الحركه الشعبيه لتحرير السودان شمال

مرحبا Guest
اخر زيارك لك: 03-19-2024, 12:03 PM الصفحة الرئيسية
منتديات سودانيزاونلاين    مكتبة الفساد    ابحث    اخبار و بيانات    مواضيع توثيقية    منبر الشعبية    اراء حرة و مقالات    مدخل أرشيف اراء حرة و مقالات   
News and Press Releases    اتصل بنا    Articles and Views    English Forum    ناس الزقازيق   
سودانيزاونلاين دوت كم‫:‬الملف الشخصى ل

الحركه الشعبيه لتحرير السودان شمال
اللقب:الحركه الشعبيه لتحرير السودان شمال
: .

عدد البوستات:68
تاريخ التسجيل:03-17-2014
الدولة التي اقيم فيها هي: 
: 
عنوان مكتبتى بسودانيزاونلاين دوت كم: 
FaceBook Page:  
Google Plus Page:  
Instagram:  
Pinterest:  
Twitter Page:  
Wikipedia صفحتي على الويكبيديا:  
YouTube Channel URL:  
اكلات مفضلة:  
الاسم الحقيقى:  
التلفون:  
الجامعة/المعهد:  
الجنسية:  
الحالة الاجتماعية: Single
العنوان الدائم:  
الفنان المفضل:  
اللون السياسى:  
الهوايات المفضلة:  
الوظيفة:  
تاريخ الميلاد:  
درست المرحلة الابتدائية فى ......و سنة....:  
درست المرحلة الثانوية فى ......و سنة....:  
درست المرحلة المتوسطة فى ......و سنة.... :  
شاعرك المفضل:  
عدد الاطفال:  
معلومات اضافية: SPLM North الحركة الشعبية لتحرير السودان
Community Page about Sudan People's Liberation Movement-Northمنفستو الحركة

مانيفستو الحركة الشعبية لتحرير السودان
المحتويات

الصفحة
تقديم 3

. مشكلة السودان في إطارها التاريخيI 5
تعريف المشكلة I.1 5
أمراض السودان القديم 1.2 8

. نشأة وتطور الحركة الشعبية لتحرير السودان II 12
جذور الحركة الشعبية والجيش الشعبي II.1 12
الحركة الشعبية: فهم جديد لمشكلة السودان II.2 13
الحركة الشعبية: تحديات وتناقضات النضال II.3 14

. رؤية الحركة الشعبية لتحرير السودانIII 17
تفصيل الرؤية III.1 17
الإطار النظري لرؤية السودان الجديد III.2 19

. السودان الجديد: السياسة، المجتمع والثقافة، والاقتصاد IV 20
الازدهار للجميع 20

الحرية والعدالة والمساواة 20

الحكم الديمقراطي 21

حكم القانون وحقوق الإنسان 23

الإدارة الديمقراطية للتنوع 23

النمو المتكافئ والتنمية المستدامة بيئيا 24

السودان الجديد والعولمة 25

1. مشكلة السودان في إطارها التاريخي

I.1 تعريف المشكلة

I.1.1تكمن المشكلة الرئيسة للسودان في أن واقع حاله يتناقض تماما، من منظوره التاريخي وسياقه المعاصر على حد سواء، مع السياسات التي انتهجتها كل الحكومات المتعاقبة على سدة الحكم في الخرطوم منذ الاستقلال في 1956. فقد تجاهلت هذه السياسات بصورة تكاد أن تكون كاملة، عمدا أم بغير قصد، التنوع والتعدد الثر الذي تتميز به البلاد من ناحية التاريخ والجغرافيا والبشر والثقافات.

I.1.2فتاريخ المجتمعات البشرية في السودان ممعن في القدم ويرجع إلى عهود بعيدة. وهكذا، فكتب العصور القديمة، بما في ذلك الكتاب المقدس، ذاخرة بذكر السودان وعراقة وثراء حضاراته. كما دلت الدراسات التاريخية على تواجد مجموعات بشرية في وادي النيل منذ بدايات العصر الحجري، وتقدم هذه البحوث دليلا على هذه المجموعات قد عاشت في السودان منذ 250،000 ق.م. وازدهرت حضاراتها في حوالي 50،000 ق.م. فحضارات كوش، والممالك القروسطية، ، ومن ثم الحقبة المسيحية الأولى لممالك النوبة، سادت ثم بادت على أرض بلادنا العظيمة: السودان. وتبع ذلك، ومع ظهورالاسلام وتدفق المهاجرين من شبه الجزيرة العربية إلى شمال أفريقيا والسودان، إقامة العديد من الممالك الإسلامية القوية كمملكة الفونج والتي قامت في 1500 ق.م. وتسببت في نفس الوقت في انهيار آخر ممالك النوبة المسيحية عندما استطاعت قوات الفونج في احتلال وتحطيم سوبا (الخرطوم الحالية)، عاصمة مملكة المغرة. كما هنالك مملكة دارفور (والتي لم تنضم إلى السودان الحديث إلا في 1916). كما شهد العصر الحالي التوسع التركي-المصري (1820) وإقامة السودان التركي-المصري والذي هزمته الثورة المهدية معلنة قيام الدولة المهدية (1885-1898)، ثم جاءت قوات الاحتلال الانجليزي-المصري لتقضى على الدولة المهدية وتقيم على أنقاضها الحكم الثنائي الانجليزي-المصري (1898-1956)، والذي انتهى بجلاء القوات الاستعمارية ونشأة الدولة السودانية الراهنة في 1956.

I.1.3وبالتالي، فمن الواضح أن تاريخ السودان لم يبدأ مع الإسلام أو هجرة الناس من الجزيرة العربية إلى أفريقيا، كما أنه لم يبدأ مع التوسع التركي-المصري أو المهدية أو الحكم الثنائي الانجليزي-المصري، أو حتى مع الاستقلال في 1956. وبالتأكيد، لم يبدأ تاريخ السودان مع ظهور “الأصولية الإسلامية” (ممثلة في اغتصاب الجبهة الإسلامية القومية للسلطة في 1989)، كما يردده بعض المروجين. وكما سلف القول، فقد تنقلت مختلف المجتمعات البشرية وعاشت في السودان الجغرافي الحالي في عهود مختلفة، كما سادت ثم بادت ممالك وحضارات في أشكال متعددة على أرض بلاد السودان. وهذا الحراك التاريخي هو ما يميز السودان ويسهم في إثراء وتنوع ثقافته وهويته. وتشكل هذه الطبيعة التاريخية للسودان جوهر “التنوع التاريخي” للبلاد.

I.1.4فالسودان الحالي هو محصلة ناقصة ونتاج غير مكتمل لعملية تاريخية طويلة ومعقدة. فقد تعرض وطننا “بلاد السودان” إلى عملية متواصلة من التغير والتحول عبر التاريخ، والى تحول في الهوية من وقت إلى آخر تبعا لعلاقات وتفاعلات السلطة وسط وبين القوى الاجتماعية والسياسية والتاريخية في فترة معينة. وهكذا، تطور السودان إلى مزيج مختلط اثنيا وسياسيا واجتماعيا وثقافيا ودينيا ولغويا.وهذا ما دفع بالعديد من المراقبين لوصف السودان ب”أفريقيا المصغرة” إذ تتجسد فيه السمات الرئيسية لأفريقيا ككل. صحيح السودان يتشكل اثنيا من مجموعتين عرقيتين: الأفارقة والعرب، ولكن الإعلام وبعض المروجين خلقوا انطباعا خاطئا بوجود سودان جنوبي-أفريقي-مسيحي-وثنى يقابله سودان-شمالي-عربي-مسلم. هذا التوصيف يجافى الحقيقة ويشوه الواقع، فقد كان السودان ولم يزل بلدا متنوعا ومتعددا اثنيا وثقافيا إذ توجد أكثر من 500 مجموعة أثنية تتحدث 130 لغة متميزة. ووفقا لنتائج الإحصاء السكاني لعام 1956، فلغة الأم لحوالي 69% من السكان لغة غير عربية، بينما 31% فقط يتحدثون العربية كلغة أم. ويشكل الدين العنصر الثاني لهذا التنوع حيث نجد المسلمين يمثلون 65% من مجموع السكان، والمسيحيين ومعتنقي الديانات الأفريقية التقليدية، وهما معا يمثلون ال35% الباقية من السكان, ويشير هذا التعدد الثقافي والديني إلى “التنوع المعاصر” للسودان”.

