضها البعض! (Re: محمد جمال الدين)

    عندي، لا توجد حيرة ولا أحتيار حول ماذا يكون "الوطن" ولا ماهية "الوطنية"؟. فالوطن معلوم والوطنية مشعورة عندنا منذ آلاف السنين، كل منا يعبر عنها بطريقته الخاصة!.

    أظننا نبحث ألآن، فقط الآن أكثر إلحاحآ عمما مضى، عن معنى "المواطنة" ... عن حقوق وواجبات متساوية للإنسان... المواطن... عن قانون عن دستور ... عن عقد إجتماعي يتساوى عنده القوي والضعيف والغني والفقير. تلك هي القضية... (رؤية موحدة للعيش المشترك)... القضية العملية والنهائية... القضية الغائبة الآن عمليآ.... قضية المواطنة!.

    يتواصل... "الوطن والوطنية والمواطنة"

    محمد جمال
                  

04-18-2012, 01:18 AM

محمد جمال الدين
<aمحمد جمال الدين
تاريخ التسجيل: 10-28-2007
مجموع المشاركات: 5262

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: الوطن والوطنية والمواطنة متلازمات لا تنفك عن بعضها البعض! (Re: محمد جمال الدين)

    هل نفتش أيضآ في المسافة القائمة بين المهدية والإنقاذ: عن معنى "الوطن والمواطنة"؟.

    طبعآ سنفل!. ذاك أهم أهدافي من هذا السرد.

    ولو أنني سأظل مع "الإنقاذ" للحظة.


    محمد جمال
                  

04-18-2012, 01:39 PM

محمد جمال الدين
<aمحمد جمال الدين
تاريخ التسجيل: 10-28-2007
مجموع المشاركات: 5262

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: الوطن والوطنية والمواطنة متلازمات لا تنفك عن بعضها البعض! (Re: محمد جمال الدين)


    الإنقاذ مقارنة بالمهدية

    لا توجد الكثير من المتشابهات بين النظامين إلا في شيء واحد مؤكد لكنه حاسم وهو قيام الدولة على آيدولوجية واحدة مفردة وفرضها عبر العسف المادي وحده (الإسلام السياسي) وبالتالي فالدولة في الحالين جاءت لا وطنية "دولة اللا مواطنة".

    ولو وجدنا الأعذار للمهدية في القرن التاسع عشر فمن باب المستحيلات أن نجد تبريرات مقنعة لفعل الجبهة الإسلامية في نهاية القرن العشرين وبداية القرن الواحد وعشرين . كما أن رجال المهدية كانوا مبدئيين ونفذوا وعدهم كما قالوا به ولم يخدعوا الناس ولم يزورو حقيقتهم وضحوا في نهاية المطاف بأرواحهم في سبيل قناعاتهم. وحرروا بلادآ كانت مستعمرة بينما أستولى الجبهجية على بلاد حرة موحدة فقسموها و أسلموها للمستعمر وللأجنبي وأشعلوا الفتنة بين الناس بهدف إلهائهم عن أداء واجباتهم الوطنية . وكان كل هدفهم هو تمكين ذواتهم من المال والقصور المشيدة وزينة الحياة الدنيا كما هو ساطع كالشمس ولو أدى كل ذلك إلى دمار البلاد وتشتت وفناء الشعب لا يهم فكل شيء يجوز في سبيل الفعل التمكيني... نقرأ "أدناه" مشهد التمكين أس البلاء ... ونواصل من بعدها.

    التمكين

    "التمكين" هو عقيدة تنظيم الجبهة الإسلامية التي انبنت عليها دولة الإنقاذ. وكان التمكين في مرحلة التنظيم يعني حيازة أكبر قدر من المال و"الدين" . وإن كان المال فحواه معروفة فالدين مثل عند الجبهة وسيلة نافذة لإصباغ أكبر قدر من المشروعية للفعل "التمكيني" = "الآيدولوجي"، بحيث تم من الدين إنتقاء كلما يبرر المرحلة، من قبيل: ( الذين إن مكناهم في الأرض أقاموا الصلاة وآتوا الزكاة وأمروا بالمعروف ونهوا عن المنكر ولله عاقبة الأمور (الحج 41 )).

    وعندما حانت مرحلة الجبهة كدولة هي الإنقاذ، فقد تم عبر الإنقاذ حيازة كل المال وكل " الدين"، أي كل شيء.

    التاريخ يبدأ مع الإنقاذ!
    اشتغلت الإنقاذ في مرحلتها الأولى على كل الجبهات وفي نفس الوقت من أجل صياغة الحياة الدنيا بكاملها من جديد بل وربطها في صيغتها الجديدة بالدنيا الآخرة. فبدأت بإعادة صياغة الدولة وهيكلتها بطريقة جديدة ثم المجتمع المدني على مستوى كل الممكن من تجلياته وأخيرآ جاءت محاولة صياغة الفرد بما يحقق "التمكين" في نسخته المثالية لدى الجبهة.

    هناك مؤشرات عديدة تدلل على أن الإنقاذ نظرت إلى المجتمع ككل "بقيمه السائدة وهياكله وأحداثه الناشبة" كعدو يستحق الفناء وفي إطاره لا يكون الفرد شيئآ سوى عنصر فاسد وجب تعريضه للنار بهدف تطهيره وتطويعه وترويده ثم عجنه وإعاده صياغته في صورة جديدة تناسب مسلكه المفترض في خضم "المشروع الحضاري المزعوم".

