الليلُ إذا عَسْعَس و”البطلُ“ إذا تَنْفَس (1)! ... بقلم: فتحي الضَّـو

مرحبا Guest
اخر زيارك لك: 03-28-2024, 11:34 PM الصفحة الرئيسية

منتديات سودانيزاونلاين    مكتبة الفساد    ابحث    اخبار و بيانات    مواضيع توثيقية    منبر الشعبية    اراء حرة و مقالات    مدخل أرشيف اراء حرة و مقالات   
News and Press Releases    اتصل بنا    Articles and Views    English Forum    ناس الزقازيق   
مكتبة مجاهد عبدالله محمد علي(مجاهد عبدالله)
نسخة قابلة للطباعة من الموضوع   ارسل الموضوع لصديق   اقرا المشاركات فى صورة مستقيمة « | »
اقرا احدث مداخلة فى هذا الموضوع »
06-16-2009, 11:41 AM

مجاهد عبدالله

تاريخ التسجيل: 11-07-2006
مجموع المشاركات: 3988

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: الليلُ إذا عَسْعَس و”البطلُ“ إذا تَنْفَس (1)! ... بقلم: فتحي الضَّـو (Re: مجاهد عبدالله)

    مفكرة الخرطوم (4): حوار مع مناضلي الكهوف! .. بقلم: مصطفى عبد العزيز البطل
    الثلاثاء, 16 يونيو 2009 08:42
    غربا باتجاه الشرق

    [email protected]


    (1)

    قلت لصديقي فتحي الضو في نهاية محادثتنا الهاتفية الطويلة (على بركة الله)، وذلك رداً على ما كان قد أسرّه إلىَّ من عزمه التعقيب على مقالي (حوار مع فتحي الضو)، بمقال من جزءين (الأول يحنن والثاني يجنن) بحسب كلماته. وقد خطرت لي بعد أن طالعت الجزء الأول المعنون (الليل إذا عسعس والبطل إذا تنفس) أن أسارع بتناول بعض النقاط التي وردت فيه بالتعقيب، مستفيداً من جو (الحنان) الذي يعتريه، بدلاً من انتظار الجزء الثاني فنجد أنفسنا على خُطى الراحل المبدع صديق الكحلاوي فنجن و(نزيد في الجن). والكحلاوي هو من غنَّى: (إن شاء الله أجن / وأزيد في الجن / وإنتو جنوني يا حلوين).

    (2)

    كتب صاحبي الذي ابتدرني بالمحنة وتوعدني بالمجنة: (فبعد عودة البطل مباشرة حرصت على أن أعرف وجهة نظره الأولية، فأسمعني حديثاً طربت له نفسي، علمت منه خيبة أمله في المؤتمر والمؤتمرين ودعاته وأجندته، وبالطبع ليس ثمة ما يدعوني للشماتة رغم أن تلك خلاصة يحق لمثلي أن يقيم لها الأفراح والليالي الملاح)!. شماتة وطرب وأفراح وليالي ملاح أكثر من هذا؟ ولكن دعنا – أيها العزيز الأكرم – نترك فتحي في عصفه وقصفه ونمضي قدماً لنضع ما أورده صاحبنا في قوالبه حتى تستقيم القوالب مع المعاني والمقاصد، فلا تنحرف إلى غير غاياتها فتصيب قوماً بجهالة فنصبح على ما نُسب إلينا نادمين، لا سيما وأن صاحبي توسَّع فيما وضعه على لساني بغير ضابط ولا رابط، على أساس انه ليس بين الخيّرين حساب . كان الوزير القائم على شأن الملتقى، كمال عبد اللطيف، قد دعاني بعد انقضاء أيامه الثلاث مع مجموعة صغيرة ضمت على وجه الحصر الإعلاميين والكتاب الصحافيين المشاركين من الولايات المتحدة إلى اجتماع في مكتبه، علمت انه كان واحداً من سلسلة لقاءات عقدها مع مجموعات أخرى. وقد التمس الوزير من ضيوفه مساهمتهم بالمعلومة والرأي والنصيحة في مسعاه لتقويم الملتقى وتنظيمه وفعالياته ومناشطه ونتائجه، ووضع أياديهم على السلبيات وأوجه القصور بنية تلافيها في المستقبل، والنظر في مقترحات تقوية الملتقيات المستقبلية وتأكيد سلطتها كأداة تواصل حيوي بين الإعلاميين والحكومة. وقد كان ما نقلته إلى صديقى فتحي هو ملخص لما دار في ذلك الاجتماع الذي ثمَّن فيه الحاضرون مبادرة الملتقى، ولكنهم حملوا حملة شعواء على كثير من مناحي القصور فيه.