I.1.5إذن، يقوم الواقع السوداني على هذين المكونين الأساسيين: التنوع التاريخي والتنوع المعاصر. بيد أن هذا الواقع قد أغفل تماما وتمت تنحيته جانبا من قبل كل الحكومات التي جاءت وذهبت في الخرطوم منذ الاستقلال في 1956. فقد فشلت جميع هذه الحكومات في تطوير وبلورة هوية سودانية، رابطة سياسية واقتصادية واجتماعية ينتسب لها كل السودانيين ويدينون لها بالولاء الكامل بغض النظر عن العرق أو القبيلة أو الدين أو الجنس. فبدلا عن السعي لإقامة مثل هذه الرابطة، استبعدت هذه الحكومات حقائق أساسية لهذا التنوع بينما ركزت على عنصرين فقط –الإسلام والعروبة- كما حاولت وتواصل محاولة تأسيس وحدة وتنمية البلاد على هذين العنصرين، مما قاد إلى مواجهتها بالتمرد والحرب.

I.1.6وحقيقة، فان أزمة الهوية الوطنية في أغلب أنحاء القارّة الأفريقية هي نتاج لتطور تاريخي أفرزته أطر الحكم بعد الاستقلال. فقد تشكلت الدولة الأفريقية (أو السودانية) تاريخياً من عدة عناصر وتنويعات إثنية وعرقية وثقافية وسمتها بتركيبة تعدّدية. فكانت الدولة الأفريقية، ولا تزال، تتألّف من وحدات عرقية متمايزة، لدرجة أنه كان من الممكن لغالبيتها أن تزعم إبان الاستعمار أنها قومياتٌ قائمةٌ بذاتها. وفيما درجت السلطات الاستعمارية على تطبيق سياسات تفاضلية تمايز سياسياً واقتصادياً بين المجموعات والأقاليم المختلفة، فقد لازم تلك التعددية تفاوتاً كبيراً في صوغ معادلة السلطة وتقسيم الثروات القومية والخدمات الاجتماعية وفرص التنمية. وأفضى هذا التنوع الغزير قروناً مع تلك التباينات الشديدة إلى زرع بذور النزاع والشقاق بين العناصر المكونة لهذا التنوع. وبدلا عن أن تنشد حلولا بعينها لمعالجة هذه التباينات عبر انتهاج نظام تمثيل عادل وتوزيع منصف للثروات، فإن غالبية حكومات ما بعد الاستقلال آثرت فقط الركون مجملاً إلى تبنّي الأنماط الدستورية التي خلّفها المستعمر. وباتّخاذها ذاك المنحى أرست تلك الحكومات مفاهيم أحادية جامدة للوحدة تمّخض عنها قمع أشكال التنوّع العديدة، منتقصةً بذلك حقوق العديد من الأفارقة، تاركةً إيّاهم بلا حول ولا قوة، يتطلعون ليس فقط للاعتراف بخصوصية هوياتهم إزاء هيمنة الأغلبية، أو الأقلية في بعض الأحيان، بل لتمثيل كياناتهم عبر الأطر الدستورية وأنظمة الحكم في الدول التي يعيشون في كنفها. أفضت هذه السياسات في العديد من الأقطار الأفريقية إلى النزاع المسلح والمطالبة بحق تقرير المصير بشتى الصيغ والدرجات.

I.1.7لا يستثنى السودان من هذا الواقع، إذ أن البلاد عانت طيلة سبعة عشر عاماً حرباً انفصالية اشتعل فتيلها قبل أربعة شهور فقط من الاستقلال. توقفت تلك الحرب مؤقتا نتيجة لاتفاقية سلام هشة دامت عقدا من الزمان اشتعلت بعده الحرب مجددا بسبب نقض الحكومة، من جانب واحد، للاتفاقية. إن محاولات الأنظمة المتعاقبة على الحكم في الخرطوم منذ 1956 إقامة وحدة تقتصر على اثنين فقط من مكونات التنوع التاريخي والمعاصر مع إقصاء محددات التنوع الأخرى، وفشلها في بناء وتطوير دولة سودانية تسع الجميع بلا استثناء وينتمي لها كل مواطنيه بدون أي تمييز، لهو أساس مشكلة السودان الذي ينبغي تعريف الأزمة السودانية على ضوئه. وهكذا، فان “السودان القديم” يتصف بالعنصرية والتعصب الديني كمحددات رئيسية تتحكم في شروط ممارسة السياسية على الصعيد القومي والفرص الاقتصادية والتفاعل الاجتماعي، مما خلق نظاما جائرا أفضى بدوره إلى حربين مريرتين بين الجنوب و”المركز”، كما أفضى نفس هذا النظام وذلت المركز المهيمن سياسيا واقتصاديا وثقافيا إلى حروب أهلية أكثر دموية وتدميرا في شرق وغرب البلاد.

I.1.8لطالما كان السودان ولا يزال، في ظروف وتحت شروط السودان القديم، يرزح تحت نير الحروب وعدم الاستقرار السياسي وضعف الأداء الاقتصادي والفقر المدقع. فمن الاستحالة بمكان بناء مجتمع سعيد ومزدهر على أساس العنصرية والشوفينية الدينية والطائفية والقبلية والعبودية أو الدكتاتورية (إن كانت دكتاتورية البرولتاريا أو العسكر أو رجال الدين). فمن المحتوم أن يتحول أي مجتمع يقوم على هذه الايدولوجيات الضيقة والمحدودة أو الحزبية إلى شكل من أشكال الفاشية أو الدكتاتورية ولا محال أن يفضى إلى زعزعة الاستقرار والحروب إلى تمزق وتفسخ البلاد في نهاية الأمر. وسلة مهملات التاريخ مليئة بمثل هذه الأمثلة، ولعل في تجربتي الاتحاد السوفيتي السابق وجنوب أفريقيا العنصرية عظة وعبرة. فمن المؤسف أننا في السودان لا نتعلم من هذه الدروس إلا بإتباع الطريق الأكثر صعوبة: من خلال حربين أهليتين وبحر من الدماء والدموع.

I.1.9فمشكلة السودان الرئيسية، إذن، تتلخص في أن الدولة السودانية التي نشأت في أعقاب الاستقلال في 1956 قامت على نظام سياسي وإطار مؤسسي يكتنفهما التعصب العرقي والديني، والأصولية الإسلامية بعد يونيو 1989. فقد عملت هذه الدولة على إقصاء الغالبية العظمى لأهل السودان، خصوصا السودانيين الأفارقة، من المشاركة العادلة في الحكم والثروة منذ 1956. وعلاوة على ذلك، بعد 1989 (في أعقاب انقلاب الجبهة الإسلامية القومية) استبعد النظام كل من لا ينتمي للأصوليين الإسلاميين، كما ظلت المرأة دوما معرضة للإقصاء والتهميش. ويمثل النظام الأصولي الاسلامى ذروة سياسات حكومات الخرطوم التي تعاقبت على حكم السودان منذ الاستقلال في 1956. وهكذا فقد انقسم السودان القديم في عام 1989 إلى اثنين: “سودان الأصولية الإسلامية” (سودان الجبهة) و”السودان القديم” (الأصلي)، حيث يمثل سودان الجبهة تحولا نحو الفاشية في رحم السودان القديم وأقبح وجوهه. ولكن يظل سودان الأصولية الإسلامية والسودان القديم يقومان على نظام مؤسس للظلم والشوفينية الدينية والعرقية، الأمر الذي حدا ببعض المراقبين إلى وصم الوضع السوداني ووصفه ب”النظام المزدوج للتفرقة”، دينيا وعرقيا!

I.2 أمراض السودان القديم

يعانى السودان القديم من مشكلتين أساسيتين هما:
a) عجز أنظمة الحكم المتعاقبة في الخرطوم عن تطوير إطار قومي للحكم قابل للتطبيق وانتهاج عملية ديمقراطية سليمة للبناء الوطني مؤسسة على الأشكال المتعددة للتنوع السوداني.
b) فشل هذه الأنظمة في صياغة وتفصيل برنامج اقتصادي سليم لمعالجة التخلف الاقتصادي والتنمية الغير المتكافئة.

وتتجلى أمراض هذه الأزمة العامة للحكم في السودان القديم في:
I.2.1التصورات الذاتية المشوهة لمجموعات الأقلية الأفريقية-العربية الهجين عرقيا وثقافيا ودينيا وإلصاقها لنفسها هوية أحادية إسلامية-عربية، وفرض هذه المجموعات لهذه التصورات المشوهة كإطار لهوية السودان ككل في إغفال تام لتركيبته التعددية. إن إحدى مشاكل السودان القديم أنه كان، وما زال، يبحث عن ذاته ويطرح تساؤلات مضنية حول هويته الحقيقية، فنحن قطر عربي كما أننا قطر أفريقي، ولكن هل نحن عرب أم أفارقة؟ فمن نحن؟ هل نحن هجين؟ وعلى الصعيد الخارجي، وجدت هذه التصورات المشوهة ترجمتها في سياسة للعلاقات الخارجية أفضت، ولو بدرجات متفاوتة، إلى عزل البلاد من محيط أصدقائها وجيرانها الإقليميين واستعدائها للمجتمع الدولي.

