مثل غيري من أبناء الأجيال النوبية التي هاجرت مناطق النوبة منذ أزمان بعيدة عشقت العودة لديار النوبة لمجرد تلك الأهازيج المضللة التي يرددها البعض عن النوبة وعن تراث النوبة وعن حضارة النوبة .. ودخلت في تجربة قاسية مريرة عندما أخذتني الهاشمية النوبية بذلك القدر من الحماس .. ويا ليتني لم أفعل ذلك .. فقد رحلت بعائلي إلى منطقة الأجداد بالنوبة .. وتلك الخطوة كنت أمني بها لنفسي ولعائلتي حياة نوبية هانئة رغدة كما كانت تراوغ خيالي .. ولكن خابت ظنوني عند أرض الواقع .. وقد مكثت في تلك المنطقة النوبية القاحلة الجرداء ( أرض الأجداد ) لمدة سنة كاملة خلالها ذقت وعائلتي ألوان الأوجاع والمعاناة .. وعندها أدركت حقيقة أن مناطق النوبة حالياَ هي مناطق طاردة لأهلها بذلك القدر الكبير .. وعذرت أجدادي الذين هاجروا وتركوا تلك المناطق الصخرية القاسية منذ سنوات بعيدة .. وأنا كنت أتعجب كثيراَ عندما أرى أن كبار السن من النوبيين الذين يتواجدون في مناطق السودان الأخرى لا يتحمسون كثيراَ للعودة لتلك الديار التي يتغنى بها البعض .. وقد أدركت الآن أنهم كانوا محقين مائة في المائة حين هاجروا وتركوا أراضي أجدادهم .. فتلك المناطق النوبية الصخرية هي فعلاَ مناطق تستحق إقامة عشرات السدود فيها .. ولا تستحق تلك الوقفات التعصبية من هؤلاء وهؤلاء .. ومن أعجب الملاحظات التي اكتسبتها خلال تواجدي في منطقة النوبة أن السواد الأعظم من أبناء النوبة الذين يتغنون بالحضارة النوبية وبالتراث النوبي وبالماضي النوبي لا يتواجدون إطلاقاَ في مناطق النوبة .. وليست لديهم أدنى فكرة أو رغبة للعودة والعيش في تلك المناطق من جديد .. وهم يعيشون إما في العاصمة السودانية أو في مدن سودانية أخرى أو في بلاد الغربة .. وخاصة أبناء النوبة في المناطق الجنوبية حتى مشارف ( قدار ) .. ورغم أن مناطقهم تعد من أخصب المناطق النوبية وهي غير صخرية .. بعكس مناطق كجبار والدال والمناطق المجاورة لهما .. حيث تلك المناطق الصخرية الجدباء القاحلة الطاردة بكل المقاسات .. ومع ذلك نتعجب من تصرفات أهل كجبار والدال .. والسؤال ما الذي يعجبهم في تلك الصخور ؟؟ .
والآن أنا عدت بعائلتي للعاصمة السودانية بعد تلك التجربة المريرة القاسية .. ولن أفكر في يوم من الأيام أن أجاري تلك الأهازيج النوبية المضللة للغاية .. كما أنني لا أوصى أحدا من أبنائي أو أحفادي أن يفكر يوماَ بالعيش في تلك المناطق الصخرية المجدبة الطاردة .. ولو جاز لي القول لخاطبت هؤلاء المتعصبين الرافضين لفكرة إقامة السدود في مناطق النوبة أن يتنازلوا ويسمحوا بإقامة تلك السدود دون قيود أو شروط !! .. فلعل تلك السدود توجد نوعا من الحياة الكريمة في تلك البيئة القاحلة القاسية .
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة