حوار مع اركون

مرحبا Guest
اخر زيارك لك: 03-28-2024, 11:37 PM الصفحة الرئيسية

منتديات سودانيزاونلاين    مكتبة الفساد    ابحث    اخبار و بيانات    مواضيع توثيقية    منبر الشعبية    اراء حرة و مقالات    مدخل أرشيف اراء حرة و مقالات   
News and Press Releases    اتصل بنا    Articles and Views    English Forum    ناس الزقازيق   
مكتبة نزار عثمان السمندل(نزار عثمان السمندل)
نسخة قابلة للطباعة من الموضوع   ارسل الموضوع لصديق   اقرا المشاركات فى صورة مستقيمة « | »
اقرا احدث مداخلة فى هذا الموضوع »
09-10-2003, 09:37 AM

السمندل

تاريخ التسجيل: 04-08-2003
مجموع المشاركات: 0

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
حوار مع اركون


    حوار مع المفكر محمد اركون
    أجراه هاشم صالح


    أصبحت الأصولية الشغل الشاغل للعالم العربي طيلة هذه السنوات الأخيرة، كيف نفهم هذه الظاهرة، وكيف تحلل أسبابها؟


    محمد أر كون :
    - لا يمكننا أن نفهم الأصولية داخل الاسلام الا اذا قارناها بالأصوليات داخل الأديان الأخرى. ولا يمكن تحليلها بشكل صحيح الا إذا طبقنا عليها المناهج التاريخية التي طبقت في الغرب على الأصولية المسيحية مثلا. لقد آن الأوان لأن يبدأ الفكر العربي والاسلامي بدراسة ما يحصل خارجه، وبخاصة في مجال الدراسات الحديثة المتركزة على الأديان بشكل عام. أقصد الدراسات المتعلقة بمعنى الظاهرة الدينية والوظائف التي تؤديها في المجتمع. أدعو المسلمين هنا لأن يهتموا أكثر فأكثر بما يعلمنا إياه التاريخ وبما تعلمنا إياه العلوم الاجتماعية عن الظاهرة الدينية، وبالتالي فلكي نفهم الظاهرة الأصولية فإننا مضطرون لأن نمر من خلال العلوم الاجتماعية، أقصد ينبغي أن نطبق العلوم الاجتماعية (أو العلوم الانسانية) على التراث الاسلامي مثلما طبق على التراث المسيحي في أوروبا منذ زمن طويل، بالطبع فإن المسلمين المحافظين والأصوليين يردون علينا قائلين بأن العلوم الاجتماعية les sciences) socîales) لا تنطبق على التراث الاسلامي، وانها نتاج الغرب وبالتالي فلا علاقة للمسلمين بها!.. هذا الموقف السلبي في العلوم الانسانية والاجتماعية ليس فقط حكرا على الأصوليين وانما هو موقف جمهرة المثقفين العرب والمسلمين حتى الآن.
    بالطبع هناك استثناءات ولحسن الحظ أن هناك استثناءات. وهكذا يظل المسلمون منغلقين داخل الدائرة التراثية المغلقة على ذاتها. انهم لا يريدون توسيع المناقشة وفتح الأبواب على مصراعيها لكي يهب عليهم هواء جديد.
    انهم لا يريدون تطبيق العلوم الاجتماعية على تراثنا من أجل تجديده واعادة تأويل الاسلام بصفته ظاهرة دينية كبرى من جملة ظواهر أخرى انهم لا يفهمون ان منهجية المقارنة مع الآخرين هي مفيدة جدا لفهم الذات. فهناك أديان أخرى في العالم غير الاسلام. هناك المسيحية، واليهودية، والبوذية، والهندوسية الخ... فالإسلام كظاهرة دينية، لا يختلف بشكل مطلق عن بقية الظواهر الأخرى المتعلقة بالأديان التي عددناها. بالطبع فإن الموقف الذي نتخذه هنا هو موقف علمي. وهو يتعارض حرفيا مع الموقف الايماني العقائدي أو العاطفي الموروث أبا عن جد منذ مشات السنين. والمسلم التقليدي، أو الأصولي، لا يختلف موقفه في شيء عن موقف المسيحي التقليدي Ji اليهودي التقليدي. فكل واحد منهم منغلق داخل تراثه ويعتبره وكأنه مطلق ولا يوجد أي شيء آخر غيره، أو قل إن غيره خاطيء وضال. أقصد بالموقف التسليمي العاطفي أولئك الذين يريدون التحدث عن الاسلام فقط من خلال ايمان تقليدي يرفض كل مسار تحليلي، عقلاني علمي، ومادام هذا الرفض سائدا فمن المستحيل أن نتقدم خطوة واحدة الى الامام وبالتالي فإن النقد التاريخي المحرر ينبغي أن يطبق على الأصوليين وغير الأصوليين : أي على الفكر التقليدي بشكل عام.