I.2.2أن الوحدة التي تأسس عليها السودان القديم ليست حيوية وغير قابلة للبقاء أو الاستدامة. فهذه الوحدة متجذرة في الهيمنة السياسية والثقافية والاقتصادية لبعض النخب والمجموعات بينما استبعدت مجموعات أخرى أساسية من عملية صياغة أسس المجتمع السوداني وتم عزلها عن المشاركة الفاعلة في السلطة السياسية وعن التعبير عن هوياتها القومية والثقافية وعن قسمة نصيبهم في الثروة القومية، وتم كل ذلك في إطار نموذج تنمية غير متكافئة. كما اختزل السودان القديم وحدة البلاد في محددات وعناصر انتقائية من المجموع الكلي للعناصر التي تشكل جميعها التنوع التاريخي والمعاصر للسودان، بينما تم إهمال وتجاهل مكونات حيوية ومفتاحيه أخرى. فأولا: إن الوحدة التي تأسست على هذه المكونات الجزئية وما صاحبها من تبعات سياسية واقتصادية واجتماعية ستظل دوما هشة وغير قابلة للاستمرار. وثانيا: إن الإصرار والمثابرة على تماثل دين واحد مع الدولة، وبالتالي إقامة دولة دينية لا يقود إلا لإحداث شروخ عميقة في نسيج المجتمع السوداني مفضيا في آخر الأمر إلى شظى البلاد وتفسخ الدولة السودانية. ومرد ذلك ليس فقط لأن كل السودانيين لا يدينون بالإسلام، بل لأنه لا يوجد إجماع حول قوانين الشريعة حتى وسط المسلمين أنفسهم.

I.2.3 تركز وتمركز السلطة إذ: 1) ظلت السلطة محتكرة في يد فئة قليلة أيما كانت خلفياتهم وسواء جاءوا في زى الأحزاب السياسية أو أسر حاكمة أو طوائف دينية أو ضباطا في الجيش. وكان تمثيل الجنوبيين والمجموعات المهمشة الأخرى في الحكومات المركزية دائما رمزيا وبدون استشارة أو مشاركة فعالة في عملية تكوين هذه الحكومات، فغالبا ما تتم دعوة هذه المجموعات للانضمام إلى الحكومات “الوطنية” كطفيليين أو متفرجين وليسوا كشركاء متساوين وأصيلين، و2) تمركز السلطة في الخرطوم بدون نقل حقيقي للسلطات إلى الأقاليم حتى بعد تبنى النظام “الفدرالي” مما أتاح للنخب الإقليمية الاستئثار بالسلطة والثروة مع إقصاء جماهير هذه الأقاليم.

I.2.4التغيير المنتظم للحكومات تبعا لنمط “الدورة الخبيثة” إذ تتعاقب الأنظمة الشمولية والتسلطية (1958-1964، 1969-1985، 1989-2005) والأنظمة البرلمانية التعددية (1956-1958، 1964-1969، 1985-1989)، كل في أثر الآخر، بينما استأثر الجيش بالسلطة لحوالي 80% من عمر الاستقلال, فديمقراطية السودان القديم اتسمت بالصورية والإجرائية وكانت بمثابة تمويه لإدامة المصالح المكتسبة لبعض المجموعات. فقد خضعت الحقوق المدنية في تلك الديمقراطية الصورية لأهواء الحكام، بينما ظلت الأغلبية في الأقاليم على هامش السلطة المركزية والتي تعاملت معها وكأنها تابع يسهل التخلص منه أو مناورته بالتحايل والنفاق السياسي. ويرجع عدم الاستقرار السياسي هذا بصفة أساسية إلى ضعف الديمقراطية في داخل الأحزاب الحاكمة وفشل النظام الديمقراطي في إحداث التوازن المطلوب بين مستحقات التعددية والحريات والهيمنة المطلقة للجهاز التنفيذي للحكومة.

I.2.5 ظلت المرأة “الأكثر تهميشا وسط المهمشين” وتجاوزت معاناتها حدا الوصف، في الوقت الذي لم يعترف بحقوقها السياسية في المساواة مع الرجل. فالنساء في السودان القديم تعرضن إلى اضطهاد “ثلاثي” من ناحية العرق والوضع الاقتصادي-الاجتماعي والنوع. فالهيمنة الأبوية مغروسة في العلاقات الاقتصادية والاجتماعية والدينية والثقافية والأسرية في كل المجتمعات السودانية.

I.2.6 سياسة خارجية غير متزنة تخضع لتوجهات أيديولوجية للمجموعات الحاكمة والنشطة سياسيا (القوميون العرب، الشيوعيون، وأخيرا الإسلاميون) مما يوحى وكأن السودان قد أضحى، على وجه الحصر، دولة عربية أو إسلامية أو، في أحسن الفروض، ذات توجهات منحازة. وعليه، أصبحت المصالح العليا للسودان مرهونة لأجندة خارجية عريضة بدون اعتبار لمستحقات المصلحة الوطنية.

I.2.7إتباع نمط للتنمية غير المتكافئة يقوم على الاستخدام غير العقلاني لموارد البلاد الطبيعية والبشرية الوفيرة وما صاحبه من أشكال مختلفة من التهميش والحرمان ولتوزيع الغير العادل لثمار النمو والتنمية. ذلك إضافة إلى عدم التوازن والعدالة في الحصول على، وتوزيع الخدمات الاجتماعية الأساسية مما تضررت معه مصالح المتمشين والفقراء، خصوصا في الريف والمراكز الحضرية الكبرى.

I.2.8 مخاطر بيئية جسيمة ترتبت على هذا النمط من التنمية مما جعلها تنمية غير مستدامة. فيشكل هذا الاستغلال المفرط للموارد الطبيعية خطرا جسيما على البيئة الطبيعية، خصوصا في المناطق الريفية، بصورة قد تؤدى في نهاية المطاف إلى انهيار الاقتصاد الريفي. ذلك إضافة، إلى أن التدهور البيئي يقف خلف النزاعات في المناطق الرعوية الهامشية في كل أنحاء البلاد، وبصفة خاصة في جنوب وغرب السودان. وكأن المعاناة اللامحدودة وفقدان الأرواح لا يكفيان وحدهما، فقد ضعت الحرب الأهلية بصماتها على البيئة الطبيعة بتدمير الحياة البرية والمناطق المحمية والسلالات النادرة من الحيوانات. وبالرغم عن الفوائد الاقتصادية الناتجة عن العمليات الاستكشافية للبترول، الإ أنها جاءت بالعديد من المشاكل البيئية مثل: تلوث الأرض والمياه، إزالة الغابات، وتدفق البترول في الأراضي الهشة. كما أن النمو الحضري العشوائي للمدن الرئيسية، خصوصا العاصمة القومية، ألقى بدوره بحمل زائد على المرافق الخدمية المنهكة أصلا، مما يؤدى الى تفاقم مشاكل إدارة النفايات.

II. نشأة وتطور الحركة الشعبية لتحرير السودان

II.1 جذور الحركة الشعبية والجيش الشعبي لتحرير السودان

II.1.1 جاء تكوين الحركة الشعبية والجيش الشعبي لتحرير السودان في عام 1983 كمواصلة لكل النضالات الماضية للشعب السوداني، قبل وأثناء وبعد الحكم الاستعماري للبلاد، وكترجمة للسخط السياسي الطويل وتحويله إلى نزاع مسلح. كم أن لجوء الحركة الشعبية إلى الكفاح المسلح كان مواصلة للنضالات المسلحة السابقة ضد القهر والتي توقفت مؤقتا بالمستعمر وباتفاقية أديس أبابا التي أوقفت الحرب الأهلية في جنوب السودان فيما بعد.

II.1.2كانت المقاومة هي رد الفعل الطبيعي للمهمشين في السودان ضد الحكومات المتعاقبة في الخرطوم واتخذت أشكالا مختلفة تبعا للظروف السائدة حينها. ففي المدن والمراكز الحضرية اتخذت شكل الانتفاضات الشعبية (1964 و1985)، بينما أخذت المقاومة في المناطق المهمشة، خصوصا في جنوب السودان وجنوب كردفنا وجنوب النيل الأزرق، شكل النضال الشعبي المسلح (1955-1972 و1983-2005). فميلاد وتكوين الحركة الشعبية والجيش الشعبي في 1983 لم يكن، إذن، حدثا فرديا معزولا، بل هو ذروة ومواصلة النضالات السابقة للشغب السوداني.

