في سبيل إصلاح ذات البين بين الجمهوريين

مرحبا Guest
اخر زيارك لك: 04-25-2024, 06:05 AM الصفحة الرئيسية

منتديات سودانيزاونلاين    مكتبة الفساد    ابحث    اخبار و بيانات    مواضيع توثيقية    منبر الشعبية    اراء حرة و مقالات    مدخل أرشيف اراء حرة و مقالات   
News and Press Releases    اتصل بنا    Articles and Views    English Forum    ناس الزقازيق   
مدخل أرشيف للعام 2016-2017م
نسخة قابلة للطباعة من الموضوع   ارسل الموضوع لصديق   اقرا المشاركات فى صورة مستقيمة « | »
اقرا احدث مداخلة فى هذا الموضوع »
10-25-2016, 09:38 AM

Yasir Elsharif
<aYasir Elsharif
تاريخ التسجيل: 12-09-2002
مجموع المشاركات: 48726

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: في سبيل إصلاح ذات البين بين الجمهوريين (Re: Yasir Elsharif)

    المشاركة السادسة من خطاب الأخ النور وضعها في يوم 31 ديسمبر 2003:

    ـــــــــــــــ

    هل نحن فعلا جسم واحد؟

    أعتقد أن علينا أن نفرق، بين كوننا، لا تزال تربطنا أواصر محبة، وألفة، أنتجتها قيم الفكرة، وفترة الحضانة الطويلة التي أمضيناها في التربية وفق منهجها، وبين الافتراض والتوقع ـ وهما افتراض وتوقع غير صحيحين ـ من أن علينا أن نفكر بطريقة متطابقة. ولربما لا أجانب الصواب إن قلت، أننا لم نكن على تطابق تام، في الرؤية، في يوم من الأيام. كل ما في الأمر، أن الأستاذ كان على رأسنا جميعا. ثم أننا كنا منشغلين بالحركة، وبالمعارك التي خضناها مع كل ألوان الطيف السلفي، في السودان، وخارجه. لقد كنا في خندق واحد، يتربص بنا الأعداء من كل صوب. كما كانت معركتنا محددة، ومحصورة. نحن لم نخض معارك فكرية حقيقية حتى الآن. وأعتقد أن الأستاذ قد المح إلى ذلك بعض المرات. حربنا كانت محصورة في الجدل مع السلفيين، حول ضرورة تطوير التشريع، وتلك حرب سهلة. وقد كسبنا كل جولة منها، في المحاضرات، والندوات، والأركان، والمنشورات. وقد حولت هزائمنا المتتالية، للسلفيين، تلك الحرب، إلى حرب سياسية. ولقد خسرنا المعركة السياسية، بإعدام الأستاذ، ثم باستتابتنا بواسطة قضاة نميري، ورهط السلفيين الواقفين من ورائه. أكثر من ذلك، خسرنا المعركة الأخلاقية، خسرانا مبينا، حين نكصنا عن حبل المشنقة. ولكن كيف يذهب إلى حبل المشنقة، من ظل معتقدا طول الوقت، أن مرشده، لن يذهب، ويتركه في مواجهة خيار صعب كهذا. لقد كان هو الذي يختار لنا، وقت الملمات، ووقت المواقف الخطيرة. وقد كان هو الذي يتقدمنا، إلى كل ملمة. وربما قال قائل، أنه قد اختار لنا الموت شنقا، وقد تقدمنا في ذلك فعلا، ولم يخلف عادته. غير أن ذلك جاء مفاجئا، ومخالفا لما هو راسخ عندنا من عقيدة. لقد جرى الأمر كله بسرعة غريبة. ألقى القبض على الأستاذ يوم 5 يناير. حوكم يومي 7 و 8 يناير. أصدرت محكمة الاستئناف حكمها يوم 15 يناير. أيد نميري الحكم يوم 17 يناير وتم التنفيذ يوم 18 يناير. كل الفترة، منذ الاعتقال وحتى التنفيذ، كانت 13 يوما فقط! المهم، أن ما جرى من أمر التنفيذ، وما تبعه من استتابة، ربما كانت له مسوغاته، ومبرراته الروحية. وليس هذا مجال الاستطراد في تلك الوجهة. الشاهد هو أن الارتجاج الذي أصابنا له ما يبرره أيضا. كانت تلك نهاية المعركة السياسية. أما المعركة الفكرية، فقد وضح الآن، أنها لم تبدأ بعد، ولكنها قادمة، ونحن عنها منصرفون، بسبب من عدم قدرتنا على التخلص من عقابيل المرحلة الماضية، والحنين للأيام الخوالي.