    وقد استخدمت الإنقاذ كل الوسائل الممكنة قديمها وحديثها في عملية إعادة صياغة المجتمع والفرد.
    إبتداءآ بإعلان حالة الطوارئ وحظر التجوال لعدة سنوات متتالية وهي عملية تضمنت صلاحيات واسعة ومطلقة للسلطة التنفيذية بحيث تكون "الحكومة" هي الخصم والحكم. بل كان قانون الطوارئ هو دستور البلاد. تبع ذلك سن قوانين تناسب الخط "التمكيني" الإستراتيجي للإنقاذ. وبناءآ عليه فقد تم منع جميع الأشكال المدنية الهيكلية وغير الهيكلية من الفعل الموجب وتمثل ذلك عمليآ في حل جميع الأحزاب السياسية والمنظمات والجمعيات والنقابات الخ. مع إستثناءات محسوبة، كما منعت التجمعات والمواكب والتظاهرات وتم وقف الصحف وجميع وسائل الإعلام المسموعة والمرئية والمقروءة، ما عدا تلك التي تتبع لعناصر السلطة. وكانت تلك الفترة ما بين العامين 1989 و 1999 حيث صحبتها بطريقة متعمدة موجة قمع "عنف" صاخبة Shock and awe بغرض التسبب في صدمة شاملة للفرد وثقته في نفسه ومن ثم شل مقدرته على التفكير والتدبير كما هدف ذلك بالطبع إلى زلزلة وزعزعة وعطب لمعظم البنيات المدنية الفاعلة بما يفتح الطريق في نهاية المطاف أمام تخلق إنسان جديد ومن ثمة مجتمع مدني جديد يواكب مرحلة الإنقاذ كثورة ودولة. جاء كل ذلك لعلم الإنقاذ المسبق بأن بقاءها يستند إلى نجاحها في إنشاء مجتمع مدني جديد بشكل كلي يستند إلى قيم جديدة تقوم الإنقاذ نفسها بصناعتها في معامل آيدولوجيتها الخاصة وقد تم إستخدام كل الوسائل الممكنة وبشكل مطلق في سبيل إنجاز تلك العملية المعقدة بداية بالعنف بجميع أشكاله والإبعاد والنفي مرورآ بالدين والإعلام وتغيير المناهج المدرسية وتحرير الإقتصاد نهاية بسن قوانين ملزمة تحقق الهدف بشكل أكثر ديمومة ونظاما. وكان جوهر تلك العملية الدامية تمحور حول محاولة إجراء تغيير جذري في منظومة القيم الإجتماعية السائدة بما يواكب المشروع التمكيني للإنقاذ.

    وعندي أن الإنقاذ سعت بكلما بوسها إلى هتك القيم الإجتماعية الموجبة في سبيل بروز وصعود القيم السالبة بما يؤدي إلى تخلق أشكال مدنية سالبة وإنسان خانع وخائف وراضي بكل الأحوال ومطياع أمام الأوامر. فتكون قيم المجتمع المدني في العبثية والإتكالية والأنانية والإستغلالية والإنحيازية العمياء، ويأتي الإنسان عبثي وإتكالي وأناني ومستغل ومطياع للدولة وللجماعة ذات الشوكة في كل الأحوال وفي جميع الظروف. وعندي زعم حين النظر إلى الحياة اليومية في السودان أن الإنقاذ نجحت بقدر ما ولو ضئيل فهو خطير في صناعة ذاك الكائن البشري المنطوي على تلك القيم السالبة، وبالطبع لم يكن بقدر أمنياتها التي تمنت لحظة البداية، فلقي ذاك المشروع الإنقاذي الطموح مقاومة شرسة من جبهات وإتجاهات مختلفة وكان صدامآ داميآ ومدمرآ عم جميع أركان البلاد حيث ارتطمت الإنقاذ كدولة ارتطامآ عنيفآ بمعظم التجليات المدنية الأصيلة والفوقية في السودان سواءآ كانت هيكلية أو لا هيكلية.

    وعليه أريد لعاصفة "التمكين" الجبهجية/الإنقاذية أن تشتغل على مستوى الدولة كما بنفس القدر الذي تفعل فيه فعلها على مستوى المجتمع المدني ببنيتيه التحتية والفوقية.
    بحيت تكون الدولة مكان المصلحة "المنافع المجردة" مكمنآ للإنقاذ وحدها.
    وتكون البنية الفوقية للمدني "المكان الطبيعي للآيدولوجيات العديدة المتصارعة" مكمنآ لأيدولوجيا الإنقاذ وحدها.
    كما تكون البنية المدنية التحية "مكان القيم" مكمنآ لقيم جديدة تواكب آيدولوجيا الإنقاذ ودولتها.

    وبهكذا "تمكين" لا يكون شيء في الأرض ولا الآفاق سوى الإنقاذ، فتكون الدولة جبهة والآيدولوجيا الوحيدة الصالحة جبهة والقيم الإجتماعية جبهة والفرد بقيمه الجبهجية الجديدة ليس شيئآ سوى مجاهد طوع البنان بوعي آيدولوجي جبهجي موحد في سبيل بقاء أبدى لدولة الإنقاذ.

    فبمجرد وصول الجبهة الى سدة الحكم "السيطرة على هياكل الدولة" شرعت في عملية إعادة هيكلة الدولة وصياغة المجتمع في عملية صاحبها قدر وافر من العنف بهدف "التمكين".
    سياسة التمكين "عقيدة التمكين" هي عقيدة الجبهة على الدوام أعني كانت موجودة لدى التنظيم قبل أن يصبح دولة هي "الإنقاذ".

    والتمكين بما هو عملية سيطرة مطلقة و "تكويش" وإبدال وإحلال فهو على الدوام يقتضي قدرآ وافرآ من العنف المادي والمعنوي كما أن العنف بدوره يتطلب نفاذه ونجاعته قدرآ وافرآ من تبلد الشعور تجاه الآخر بما يعني عدم الإحساس بالذنب إن لم تكن البهجة تجاه ضرب أو تحجيم أو فناء الآخر ماديآ ومعنويا. وهذا الآخر قد يكون فردآ أو حزبآ أو نقابة أو قبيلة أو طائفة دينية أو جماعة عرقية بأكملها أو حتى دولة بكل هياكلها وكوادرها وتاريخها، لا يهم!. كما أن التمكين والعنف كصنوين يتطلبان قدرآ كبيرآ من السلطة المادية والروحية كغذاء حتمي لمكنتيهما وتمثل ذاك الغذاء في وسيلتين عند الجبهة هما المال والدين "سلطة المال وسلطة الدين". ولأن التمكين عند الجبهة عملية غير محدودة الأفق تطلب الأمر بالضرورة في لحظة ما السيطرة على كل المال وكل "الدين" فكان الإستيلاء على الدولة وإعادة صياغتها بما يحقق أقصى قدر من "التمكين". غير أن الدولة لها مقابل هو المجتمع المدني بتنوعه المعروف في بلاد شاسعة مثل السودان، فلم يكن أمام الجبهة كإنقاذ إلا وأن عملت جهدها على صياغة المجتمع المدني نفسه بما يضمن إستمرارية دولتها والبتالي تمكنها و"تمكينها" إلى ما لا نهاية .

    فالإنقاذ سعت إلى إمتلاك جميع وسائل الإنتاج "الثروة الوطنية" وبشكل مطلق في نفس الوقت الذي جعلت فيه من آيدولوجيتها الخاصة الآيدولوجيا الوحيدة الصالحة وما دونها لا يستحق شيئآ سوى الفناء وقد إستخدمت في سبيل تمكين جماعتها كل الممكن من العسف منتقية أنجع أدوات القمع المادي والمعنوي لدرجة أصبح فيها "القانون" كما السوط وقبضة اليد والعصا والكهرباء والماء والحرارة والظلام والضوء والزجاج والأعضاء التناسلية والمشانق والرصاص أدوات طبيعية وعادية للإستخدام أو من المحتمل إستخدامها في أي وقت وحسب الحالة وبطريقة يومية في نفي أو إبعاد أو تخويف أو تعذيب أو قتل المعارضين للنظام أو حتى من يشتبه في معارضتهم أو من المحتمل وفي مناطق مختلفة من البلاد سواءآ كانوا أفراد أو جماعات، عرب أو زنوج، ذكور أو إناث، من الريف أو الحضر، مسلحين أو عزل، لا يهم. ففي سبيل التمكين لا توجد حدود!.

