اليهود والغرابة يسرقوا ويزورا حضارات وادي النيل بقلم Tarig Anter

مرحبا Guest
اخر زيارك لك: 03-28-2024, 12:34 PM الصفحة الرئيسية

منتديات سودانيزاونلاين    مكتبة الفساد    ابحث    اخبار و بيانات    مواضيع توثيقية    منبر الشعبية    اراء حرة و مقالات    مدخل أرشيف اراء حرة و مقالات   
News and Press Releases    اتصل بنا    Articles and Views    English Forum    ناس الزقازيق   
مدخل أرشيف للعام 2019م
نسخة قابلة للطباعة من الموضوع   ارسل الموضوع لصديق   اقرا المشاركات فى صورة مستقيمة « | »
اقرا احدث مداخلة فى هذا الموضوع »
10-10-2019, 01:49 AM

عبدالرحمن إبراهيم محمد
<aعبدالرحمن إبراهيم محمد
تاريخ التسجيل: 10-02-2009
مجموع المشاركات: 2591

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: اليهود والغرابة يسرقوا ويزورا حضارات واد (Re: نادر الفضلى)


    شكرا أخى الفاضل نادر الفضلى

    هذا المقال يدل على إما حقد عرقى عنصرى ضد كل ما هو سودانى أصيل أو تمكن للمركزية الأوربية العنصرية فى تفسيرها للتاريخ الإفريقى المغروض من منطلق أن الأجناس داكنة البشرة لا يمكنها الإتيان بأى حضارة ذات قيمة ويجب إلحاقها بالحضارة المصرية، المدعاة كذبا أنها بيضاء، كتابع ذليل كما نظر نبيهم العنصرى بروفيسور ريزنر حينما وثق لحضارة كرمة العملاقة فجعلها قزما تابعا ذليلا لمصر وهذا ما أتى به كاتب هذا المقال مؤكدا له بإقحام كرمة بلا مناسبة ومقالى من بدايته إلى نهايته يتحدث عن الحضارة النوبية. وحتى يرى القراء التخبط والتزوير الذى تم فى هذا المقال أرفق مقالى هنا كاملا.وللقراء الحكم فى مدى التزوير والعنصرية ونسبة أشياء كثيرة أدعى أننى قلتها بل حرفها. فيا للعار ويا للبؤس ويا للعنصرية والحقد على كل ما هو ليس عربى! لم أرى أنه تعرض للشراكسة والأرنؤوط وبقايا المماليك الوافدين ولكنه أصر على النيل من أبناء الوطن الأصلاء أهلنا فى غرب الوطن وعشيرتنا فى جيال النوبة إمتدادنا التاريخى وصائنوا كثير من الثقافة-الحضارية النوبية الأصيلة ولغة الأندادى التى يتحدثها إلى اليوم الدناقلة والكنوز.

    وملاحظة هامة للتعرف على مدى التزوير والغرض الذى يذكرنا بعمل وحدة القبائل فى جهاز أمن المخلوع البشير التى ظلت تعمل على تفتيت الوحدة الوطنية بإستثارة النعرة العرقية والإقليمية والقبلية أشير إلى أنه أورد على صفحته فى الفيس بوك بعنصرية مقيته صورتى مع زعيمين من سكان أميركا الأصليين (الهنود الحمر) مشيرا إليهما بتزوير مستهجن وعنصرية قميئة"عبدالرحمن إبراهيم محمد مع بعض الغرابة" وسـأتى إلى تفكيك هذه النبرة العنصرية البغيضة.

    إعــلان بوسـطن مديـنة نوبــية: تهتكـت أسـتار الـتزييف فـتعرت أبعاد الجـريمة
    ---------------------------------------------

    إرتبكت أوساط المركزية الأوربية العلمية من قبل حين أعلن عالم الوراثه الايطالى المرموق لويجى لوكا كافاللي سفورزا عام 1995 أن الخريطه الجينية للسودانين تتميز بعنصري القدم والتواصل المستمر، وان تسعين بالمائه من النساء السودانيات يحملن مورثات "جينات" متصله دون انقطاع منذ مئه الف عام؛ اي منذ بدايه نشوء النوع البشري علي وجه الارض. ويعتقد أن جزيرة صاى النوبية هى فى الغالب أصل الحضارة البشرية. وبهت دعاة "مدرسة المصريات" التاريخية حينما أكدت الدكتورة المصرية شيرين الباحثة فى علم الأحياء الجزيئي للجنة الدستور المصرى أن النوبة هى أصل البشرية ويجب الإعتراف بذلك وأن يستحى دعاة تهميش النوبة - وذلك فى خطبة عصماء وثقت على اليوتيوب. وأكتملت الحلقة بالموقف العلمى المبدئى للمؤرخ الباحث فى علوم المصريات الدكتور المصرى بسام الشماع الذى أكد بأنه لا يمكن الحديث عن الحضارة المصرية القديمة دون إرجاعها إلى أصولها النوبية. فأسقط فى أيدى الكثيرين من دعاة المركزية الأوربية ومدعى تفرد الحضارة المصرية. والآن جاء دور متحف بوسطن للفنون الجميلة ليميط اللثام عن أبعاد المؤامرة وإفتتاح جناح للآثار النوبية يحتوى على أربعمائة قطعة أثرية نوبية تذهب العقل لم يرها العالم من قبل وفيها ما يشغل الذهن ويحير الفكر. فكما قالت نشرة المتحف عن الحدث أنه "سيجعل النظر إلى التاريخ القديم نظرة مختلفة جذرية". وسيكون ذلك الجناح فى الأشهر القادمة مركز إهتمام اجهزة الإعلام والمحافل الأكاديمية والثقافية، مع زيارات مستمرة لطلاب المدارس. وعليه فإن بوسطن ستتحول إلى مركز إهتمام نوبى غير مسبوق.