    ولا بد هنا من الإشارة أيضا، إلى أن وجود الأستاذ بيننا، ربما أراحنا وقتها، من عناء التفكير الموسع، من جهة، ومن عناء تحمل المسؤولية، من جهة أخرى، وقد لاحظت أنت ذلك في رسالتك. أما الآن، فقد اتسع ميدان المعركة. وإحساسي الشخصي، أن ميدان المعركة قد أصبح ميدانا كوكبيا. المعركة في تقديري، لم تعد محصورة في السودان، على النحو الذي انحصرت به فيه، في الماضي. وأرجو ألا أكون قد شطحت، إن قلت، إن الفكرة الجمهورية، ربما تمكنت من لفت نظر السودانيين، عن طريق لمعانها في الخارج أولا. وأظن أن للأستاذ إشارات في تلك الوجهة. وربما مر زمان، قبل أن يلتفت الناس للفكرة، ويصبح الانشغال بها، بصورة موسعة، أمرا واقعا. ولا يعني ذلك، أن السودان سوف يظل بمعزل عن رحى تلك المعركة الكوكبية، التي ربما تطول، وربما تقصر. في تقديري، سوف تتصاقب حركة التفات الناس للفكرة داخل السودان، مع شيء مشابه يجري خارج السودان. غير أن التنظيم، لن يعود، في نظري، بشكله القديم. ولن تستخدم الحركة في أطوارها الجديدة نفس النهج القديم. لقد مضت فترة الحضانة تلك، ولن تعود. أنا شخصيا، ليس في داخلي أي حنين لتلك المرحلة. لقد كان الوضع الماضي كله، وضعا استثنائيا، من جميع وجوهه. وما كان له أن يدوم على أية حال. وحقيقة الأمر أنني أعجب أشد العجب، ممن يحنون إلي تلك الحالة!

    المعركة الكوكبية، في تقديري، هي المعركة التي كان الأستاذ يعد الدعاة من أجلها. كل تجربتنا في السودان، كما أراها الآن، لم تكن سوى فترة إعداد. هذا التصور ربما سندته كثرة الأقوال التي كانت تتردد كثيرا، آنذاك، من أن المقصودين بالحركة، هم الدعاة أولا وأخيرا. ويقيني الراسخ الآن، وبعد كل هذه السنوات، أن دعاة الفكرة الجمهورية لم يجيئوا بعد. وفي ظني أن كثيرا منهم، سوف يخرجون، من أولئك الذين جرى إعدادهم في السودان، على أيدي الأستاذ. ولكن ذلك يقتضي، ممن يرون في أنفسهم كفاءة للعب الدور الجديد، وعيا بواجبات المرحلة الجديدة. وهي مرحلة فرديات، ولن يكون للتنظيم على النحو الذي عرفناه به في الماضي، دور كبير فيها. سنظل على اتصال، وربما تجمعنا في تجمع، أو تجمعات من شكل ما. ولكن على نحو أقرب إلى النحو الذي يتجمع به الناس في الجماعات الفكرية، أو المؤسسات المشابهة. التنظيم على النحو الذي عرفناه به في الماضي، لا يصلح لهذه المرحلة أبدا. بل إن التنظيم، بعد الأستاذ، معوق، وقاتل للمواهب، وللتفتح، في نظري. هذا ما من أجله قلت أننا لا نمثل جسدا واحدا حقيقة. وإن أحببنا أن نفهم الأمر خلاف ذلك. واقع الأمر غير ذلك، حقيقة. وغني عن القول أن التنظيمات القابضة، قد عرفت على الدوام، بالحجر على الفكر، وعلى المبادرة الفردية. فلا فكر حر، مع تنظيم قابض، ومسيطر أبدا.

    بين القضية العامة والخلاص الشخصي:

    لقد لمحت في رسالتك نبرة حزن، وأسى شديد على واقع الحال. ولا أُخفي عليك، أن الانطلاق من مثل ذلك الشعور الديني، المفعم بتبكيت الضمير، ربما يصرف عن رؤية الواقع، على نحو واقعي معتدل. مثل ذلك الشعور يدفع للغرق في فكرة الخلاص المسيحية، وبالتالي الغرق في مسألة خلاص الذات. وربما قاد مثل ذلك الشعور، في صوره الحادة، إلى اختزال قضية الخلق كلهم، وقضية العيش على الأرض كلها، في الأزمة الوجودية الشخصية. وهي أزمة نعاني منها جميعا. وخاصة من خرجوا مثلنا من تجربة دينية، سلوكية، طويلة، انتهت بفشل أخلاقي مذاع ومتلفز. ملاحظتي، أنك ركزت في رسالتك، على تقادم السن بأكثريتنا، وما يجتاحنا أحيانا، من حنين إلى الآخرة، والخروج من هذه المعاناة العجيبة. كما ركزت على العودة إلى السلوك، وإلى ترابط المجتمع، على نحو يشبه ما كان عليه الحال، قبل التنفيذ. وأرجو تصحيحي إن كنت قد فهمتك خطأ. في تقديري، العودة للتسليك، والترشيد، على النحو السابق، تخطاها الزمن. وهي في حكم الوقت الراهن، حسب ما أرى، عودة إلى الوراء. وأرجو أن أوفق في شرح ذلك، بصورة أوسع، لاحقا. أعتقد أن العودة للتسليك بشكله السابق لن تتم. بل ومن الخير ألا تتم! علينا أن نتصالح مع وقتنا الراهن. نعم انفتحت الأمور الآن على مختلف الاحتمالات، وهذا ما يزعجنا، ويقض مضاجعنا. فلربما متنا ونحن على هذه الحال. ولكن ما يضير؟ من منا اتخذ عند الرحمن عهدا، يجلو له وفقه، في فترة ما بين المهد واللحد، كل ما جرى، وما سيجري، بين المبتدأ والمنتهى؟ لقد تبدد ذلك اليقين الذي نمنا عليه سنينا، والأستاذ بين ظهرانينا. نحن بحاجة الآن أن نطور قدرتنا على العيش مع الغموض والإبهام. (tolerance for uncertainty and ambiguity) . هكذا يسمي الأمريكيون، هذه المزية في أدبياتهم. علينا أن نعيش لحظتنا الحاضرة، كما تفضلت أنت، وأن نملأها، جهد الطاقة، بما يفيد، وينفع. لقد بدأت أتذكر كثيرا من العبارات، التي كان يقولها الأستاذ في هذا الصدد، وأكثر ما أذكره منها ترديده الكثير لبيت عوض الكريم موسى القائل:

    سر الحقيقة في خفـا هي مقتضى فرط الجلا
    وأتى بها خبر السـما هي ما عليه العالمـون

    عيش السماء وعيش الأرض:

    حياة الأستاذ، كما أراها الآن، لم تكن سوى إلمامة سماوية بأهل الأرض. وهي الأخيرة في سلسلة تلك الإلمامات الكبيرة التي غيرت وجه التاريخ، في الماضي، على مكث وتلبث. مهمته كانت نشر كتبه، وتسليك جيل يمكن أن ينهض بالدعوة بعده. بالطبع لم يكن هذا تصوري قبل التنفيذ، وإنما هذا ما توصلت إليه عبر هذه السنوات الست عشرة، التي أعقبت التنفيذ. بقي المسيح بين حوارييه ثلاث سنوات. وبقي النبي بين أصحابه ثلاثا وعشرين سنة، وبقي الأستاذ في دعوته نحوا من أربعين سنة. كل هذه الفترات لم تكن فترات حياة طبيعية. جذبت تلك القامات الروحية السامقات، من آمن بها جذبا. أخذت تلك القامات المؤمنين بها إلى شاطئ الوادي الأيمن. أو قل، أخذتهم إلى السماء، كفترة إعداد. لقد كانت فترات معراج. الحياة الطبيعية لا تعاش كذلك، ولا ينبغي. ومرة أخرى أعيد عليك رؤيتي، أو قل قراءتي للتجربة الماضية. وأعني تجربة المجتمع الجمهوري لفترة ما قبل التنفيذ. ومفاد تلك القراءة، أن تجربة التسليك بوضعها ذاك، تجربة خاصة بالدعاة وحدهم، فيما أرى. كما أنها مربوطة ربطا عضويا بوجود المرشد. أو قل مربوطة بالمدد الروحي، المتجسد وقتها، في صاحب الدعوة. ذلك المدد المعبر عنه بالقولة المعروفة: "ما كدنا ننفض أيدينا من تراب قبر رسول الله حتى أنكرنا قلوبنا". الشاهد أن حالات إعداد الدعاة لدى السيد المسيح، ولدى النبي صلى الله عليه، وسلم، ولدى الأستاذ، حالات معراج، ولا مقام فيها لمقيم.

    لقد كانت تجربتنا مع الأستاذ، أشبه بـ "مدرسة داخلية للتسليك"، وهي لم تطابق الحياة العريضة، ولن تطابقها في يوم من الأيام. وليس من الخير أن تستمر حياة الناس، على ذلك الوضع. لقد كانت خلوة وخرجنا منها. والجلوة أكمل من الخلوة. ذلك وضع كان مقصودا لذاته، ولفترة محدودة جدا، وليخدم غرضا محددا. وهو إعداد صفوة، دللت بحكم إقبالها، والتزامها، أنها قادرة على عيش التجارب الاستثنائية. وقد وردت كثير من عبارات الأستاذ، في هذا الشأن. السلوك بتلك الطريقة، كان للدعاة وحدهم. ربح من ربح، وخسر من خسر. ولا أقول ذلك لتثبيط الهمم، أو قفلا لأبواب السماء. وإنما لتوكيد حقيقة بسيطة. وهي أن السير في تلك الحقبة المنصرمة، كان سيرا ممدودا بوجود المرشد. ولن تتوفر الظروف، ولا المناخ لإعادة مثل تلك التجربة، على الأقل في ظرفنا الراهن. كما ذكرت، فقد كانت خلوة. وهي خلوة كان لها نفعها، بفضل وجود مصممها ومرشدها. وسوف لن تتفق لأي منا، على ذلك النحو، مع غيره أبدا.

