|
Re: لماذا لم يُعارِضْ الحزبُ الجمهوري اتفاقيةَ مياهِ النيل بعد التوقيع علي (Re: بثينة تروس)
|
Quote: سلمان محمد سلمان: وقلنا حنبني السد العالي عبدالله علي إبراهيم (صحيفة الخرطوم، الخميس 12 سبتمبر 2013م، العدد: 8393، الصفحة الأخيرة)
لا شك أن دخول الدكتور سلمان محمد سلمان ساحة الكتابة التاريخية من باب مياه النيل وحلايب فتح كبير في حرفة استأثر بها غير أهلها من عتاة المتسيسين وأشاعوا فيها خرافات فاحشة. وقد ألححت عليه طويلاً أن يعرب رسالته للدكتوراة الغراء عن تاريخ القضائية السودانية.
وانتهز هذه السانحة لمراجعته في بعض ما قاله عن موقف الحزب الشيوعي من اتفاقية مياه النيل بين مصر والسودان (1959م). فقال إن بلدنا قدمت فيها "أكبر تنازلات وتضحيات في تاريخ البشرية" تبذلها أية دولة لدولة ثانية في مشروع مائي، هو السد العالي، الذي يخص تلك الدولة الثانية وحدها. ولم تجد غير الجحود من مصر. وبحث سلمان في وثائق القوى السياسية المعارضة لنظام عبود ما وسعه وساءه ما رآه، والاتفاقية بهذا التفريط في حقوقنا، من تأييد صريح لبعض تلك القوى لها أو سكوت البعض عنها الذي هو الرضا.
ما آخذه على سلمان افتراضه أن بوسع معارض الاتفاقية، لو وجد، أن يعبر عن معارضته في الصحف التي هي مادة دور الوثائق التي قصدها ولم يكن ذلك متاحاً. فجاء في كتاب "ثورة شعب" (1965م)، الجامع لوثائق الحزب الشيوعي خلال فترة عبود، أن الحكومة منعت الصحف من الإشارة إلى أي خبر عن مشكلة مياه النيل أو مشكلة الحدود في حلايب. وأوقفت جريدة السودان الجديد عن الصدور لنشرها خبراً صغيراً عن أن الجانب السوداني في مفاوضات مياه النيل سيتطرق إلى مشكلة الحدود. وأقول عرضاً أن هذا ربما كان السبب الذي لم يجد سلمان كتابات للأستاذ محمود محمد طه في الصحف ضد الاتفاقية بعد توقيعها بينما كان تعقب أطوارها الأولى بالنقد قبل انقلاب عبود في الصحافة بشكل حصري.
أما مأخذي الأكبر فعلي فرضية سلمان أنه لم يكن أمام السودانيين سوى معارضة الاتفاقية. فضيق بذلك واسعاً. وبدا لي مما أعرف كفاحاً أن الحزب الشيوعي لم يكن ضد الاتفاقية. فلم يكن السد العالي في نظرهم مصرياً. كان، في سياقه المعروف، اختراقاً تحررياً معادياً للإمبريالية تهون لأجله كل تضحية. وهذا سياق أيضاً لفهم موقفنا من أزمة حلايب. فقد نأينا عن "شوفينية" عبدالله خليل ودعونا إلى التفاوض الجميل مع نظام مصر التقدمي، واتهمنا البيه في سريرته الأمريكية. سمنا سذجاً أو قصيري النظر ولكن لا تسمنا متواطئين جاهلين. ولو نظر سلمان في الفصل المعنون "النوبيون يقاومون الدكتاتورية" من كتاب "ثورة شعب" سيجد معنى التضحية لمصر بثه الحزب في أدبيات المقاومة النوبية للإجراءات المرتجلة المعروفة التي اكتنفت ترحيلهم. فلو حاسبنا سلمان في أمسنا بما عرف اليوم عن "جحود" مصر لوقع في محظور كتابة التاريخ بالعاقب.
ليس هناك من لا يثمن مداومة سلمان دور الوثائق وعلى النفقة الخاصة ليكتب أبحاثه النيرة. ولكن وجدته متى ما لم يعثر على وثيقة لجماعة ما تعارض الاتفاقية (وسنتجاوز وجوب المعارضة هنا) تحدث إلى أعضاء فيها ليعرضوا موقفهم بوثيقة أو عَدّ صمت حزبهم كلاماً. وبالطبع عكس سلمان هنا القاعدة الحقوقية: البينة على من إدعى واليمين على من أنكر. كما أن المؤرخ ليس بحاجة إلى وثيقة ناصعة قاطعة مثل التي يطلب سلمان ليستنبط موقف الجماعات موضع النظر. فهناك بينات ظرفية ومُقارنة وحدسية تقع للمؤرخ من جماع تحليل وثائقه يخرج منها بفكرة، ولو مبهمة، عن المواقف يعلنها بالتحفظ المعروف. ومع ذلك لم يستنفد سلمان وثائق الشيوعيين المبذولة ليطلبها من عضويتهم. فـ "ثورة شعب" المار فيه كما رأينا ما يمكن به، بعدم العثورة على وثيقة قاطعة، تكوين فكرة عن موقف الشيوعين من الاتفاقية. بل لم يظهر من شغل سلمان أنه غشي أكبر مستودع لوثائق الحزب الشيوعي في أمستردام. ونظرت قبل أيام في محفوظاته على الإنترنت ولم أجد الوثيقة الواضحة عن اتفاقية 59. ولكن لابد أن من بين أوراقه، التي تبدأ من 1960، ما قد يصلح للغرض.
فمثلاً هناك طبعة 1960 من الكتاب الأسود الذي واظب الحزب على إصداره كل عام عن سوأة الحكومة ربما حوى متعلقاً بالاتفاقية. والمهم مع ذلك وجوب أن يستنفد الباحث مثل هذا المستودع الفريد قبل القطع بشىء عن معارضة الشيوعيين أو تواطئهم. ومرحباً بسلمان في النادي كما يقول الأمريكان. |
احترامى بثينة عمر تروس
|
|
|
|
|
|
|
|
|