    من ذلك أن حرص الحكومة على توسيع نطاق الدعوة، في غياب ضوابط واضحة ومحددة، انتهى بالملتقى إلى أن أصبح موسماً للحج ثاب فيه إلى كعبة قاعة الصداقة من لهم بالإعلام والصحافة وثاق ومن ليست لهم بهما صلة إلا صلة الرغبة في الظهور والتعلق بأستار الوجاهة الاجتماعية، الأمر الذي كاد أن يحيل الملتقى إلى تظاهرة سودانية بهيجة أكثر منه منشطاً حوارياً منتجاً. وقد أفصح البعض – وأنا من بينهم - في ذلك الاجتماع عن شئ من خيبة الأمل في المسارات التي انتهت إليها بعض فعاليات الملتقى نتاجاً لمثلمة غياب الضوابط والمجاملة والتوسع غير المحمود في توجيه الدعوات. وكنت من المؤيدين بإطلاق لهذه التحفظات. وقد ذكرت في ذلك الاجتماع انني كنت أهز رأسي وأضرب كفاً بكف وأنا أرى إعلاميين وصحافيين سودانيين من المحترفين والخبراء المتخصصين، من ذوي الأسماء البارزة والعطاء المشهود والوزن المقدر إقليمياً ودولياً، ممن بلغوا مدارج الكهولة وتجاوزوها وهم يعاركون هموم الصحافة والإعلام، وقد كان بعض هؤلاء يرفعون أصابعهم وهم جلوس متأدبين متحضرين يطلبون الفرصة للحديث والتعقيب على ما هو مطروح من قضايا الإعلام والصحافة علهم يرفدون الملتقى بشئ مفيد، فإذا بأصابعهم تتضاءل وتنزوي أمام الحشد الكبير من المتطلعين إلى كاميرات التلفاز. يقف هؤلاء على أرجلهم ويهرجون مثل تلاميذ المدارس في عهودنا الغابرة (فندي... فندي.. فندي). فيهتبل الواحد منهم الفرص اهتبالاً وينتزع مكبرات الصوت انتزاعاً فيشرّق ويغرّب، وينظّر ويشرّع، فإذا سألنا بعد ذلك عن خلفيته الإعلامية وتاريخه في الصحافة قيل لنا إن الرجل موظف في فرع كذا من بنك كذا في مدينة خليجية، ولكنه، ما شاء الله، مسئول من تحرير النشرة الإعلامية الشهرية التي يصدرها ذلك الفرع ويبعث بها إلى عملائه مع سعاة البريد!

    وكنت قد أمّنت أيضاً على ملاحظات أخرى بشأن اللقاء الذي تم مع رئيس الجمهورية بمقر اقامته بحي المطار، أكد فيه رئيس اللجنة المنظمة للملتقى، بحضور الرئيس، استعداد المشير عمر البشير للاستماع إلى أي رأي مهما كان حاداً وقاسياً ومتعدياً، والإجابة على أي سؤال مهما ظن به صاحبه الحرج وتجاوز الخطوط الحمراء. خلنا مع هذا البراح والانفتاح أن القضايا الوطنية الكبرى سوف تطرح في ليلتنا تلك وتفلفل فلفلة وتقتل بحثاً. فإذا بنفس الظاهرة، ويا للهول، تطل برأسها والمندفعون إلى الأضواء يحتلون الساحة، وإذا بنا نسمع ممن كانوا الأسرع إلى مكبرات الصوت أسئلة موجهة لرئيس الجمهورية عن أسباب انقطاع الكهرباء في الخرطوم، ومطالب فجة لبعض الناس تلتمس من الرئيس أن يحل لهم مشكلات لوجستية في مقار عملهم بالخارج. وقد سعت جهة ما لتدارك الأمر وارتجال حلول فورية لمعالجة هذه الفجاجة وذلك باختيار أسماء لكتاب صحافيين وإعلاميين معروفين بأسمائهم من كتاب الخارج ودعوتهم للحديث أمام الرئيس فبعَثَت بمندوبين لسؤال هؤلاء، وكنت من بين من سُئل وعُرضت عليه الفرصة فاعتذرت لأسباب مبدئية. كانت تلك بعض نماذج مما أثير في اللقاء الذي تم بين السودانيين المشتغلين بالهم العام من إعلاميي الولايات المتحدة وكتابها الصحافيين من جانب، والوزير المختص برئاسة مجلس الوزراء من جانب آخر. وقد تقبل الداعي للاجتماع تلك الانتقادات بصدرٍ رحب ورد عليها جميعاً رداً كريماً، وفاجأ الحاضرين بشجاعة واستقامة وصراحة مطلقة تُحسب له بغير شك، بقوله إنه شخصياً يتحمل جزءاً كبيراً من وزر القصور الذي وردت إليه الإشارات. وأفاد بأن الرأي الغالب عند زملائه من أعضاء اللجنة التحضيرية كان هو التشدد في الضوابط المتعلقة بتحديد (من هو الصحفي) و(من هو الإعلامي) وتوجيه الدعوات على أساس تلك الضوابط، وأنه هو الذي دعا إلى التوسع وفتح المجال على مصراعيه للراغبين في المشاركة على مستوى العالم، وأنه استخدم سلطانه لإنفاذ ذلك الرأي على ظن منه أنه بذلك يسدُّ الباب أمام الذرائع والشبهات والأقاويل عن رغبة مستترة للحكومة في قصر الملتقى على شخصيات معينة موالية للنظام القائم.

