***** علي عبد الوهاب عثمان *****

Quote: على عبد الوهاب عثمان سؤال الهوية النوبية والتجنيس (2) لعل المتابعين لمداخلات على عبد الوهاب في الأربعائية وفي هذا المنتدى قد يذكرون انه كان يمهد لآطروحاته بنظريات عن جماليات وأناقة اللغة النوبية وهما من أهم الخصائص التي تجعل منها لغة تدخل بسهولة في اللغات الأخرى مثل العربية لتضفي أناقتها وجمالها عليها ولتثرى معجمها بكلمات غاية في الروعة والجمال، ومن أهم شروط تحقق الجمال للغة ما، أن تكون حروف كلماتها متباعدة المخارج حتى يسهل نطقها وأن تكون معتدلة في عدد الحروف ، كما يجب أن تكون الكلمات في الجملة ذات علاقات تجاورية ووظيفية ببعضها البعض أي ضرورة انسجام الكلمة مع ما قبلها وما بعدها في السياق. بهذه المميزات وجدت النوبية طريقها الى عربية أهل السودان فأرفدتها بكلمات اصبحت من ضرورات اللغة العامية في السودان (مثل اسكن، وكندو، وهناي، وكدى) وهلم جرا. وبحكم التجاور كان الشايقية الأكثر استخداما للكلمات والتعابير النوبية في لهجتهم العربية بعد أن أخضعوها الى النظام الصوتي العربي حتى ظن البعض أنها عربية خالصة مثل كلمة يكادن التي اشار اليها على عبد الوهاب وقد ظن البعض أنها تصريف لكلمة الكد بينما هي من (كدى) جني ثمار الذرة أو تنظيف الجدول بالنوبية، كما دخلت في العديد من أمثال الشايقية مثل (عاملاهو تلكي) للرجل الذي تتخذه زوجته ستارا لممارسة الفاحشة والتلكي كلمة نوبية وتعني المنصة الخشبية التي يقطع عليها الجزار اللحم وتشبيه الرجل الخامل ب(الأوبق) وينطقونها اللبقة، وكم كان حاج الماحي ذكيا حين استخدم كلمتي (الأشكرتي) و(أروتي) في قصيدته (القبة النخيلها مشتي) فمدلول كلمة الأشكرتي وجمال جرسها اللفظي ما كان لأية كلمة عربية مرادفة أن تحقق الجمال الذي اضفته هذه الكلمة، وسأعود الى هذا في البحث الذي أعده عن الكلمات النوبية في ديوان حاج الماحي عليه رحمة الله تعالى. ولقد بدأ على عبد الوهاب مشروعه التأصيلي بدراسة نصوص أبرع شعراء العامية السودانية خليل فرح واسماعيل حسن ومحمد الحسن سالم حميد، ليستخرج في قراءة عميقة كيفية توظيف المفردة النوبية في تلك النصوص لتعبر عن دلالات غاية في العمق. محاولا في ذات الوقت اكتشاف الخيط الرابط بين هؤلاء الشعراء الثلاثة ، والأحمل في تلك الدراسة أنه لم يتكيء فيها على دراسات مسبقة بل انطلق من فهمه وذائقته الخاصة ليضيف معاني مستترة، وهذه الذاتية لم تكن انطباعية أو مزاجية، بل قامت على ادراك ووعي تامين بهذه اللغة النوبية التي لايشك أحد في أنه أحد أساطينها ودهاقنتها المتفردين اضافة الى خلفيته الثقافية والتصاقه بالتراث الشايقي عن قرب وعن محبة صادقة. ومما عهدته عن على عبد الوهاب أنه لا يتناول كلمة الا بعد دراستها من كافة الجوانب، وليس الكلمات عنده مقصودة في ذاتها بل يعتبرها مدخلا لقضايا اجتماعية عديدة ، فبحوثه من هذا الجانب تعتبر بحوثا انثربولوجية نحتاجها في الوقت الراهن الذي قل فيه الاهتمام بمثل هذه الدراسات ، خاصة وأن رياح التغيير تهب علينا من كل جانب وأخشى أن يأتي زمان لا نجد فيه أثرا لتلك الحياة التي عشناها وأن لا تجد الأجيال القادمة من يحدثهم عنها، ولأنه يكتب بلغة عربية رصينة، فهو يبحث دائما عن المصطلح العربي لمسميات نوبية، اذكر أنه سألني عن المصطلح العربي لتخصيب الأنعام، فقلت له انه (الاستبضاع) أو السفاد، والسفاد هو نزو الذكر على الأنثى يقولون (اسفده تيسه) اذا أعاره للنزو، وتفاكرنا مرة عن المعادل العربي لكلمة (برطي ) النوبية فقلت هو الفشغ أو الفصع، واصل الكلمة من فصع الرطبة، وقد نهى الرسول صلى الله عليه وسلم عن فصع الرطبة وهو اخراج التمرة (الرطبة) عن قشرها لتنضج بسرعة، وفصعت الدابة اذا أخرجت حياها مرة وأدخلته أخرى عند البول وفصع الرجل العمامة اذا حسرها من رأسه، قال الشاعر ابن الاعرابي يهجو رجلا: رأيتك هزبّت العمامة بعدما أراك زمانا فاصعا لا تعصّب ونواصل سيف الدين عيسى مختار