الدعــوة لقيـام حزب البعث الســودانى

مرحبا Guest
اخر زيارك لك: 03-29-2024, 04:12 PM الصفحة الرئيسية

منتديات سودانيزاونلاين    مكتبة الفساد    ابحث    اخبار و بيانات    مواضيع توثيقية    منبر الشعبية    اراء حرة و مقالات    مدخل أرشيف اراء حرة و مقالات   
News and Press Releases    اتصل بنا    Articles and Views    English Forum    ناس الزقازيق   
مدخل أرشيف النصف الأول للعام 2005م
نسخة قابلة للطباعة من الموضوع   ارسل الموضوع لصديق   اقرا المشاركات فى صورة مستقيمة « | »
اقرا احدث مداخلة فى هذا الموضوع »
05-18-2005, 05:42 AM

altahir_2
<aaltahir_2
تاريخ التسجيل: 11-17-2002
مجموع المشاركات: 3949

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
ودا كمان (Re: Abureesh)

    مشكلة الجنوب ومستقبل الدولة السودانية

    من الحكم الإقليمي إلى تقرير المصير

    محمد علي جادين

    مقدمة:

    1/ تشكل مشكلة الجنوب عاملاً أساسياً في كل التطورات الهامة التي شهدها السودان خلال نصف القرن الماضي، منذ اتفاقية الحكم الذاتي 1953م حتى مفاوضات التسوية السياسية الجارية الآن في نيفاشا بكينيا(1). وطوال هذه الفترة الممتدة، ظلت تمثل عقبة رئيسية في طريق بناء دولة وطنية مستقرة قادرة على استكمال إنجاز أهداف مرحلة ما بعد الاستقلال. ويرجع ذلك إلى تعقيدات المشكلة وارتباطها بصراعات وسط أفريقيا والقرن الأفريقي وعوامل داخلية متعددة ومتنوعة وأيضاً إلى فشل النخب الحاكمة في الخرطوم في الوصول إلى تسوية سياسية ملائمة تؤكد خصوصية الجنوب ومطالبه المشروعة وتحافظ على وحدة الكيان السوداني في نفس الوقت. وفي تقدير هذه الورقة أن مشكلة الجنوب قد مرت بثلاث مراحل:-

    الأولى: من بداية الحكم الذاتي 1953م حتى ثورة أكتوبر 1964، والثانية: من 1964 حتى اتفاقية 1972 وانهيار الحكم الإقليمي في 1983، والثالثة: من تجدد الحرب الأهلية في 1983 حتى الآن.

    وكل هذه المراحل لها سماتها الخاصة وتأثيراتها المحددة في مجرى تطور الدولة السودانية الموحدة. وسنناقش في الصفحات القادمة تطورات المشكلة في فترة ما بعد الاستقلال ودور الحكومات المتعاقبة في تعقيدها ومحاولات حلها، بتركيز على اتفاقية 1972 والأسباب التي أدت إلى انهيارها وسنتناول أيضاً التطورات الهامة بعد تجدد الحرب الأهلية في 1983 ومحاولات الوصول إلى تسوية سياسية ملائمة بعد سقوط نظام نميري، خاصة أعلن كوكادام، وكيف تحول الصراع حوله من شعارات الحكم الإقليمي إلى شعارات حق الجنوب في تقرير مصيره وانعكاس كل ذلك في التسوية السياسية الجارية الآن.

    * جذور مشكلة الجنوب:-
    2/ تشير الحقائق الجغرافية إلى أن السودان يقع في قلب القارة الأفريقية وفي الحدود الجنوبية للمنطقة العربية ويجاور تسع دول أفريقية وعربية. وأهمية هذا الموقع تنعكس في تركيبته السكانية المركبة والمتنوعة وفي هويته المزدوجة وتنوعه الاثني والثقافي وارتباطاته العربية والأفريقية المتداخلة والمتشابكة(2). فقد أدت تطورات تاريخية طويلة ومعقدة إلى أن يتخذ الشمال هوية عربية إسلامية غالبة لها سماتها السودانية المحددة وأن يحتفظ الجنوب بثقافاته وهويته (الأفريقية) المتميزة. ومع كل ذلك ظلت علاقات الشمال والجنوب تتميز بالتعايش والتفاعل السلمي من خلال التداخل القبلي والهجرات الداخلية والتجربة المشتركة في المراحل التاريخيـة المختلفـة، وخاصـة في فترات السلطنات العربية الإسلامية (1500 – 1821) ويشهد على ذلك افتراض ارتباط جذور سلاطين مملكة سنار بقبيلة الشلك واستمرار هذه العلاقات وتواصلها دون أن تؤدي إلى أي نوع من حروب العصابات والمواجهات المسلحة كما حدث بعد 1821(3). ولذلك يمكن القول أن الكيان السوداني بتكوينه الحالي تقريباً قد بدأ يتبلور ويتشكل في تلك المرحلة بالذات(4). وفي فترة الحكم التركي المصري (1821-1885) اتسعت عمليات الاندماج الوطني وتوطدت كينونة السودان الموحد من خلال الدولة المركزية والسوق الوطني الموحد، رغم سلبيات تجارة الرقيق والصراعات القبلية في مناطق التماس وعمليات العنف التي مارستها سلطات الحكم التركي المصري في الجنوب بشكل خاص(5). وفي 1898 جاءت قوات الاحتلال البريطاني لتفرض سياسات محددة وضعت علاقات الشمال والجنوب في مجرى جديد يقوم على التنافر والكراهية والمواجهة المسلحة لأول مرة في تاريخها. وبذلك برزت إلى الوجود ما يسمى مشكلة الجنوب في السياسة السودانية وتطورت من مشكلة اختلافات وفوارق جغرافية وتاريخية وثقافية طبيعية إلى مشكلة سياسية اجتماعية متعددة الجوانب والأبعاد وترتكز إلى تفاوتات ومظالم محددة خلفتها إدارة الاحتلال البريطاني خلال سنوات حكمها (1898-1956) ففي مستوى التطور الاقتصادي الاجتماعي أدت سياساتها إلى ظهور تفاوتات كبيرة بين الأقاليم المختلفة بشكل عام وبين الشمال والجنوب بشكل خاص. وذلك بسبب تركيز استثماراتها الأساسية في مناطق الوسط والشمال (مشروع الجزيرة، مشاريع الطلمبات على ضفاف النيل الأزرق والأبيض ونهر النيل، إمتدادات السكك الحديدية من بورتسودان حتى مناطق الإنتاج الزراعي في الشرق والوسط والغرب، وتركز الخدمات الاجتماعية في هذه المناطق ...الخ) وذلك بهدف تلبية احتياجات الصناعة البريطانية من المواد الخام وتوفير سوق واسع لمنتجاتها المصنعة. أما الجنوب فقد تركته أسير أوضاعه التقليدية المتخلفة وركزت فقط على عمليات فرض الأمن والاستقرار في ربوعه، بحجة أن ظروفه لا تسمح باستثمارات مجزية وملائمة لأهدافها وخططها. وفي الوقت نفسه انتهجت سياسات إدارية وتعليمية في الجنوب تختلف كلية عن سياساتها في الشمال. فقد قامت سياساتها الإدارية على عزل الجنوب وفصله عن الشمال وضمه للمستعمرات البريطانية في وسط وشرق أفريقيا. ولذلك أصدرت قوانين (المناطق المقفولة) لمنع الشماليين، خاصة التجار، من دخول المناطق الجنوبية والعمل في ربوعها، كما ظل يحدث طوال الفترات السابقة. وبذلك ظل الجنوب يسير في اتجاه مستقل ومعزول عن التطورات الإدارية الجارية في الشمال حتى عام 1947 وفي الوقت نفسه قامت سياساتها التعليمية تحت إدارة الكنائس والبعثات التبشيرية، على عزل الجنوب عن الشمال ومحاربة انتشار الإسلام واللغة العربية في أوساطه وركزت على نشر المسيحية واللغة الإنجليزية وزرع روح العداء للعرب والمسلمين وتحميل الشماليين مسئولية تجارة الرقيق وعمليات العنف التي شهدتها المنطقة في القرن التاسع عشر. وفي 1947 قررت سلطات الاحتلال تغيير سياسات العزلة والانفصال وإعادة دمج الجنوب مع الشمال في سودان موحد. وذلك تحت ضغط مؤتمر الخريجين والحركة الوطنية الشمالية النامية وظروف المستعمرات البريطانية في وسط وشرق أفريقيا وتدهور أوضاع الإمبراطورية البريطانية بعد الحرب العالمية الثانية. وفي ذلك العام عقدت السلطات مؤتمراً إدارياً في مدينة جوبا، ضم الإداريين البريطانيين في المديريات الجنوبية وعدداً من الزعماء والمتعلمين الجنوبيين ومشاركة بعض الشخصيات الشمالية، وذلك بهدف مناقشة مستقبل الوضع الإداري في الجنوب. وبعد مناقشات ومناورات واسعة قرر المؤتمر دمج الجنوب في سودان موحد ومشاركته في الجمعية التشريعية المزمع قيامها في 1948 بهدف تمكين السودانيين من المشاركة في الحكم وتقرير مصير بلادهم في اتجاه الحكم الذاتي. وفي المناقشات برزت بشكل واضح مخاوف الجنوبيين من السيطرة الشمالية ومطالباتهم بضمانات لحماية خصوصية الجنوب الثقافية والإقليمية. وفي النهاية جاءت موافقتهم استناداً إلى ضمانات يوفرها لهم الحاكم العام والإدارة البريطانية المسيطرة(6). ومع كل ذلك كان المؤتمر نقطة تحول هامة وكبيرة في اتجاه تعزيز وحدة الكيان السوداني. ولكن وقتها كانت السياسة البريطانية قد نجحت في تكوين صفوة جنوبية مختلفة في تكوينها الثقافي وتوجهها الفكري والسياسي عن تكوين وتوجهات الحركة الوطنية التي نمت وتطورت في الشمال وقادت البلاد نحو الحكم الذاتي والاستقلال في مطلع 1956. وكان التفاوت الاقتصادي الاجتماعي بين الشمال والجنوب قد اصبح يمثل فجوة كبيرة لا يمكن ردمها بسهولة(7). ومن جهة أخرى كانت قيادات الحركة الوطنية في الشمال أسيرة نظرة تبسيطية للهوية الوطنية السودانية تربطها فقط بالإسلام والثقافة العربية ولا تضع أي اعتبار لحقائق التمايز الاثني الثقافي في البلاد بشكل عام وللاختلافات التاريخية والاقتصادية والجغرافية بين الشمال والجنوب بشكل خاص. ولذلك ظلت تنظر لمشكلة الجنوب كنتاج لسياسات بريطانية محددة يمكن معالجتها فقط بسياسات (معاكسة) تعمل على دمج الجنوب في هذه الهوية الوطنية العامة(.