    بعضهم يقول بأن الأصوليين يتبعون تيارا واحدا
    من تيارات الاسلام ويهملون التيار الآخر العقلاني والانساني: أي تيار المعتزلة والفلاسفة. ما رأيك في هذا الكلام؟


    - أر كون : بالطبع. ولكن هذا التيار الأصولي (أوالسلفي) ابتدأ يترسخ وينتصر منذ القرن الثالث عشر، وليس من اختراع اليوم. الأصوليون الحاليون لهم جذور في الماضي، بل وفي الماضي البعيد كما ترى. انهم يشتغلون، أو قل يترعرعون، داخل أرضية مؤاتية ومناسبة، أرضية تم التمهيد لها منذ زمن طويل، من هنا سر قوتهم وانتشارهم السريع. فالمدارس الفقهية انتشرت في مختلف البلدان الاسلامية،وكل بلد حبذ أحد المذاهب على ما عداه : ففي تركيا حبذوا المذهب الحنفي وفي السعودية الحنبلي وفي مصر الشافعي وفي المغرب الكبير المالكي، وفي ايران الجعفري الشيعي الخ... وهذا التخصص الضيق يعتبر تراجعا عن التعددية العقائدية والفكرية التي كانت سائدة في العصر الكلاسيكي أو العصر الذهبي من عمر الحضارة العربية الاسلامية. كانت التعددية ممكنة قبل الدخول في عصر التكرار والتقليد والاجترار (أي عصر الانحطاط واقفال باب الاجتهاد). ولذا فلا يكفي القول بأن الأصولية شذوذ عن الاسلام أو لا علاقة لها بالاسلام.. فهذا لا يحل المشكل. المشكل أعمق من ذلك وشمل الأصوليين وغير الاصوليين. والأصوليون أشخاص يعرفون ليس كل نصوص الفكر الاسلامي بالطبع، وانما الاتجاه الذي انتصر عبر التاريخ : أي المذاهب السنية من جهة والمذاهب الشيعية من جهة أخرى. ولكن المذهبين السني والشيعي تعرضا لجمود خطير أو لتقلص فكري خطير بدءا من القرن الثالث عشر. واستمر ذلك حتى القرن العشرين : أي حتى يومنا هذا. وهذا الانغلاق التاريخي لم يدرس حتى الآن بشكل علمي من قبل المسلمين. ولو أنه درس لفهموا أن الوضع الراهن الذي نعاني منه يعود الى تلك القرون المظلمة التي دخلنا فيها ولم نخرج منها حتى الآن. هذا يعني اننا ورثة هذه القرون الخالية من المضمون التعددي أو الغنى الفكري والعقائدي ولسنا ورثة اسلام العصر الكلاسيكي المجيد (الاسلام الكلاسيكي يشمل القرون الهجرية الستة الأولى، أي حتى موت ابن رشد). هذه حقيقة تاريخية لا مجال للشك فيها. وبالتالي فينبغي أن ننظر الى الأمور نظرة تاريخية لكي نفهم لماذا نتخبط فيما نحن متخبطون فيه اليوم. اذا لم نفعل ذلك فاننا لن نفهم لماذا تزدهر الأصولية وتنتشر في كل مكان. هذه أشياء لا يمكن فهمها اذا ما نظرنا الى الأمور ضمن شريحة ن منية قصيرة أي من خلال العشرين سنة الماضية (لنقل منذ اندلاع ثورة الخميني عام 197. ينبغي أن فموضع الأمور ضمن منظور المدة الطويلة للتاريخ كما يقول المؤرخ الشهير فيرنان بروديل لكي نفهم سر هذه الظاهرة المنتشرة حاليا في شتى انحاء العالم الاسلامي. لكي نفهم جذور الظاهرة الحالية ينبغي أن نعود ثمانية قرون الى الوراء. هكذا تجد أن علم التاريخ يضيء لنا الأمور بشكل لم يسبق له مثيل من قبل اذا ما عرفنا كيف نستخدم منهجيته أو كيف نطبقها على تراثنا الاسلامي العريق وهو يجدد الفكر النقدي داخل الاسلام وهو أحوج ما نكون اليه الآن. وهو بالاضافة الى ذلك يفتح الفكر الاسلامي على منهجيات العلوم الانسانية ومصطلحاتها ومكتسباتها المعرفية التي يستحيل علينا بعد اليوم أن نتجاهلها. هكذا تجد أن تطبيق المناهج الحديثة على دراسة التراث الاسلامي في شيء ليس فقط مستحبا، وانما ملح وعاجل لكي نحرر الفكر الاسلامي من عطالة الزمن ورتابة القرون.


    ولكن عندما ابتدأوا يطبقون المنهج التاريخي على المسيحية في القرن التاسع عشر حصل رد فعل هائج وعنيف من قبل الأصوليين المسيحيين. واتهموا المجددين بالتخريب والخروج على الايمان وتدمير التراث،، الخ...


    أر كون : نعم، نعم. هذا صحيح. ولكن ماذا تريدنا أن نفعل؟ إما أن نتحرك ونحرك الأمور، واما أن نستسلم للمقادير. ينبغي أن نفعل شيئا تجاه الحالة الواهنة. لا نستطيع أن نقف مكتوفي الأيدي تجاه ما يجري. ان تجربة المسيحية في القرن التاسع عشر مع الحداثة تدلنا على أننا نقف أمام سيكولوجيا دينية مشتركة لدى الأصوليين المسلمين كما لدى الأصوليين المسيحيين. وهذا أكبر دليل على أن نفس المناهج تنطبق على جميع التراثات الدينية. واعتقد أن العلوم الانسانية والاجتماعية سوف تعتني وتنال مصداقية أكبر اذا ما طبقت على التراث الاسلامي. وذلك لأنها حتى الآن لم تطبق الا على التراث المسيحي الأوروبي. وهذا لا يكفي لترسيخ مصداقيتها. ينبغي أن نطبقها على تراث ديني آخر طويل عريض كا لتراث الاسلامي لكي نمتحن مدى مصداقيتها ومصداقية مناهجها ومصطلحاتها أكثر فأكثر. في الواقع ان هذا ما كان المستشرقون الكبار قد ابتدأوا يفعلونه منذ القرن التاسع عشر. وقد أثارت أبحاثهم ردود فعل هائجة في أوساط المحافظين الاسلاميين، مثلما أثارت أبحاث زملائهم ردود فعل الأوساط المسيحية المحافظة عندما طبقت ذات المناهج على التراث المسيحي. هكذا تجد أن المقارنة تضيء لنا الأمور حقا، ولا ينبغي أن نظل مسجونين أو منغلقين داخل جدران بيتنا أو تراثنا. وانما ينبغي أن ننفتح على التراثات الأخرى لكي نرى ماذا يحصل فيها. ماذا أقصد بالنفسية الدينية المشتركة لدى المسلمين كما لدى المسيحيين؟ أقصد أنه ما إن تتشكل العقلية الجماعية طيلة عدة قرون من خلال التعليم المدرساني (أوالسكولاستيكي = من سكولا، أي مدرسة باللاتينية)حتى يصبح من الصعب جدا تحرير العقول في هذه العقلية التقليدية المكرورة أبا عن جد. ما إن تنجبل هذه العقلية الجماعية كالا سمنت المسلح من خلال أداء الفرائض والشعائر اليومية والاعياد الدينية حتى يصبح من الصعب جدا تحرير الناس من العقلية الشعائرية. ولكن الفرق بين الجهة المسيحية الأوروبية / والجهة العربية الاسلامية هو أن الجهة الاسلامية لم تتعرض للدراسة العلمية حتى الآن، وكنا نتوقع أن يحصل ذلك بعد نيل الاستقلال. ولكن معظم الأنظمة السياسية راحت تحافظ عل التعليم التقليدي للدين، أي التعليم الضيق والمبتسر. وراحت تفصل بين تعليم الدين من جهة / وبين تدريس العلوم الانسانية والفلسفية من جهة أخرى. بل ونلاحظ أن العلوم الانسانية لم تدخل في برامجنا التعليمية بشكل كاف حتى الآن، هذا اذا ما دخلت. كيف يمكن للأمور أن تتطور أو ان تتزحزح عن مواقعها التقليدية في مثل هذه الظروف؟ ولماذا تستغرب انتصار تيار الاسلام الأصولي الضيق والمتزمت على تيار الاسلام العقلاني والمنفتح والمتسامح؟ لا يحق لنا اطلاقا أن ندهش لما يحصل اليوم. ما يحصل تحت أعيننا اليوم في الجزائر أو مصر أو افغانستان أو باكستان..الخ شيء طبيعي جدا ومفهوم ولا ينبغي أن يثير أي استغراب، يوجد اذن تأخر مريع في التدريس الجامعي العربي _ الاسلامي. وتعكس ذلك مقالات كل الصحف والمجالات والكتب. ويكفي أن نفتحها لكي نتأكد من ذلك. وتعكسه أيضا كل المناقشات التكرارية والاجترارية الجارية في العالم العربي حاليا. انها تكرر نفس الكلام وتقول : لا، لا. لا تخلطوا بين جميع المسلمين وبين الأصوليين. فالأصولية شيء والاسلام شيء آخر. ولكن هذا كلام امتثالي كسول لا يصمد أمام الامتحان. انه غير مقبول اذا ما نظرنا الى الأمور من الناحية التاريخية. وذلك لأنه يوجد في النسخة الأصولية للاسلام شيء من الفكر الاسلامي. وهذا الشيء هو الفكر الأصولي المعتمد على أصول الدين وأصول الفقه. وهذه الأصولية التي تشكل المرجعية الكبرى للمسلمين اليوم لم تتعرض حتى الآن لمراجعة نقدية جادة على ضوء علم التاريخ الحديث، وعلم الالسنيات الحديثة، وعلم الاجتماع وعلم النفس التاريخي وبقية العلوم الانسانية والاجتماعية، لا تزال أصول الفقه وأصول الدين تدرس حتى اليوم في كليات الشريعة والمعاهد التقليدية كما كانت تدرس في القرون الوسطى! فكيف تريد اذن أن ينهض جيل عربي أو اسلامي جديد جيل منفتح ومتحرر من عقلية القرون الغابرة؟ بل ان هذه الأصول كانت تدرس في العصور الوسطى الأولى بشكل أفضل مما هو عليه الحال اليوم. لماذا؟ لأنه كانت تحصل آنذاك مناظرات بين المذهب الشافعي والحنفي والمالكي، بل وحتى بين المذهب السني والمذهب الشيعي. ظلت المناظرات تحصل بشكل سلمي بين الشيعة والسنة حتى القرن العاشر الميلادي، أي اثناء الفترة التعددية المبدعة من عمر الحضارة العربية - الاسلامية. ثم انقطعت بعدئذ وأصبح هذان المذهبان معزولين عن بعضهما البعض، بل ومتخاصمين طيا وكأنه يفصل بينهما سور الصين !.. أصبحا وكأنهما لا ينتميان الى نفس الدين، أو نفس القرآن، أو نفس النبي... لقد اختفى الحوار السني _ الشيعي عمليا من الساحة بعد القرن الحادي عشر الميلادي وانتصار السلجوقيين. السلجوقيون الاتراك هم الذين دشنوا العزلة التاريخية بين المذاهب الاسلامية وهم الذين اقفلوا باب الاجتهاد وقضوا على التعددية العقائدية في أرض الاسلام. ولذلك يؤرخ لعصر الانحطاط ببداية عهدهم.