II.1.3وعلى كل حال، فقد اندلع تمرد أكوبو في 1975 في مجابهة مناورات نميرى ومحاولاته المنتظمة لإلغاء اتفاقية أديس أبابا من جانبه. فاتحدت بعض عناصر هذا التمرد مع بعض المفصولين السابقين من آنيانيا1 وأعلنت عن تشكيل ما عرف باسم آنيانيا2 في أعالي النيل. ولاحقا في 1982 تكونت أيضا حركة للمقاومة المسلحة، تحت قيادة مختلفة، ولكنها تبنت نفس الاسم في بحر الغزال. كما واصل ضباط آنيانيا البارزين المستوعبين تنظيم أنفسهم من داخل القوات المسلحة السودانية بغرض تصحيح الوضع إما بالهجوم والاستيلاء على جوبا أو الانسحاب إلى الأحراش وتدشين نضال شعبي مسلح طويل الأمد. بيد أن الخرطوم أمسكت بزمام المبادرة وهاجمت حاميتي بور والبيبور، ولكن، لاحقا تمكنت حامية أيود من مهاجمة قوات الخرطوم التي تم إرسالها لاعتقال قائد الحامية السابق الذي التحق بألآنيانيا، فكانت الشرارة التي أشعلت الفتيل!

II.1.4وبالتزامن مع هذه المقاومة المسلحة قامت بعض القيادات السياسية الجنوبية البارزة والطلاب في تنظيم العديد من الحركات السرية لتعبئة جماهير الجنوب ضد إلغاء الاتفاقية. شملت هذه التنظيمات المعارضة: National Action Movement (NAM); Movement for Total Liberation of Southern Sudan (MTLSS); Juwama African People’s Organization (JAPO); Council for the Unity of Southern Sudan (CUSS); and South Sudan Liberation Front (SSLF) والتي بدأت فعليا في شن حرب عصابات في 1982 وصلت ذروتها في يوليو 1983 عندما ألقت القبض على مجموعة من الأجانب في بوما.

II.1.5ومع بداية عام 1983 توفرت الظروف الضرورية لانطلاقة الثورة. فمعركة بور (تحت قيادة الرائد كاربينو كوانين بول)، والبيبور (بقيادة النقيب رياك) ومعركة أيود (تحت قيادة الرائد وليم نيون بانى) قادت إلى حالات فرار جماعية من الوحدات العسكرية في القياديتين الجنوبية والشمالية. ودفعت هذه الأحداث بالطلاب وقطاعات واسعة من المدنيين إلى الانضمام للنضال الشعبي المسلح مما تسبب في تدفق اللاجئين إلى البلدان المجاورة، خصوصا إثيوبيا.

II.1.6توحدت كل عناصر التنظيمات السياسية والعسكرية سالفة الذكر وأسست الجيش الشعبي لتحرير السودان والحركة الشعبية لتحرير السودان في 16 مايو 1983. وبالرغم عن أن الحركة الشعبية تكونت أصلا لمواصلة النضال المسلح للحركات السابقة، لكنها اقتربت من معالجة الأزمة السودانية من منظور مختلف. فهي ترى أن خلاص السودان يكمن في حل مشكلتي القوميات والدين في إطار سودان موحد وديمقراطي وعلماني. وهكذا، ولو أن الحركة الشعبية تكونت وبدأت عملياتها بالضرورة في الجنوب إلا أنها هدفت أساسا لنشر رسالة التغيير والتحول التي تحملها في كل أنحاء السودان.

II.2 الحركة الشعبية لتحرير السودان: فهم جديد لمشكلة السودان

II.2.1خلصت قيادة الحركة الشعبية إلى أن التهميش بكل أشكاله والظلم والتفرقة والتبعية تشكل جذور المشكلة وهي الأسباب الرئيسية للنزاع، والتي لا يمكن التعامل معها باجتزاء وبأسلوب منح الصدقات وتقديم التنازلات لصالح المتمردين أو الثوار الساخطين كلما اشتعل النزاع في إقليم معين. فللسودانيين مشاكل في الشرق وفي الغرب وفي الوسط وفي أقصى الشمال. وقد أثبتت النزاعات المسلحة والحروب التي اندلعت لاحقا في شرق وغرب السودان صحة وبعد نظر رؤية وتحليل قيادة الحركة الشعبية. أن تعريف المشكلة بأنها “مشكلة الجنوب” تعد في حد ذاتها محاولة لتهميش الجنوبيين! فهي ليست ب”مشكلة الجنوب”، كما دأبت الأنظمة المتعاقبة على الحكم في الخرطوم تقليديا في الترويج له، إنما هي في الحقيقة “مشكلة السودان”، ولكنها تتمظهر في الجنوب. فخلافا لكل الحركات الانفصالية السابقة في جنوب السودان تنادى الحركة الشعبية لتحرير كل السودان وليس جنوبه فقط.

II.2.2ويعد هذا الفهم الجديد للمشكلة السودانية نقلة نوعية من النضال التقليدي من أجل استقلال جنوب السودان والذي كان هدفا معلنا منذ عام 1955 حينما نشأت حركة الآنانيا الأولى. ولم يتحقق هذا الهدف إذ تجاوزته اتفاقية أديس أبابا التي نال بموجبها جنوب السودان حكما ذاتيا. فقد انتقلت الحركة الشعبية بعيدا عن منظور “مشكلة الجنوب” الذي يركز على حل “مشكلة جنوب السودان” وما يمكن أن “يعطى” للجنوبيين. فعندما يتم تعريف شخص أو شي بأنه مختلف، كالقول مثلا “مشكلة الجنوب” فهذه في حد ذاتها مشكلة إذ بمعنى أن المشكلة في جنوب السودان، وهذا ليس بصحيح. إن الدولة السودانية متمثلة في هيكل السلطة في المركز هي التي تحتاج لإعادة هيكلة جذرية حتى تتمكن من استيعاب الأشكال المتعددة للتنوع السوداني والتعامل مع كافة أشكال الإقصاء والتهميش لشعوبها. فالسمكة تتعفن من رأسها لا من ذيلها!

II.3 الحركة الشعبية لتحرير السودان: تحديات وتناقضات النضال

II.3.1إن الهدف الرئيسي للحركة الشعبية في تحقيق تحول أساسي وجذري في السودان ككل لم يكن حلما بل تم تحديده بعد دراسة متعمقة لانتصارات وإخفاقات الشعب السودان وللتعريف السليم وبعيد النظر لمشكلة السودان الأساسية. فمنذ البداية، قامت الحركة الشعبية بالتحليل الموضوعي والنقدي للواقع السوداني وخلصت إلى ضرورة النضال من أجل نوع جديد من السودان ينتمي له جميع السودانيين، سودان موحد، ولو على أسس جديدة، رابطة سياسية سودانية متجذرة في وقائمة على حقائق الواقع السوداني، أي على كلا من التنوع التاريخي والتنوع المعاصر. هذه الرابطة هي السودان الجديد في مقابل “السودان القديم” الذي جعلنا نقاتل بعضنا البعض لاثنتين وأربعون عاما من سني الاستقلال.

II.3.2ولا يعنى كل هذا عدم وجود المتشككين في رؤية السودان الجديد في صفوف الحركة الشعبية والجيش الشعبي، فقد كانت ولا تزال هناك اختلافات. وفى الواقع، حدثت خلافات تحولت إلى مواجهات عنيفة في لحظات تاريخية معينة في سياق تطور الحركة الشعبية والجيش الشعبي. فهكذا، اصطدمت رؤية السودان الجديد وتبنى الأهداف والبرامج المتسق معها بصعوبات وعقبات منذ البدايات الأولى للحركة. فانشقت بعض قيادات الحركة مع بعض قيادات الآنانيا بحجة أن هدفهم هو القتال من اجل استقلال جنوب السودان. ولكن، بدلا عن منازلة حكومة الخرطوم لتحقيق هذا الهدف تحالفت هذه القيادات مع نفس الحكومة وقاتلت الحركة الشعبية والجيش الشعبي الناشئة لأربع سنوات. صحيح أن الانقسامات والانشقاقات ظاهرة عادية بسبب تعدد وتباين الرؤية والتفكير السياسي في أي حركة تحرير وطنية. ولكن، ما لا يمكن فهمه هو قبول التعاون مع العدو! فالدرس الذي يمكن استلهامه من هذه التجربة هو انه يجب على الانفصاليين إن يدعوا جانبا الشعارات الفارغة والمضللة للجماهير وأن يقدموا خطة متماسكة لتحقيق الانفصال. خرجت الحركة الشعبية منتصرة وبمعنويات عالية من هذا الاختبار كما استطاع الجيش الشعبي من إثبات وجوده كقوة سياسية وعسكرية يعتد بها في المجال السياسي السوداني.

