الحلقة الخامسة: صورة سالبة للدولة السودانية
أذا نظرنا للنظام الإقتصادى للدولة المهدية فنجد أن الوضع كان لا يخلو من سوء...ه
وقد أصدرت الدولة عملة سيئة الصنع ..وجدت الرفض من الجميع وقد اسميت بالبداجورة "اى ظهر جورة وظلمة" (محمد سعيد القدال تاريخ السودان الحديث).
وقد استحدث نظام زراعى سمى بنظام التزرعة فى زمن الخليفة...وهو نظام يقوم الناس فية بزراعة الأرض مشاركة مع بيت المال..ثم يقسم المحصول بين المزارع وبيت المال . وتُرِك نصيب الدولة لعامل كل منطقة إما ان يكون النصف او الربع...وقد أدى نظام التزرعة الى احتكاكات بين العمال والقواد العسكريين..وقد عبر الحاردلو عن ذلك السخط بالابيات
ناسا قباح من الغرب جونا
جابوا التزرعة ومن البلاد مرقونا
أولاد ناس عزاز متل الكلاب سوونا
ويبدو أن العمال قد تجاوزوا فى تقديراتهم لجمع الزكاة وحملوا الناس ما لا طاقة لهم...فأرسل لهم الخليفة رسائل تحثهم على عدم الإثقال على الناس وهذا نموذج لإحدى رسائلة:"بلغنا ان بعضا منكم ضيقوا على اخوانهم المؤمنين غاية التضييق وعاملوهم بمحض الجور والظلم, حتى صاروا يكررون اخذ الحقوق من غير وجة شرعى, وكلما تحصلوا من طائفة تبعتها طائفة أخرى...حتى حصل الغدر والظلم على الأهالى واداهم ذلك الى سوء الظن بالمهدية (محمد سعيد القدال...تاريخ السودان الحديث)ه
تحدث الشيخ بابكر بدرى عن الظلم الشديد فى جباية الضرائب... وبعملية حسابية اوضح ان النظام الضريبى كان يُبقى للتاجر 6 أجزاء من كل 60 جزءا....!ه وكيف انة بذكائة الخارق قد إحتال على عمال المهدية...إذ انة فى احدى رحلاتة لسواكن قد كلف السمكرى بصناعة قِدْر تحتوى على جزأين : جزء توضع فية رائحة الفلور دمور الغالية وهو الجزء الأكبر...وجزء مفتوح مع فوهة القدرة توضع فية الروائح رخيصة الثمن مثل السرتية...فيظن عامل المهدية ان القدر تحتوى على السرتية فقط...!ه
وقد تساءل الشيخ هل هو مخطى فى فعلتة تلك؟...وقد جاوب على سؤالة بنفسة: الهم لا....!ه
ومن صور اهمال الحاكم لواجباتة انة انتشرت الأمراض والاوبئة فى امدرمان المدينة واسعة التعداد
السكانى...ففى عام 1885 (زمن حياة المهدى) انتشر مرض الجدرى...وقد عبر الشاعر عن ذلك:
قُل للوباء وابن دُنقل قد جزتما الحد فى النكاية
فترفقا فى الورى قليلا...فى واحد منكما كفاية
وكانت مجاعة سنة ستة كتتويج لتسيب الدولة..وإهمالها فى واجباتها الأساسية...وقد بلغ الأمر من السوء مبلغا عظيما:
قال عمر بك ابوسن كنا نقصد رفاعة وفى الطريق عرجنا على قرية تسمى ود عشيب فوجدنا ابواب منازلها مقفلة ولا يسمع فيها صوت إنسان فعمدنا الى باب دار وخلعناه فإنتشرت رائحة منتنة فأوقدنا نارا لنرى ما الخبر فإذا بأهل المنزل رجالا ونساءً قد رقدوا على اسرتهم موتى (نعوم شقير)
وقال احد الثقاة " دخلت ذات يوم منزلاً فوجدت إمرأة تطبخ فى قدر فكشفت القدر فإذا فيها يد عروس لا يزال عليها اثر حناء فسألتها عن ذلك فقالت انى دخلت ليلاً على عروس فلان مع فلان وفلانة فوجدناها قد أشرفت على الهلاك جوعا...فذبحناها وإقتسمنا لحمها للتقوت به (الحادثة حدثت فى كسلا إمارة حامد على البقارى)(نعوم شقير)
وليس غريبا-إذا- أن يتقهقر سكان السودان من حوالى عشرة ملايين قبل الثورة المهدية الى حوالى أربعة ملايين بعد الثورة (حسب ما أورد نعوم شقير)....!ه