    والواقع انه كان يمكن تطوير هذه النظرة التبسيطية بعد مؤتمر جوبا في اتجاه التعبير عن حقائق التنوع والتعدد في الهوية الوطنية واستيعاب الجنوب وتطلعاته في الحركة الوطنية الناهضة. ولكن ذلك لم يحدث نتيجة لتأخر ظهور الحركة السياسية الجنوبية حتى عشية الاستقلال وضيق أفق الفئات المسيطرة على الحركة السياسية الشمالية في تلك الفترة وتسارع الخطوات نحو الحكم الذاتي والاستقلال لظروف وطنية وإقليمية ودولية عديدة. وهكذا برزت مشكلة الجنوب عشية إعلان الاستقلال لتشكل أهم عقبات بناء الدولة الوطنية الموحدة في السودان طوال الخمسين عاماً الماضية.

    * جيل الاستقلال ومشكلة الجنوب:-
    3/ يبدو أن التركيب الفكري والاجتماعي للحركة الوطنية في الشمال لم يكن يسمح لها بالتعامل الإيجابي مع حقائق وضعية الجنوب ومواجهتها بالاعتراف بخصوصيتها الثقافية والإقليمية والاستجابة لتطلعاتها المشروعة في إطار سودان موحد. وذلك رغم وضوح هذه الحقائق منذ مؤتمر جوبا 1947 وفي السنوات الأخيرة للحكم الثنائي كما تشير إلى ذلك مناقشات المؤتمر نفسه وتقرير لجنة التحقيق في أحداث تمرد قوات الاستوائية في 1955(9). ونتيجة لكل ذلك سارت التطورات العملية في اتجاه معاكس أدى إلى استبعاد الجنوب وتهميش دوره في دولة الاستقلال. وبذلك برزت أولى العقبات في طريق بناء الدولة الوطنية الموحدة والمستقرة من خلال أخطاء قاتلة ارتكبتها قيادات الأحزاب الشمالية، تمثل أهمها في استبعاد السياسيين الجنوبيين من مفاوضات ومناقشات الحكم الذاتي في 1952 في القاهرة ولندن، وفي فترة الحكم الذاتي 54-1956، وفي مناقشات إعلان الاستقلال في نهاية عام 1955. وعند سودنة الوظائف تنكر السياسيون الشماليون لوعود أطلقوها في انتخابات 1953 بمنح الجنوبيين أولوية في الوظائف الإدارية في الجنوب ومواقع هامة في الشمال، حيث لم يجد هؤلاء سوى ست وظائف من مجموع اكثر من ثمانمائة وظيفة وسطى وعليا كان يشغلها بريطانيون(10). وبذلك أصيبت القيادات السياسية الجنوبية باليأس والإحباط وتزايدت شكوكها في مواقف النخبة الشمالية من مطالبها المشروعة، وبدأت تنظر لسودنة الوظائف الإدارية في المديريات الجنوبية كتوجه لسيطرة (الاستعمار الشمالي) على الجنوب بكامله بعد رحيل البريطانيين. وخلال فترة قصيرة تحولت هذه الشكوك إلى روح معادية للشمال بشكل عام وبالتالي ترسيخ وتعميق روح العداء والكراهية التي زرعتها الإدارة البريطانية في أوساط المتعلمين الجنوبيين خلال سنوات الاحتلال. ومع اتساع حالة السخط والإحباط وسط هذه الأوساط وانشغال الأحزاب الشمالية الكبيرة بإجراءات إعلان الاستقلال وصراعاتها مع بعضها ومع الحركة الجماهيرية والتيارات المرتبطة بها، مع كل ذلك انفجر تمرد الفرقة العسكرية الجنوبية في مدينة توريت في أغسطس 1955 قبل فترة قصيرة من رحيل قوات الاحتلال وإعلان الاستقلال(11). ونتيجة لذلك شهدت علاقات الشمال والجنوب هزه عنيفة أدت إلى ولادة البذور الأولى لحركة المقاومة الجنوبية ووضع الطرفين في مجرى الصراع والاقتتال الأهلي بدلاً من التعايش والتفاعل السلمي الديمقراطي. وبذلك أصبحت الحرب الأهلية في الجنوب سمة أساسية في المسرح السياسي في البلاد طوال فترة ما بعد الاستقلال حتى الآن، وعاملاً أساسياً في عدم الاستقرار وفي خلق حلقة من الانقلابات والانتفاضات والحكم المدني المتقطع. وبالطبع لا يمكن عزل كل ذلك عن التطور التاريخي لمشكلة الجنوب وارتباطها بالسياسة البريطانية ودور الكنائس وجمعيات التبشير في الجنوب طوال اكثر من خمسين عاماً. ولكن أيضاً لا يمكن عزله عن الأخطاء القاتلة التي ارتكبتها الحركة السياسية الشمالية خلال سنوات الحكم الذاتي ونظرتها التبسيطية للهوية السودانية واستخفافها بمطالب الجنوب المشروعة في حماية خصوصيته وتطويرها. كما لا يمكن تجاهل دور القيادات السياسية الجنوبية، المنقسمة على نفسها، في خضوعها لمناورات الأحزاب الشمالية الكبيرة وارتباطها بالقوى الخارجية وتركيزها على معاداة الشمال بشكل عام وعلى التفاوض مع الحكومة المركزية بهدف تعظيم مكاسبها الإقليمية وعدم وعيها بأهمية الحوار والتحالف مع الحركة الشعبية الشمالية طوال سنوات ما بعد الاستقلال تقريباً. فقد اتجهت بعد أحداث 1955 إلى حماية خصوصية الجنوب في مواجهة القوى المسيطرة في الخرطوم، وذلك عن طريق المطالبة بالحكم الفيدرالي وتمكين الجنوب من إدارة شئونه بنفسه. ولذلك رفضت الموافقة على إعلان الاستقلال من داخل البرلمان في نهاية 1955 إلا بعد تأكيد البرلمان على (وضع الاعتبار الكافي لمطالبها في الحكم الفيدرالي عند صياغة الدستور الدائم.) ولكن القوى السياسية المسيطرة تجاهلت وعدها هذا، وتجاهلت ما كان يجري في الجنوب من تململ وسخط وشكوك، وانشغلت بصراعاتها حول السلطة على حساب قضايا التنمية والبناء. وفي هذه الفترة بالتحديد ظهرت الحركة السياسية الجنوبية كحركة إقليمية منظمة وتمكنت من طرح مشكلة الجنوب بشكل واضح في البرلمان والمسرح السياسي، خاصة في مناقشات لجنة الدستور (57/195 التي سيطر عليها شعار (الدستور الإسلامي) وتشير بعض المصادر إلى أن هذا النشاط كان أحد الأسباب التي أدت إلى انقلاب 17 نوفمبر 1958، وبعض الكتابات تنظر للانقلاب كمؤامرة (شمالية) استهدفت قطع الطريق أمام تطلعات الجنوب في الحكم الفيدرالي بعد أن وجدت تفهماً واسعاً في أوساط الحركة الشعبية الشمالية ودوائر متزايدة وسط أحزاب القوى المسيطرة(12). المهم أن الحكم العسكري الأول (58-1964) أدى إلى توسيع عمليات العنف وتزايد روح العداء للشمال في أوساط الصفوة الجنوبية، بسبب توجهه لفرص الأمن والاستقرار بحملات عسكرية واسعة ولفرض عمليات دمج الجنوب في مركز النظام السياسي بإجراءات إدارية وقمعية. ولكن هذا التوجه أدى فقط إلى تفاقم مشكلة الجنوب وخلق صعوبات إضافية في طريق الاستقرار وبناء الدولة الوطنية الموحدة واستكمال إنجاز أهداف مرحلة ما بعد الاستقلال.

    4/ أدت سياسات الحكم العسكري الأول إلى وضع نهاية لتوجهات مؤتمر جوبا 1947 ووعود البرلمان الأول 54-1958 حول خصوصية الجنوب ومتطلبات حمايتها وتطويرها. فقد قام بمواجهة عمليات العنف المسلح المتزايدة في الجنوب بحملات قمع واسعة، باعتبارها تمرداً على سلطة الدولة يجب القضاء عليها دون مراعاة لدوافعها السياسية ودون تمييز بين (المتمردين) والمواطنين الأبرياء. وبجانب ذلك عمل على توسيع مظاهر تعريب وأسلمة الجنوب وإعادة تنظيم جمعيات التبشير المسيحي وطرد بعض القساوسة الأجانب بحجة العمل ضد الدولة ومساندة المجموعات المتمردة، وذلك بالإضافة إلى تقييد حركة السياسيين الجنوبيين وإخضاعهم للمتابعة الأمنية وعمليات الاعتقال والسجن العشوائي. وأدى ذلك بالضرورة إلى توسيع عمليات الصراع والاقتتال الأهلي وتحويل الحركة السياسية الجنوبية إلى حركة مقاومة ممتدة لها جناحها العسكري وسط الغابات والأدغال وجناحها السياسي في الداخل والخارج (وسط وشرق أفريقيا وبعض البلدان الأوربية) وذلك في ظروف صعود حركة التحرر الوطني الأفريقية وصراعات الحرب الباردة. ومن خلال ذلك ظهرت قوات الانيانيا وحركة تحرير جنوب السودان في ستينات القرن الماضي وتمكنت من توسيع عملياتها العسكرية ونشاطها السياسي في الداخل والخارج ووجدت دعم ومساندة مؤسسات كنسية ودول أفريقية وغربية عديدة بما في ذلك إسرائيل. وفي هذا الجانب استفادت كثيراً من الصراعات السياسية في الكنغو ووسط أفريقيا وما صاحبها من تدخلات دولية واسعة(13). وفي هذه الفترة تبلورت ملامح وسمات الحركة السياسة الجنوبية بخصائصها المميزة، المتمثلة في تزاوجها بين العمل السياسي والعسكري وصراعاتها القبلية ومعاداتها للشمال واعتمادها بشكل متزايد على العوامل الخارجية وعلى التفاوض مع المركز بهدف تعظيم مكاسبها الإقليمية. ونتيجة لذلك ظلت تفتقر الوحدة والتماسك ووضوح الأهداف والبرنامج السياسي والبعد عن التفاعل الإيجابي مع الحركة السياسية الشمالية والأفريقية، كما تشير إلى ذلك مذكرات جوزيف لاغو – ومع اتساع عمليات العنف المسلح تحولت مشكلة الجنوب إلى نزيف داخلي متواصل وبوابة للتدخل الأجنبي في شئون السودان وعرقلة تطوره وتقدمه وتهديد وحدته الوطنية وتخريب العلاقات العربية/ الأفريقية والتفاعل الإيجابي بين حركة التحرر القومي العربية وحركة التحرر الوطني الأفريقي خلال تلك الفترة. ولذلك كانت الحرب الأهلية في الجنوب من أهم أسباب انفجار ثورة 21 أكتوبر 1964 التي قضت على الحكم العسكري الأول وأعادت الديمقراطية للبلاد. وهكذا وجدت مشكلة الجنوب اهتماماً فكرياً وسياسياً واسعاً من الحكومة الانتقالية وطوال فترة الديمقراطية الثانية (64-1969) حيث اعترفت معظم القوى السياسية الشمالية، لأول مرة بخصوصية الجنوب وحقه في حماية ثقافاته وإدارة شئونه في إطار سودان ديمقراطي موحد. وبذلك بدأت مرحلتها الثانية. فقد قامت الحكومة الانتقالية بجهود واسعة من اجل إيقاف الحرب والوصول إلى تسوية سياسية ملائمة. ووصلت هذه الجهود قمتها بانعقاد مؤتمر المائدة المستديرة في منتصف 1965 بمشاركة كافة القوى السياسية الشمالية والجنوبية بما في ذلك الحركة المسلحة وحضور مراقبين من الدول الأفريقية والعربية المعنية. ولكن المؤتمر لم ينجح في تحقيق أهدافه، بسبب انقسامات المجموعات الجنوبية وتشتتها بين شعارات تقرير المصير والانفصال والفيدرالية وتزايد التدخلات الخارجية في أوساطها وانشغال أحزاب القوى المسيطرة الشمالية بصراعاتها حول السلطة وغرق الحركة الجماهيرية في شعارات التغيير الاقتصادي والاجتماعي(14).