II.3.3مع قدوم التسعينات، فان تفكك الاتحاد السوفيتي وانهيار منظومة المعسكر الاشتراكي (الشرقي) ونهاية الحرب الباردة كلها كانت علامات بارزه في انتقال العالم من حقبة تاريخية إلى حقبة جديدة. وفى نفس الوقت، حدثت تغييرات عديدة أهمها: انهيار حكومة مانقستو هايلى مريم في إثيوبيا، ظهور اريتريا كدولة مستقلة، وتحطم الدولة في الصومال. المحصلة النهائية لهذه الأحداث الإقليمية والدولية، خصوصا فقدان تأييد نظام مانقستو، مقرونة بالمحاولات الانتهازية للجبهة الإسلامية وبعض الدوائر الخارجية الساعية لتدمير الحركة الشعبية والجيش الشعبي، عندما ساد اعتقاد قوى مفاده أن الحركة قد أضحت ضعيفة بعد فقدها لتأييد إثيوبيا، أنها أدت إلى انشقاق في الحركة الشعبية والجيش الشعبي لتحرير السودان في 28 أغسطس 1991.

II.3.4وتسببت هذا الانقسام في معاناة وأضرار لا تحصر لشعب السودان، خصوصا في الجنوب، وعطلت تقدم الحركة الشعبية والجيش الشعبى نحو النصر. كما عملت على تقسيم الحركة في ظل توتر اقليمى ودولي حين كانت الحاجة للوحدة في أشدها، إضافة إلى تقسيمها لشعب السودان على أسس قبلية وتحريض الجنوبيين ضد بعضهما البعض مما أدى إلى فقدان عدد هائل من المدنيين الأبرياء. ومن جهة أخرى، استخدمت الجبهة الإسلامية هذا الانشقاق بفعالية، على كلتي الصعيدين العسكري والسياسي، في حربها ضد الحركة الشعبية والجيش الشعبي. علاوة على أن الانقسام دعا الشماليين داخل الحركة للتعجب عما إذا كانت الحركة قد نفضت يدها عن هدفها الأساسي في إقامة السودان الجديد، بينما بدأ الجنوبيون في التشكك حول إستراتيجية الحركة والتخوف من أن تنكص عن الدفاع على مصالحهم. تمت مخاطبة ومعالجة هذه التوجسات والشكوك عن طريق الحوار المفتوح وما تمخضت عنه من مقررات خلال المؤتمر العام الأول للحركة الشعبية والجيش الشعبي لتحرير السودان.

II.3.5عقدت الحركة الشعبية مؤتمرها الأول في الفترة بين 2-12 أبريل 1994 يهدف مناقشة كل القضايا ذات الاهتمام للحركة واتجاه تطورها المستقبلي، خصوصا في أعقاب الانقسام في 1991. واقترب المؤتمر من، وعالج موضوع حق تقرير المصير بالتأكيد على أنه في جوهره حق الشعوب ولا يتناقض مع هدف الحركة الشعبية في تحقيق سودان جديد موحد وديمقراطي، بل بالعكس فانه يعززه بقوة. فالسودان الجديد، إن تم فهمه بصورة صحيحة، لن يتحقق إلا بواسطة آلية حق تقرير المصير أو، بمعنى آخر، عن طريق الإرادة الحرة للشعب السوداني.

II.3.6إن النقاش الذي احتدم خلال المؤتمر أعاد التأكيد على أن تحقيق رؤية السودان الجديد، إن كان بواسطة تكامل النضال المسلح مع الانتفاضة الشعبية في المدن والمراكز الحضرية أو عن طريق تسوية سياسية متفاوض عليها، هو المفتاح لوصول الشعب السوداني إلى الحرية والمساواة والعدالة. كما أنه من الاستحالة تحقيق الهدف، إن كان هو السودان الجديد أو تقرير المصير أو الانفصال، بدون إعادة هيكلة السلطة جذريا في المركز. فليس من المعقول أن يتنازل النظام بطواعية عن السلطة أو تجبره الضغوط الدولية لمنح الانفصال على طبق من فضة. وعليه، قرر المؤتمر بكلمات لا لبس فيها أن تحقيق السودان الجديد وحق وممارسة تقرير المصير كهدفين رئيسيين للحركة الشعبية والجيش الشعبي لتحرير السودان.

II.3.7لا يقتصر المتشككون في رؤية السودان الجديد على عضوية الحركة الشعبية. أولا: هنالك من أدان الرؤية دون تحفظ لمجرد صدورها ممن لم تألفه أفئدتهم وأذهانهم. والأكثر أهمية أن هنالك بعض القوى التي استفادت ومازالت تستفيد من السودان القديم وهي تعي جيداً أن في السودان الجديد تهديدا لمصالحها سواء كانت تلك القوى في سدة الحكم أم كانت معارضة له. وهذه القوى ماضية في عزمها على تضليل قواعدها وبث الخوف في صفوفها بأن مفهوم السودان الجديد ما هو إلا اسم مستعار وتجميل لفكرة تكرّس دولة إفريقية مسيحية مناهضة للإسلام والعروبة وتعمل بالتنسيق مع الصهيونية على استبدال الهوية الأسلاموعربية للسودانيين (خصوصاً في الشمال). إن هذه الادّعاءات غير المؤسسة والتي تذكي جذوتها النعرة العنصرية والهوس الديني قد تم التصدّي لها بصلابة في أماكن أخرى وتجاوزها الزمن. فخلافا لما يثيره النقاد والمتشككون لأن رؤية السودان الجديد لا تنطوي، بأي حال من الأحوال، على مضامين عرقية أو عنصرية أو انفصالية. بل هو بالأحرى إطار لمشروع قومي يستهدف بناء دولة المواطنة الحقة والمستدامة والقادرة على استيعاب المجتمع السوداني بكافة تنويعاته العديدة والمختلفة. وفوق كل ذلك يجب أخذ المشروع في الأساس على أنه إسهام فكري ضمن أدبيات الخطاب السياسي السوداني المستجد والجدل المحتدم في شأن إعادة بناء الدولة السودانية.

III رؤية الحركة الشعبية لتحرير السودان

III.1 تفصيل الرؤية

III.1.1رؤية الحركة الشعبية لتحرير السودان هي رؤية السودان الجديد، وهى رؤية تتسق تماما مع تجربة الشعوب في بناء الأمم، والتي هي نتاج للهجرات التاريخية وتحركات البشر. والسودان ليس باستثناء، فقد تحرك السودانيون في الوقت والمكان فأصبحوا جزءا من الأمة السودانية مما يحتم أن تستند طبيعة وهوية هذه الأمة على واقع التنوع التاريخي والمعاصر وليس على كل من سولت له نفسه الاستيلاء على السلطة في الخرطوم.

III.1.2فلا يمكن أن نصبح أمة عظيمة وشعب عظيم بدون أن ندرك أنفسنا جيدا كما كنا تاريخيا أو كما نحن اليوم. فمفهوم وتحقيق السودان الجديد هو الطريق الوحيد لتطوير هوية سودانية وكيان سوداني قابل للحياة. كما أنه بدون الفهم الصحيح للواقع السوداني تصبح مفاهيم “البناء الوطني” و”الوحدة الوطنية” مجرد شعارات فارغة. فحقيقة، إن مفهوم الدولة وواقع الدولة-الأمة قد أصبحا أداة في يد أسوأ عناصر النخبة المحلية والمتطلعين للسلطة، متنكرين في هيئة قيادات وطنية، بينما نهبوا ثروات ما أسموه “الدولة-الأم” وعرضوا شعوبها للإفقار والفقر المدقع.

III.1.3إذن، فالوحدة الطوعية في السودان الجديد مرهونة بخلق رابطة سياسية واقتصادية-اجتماعية ينتسب لها كل السودانيين كمواطنين متساويين في الحقوق والواجبات. فبوضوح، لابد من التحرك بعيدا عن السودان القديم ومظاهره القبيحة المتمثلة في العنصرية والتعصب الديني وقصر النظر التاريخي، والظواهر المصاحبة لها من انهيار اقتصادي وحروب وعدم استقرار. فقد قادنا السودان القديم إلى طريق مسدود، إلى حافة الهاوية!