    فتنداح دائرة الجهد لإعادة النظر فى التاريخ البشرى هذه الأيام والإكتشافات التى تترى مؤكدة ضرورة ذلك. ورغم إنشغال العالم بأزمات الشرق الأوسط والمناخ والبيئة والطاقة وأحاييل السياسة الأميريكية فى الداخل والخارج وإضطراب رئأسة الولايات المتحدة، بوغت المجتمع الثقافى بإعتراف خطير لأحد أكثر المؤسسات مصداقية وتعمقا فى تاريخ الإبداع البشرى معلنا إشتراكه الفعلى فى تزوير التاريخ بحجب الأدلة والبراهين عن المحافل العلمية. فقد أصدر متحف بوسطن للفنون الجميلة بيانا صحفيا بعنوان "متحف بوسطن للفنون الجميلة يعيد النظر فى قصة الحضارة النوبية بمعرض يستكشف علاقات القوة والعرض التمثيلى والتحيز الثقافى العرقى العنصرى،" كدعوة لطلاب المدارس لزيارات ممنهجة للمتحف فى فترة العرض الممتدة من الثالث عشر من شهر أكتوبر إلى العشرين من شهر يناير عام 2020، إلى حين توفر المبالغ المطلوبة لإنشاء الجناح الدائم. وقد تقدم المتحف بإعتذارات نادمة عن الدور الخبيث الذى لعبه المتحف فى هذه الخيانة العلمية التى أرساها المستكشف الأول وأمين مجموعة المقتنيات المصرية والنوبية – العنصرى البروفيسور بجامعة هارفارد جورج أندرو ريزنر أحد أركان "علم المصريات"، الذى لا تجوز تسميته بالعلم، لأنه إدعاء لا يستقيم مع مفهوم العلم؛ فهو الوحيد الذى ينسب إلى بلد.

    ويبرز السؤال الهام "ما هى أهمية الحدث وبالتحديد فى مدينة بوسطن؟"

    بوسطن -- مدينة العلم التى يقال بأن فيها أكبر تجمع للجامعات والمعاهد العليا فى مدينة واحدة – عدها بعضهم بأربعة وسبعين. وهى مدينة الفكر والثقافة ومجمع العلماء أمثال المفكر اليسارى نعوم تشومسكى مطور علم اللغويات وبيتر بيرجر مبتدع علم الإجتماعيات الدينى وهاورد زن مؤسس علم التاريخ الشعبى، وجامعات القمة من هارفارد إلى أم أى تى وبوسطن بكلية الإعلام والتواصل التى أبتكرت وأسست علم العلاقات العامة وبرنامج البروفيسورات متعدد المساقات، وعلماء وشعراء كثر حائزين على جوائز نوبل وموسيقيين ومغنيين لا مثيل لهم على شاكلة ويتنى هيوستن. وبوسطن هى المدينة التى لها النصيب الأوفى فى الإبتكارات الرقمية من كمبيوترات وملحقاتها وإلى إستعمالاتها فى التعرف الصوتى والتركيبة الجينية، والكاميرات الفورية كبولورويد، ومراكز الإختراقات الطبية فى طب الإطفال والسكرى والسرطان والجراحات الدقيقة المعقدة فى أعظم مستشفيات الولايات المتحدة، وأبحاث الفضاء البعيد العمق والجزيئات متناهية الصغر، وفرقها الرياضة المنتصرة على الدوام كالسلتكس فى كرة السلة والرد سوكس فى البيزبول والباتريوتس فى كرة القدم الأميريكية والريفيليوشن فى كرة القدم؛ وفوق كل ذلك هى منطلق الثورة الأميريكية ومستقر أقوى المفكرين الناشطين فى تاريخ النضال الثورى المدنى فى تاريخ أميريكا، وصولا إلى الأفريقى الأميركى مارتن لوثر كنج ومالكلوم إكس (الحاج مليك شاباز). يعنى بإختصار مدينة لها وزنها فى كل المجالات وجماع الأصعدة -- وخاصة فى موضوعنا هذا. فهى درة مدن الولايات المتحدة ومنطلق ثورتها التحررية ومبادئها الراسخة. وهى فوق ذلك كانت ومازالت موقع متأثر بالإرث النوبى.

    وما دمنا بصدد الإستفاضة فى الإرث النوبى؛ فإننا نذكر بأنه كان فى بوسطن حلاق مالكولم إكس المسلم الذى كان يجاهر بإنتمائه النوبى، علما أقتصاديا وسياسيا ورقما إجتماعيا لا تخطئه فطنة حكيم. وقد طور دكان حلاقته ذاك ليكون معلما بارزا كمجمع تجارى فى قلب بوسطن أسماه لمحة الخاطر النوبية. فكان ملتقى أعرق سياسى زمانه فى بوسطن من مارتن لوثر كنج إلى تيب أونيل صاحب أطول فترة فى رئاسة مجلس النواب الأميريكى والذى كان أحد أقوى سياسى أميركا عبر تاريخها؛ وحتى الرئيس جون كينيدى كان لا يمر ببوسطن فى طريقه إلى منتجع الأسرة جنوبا فى الكيب كود دون أن يزور الشيخ مالك عبدالخالق فى متجره. وقد لعب دورا بارزا فى دعم وإنشاء أول مسجد سنى فى كوينسى – على أطراف بوسطن. وكان متجره ومكتبته محط أنظار كل من نشد منتجا إستهلاكيا يربطه بالقارة الأم، أو مادة مقروءة أو مسموعة. فكانت مكتبته كنزا من كنوز المعارف النادرة عن إفريقيا وعن الحضارة النوبية، فأنتشى بها المثقفون طويلا.

    فلم يكن إفتتان البوسطنيين بالإرث النوبى مقصورا على لمحة الخاطر النوبية بل كانت لذلك الإفتتان جذور تاريخية هامة. فيعلمنا التاريخ أن أهمية السودان للإمريكيين من أصول إفريقية يعود إلى الفخار الذى ملأهم وهم يسمعون أو يقرأون عن إنتصارات الثورة المهدية وتتغنى صحفهم بعظمة الشعب السودانى وثواره المسلمين الذين كسروا أسطورة التفوق العرقى للبيض الأوربيين على الأفارقة السود. فرأوا فى إنتصارات الثورة المهدية مصدر فخر لهم بعد أن مُرِّغ أنف الإستعمار الأبيض الذى أذلهم لقرون طويلة وحولهم إلى سلع وممتلكات تباع وتقتل بلا وازع، فى فترات العبودية التى عاشوها فى العالم الغربى - - خاصة فى الولايات المتحدة. فكان أحتفاؤهم بهزائم الإستعمار البريطانى المتتالية خاصة ما أنجزته الثورة المهدية لأول مرة فى تاريخ الجيش البريطانى وأسقطت أهم ما كان البريطانيون يزهون ويتباهون به وهو أنه لم تستطع قوة فى العالم كسر مربع لذلك الجيش لا فى الصين ولا الهند ولا فى أى من الحروب الأوربية أو حروب الإستقلال الأميريكية ولا أى بقعة أخرى فى العالم فى آسيا أو إفريقيا أو أستراليا ولا نيوزيلندا ولا حتى فى حروب البوير فى جنوب إفريقيا. ولكن السودانيون الأشاوس كسروا لهم مربعين فى معركة توماى ومعركة أبو طليح. وأضافوا لتلك المفاخر إبادة جيش هكس المكون من خمسة عشر ألفا فى خمس عشرة دقيقة فقط فى معركة شيكان كأسرع إنتصار فى تاريخ الحروب. فكانت كل تلك الإنتصارات حافزا للأفارقة الأميركيين للإطلاع على تاريخ السودان منذ قديم الأزمان ليفهموا سر تلك القوة الخارقة والشجاعة المتفردة وإعلاء قيم الكرامة والعزة الوطنية. فراق لهم ما رأوه من جلال وعظمة الحضارة النوبية وإبنها محمد أحمد المهدى، فأخذوا فى تبجيلها والإنتساب إليها.