    وهكذا ضاعت فرصة إعادة مناقشة مشكلة الجنوب والحرب الأهلية ومواجهتها بمعالجات واقعية متوازنة وذلك رغم تأثيراتها المتزايدة في تدهور الوضع الاقتصادي العام وعلاقات البلاد بدول الجوار الأفريقي وفي توسيع نشاط حركات إقليمية عديدة (مؤتمر البجا في الشرق، اتحاد جبال النوبة ونهضة دارفور في الغرب والروابط القبلية والجهوية في مناطق أخرى) كإشارة مبكرة لبروز عقبات ومشاكل إضافية في طريق تعزيز وحدة الكيان السوداني وبناء الدولة الوطنية الموحدة. ومع كل ذلك بذل المؤتمر جهوداً مقدرة أدت إلى اتفاق واسع حول نظام حكم إقليمي قريب من النظام الفيدرالي. وبعد فشل المؤتمر عادت القوى المسيطرة على كراسي الحكم إلى سياسات القمع والعنف المسلح في الجنوب ورفعت يدها عن مواصلة البحث عن مداخل جديدة للتسوية وبدأت في إعادة ترتيب أوضاعها وفرص (دستور إسلامي) وجمهورية رئاسية عن طريق أغلبيتها المكانيكية في البرلمان دون مراعاة لمتطلبات الاستقرار والمصالحة الوطنية الملحة في تلك الفترة. ولذلك تواصلت الحرب الأهلية في الجنوب بشكل أوسع طوال الفترة اللاحقة، وفي الوقت نفسه ازداد نشاط الحركات الإقليمية الأخرى وتنظيمات الحركة الجماهيرية، في مواجهة الدولة المركزية وعجزها المتزايد عن تلبية احتياجات التطور الوطني وضغوطها في اتجاه إجراء إصلاحات سياسية جوهرية في إطار تسوية وطنية شاملة.

    * البحث عن تسوية سياسية:

    اتفاقية أديس أبابا 1972:-
    5/ كانت مشكلة الجنوب من القضايا الأساسية التي أدت إلى انقلاب 25 مايو 1969. ولذلك وجدت اهتماماً كبيراً في برنامجه. وبعد اقل من أسبوعين فقط، أصدرت قيادة الانقلاب إعلاناً حول المشكلة تضمن اعترافاً صريحاً بالفوارق والاختلافات التاريخية والثقافية بين الجنوب والشمال وبحق الجنوب في المحافظة على ثقافاته وتطويرها وفي الحكم الذاتي الإقليمي في إطار (سودان اشتراكي موحد)(15) وكان إعلان 9 يونيو 1969 أول اعتراف حكومي يضع المشكلة في إطارها المرتبط بخصوصية الجنوب الثقافية والإثنية وبأوضاع التفاوت في التطور الاقتصادي الاجتماعي بين الجنوب والشمال. ومع أن الإعلان استفاد كثيراً من جهود مؤتمر المائدة المستديرة، خاصة في جوانب نظام الحكم الإقليمي، إلا انه تجاوزها عملياً في اعترافه بخصوصية الجنوب واختلافاته التاريخية والثقافية عن الشمال وفي ربط الحكم الذاتي الإقليمي بعملية التغيير الاقتصادي والاجتماعي. ونتيجة لذلك اتخذت قيادة الانقلاب عدة خطوات بهدف تمهيد الطريق لإيقاف الحرب الأهلية وتحقيق السلام في إطار تسوية شاملة. ولكن خطواتها لم تتسارع في هذا الاتجاه إلا بعد القضاء على انقلاب 19 يوليو 1971 الشيوعي وإعدام قياداته ومن ثم إجراء تغييرات جوهرية في توجهاتها السياسية والاقتصادية. وفي بداية 1972 توصلت إلى اتفاقية سلام شامل مع الحركة الجنوبية المسلحة، وساعدتها في ذلك عدة عوامل، تمثل أهمها في تحول توجهات النظام الحاكم في اتجاه تحسين علاقاته مع بلدان المعسكر الغربي واعتماده اكثر على مجموعات التكنوقراط، نجاح جوزيف لاغو في توحيد المجموعات الجنوبية في إطار قوات الانيانيا وحركة تحرير جنوب السودان، وإعلان مجلس كنائس عموم أفريقيا في نهاية عام 1971 عن استعداده للتوسط بين الطرفين بهدف إنهاء الحرب وتحقيق السلام والمصالحة في السودان(16). وبذلك انفتح الباب للحوار والمفاوضات بين الطرفين وشاركت فيها قوى عديدة، شملت مجلس كنائس عموم أفريقيا، مجلس الكنائس العالمي، الإمبراطور الأثيوبي السابق هلاسلاسي، بالإضافة إلى تأييد واسع من دول الجوار والدول الغربية الكبرى. ويبدو أن توجهات الحكومة بعد يوليو 1971 هي التي دفعت هذه القوى للقيام بمبادرتها المذكورة انطلاقاً من تقارب توجهات الطرفين وارتباطاتهما بالسياسة الغربية بشكل عام. وهكذا سارت المفاوضات تحت رعاية الإمبراطور الأثيوبي، بمكانته المعروفة في القارة الأفريقية. وفي وقت وجيز توصلت إلى ما عرف باتفاقية أديس أبابا 1972. وتضمنت الاتفاقية الاعتراف بخصوصية الجنوب وحقه في الحكم الذاتي الإقليمي في إطار السودان الموحد بنظامه السياسي القائم على الجمهورية الرئاسية والحزب الواحد. ووجدت تأييداً واسعاً وسط الجنوبيين باستثناء مجموعة محدودة ظلت متمسكة بشعار الانفصال وحق تقرير المصير وكان لها دور مقدر في تجدد الحرب الأهلية في منتصف 1983(17). وخارجياً وجدت دعماً إقليمياً ودولياً واسعاً بحكم دورها في استقرار المنطقة. وبذلك دخل الجنوب في مرحلة جديدة طويت فيها صفحات الحرب الأهلية ودعوات الانفصال وبدأت فيها مرحلة السلام وبناء الحكم الإقليمي في إطار السودان الموحد، ونتيجة لذلك صدر قانون الحكم الذاتي الإقليمي للمديريات الجنوبية الثلاث لسنة 1972 وبروتوكول إجراءات الفترة الانتقالية وتم تضمين كل ذلك في دستور 1973. وبذلك اصبح الجنوب لأول مرة يحكم من خلال حكم إقليمي له مؤسساته التشريعية والتنفيذية بصلاحيات تقترب من الحكم الفيدرالي. وقامت الدولة باستيعاب قوات الانيانيا في القوات المسلحة ومواقع أخرى...الخ. ومنذ البداية ظل النظام الحاكم يعرض الاتفاقية كإنجاز تاريخي أعاد للسودان وحدته الوطنية ووضعه في طريق الاستقرار والسلام والتنمية، وكفرصة لتعويض شعب الجنوب عن مآسي الحرب، وكنموذج للبلدان الأفريقية ذات المشاكل المشابهة. ووجد نميري في هذه الاتفاقية مدداً واسعاً لتقوية مركزه وسط الطبقة الحاكمة وفي مواجهة قوى المعارضة الشمالية بشكل خاص. وذلك من خلال ربط إنجازها وضمان استمرارها بشخصه. ولذلك وطد علاقاته مع قيادة الحركة المسلحة ومجموعات الصفوة الجنوبية التي تسلمت إدارة الجنوب وأصبحت ترى في استمراره في الحكم ضماناً لاستمرار تجربة الحكم الإقليمي وحماية خصوصية الجنوب في مواجهة (نزعة السيطرة الشمالية) وحسب الاتفاقية كان الجنوب هو الإقليم الوحيد الذي يتمتع بالحكم الإقليمي ويشارك في الحكومة المركزية.