III.1.4فهناك خياران، إما أن تتقسم البلاد إلى عدة دول مستقلة أو أم نتفق على إقامة السودان الجديد ككيان اجتماعي-سياسي جديد ننتمي له جميعا وندين له بالولاء الكامل بغض النظر عن العرق أو الدين أو القبيلة، أو الجنس حتى تستطيع المرأة بفعالية في المجتمع، أي رابطة سودانية جديدة تضم إليها الكل ولا تستبعد أحدا وتوفر فرصا متساوية لكل السودانيين والسودانيات لتطوير أنفسهم وتحقيق ذواتهم وذواتهن، سودان العدالة والفرص المتساوية للجميع، سودان ديمقراطي يقوم نظام الحكم فيه على الإرادة الشعبية وحكم القانون، سودان جديد يفصل دستوريا بين الدين والدولة ولا يبيح أي اضطهاد أو هيمنة عرقية وإثنية ويعمل على تحطيم كل مؤسسات الهيمنة الاجتماعية والثقافية والتمييز العرقي، سودان تحترم فيه الحقوق الأساسية للإنسان.

III.1.5إن السودان الجديد ليس بنقيض للسودان القديم، كما أن الرؤية لا تهدف إلى هدم السودان القديم كليةً وبناء سودان جديد على أنقاضه. فبناء السودان الجديد هو بالأحرى عملية “تحويلية” قوامها إحداث تغييرات اقتصادية واجتماعية جوهرية وإعادة هيكلة سياسية تستصحب كل العناصر الإيجابية في السودان القديم مسترشدة بكل تجاربنا التاريخية والمعاصرة، ومدركة بل ومؤهلة لمجابهة التحديات الضخمة للقرن الحادي والعشرين. وستكون مهمة الحركة الشعبية وقوى التغيير الأخرى، خصوصاً في الشمال، والتي نشأت وترعرعت في السودان القديم نفسه، الأخذ من أفضل مكوناته وأكثرها إيجابية ورقيا في سياق التجارب الخاصة لكل من هذه القوى لقيادة عملية التحوّل صوب سودان جديد.

III.1.6إن الأزمة الوطنية التي أبتلى بها السودان منذ استقلاله في 1956 هي في الأساس أزمة هوية أساسها عجز السودانيين عن التصالح مع واقعهم الثقافي والاثنى والذي يجعل منهم أمة. فجاءت رؤية السودان الجديد في جوهرها كإطار قومي ورابطة اقتصادية واجتماعية وسياسية متجذرة في ومستوعبة للتنوع المتعدد الذي يتميز به السودان. فهي، إذن، إطار لإعادة تشكيل كل السودان وصوغ الديمقراطية وتحقيق المساواة والحرية والتقدم، وهذه كلها مكونات أساسية للاستقرار والديمقراطية الحقيقية. فالسودان الجديد أصلا يعنى الإدارة العادلة للتنوع السوداني واحترام هويات وثقافات كل المجموعات القومية. وبالرغم عن أن السودان هو منطلق وبؤرة اهتمام رؤية السودان الجديد إلا انه يمكن تطبيقها عالميا في الدول والمناطق الأخرى التي تمزقت أوصالها بسبب التنوع والتباين العرقي والاثنى والثقافي والديني. فرؤية السودان الجديد متجذرة في منظور أوسع يتجاوز حدود السودان بمعنى أن وحدة القارة الأفريقية لا يمكن تحقيقها إذا استمرأ الأفارقة تحطيم الوحدات القائمة. فلم تكن هذه الوحدات، ومن ضمنها السودان، أصلا قابلة للصمود والحياة مما يستوجب إعادة بناءها على أسس جديدة. فغالبية الدول-الأمة في أفريقيا هي عبارة عن خليط متنوع من الثقافات والمجموعات القومية، والتي تظل وحدتها رهينة بالاعتراف واحترام هذا التنوع المتعدد مما يدعو إلى البحث عن العناصر المشتركة التي توحد ونبذ العوامل التي تفرق.

III. 2 الإطار النظري لرؤية السودان الجديد

III.2.1 لا تكمن الأزمة السودانية في مجرد تعدد واختلافات الهوية، إنما في عواقب التصورات الذاتية المشوهة لها من ناحية المشاركة في تشكيل وتقسيم السلطة والثروة والموارد والخدمات وفرص التنمية والتوظيف.

III.2.2وبالتالي، لابد من اتخاذ تدابير تصحيحية لترسيخ الشعور الشامل بالانتماء كمواطنين يتمتعون بحقوق المواطنة الكاملة وعلى قدم المساواة.

III.2.3 بينما أنه لا يمكن فرض الهوية بالتشريع وتغييرها في ليلة واحدة، إلا أنه من الممكن فوريا وضع إطار دستوري وقانوني يكفل المساواة في حقوق وواجبات المواطنة، مما يسمح عبر الزمن بتطوير هوية قومية شاملة يفخر بها وينتمي إليها الجميع.

III.2.4 يتيح هذا الإطار النظري للسودان الجديد التأمل في ومعالجة أمراض السودان القديم (المعروضة أعلاه) ببناء سودان موحد، ديمقراطي، وعلماني، أي إعادة هيكلة السودان دستوريا واقتصاديا وثقافيا. فالمرتكزات النظرية للرؤية في المجالات السياسية والاجتماعية والثقافية والاقتصادية للسودان الجديد هي:

 تطوير هوية سودانية تعكس طبيعة السودان التعددية والمتنوعة عرقيا واثنيا وثقافيا.
 تأسيس وحدة البلاد على (أسس جديدة) المجموع الكلي للعناصر التي تشكل جميعها التنوع التاريخي والمعاصر للسودان، مع فصل الدين عن الدولة.
 إعادة هيكلة جذرية للسلطة في المركز وتعزيز لامركزية السلطة بإعادة تعريف العلاقة بين المركز في الخرطوم والأقاليم ومنح سلطات أوسع لهذه الأقاليم.
 إقامة نظام حكم ديموقراطى لا تكون فيه المساواة والحرية والعدالة الاقتصادية والاجتماعية مجرد شعارات بل واقعا ملموسا يعيشه الناس.
 صياغة نمط للنمو المتكافئ والتنمية المستدامة بيئيا.

IV السودان الجديد: السياسة، المجتمع والثقافة، والاقتصاد

V.1استلهاما واسترشادا برؤية السودان الجديد ستواصل الحركة الشعبية النضال، باستخدام كل الوسائل السلمية المشروعة لبناء نظام اجتماعي-سياسي جديد يقوم على الالتزام التام بوثيقة شاملة للحقوق، الحكم الامركزى والتعددية السياسية، واحترام حقوق الإنسان والشعوب كما أقرتها المواثيق الدولية، ونظام اقتصادي مفتوح يوفر للأفراد المناخ الملائم والفرص لتحقيق ذواتهم. وسيزود هذا النظام المناطق المهمشة بالأدوات اللازمة لتجاوز واقع التنمية غير المتكافئة ويخلق بيئة مواتية لنمو صحي للقطاع الخاص. ولابد من التشديد على كرامة الإنسان واحترام الفرد والأسرة كركائز أساسية للسودان الجديد. فلكل الأفراد الحق في الحرية، والأمن. فالدولة ليست بأكثر من أداة لتحقيق هذه الأهداف.

الازدهار للجميع

V.2 تسعى الحركة الشعبية إلى بناء مجتمع قائم على “تكافؤ الفرص” تأسيسا على مبادئ العدالة الاجتماعية والتضامن الاجتماعي للأقوياء والضعفاء، على حد سواء. وبمعنى آخر، فبالإضافة إلى إطلاق حرية المبادرة الخاصة، يظل ابتداع نظام فعال للضمان الاجتماعي شرطا ضروريا لقيام مجتمع حر في السودان الجديد ولكن، لا يمكن لهذا المجتمع الحر أن ينهض إلا في إطار نظام سياسي مستقر ويسمح للدولة بأن تلعب دورا نشطا في تحقيق الازدهار للجميع. فلابد للدولة أن تقود دفة الاقتصاد الحر لتحقيق الأهداف الاجتماعية دونما حاجة إلى تدخل قسري من أجل إنجاز هذه الأهداف. فالسوق ليس بغاية في حد ذاته، بل هو وسيلة لتحقيق الحرية والكفاية لكل المواطنين في السودان الجديد.

الحرية والعدالة والمساواة

IV.3فى السودان الجديد، حرية البشر سامية ومقدسة وتنطوي على نفس القيمة المطلقة للحياة الإنسانية. فقد عانى الشعب السوداني، خصوصا في المناطق المهمشة من البلاد، ما فية الكفاية من أجل الحصول على الحق في الحرية. فالسودان الجديد الحر هو الوحيد القادر على تحقيق الازدهار وتوفير الأمن لكل مواطنيه مما يمكن البلاد من التطور والدينامكية في القرن الأول من الألفية الثانية. ومن ناحية أخرى، لا يمكن للحرية أن تصمد في مجتمع لا يكافح من أجل العدالة. فمثل هذا المجتمع مكتوب له الانقسام بين أولئك الذين يتمتعون بحرية مدعومة بالثراء المادي، من جهة، وأولئك الذين لا تعنى الحرية لهم شيئا غير حالة من الفقر المدقع، من جهة أخرى. وقد يفضى هذا الانقسام في نهاية الأمر إلى الاضطرابات الاجتماعية أو دكتاتورية الأقلية الموسرة. ويتطلب الوصول إلى العدالة النضال ليس فقط من أجل الحقوق المتساوية لكل المواطنين، بل من أجل الفرص المتساوية حتى يتمكن الفرد من تحقيق ذاته. فالعدالة أيضا تكفل حياة كريمة لمن هم أقل حظا في المجتمع.