    هنا نصل الى الغزالي الذي كان المنظر الفكري الأكبر للسلجوقيين. ألقى حسن حنفي هنا في باريس محاضرة منذ فترة وقال فيها بما معناه : ان أصل العلة التي نعاني منها اليوم تعود الى عصر الغزالي. فهو الذي قضى على التعددية داخل الفكر الاسلامي منذ ذلك الوقت، وهو الذي حارب الفكر الفلسفي والعقلاني وذلك عندما فرض حديث الفرقة الناجية الذي يقول بأن هناك فرقة اسلامية وحيدة في الجنة وبقية الفرق في النار. وهكذا خلع المشروعية على الاتجاه الواحد والرأي الأوحد منع التعددية منعا باتا. ولا تزال على هذا الوضع حتى اليوم. ما رأيك؟


    - أر كون : ليس فقط الغزالي. الغزالي عامل من جملة عوامل أخرى. ولا ينبغي أن نفسر ظواهر التاريخ الكبرى عن طريق تأثير الأفراد فقط، وانما عن طريق الحركات الاجتماعية أو البنيات الاجتماعية العميقة. البنية الاجتماعية الضخمة هي التي تحتضن الشخصية الفردية مهما تكن ألمعيتها، وليس العكس. ينبغي الا نسقط في منهجية تاريخ الأفكار التقليدي (أو المثالي) الذي كان سائدا في الجامعة قبل ظهور العلوم الانسانية الحديثة. لماذا أركز في حديثي كثيرا على أهمية العلوم الانسانية أو الاجتماعية؟ لكي أثبت ان المجتمع هو الأول وليس الفرد، حتى لو كان هذا الفرد شخصية عبقرية في حجم الغزالي. هذا لا يعني بالطبع التقليل من أهمية الدور الذي تعلبه الشخصيات الكبرى في التاريخ. فالغزالي ساهم في انتصار الاسلام المدرساني السكولاستيكي المعادي للفلسفة، ولكنه لم يخلق ذلك من العدم. الظاهرة سبقية وكانت موجودة قبله. وهو نظر لها بكل ذكاء هذا كل ما في الأمر. فظاهرة معاداة الاتجاه الفلسفي والعقلاني في الاسلام سابقة على الغزالي. انها تعود الى ابن بطة (انظر عقيدة ابن بطة) والى الاعتقاد القادري الذي قرأه الخليفة على رؤوس الأشهاد والى نصوص أخرى. ومن المعلوم أن الخليفة القادر أعلن حربا شعراء على فكر المعتزلة واستطاع أن يقضي عليه في نهاية المطاف.