    فالتمكين أهميته تتأتى من كونه هو وسيلة الجبهة وغايتها في ذات الأوان. وفي زعمي أن ذاك الأمر يفسر البراجماتية المفرطة لدي تنظيم الجبهة وكوادره (كون الغاية في الوسيلة والعكس صحيح) بل أكثر من ذلك فأنه عند الوقوف بروية على عقيدة التمكين الجبهجية ومن ثمة الإنقاذية ينزاح على وجه العموم قدرآ كبيرآ من الغموض الذي يحف التنظيم ومسيرته من جهة وسلوك كادره من الجهة الأخرى ويفسر في نفس الوقت خطط الإنقاذ وأفعالها في الماضي وفي الحاضر ويحدد الخيوط الرئيسية لمآلات الإنقاذ المستقبلية.

    فالصيحة التي أطلها الأديب الطيب صالح (من أين أتى هؤلاء الرجال؟) وظل يرددها من بعده الكثيرون تنطوي في تقديري على قدر وافر من المعاني، وبغض النظر عمن هو قائلها. وكان الطيب صالح يقصد بها في حينها أن أفعال هؤلاء الرجال "الغرباء" لا تشبه أفعال السودانيين التي عرفها الناس عبر الزمان. أي أن أفعال هؤلاء الرجال خارجة عن كل منظومات القيم الإجتماعية السائدة. وأتصور أن الطيب صالح يقصد بذلك أن القيم السودانية الراسخة والغالبة على طباع الأغلبية، مم مثل: الزهد والتواضع والصدق والشجاعة والأمانة والكرم والشهامة والمروءة والسماحة والنقاء "طيبة الخاطر" والإنسانية قيم منعدمة في حالة هؤلاء الرجال الجبهجية، مما يجعلهم غرباء وأغراب في عيني الطيب صالح، فتساءل متعجبآ من أي مكان آخر على وجه الأرض أتى إلينا هؤلاء الرجال، ما داموا ليسو بسودانيين!. وهي بالقطع حالة تعجب وكناية عن الدهشة كون الجبهجية أو الكيزان = "الإنقاذيين" هم في الحقيقة أناس سودانيين على الأقل فيزيائيآ.

    لكن كيف يكون الجبهجية غرباء وهم سودانيون مثل كل السودانيين يعتمرون العمائم ويمشون في الأسواق !؟.

    الإجابة عندي تكون بكل بساطة في التمكين كعقيدة جبهجية وما يقتضيه من إهدار لكل الممكن من المثل والقيم الإجتماعية الراسخة. وذاك يتجلى ساطعآ في سلوك الجبهة بمسمياتها السابقة واللاحقة وفي تجلياتها المختلفة وعند لحظة دولتها.

    في سبيل التمكين لا يأذي ويقتل الجبهجي كما الإنقاذي الأصيل الآخرين وحدهم بل يأذي ويقتل زميله ورفيقه وصديقه يقتل أي "زول" ويستطيع أن يبيع الوطن بكامله "وقد حدث" من أجل التمكين لأن التمكين عقيدة فوق كل العقائد وهو منتهى الغايات. هو عقيدة "الإباحة" المطلقة. فعند الجبهجي الأصيل يكون كل الناس عبيد "حرفيآ" والنساء سبايا "حرفيآ" والأرض ملك يديه من أقصاها إلى أدناها. والسماء أيضآ.. لأنه هو حارس السماء. هي ملكه وحده!. لا شيء يكون عنده معنى غير "التمكين". وخلاصة التمكين هي ببساطة "المال وزينة الحياة الدنيا".

    محمد جمال الدين


    يتواصل... "الوطن والوطنية والمواطنة"

    محمد جمال

    (عدل بواسطة محمد جمال الدين on 04-18-2012, 01:48 PM)

                  

04-18-2012, 09:02 PM

محمد جمال الدين
<aمحمد جمال الدين
تاريخ التسجيل: 10-28-2007
مجموع المشاركات: 5262

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: الوطن والوطنية والمواطنة متلازمات لا تنفك عن بعضها البعض! (Re: محمد جمال الدين)

    بوست هيثم طه (ومنْ قالَ أنّ (الوطنَ ) هو مجرد تراب الأرْض)؟

    أدناه رابط لبوست متعلق بأمرنا هنا ""الوطن والوطنية والمواطنة" من صناعة الصديق العزيز هيثم طه. هذ البوست سابق على بوستي هذا... وهو من ألهمني إفتراع هذا البوست "المختلف" لما به (بوست هيثم) من رؤى متشاكسة ومحتارة ومحيرة وصاخبة ولو بدت في معظمها مترمنسة في وطنيتها:

    ومنْ قالَ أنّ (الوطنَ ) هو مجرد تراب الأرْض !!]
                  

04-19-2012, 01:06 AM

محمد جمال الدين
<aمحمد جمال الدين
تاريخ التسجيل: 10-28-2007
مجموع المشاركات: 5262

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: الوطن والوطنية والمواطنة متلازمات لا تنفك عن بعضها البعض! (Re: محمد جمال الدين)

    هيثم طه "الصديق العزيز":
    Quote:
    يا جيمي دا كلام خطير جدا !!
    و يتعارض تماما مع مفهوم الوطن والوطنية الاسست ليهو الانظمة الديكتاتورية التي ورثت الاوطان بعد الاستعمار !!
    يعني يتعارض مع المفهوم الايدلوجي للوطن - الذي لا علاقة له بالانسان اوالمواطن - عمرو اكثر من نصف قرن ! و اتوظف بجدارة لحماية السلطة وامتلاك الشرعية !

    المهم كلامك دا خطر جدا علي انظمة السلطة القمعية ما بعد الاستعمار الي الان !

    يوم بتقتل ليك (وطن) !

    --
    (الاوطان) الحالية يا صديقي اغلي من الانسان نفسه ! اوهكذا قال لنا الحكام ! لذا من السهل قتل الانسان لحماية الوطن !
    وهل لكوكب الارض اهمية ان لم يسكنه الانسان !
    اذن فيذهب الحكام للقتال من اجل تراب عطارد و زحل !!


    صاح يا هيثم...صاح... كلامك في غاية العبرة والتعبير من وجهة نظري. فكرة "المواطنة" ليست جزءآ من الخواطر لذا فهم يبيعون العربة بدون حمار "مكنة"... وللأسف هناك من يشتري العربة خاوية فيصبح هو ذاته الحمار!.