IV.4 لا يمكن أن يكون للمساواة في الحقوق معنى يذكر إلا بتمكين المرأة سياسيا واقتصاديا واجتماعيا مما يفضى في نهاية الأمر إلى المساواة بين الجنسين في الأجهزة التنفيذية والتشريعية والقضائية وكل مجالات السياسة والمجتمع الأخرى. وهذا بدوره يتطلب إزالة كل مظاهر وعواقب المجتمع “الأبوي” التي تشمل: تأنيث الفقر (غلبة النساء وسط الفقراء)، الاعتداء الجسماني والنفسي على المرأة، تقويض الثقة بالنفس، وكل أشكال الإقصاء، الواضحة والخفية، من مواقع السلطة واتخاذ القرار. والأهم في هذا الخصوص هو توفير الظروف المادية والثقافية التي تسمح للمرأة بتفجير طاقاتها وإثراء حياة الأمة. ويستدعى هذا بالضرورة تغيير القوانين العرفية والممارسات الاجتماعية التي تحرم المرأة والطفل من حقوقهم الإنسانية.

IV.5 استمرار “التمييز الايجابي” لصالح المرأة حتى يحين الوقت الذي يصبح فيه تمثيل المرأة في كل مراكز القوى والنفوذ، والمجالات الحيوية الأخرى في المجتمع، انعكاسا حقيقيا لنسبة المرأة من سكان البلاد.

IV.6الشباب: نجاح الأمم رهبن بمقدرتها على تشجيع وتسخير طاقات وجرأة الشباب وإدماجهم في المشروعات الخلاقة، وبمعالجة قضايا هامة مثل: الحصول على الفرص الاقتصادية والاجتماعية، تحفيز النشاط حول مواضيع التنمية وقيم التضامن المجتمعي، و إتاحة مساحة لتطوير وتنمية الإبداع وسط الشباب.

IV.7الأطفال وكبار السن: يكفل مجتمع السودان الجديد الحماية والرعاية المتواصلة للأطفال وكبار السن كأكثر المجموعات تعرضا لمخاطر الحياة.

IV.8 ذوى الاحتياجات الخاصة: الاهتمام بالمعاقين في السودان الجديد ليس بمسالة رعاية اجتماعية فحسب، بل يقوم على الاعتراف بحق كل فرد في التنمية والحياة الكريمة وبالمساهمة التي يمكن أن يقدمها لخير المجتمع.

الحكم الديمقراطي

IV.9الديمقراطية ضرورة أساسية وملحة في السودان الجديد. فالتوجه الديمقراطي للسودان الجديد، إذن، يقوم على مراجعة ديمقراطية الماضي الصورية والإجرائية. فيمثل التحول الذي تنطوي عليه رؤية السودان الجديد نقلة نوعية سياسيا واقتصاديا واجتماعيا من الهيمنة بكافة أشكالها إلى الاعتراف بالتنوع السياسي والثقافي والاجتماعي للسودان. وهكذا، ستكون ديمقراطية نابضة بالحياة متعددة الأحزاب تقوم على وثيقة متقدمة للحقوق تعترف وتصون الحقوق الطبيعية، والحقوق والواجبات السياسية والاقتصادية والاجتماعية والبيئية. تكفل هذه الديمقراطية الانتقال السلمي للسلطة وتفصل بين السلطات التنفيذية والتشريعية والقضائية. وإضافة إلى القنوات الرسمية للمشاركة، كالانتخابات الدورية، لابد من إنشاء وتشجيع مختلف أشكال المنابر الأخرى المشروعة لضمان المشاركة الشعبية. بمعنى آخر، فان الديمقراطية التي ينطوي عليها هذا التحول هي ديمقراطية ذات مضمون اجتماعي يشمل: الوعي والاهتمام باحتياجات الفقراء والمجموعات والأفراد من المهمشين، خصوصا فيما يتصل بالقضايا الاجتماعية مثل الرعاية الصحية والتعليم والضمان الاجتماعي وفرص العمل.

IV.10نظام حكم لامركزى يجعل السلطة قريبة من الناس يتسم بالمشاركة الشعبية، الشفافية، المحاسبة، الاستجابة، النزعة نحو التوافق، النزاهة، الفعالية والانصياع لحكم القانون مما يوفر لشعب السودان الجديد الشروط الضرورية والبيئة المناسبة لتسارع التنمية الاقتصادية والاجتماعية وتحقيق الرفاهية.

IV.11 يتأسس نظام الحكم هذا على 1) إعادة هيكلة السلطة المركزية بصورة جذرية تضع في الاعتبار مصالح كل السودانيين، خصوصا في المناطق المهمشة، والمجموعات الاقتصادية والاجتماعية الفقيرة والمستضعفة، و2) لامركزية السلطة وذلك بإعادة تعريف العلاقة بين المركز في الخرطوم والأقاليم ومنح سلطات أوسع لهذه الأقاليم، وأين ومتى ما كان ذلك ضروريا، الحكم الذاتي الكامل. ويمكن هذا الشكل من الحكم الاقليمى الجماهير، وليس النخب الإقليمية، في ممارسة سلطات حقيقية في المجالات الاقتصادية والاجتماعية وترويج وتطوير ثقافاتهم المختلفة. ولن يكتمل هذا التفويض للسلطات إن لم يصاحبه تقوية وتمكين لأجهزة الحكم المحلى لممارسة الصلاحيات التي يكفلها الدستور والقانون وبدون تعويق من مراكز السلطة في الولايات.

IV.12الحكم الراشد الذي يتيح لكل السودانيين ممارسة السلطة السياسية والاقتصادية والمشاركة في إدارة شئون البلاد على جميع المستويات وبحيث يكون للأفراد والمجموعات كلمة مسموعة في توزيع وإدارة الموارد وفى اتخاذ القرارات التي تؤثر على حياتهم.

IV.13تشكل محاربة الفساد إحدى الدعائم الأساسية للحكم الراشد مما يستلزم شنها بعزيمة وصرامة.

IV.14تسترشد السياسة الخارجية في السودان الجديد بطبيعة سياسته الداخلية وخدمة المصالح العليا للشعب السوداني، مع المثابرة على التعايش جماعيا مع العالم والمساهمة في السلم العالمي والرفاهة وتقدم الإنسانية وذلك باحترام القانون الدولي، وتعزيز حقوق الإنسان في المحافل الإقليمية والدولية والمشاركة النشطة في والتعاون الكامل مع المنظمات الإقليمية والدولية، وبناء علاقات قوية مع الدول الأفريقية (خصوصا في القرن الأفريقى ومنطقة البحيرات الكبرى)، وتشجيع التكامل الإقليمي الأفريقى والعربي القائم على خطط توافقية مدروسة لا على اعتبارات أيديولوجية أو انحياز سياسي، وتعزيز التعاون الاقتصادي بين دول الجنوب، والتقيد بعلاقات حسن الجوار، وترسيخ حقوق الإنسان. سيتعاون السودان الجديد مع كل البلدان والمنظمات الإقليمية والدولية في محاربة الجريمة العابرة للقارات ومناهضة الإرهاب، والمشاركة النشطة في المبادرات الإقليمية والعالمية لحماية والحفاظ على البيئة العالمية.

حكم القانون وحقوق الإنسان

IV.15 تكتسب الدولة السودانية سيادتها وشرعيتها من الشعب السوداني وإرادته الحرة ويمارسها فى انتخابات حرة ونزيهة ومسترشدة بمبادئ العدالة والحرية والمساواة. حكم القانون هو الأعلى ويخضع له الجميع، حكاما ومحكومين، على حد سواء، ويصونه الدستور.

IV.16ترسيخ حقوق الإنسان والشعوب في الدستور، فكل الأشخاص متساويين أمام وتحت القانون في المجالات السياسية والاقتصادية والاجتماعية والحياة الثقافية، وفى أي ناحية أخرى، ويتمتعون بنفس الحماية القانونية.

الإدارة الديمقراطية للتنوع

IV, 17صياغة تدابير دستورية ومؤسسية وبرامج وسياسات تعكس واقع التنوع التاريخي والمعاصر للسودان كشرط ضروري لتحقيق، والمحافظة على وحدة السودان الطوعية القائمة على تنوعه.