    دعونا فقط نفكر في المجتمع العادي الواسع الكبير. هل يظن دعاة السلوك والتسليك، على ذلك النحو، أن تلك التجربة يمكن أن تنسحب، بحذافيرها، على المجتمع الكبير؟ وهل هي عملية؟ فعلى سبيل المثال فقط، كنا نصحو لصلاة الليل قبل، أو بعد، الثالثة صباحا. ننام قليلا، ثم نصحو لصلاة الصبح. نقيم جلسات المنازل، حتى طلوع الشمس، ثم نذهب عقبها، إلى بيت الأستاذ لجلسة الإنشاد. حوالي الثامنة، نذهب إلى أعمالنا. نعود في حوالي الثالثة ظهرا. نتغدى، ونرتاح لمدة ساعة، أو يزيد قليلا، ثم نذهب للذكر، الذي نستمر فيه، وقوفا، قرابة الساعتين. نصلى المغرب، ونذهب للحملة. نظل وقوفا في الأسواق، نحاور الناس، نحتمل جهالاتهم، وسوء أدبهم، وإساءاتهم لساعات، نعود بعدها للجلسة المسائية حوالي الثامنة، أو التاسعة. تستمر الجلسة، وكلنا جالس على الأرض، في مساحة قدرها قدمين مربعين، حتى منتصف الليل. وكثيرا ما تمتد، إلى ما بعد منتصف الليل. نعود بعد ذلك للمنازل لننام، على "البروش" لسويعات قليلة، نعود بعدها لنفس البرنامج مرة أخرى، وهو برنامج يبدأ قبل الفجر، كما تقدم. يضاف إلى ذلك أننا كنا نأكل، قليلا جدا، وكان ما نأكله لا يحتوي، إلا على أقل القليل، مما يقيم الأود. انظروا إلى صورنا الفوتوغرافية، من تلك الحقبة. لقد كان كثير منا، مجرد جلود على عظام. هل هذا هو الوضع الطبيعي، والنهج الطبيعي، الذي لابد للناس كلهم، من السير عليه لتحصيل قيم السلوك، أم أن ذلك وضعا استثنائيا، قصد به تقوية النواة، التي يُنتظر لها، أن تنهض بشؤون الدعوة فيما بعد؟ تلك كانت مدرسة الدعاة، ولن تصلح مدرسة لكل المجتمع. ولابد من التنويه إلى أن، كل الذين التزموا بذلك النهج الصارم، وصبروا عليه، حتى غياب الأستاذ، هم من المصطفين الأخيار. وكون أن الدعوة لم تجلب سوى ألف من المؤمنين، والمؤمنات، على مدى أربعين عاما، لدليل آخر، على أن ذلك النهج، قد أعد لصفوة فقط، وتحت رعاية صاحب الدعوة، والمأذون بها شخصيا. المنهج الآن موجود في كتاب الطريق، وغيره من الكتب. ومن أراده فعليه به. وليس في طريق محمد، في شكله المطروح على عامة الناس، جلسات تسليك عقب صلاة الفجر، أو حملة كتاب، أو أركان نقاش، أو حتى جلسات إنشاد. السلوك في مقبل الزمن، هو عمل كل أسرة مع أطفالها. وهو عمل المدرسة مع طلابها، وهو عمل الأندية، والمحافل، وأجهزة الإعلام الراشدة. ولسوف يحدث ذلك دون إهمال لتجويد المهن، وتنمية المهارات اليدوية، والاستمتاع بالفنون، والآداب، والرياضة، والترفيه، والتسلية، والرحلات، وغيرها من وسائل التربية وإرهاف الحس، والسمو بالذوات الإنسانية.

