|
Re: ميرغنى شايب: تفتح مبكر، ملكات متعددة ومواقف حازمة ضد حكم العسكر.. د. صديق الزيلعي (Re: الأمين عبد الرحمن عيسى)
|
وهنا أود تصحيح بعض ما ورد في المقال المعبر الذى كتبه الاستاذ محمد موسى جبارة عن فقيدنا ميرغني، فقد ورد فيه: " غير أن الطالب لم يكتف بالتظاهر والاحتجاج بل تعداهما لشتم أحد أركان النظام بعبارات مست وتر حساس في طفولته ذلك القيادي غير البرئية... إستقبلنا أبوالقاسم واستمع الى طلبنا (سكرتارية الجباه التقدمية) وكعادته تحدث أكثر من ثلاثتنا نافيا عن نفسه صفة الرجعية، مؤكدا انتماءه للديمقراطيين الثوريين وعدم اختلافه عن ثوريتنا... الا أنه اضاف بأن ذلك الطالب قد تلفظ بكلمات لم يشأ أن يذكرها لنا، بل طلب منا أن نسأل عنها عبد الباسط سبدرات...سبدرات أكد لنا صحة الحادثة بل ردد ذات العبارة التى أطلقها الطالب في وجه أبو القاسم محمد ابراهيم... وقد كانت عبارة قوية وصادحة لا تأتي الا من شخص يتمتع بذلك القدر من الجرأة والشجاعة....... استطعنا استخلاص وعد من وزير الداخلية باطلاق سراح الطالب ميرغني". وهنا أشعر بالغضب يغلي في عروقي والحزن يعصر قلبي ( في آن واحد) للدرك السحيق والمستنقع الآسن الذى يسقط في وحله بعض سياسينا وقادتنا ( في الماضي والحاضر) بقدرتهم على الكذب الصريح بدون أن تغمض لهم عين. فما ذكره أبوالقاسم لوفد سكرتارية الجباه التقدمية هو من نمط ذلك السلوك. فأنا كنت مشاركا فى تلك المظاهرة وحاضرا لذلك الاجتماع والذى لم يتفوه فيه ميرغني بأي كلمة بذيئة أو لفظ جارح. وأكرر بأنه وطيلة فترة معرفتي بميرغني لم أسمعه يردد مثل تلك الكلمات بل كان هاشا باشا. وأذكر هنا أننا كنا نغيط ميرغني بمشاغبة طفولية عندما نجح في امتحان الدخول للوسطى بأن النتيجة ليست نتيجته في الامتحأن بل نتيجة اسماعيل الولي ( لأن والدته كانت تحمل قلمه وتغمسه في داخل قبة اسماعيل الولى قبل الامتحان. وكان يردد ضاحكا (المهم النتيجة) ورغم تكرارنا لذلك الشغب لم اسمعه يغلظ القول معنا. وقد كذب ابو القاسم مرتين الأولى عندما اتهم ميرغنى، زورا وبهتانا، بالتلفظ بالفاظ نابية والثانية عندما وعد الوفد باطلاق سراح ميرغنى والذى لم يتم بل قدم ميرغني لمحكمة عسكرية ( كما ساعرض بعد قليل). والمثال الثانى لكذب سياسينا ما قاله (قائدنا الملهم) نميرى في لقاء حاشد بميدان سباق الخيل فى 10 فبراير 1971 حيث هاجم الحزب الشيوعي وعدد معاداته للثورة ثم عرج على قضيتنا وقال بالحرف الواحد وبدون أدنى إحساس بالخجل: " وفي احتفال البلاد القومى بعيد الاستقلال بمدينة الابيض هتف بعض الصبية ولولا أن بسطت عليهم جناح رحمتى لفتكت بهم جماهير الثورة". والقائمة معروفة ومليئة بالكذب ال###### لبعض سياسينا وقادتنا واللهم لا اعتراض على حكمك. الكذبة الثانية لابو القاسم هو بقاء ميرغني في السجن بل وتقديمه لمحكمة عسكرية، داخل القيادة الوسطى بالابيض بقيادة المقدم فيصل محمد عبدالله. كنا