IV.18السودان الجديد ملك بالتساوي لكل الشعوب التي تعيش على أرضه حاليا، وتاريخه وتنوعه وثراء حضاراته تراث مشترك لكل السودانيين. فإن عملية البناء الوطني تستوجب إمعان النظر والتأمل العميق داخل القطر واستصحاب والاستفادة من تجارب الدول الأخرى وصولاً لتكوين أمة سودانية متفردة لا تحتاج لأن تلوذ باللجؤ في مكان آخر.

IV.19الدين جزء أصيل من الإنسانية. كل السودانيين لهم معتقداتهم، سواء كانوا مسلمين أو مسيحيين أو يعتقدون في الديانات الأفريقية التقليدية. وبالتالي، حرية العبادة وإقامة الشعائر الدينية مكفولة لكل الأديان والمعتقدات بدون فضل أو تحامل على أي منها. فكل ما تقترحه رؤية السودان الجديد هو أن الدين ينظم العلاقة بين البشر وخالقهم وهى علاقة بطبيعتها محكومة بالتشريعات الدينية في المجال الخاص. بينما الدولة مؤسسة اجتماعية وسياسية استنبطها البشر وينتمي إليها الجميع بغض النظر عن معتقداتهم الدينية المختلفة، فلا بد من فصلها عن المجال الدينى. فيشكل الدستور الديمقراطي في السودان الجديد، وليس الدين، المصدر الوحيد للتشريع، فيما عدا قوانين الأحوال الشخصية.

IV.20 تشجيع وتطوير كل اللغات الوطنية السودانية وجعل التعددية اللغوية إحدى مظاهر السودان الجديد.

النمو المتكافئ والتنمية المستدامة بيئيا

IV.21 يتم من خلال المنظومة الاقتصادية للسودان الجديد الاستخدام العقلاني والرشيد لموارد البلاد الطبيعية والبشرية الوفيرة لوقف التنمية غير-المتكافئة ولوضع حد لكل أشكال التهميش والحرمان وتحقيق التوزيع العادل لثمار النمو والتنمية. وبالتالي، فان تخفيض الفقر، ومن ثم القضاء عليه، إذن، يشكل الهدف العام للتنمية، مع التركيز على قضايا العدالة والتشغيل، إضافة إلى حرية الحصول غلى وعدالة توزيع الخدمات الاجتماعية. ويمثل الاقتسام الملائم والعادل للثروة بين شعوب وقوميات السودان المختلفة جزءا لا يتجزأ من منظومة التنمية المتوازنة. وعلى الدولة أن تمارس دورها المنظم في المجالات الاقتصادية والاجتماعية واضعة في الاعتبار هذه المستحقات وأن تتعاون مع النقابات ومنظمات المجتمع المدني.

IV.22 السوق الاجتماعي هو اقتصاد تنظمه الدولة بالقانون لضبط قوى السوق بهدف تحقيق نتائج اجتماعية ايجابية. إذن، فالنظام الاقتصادي للسودان الجديد يقوم على الكفاءة والعدالة على نحو مستدام يزول معه الفساد والكسب غير المشروع، ويشجع المبادرة الخاصة والتنافسية وأن لا تتخلى الدولة عن مسئولياتها الاجتماعية. بمعنى آخر، اقتصاد سوق حر مختلط يكمل فيه كلا من القطاعين الخاص والعام بعضهما البعض بحيث يوفر القطاع العام الخدمات الاجتماعية، والبنيات التحتية الأساسية والتحديث التقني والتكنولوجي.

IV.23 بينما تعطى عائدات البترول دفعة للاقتصاد، الا أنها ستنضب إن لم تستخدم “كوقود” لتطوير وتحديث وتنمية الزراعة، وإحداث تحول في الزراعة التقليدية بإدخال الابتكارات التكنولوجية، وتنمية الريف.

IV.24تصحيح النمو الحضري العشوائي ونمط تنمية بؤرة اهتمامه المركز لصالح تنمية ريفية لامركزية. ورؤية الحركة هي “نقل المدن للريف بدلا عن الهجرة إلى المدن” حيث ينتهي المهاجرون في “بيوت الكرتون” وتتدهور حياتهم وتتدنى مستوياتهم المعيشية. فنقل المدن للريف لا يحول دون نمو ظاهرة السكن العشوائي فحسب، بل أيضا سيضمن بقاء الناس في أراضيهم مما يساعد على ازدهار الزراعة والصناعات الزراعية.

IV.25 يسعى النظام الاقتصادي للسودان الجديد للاستفادة من كل الفرص التي وفرتها ظاهرة العولمة وذلك بتحويله على نحو متزايد إلى اقتصاد معرفة للتسريع بالتنمية، من جهة، ولتخفيف الآثار السالبة للعولمة، من جهة أخرى، وذلك في إطار إستراتيجية للتنمية المستدامة تقوم على العلوم والتكنولوجيا. فالتحديات الأساسية، كزيادة الإنتاجية الزراعية والصناعية، وتحقيق الأمن الغذائي، وتوفير المياه الصالحة والحفاظ على البيئة، لا يمكن مجابهتها بدون النهل من العلوم والتكنولوجيا.

IV.26تسترشد إدارة البيئة في السودان الجديد بمفهوم السلام المستدام والتنمية الذي يركز على الاستخدام العقلاني والعادل للموارد الطبيعية دون المساس بحقوق الأجيال القادمة؛ وقف النزاعات حول الموارد وما يترتب عليها من نتائج؛ والاعتراف بحقوق المواطنين في التمتع ببيئة نظيفة وصحية وآمنة. ويستصحب هذا المفهوم القيم الثقافية للناس ويهدف إلى نشر ثقافة الحقوق البيئية بتفعيل مبدأ “لا تؤذى البيئة”.
السودان الجديد والعولمة

IV.27الحركة الشعبية لتحرير السودان جزء من القوى العالمية، بما في ذلك والأحزاب السياسية ومنظمات المجتمع المدني في الدول المتقدمة والنامية، التي تنافح من أجل نظام عالمي إنساني تسوده العدالة. ففي سياق تطورها التاريخي، اكتسبت الحركة من وساهمت في ثقافة التضامن الانسانى في كل أنحاء العالم، وتزودت في تفاعلاتها مع العالم أجمع بالقيم العالمية، وتعزيز حقوق الإنسان في وجه كل الانتهاكات والخروق، ومساندة حركات التحرر الوطني ومعارك الشعوب ضد الظلم والتسلط.

IV.28ستواصل الحركة الشعبية العمل مع القوى السياسية ذات الأفكار المتشابهة لإحداث تحول في النظام العالمي بعيدا عن الأحادية والنزاعات والمواجهات إلى السلام والتعاون والتضامن العالمي، وستطرق طريق الأمل والتضامن الانسانى في سعيها لتسوية النزاعات بواسطة الحوار والوسائل السلمية، ولتطوير صداقات متبادلة مع كل شعوب العالم بافتراض أن كل الأمم تشترك في مسؤولية تضامنية للرقى بحالة الإنسانية.

IV.29موقف الحركة من هذه الاهتمامات العالمية تمليه المصالح العليا للشعب السوداني ، ولكنه في نفس الوقت ينطلق من التزام الحركة بسلامة وأمن الإنسانية ككل. وستستمر الحركة في بناء وتقوية التحالفات وشبكة العلاقات في كل أنحاء العالم، والتي تشمل العلاقات بين الدول، وبين الأحزاب، وبين الشعوب في المنطقة وأفريقيا والعالم ككل من أجل نظام عالمي جديد يتسم بالعدالة والإنسانية ويحقق الحرية والسلام والازدهار.
مكان العمل:  
مكان الميلاد فى السودان:  
صورتى:




احدث عناوين سودانيز اون لاين الان
اراء حرة و مقالات
Latest Posts in English Forum
Articles and Views
اخر المواضيع فى المنبر العام
News and Press Releases
اخبار و بيانات



فيس بوك تويتر انستقرام يوتيوب بنتيريست
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة
About Us
Contact Us
About Sudanese Online
اخبار و بيانات
اراء حرة و مقالات
صور سودانيزاونلاين
فيديوهات سودانيزاونلاين
ويكيبيديا سودانيز اون لاين
منتديات سودانيزاونلاين
News and Press Releases
Articles and Views
SudaneseOnline Images
Sudanese Online Videos
Sudanese Online Wikipedia
Sudanese Online Forums
If you're looking to submit News,Video,a Press Release or or Article please feel free to send it to [email protected]

© 2014 SudaneseOnline.com

Software Version 1.3.0 © 2N-com.de