    تجربتنا السلوكية الماضية، تجربة متزمتة، بكل المقاييس. ولا أقول ذلك لكي أعيبها، فقد كانت أفضل ما يكون في ظرفها. أنا أقول ذلك، لأشير إلى كونها تجربة استثنائية. ولكم أن تشاهدوا ما يفعله التزمت اليوم، في أجهزة الإعلام السودانية. ولو نحن حاولنا سحب تلك التجربة على بقية حياتنا، وعلى حياة الناس، فسوف لن يختلف حال دولتنا عن حال دولة الإنقاذ من حيث الجفاف، والتصحر الوجداني. التعبئة والتوجيه، والحشد، والعسكرة، حتى في التصوف، باعثة على الملل فعلى سبيل المثال، فقد جعل التزمت، وضيق الأفق، ونقص المعرفة، بنبض العصر، وإيقاعه، وبطبيعة النفس البشرية، من تلفزيون السودان، أسوأ تلفزيونات العالم، ربما باستثناء أفغانستان. لقد صرنا دون السعودية من حيث تحويل جهاز التلفزيون من جهاز ترفيهي تعليمي، إلى أداة لغسيل الأدمغة. المهم أصبح تلفزيون السودان من أكثر تلفزيونات العالم، تنفيرا للمشاهد. لا لكونه يبث برامج، مثل ساحات الفداء، أو دكتور عبد الحي، أو المنتدى الفقهي، أو ذلك الفقيه الأفندي الذي يطرح أسئلة فقهية، على الشباب، ويدير برنامجه بطريقة بالغة السماجة. هو سيئ، لأنه يجعل من المادة الدينية، أساسا لبرامجه. هو تلفزيون وعظي، وتعبوي، وتوجيهي، وإرشادي، يريد أن يحمل الناس على الجادة، وأن "يذكرهم". ولو نحن كنا محل هؤلاء القوم، واستبدلنا المادة الراهنة، بأحاديث، وأناشيد لابن عربي، وابن الفارض، والنابلسي، وكل كرام مشايخ الصوفية، مثلا، فسوف لن يكون تلفزيوننا، أقل تنفيرا، من تلفزيون أهل الإنقاذ. كثرة الحديث عن الدين، تنفر عن الدين. تصوفا كان أم فقها. فالحقيقة البسيطة تقول، إن الناس يتعلمون ما يريدون تعلمه، في الوقت الذين يريدون، وبالطريقة التي يحبونها. كل محاولات لغسل دماغ البشر، بأي مادة كانت، ما هي إلا مضيعة للوقت. ومعلوم أن أساس دعوتنا، أن لا يدرس الدين تدريسا. وهذا يشمل التصوف بالطبع. يجب أن يمزج الدين بأنشطة الحياة العملية العادية، ومن غير أن نسميه دينا. الشاهد أن "التسليك" هو أن تحصر السالك في المادة الدينية، فتحيطه بها، وتحيطه بالسالكين، الذاكرين، والمذكرين. "السلوك" هو أن تخلق في السالك حالة استيحاش من الحياة العادية، ريثما يستجمع ذاته، وما تلك بحالة كمال. أنا شخصيا، عشت تجربة السلوك، وانتفعت منها، غير أنني لا أريد الرجوع إليها أبدا. لو أردت الحق، أنا لم أعد أطيقها. هل معنى هذا أنني تركت السلوك؟ لا وألف لا. فقط لم أعد بحاجة إلى تلك الرعاية المكثفة، وحضور الآخرين المكثف من حولي، لكي أسير إلى الله.

    وعلى سبيل المثال أيضا، قام السلوك في تلك الحقبة، على مجافاة الفنون، مجافاة تامة. كنا محصورين فيما نحن محصورين فيه. لم نكن نحضر حفلات الأعراس. حتى التي تقام في مناسبات ذوينا، وأهلنا، وأقاربنا. لم نكن نرتاد السينمات، ولا المسارح. الرسامون فينا، والموسيقيون تركوا الرسم والموسيقى، وتفرغوا للدعوة. الرياضيون منا، تركوا الرياضة. لقد اعتزلنا المجتمع بأسره، حتى أهلنا وذوينا. وحين خرجنا من عزلتنا، بعد ذهاب الأستاذ، كنا مثل أهل الكهف، الذين خرجوا يحملون وَرِقَهم القديم، يبغون به خبزا، في قرية غابوا عنها، مئات السنين. خرجنا ووجدنا أنفسنا، لا نعرف كثيرا من أمور المجتمع، الذي ظل يتقلب من حولنا عقودا من الزمان. ما برر تلك العزلة، والاعتزال، هو أن الوقت مع المرشد كان وقتا قصيرا، ووقتا نادرا، وعزيزا. ومن الخير لمن أراد أن يجمع حصيلة تنفعه، في مقبل أيامه، أن يمضي وقته مع المرشد، لا مع الوسائل الأخرى، على أهميتها، ورفعتها. كان المرشد يعرف أن إقامته قصيرة. لم يصرح بذلك، غير أنه كثيرا ما لمح. ولم أفهم أنا تلميحاته إلا بعد أن ذهب. ما أكثر ما قال: "ما في وقت" "الوقت قليل"! لقد كانت تجربتنا تلك، مثل أن يخير المرء بين أن يمضي سنوات في ممارسة حياته العادية، بما فيها من فنون وآداب وغيرها، وبين أن يذهب في زيارة إلى السماء. لقد اخترنا كلنا زيارة السماء، على تفاوت في خلوص النية. ولقد أقام كل منا، بالسماء ما شاء الله له أن يقيم. الشاهد أن زيارة السماء قد انتهت. لقد أعادنا دليل الرحلة إلى الأرض، يوم أن ذهب راضيا مرضيا. نحن الآن في الأرض. دعونا نخطط لعيش الأرض، مستصحبين تجربة زيارة السماء. فالعيش الدائم في السماء غير ممكن، وغير مطلوب أصلا. هذا بالإضافة، إلى أن السماء هي بيئة الملائكة، والأرض هي بيئة بني البشر.
                  