    محمد جمال
                  

04-19-2012, 02:44 PM

محمد جمال الدين
<aمحمد جمال الدين
تاريخ التسجيل: 10-28-2007
مجموع المشاركات: 5262

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: الوطن والوطنية والمواطنة متلازمات لا تنفك عن بعضها البعض! (Re: محمد جمال الدين)

    مأساة الرجال الوطنيين العظام!.



    هذا الرجل هو الزعيم الشهير على عبد اللطيف زعيم جمعية اللواء الأبيض.
    [IMG]



    وهذا الرجل هو الوزير أحمد خير المحامي مؤسس مؤتمر الخريجين ووزير خارجية الجنرال عبود "كل الوقت" أي حتى قيام ثورة أكتوبر 1964.


    ساتحدث عن هذين الرجلين بإستفاضة لما لهما في تقديري من دور خطير في تاريخ السودان الحديث وعندهما ستتكشف قدر من الحقائق التاريخية "الإجتماعية" وربما الفضائح "السياسية"!.

    لكن قبل أن نبدأ الكلام عن الرجلين الخطيرين أدعوكم بشكل مباغت إلى "لعبة" خاصة من إختراعي أرجو أن نلعبها معآ... وهي لعبة "اللغة والمصطلحات والواقع" ... وأدوات لعبنا ستكون العبارات الثلاثة الآتية: "الوطن، الوطنية، المواطنة"... أزعم أنها ستكون لعبة "حقيقية" ممتعة فلا تبتئسوا!.


    يتواصل... "الوطن والوطنية والمواطنة"

    محمد جمال

    (عدل بواسطة محمد جمال الدين on 04-19-2012, 03:10 PM)

                  

04-19-2012, 04:04 PM

محمد جمال الدين
<aمحمد جمال الدين
تاريخ التسجيل: 10-28-2007
مجموع المشاركات: 5262

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: الوطن والوطنية والمواطنة متلازمات لا تنفك عن بعضها البعض! (Re: محمد جمال الدين)

    لعبة "الوطن، الوطنية، المواطنة "

    لعبة رقم "1" لعبة اللغة

    قلنا سلفآ أننا حا نلعب ثلاث لعبات ... والآن نحن على مشارف القيم رقم "1" لعبة اللغة:

    ماذا نفهم من هذه العبارات التي تبدو بسيطة في شكلها "الوطن، الوطنية، المواطنة"؟.
    أنا ألعب وأنتم تلعبون على طريقتكم. وها أنا أبدأ لعبي من زاويتي.

    من حيث اللغة "العربية " الكلاسيكية فقد جئنا بداية هذا الخيط بملخص من لسان العرب يشرح معنى كلمة "وطن" . أعيد منه هذه الفقرات في سبيل الإيضاح:
    (وطن: الوَطَنُ: المَنْزِلُ تقيم به، وهو مَوْطِنُ الإنسان ومحله؛والجمع أَوْطان. وأَوْطانُ الغنم والبقر: مَرَابِضُها وأَماكنها التي تأْوي إليها. والمَوْطِنُ: مَفْعِلٌ منه، ويسمى به المَشْهَدُ من مشَاهد الحرب، وجمعه مَوَاطن. وفي التنزيل العزيز: لقد نصَركُمُ اللهُ في مَوَاطن كثيرة؛ وقال طَرَفَةُ: على مَوْطِنٍ يَخْشَى الفَتَى عنده الرَّدَى، متى تَعْتَرِكْ فيه الفَرائصُ تُرْعَدِ وأَوطَنْتُ الأَرض ووَطَّنْتُها تَوطِيناً واسْتَوْطَنْتُها أَي اتخذتها وَطَناً، وكذلك الاتِّطانُ، وهو افْتِعال منه. غيره: أَما المَوَاطِنُ فكل مَقام قام به الإنسان لأَمر فهو مَوْطِنٌ له). أنتهى لسان العرب.

    هذا عن الجذر " و ط ن". ماذا عن العبارتين الأخريين "وطنية ومواطنة"... قبل أن نتقصى أثر "وطنية ومواطنة" أود أن أشير إلى معلومة صغيرة لكنها هامة وهي أن الجذر نفسه "وطن" غير مستخدم في اللغة العربية بقدر كافي، أعني الحياة اليومية للعربي. فالعرب لم تعرف ولم تعرف أرضها ايآ كانت أو مسكنها ايآ كان في اي لحظة من التاريخ بكلمة "وطن" وفي كثير من المرات ما عنت العبارة مرابض الغنم والبقر.

    أما كلمة "وطنية" غير موجودة من حيث المبدأ في اللغة العربية... لا توجد على وجه الإطلاق... لا يوجد أي إشتقاق من هذا النوع. كما بالطبع كلمة "مواطنة" غير موجودة بدورها في اللغة العربية . لا يوجد شيء من ذاك القبيل. إنها مجرد بدعة حديثة، حديثة جدآ، تخلقت بحكم الإضطرار. بدعة حسنة. لكنها بعد، غير واضحة ومشوشة "جايطة".
    وإنه لأمر منطقي إذ مادام الشيء غير موجود من حيث اللغة (الأصل) في حد ذاتها فإنه بالطبع لن يكون ذاك الشيء جزءآ من تاريخ أو إرث أو ثقافة الجماعة اللغوية المحددة وضمنه الدين وهنا هو الإسلام طبعآ. تلك العبارات لا توجد في خواطر الجماعة على مر تاريخها في أي حقل من حقول المعرفة كما لا يوجد أي نوع من تشريعات إسلامية تتحدث عن ماهية الوطن أو/و الوطنية أو/و المواطنة.

    هل يبدو الأمر غريبآ ولو بعض الشيء للبعض منكم؟. لا أدري!. لكن القضية لا تنتهي هنا، هناك مفاجئات أكبر عندما نواصل لعبتنا إلى الأمام ونتحدث عن "المصطلح والواقع" أزعم أنه ستتكشف لنا أمور جليلة!.


    يتواصل... "الوطن والوطنية والمواطنة"

    محمد جمال
                  

04-19-2012, 05:53 PM

محمد جمال الدين
<aمحمد جمال الدين
تاريخ التسجيل: 10-28-2007
مجموع المشاركات: 5262

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: الوطن والوطنية والمواطنة متلازمات لا تنفك عن بعضها البعض! (Re: محمد جمال الدين)

    ليس في اللعبة المعنية هنا أمر جديد... إنها مثل كل الألعاب... يلعب الناس "مثلآ" كرة القدم كل يوم... لكنها قد تكون ممتعة أو محبطة بطريقة جديدة متفردة كل مرة من المرات كون كل لعبة عندها خصوصيتها ونتيجتهاالمتفردتان بحسب زاوية نظر اللاعب أو المشاهد.