    انت تضع مشروعك الفكري كله تحت العنوان العريض التالي : نقد العقل الاسلامي. ماذا تقصد بذلك؟


    - أر كون : هذا المشروع ولد لأول مرة أثناء اشتغالي على أطروحتي لدكتوراة الدولة عن مسكريه (الانسانية العربية في القرن الرابع الهجري: مسكريه فيلسوفا ومؤرخا). وابن خلدون سيشهد عن طيبة خاطر مسكوية، مما يدل على أهميته. لقد فتح لي هذا المفكر أفاقا واسعة لأني وجدت لديه حرية مدهشة في التفكير قياسا الى دوغمائية العقل الديني السائد. ووجدت أنه يستخدم العقل على طريقة فلاسفة اليونان. لقد هضم فعلا الفكر الاغريقي الذي كانت نصوصه قد ترجمت سابقا الى العربية قبل أن يولد مسكريه ويترعرع في القرن الرابع الهجري/ العاشر الميلادي. وتبنى هذا الفكر المسلم العقل النقدي الفلسفي بكل أبعاده. ثم التقيت بعدئذ بمفكرين أخوين من عصر مسكريه وفي طليعتهم أبو حيان التوحيدي. وهكذا كتبت أطروحة كاملة عن ذلك الجيل الثقافي، جيل مسكريه والتوحيديه. ومن المعلوم انهما ألفا عن طريق المراسلة، أو الأسئلة والأجوبة، كتابا مشتركا هو : كتاب "الهوامل والشو امل ". ولا أجد له مثيلا في اللغات الأخرى. انه أحد كنوز التراث العربي - الاسلامي. نعم لقد حررتني قراءة مسكريه والتوحيدي من العقلية الدوغمائية الضيقة، هذه العقلية التي لا تزال مسيطرة علينا للأسف حتى اليوم.


    كيف نسينا كل هذه الكنوز التراثية؟ كيف أهملناها؟


    أر كون : ينبغي أن تعلم أن العرب يعانون من قطيعتين معرفيتين لا قطيعة
    واحدة : الأولى مع تراثهم الكلاسيكي المبدع، تراث المعتزلة والفلاسفة من الفارابي الى ابن سينا الى ابن رشد الى ابن خلدون الخ.. وقطيعة مع الحداثة الأوروبية التي ابتدأت تنهض منذ القرن السادس عشر. هكذا كانت حالتنا أثناء عصور الانحطاط الطويلة : نسينا تراثنا المبدع وانقطعنا عن حركة الحضارة التي كانت صاعدة في أوروبا. فلم نستفد من هذا ولا من تلك ونحن نعاني من الآثار السلبية لهاتين القطيعتين ونحاول أن نستدرك ما فات بصعوبة كبيرة.