    6/ ولكن مقتل الاتفاقية كان يتمثل في ارتباطها بنظام ديكتاتوري فردي معادي للديمقراطية وحقوق المجموعات الثقافية والإثنية المختلفة، وفي أنها جاءت في ظروف كانت الحركة السياسية الجنوبية تعاني من ضعف أساسي في تركيبها الفكري والسياسي. فالطبيعة الديكتاتورية الفردية للنظام الحاكم كانت تتناقض مع فكرة الحكم الإقليمي وحماية خصوصية الجنوب، ولذلك قامت الحركة الجنوبية بحل نفسها والانخراط في الحزب الحاكم، ومنذ البداية بدأ رئيس الجمهورية يمارس تدخلاته في تعيينات الإدارة الجنوبية والتحكم في مسارها حتى وصل إلى تمزيقها في بداية 1983، وذلك رغم نصوص الاتفاقية والدستور الواضحة في تحديد صلاحياته. وفي الوقت نفسه كانت الصفوة الجنوبية، بحكم تركيبها، ترى أن المشكلة هي فقط في تسليم إدارة الجنوب للجنوبيين، دون تفكير جدّي في قضايا التطور الاقتصادي والاجتماعي والمحافظة على خصوصية الجنوب في إطار السوداني الموحد، ولذلك قامت منذ البداية بتجاهل قضايا التنمية وحماية الثقافات الجنوبية وتطويرها(1. وجوزيف لاغو يعترف بذلك، لكنه يرجعه إلى ضعف المفاوض الجنوبي وليس إلى تركيبة الحركة الفكرية والاجتماعية، رغم رنين الشعارات الفضفاضة. ولذلك قامت منذ أيامها الأولى بقبول برنامج النظام الحاكم دون تعديل وبتبديد موارد الإقليم في الصرف على المكاتب والأثاثات والمنازل والسيارات وخلافها، وبتحويل مؤسسات الحكم الإقليمي إلى مصدر للثراء والتراكم الرأسمالي من خلال الفساد المالي وعلاقاتها مع الفئات التجارية والبيروقراطية الشمالية. وعن طريق كل ذلك ظهرت إلى السطح فئة رأسمالية جديدة من داخل جهاز الدولة الإقليمي والطبقة الحاكمة في الإقليم. وساعدها في ذلك مناخ الفساد السائد وقتها وسط أركان الطبقة الحاكمة في الخرطوم وضعف جهاز الدولة الإقليمي والرقابة الإدارية والمالية الإقليمية والمركزية. ومع ذلك تشير كتابات السياسيين الجنوبيين إلى إهمال عمليات التنمية خلال سنوات الحكم الإقليمي وترجعها إلى تجاهل الخطط المركزية لاحتياجـات الأقاليم وليس إلى إدارة الحكم الإقليمي واختلال أولوياتها(19). والمهم أن الصفوة الجنوبية الحاكمة قامت بتبديد موارد الإقليم من التحويلات المركزية والمساعدات الخارجية خلال السنوات الأولى للحكم الإقليمي. وفي النصف الثاني لسبعينات القرن الماضي انفجرت الأزمة الاقتصادية الخانقة في البلاد، حيث قامت الدولة في 1978 بتجميد خطتها الستية (77-1983) وانتهاج سياسات تقشفية صارمة امتدت لسنوات لاحقة، وكان لذلك تأثيرات قاسية على أوضاع الجنوب، بسبب اعتماده الكلي على تحويلات المركز وحرمانه الطويل من الخدمات الأساسية والآثار المدمرة للحرب الأهلية وتجاهل مؤسسات الحكم الإقليمي لاحتياجات السكان في السنوات السابقة(20). وهكذا تفاعلت هذه الظروف لتعكس نفسها في انقسامات وصراعات سياسية وقبلية وشخصية وسط مجموعات السياسيين الجنوبيين بهدف السيطرة على مؤسسات الحكم الإقليمي بمواردها المحدودة. وبرزت هذه الصراعات في البداية في شكل صراعات سياسية بين مجموعات الداخل والخارج، وأنصار حزب سانو وأنصار جبهة الجنوب...الخ. وفي النهاية تحولت إلى صراع واسع بين أبناء قبيلة الدينكا (وأحياناً أبناء القبائل النيلية) الذين ظلوا يسيطرون على جهاز الحكم الإقليمي بحكم أغلبيتهم العددية، من جهة، وأبناء القبائل الاستوائية، الذين لعبوا الدور الرئيسي في قوات الانيانيا خلال الحرب الأهلية ووجدوا أنفسهم بعد الاتفاقية في مواقع هامشية تحت سيطرة مجموعات لم تساهم بما ساهموا به من جهة أخرى، وكانت السلطة المركزية، خاصة رئيس الجمهورية، تعمل على تشجيع ودفع هذه الصراعات والانقسامات بهدف تقوية مركزها ونفوذها في الجنوب وإضعاف الإقليم كمركز ضغط. وأدى ذلك بالضرورة إلى شلل مؤسسات الحكم الإقليمي وتمزيقها في النهاية، وقاد إلى تدني الخدمات والأوضاع المعيشية في الجنوب ككل. فقد شهدت الفترة 72-1983 ست حكومات إقليمية بينما شهدت السنوات 78-1983 حكومة في كل سنة تقريباً(21). وهذا وحده يكفي لتوضيح حدة هذه الصراعات والانقسامات وسط النخبة الجنوبية المسيطرة واتساع تدخلات المركز في شئون الإقليم وما افرزه كل ذلك من إحباط وعدم ثقة في السلطة المركزية التي كانت تقف خلفها وتستغلها لمصلحتها. ومع استمرار حالة الفوضى والانقسامات فقدت مؤسسات الحكم الإقليمي احترام شعب الجنوب وابتعدت عن مسئولياتها. ووصلت هذه الفوضى ذروتها بطرح اقتراح بإعادة تقسيم الجنوب إلى ثلاثة أقاليم، بدعم مباشر من رئيس الجمهورية ومجموعة القصر(22). وبذلك بدأت عملية انهيار الحكم الإقليمي بكامله.

    انهيار الحكم الإقليمي وتجدد الحرب الأهلية:-
    7/ وسط هذه الأجواء بدأت ترتفع، منذ منتصف السبعينات، الأصوات المعارضة لربط مصير الجنوب بشخص نميري ورفض تدخلاته في شئون الحكم الإقليمي. وتطورت حالات الرفض هذه لتعبر عن نفسها في حركات تمرد متتالية وسط قوات الانيانيا السابقة ومن ثم ظهور حركة الانيانيا الثانية وانتشار عمليات العنف المسلح في مناطق متعددة. وفي أوساط الشباب الجنوبي بدأ التوجه نحو المعارضة والمقاومة وبعضهم قام بتكوين تنظيمات يسارية وبعض السياسيين الجنوبيين بدأ يعيد علاقاته مع قوى المعارضة الشمالية منذ 1979(23). وكان لاكتشاف البترول في منطقة بانتيو في بحر الغزال دور كبير في إثارة وتحريك المشاعر الانفصالية وارتفاع الأصوات الداعية لجنوب قوي في مواجهة الشمال ولحقه في ثروته الجديدة. ونتيجة لذلك اتسعت صراعات وانقسامات السياسيين الجنوبيين لتؤدي إلى تجدد الحرب الأهلية في منتصف 1983 واهم الأحداث التي قادت إلى ذلك تمثلت في تدخلات رئيس الجمهورية والسلطة المركزية في صراعات السياسيين وشئون الحكم الإقليمي. وعند بدء العمل في قناة جونقلي انتشرت شائعات حول توطين مزارعين مصريين في المنطقة، وذلك كتعبير عن انعدام الثقة في نوايا الشمال عموماً. وبعدها ظهرت مشكلة حدود الإقليم الجنوبي، التي حسمها رئيس الجمهورية برفضه لقرار مجلس الشعب الإقليمي حول إعادة تخطيط الحدود حسب نصوص اتفاقية 1972، ثم جاء الخلاف حول مصفاة البترول، حيث قرر نميري إقامتها في مدينة كوستي (في الشمال) بدلاً من بانتيو كما كانت ترى الحكومة الإقليمية، وفي عام 1983 قام بإعادة تقسيم الجنوب إلى ثلاثة أقاليم إرضاء لجوزيف لاغو وأبناء الاستوائية الذين كانوا يريدون التخلص من سيطرة الدينكا وبهدف إضعاف الجنوب في المعادلة السياسية، وذلك رغم انه لا يملك مثل هذا الحق حسب نصوص الاتفاقية إلا بإجراء استفتاء شعبي(24). وبذلك قام عملياً بتمزيق الاتفاقية بدعوى أنها (ليست قرآناً ولا انجيلاً) ووقتها وجدت المجموعات التي حملت السلاح في حركة الانيانيا الثانية تأكيداً عملياً لتبرير قيامها بعمليات العنف المسلح واصبح في مقدورها استقطاب إعداد كبيرة من القيادات السياسية التي يئست من إعادة تحريك أجهزة الحكم الإقليمي وتوحيد القوى الجنوبية المتصارعة في مواجهة تدخلات وتجاوزات نميري المتواصلة(25). ونتيجة لذلك اتسعت عمليات العنف وتمردات قوات الانيانيا السابقة في مناطق عديدة من الإقليم. وتتالت الأحداث لتصل إلى تمرد الكتيبة 105 في منطقة بور بأعالي النيل ورفضها تنفيذ أوامر بنقلها للشمال. وكان معظمها من قوات الانيانيا السابقة، وبعد اقتتال عنيف مع القيادة الجنوبية هربت أعداد كبيرة منها إلى الغابة بأسلحتها، وفي البداية انضم هؤلاء لحركة انيانيا الثانية. وفي أغسطس من نفس العام تأسست حركة تحرير شعب السودان SPLM وجيش تحرير شعب السودان SPLA بقيادة العقيد جون قرنق، الذي لحق بجنود وضباط الكتيبة المتمردة ونجح في توحيد مجموعات مسلحة عديدة تحت لواء حركته الجديدة(26). وبعد اقل من شهر أصر نميري على تأجيج الصراعات والانقسامات بإعلان قوانين سبتمبر 1983 بدعوى تطبيق الشريعة في البلاد. ومع أن ذلك لم يكن سبباً مباشراً في تجدد الحرب الأهلية إلا انه دعمها بأسباب إضافية زادتها اشتعالاً. وبذلك عادت أعمال العنف في الجنوب بشكل أوسع، ووجدت دعماً ومساندة من النظامين الأثيوبي والليبي بحكم صراعاتهما مع نظام نميري. ومع تقسيم الجنوب لثلاثة أقاليم وبتجدد الحرب انهارت تجربة الحكم الإقليمي، اكبر إنجازات نظام نميري. وكان لذلك تأثير كبير في إضعافه وتعميق أزمته السياسية والاقتصادية ودفعه في طريق السقوط تحت ضربات انتفاضة مارس/أبريل 1985. ويبدو أن هذا الانهيار يرتبط باختلالات أساسية في اتفاقية 1972، يتمثل أهمها في الآتي:-

    * أنها كانت بين طرفين يمتلكان القوة، لكنهما لا يمثلان شعب السودان في شماله وجنوبه. وكانت تعبر عن توازن قوى وطني وإقليمي ودولي معين اجبر الأطراف المعنية على الوصول للاتفاقية بصورتها المعروفة. ولهذا السبب برزت خلافات القوى الجنوبية حول مسار الحكم الإقليمي وعلاقاته مع الشمال والحكومة المركزية. ووجدت الاتفاقية معارضة واسعة من القوى السياسية الشمالية وبعض دول الجوار. وبذلك تحولت إلى صفقة سلام مؤقت. وعندما حققت أهدافها لم يجد النظام الحاكم حرجاً في تمزيقها.