    لذلك حينما قدم إليهم من بريطانيا عام 1922 الأب الشرعى للوحدة الأفريقية والنضال التحررى، محمد على دوسه، نوبى الأب ودارفورى الأم؛ والذى تتلمذ على يديه أغلب قادة التحرر فى إفريقيا وآسيا والكاريبى، إحتضنه مثقفو السود الأميريكيين الذين كانوا يدينون له بالفضل فى نشر كتاباتهم فى مجلته ببريطانيا ذات الرؤية المستقبلية عام 1911 والداعية إلى حتمية تضافر جهود الأفارقة والأسيويين لدحر الإمبريالية العالمية والتحرر، مجلة "الأزمنة الإفريقية وعرض الوقائع الأسيوية" أى قبل نصف قرن من إنعقاد مؤتمر باندونق. والذى قال عنه عميد مؤرخى حركة الوحدة الأفريقية، إيمانويل قيس، أنه كان"أعظم وأكثر قادة حركة الوحدة الأفريقية جلالا على مسرح التاريخ، قطعا وبلا منازع". أو كما قال البروفيسور وليم فيرس عميد المؤرخين الإجتماعيين السود وخريج جامعتى ييل ودراسات هارفارد العليا، قبل قليل من وفاته، فى مجلدات موسوعته عن أعظم وأخلد أربعين شخصية سوداء فى تاريخ البشرية: "إننى لم أضمن هذه السير سيرة عظيم واحد على قيد الحياة سوى دوسى". وفسر لماذا كان ذلك، مخاطبا إياه فى تجلة وتوقير"لأنك قد وضعت العالم بأسره تحت دين من الجمائل أزلى؛ إذ أنك قد كشفت للحضارة الغربية عظمة روح الأجناس داكنة لون البشرة". فأعتبر ذلك المؤرخ الأفرو أميركى دوسة أحد أعظم السود فى تاريخ البشرية؛ ولم يضمن أى شخص غيره على قيد الحياة فى موسوعته تلك. فذاع صيته وسط السود خاصة بعد توليه تحرير صحيفة تلميذه الذى صار قائدا لحركة عزة السود "جمعية الأتحاد العام لتحسين حياة الزنوج ورابطة المجتمعات الإفريقية" ماركوس قارفى. وقد كان لمبادرة دوسة بالدعوة لتخصيص كرسى أكاديمى فى كل الجامعات للدراسات الأفروأميريكية وقع مهول فى نفوس المثقفين. وأضاف إلى ذلك التميز عطاءا بنشاطاته الخيرية وإقامة بنوك لتحرير السود فى إفريقيا والغرب من هيمنة رأس المال الإمبريالى ودعم المزارعين الأفارقة وتخصيص خطوط بحرية لنقل منتجاتهم. فهام به المثقفون وتحول إلى رمز عزة لهم فصاروا يتحولون للإسلام ويتسمى المشاهير والأدباء والشعراء والموسيقيون والفنانون بإسمه "محمد على". فلا ننسى هنا تسمى أشهر ملاكمى العالم كاسيوس كلاى بإسمه. وفى نفس الوقت بدأوا يربطون بين جلاله وعظمة تاريخ الأمجاد النوبية. فسرت موجة الإنتساب إلى النوبية: وصارت الإشارة إلى النساء بالملكات النوبيات والرجال بالأمراء النوبيين.

    ويتتالى التقدير للسودانيين عامة والنوبيين خاصة بعد زيارات محمد على دوسة لبوسطن ومحاضراته فى معية رموز المثقفين من أمثال كرومويل وبروس وشومبرج. وأكتمل الإفتتان بالنوبيين والسودانين من قبل بقدوم الشيخ ساتي ماجد محمد سوار الدهب، والذى أطلقوا عليه لقب "شيخ الإسلام في أمريكا الشمالية". فقد كان لدوره فى تأسيس الجمعيات الخيرية والعناية بالمستضعفين والدعوة للإسلام أثرها فى إهتمام الأفارقة الأميريكيين بأمره. إذ أنه كان يفحم القساوسة المسيحيين البيض بذكاء إفتخر به السود. وكان لسجالاته مع مدعى النبوة درو على زعيم طائفة المورسكيين أثر كبير فى تقدير من قادهم للإسلام السنى وعنايته بهم مما أنعكس فى تبنى الجيل الثانى منهم توقيرا للسودان، خاصة أولئك الذين قدموا إلى بوسطن من نيويورك ونيوجيرسى ودترويت وشيكاغو، أو من كان أباؤهم يعاودون دروسه. حتى أن أول مسجد سنى للأفارقة الأميركان "مسجد الحمد لله" والذى أسس فى روكسبرى ببوسطن سافر مؤسسوه إلى السودان ودرسوا الأسلام من أمثال الشيخ كريم الإمام الأول للمسجد وشيخ صالح الذى خلفه، ومحمد يحى والإمام الثالث شيخ داؤود، عليهم جميعا رحمة الله. ونجد أثر الشيخ ساتى ظاهرا فى شعار مسجد الحمد لله الذى كان ينادى به الشيخ ساتى طوال أيام دعوته للإسلام فى أميركا: "وأعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرقوا". وكان إفتتانهم بشخصيته المميزة وشلوخه الدنقلاوية رابطا لإهتمامهم بالإنتساب النوبى وإستيعابهم للجالية السودانية فيما بعد فالسودان فى الذهنية الأفروأميريكية لا ينسلخ عن الحضارة النوبية العظيمة التى كانت مهدا ومنطلقا لحضارات البشرية.