العنوان الكاتب Date
في سبيل إصلاح ذات البين بين الجمهوريين Yasir Elsharif04-16-16, 12:40 PM
  Re: في سبيل إصلاح ذات البين بين الجمهوريين عاطف عمر04-16-16, 01:07 PM
    Re: في سبيل إصلاح ذات البين بين الجمهوريين Yasir Elsharif04-16-16, 06:45 PM
      Re: في سبيل إصلاح ذات البين بين الجمهوريين فقيرى جاويش طه04-16-16, 08:13 PM
        Re: في سبيل إصلاح ذات البين بين الجمهوريين Yasir Elsharif04-16-16, 08:59 PM
          Re: في سبيل إصلاح ذات البين بين الجمهوريين Yasir Elsharif04-16-16, 09:01 PM
            Re: في سبيل إصلاح ذات البين بين الجمهوريين Yasir Elsharif04-16-16, 10:20 PM
              Re: في سبيل إصلاح ذات البين بين الجمهوريين Yasir Elsharif04-16-16, 10:24 PM
                Re: في سبيل إصلاح ذات البين بين الجمهوريين Elmoiz Abunura04-16-16, 10:51 PM
                  Re: في سبيل إصلاح ذات البين بين الجمهوريين أبوبكر بشير الخليفة04-17-16, 03:23 AM
                    Re: في سبيل إصلاح ذات البين بين الجمهوريين Yasir Elsharif04-17-16, 09:44 AM
                  Re: في سبيل إصلاح ذات البين بين الجمهوريين Yasir Elsharif04-17-16, 11:23 AM
                    Re: في سبيل إصلاح ذات البين بين الجمهوريين Yasir Elsharif04-18-16, 10:27 AM
                      Re: في سبيل إصلاح ذات البين بين الجمهوريين Yasir Elsharif04-21-16, 09:20 AM
                        Re: في سبيل إصلاح ذات البين بين الجمهوريين Yasir Elsharif04-21-16, 09:57 AM
                          Re: في سبيل إصلاح ذات البين بين الجمهوريين Kostawi04-21-16, 05:41 PM
                            Re: في سبيل إصلاح ذات البين بين الجمهوريين Yasir Elsharif04-22-16, 09:43 AM
                              Re: في سبيل إصلاح ذات البين بين الجمهوريين Yasir Elsharif04-22-16, 10:25 AM
                              Re: في سبيل إصلاح ذات البين بين الجمهوريين اميرة السيد04-22-16, 10:30 AM
                                Re: في سبيل إصلاح ذات البين بين الجمهوريين Yasir Elsharif04-22-16, 11:43 AM
                                  Re: في سبيل إصلاح ذات البين بين الجمهوريين Kostawi04-23-16, 10:31 PM
                                    Re: في سبيل إصلاح ذات البين بين الجمهوريين Yasir Elsharif04-23-16, 11:28 PM
                                  Re: في سبيل إصلاح ذات البين بين الجمهوريين Yasir Elsharif04-23-16, 10:58 PM
                                    Re: في سبيل إصلاح ذات البين بين الجمهوريين Yasir Elsharif04-23-16, 11:10 PM
                                      Re: في سبيل إصلاح ذات البين بين الجمهوريين Yasir Elsharif04-23-16, 11:15 PM
                                        Re: في سبيل إصلاح ذات البين بين الجمهوريين Yasir Elsharif04-23-16, 11:25 PM
                                          Re: في سبيل إصلاح ذات البين بين الجمهوريين Kostawi04-24-16, 05:03 AM
                                            Re: في سبيل إصلاح ذات البين بين الجمهوريين عبدالله الشقليني04-24-16, 08:57 AM
                                              Re: في سبيل إصلاح ذات البين بين الجمهوريين Yasir Elsharif04-24-16, 03:56 PM
                                                Re: في سبيل إصلاح ذات البين بين الجمهوريين Yasir Elsharif04-24-16, 04:51 PM
                                                  Re: في سبيل إصلاح ذات البين بين الجمهوريين عبدالله الشقليني04-25-16, 04:20 AM
                                                    Re: في سبيل إصلاح ذات البين بين الجمهوريين Yasir Elsharif04-25-16, 09:05 AM
                                                      Re: في سبيل إصلاح ذات البين بين الجمهوريين Yasir Elsharif04-25-16, 11:41 AM
                                                        Re: في سبيل إصلاح ذات البين بين الجمهوريين Yasir Elsharif04-25-16, 02:24 PM
                                                          Re: في سبيل إصلاح ذات البين بين الجمهوريين Yasir Elsharif04-25-16, 04:06 PM
                                                            Re: في سبيل إصلاح ذات البين بين الجمهوريين Yasir Elsharif04-25-16, 04:09 PM
                                                              Re: في سبيل إصلاح ذات البين بين الجمهوريين Yasir Elsharif04-25-16, 04:11 PM
                                                                Re: في سبيل إصلاح ذات البين بين الجمهوريين Yasir Elsharif04-25-16, 04:26 PM
                                                                  Re: في سبيل إصلاح ذات البين بين الجمهوريين Yasir Elsharif04-25-16, 04:48 PM
                                                                    Re: في سبيل إصلاح ذات البين بين الجمهوريين عبدالله الشقليني04-25-16, 05:42 PM
                                                                      Re: في سبيل إصلاح ذات البين بين الجمهوريين Yasir Elsharif04-25-16, 06:58 PM
                                                                        Re: في سبيل إصلاح ذات البين بين الجمهوريين عبدالله الشقليني04-26-16, 05:42 AM
                                                                          Re: في سبيل إصلاح ذات البين بين الجمهوريين Yasir Elsharif04-26-16, 01:07 PM