    * أنها حصرت نفسها في مشكلة الجنوب والحرب الأهلية لتحقيق السلام والحكم الذاتي الإقليمي وتجاهلت تماماً ارتباطها بقضايا بناء الدولة الوطنية الموحدة، وفي مقدمتها قضايا الديمقراطية والوحدة الوطنية والتنمية الشاملة والمتوازنة وعلاقات البلاد مع محيطها العربي والأفريقي والدولي. وحتى الحكم الإقليمي حصرته في الجنوب فقط وحرمت الأقاليم الأخرى من حقها المشروع في إدارة شئونها. وفي الوقت نفسه حولته إلى إجراءات إدارية وسياسية وأبعدته عن قضايا التنمية والتمايز الثقافي والاثني التي تشكل أساس مشكلة الجنوب. وفي ظروف تجاهل هذه القضايا وغياب المؤسسات الديمقراطية القادرة على حماية التجربة وتطويرها، أدت التطورات العملية إلى تآكل الاتفاقية وانهيارها من الداخل.

    * أنها اعتمدت بشكل رئيسي على دور العوامل الخارجية الإقليمية والدولية. وهي بطبيعتها تركز فقط على مصالحها في السلام واستقرار المنطقة ولا تهتم كثيراً بقضايا الصراع الداخلية الأساسية. ولذلك وجدت الاتفاقية نفسها معزولة عن محيطها وقضاياه الملحة. وبرز ذلك في البداية في توترات وخلافات داخل النظام الحاكم والحركة الجنوبية المسلحة وفي معارضة القوى الشمالية وتشككها في الأهداف الحقيقية للاتفاقية وفي توتر العلاقات مع مصر وليبيا، أهم حلفاء النظام الحاكم في تلك الفترة.

    هذه الاختلالات حولت الاتفاقية إلى صفقة سلام مؤقتة وفرت للصفوة الجنوبية حكم الإقليم الجنوبي مقابل دعم النظام الحاكم واستقراره لفترة أطول. وعندما حققت أهدافها الأولية لجأ النظام الحاكم إلى مصالحة بعض قوى المعارضة الشمالية في 1977 وترضية القوى الإقليمية الشمالية بقانون الحكم الإقليمي في 1980، بهدف مواجهة أزماته المتزايدة. وكان لكل ذلك تأثيره الكبير في إضعاف تجربة الحكم الإقليمي في الجنوب وتهميش دوره في المعادلة السياسية في البلاد، وذلك بحكم معارضة هذه القوى لاتفاقية 1972 وتوجهاتها الإسلامية والقومية المتطرفة. وفي النهاية لم يجد نميري سوى إلغاء الاتفاقية والتحول إلى شعارات (الإسلام والشريعة الغراء) علها تسعفه في احتواء أزماته السياسية والاقتصادية المتزايدة. ولكنه بدلاً من ذلك ادخل البلاد في أزمة وطنية شاملة تهدد وجودها في أساسه وتضع الأساس لتقوية وتعزيز الاتجاهات الداعية لتقسيم البلاد على أسس عرقية ودينية، وبالتالي قطع الطريق لبناء دولة وطنية موحدة.

    * الأبعاد الجديدة في مشكلة الجنوب:-
    8/ هكذا ضاعت فرصة تحويل اتفاقية 1972 إلى مدخل لإعادة بناء الدولة الوطنية من خلال تأكيد خصوصية الجنوب في إطار سودان موحد، بل إن انهيار التجربة أدى إلى عودة الصراع الجنوبي/الشمالي بشكل اكثر شراسة واتساعاً. ومع ذلك كان للاتفاقية تأثيرات حاسمة في مجرى حركة التطور الوطني بشكل عام وتوجهات الحركة السياسية الجنوبية بشكل خاص. فقد أوقفت الحرب الأهلية وأعادت علاقات الشمال/الجنوب إلى تقاليد التعايش والتفاعل المتبادل، وأقامت حكماً إقليمياً أتاح للصفوة الجنوبية، لأول مرة، فرصة حكم إقليمها في إطار سودان موحد. ومن خلال ذلك تمكنت حركتها السياسية، باتجاهاتها المختلفة، من امتلاك تجربة غنية في إدارة الإقليم والاحتكاك بمشاكله وتطلعاته والتعرف على إمكانيات بناء علاقة متكافئة مع الشمال والحكومة المركزية(27) وبجانب ذلك وفرت تجربة الحكم الإقليمي شروطاً إضافية لتأسيس وترسيخ الهوية الإقليمية الجنوبية وتطويرها في اتجاهات خطوط مؤتمر جوبا 1947 وتوجهها لبناء مشتركات تتجاوز الانتماءات القبلية في مواجهة الهوية العربية الشمالية والحركات الإقليمية في الشمال نفسه، وذلك رغم صراعات وانقسامات تلك الفترة. وفي هذا الإطار أكدت التجربة أهمية الجنوب في معادلة الوحدة الوطنية وبناء الدولة الموحدة واستقرار علاقات الجوار الأفريقي والعربي، وذلك بحكم ثقله السكاني وتداخله مع دول الجوار وتأثير حركته السياسية في تنمية وتطوير الحركات الإقليمية في الشمال. وأكدت أيضاً إمكانية الوصول إلى (تسوية وطنية تاريخية) اشمل واكثر ثباتا واستقراراً، تراعى احترام خصوصيات الجنوب الأقاليم الأخرى ومتطلبات تعزيز وحدة الكيان السوداني إذا ما توفرت الشروط الضرورية. والمدخل إلى ذلك يتمثل في بناء دولة مدنية ديمقراطية ترتكز علي المساواة في الحقوق والواجبات وحق المجموعات المختلفة في تطوير خصوصياتها في إطار الخصوصية الوطنية العامة. ولذلك كان انهيار اتفاقية 1972بداية لدخول مشكلة الجنوب في مرحلتها الثالثة المستمرة حتى الآن. وترافق ذلك مع دخول البلاد في أزمتها الوطنية الشاملة التي تهدد وجودها في أساسه، على الأقل منذ بدايات العقد التاسع للقرن الماضي. وفي الجنوب انعكست هذه المتغيرات في توجهات الحركة الشعبية لتحرير السودان مقارنة بحركة الانيانيا الأولى والثانية والحركات السياسية الجنوبية الأخرى في الفترات السابقة. فبرنامجها يرفض شعارات الانفصال وتقرير المصير ويتمسك بوحدة الكيان السوداني، بتنوعه الاثني والثقافي والديني، على أسس جديدة. وتعلن أنها تعمل لبناء (سودان جديد) خالي من التفرقة العرقية والاجتماعية والدينية، وأنها تتوجه بخطابها هذا لكافة أهل السودان وأقاليمه، خاصة في المناطق المهمشة في الجنوب والشرق والغرب والشمال الأقصى، من خلال شعارات المساواة والتنمية والعدالة. وهذه التوجهات، في مجملها، تعكس تطوراً نوعياً في مجرى الحركة السياسية الجنوبية ومحاولة جادة لإعادة تأسيس الكيان السوداني على أسس تلبي تطلعات كافة أقاليمه ومجموعاته السكانية. وربما يعود بعض ذلك إلى تأثيرات مدرسة الاشتراكية الأفريقية في دول الجوار ورفض شعار الانفصال في القارة الأفريقية خلال تلك الفترة، كما يقول جوزيف لاغو في مذكراته، ولكنه يرتبط، في أساسه، بدروس وخبرات انهيار تجربة الحكم الإقليمي في الجنوب. وبجانب هذه التطورات الإيجابية ترتبط الحركة بتوجهات سلبية عديدة، يمثل أهمها في قاعدتها وهويتها الإقليمية الجنوبية (رغم شعاراتها الوطنية الواضحة) وتمسكها بتقاليد حركة المقاومة الجنوبية في المراحل السابقة، وطرح نفسها كبديل للحركة السياسية الشمالية والجنوبية على السواء وتوجهها لفرض نظام الحزب الواحد وأسلوب العمل المسلح كطريق وحيد لبناء (السودان الجديد) على الأقل في سنواتها الأولى، متجاهلة في ذلك تجربة الحركة السياسية السودانية في عمومها ودورها المعروف في تاريخ السودان الحديث. ويضاف إلى ذلك أن خطابها السياسي ظل، طوال مرحلتها الأولى، وربما حتى الآن، يصور الصراع السياسي والاجتماعي كصراع ديني وعرقي بين (الهوية العربية الإسلامية) المسيطرة والمجموعات السكانية المهمشة في الجنوب والغرب والشرق والشمال الأقصى. ومثل هذا الخطاب يمثل ردة فعل عنيفة ضد استهتار الحكومة المركزية والقوى المسيطرة على السلطة في البلاد بعهودها واتفاقياتها مع الجنوب، كما يعبر عن ذلك عنوان كتاب ابيل ألير، السياسي الجنوبي المعروف بدوره الكبير في اتفاقية 1972(2. ولذلك يخلط السياسي والاقتصادي الاجتماعي بالثقافي ولا يميز بين القوى المسيطرة والمهيمنة من جهة والهوية القومية المرتبطة بها هذه القوى من جهة أخرى. ويتناقض هذا الخطاب مع شعارات الحركة حول التنمية والمساواة والعدالة والسودان الجديد، بمكوناته المختلفة، وفي مقدمتها القومية العربية الشمالية بدورها المركزي المعروف في بناء الكيان السوداني والمحافظة على وحدته طوال الحقب الماضية، ويتجاهل حقيقة الأزمة الوطنية الشاملة الجارية في البلاد بتأثيراتها السلبية الواسعة في تهميش وافقار كل الأقاليم تقريباً، بما في ذلك إقليم الوسط. ولذلك كان لمجمل هذه التوجهات بجوانبها الإيجابية والسلبية دورها الفعال في تحديد مواقف الحركة وردود أفعال الحركة الشمالية بشكل عام، والقوى المهيمنة بشكل خاص، في الفتة اللاحقة ومع ذلك كان لنشاطها العملي دوره المباشر في إسقاط النظام المايوي في انتفاضة مارس/أبريل 1985 وفي تحديد مجرى الصراع السياسي والاجتماعي منذ الانتفاضة وحتى الآن.