    ولن أنسى التقدير والمودة التى شملوا بها شخصى منذ أول قدومى إلى بوسطن عام 1980 عبورا بفترة الحادى عشر من سبتمبر عام 1991 وظهورى فى المحافل العامة ومع حكام الولايات وعلى شبكات التلفزيون والراديو متحدثا بإسم المسلمين والأفارقة والأفارقة الأميريكيين والعرب فى ولايات أميركا الشمالية فى أحلك أيامهم حين أنزوى أغلبهم خوفا وإحترازا. وبالرغم من إشفاق الكثيرين منهم على وتحذيرهم لى من الظهور والتفوه بما كنت أقوله فى تلك الأيام، إلا أننى لم أفعل ذلك من قبيل الشجاعة أو الجرأة. وإنما أحساسا بالواجب الذى يحتم على شخص ما التصدى لتلك الترهات والهجمة الشرسة على الأقليات. فكان تشريفى كممثل ومنسق مع مكتب النائب العام الفدرالى للحقوق المدنية ورئيسا للمجلس الأسلامى لولايات نيوأنجلد السته فى تلك الظروف الحرجة؛ متراضين كلهم على تقبلى كـ"سودانى" فى التوفيق بين مجموعاتهم ومتحدثا بإسمهم حتى فى حفل تنصيب أول حاكم أسود لولاية ما ساشوستس. ولن أنسى ما قاله فى أحد إحتفالات تكريمى صديقى، الإمام عبدالله طالب الفارووق تلميذ الشيخ داؤود، والذى إعتنق الإسلام فى نفس عام قدومى، وكان من أشهر المغنين يومها: "نكرم اليوم واحدا منا كعلم قيادى قدير: نوبى سودانى أفريقى مسلم." وأحتج بعضهم مداعبين لإمام مسجد الحمد لله لماذا يقدم النوبى السودانى على الأفريقى المسلم؟ فكان رده: "لأننى لم أر فى حياتى أنسانا يفخر ويزهو بأصله مثله، بإنتمائه النوبى السودانى". وما زالت تنتابنى النشوة كلما تذكرت ذلك شاكرا لأسلافى لما رفعوا به قدرى. وأنا حينما أقرر هذه الأمور هنا فإنها ليست للتباهى أو الدعاية الشخصية، وإنما، ونحن نقارب العبور من هذه الفانية إلى رحاب الله الأبدية، أحقاقا لواجب التوثيق لأمور هامة تصب فى مسار رحلة النوبيين فى مدينة بوسطن.

    وقد تواصل التأثير النوبى من قبل أيامنا فى بوسطن بقدوم الأستاذ أحمدعثمان صديق من أهالى وادى حلفا كأول سودانى يلتحق بجامعة هارفاد ويبزغ نجمه بتكوين أول إتحاد للطلاب المسلمين فى تاريخ الجامعات الأميريكية، والذى لا تخلوا منه جامعة فى الولايات المتحدة اليوم. فكان تواصله مع الشيخ عبدالخالق وإرتباط مالكلوم إكس بحلاقه سابقا الشيخ عبدالخالق حافزا لتوثيق العلاقة بينه وبين مالكلوم إكس الذى كان يستشيره فى أمور الدين وفى فهم التاريخ النوبى الذى يتباهى الأستاذ أحمد بإنتسابة لحضارة أجداده النوبيين. مما مهد له أن يترك أثرا كبيرا وسط مثقفى بوسطن. وأعتبر هو والشيخ حسون أكبر المؤثرين على شخصية القائد المناضل الفذ مالكلوم إكس وفهمه للقضايا الإفريقية والإسلامية. وكانا هما الوحيدين الذين قاما بغسل جثمان مالكلوم والصلاة عليه والإشراف على دفنه عند جريمة إغتياله؛ فى الوقت الذى تهرب وأبتعد عن جنازته بقية المسلمين خوفا. فوقع ذلك موقعا مؤثرا فى نفوس الأفريقيين الأميريكيين وهم يتأكدون من شجاعة وجرأة السودانيين ووفائهم؛ كما يروى لى بنشوة التاجر شريف عبدالحق، الذى كان فى بواكر شبابه يومها فى نيويورك، ومقدار الإعزاز والتقدير للعزة التى أشعروه بها.

    وحينما قدم الفنان العالمى حمزة علاء الدين إلى أميريكا وبهر الجمهور بآلاته وموسيقاه النوبية، إرتبط إسمه مع أعظم موسيقيى وفنانى الولايات المتحدة يومها أمثال المناضل هارى بيلافونتى وجون باييز ومريام ماكيبا وأحد أعظم المبدعين فى عزف البوق، زوج ماكيبا الأول هيوى ماساكيلا، وفرقة القريتفل ديد وألان ديلون. ولكن ظل أمر كونه نوبيا محورا لمحبة خاصة فى أوساط الأفارقة الأميريكان. حتى أن الأستاذ شريف عبدالخالق أبن الشيخ عبدالخالق ونائب رئيس مجلس إدارة كلية روكسبرى العليا، يذكرنى دوما بأن والده كان دائم الحرص على حضور حفلات حمزة علاء الدين حتى لو إقتضى الأمر السفر إلى نيويورك أو نيوجيرسى. وحينما كان يقيم حفلاته فى بوسطن لم يكن يتبقى مقعد ولا مساحة للوقوف، حتى تفيض القاعة بالمتفرجين وتمتلئ بهم الشوراع المحيطة بالقاعة. وكان عليه رحمة الله بعد إنتهاء الحفلات يطلب منى أن أقله بعربتى إلى فيلا جماعتهم الصوفية فى جاميكا بلين أحد أحياء بوسطن التى يقطنها عدد مقدر من المثقفين واللبراليين من صفوة الطبقة الوسطى. وهى الجماعة التى أرتبط بها منذ الستينات فى بوسطن.