    كذلك هي لعبتنا هنا. ولو أنها لعبة من لعب الواقع... لعبة كثيرآ ما تكون أدواتها معاش وحرية وكرامة ودماء البشر. تلك من أبشع لعب الوجود لكنها تحدث كل يوم!.
                  

04-19-2012, 06:12 PM

محمد جمال الدين
<aمحمد جمال الدين
تاريخ التسجيل: 10-28-2007
مجموع المشاركات: 5262

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: الوطن والوطنية والمواطنة متلازمات لا تنفك عن بعضها البعض! (Re: محمد جمال الدين)

    لعبة "2" لعبة المصطلحات

    كنت أجهز نفسي لمعركة صعبة توقعت أن تكلفني كثيرآ من الوقت والجهد لولا أنني عثرت عبر المصادفة على مادة ممتازة للمفكر المغربي محمد عابد الجابري... ربما أعانتني كثيرآ في مقاربة مصطلحات "وطن، وطنية، مواطنة" لكن دون أن تسقط عني كل العناء فهناك المزيد الناقص في تقديري وقل طموحي كما أنني أود أن أسقط محمولي اللغة والمصطلح على واقع حالنا في السودان كما فهمنا "السودانيين" النظري والعملي لتلك المصطلحات.

    هنا محمد عابد الجابري "مادة متنقاة":

    1- الوطنية ... والقومية

    محمد عابد الجابري

    في مقال سابق نشرناه على هذه الصفحة بعنوان "كلام في مفردات الخطاب" أحصينا نحو خمس وعشرين مفردة "دخلت" في خطابنا العربي منذ أوائل الثمانينات -تاريخ انتشار مفاهيم العولمة- لتحل محل مفردات ّأخرى كانت سائدة في المراحل السابقة من تاريخنا الحديث. من هذه المفردات: الوطنية والمواطنة.
    لقد اخترنا الكلام في هذا الزوج ليس فقط لأن "المسألة الوطنية" قد عادت لتطرح في بعض الدول العربية، ربما بدرجة من الوعي أعمق، بل أيضا لأنني أتوهم أن كثيرين ممن يطرحون شعار "الموطنة" الرائج اليوم لا يستحضرون جميع معاني هذا اللفظ بل يفهمون منه شيئا ربما يختلف تماما في عصر العولمة عن معناه الأصلي الذي استعمل فيه زمن الثورة الفرنسية وامتداداتها.
    إن لفظ "الوطنية" لا وجود له في القواميس العربية القديمة. أما "وطن" فتقول عنه هذه القواميس : "وطن، مُحرَّكةً ويُسَكَّنُ: مَنْزِلُ الإقامَةِ، ومَرْبَطُ البَقَرِ والغَنَمِ، والجمع: أوطانٌ. وصيغة لفظ "وطنية" مصدر اصطناعي كـ"الإنسانية" من الإنسان. وقد شاع استعماله بكثرة في جميع أرجاء العالم العربي والإمبراطورية العثمانية في النصف الثاني من القرن التاسع عشر، والغالب أنه ترجمة لمفهومين سادا في فرنسا في ذلك القرن: الأول هو patriotisme من patrie ومعناه الوطن. والثاني ناسيوناليزم" nationalisme من nation التي ترجمت بـ "الأمة".
    أما المفهوم الأول فترجمته موفقة لا غبار عليها. والمعانى الذي يحمله اللفظ الفرنسي patriotisme هي : "شعور بالانتماء إلى بلد يقوي الوحدة بين أبنائه على أساس قيم مشتركة". وأيضا "حالة نفسية/روحية تدفع الواحد إلى الشعور بالحب والاعتزاز وإلى الدفاع عن مصالح بلده". ثم يضيف القاموس الذي نقتبس منه: "يجب عدم الخلط بين "الوطنية" patriotisme وبين مظهراها المتطرف بل العدواني المسمى "الشوفينية" chauvinisme (http://fr.wikipedia.org/wiki/Chauvinisme) (العصبية العرقية)، كما يجب التمييز بين "الوطنية" patriotisme وبين "ناسيوناليزم" nationalisme الذي هو إيديولوجيا سياسية. وهذا اللفظ أخذ من nation، كما قلنا ومعناه: "جماعة بشرية تتعرف على نفسها بارتباطها ببقعة من الأرض على مدى التاريخ ويجمعها الشعور بالانتماء إلى نفس المجموعة"، وقد ترجمت هذه الكلمة بـ "الأمة" وهي ترجمة أقل توفيقا، لأن عنصر الأرض لا يدخل بالضرورة في مفهوم "الأمة" باللغة العربية (قارن الأمة الإسلامية، أمة محمد، ويطلق في القرآن ليس على جماعة من البشر فحسب، بل أيضا على "أنواع" المخلوقات كالطيور... الخ). ولما كان من غير المستساغ في اللغة العربية اشتقاق مصدر صناعي من لفظ "أمة" لوضعه كترجمة للمفهوم المشتق من كلمة nation أعني nationalisme، فقد ترجم هذا المفهوم، في المغرب العربي خاصة بكلمة "وطنية"، بينما ترجم في المشرق بكلمة "قومية" في الغالب، نسبة إلى "القوم". وهذه ترجمة فيها نظر! إنها لا تسمح مثلا باشتقاق لفظ يعبر عن معنى nationalité الذي نعبر عنه في العربية بلفظ "جنسية"، وهو بعيد عن لفظ "قومية" وأفقر منه بما لا يقاس.
    وهذا الاختلاف بين المغرب والمشرق يرجع إلى وضعية كل منهما، أكثر مما يعود إلى اعتبارات أخرى. ذلك أن "الآخر" الذي كان يتحدد به "الأنا" في المغرب العربي هو الاستعمار الفرنسي، وهو استعمار استيطاني. والاحتلال الذي قام به كان احتلالا للأرض بالقوة والاستيلاء عليها لفائدة "المعمرين"، فالمستهدف أساسا كان هو "الوطن"، بوصفه الأرض وما يرتبط بها من مشاعر ومخايل وتاريخ، أرض الأجداد والذكريات الخ. أما في المشرق العربي فقد كان "الآخر"، في القرن التاسع عشر، هو جنوح الخلافة العثمانية نحو التتريك، أي فرض سيادة العنصر التركي في تلك الإمبراطورية على "الأقليات" الأخرى ومنها العرب. و"سياسة التتريك"، هذه، كانت تستقي نموذجها من أوروبا، وبالتخصيص من مفهوم "الناسيوناليزم" Nationalisme الذي هو "إيديولوجيا سياسية"، وقد تطورت هذه الإيديولوجيا إلى تكريس مفهوم "التفوق العرقي" الذي شيدت على أساسه ومن أجل تبريره نظريات "علمية" (كذا!) في ألمانيا خاصة.