    9/ في فترة الحكومة الانتقالية (85/1986) كان الأمل أن تعمل على إيقاف الحرب وتحقيق السلام ولكن ظروفاً عديدة حددت المواقف الأساسية وسط القوى السياسية في المواقف التالي:-

    * موقف القوى المسيطرة على السلطة، التي ظلت، منذ البداية، تعمل على عرقلة أي توجه لإيقاف الحرب وتحقيق السلام وبناء سودان ديمقراطي موحد. وهي تمثل امتداداً لقوى النظام المايوي، التي تسببت في تجدد الحرب الأهلية وإدخال البلاد في أزمتها الوطنية الشاملة. هناك أولاً المجلس العسكري الانتقالي (ومعه القيادة العامة) المسيطر على السلطة الفعلية. وكانت تحكمه روح المحافظة على الركائز السياسية والاقتصادية والقانونية للنظام المايوي، ونظرته الضيقة لمشكلة الحرب باعتبارها تمرداً وخروجاً على القانون وسلطة الدولة دون أي تقدير لدوافعها ومطالبها السياسية والاجتماعية. ولذلك ظل ينظر للحركة الشعبية باعتبارها العدو الأول للقوات المسلحة والسلطة السياسية ولمبادرات الحوار معها بعدم الرضا إذا لم يعتبرها خيانة عظمى. ولهذا السبب لم يشغل نفسه بقضية السلام، وظل يركز على دعم القوات المسلحة والتعبئة السياسية من اجل هزيمة (حركة التمرد وأعوانها في الداخل) وهنالك ثانياً القوى المايوية وكانت تحلم بعودة نميري ونظامه في أي وقت. وهناك ثالثاً الجبهة الإسلامية القومية التي ظلت تشارك في النظام المايوي منذ مصالحة 1977، وأصبحت جزءاً من قاعدته السياسية الاجتماعية حتى سقوطه. وخلال الفترة الانتقالية ظلت تركز على الدفاع عن ركائز النظام المايوي في مواجهة قوى الانتفاضة خاصة نهجه الاقتصادي وقوانين سبتمبر 1983، باعتبارها (شرع الله) ومنطلقاً لتحقيق مشروعها السياسي. وتمثل خطها السياسي في تلك الفترة في الدعوة لاستمرار الحرب تحت شعارات (الدفاع عن العقيدة والوطن) و(هزيمة جون قرنق والقوى العلمانية والطابور الخامس)(29) ودفع البلاد في اتجاه حكم عسكري يقوم بقمع القوى السياسية الأخرى كخطوة في طريق سيطرتها على البلاد وإقامة دولتها الدينية. وكانت تمثل العمود الفقري لقوى الحرب والدكتاتورية في البلاد، بحكم إمكانياتها التنظيمية والاقتصادية واعتمادها على الشعارات الإسلامية وعلاقاتها الإقليمية والدولية الواسعة. ولذلك ظلت ترفع رايات الحرب وتعمل على عرقلة أي توجه لإيقافها طوال الفترة الانتقالية والفترة اللاحقة. واستفادت في ذلك من سيطرة المجلس العسكري على السلطة الفعلية وضعف قوى الانتفاضة ومن الموقف السلبي للحركة الشعبية من الوضع السياسي، الذي أفرزته انتفاضة أبريل 1985، ورفض التعامل معه باعتباره انقلاباً مايوياً. وأياً كانت دوافع ذلك الموقف، فقد أدى عملياً إلى إحراج قوى السلام والديمقراطية ومنح قوى الحرب فرصاً واسعة لتأجيج المشاعر الدينية والعرقية وعرقلة مساعي السلام حتى نهاية الفترة الانتقالية.

    * وفي المقابل هناك موقف قوى الانتفاضة، قوى التجمع الوطني، الداعي للحوار مع الحركة الشعبية من اجل إيقاف الحرب وتحقيق السلام وبناء سودان ديمقراطي موحد. وذلك انطلاقاً من ميثاقها المعلن ومن تاريخها السياسي في الفترات السابقة. وفي هذا الاتجاه نجحت هذه القوى في مواجهة قوى الحرب والديكتاتورية ودفع الحكومة الانتقالية لإصدار إعلان سياسي حول قضايا الحرب والسلام والدعوة لعقد مؤتمر وطني لمناقشة مشكلة الجنوب والقضايا الوطنية الأساسية بمشاركة كل القوى الفاعلة، بما في ذلك الحركة الشعبية(30). وفي الوقت نفسه قامت بمحاولات عديدة لدفع الحركة في طريق الحوار من اجل السلام. وفي نهاية مارس 1986 نجحت في تنظيم لقاء كوكادام الذي شاركت فيه كل قوى التجمع الوطني وإصدار إعلاناً مشتركاً عرف باسم (إعلان كوكادام) وبذلك حققت أول اختراق عملي في جدار الحرب الأهلية ومن ثم فتح الباب لاستئناف الحوار الوطني من اجل السلام وبناء سودان ديمقراطي موحد.

    * من الحكم الإقليمي إلى تقرير المصير:-
    10/ ومع استمرار الصراع بين هذين الموقفين في كافة المجالات السياسية والاقتصادية، أدى إعلان كوكادام إلى دفع الحركة الشعبية في قلب حركة الصراع السياسي في البلاد والحوار مع القوى الأخرى، ومن ثم توسيع اهتمامها بالعمل السياسي المباشر. ومثل ذلك خطوة كبيرة أدت إلى تحويل قضية السلام إلى مدخل أساسي لمواجهة الأزمة الوطنية الجارية بحلفاتها المتداخلة والمتشابكة: إيقاف الحرب وتحقيق السلام، توطين الديمقراطية، تعزيز الوحدة الوطنية والتنمية الشاملة والمتوازنة. وذلك بحكم تأثيرها المباشر في كل هذه القضايا. فاستمرار الحرب لا يساعد في الاستقرار السياسي وتوطين الديمقراطية، ويؤدي إلى تحويل معظم الموارد للعمليات العسكرية وتحطيم البنيات الأساسية وتهديد وحدة البلاد وسيادتها الوطنية. وبنود الإعلان تشير إلى تركيز واضح على العوامل الأساسية التي تحكمت في صراع الشمال والجنوب (الهوية الوطنية والسلطة والثروة) ولكن بأبعاد جديدة تختلف كلية عن الأبعاد التي تحكمت في اتفاق أديس أبابا 1972. فمشكلة الجنوب لم تعد، كما كانت في الفترات السابقة، مجرد عامل مؤثر في الوضع السياسي العام، بل أصبحت العامل الأكثر تأثيراً في الأزمة الوطنية الجارية. والمشكلة لم تعد مجرد مطالبة بالحكم الفيدرالي أو الإقليمي أو حتى الانفصال، بل تحولت إلى تساؤل حول مصير السودان.. هل يبقى دولة موحدة على أسس محددة ؟ أم يتم تقسيمه على أسس دينية وعرقية ؟ والإعلان يدعو إلى بناء دولة موحدة يشارك فيها الجنوب بفاعلية، وذلك من خلال مؤتمر دستوري وطني يعيد تأسيس (الوطن) على أساس عقد اجتماعي جديد لمصلحة كافة أهله وأقاليمه. ويشير ذلك إلى تراجع أساسي في خطاب الحركة الشعبية الشمولي، الذي ساد في الفترة السابقة، وفي خطاب القوى السياسية الشمالية ونظرتها التبسيطية لمشكلة الجنوب طوال فترة ما بعد الاستقلال. وهو تراجع إيجابي يؤكد قبول الآخر واعتماد الحوار الوطني وصولاً إلى بداية جديدة تحل محل تلك التي فرضت نفسها عند إعلان الاستقلال في مطلع 1956. وبذلك يعيد الإعلان مناقشات مؤتمر جوبا 1947 وحوارات القوى السياسية قبيل إعلان الاستقلال وفي مناقشات لجنة الدستور في عام57/1958 ومداولات مؤتم المائدة المستديرة 1965 الذي يكتمل. ومن هنا تنبع أهميته السياسية والتاريخية ويتيح فرصة جديدة لبناء سودان ديمقراطي موحد وفاعل في محيطه الإقليمي والدولي. والحلقة الأساسية في كل ذلك تمثلت في عقد المؤتمر الدستوري الوطني باجندته المعلنة. ومن هنا كان تأثيره الحاسم في إعادة اصطفاف القوى السياسية والاجتماعية، بين قوى السلام والديمقراطية والوحدة الوطنية من جهة، وقوى الحرب والديكتاتورية وتقسيم البلاد على أسس دينية وعرقية من جهة أخرى. ولذلك وجد الإعلان رفضاً قاطعاً من القوى المسيطرة على السلطة والسوق الوطني، المستفيدة من التركيب السياسي والاقتصادي الاجتماعي القائم، وفي مقدمتها الجبهة الإسلامية القومية والقوى المايوية والفئات الاجتماعية المرتبطة بهما، وبدرجة اقل من دوائر متنفذة وسط القوى المهيمنة التقليدية، خاصة مراكزها التجارية والقبلية والطائفية. وذلك لوعي هذه القوى بخطوة مثل هذا المؤتمر على مصالحها وامتيازاتها وعلاقاتها الداخلية والخارجية. ولتغطية رفضها هذا ربطته بـ(الإسلام والشريعة الغراء والهوية القومية الشمالية) واتهام القوى الموقعة عليه بـ(الطابور الخامس والعمالة للدوائر الاستعمارية والصهيونية) وظلت تعمل على إفشاله بأساليب مختلفة طوال فترة الديمقراطية الثالثة (86-1989) وفي 1987 طرحت الجبهة الإسلامية مشروعها لحل مشكلة الجنوب في ما أسمته (ميثاق السودان) ودعت إلى حكم فيدرالي يسمح بإصدار قوانين (إسلامية) وأخرى مختلفة في الجنوب، كمحاولة لإزالة عقبة أساسية في طريق مشروع دولتها الدينية، وذلك من خلال إرضاء الجنوب بالحكم الذاتي والقفز فوق قضايا الهوية وتقسيم السلطة والثروة المطروحة في اجندة المؤتمر الدستوري، وبالتالي فتح الطريق لتحالفات مع مجموعات الاستوائية الرافضة لسيطرة الدينكا ومغازلة حزب الأمة في نفس الوقت(31). ولم يشر الميثاق إلى قضية الديمقراطية والحريات العامة في نظام الحكم. وذلك يعني العودة للنموذج المايوي واتفاقية 1972، التي تجاوزتها تطورات الأحداث. وحاولت تطبيق ذلك بمشاركتها في حكومة الصادق المهدي الثالثة (88/1989) بفرض صورة أخرى من قوانين سبتمبر 1983، كجزء من خطتها لعرقلة مساعي السلام عن طريق تأجيج المشاعر الدينية وإحراج حزبي الأمة والاتحادي. وعند إعلان اتفاقية السلام السودانية، الموقعة بين الاتحادي والحركة في نوفمبر 1988(32)، لعبت دوراً كبيراً في عرقلتها واعتبرتها بوابة للتخلي عن (الإسلام والشريعة) بهدف تغيير هوية البلاد وإخضاعها للهيمنة الاستعمارية والصهيونية. ولكن تطور الأحداث دفع غالبية القوى السياسية والاجتماعية والقوات المسلحة لتكوين حكومة سلام في منتصف عام 1989. ووقتها لم تجد قوى الحرب الديكتاتورية سوى القيام بانقلابها العسكري في 30 يونيو من نفس العام، بهدف قطع الطريق أمام عملية السلام الجارية وقتها وإجهاض التجربة الديمقراطية التي حرمتها من تنفيذ مشروعها بالطرق الديمقراطية. وبذلك ضاعت فرصة ثمينة لتحقيق السلام وبناء سودان ديمقراطي موحد، من خلال اتفاقية لم تلزم القوى المعنية بأي شروط سوى تهيئة الظروف لعقد المؤتمر الدستوري. ومنذ لذلك الوقت تحولت مشكلة الجنوب من مشكلة سياسية لها أسبابها المحددة وتطلعاتها المشروعة إلى مشكلة صراع ديني وعرقي أقصائي، تظلله رايات الجهاد والحرب المقدسة دفاعاً عن (العقيدة والوطن) والمشروع الحضاري الاسلاموي، ومن مشكلة وطنية يمكن حلها عن طريق الحوار السلمي بين الأطراف المعنية إلى مشكلة إقليمية ودولية، يمكن حلها فقط بالمبادرات الخارجية وضغوط القوى الإقليمية والدولية المؤثرة في المنطقة ولتنحصر أخيراً في مبادرة الإيقاد. ومن خلال ذلك تسللت شعارات الانفصال وحق تقرير المصير لتفرض نفسها كحل عملي وحيد لصراع ممتد وله تأثيره الواسع في استقرار وسلامة المنطقة. وامتدت آثار ذلك إلى داخل صفوف الحركة الشعبية، بانقسام دعاة الانفصال في 1991 وبالتالي توسيع خياراتها لتشمل الوحدة الطوعية والكونفيدرالية والانفصال. وتسارعت التطورات ليستقر شعار تقرير المصير في إعلان فرانكفورت 1992 بين الحكومة والمجموعة المنقسمة من الحركة الشعبية. وبعد ذلك وجد طريقه إلى مبادرة الإيقاد في إعلان مبادئها 1994 وفي اتفاقية الخرطوم للسلام الموقعة بين الحكومة وعدة فصائل جنوبية في 1997. ثم في دستور الدولة لسنة 1998. ولذلك كان من الطبيعي أن تقوم اتفاقية مشاكوس 2002 واتفاقيات نيفاشا 2003 و 2004 على أساس دولة واحدة بنظامين مختلفين وحق تقرير المصير للجنوب بعد الفترة الانتقالية. وهكذا لم تؤدي دروس وخبرات اتفاقية 1972 إلى تسوية وطنية اكثر شمولاً وأكثر ثباتاً واستقراراً في إطار وحدة الدولة السودانية، وإنما إلى تسوية قلقة تحمل نفس سلبيات واختلالات تلك الاتفاقية وبصورة تقود حتماً إلى تفكيك وحدة الكيان السوداني على أسس دينية وعرقية.