    وأما الستينيات وما أدراك ما الستينيات فقد تضخم فيها قدر السودان حينما تبنى السودان دعم حركات التحرر الإفريقية ومنح قياداتها جوازات سفر سودانية. وقد كان السودان فى أذهانهم هو تلك الحضارة النوبية العريقة. وإرتفع قدر الحضارة النوبية كثيرا حينما برز على الساحة الأكاديمية البروفسيور السنغالى أنتا ديوب الذى تخطف الناس كتبه وألتفوا حول محاضراته معتبرين أنه نبى النهضة الفكرية الإفريقية. فكانت دعوته تعضيدا لمدرسة المركزية الإفريقية فى التاريخ. وهو القائل أن الناس إن كانوا يبحثون عن الحقيقة فلا بد من فهم اللغة النوبية لفض أسرار التاريخ وفهمه الفهم الصحيح. فكانت الحضارة النوبية مركزية فى دعوته ومؤلفات تلاميذه وأتباعه. فأرتفع سهم الحضارة النوبية تعضيضا بلا أدنى تقهقر. وشاعت المنظمات والجمعيات التى تتبنى إنتماءها إلى الحضارة النوبية. وصدرت عشرات الكتب التى تبحث فى أدق الدقائق فى تاريخ الحضارة النوبية. فأعيدت طباعة أعداد كبيرة من الكتب كمثال كتاب دورسيللا دونجى هيوستن الصادر عام 1926، والذى أعيدت طباعته عشرات المرات، وترجم إلى العربية "النوبيين العظماء للممالك الكوشية القديمة" والذى قامت حكومة البشير بمصادرته ومنع عرضه فى معرض الخرطوم الدولى وأبادت كل النسخ التى لم يتم إرجاعها. فتأمل فسق أدعيا العروبة والإسلام وتخلفهم الفكرى. ولكن كما أكد أعظم عالمين فى مجال تغيير الرأى ماكقواير وبابا جورجيس فى "نظرية التطعيم" التى تؤكد أنه: "كلما زاد القهر لإجبار الإنسان على التخلى عن مبادئه ومعتقداته كلما قويت إرادة المقاومة لديه حتى تبلغ درجة الإستحالة على تغييره." وقد تمثلت ذلك فى قصيدتى الملحمة النوبية:
    ......
    لكن يـاصـوتـى جَـلـجـِل
    أكد أن النوبة َ شـعبٌ صلـبٌ لايـُـقهـر
    .......
    إزأر بـجهـيـر ِالـصــوت:
    خَلـُودٌ أمـتـُنا لـن تفـنى حـتى الحـشــر
    .......
    لـن نركعَ؛ لن نـتـراجــعَ
    أو نتــنازلَ أبدا للغاصـب ِ عـن شــبر
    .......
    كالنخل ِ المُتَأصل عُمقاً فى
    رَحم الأرض مـديداً بالسـاق وبالجـذر
    .......
    كالـبـركل ِ زادَ شـمـوخـاً
    وتمددَ أوتاداً ضاربةً فى أحشاء ِ الـبر
    .......
    كـعُـروق ِ الكـنداكـةِ
    تـسرى نبـضاً دفاقاً فى صُـمِّ الصخـر
    .......
    إحـكـى صـوتُ الـنـوبـةِ
    عن عظمةِ قـوم ٍ شُــم ٍ كخلودِ النـهـر

    ونرى الإعجاب بالحضارة النوبية وما تمثله متفشية على أصعدة عدة من الأغانى والملبوسات والأزياء إلى أساليب التزين عند النساء ومستحضرات التجميل التى تحمل أسماء الملكات النوبيات والجمال النوبى. ويشمل ذلك الأنبهار بالحضارة النوبية حتى أوساط الحركات الدينية المسلمة وغير المسلمة. فمثلا حركة أنصار المهدى التى قامت فى نيويورك تبنت الإنتساب إلى النوبية، وتسمت بـ"النوابية". ولكنهم رغم نشاطهم فى بوسطن وإلتفاف عدد كبير من البسطاء حولهم، قلت مكانتهم بعد سجن قائدهم. غير أن أثر دعوتهم إلى الإقتداء بعظمة الحضارة النوبية ظل متوقدا. وطوال إقامتى فى بوسطن ظللت أتلقى الدعوات إثر الدعوات لأنضم إلى هذه أو تلك من الجمعيات والمنظمات التى تحمل أسم النوبية إنتسابا. وقد كان أنشطها تلك التى كونها الناشط فى حركة الحقوق المدنية الأفروأميركى صديق كامبون وتسمى بـ "حلقة القيادة النوبية". وكان نشاطها يفوق التصور من محاضرات وندوات ومواقع تواصل دائم. تماما كمنظمة جنرال أحمد المسماه بـ"أبناء إفريقيا" والتى تجعل من الحضارة النوبية محورا لها وبتأثير فعال سابقا من خلال بثها الإذاعى من إذاعة جامعة نورث إيسترن ببوسطن.

    وحين كونا المنظمة النوبية الخيرية العالمية المتحدة (نـوبـيا) تقاطر علينا عدد مقدر من المنظمات التى تتخذ من الحضارة النوبية مرتكزا لها، عارضين التعاون أو المشاركة فى شغل مجمعات مكتبية. وقد لمسنا مدى إفتتان البوسطونيين بالحضارة النوبية حينما أقمنا حفل تأبين فقيد الفن والوطن الفنان محمد وردى فى بوسطن فإكتظت القاعة بعدد مقدر من أهل بوسطن وشاركنا بعرض موسيقى متبرعو الفرقة الثلاثية (التريو) المكونة من أبرع وأرقى الموسيقيين وأعلامهم والذين هم أساتذة بكلية بيركلى الجامعية للموسيقى الشهيرة مع إستمرار مشاركتهم كعازفين لأعظم فنانى أميريكا فى تسجيلاتهم وحفلاتهم. وقد قالوا بأن حافزهم كان تقديرهم لفنانا النوبى وردى "فنان إفريقيا" كما أسموه والذى يعزونه جدا ويستمعتون بموسيقاه التى يقول عنها بروفيسور رون مهدى أنها "صدى ينساب من ماض سحيق من الجمال والأبداع والحضارة". وفاجأتنا فى الحفل جمعيات فى بوسطن لم نكن نعلم عنها شيئا. وكانت كل أسمائها تشير إلى نوبية منحاها - - فى منشوراتها وأدبياتها وتعمل جاهدة على إبراز الحضارة النوبية والعمل على إستعادة أمجادها. وقد أذهلتنى إحدى تلك المجموعات بحجم ودقة المعلومات فى مطبوعاتها الفخيمة ومقالاتها فى الصحف والمجلات. فعجبت لذلك أيما عجب ونظام القتلة فى السودان يحارب تاريخ وشرف الأمة المتمثلة فى حضارة هى رمز عزة لكل مقهور. فيا للعجب!

    ومن أبلغ المؤثرات النوبية فى بوسطن هو متحف المركز القومى للفنانين الأفروأميريكيين الذى تم أنشاؤه عام 1968 تحت إشراف الدكتورة إلما لويس. وبعد وفاتها آلت إدارة المركز والمتحف إلى قيادة الناشط الثورى إدموند بارى قيثر. الذى حقق إنجازا أذهل كل زائر للمتحف. فقد قام بإستنساخ مقبرة الملك النوبى أسبالتا بكامل تفاصيلها ورسوماتها ومقتنياتها فى قالب بانورامى يجذب الناس إليها من أقاصى الولايات المتحدة. ومرة أخرى تظل الحضارة النوبية مركزية لهذا المتحف الهام الذى يؤمه الفنانون ويزوره عشرات الآلاف من طلاب المدارس. فترتسم فى أذهانهم عظمة الحضارة النوبية. ويستعيد الطلاب فخار آبائهم وأجدادهم بالإحتفاء بالحضارة النوبية، ويتبارى الشباب فى تأليف القصائد والأغنيات التى تمجد الحضارة النوبية، ويتنادون فيما بينهم بالنوبيين.