    ومن هنا كان مفهوم "الأمة" و"القومية" في المشرق العربي على تواصل بالنظريات الألمانية خصوصا بعد سقوط الإمبراطورية العثمانية وتقاسم الدول الأوربية المنتصرة، وبكيفية خاصة، بريطانيا وفرنسا للعالم العربي، وتجزئة المشرق العربي منه إلى أجزاء ضدا على الجغرافية والتاريخ والأصول الخ. لقد جرى ذلك بصورة تعسفية جدا في "سورة الكبرى" التي قسمت إلى الأردن، وفلسطين، ولبنان، وسورية الحالية التي سلخت منها مقاطعة الأسكندرون لتضم إلى تركيا. أما الخليج فقد أقرت فيه "المشيخات" ككيانات سياسية تحت السيطرة البريطانية.
    ومن هنا جاء مفهوم "التجزئة في المشرق العربي ليحل محل "الآخر" السابق ("سياسة التتريك") وليصبح هو "الآخر" الذي يتحدد به مفهوم "الأمة العربية". وعندما نشطت حركات التحرر الوطني في "شمال إفريقيا" واتجهت إلى المشرق لتؤكد انتماءها العربي، ضدا على سياسة "الفرنسة" التي اتبعها الاستعمار فيها، وجدت تجاوبا قويا، تجسَّم في المناصرة الشعبية والإعلامية والتزويد بالسلاح الخ. ومن هنا توسع أفق الحركات الوطنية والقومية في المشرق العربي فأخذت ترى التجزئة التي قام بها الاستعمار هناك قد امتدت في الواقع إلى "شمال إفريقيا" التي أصبحت تدعى بـ"المغرب العربي" منذ تأسيس "الجامعة العربية"، وبالخصوص منذ إنشاء "مكتب المغرب العربي" في القاهرة، بقيادة بطل "حرب الريف" محمد بن عبد الكريم الذي كان مقيما في القاهرة ...
    ومع أن العلاقات بين دول المغرب العربي ودول المشرق العربي فد توطدت وتنامت إلا أنه لم يكن هناك في المغرب العربي نفس "الشعور القومي" الذي ساد في أقطار المشرق سواء قبل جمال عبد الناصر أو في عهده أو بعده. كما أنه لم يكن هناك انتشار ولا شيوع للفظ "القومية" كبديل عن الوطنية. ومع أن حزبا وطنيا في المغرب الأقصى كان قد أطلق على نفسه في الثلاثينات والأربعينات من القرن الماضي، عبارة "الحركة القومية"، فإنه لم يكن يعني بهذا الاسم شيئا آخر غير "الحركة الوطنية"، وكان هذا الاسم الأخير قد سبق إليه "الحزب الوطني"، عند انقسام "كتلة العمل الوطني" التي خرج الحزبان من رحمها.
    أما سبب غياب مفهوم "القومية" في المغرب العربي فيرجع إلى عدة عوامل لعل أهمها هو أن هذا المفهوم قد تأسس في الوجدان العربي، في الشام والعراق خاصة، ضدا على سياسة التتريك العثمانية ثم على واقع "التجزئة" الاستعمارية.
    أما المغرب العربي فلم تمسه "سياسة التتريك"، أما التجزئة فقد كانت فيه، ولا تزال، إرثا تاريخيا، لم يخلقها الاستعمار الفرنسي وإن كان قد عمقها. كان المغرب الأقصى قبل الاستعمار دولة مستقلة عن المشرق منذ هارون الرشيد، وكان هو والدولة الأموية في الأندلس من أولى "الدول المستقلة" عن الدولة العباسية. أضف إلى ذلك أنه، أعني المغرب الأقصى، قد تحول في فترات طويلة من تاريخه إلى إمبراطورية امتدت حدودها: حينا إلى مصر، وحينا إلى جنوب السنغال ومالي، وحينا آخر إلى جبال البرانس بإسبانيا (الأندلس). أضف إلى ذلك أنه لم يخضع قط للإمبراطورية العثمانية. وإلى ما قبل فرض معاهدة الحماية عليه سنة 1912 كان يطلق عليه في الخطاب الديبلوامسي الأوربي اسم "الإمبراطورية الشريفية" (نسبة إلى الأشراف (من نسل علي بن أبي طالب) الذين صاروا على رأس الدولة المغربية منذ القرن السابع عشر). أما تونس والجزائر فقد كانتا قبل الاستعمار الفرنسي ولايتين من ولايات الإمبراطورية العثمانية، تتمتعان بنوع من "الاستقلال الذاتي".
    هذا الوضع التاريخي قد وجه الحركات الوطنية في هذه الأقطار إلى نشدان وحدة تجمع بينها من أجل توحيد الجهود لمقاومة الاستعمار الفرنسي أولا، لتتطور ثانيا إلى وحدة تكون بديلا عن الانفصال الذي كرسه. أما الدخول في مشروع "قومي" (إقامة الوحدة العربية)، فقد كان يقع ولازال، بعيدا عن الأفق المنظور. (للمقال صلة).


    المواطنة... والمواطن: جولة أولى!