    خلاصة:

    11/ حاولنا في الصفحات السابقة متابعة تطورات مشكلة الجنوب ودورها في عرقلة بناء الدولة السودانية واستقرارها، طوال فترة ما بعد الاستقلال، وتعرضنا للأسباب التي أدت إلى اتفاقية 1972 وتطورات تجربة الحكم الإقليمي في الجنوب والاختلالات التي أدت إلى انهيارها وتجدد الحرب الأهلية في عام 1983. وتناولت الورقة الأبعاد الجديدة في مشكلة الجنوب وتحول قضية السلام إلى مدخل أساسي لمواجهة الأزمة السودانية بحلفاتها المتداخلة: إيقاف الحرب وتحقيق السلام، توطين الديمقراطية، تعزيز الوحدة الوطنية والتنمية الشاملة والمتوازنة. وتابعنا محاولات التسوية بعد سقوط نظام نميري، بتركيز على إعلان كوكادام، الذي طرح إمكانية إيقاف الحرب وتحقيق السلام وإعادة تأسيس الوطن السوداني على أسس راسخة من خلال مؤتمر دستوري وطني تشارك فيه كل القوى السياسية والاجتماعية الفاعلة في البلاد. وحددت الورقة العوامل التي أدت إلى إفشال هذه المحاولة وكذلك اتفاقية الميرغني/قرنق التي أدت إلى انقلاب 30 يونيو 1989 ونظام الإنقاذ القائم. وإذا كانت هذه التطورات قد أدت إلى تأزم العلاقات الشمالية/الجنوبية بصورة أوسع وأخطر من أي وقت مضى، فقد أدخلت البلاد في أزمة وطنية شاملة تهدد وجودها في أساسه، وورطت الإسلام والعروبة السودانية في مأزق عدم القدرة على التعايش والتفاعل الإيجابي مع المجموعات الوطنية الأخرى، بشكل عام، والجنوبية، بشكل خاص، وجعلتهما يتناقضان مع دورهما المركزي في بناء الكيان السوداني والمحافظة على وحدته طوال الفترات السابقة. ولذلك لم تنحصر شعارات الانفصال وتقرير المصير في الجنوب وحده، بل تمتد الآن إلى مناطق وأقاليم أخرى في الشمال نفسه، وما يجري في جبال النوبة وجنوب النيل الأزرق ودارفور خير شاهد على ذلك(33). وتوجهات اتفاقية مشاكوس ونيفاشا تقوم على توجهات تقود فقط إلى انفصال الجنوب، وسيكون لذلك تأثيراته في تحريك الأقاليم الشمالية للمطالبة بحقوقها في السلطة والثروة وحماية خصوصياتها أسوة بما يحدث في الجنوب. ولنا هنا أن نتساءل عن مبررات رفض الجبهة الإسلامية القومية لاتفاقية الميرغني/قرنق في عام 1989.. هل كانت أسوأ من التسوية الجارية الآن؟ وهل هذه التسوية تستحق كل التضحيات التي تحملها الشعب السوداني طوال سنوات الإنقاذ السابقة؟ ولماذا، إذن، رفضت السلطة الحاكمة خيار الكونفدرالية الذي طرحته الحركة في مفاوضات ابوجا 1992 وفي مفاوضات الإيقاد قبيل اتفاق مشاكوس؟؟ هل مصلحة الإسلام والعروبة السودانية هي في الدولة السودانية الموحدة والتعايش مع المجموعات والثقافات الوطنية الأخرى.. أم.. في تفكيكها إلى دويلات دينية وعرقية؟ وأياً كانت إجاباتنا على هذه الأسئلة وغيرها، فإنها تؤكد أهمية خيار العودة إلى جوهر إعلان كوكادام واتفاق الميرغني/قرنق المتمثل في المؤتمر الدستوري الوطني لمناقشة القضايا الوطنية الأساسية وبناء سودان ديمقراطي موحد وفاعل في محيطه العربي والأفريقي والدولي. وذلك من خلال وحدة وتماسك قوى التجمع الوطني الديمقراطي، وحزب الأمة وقوى المعارضة الديمقراطية الأخرى، من اجل دعم وترسيخ عملية السلام الجارية وربطها بتحول ديمقراطي حقيقي ومواجهة اختلالات التسوية السياسية الجارية واجتثاث الأزمة السودانية من جذورها. وهناك إمكانية فعلية لتحقيق ذلك استناداً إلى مواثيق ومقررات التجمع الوطني، وخاصة ميثاق 1989 ومقررات مؤتمر اسمرا 1995 ومذكرة تجمع الداخل في 1998 ووثيقة الإجماع الوطني التي أصدرها التجمع وحزب الأمة في يوليو 2003. وبذلك وحده يمكن مواجهة المخاطر والتداعيات التي ستفرزها التسوية الجارية الآن.



    مراجع:-

    1- صراع السلطة والثروة في السودان، تيم نبلول، ترجمة: الفاتح التجاني ومحمد علي جادين، دار الخرطوم للطباعة والنشر، الخرطوم، طبعة ثانية 1999.

    2- السودان: الدولة المضطربة، بيتر ودوارد، ترجمة محمد علي جادين، مركز محمد عمر بشير للدراسات السودانية، الجامعة الأهلية، أمد رمان، 2001م.

    3- مناقشات في إطار عروبة السودان وأفريقيته، عبد الغفور محمد احمد، دار نشر جامعة الخرطوم، 1988م.

    4- تاريخ السودان الحديث، محمد سعيد القدال، مركز عبد الكريم ميرغني، أمد رمان.

    5- دينامية الهوية في السودان، فرانسيس دينق، ترجمة محمد علي جادين، مركز الدراسات السودانية، القاهرة، 2002م.

    6- حوارات الهوية والوحدة الوطنية في السودان، عبد العزيز الصاوي، مركز الدراسات السودانية، القاهرة، 1995م.

    7- التجربة الديمقراطية الثالثة في السودان 85-1989م، محمد علي جادين، مركز الدراسات السودانية، القاهرة، 1997م.