    ولتكتمل الصورة ظهرت أخيرا أشهر مغنية أميريكية اليوم بيونسى فخورة فى زى الكنداكة النوبية أمانيشخيتو وتجسدت أمها تينا نولز فى زى الإلاهة النوبية ذات الأجنحة الذى وجد أصله الذهبى فى مدفن أمانى ناتكيلبتى فى نورى. والذى أتخذته الحملة الإعلامية لمتحف بوسطن للفنون الجميلة شعارا لموادها التثقيفية والإعلانية للحدث المرتقب فى اليوم السابع من أكتوبر. فضجت وسائط التواصل الاجتماعى بروعة أزياء هاتين السيدتين ومغزاها الحضارى. فصار الحدث مركز الحديث عن بهاء بيونسى الأسطورى وهى تتقمص شخصية إحدى عظيمات التاريخ البشرى. وتم تبادل الصور والفيديوها التى وثقت للحدث بدرجة مكثفة وواسعة فى وسائط التواصل.

    وبقدر ما قض الحزن مضاجع الكثيرين فى بوسطن وولاية ماساشوستس بعد تصفية ورثة الشيخ عبدالخالق لأعماله و إنزال يافطة "لمحة الخاطر النوبية" لآخر مرة هذا العام منذ سبعين عاما، وإعادة بناء المبنى كعمائر عقارية، فاجأنا مجلس مدينة بوسطن بإعادة تسمية أكبر ميادين المدينة الواقع فى قلبها عند تقاطع شارع مالكولم إكس "ميدان ددلى" بـ"الميدان النوبى"؛ والذى تزيد مساحته عن الميلين المربعين وتنطلق منه وتمر به حركة حافلات لا مثيل لكثرتها فى كل دقيقة إلا فى نيويورك، وهو على مقربة من أكثر من تسعة عشر جامعة وكلية تخصصية وثلاثة عشر مستشفى ومراكز أبحاث طبية وعيادات تخصصية. ومدارس إبتدائية وثانوية ورئاسة شرطة بوسطن وفرع مكتبة بوسطن المركزية وثانى أكبر مركز للبريد فى المدينة، وذلك بخلاف المسجد الكبير وثلاث مساجد أخر وعدد لا يحصى من الكنائس. لذا حينما قرر مجلس المدينة تسمية ذلك الميدان بـ"الميدان النوبى" إنتشى الجميع وتوافقوا على الإسم فخورين بذلك. وقبل أن تكتمل فرحتنا فاجأنا مجلس التعليم بالمدينة بإعتبار التاريخ النوبى مكونا أساسيا وإجباريا لمادة التاريخ والدراسات الإجتماعية فى المدارس الوسطى مع إتاحة الفرصة للدراسات المتخصصة فى المراحل اللاحقة، ونظم متحف بوسطن للفنون الجميلة مع مجلس إدارة التعليم فى المدينة سلسلة زيارات منظمة للطلاب للجناح النوبى بالمتحف.

    وكما يقول المثل الإنجليزى أنها حين تمطر فإنها تنهمر مدرارة. تلك حال الدنيا وعجلة التاريخ. فبعد نضال ومجادلات ومحاورات إمتدت منذ عام 1990 حينما عملنا فى لجنة إفتتاح الجناح النوبى الموقت عام 1991 لإستخراج الكنوز النوبية المقبورة فى قبو متحف بوسطن للفنون الجميلة منذ أكثر من مائة عام، كان إهتمام زميلاتنا وزملائنا من الأفارقة الأميريكان السؤال اللحوح: "لماذ كل أنوف التماثيل مكسورة؟". وفى المقابل ظل سؤالى، حتى فى عدد من المحاضرات فى جامعة هارفارد، الراعية للمتحف: "لماذ تظل هذه الآثار مقبورة فى قبو المتحف منذ عام 1905 إمتدادا إلى العام 1942؟" وإلى يومنا هذا، بعد أكثر من قرن من الزمان! ولكن الأمر تغير بفضل أمناء محفوظات أمينين أخلاقيا مثل الدكتورة ريتا فريد أمينة قسم فنون الحضارة المصرية القديمة والحضارة النوبية والشرق الأدنى بمتحف بوسطن للفنون الجميلة. والحق يقال أن البروفيسور هنرى لويس قيتس (سكب) المدير الحالى لمركز هارفارد للدراسات الأفريقية والأفروأميريكية من المفتونين بالحضارة النوبية والمحفزين على إبرازها وله دور فاعل فى هذا الأمر؛ وهو الذى زار السودان وأنتج فيلما وثق فيه لذلك - خاصة زيارته للمناطق النوبية. وقد فاجأ العالم بإصدار فيديو يشير فيه إلى قيامه بفحص بصمته الوراثية التى أثبتت أصل إنتمائه النوبى.

    والآن، كما ذكرنا أعلاه، قرر المتحف إفتتاح الجناح النوبى مرة أخرى لفترة زمنية ممتدة من السابع من شهر أكتوبر القادم فى إحتفال مهيب تحت عنوان "النوبة القديمة الأن"، حيث سيعرض فيه لأول مرة أكثر من أربعمائة قطعة من المقتنيات لم يشاهدها أحد من قبل .وهى من ضمن مقتنيات المتحف التى كان قد جمعها أمين المتحف البروفيسور بجامعة هارفارد الآثارى العنصرى جورج ريزنر، والذى أطلقت يده السلطات الإستعمارية البريطانية فى مصر والسودان لينقب كيف يشاء ويحمل أطنانا من الآثار والتماثيل إلى متحفه هذا فى بوسطن ويرسل الكثير منها إلى بريطانيا. وبحكم مركزيته الأوربية ورصفائة ممن يسمون أنفسهم جورا بـ"مدرسة المصريات" فى علم الأثار، فقد صرحوا وأبانوا بأن حضارة مصر القديمة لا يمكن أن يكون قد بناها غير الجنس الأبيض القادم من أوربا. فخاب فألهم اليوم. وأنكشف غطاء الزيف الذى كانوا يخشون إفتضاحه. كما كان يقول الآثارى البريطانى جون أنتونى وسـت.