ثلاثة متهمين في تلك المحكمة: المتهم الأول كان ميرغني وكنت المتهم الثاني وكان المتهم الثالث الزميل آدم عيسى ( ثلاثتنا طلاب). إنتدب مركز الحزب الاستاذ الرشيد نايل للدفاع عنا وهي مهمة قام بها خير قيام ولكن المحكمة أصدرت حكما بالادانة والسجن حيث نال ميرغني 9 شهور سجن ونلت 6 شهور ونال آدم 6 شهور. بعد المحاكمة تم ارجاعنا للسجن لنعامل كمساجين درجة ثالثة ( لمن لا يعرف السجون هذه درجة معاملة المجرمين المدانين). المهم أخذت ملابسنا وسلمنا بردلوبة السجن المصنوعة من الدمورية ومعها برش للنوم عليه وبطانية وكورة من الحديد المصفح للاكل وشراب الشاي. كان للمساجين في تلك الكورة المصفحة مآرب أخرى، حيث أنها تحدث صوتا عاليا يمكن أن تسمعه من بعد ميل عندما تحرك بقوة في سيخ أبواب الزنازين، وهي تستعمل للاحتجاج على الظلم ولإسماع مكتب السجن شكوى المسجون القابع في الزنازين. وشاركنا المساجين عنبرهم وحياتهم وأكلهم ( حيث منع عنا العيش وكنا نأكل الجراية المصنوعة من أردأ وأرخص أنواع الفتريتة الحمراء). وكان هذا وعد أبو القاسم باطلاق سراح ميرغني. وعندما قرر قادة انقلاب 19 يوليو إطلاق سراح المعتقلين وفعلا أطلقت سلطات السجن المعتقلين ( الذين لم يحاكموا) وبقينا نحن باعتبارنا مساجين. ورغم حزننا على استمرار حبسنا رغم سقوط السلطة التى اعتقلتنا وحاكمتنا الا أن ميرغني كان أكثرنا صمودا وتماسكا. ومضت الايام الثلاث ورجع نميرى وتم ارجاع زملائنا السابقين وأضيف لهم قرابة الالف معتقل من كل مدن كردفان. المسألة الاخرى التى أود تصحيحها هي ما ذكره الدكتور صدقي كبلو في مقاله عن ميرغنى حيث كتب: " لم أحضر انقلاب يونيو 1989والذى شرد ميرغني وأجبره على الهجرة للسعودية". وهذه معلومة غير صحيحة. فقد فصل ميرغني من ديوان النائب العام كرد على موقف شهير له أثناء انتدابه كمستشار قانوني بمصلحة الجمارك بمطار الخرطوم، حيث حاول بعض ضباط الامن استغلال سلطاتهم بطريقة غير قانونية.وعندما اوقفهم ميرغنى عند حدهم رجعوا بعد أيام بأمر من اللواء عمر محمد الطيب رئيس جهاز الامن فرفض ميرغني في اباء الانصياع لذلك قائلا لهم أنه لا يتلقى أوامره من رئيس جهاز الأمن. تم فصله وسافر للعمل بالسعودية. ونشرت الميدان السرية ذلك الموقف الشجاع. وهنا أسأل نفسى بحسرة: كم من قضاة ومستشاري هذا الزمان يستطيع أن يقف مثل هذا الموقف البطولي؟ وكم من موظفي الخدمة المدنية يلتزم ويحترم قوانين العمل بمثل هذه الصرامة ويوقف كلٍ عند حده؟ هذه لمحات بسيطة من حياة فقيدنا ميرغنى الحافلة بكل ما هو جاد وجميل. حاولت فيها استعراض بعض الجوانب غير المعروفة وهي بعض من دين ميرغني على جيلنا لعلنا نتعلم منه في مماته كما تعلمنا منه في حياته. هل أعطيت ميرغني حقه الذى يستحقه وبجدارة....لا أظن. اللهم ارحم ميرغني بقدر ما قدم واغفر له وأنزله منزلة الصديقين والشهداء.
د. صديق الزيلعي
[email protected]
|
|
|
|
|
|
|
|
|