    8- الماركسية ومسألة اللغة في السودان، عبد الله علي إبراهيم، دار عزة للطباعة والنشر، الخرطوم، 2002م.

    9- مذكرات الفريق معاش جوزيف لاغو، ترجمة محمد علي جادين، يتوقع نشره في مركز محمد عمر بشير للدراسات السودانية، الجامعة الأهلية، أمد رمان.

    10- أعداد من مجلة الثقافة الوطنية، مجلة شهرية صدرت منها سبعة أعداد في 1988/1989، الخرطوم، ثم توقفت عن الصدور.

    11- سودنة تاريخ السودان، عمر النقر، ورقة قدمت لسمنار حول وحدة السودان، لندن، 2000م.




    هوامش

    1- تشمل الأحداث الهامة: أحداث تمرد 1955، شروط السياسيين الجنوبيين لإعلان الاستقلال من داخل البرلمان، ديسمبر 1955، انقلاب 17/11/1958، ثورة 21 أكتوبر 1964، انقلاب 25/5/1969، اتفاقية أديس أبابا 1972، تجدد الحرب الأهلية في 1983، انتفاضة مارس/أبريل 1985، اتفاقية الميرغني/قرنق 1988، انقلاب 30/6/1989 والتطورات اللاحقة.. يجاور السودان تسع دول: مصر وليبيا من الشمال، تشاد وأفريقيا الوسطى من الغرب، الكنغو ويوغندا وكينيا من الجنوب، أثيوبيا وإرتريا والبحر الأحمر من الشرق.

    2- يشير إحصاء 1955 إلى أن هناك 19 مجموعة سكانية رئيسية وحوالي 597 مجموعة فرعية، ووسط هذه المجموعات تشكل المجموعة التي تدعي الأصول العربية 39%، النوبيون في الشمال 3%، البجا في الشرق 6%، النوبة في كردفان 6%، مجموعات غرب أفريقيا 13%، الجنوبيون 26%، مجموعات أخرى 7% من إجمالي السكان. وفي الجنوب تشكل مجموعة الدينكا وحدها 12% والقبائل النيلية (الدينكا، النوير، الشلك) 18% من السكان. ويشير التقرير إلى وجود 115 لغة، معظمها في الجنوب ومن بينها هناك 26 لغة يتخاطب بكل منها اكثر من 100 ألف نسمة، ويتحدث العربية حوالي 52% من السكان.

    3- عمر النقر.

    4- عبد العزيز الصاوي.

    5- محمد سعيد القدال.

    6- فرانسيس دينق.

    7- عبد الغفار محمد احمد.

    8- بيتر ودوارد.

    9- يحدد التقرير اختلافات الجنوب والشمال في الآتي:-

    10- بيتر ودوارد.

    11- تيم نيلوك، ص 196.

    12- جوزيف لاغو.

    13- نفسه.

    14- محمد علي جادين ص 32.

    15- عبد الله علي إبراهيم.

    16- تيم نيلوك، ص 252.

    17- عبد الغفار محمد احمد ص 44.

    18- يقول عبد الله علي إبراهيم أن بعض القيادات الجنوبية كانت تفكر في اعتماد السواحلية كلغة قومية للجنوب وأن المرحوم جوزيف قرنق بدأ في دراسة إمكانية اعتماد لغة الدينكا أو أي لغة محلية أخرى كلغة قومية للجنوب، وجاءت اتفاقية أديس أبابا 1972 لتجعل اللغة الإنجليزية لغة أولى في الجنوب. وطوال سنوات الاتفاقية لم تهتم سلطات الحكم الإقليمي بتطوير اللغات المحلية وتأهيلها لتصبح وسيطاً في التعليم. راجع الماركسية ومسألة اللغة في السودان.

    19- جوزيف لاغو.

    20- بيتر ودوارد.

    21- حكومة أبيل ألير الأولى 72-1978 حكومة جوزيف لاغو 78-1979، حكومة بيتر مانكوث 1979/1980، حكومة أبيل ألير الثانية 80/1981، حكومة عبد الله قسم الله رصاص 81/1982، حكومة جوزيف طمبرة 82/1983 – المصدر مجلة الثقافة الوطنية، مايو 1989، الخرطوم.

    22- تيم نيلوك، ص 261.

    23- نفسه.

    24- الثقافة الوطنية، 12/1988 لقاء مع بشير محمد سعيد.

    25- عبد الغفور محمد احمد، ص 55.

    26- جوزيف لاغو.

    27- بيتر ودوارد.

    28- عنوان الكتاب.

    29- محمد علي جادين.

    30- شمل بيان الحكومة الانتقالية: العفو الشامل لكل من حمل السلاح، وقف إطلاق النار، الاعتراف بالتنوع والتعدد الاثني والثقافي في إطار الوحدة، الالتزام بالتنمية المتوازنة، اعتبار قضية الجنوب جزءاً من قضايا الحكم في السودان ككل.

    31- محمد علي جادين.

    32- دعا إعلان كوكادام إلى عقد مؤتمر دستوري وطني لمناقشة القضايا الأساسية بمشاركة كل القوى الفاعلة. وحدد إجراءات تهيئة الشروط لعقد هذا المؤتمر في: مناقشة كل قضايا السودان، رفع الطوارئ، إلغاء الاتفاقيات العسكرية الخارجية، إلغاء قوانين سبتمبر 1983، وقف إطلاق النار بعد تنفيذ هذه الإجراءات، اعتماد دستور 1956 المعدل 1964. وحدد اجندة المؤتمر في: المسألة القومية، الدين ونظام الحكم، التنمية المتوازنة، المسألة الثقافية، حقوق الإنسان، السياسة الخارجية، الموارد الطبيعية، القوات النظامية والمسألة الأمنية. أما اتفاقية السلام السودانية فقد حددت تهيئة المناخ لعقد المؤتمر في: تجميد الحدود والمواد ذات الصلة في قوانين سبتمبر 1983 لحين عقد المؤتمر، إلغاء الاتفاقيات العسكرية الخارجية، رفع الطوارئ، وقف إطلاق النار. وكون لجنة قومية للتحضير للمؤتمر – التجربة الديمقراطية.
                  

العنوان الكاتب Date
الدعــوة لقيـام حزب البعث الســودانى Abureesh05-17-05, 05:45 PM
  Re: الدعــوة لقيـام حزب البعث الســودانى عثمان حسن الزبير05-18-05, 03:28 AM
  Re: الدعــوة لقيـام حزب البعث الســودانى altahir_205-18-05, 05:13 AM
  Re: الدعــوة لقيـام حزب البعث الســودانى Amin Elsayed05-18-05, 05:14 AM
  Re: الدعــوة لقيـام حزب البعث الســودانى altahir_205-18-05, 05:33 AM
  ودا عشان خطك يا الرفيق ابو الريش altahir_205-18-05, 05:39 AM
  ودا كمان altahir_205-18-05, 05:42 AM
  Re: الدعــوة لقيـام حزب البعث الســودانى Amin Elsayed05-18-05, 05:55 AM
    Re: الدعــوة لقيـام حزب البعث الســودانى Abureesh05-18-05, 06:18 AM
      Re: الدعــوة لقيـام حزب البعث الســودانى معتز تروتسكى05-18-05, 07:22 AM
        Re: الدعــوة لقيـام حزب البعث الســودانى عثمان حسن الزبير05-18-05, 08:59 AM
          Re: الدعــوة لقيـام حزب البعث الســودانى Abureesh05-18-05, 09:17 AM
            Re: الدعــوة لقيـام حزب البعث الســودانى معتز تروتسكى05-18-05, 09:54 AM
            Re: الدعــوة لقيـام حزب البعث الســودانى عثمان حسن الزبير05-18-05, 10:08 AM
            Re: الدعــوة لقيـام حزب البعث الســودانى Frankly05-18-05, 10:43 AM
  Re: الدعــوة لقيـام حزب البعث الســودانى Amin Elsayed05-18-05, 10:30 AM
    Re: الدعــوة لقيـام حزب البعث الســودانى Abureesh05-18-05, 01:26 PM
  Re: الدعــوة لقيـام حزب البعث الســودانى Amin Elsayed05-18-05, 01:40 PM
    Re: الدعــوة لقيـام حزب البعث الســودانى ناذر محمد الخليفة05-18-05, 02:53 PM
      Re: الدعــوة لقيـام حزب البعث الســودانى ثروت سوار الدهب05-18-05, 05:44 PM
        Re: الدعــوة لقيـام حزب البعث الســودانى Abureesh05-18-05, 07:15 PM
          Re: الدعــوة لقيـام حزب البعث الســودانى معتز تروتسكى05-18-05, 10:49 PM
  Re: الدعــوة لقيـام حزب البعث الســودانى Frankly05-19-05, 00:48 AM
    Re: الدعــوة لقيـام حزب البعث الســودانى Abureesh05-19-05, 01:03 AM
      Re: الدعــوة لقيـام حزب البعث الســودانى Abureesh05-19-05, 01:26 AM
        Re: الدعــوة لقيـام حزب البعث الســودانى Frankly05-19-05, 01:55 AM
  Re: الدعــوة لقيـام حزب البعث الســودانى altahir_205-19-05, 05:10 AM
  Re: الدعــوة لقيـام حزب البعث الســودانى حمزاوي05-19-05, 05:50 AM
    Re: الدعــوة لقيـام حزب البعث الســودانى Abureesh05-19-05, 12:48 PM


[رد على الموضوع] صفحة 1 „‰ 1:   <<  1  >>




احدث عناوين سودانيز اون لاين الان
اراء حرة و مقالات
Latest Posts in English Forum
Articles and Views
اخر المواضيع فى المنبر العام
News and Press Releases
اخبار و بيانات



فيس بوك تويتر انستقرام يوتيوب بنتيريست
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة
About Us
Contact Us
About Sudanese Online
اخبار و بيانات
اراء حرة و مقالات
صور سودانيزاونلاين
فيديوهات سودانيزاونلاين
ويكيبيديا سودانيز اون لاين
منتديات سودانيزاونلاين
News and Press Releases
Articles and Views
SudaneseOnline Images
Sudanese Online Videos
Sudanese Online Wikipedia
Sudanese Online Forums
If you're looking to submit News,Video,a Press Release or or Article please feel free to send it to [email protected]

© 2014 SudaneseOnline.com

Software Version 1.3.0 © 2N-com.de