    وقصة وست جديرة بالإيراد هنا. فقد عمل هو وزميله البروفيسور روبرت شوخك من جامعة بوسطن مع فريق لإثبات أن "أبوالهول" سبق بناؤه التاريخ المعلن بإكثر من ثلاثة إلى خمسة آلأف سنة قبل خفرع الذى يروج على أنه هو بانيه. وأن التعرية والنحر فى التمثال نتيجة لنحر المياه وليست بعامل الرياح كما تدعى مجموعة "المصريات". فجن جنون دعاة المركزية الأوروبية وشنو حملات محمومة منظمة على ذلك الإثبات التاريخى المؤكد. ولكن تقدم بدراسة علمية ألجمت الكثيرين منهم واحد من أعظم خبراء الفن الشرعى التشريحى فى أمريكا، فرانك دومينقو الذى كان يعمل مع شرطة نيويورك لإعادة رسم الأوجه المهشمة. فبعد قضاء ستة أشهر بين المتحف المصرى ونصب إبى الهول خلص إلى رسم يوكد أن لا صلة إطلاقا بين خفرع ووجه إبى الهول، لأن الوجه إفريقى التقاطيع والأنف والتركيبة الفكية ومحاجر العيون. وفى ذلك يقول وست:

    "إن تبعات هذا الإكتشاف مذهلة للغاية ففجأة كل التاريخ القديم وماخلصنا له من قناعات
    إسـتخلصناها من تطور الحضارة البشرية. ولكن يبدو أن ذلك يحتاج إلى إعادة نظر
    كاملة فليس من المستغـرب أن المؤسسات الأكاديمية خاصة المتخصصة فى المصريات
    منها تتدرع أسلحتها مشهرة أياها. فكيف يمكن أن نتوقع غير ذلك من أناس جعلوا سبل
    كسب أرزاقهم من الترويج لتلك السلع. فالخطورة بالنسبة لهؤلا لاتكمن فى ضرورة
    إعادة كتابة التاريخ القديم فقط؛ ولكن إعادة التقييم الجذرى لكل ماتم تدريسنا له مما
    يتعلق بتطور الحضارة البشرية"

    فالآن تعتذر إدارة متحف الفنون الجميلة فى بوسطن بدورها فى المشاركة فى تزوير التاريخ ذاك، والعنصرية التى مورست تجاه المقتنيات النوبية التى لا شك أنها ستقلب فهمنا للتاريخ، وهى الجريمة وعدم الأمانة العلمية التى لا يعفى المتحف نفسه منها. فقد ظل التقليل من قدر الحضارة النوبية وتبخيسها بالبروبوقاندا السالبة ديدنا للمؤرخين من عقود بعيدة طويلة وإسكات كل صوت يظهر الحقيقة. فى الوقت الذى "تتشكل فى مكوناتها أنواعا من العبقرية والدقة والبراعة والإبتكار ورفعة التشذيب والإبداع. فهى بلا شك تتفوق على الحضارة المصرية التى ظلت تهمشها كتابع وضيع. إن متحف بوسطن للفنون الجميلة ليتشرف بإقتناء هذه الآثار العظيمة التى تشكل أكبر مجموعة فى أى مكان فى العالم ما عدا السودان"

    وتتوالى الإعترافات بعظمة التاريخ النوبى حين ينص دليل الجناح على:
    "من قبل مايزيد عن الثلاثة آلاف سنة نشأت ممالك نوبية...إمتدت شبكاتها التجارية عبر البحر الأبيض المتوسط إلى الإمبراطوريات اليونانية والرومانية وأعماق إفريقيا. وفى القرن الثامن قبل الميلاد...ولحقبة أمتدت قرنا من الزمان سيطرت على أكبر إمبراطورية فى التاريخ القديم. وقد شيد النوبيون مدنا بالغة العظمة، ومعابد وقصورا وإهرامات أكثر عددا من المصرية. وقد أبدع فنانوها وحرفيوها فى خلق مجوهرات فخيمة العظمة، وفخاريات، ومصنوعات معدنية، وأثاثات ومنحوتات. ولكن القليلين جدا من الناس اليوم يعلمون ولو القدر اليسير عن هذا التاريخ القوى الجبار...
    ففى هذا المعرض ستجدون إبداعات تبرز تميز البراعة والإتقان الفنى والإبتكار لهولاء الخلاقين النوبيين المهرة وتعكس ثراء وقوة ملوكهم وملكاتهم... وفى نفس الوقت تعمل هذه المعروضات على مواجهة بعض من أساليب التعمية التاريخية والتضليل والتشويه طوال القرن الماضى - - ودور المتحف فى هذه الرواية المحددة."


    فمن أمثلة بدائع المقتنيات إبريق من مدفن الملك النوبى أسبالتا وقف أمامه أعظم صاغة بوسطن صاغرا مصرحا بأنه "لا يمكن ولا يعقل أن يتم تشكيل هذا الأبريق بالطرق على قطعة واحدة من الذهب، ولا حتى بإستعمال ماكينات وأدوات الصياغة اليوم. أنا مشلول الفكر تماما أمام هذا الإبداع الخارق."

    وبشجاعة ملحوظة يستمر البيان: "تاريخيا كانت قصة الحضارة النوبية مروية فى أغلبها بواسطة الآخرين – بدءا من المصريين القدماء الذين إستغلوا البروباغاندا لتصوير النوبة بإضاءآت سالبة. وفى بدايات القرن العشرين فشل العلماء والآثاريون دائما فى الإعتراف بالرقى الإبداعى للحضارات جنوب مصر؛ وقد حشد أغلبهم تحاملا عنصريا فى أعمالهم، مما أثر على تفسيراتهم للحضارة النوبية لعقود...ونقر ونعترف أن دور المتحف يجسد تاريخا إستعماريا".

    ولكن تظل هذه الشجاعة العلمية والأخلاقية شهادة بعظمة مهد الحضارة البشرية، وأملا فى أن تكون بداية النهاية للمحاولات المستمرة لطمس وخنق وتشويه والتقليل من شأن عظمة هذه الحضارة وأثرها فى تشكيل الواقع عبر العالم، كما توثق نشرة المعرض. ... فهى حضارة مازالت تعيش حية وبعنفوان وقوة فى الثقافة الحضارية، والتقاليد والممارسات، وقواعد السلوك الإجتماعى، والسمو الراقى للتعامل السلمى، والكرامة الإنسانية. رغما عن مائة وثلاثين عاما من مأساة مدمرة مستمرة بإقتلاع النوبيين وإجبارهم على التهجير من أراضيهم وتشتيتهم وإرغامهم على الإستقرار فى مناخات قاسية وأماكن موحشة، تكررت أربعة مرات مقسمة الأسر ومغرقة آثارهم العملاقة المبهرة وقبور أسلافهم وأحبابهم..