                                                                            Re: في سبيل إصلاح ذات البين بين الجمهوريين Yasir Elsharif04-26-16, 09:13 PM
                                                                              Re: في سبيل إصلاح ذات البين بين الجمهوريين Yasir Elsharif04-26-16, 09:23 PM
                                                                                Re: في سبيل إصلاح ذات البين بين الجمهوريين Yasir Elsharif04-26-16, 11:28 PM
                                                                                  Re: في سبيل إصلاح ذات البين بين الجمهوريين Yasir Elsharif04-26-16, 11:34 PM
                                                                                    Re: في سبيل إصلاح ذات البين بين الجمهوريين Yasir Elsharif04-27-16, 00:32 AM
                                                                                      Re: في سبيل إصلاح ذات البين بين الجمهوريين Yasir Elsharif04-27-16, 00:45 AM
                                                                                        Re: في سبيل إصلاح ذات البين بين الجمهوريين Yasir Elsharif04-27-16, 00:48 AM
                                                                                          Re: في سبيل إصلاح ذات البين بين الجمهوريين Yasir Elsharif04-27-16, 00:51 AM
                                                                                            Re: في سبيل إصلاح ذات البين بين الجمهوريين Yasir Elsharif04-27-16, 00:57 AM
                                                                                              Re: في سبيل إصلاح ذات البين بين الجمهوريين عبدالله الشقليني04-27-16, 05:38 AM
                                                                                                Re: في سبيل إصلاح ذات البين بين الجمهوريين Yasir Elsharif04-27-16, 10:10 AM
                                                                                                  Re: في سبيل إصلاح ذات البين بين الجمهوريين Yasir Elsharif04-27-16, 09:31 PM
                                                                                                    Re: في سبيل إصلاح ذات البين بين الجمهوريين Yasir Elsharif04-28-16, 10:20 AM
                                                                                                      Re: في سبيل إصلاح ذات البين بين الجمهوريين عبدالله الشقليني04-29-16, 05:05 PM
                                                                                                        Re: في سبيل إصلاح ذات البين بين الجمهوريين الشفيع وراق عبد الرحمن04-29-16, 06:39 PM
                                                                                                          Re: في سبيل إصلاح ذات البين بين الجمهوريين Yasir Elsharif04-29-16, 11:21 PM
                                                                                                            Re: في سبيل إصلاح ذات البين بين الجمهوريين عبدالله الشقليني05-01-16, 12:48 PM
                                                                                                              Re: في سبيل إصلاح ذات البين بين الجمهوريين عبدالله الشقليني05-02-16, 04:17 AM
                                                                                                              Re: في سبيل إصلاح ذات البين بين الجمهوريين Haydar Badawi Sadig05-02-16, 06:30 AM
                                                                                                                Re: في سبيل إصلاح ذات البين بين الجمهوريين عبدالله الشقليني05-02-16, 05:32 PM
                                                                                                                Re: في سبيل إصلاح ذات البين بين الجمهوريين Yasir Elsharif05-03-16, 07:56 AM
                                                                                                                  Re: في سبيل إصلاح ذات البين بين الجمهوريين Yasir Elsharif05-03-16, 09:51 AM
                                                                                                                    Re: في سبيل إصلاح ذات البين بين الجمهوريين عبدالله الشقليني05-03-16, 06:52 PM
                                                                                                                      Re: في سبيل إصلاح ذات البين بين الجمهوريين Yasir Elsharif05-03-16, 11:53 PM
                                                                                                                        Re: في سبيل إصلاح ذات البين بين الجمهوريين Yasir Elsharif05-05-16, 11:22 AM
                                                                                                                          Re: في سبيل إصلاح ذات البين بين الجمهوريين Yasir Elsharif05-07-16, 12:44 PM
                                                                                                                            Re: في سبيل إصلاح ذات البين بين الجمهوريين عاطف عمر05-07-16, 01:50 PM