    ما الفرق بين مشروعك لنقد العقل الاسلامي، ومشروع الجابري لنقد
    العقل العربي؟


    - أر كون : أعتقد أن الجابري يساهم في حركة الاستهلاك الايديولوجي للتراث. بمعنى آخر فانه يحاول أن يظهر مزايد الفترة الكلاسيكية (أو العصر الذهبي من عمر الحضارة العربية - الاسلامية) ويحاول أن يقنع عرب اليوم بأنه كان لهم يوما ما ماض مجيد، وأنهم يستطيعون أن يعتمدوا عليه لكي يواجهوا الحداثة الأوروبية. ولكن المشكلة هي أن الحل لا يكمن في الاستهلاك الايديولوجي للتراث، والافتخار بالآباء والأجداد. وانما يكمن في اعتبار هذا التراث كنقطة انطلاق للحاق بركب الحضارة والعصر. فالتراث العربي _ الاسلامي في العصر الكلاسيكي يبقى سجين المناخ العقلي القروسطي على الرغم من أهميته وعظمته. انه ليس هو الحل وانما الوسيلة التي اذا ما عرفنا كيف نستخدمها ونطورها ونتجاوزها استطعنا أن نصل الى الحل. يضاف الى ذلك أن مفهوم العقل الاسلامي أكثر محسوسية من مفهوم العقل العربي. فالعقل الاسلامي موجود في النصوص والعقول، وبامكاننا أن نقبض عليه بشكل واضح وملموس. ونحن نصطدم به كل يوم وبالتالي فإن دراسته دراسة نقدية تاريخية - لا تجريدية ولا تأملية - أمر ممكن. بل إن نقد العقل الاسلامي بهذا المعنى يشكل الخطوة الأولى التي لابد منها لكي يدخل المسلمون الحداثة، لكي يسيطروا على الحداثة. والواقع أن الجابري تحاشى استخدام مفهوم "نقد العقل الاسلامي"، واستبدل به " نقد العقل العربي" لكي يريح نفسه ويتجنب المشاكل والمسؤوليات. هذه حيلة واضحة لا تخفى على أحد. المشكلة المطروحة علينا اليوم وغدا هي مشكلة نقد العقل الاسلامي لأن العقل العربي نفسه هو عقل ديني، أو قل لم يتجاوز بعد المرحلة الدينية من الوجود. فكيف يمكنك أن تنقد العقل العربي دون أن تنقد العقل الديني؟!... هذا مستحيل. وبالتالي فإن العقل اللاهوتي القروسطي المسيطر علينا منذ مشات السنين يشكل المهمة الكبرى للثقافة العربية بمجملها. وبدون القيام بهذا العمل فلا تحرير ولا خلاص. والدليل على ذلك ما يحصل الأن. هذا لا يعني بالطبع أن الجابري لم يفعل شيئا. فمحا ولته مفيدة بدون شك، وهي من أهم المحاولات الموجودة في الساحة العربية. ولكنها لا تكفي ولا تشفي الغليل. ينبغي تجاوزها الى ما هو أعمق منها وأبعد. باختصار ينبغي الدخول في صلب المشاكل الحقيقية وعدم تحاشيها بحجة مراعاة الشعب أو الجماهير أو "العامة ".. الخ. ينبغي أن يصل النقد الى جذور الأشياء لا أن يكتفي بدغدغتها أو سلامستها مسا خفيفا.



    لماذا شهد الغرب عصر النهضة أو القطيعة مع العصور الوسطى ولم نشهدها نحن؟



    - أر كون : نحن شهدنا عب محاولتين للنهضة ولكنهما أجهضتا. الأولى حصلت في العصر الكلاسيكي كما قلنا، والثانية حصلت في القرن التاسع عشر. ولو أتيح للنهضة الأولى بأن تستمر لكنا استلمنا زمام الحركة التاريخية ولكنا -درنا التنوير الفكري الى أوروبا، أو على الأقل كنا سبقناها الى هذا التنوير. والواقع اننا كنا السابقين في مجال العلوم والآداب والفلسفة طيلة القرنين التاسع والعاشر الميلاديين / أي الثالث والرابع للهجرة. وقد أخذت عنا أوروبا الكثير بدءا من القرن الثاني عشر ولكن هذه النهضة الفكرية الرائعة لم تعش طويلا للأسف. ولم تحظ بدعم طبقة اجتماعية منفتحة كطبقة البورجوازية في أوروبا. ومعلوم انه لولا تشكل هذه الطبقة وانفتاحها على الأفكار الحديثة ودعمها لفلاسفة التنوير في القرن الثامن عشر لما نجحت أوروبا في صنع الحضارة التي نشهدها أمام أعيننا اليوم. فالطبقة البورجوازية هي التي كسرت الحواجز والحدود الاقطاعية داخل المجتمع، وهي التي أزاحت طبقة النبلاء القديمة عن مواقعها، وهي التي ساهمت في تشكيل الحداثة، ولكن طبقة البورجوازية التجارية التي ازدهرت عندنا أيام المأمون وخلفائه والتي دعمت الفكر التنويري للمعتزلة والفلاسفة سرعان ما ذبلت وماتت بسبب تحول الخطوط التجارية عن العالم العربي _ الاسلامي واما نهضتنا في القرن التاسع عشر والتي استمرت حتى مشارف الخمسينات من هذا القرن فقد اجهضت أيضا لعدة عوامل داخلية وخارجية. ولا نزال ننتظر حصول النهضة من جديد. فحتى لو فشلنا في النهوض الف مرة، ينبغي أن نحاول مرة أخرى، أي المرة الواحدة بعد الألف.. كل ما نفعله الآن هو التمهيد لعصر نهضة عربي واسلامي مقبل. ولكن ذلك لن يتم الا عن طريق فكر جديد.