    محمد عابد الجابري
    تحدثنا في المقال السابق عن الوطنية والقومية، أما في هذا المقال فسنحاول القيام بجولة أولى في مفهوم المواطنة والمواطن!
    نبدأ بما قد تعطيه لنا اللغة العربية عن هذين اللفظين: ولا شك أن القارئ سيستغرب معي غياب هذا اللفظ في معاجمنا القديمة المتداولة: لسان العرب والقاموس المحيط، والصحاح، وتاج العروس الخ. أما في نصوص الكتاب والأدباء فاللفظ غائب أيضا، ولم أعثر له على أثر إلا في كتاب "خريدة القصر وجريدة العصر": للعماد الإصبهاني الذي عاش في القرن السادس الهجري (ولد سنة 519 وتوفي سنة 597 هـ) وموضوعه: أعيان وفضلاء عصره من الخلفاء إلى الشعراء الخ، منطلقا من بغداد ... إلى المغرب والأندلس. وقد وردت كلمة "مواطنة" مرة واحدة في هذا الكتاب الضخم في رسالة نقلها يمدح فيها كاتبها بيت من يمدح بقوله عنها: "مكتسبة من الأشباح القدسيّة علاءً، ومنتسبة إلى الأشخاص الإنسية ولاءً، مترفّعة عن مواطنة الأغفال، ومقارنة أهل السّفال".
    وواضح أن معنى "المواطنة" هنا هو: المصاحبة والعيش مع... ولم يسعفني الحظ بالعثور على غير هذا النص فيما أمكنني البحث فيه من الكتب. ويكفي أن تكون الكلمة غائبة في المعاجم التي ذكرت... أما كلمة "مُواطن" (بضم الميم) فهي أقل حظا، إذ لم أعثر لها على أثر في أي قاموس أو نص (قبل عصر اليقظة العربية الحديثة). لقد وردت كلمة وطَن والجمع أوطان. ومَوْطِن، والجمع "مَواطن" (بفتح الميم). كما ورد لفظ واطَن "واطَنَهُ على الأمْرِ: أَضمر فعله معه، فإِن أَراد معنى وافقه قال: واطأَه- لسان العرب"، كما ورد لفظ "ّوطَّن" (بتشديد الطاء) إذ يقال: "وَطَّنَ نَفسَهُ علـى الشيء وله، فتَوَطَّنَتْ : حملها علـيه".
    إذن، لفظ "مواطنة" ونسيبه "مُواطن" ليس فيهما من العربية غير الصيغة (مفاعلة، مُفاعل) وهي للمشاركة: مقاتلة/مقاتل، مضاربة/مضارب. وقد حاولت أن أتعرف على اللفظ الذي كان يستعمله العرب قبل "عصر اليقظة العربية" لأداء مفهوم "المواطنة" والمواطن" كما نستعملهما اليوم في خطابنا المعاصر فلم أجد.
    أما قاموس "المنجد" لمؤلفه لويس معلوف والذي ظهر في ظل "اليقظة العربية الحديثة"، إذ صدرت الطبعة الأولى منه عام ،1909 فإنا لا نجد في طبعته الخامسة عشرة التي ظهرت عام 1956، العام الذي بدأ معه العصر الذهبي للوطنية العربية مشرقا ومغربا، أقول: لا نجد عنده حول مادة "و.ط.ن" إلا ما يلي: "وطن بالمكان: أقام به. وطّن نفسه على الأمر وللأمر: هيأها لفعله، وطَن البلد: اتخذه موطنا. واطَنه على الأمر: أضمر أن يفعله معه. الوطَن: ج. أوطان: "منزل إقامة الإنسان ولد فيه أم لم يولد"، وأيضا: "مربط المواشي". "المُواطن: الذي نشأ معك في وطن واحد أو الذي يقيم معك فيه". وواضح أن الألفاظ السابقة ومعانيها منقولة عن القواميس القديمة. باستثناء لفظين:
    - اللفظ ما قبل الأخير أعني "وَطن" ففي تعريفه إضافة لا أصل لها في المعاجم القديمة، وهي قوله "ولد فيه أم لم يولد"؛ فهذا الجزء من التعريف منقول من لغة أجنبية. أما قوله : "منزل إقامة الإنسان" و"مربط المواشي" فهو المعنى الأصيل في اللغة العربية، وقد سبق أن ذكرنا هذا في مقال الأسبوع الماضي.
    - يبقى اللفظ الأخير أعني "المُواطن" فهو منقول كله لفظا ومعنى". ولا يمكن أن يقال هو من "واطنه" على الأمر، لأن المعنى يختلف. والفعل "وَطَنَ به يَطِنُ وأوْطَنَ : أقامَ"، وصيغة اسم الفاعل منه "واطِنٌ" (مثل: قتل فهو قاتل)، وهذه الصيغة من المهمل وليست من المستعمل.
    النتيجة : ليس في مخزون العرب، اللغوي وبالتالي الفكري والوجداني، ما يفيد "ما" يعنونه اليوم باللفظين: "المواطنة" و"المواطن". وكلمة "ما" هنا تفيد النكرة وقد وضعناها بين مزدوجتين: لتقوية معنى النكرة فيها!
    لماذا هذا الغياب؟
    الجواب هو أن هاتين الكلمتين من الكلمات المترجمة. وليس العيب في أن تنقل لغة من لغة أخري كلمات وعبارات وأمثال ومعارف وعلوم. فجميع لغات العالم قائمة على الأخذ والعطاء. وقد نقل الأوربيون كثيرا عن العربية عند ابتداء نهضتهم الأولى في القرن الثاني عشر الميلادي وما زالوا ينقلون (هم يستعملون اليوم كلمات عربية عديدة لأنهم لا يجدون لها مقابلا في لغاتهم مثل كلمة "انتفاضة" والـ"جهاد" و"طوبيب" toubibأي "الطبيب" بالمعنى العربي الشعبي أي "المداوي" سواء بالعقاقير أو بالسحر؟ (قرأت في بعض النصوص الفرنسية حول هذه الكلمة ما ترجمته : "هذه الكلمة toubibالتي دخلت اللغة الفرنسية عام 1898، كانت قد استعيرت من العربية الجزائرية "طْبيب" (بسكون الطاء) التي تدل بالضبط على الساحر sorcier ").
    ما أريد التنبيه إليه بهذا الاستشهاد هو لفت النظر إلى أن اللغة العربية لم يتم التأريخ لها، لا قديما ولا حديثا. وغياب التأريخ للغة من اللغات يؤدي إلى غياب الوعي بالتطور لدى أصحابها. وهكذا فلو توفر لدينا قاموس يضع بجانب كل معنى من معاني الكلمات تاريخ استعمال هذه الكلمة أو تلك، في هذا المعنى أو ذلك، لسهل علينا أن نعرف الآن متى دخلت دخلت لغتنا "كلمة "مواطنة" ونسيبها "مواطن" ، وكيف تقلبت بها الأحوال الخ.
    لعل القارئ يستعجلني ويطلب مني "الانتقال" إلى الموضوع، أعني إلى إعطاء رأي في معنى المواطنة والمواطن.
    وأجيبه لقد قصدت القيام بهذا النوع من "اللف والدوران" حتى لا أصدمه بكلام يزعزع ويخلخل ما في ذهنه عن "المواطنة" و"المواطن". وأقصد هنا جمهور القراء الذين يكتسبون المعرفة بمثل هذه المفاهيم والشعارات مما يروج في سوق العولمة اللغوية المعاصرة.
    ذلك أنه يجب التمييز بين لفظ "الوَطنيُّ" الذي يقابل في اللغتين الأجنبيتين الرائجتين عندنا (الفرنسية والإنجليزية) لفظ patriote، المأخوذ من patrie بمعنى الوطن. ومنه patriotisme بمعنى الوطنية (حب الوطن والاستعداد للدفاع عنه الخ)، وبين لفظ compatriote ومعناه الشخص الذي يعيش في بلد واحد مع آخرين، وهذا هو معنى "المواطن" كما يستعمل اليوم في عصر العولمة. و"المواطنة" بهذا المعنى يعبر عنها بـ compatriotisme ، ومعناها وضعية المنتسبين إلى بلد واحد. والجدير بالتنبه هنا أن هذا المعنى لا يتضمن أن الذين يسمون بهذا الاسم compatriote (المواطن) يحملون "جنسية" واحدة، إن لفظ "الجنسية" الذي نترجم به لفظ nationalitéهو مشتق من nation بمعنى أمة أو قومية، وليس من patrie بمعنى "وطن". ولهذا يقال مثلا للفرنسي أو الإنجليزي أو المغربي أو المصري الخ: "إن مُواطنك الذي رأيتُه معك أمس هو من جنسية لبنانية، أليس كذلك؟ ويأتي الجواب بنعم، أو بـ لا : "بل هو من جنسية يونانية"!
    لفظ واحد غائب في هذه الجولة، أعنيcitoyen citizenالذي يعتقد بعض الناس أنه ما زال هو معنى "المواطن" في عصر العولمة! والكلام في هذا اللفظ ومشتقاته يحتاج إلى جولة خاصة به.
    http://www.saudisw.com/vb/archive/index.php/t-29994.html[/B]
                  

