|
Re: هل فقدت المكتبات بريقها، و الكتاب الورقي � (Re: محمد عبد الله الحسين)
|
تحياتى يا محمد
مكتبة النهضة السودانية
لصاحبها محمد عباس أبو الريش تأسست سنة 1937
لا تزال اللوحة التى تحمل الإسم بشكلها الأنيق وخطوطها الوسيمة لاتزال تتبدى أمام عين الذاكرة
أذكر ونحن فتية فى مرحلة الإبتدائي كنت يوميا اتسلل خلسة إلى عمق المكتبة واذهب رأسا إلى قسم كتب المغامرات وروايات الأطفال كتب كامل كيلاني ومحمد عطية الإبراشي والكتب الأجنبية المنقولة للعربية
انزوى فى أحد الأركان وأخذ الكتاب الذى أكون قد حددته مسبقا منذ الأمس ولا أتركه حتى أصل صفحته الاخيرة وكلى قناعة بأنه لم يرنى أحد واصلا لم يكن بالمكان سوى صاحب المكتبة الوقور وهو يجلس خلف مكتبه على يسار المدخل ثم عم محمود العامل الوحيد فى المكتبة كنت طيلة أيام العطلة المدرسية فيما عدا يوم الجمعة أمارس ذات الشئ بلا انقطاع
حتى وقعت الواقعة ذات صباح وانا أمارس سرقتى المحببة
فجأة وجدت العم محمود يقف محدقا بى لبرهة قليلة وكأنه كان يزمع أن يتركنى حتى أكمل كتابى
ثم فجأة انقض على بشدة وغلظة مفتعلة دون أن يقول اى شئ
سحبنى من يدى وذهب بى إلى ذلك الرجل الوقور بجلبابه الأبيض ونظارته السوداء الجميلة
انت ود منو يا ابنى ؟
وبين مزيج من الهلع والخوف والرهبة وبضع أحاسيس أخر تمتمت بعد لأى وجهد
انا ود بابكر
بابكر ياتو ؟ قالها بثقة وتأني
وكأنه يعرف كل من اسمه بابكر فى السوق العربي
بابكر دقس
الترزي ؟
اى
ابتسم وأشار إلى بما معناه أن اقترب منه أكثر
حكى لى وقال أنهما هو وعم محمود يعرفان منذ فترة طويلة اننى آتى فى كل يوم وأمارس سرقة القراءة
وأنهما وفى بعض احايين يتعمدا إلا يشعراني بأنهما يعرفان ما أفعله
حكى لى الكثير مما فهمته وما لم أفهمه بعقلية ذلك الصبي اليافع
أهم ماقاله لى هو أنهم وفى بداية ترددى كانت خشيتهما أن أخذ معى كتابا أو كتبا بمعنى أن اسرقها ولكن وبعد أن تأكد لهما العكس اتفقا على عدم سؤالى أو ربما القبض على بل وأكثر من ذلك تحول ذلك الشعور إلى إعجاب خفي
ثم منحني ما الم أكن احلم به
أنه مسموح لى ان آتي فى أى وقت اشاء وامكث لأى فترة اريدها
لم أخبر أصحابي عن ذلك العطاء الجزيل والمنح الهميل
ربما خشية أن يشاركوني ذلك الكنز النفيس
وظلت تلكم السرقة الجميلة واستمرت لسنين عددا حتى كرت الأيام وتوالت سنين العمر
وافترقنا انا ومعشوقتى
وبعد حين من الحنين
عدت ولم أجدها
كانت قد استحالت لمكان بائس ومظلم رغم لمعان الذهب والحلى النفيسة المحبوسة خلف جدران زجاجية قميئة وموحشة
أصبح ذلك المكان الوضئ محض زاوية في مبنى كئيب اسمه عمارة الذهب
وليتهم يعرفون ما ذهب
كانت المكتبة يا محمد في الزاوية الشمالية الغربية من المربع العتيق الذى كان يحوى فيما يحوى
مقهى الزيبق الشهير فى زاويته الشمالية الشرقية وأيضا وفى منتصف الجانب الشمالي المقابل لمسجد الخرطوم الكبير كان يقبع حلواني حمدتو
إلا ليتنا عدنا وعادت تلكم الأيام
استميحك العذر يا محمد فى بث هذه اللواعج والزفرات السخينة
أن هى والله إلا محض حسرة واسى على المكتبات وكتبها ونعيم متعتها وفائدتها
ربما فى سانحة أخرى احكى لك عن المكتبة الأمريكية فى شارع القصر مقابل مستشفى دار الشفاء
وما كان من أمرها
وتحياتى مجددا
|
|
|
|
|
|
|
تعليقات قراء سودانيزاونلاين دوت كم على هذا الموضوع:
at FaceBook
|
|