    هل يوجد مثقفون نقديون يطبقون المناهج الحديثة على دراسة التراث
    الاسلامي؟


    - أر كون : شعوري انه لا يوجد حتى الآن أي مثقف مسلم يتجرأ على الحفر عن جذور المشكل. لا ريب في أن هناك محاولات ولكنها لا تذهب بعيدا. ينبغي أن نعلم أن الفكر العربي _ الاسلامي قد توقف عن العطاء منذ ابن رشد) 1198 م) وابن خلدون (1406م). وبالتالي فقد تراكمت قارة من اللامفكر فيه والمستحيل التفكير فيه في الساحة الاسلامية على مدار كل هذه المدة الطويلة. هذا يعني أن هناك فجوة تاريخية ضخمة وينبغي سدها أو ردمها. بالطبع ينبغي أن نأخذ بعين الاعتبار ما حصل في عصر النهضة في القرن التاسع عشر وحتى منتصف القرن العشرين. فالنهضويون من أمثال طه حسين وغيره يعتبرون امتدادا لابن رشد وابن خلدون. ولكن هذا التيار العقلاني _ النقدي لم يستمر في العقود الأخيرة لأسباب عديدة داخلية وخارجية. ويمكن القول بأن الدراسة التاريخية النقدية للتراث الاسلامي كانت تؤجل باستمرار طيلة هذه العقود. وقد تم التأجيل باسم ضرورات النضال ضد الاستعمار. وكان ذلك أمرا مفهوما في وقته ومشروعا. فتحرير الإرادة الوطنية يشكل أولوية الأولويات. والتراث هو الذي يقدم العاصم المنيع للشخصية الجماعية والوطنية وبالتالي فلا يمكن نقده في زحمة الصراع ضد المستعمر أو في حالة وجود خطر خارجي. ولكن الأمور تغيرت الآن. وبعد أن تفرغنا لأنفسنا أصبحت هذه الدراسة النقدية ملحة أكثر فأكثر، وذلك من أجل التحرر من الصيغة الدوغمائية المتحجرة للتراث. فبعد التحرير الخارجي جاء وقت التحرير الداخلي. وما انتشار الحركات الأصولية الحالية بمثل هذه القوة الا أكبر دليل على ضرورة الانخراط في هذه الدراسة النقدية العميقة للتراث.


    عن فصلية نزوى العمانية

                  

العنوان الكاتب Date
حوار مع اركون السمندل09-10-03, 09:37 AM
  Re: حوار مع اركون منعمشوف09-10-03, 07:08 PM
    Re: حوار مع اركون doma09-10-03, 09:20 PM
      Re: حوار مع اركون هدهد09-12-03, 01:54 PM


[رد على الموضوع] صفحة 1 „‰ 1:   <<  1  >>




احدث عناوين سودانيز اون لاين الان
اراء حرة و مقالات
Latest Posts in English Forum
Articles and Views
اخر المواضيع فى المنبر العام
News and Press Releases
اخبار و بيانات



فيس بوك تويتر انستقرام يوتيوب بنتيريست
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة
About Us
Contact Us
About Sudanese Online
اخبار و بيانات
اراء حرة و مقالات
صور سودانيزاونلاين
فيديوهات سودانيزاونلاين
ويكيبيديا سودانيز اون لاين
منتديات سودانيزاونلاين
News and Press Releases
Articles and Views
SudaneseOnline Images
Sudanese Online Videos
Sudanese Online Wikipedia
Sudanese Online Forums
If you're looking to submit News,Video,a Press Release or or Article please feel free to send it to [email protected]

© 2014 SudaneseOnline.com

Software Version 1.3.0 © 2N-com.de