04-19-2012, 11:38 PM

محمد جمال الدين
<aمحمد جمال الدين
تاريخ التسجيل: 10-28-2007
مجموع المشاركات: 5262

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: الوطن والوطنية والمواطنة متلازمات لا تنفك عن بعضها البعض! (Re: محمد جمال الدين)

    نحن لسه في لعبة "1"!


    يتواصل... "الوطن والوطنية والمواطنة"

    محمد جمال
                  

04-20-2012, 07:08 PM

محمد جمال الدين
<aمحمد جمال الدين
تاريخ التسجيل: 10-28-2007
مجموع المشاركات: 5262

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: الوطن والوطنية والمواطنة متلازمات لا تنفك عن بعضها البعض! (Re: محمد جمال الدين)

    أعني من المداخلة الأخيرة أنني لم أتحقق بعد، بما فيه الكفاية عن كيف من المحتمل أن يفكر ويفهم البعض منا من حيث اللغة كلمات مثل: "الوطن والوطنية والمواطنة؟".
    ربما أفعل ما بوسعي في ثنيات السرد.

    محمد جمال
                  

04-22-2012, 03:01 AM

محمد جمال الدين
<aمحمد جمال الدين
تاريخ التسجيل: 10-28-2007
مجموع المشاركات: 5262

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: الوطن والوطنية والمواطنة متلازمات لا تنفك عن بعضها البعض! (Re: محمد جمال الدين)

    يتواصل...
                  

04-23-2012, 01:53 AM

محمد جمال الدين
<aمحمد جمال الدين
تاريخ التسجيل: 10-28-2007
مجموع المشاركات: 5262

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: الوطن والوطنية والمواطنة متلازمات لا تنفك عن بعضها البعض! (Re: محمد جمال الدين)

    سأضيف لاحقآ للمعادلة مشتقات تبدو بدهية من قبيل "مواطن" ومؤنثه "مواطنة"!.
                  

04-24-2012, 00:29 AM

محمد جمال الدين
<aمحمد جمال الدين
تاريخ التسجيل: 10-28-2007
مجموع المشاركات: 5262

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: الوطن والوطنية والمواطنة متلازمات لا تنفك عن بعضها البعض! (Re: محمد جمال الدين)

    حا أحاول أكون أكثر وضوحآ...و... بإصرار... وعد... بكل ما أمكنني...

    معزتي

    يتواصل...


    محمد جمال
                  

04-24-2012, 04:04 AM

Khalid Kodi
<aKhalid Kodi
تاريخ التسجيل: 12-04-2004
مجموع المشاركات: 12477

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: الوطن والوطنية والمواطنة متلازمات لا تنفك عن بعضها البعض! (Re: محمد جمال الدين)
                  

04-24-2012, 09:44 PM

محمد جمال الدين
<aمحمد جمال الدين
تاريخ التسجيل: 10-28-2007
مجموع المشاركات: 5262

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: الوطن والوطنية والمواطنة متلازمات لا تنفك عن بعضها البعض! (Re: Khalid Kodi)

    سلامات خالد "العزيز"

    سأقرأ اللنك في أصله...

    تحياتي لك وأهلي وكل الناس بحوزتك.

    محمد جمال
                  

04-25-2012, 01:09 AM

محمد جمال الدين
<aمحمد جمال الدين
تاريخ التسجيل: 10-28-2007
مجموع المشاركات: 5262

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: الوطن والوطنية والمواطنة متلازمات لا تنفك عن بعضها البعض! (Re: محمد جمال الدين)

    يتواصل...
                  

04-28-2012, 10:31 PM

محمد جمال الدين
<aمحمد جمال الدين
تاريخ التسجيل: 10-28-2007
مجموع المشاركات: 5262

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: الوطن والوطنية والمواطنة متلازمات لا تنفك عن بعضها البعض! (Re: محمد جمال الدين)

    نحن لا نحتاج قدرآ كبيرآ من الصبر فحسب لمعالجة ومقاربة الأسئلة الحيوية التي تواجهنا جميعآ لا بل قدرآ أكبر من المثابرة... وربما المقدرة على التضحية!... ذاك هو كورس التاريخ ...أو كما هو ظني...

    يتواصل... الوطن والوطنية والمواطنة!
                  

06-17-2012, 04:28 AM

محمد جمال الدين
<aمحمد جمال الدين
تاريخ التسجيل: 10-28-2007
مجموع المشاركات: 5262

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: الوطن والوطنية والمواطنة متلازمات لا تنفك عن بعضها البعض! (Re: محمد جمال الدين)

    يتواصل... الوطن والوطنية والمواطنة!

    ---
    سأفعل جهدي... أو هو أملي.
                  


[رد على الموضوع] صفحة 1 „‰ 1:   <<  1  >>




احدث عناوين سودانيز اون لاين الان
اراء حرة و مقالات
Latest Posts in English Forum
Articles and Views
اخر المواضيع فى المنبر العام
News and Press Releases
اخبار و بيانات



فيس بوك تويتر انستقرام يوتيوب بنتيريست
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة
About Us
Contact Us
About Sudanese Online
اخبار و بيانات
اراء حرة و مقالات
صور سودانيزاونلاين
فيديوهات سودانيزاونلاين
ويكيبيديا سودانيز اون لاين
منتديات سودانيزاونلاين
News and Press Releases
Articles and Views
SudaneseOnline Images
Sudanese Online Videos
Sudanese Online Wikipedia
Sudanese Online Forums
If you're looking to submit News,Video,a Press Release or or Article please feel free to send it to [email protected]

© 2014 SudaneseOnline.com

Software Version 1.3.0 © 2N-com.de