                                                                                                                              Re: في سبيل إصلاح ذات البين بين الجمهوريين Yasir Elsharif05-09-16, 01:53 PM
                                                                                                                                Re: في سبيل إصلاح ذات البين بين الجمهوريين عبدالله الشقليني05-13-16, 08:59 AM
                                                                                                                                  Re: في سبيل إصلاح ذات البين بين الجمهوريين Yasir Elsharif05-15-16, 10:03 PM
                                                                                                                                    Re: في سبيل إصلاح ذات البين بين الجمهوريين Yasir Elsharif09-23-16, 10:26 AM
                                                                                                                                      Re: في سبيل إصلاح ذات البين بين الجمهوريين Yasir Elsharif09-23-16, 11:04 AM
                                                                                                                                        Re: في سبيل إصلاح ذات البين بين الجمهوريين Yasir Elsharif09-26-16, 03:00 PM
                                                                                                                                          Re: في سبيل إصلاح ذات البين بين الجمهوريين Yasir Elsharif09-26-16, 03:22 PM
                                                                                                                                            Re: في سبيل إصلاح ذات البين بين الجمهوريين Yasir Elsharif10-11-16, 03:56 PM
                                                                                                                                              Re: في سبيل إصلاح ذات البين بين الجمهوريين Yasir Elsharif10-12-16, 05:23 PM
                                                                                                                                                Re: في سبيل إصلاح ذات البين بين الجمهوريين Yasir Elsharif10-15-16, 07:11 AM
                                                                                                                                                  Re: في سبيل إصلاح ذات البين بين الجمهوريين Yasir Elsharif10-24-16, 11:23 PM
                                                                                                                                                    Re: في سبيل إصلاح ذات البين بين الجمهوريين Yasir Elsharif10-25-16, 06:09 AM
                                                                                                                                                      Re: في سبيل إصلاح ذات البين بين الجمهوريين Yasir Elsharif10-25-16, 07:02 AM
                                                                                                                                                        Re: في سبيل إصلاح ذات البين بين الجمهوريين Yasir Elsharif10-25-16, 07:35 AM
                                                                                                                                                          Re: في سبيل إصلاح ذات البين بين الجمهوريين Yasir Elsharif10-25-16, 08:17 AM
                                                                                                                                                            Re: في سبيل إصلاح ذات البين بين الجمهوريين Yasir Elsharif10-25-16, 09:38 AM
                                                                                                                                                              Re: في سبيل إصلاح ذات البين بين الجمهوريين Yasir Elsharif10-25-16, 10:09 AM
                                                                                                                                                                Re: في سبيل إصلاح ذات البين بين الجمهوريين Yasir Elsharif11-01-16, 10:17 PM


[رد على الموضوع] صفحة 1 „‰ 1:   <<  1  >>




احدث عناوين سودانيز اون لاين الان
اراء حرة و مقالات
Latest Posts in English Forum
Articles and Views
اخر المواضيع فى المنبر العام
News and Press Releases
اخبار و بيانات



فيس بوك تويتر انستقرام يوتيوب بنتيريست
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة
About Us
Contact Us
About Sudanese Online
اخبار و بيانات
اراء حرة و مقالات
صور سودانيزاونلاين
فيديوهات سودانيزاونلاين
ويكيبيديا سودانيز اون لاين
منتديات سودانيزاونلاين
News and Press Releases
Articles and Views
SudaneseOnline Images
Sudanese Online Videos
Sudanese Online Wikipedia
Sudanese Online Forums
If you're looking to submit News,Video,a Press Release or or Article please feel free to send it to [email protected]

© 2014 SudaneseOnline.com

Software Version 1.3.0 © 2N-com.de