    وتوثق نشرة إفتتاح الجناح إلى إن عطاء النوبيين للحضارة والثقافة ما توقف من بدايات تاريخهم وإلى اليوم. فقدماء النوبيين كانوا طليعيين فى الطب فأهدوا العالم أول موسوعة طبية فى التاريخ وتعالجوا بالتتراسايكلين قبل ثلاثة ألاف سنة من إختراع الغرب لها، وإبداعا عبقريا فنيا، وخلقوا تصاميم هندسية باهرة الإبداع، وأنجبت النوبة للعالم أبطالا أسطوريين كالأمير ممنون غريم المحارب اليونانى الأشهر أخيليس فى ملحمة طروادة، وأبطالا تاريخيين من ملوك وملكات، أشهرهم ترهاقا الذى سمى بـ"إمبراطورالأرض" لتمدد سلطانه من تخوم تركيا إلى أن وصلت جيوشه إلى قلب إسبانيا. وعبر التاريخ رفع النوبيون من قدر النساء وقوتهن وعزتهن وإنجازاتهن، وكانوا طلائع حركات التحرر وحركة الوحدة الإفريقية، وأسهموا فى تشكيل الإبداع الإنسانى كأطباء باهرين ومهندسين ومعماريين أفذاذ وأساتذة جامعات عباقرة وموسيقيين وفنانين مبدعين، متسامين فوق جراحاتهم وأحزانهم فى إنسانية مشهودة.

    ويستمر الإعلان فى تأكيد أن الكشف عن هذه المقتنيات وعرضها والتى قبرت وخبأت عن العالم لمازاد عن القرن هو خطوة أولى نحو مواجهة التاريخ الكبير لعدم الأمانة...إن خلق جناح سيمكن من الوصول إلى هذه المقتنيات المادية والثقافية الحضارية والثراء الأخلاقى لما قدمته هذه الحضارة؛ لأنها كلها مما يحتاجه عالم اليوم: معنى المساواة بين الجنسين، إمكانات المرأة غير المحدودة فى القيادة والإنجاز فى كل أوجه الحياة؛ والتعامل الإجتماعى المهذب السلمى الراقى؛ ولغة مازالت تيسر التخاطب بها اليوم وتظل محفورة فى أسماء المدن والأماكن والمعالم...

    والمأمول أن عظمة وإنجازات والدروس المتعلمة من هذه الحضارة أن تغرى الزوار للتمعن والأنبهار والبحث عن حلول يحتاجها قـنـوط الأزمة الإنسانية اليوم. إن التفاعل مع هذه الأعمال والقصص المحيطة بها ستعلم العالم أيضا كيف يمكن لثقافة حضارية أن تظل حية خالدة عبر القرون.


    وتعليقى على كل ما تقدم هو بعض من أبيات كتبتها قبل سنين خلت:

    كل زول
    عايش سعيد
    فى ارض بلدو
    إلا النوبى
    مفجوع حزين
    عايشه ديارو
    فى قلبو










                  

العنوان الكاتب Date
اليهود والغرابة يسرقوا ويزورا حضارات وادي النيل بقلم Tarig Anter نادر الفضلى10-09-19, 09:32 PM
  Re: اليهود والغرابة يسرقوا ويزورا حضارات واد نادر الفضلى10-09-19, 09:34 PM
    Re: اليهود والغرابة يسرقوا ويزورا حضارات واد نادر الفضلى10-09-19, 09:38 PM
      Re: اليهود والغرابة يسرقوا ويزورا حضارات واد عبدالرحمن إبراهيم محمد10-10-19, 01:49 AM
        Re: اليهود والغرابة يسرقوا ويزورا حضارات واد wedzayneb10-10-19, 02:41 AM
          Re: اليهود والغرابة يسرقوا ويزورا حضارات واد adil amin10-10-19, 03:34 AM
            Re: اليهود والغرابة يسرقوا ويزورا حضارات واد Biraima M Adam10-10-19, 06:00 AM
              Re: اليهود والغرابة يسرقوا ويزورا حضارات واد Biraima M Adam10-10-19, 06:19 AM
                Re: اليهود والغرابة يسرقوا ويزورا حضارات واد نادر الفضلى10-11-19, 00:23 AM
                  Re: اليهود والغرابة يسرقوا ويزورا حضارات واد نادر الفضلى10-11-19, 00:38 AM
                    Re: اليهود والغرابة يسرقوا ويزورا حضارات واد نادر الفضلى10-11-19, 00:47 AM
                      Re: اليهود والغرابة يسرقوا ويزورا حضارات واد نادر الفضلى10-11-19, 01:22 AM
                        Re: اليهود والغرابة يسرقوا ويزورا حضارات واد محمد على طه الملك10-11-19, 03:32 AM
                          Re: اليهود والغرابة يسرقوا ويزورا حضارات واد محمد على طه الملك10-11-19, 04:05 AM
                            Re: اليهود والغرابة يسرقوا ويزورا حضارات واد Abureesh10-11-19, 06:52 AM
                              Re: اليهود والغرابة يسرقوا ويزورا حضارات واد هاشم احمد ادم10-11-19, 03:42 PM
                                Re: اليهود والغرابة يسرقوا ويزورا حضارات واد علي عبدالوهاب عثمان10-11-19, 09:39 PM


[رد على الموضوع] صفحة 1 „‰ 1:   <<  1  >>

تعليقات قراء سودانيزاونلاين دوت كم على هذا الموضوع:
at FaceBook




احدث عناوين سودانيز اون لاين الان
اراء حرة و مقالات
Latest Posts in English Forum
Articles and Views
اخر المواضيع فى المنبر العام
News and Press Releases
اخبار و بيانات



فيس بوك تويتر انستقرام يوتيوب بنتيريست
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة
About Us
Contact Us
About Sudanese Online
اخبار و بيانات
اراء حرة و مقالات
صور سودانيزاونلاين
فيديوهات سودانيزاونلاين
ويكيبيديا سودانيز اون لاين
منتديات سودانيزاونلاين
News and Press Releases
Articles and Views
SudaneseOnline Images
Sudanese Online Videos
Sudanese Online Wikipedia
Sudanese Online Forums
If you're looking to submit News,Video,a Press Release or or Article please feel free to send it to [email protected]

© 2014 SudaneseOnline.com

Software Version 1.3.0 © 2N-com.de