    هذا ما كان من أمر ما نقله صاحبي من حيِّز المحادثات الهاتفية الشخصية إلى نطاق الأوراق الرسمية، بعد أن أضاف إليه بعضاً من توم شيكاغو وشمارها. وفتحي من الذين يعرفون أصول العلاقات الخاصة بين الأصدقاء وأماناتها ومقتضياتها حق المعرفة، ولكن فرحته وغبطته بما سمع مني من نقد لفعاليات الملتقى ومناشطه، وليس لـ (دعاته) و(أجندته) كما نسب إليَّ تزيداً على سبيل البقشيش، تمكّنت منه وغلبت عليه فلم يقوَ على مجاهدتها والصبر عليها حتى أصل بحلقات مفكرة الخرطوم إلى نهاياتها الطبيعية وهي تقويم المؤتمر وتثمين نتائجه وخلاصاته. ولو أنه غالب هوى نفسه وصبر لكنت زودته بمزيد مما سجلته في أوراقي من مظاهر الخلل وأوجه القصور، ولزادت في شيكاغو الأفراح وليالي الطرب الملاح، وازدهرت فعانقت الصباح، ولكن الله غالب على أمره!

    (3)

    مشكلاتي مع صديقي الصدوق فتحي عديدة. ما يصلح منها للنشر ثلاثة: أولها أنه في كتاباته يخلط الأوراق فيمزج أماني النفس وأهوائها بالحقائق الماثلة والشواهد الحاضرة، تطلب الوقائع في بضاعته فيعييك البحث وسط ركام المشاعر المشبوبة وانفعالات العاطفة والحب المتفاني والكراهية المطلقة. وثانيها أنه في أحيان كثيرة يستعيض عن التحليل الموضوعي بالفذلكات اللفظية، مع أن الذي عليه جمهور الفقهاء هو أن السجع والبديع ومحسّنات البيان لا تبدل واقعاً قائماً ولا تخلق واقعاً جديداً. والثالثة أن له قدرة خارقة للعادة على التمترس في خنادق الماضي فلا يبرحها ولا يتزحزح عن مواقعها، متشبثاً ببنادق عتيقة من متروكات ما قبل الحرب العالمية الأولى، مع ان أهله وعشيرته من الذين أدخلوه ودخلوا معه إلى الكهوف في العصور الغابرة هجروها وخرجوا من عتمتها وظلامها إلى براح الدنيا ونورها.

    (4)

    على جبهة الشأن الوطني العام توقفت ساعة فتحي السويسرية عند الثامنة من صبيحة الثلاثين من يونيو من العام 1989م، حين أذاع العميد عمر البشير بيانه الأول. ولو كان الأمر بيدي لذهبت إلى قاهرة المعز فاستأجرت "عدّادة" من مُعدِّدات المآتم ودفعت لها من حر مالي، لتجلس بدلاً عن فتحي فتعدّد على رأس الميت، الذي هو الديمقراطية الثالثة، وتدعو نيابة عنه بالأدعية المغلظة على الظَلَمة الذين اعتدوا عليها وأزهقوا روحها وهي بعد في ميعة الصبا، وذلك حتى يأذن الله فيُنزل سكينته على صاحبي فتنفتح بصيرته ويستقر وجدانه على حقيقة الأمر الواقع وهو أن أيام المأتم قد انقضت وأن المعزين قد انصرفوا وان الصيوان قد رُفعت خيمته وفُكّت عُمُده قبل عشرين عاماً، فينهض بعدها إلى دروب الحياة الواسعة يرفدها من علمه وخبراته وقدراته. فتحي يريد أن يعيش في الماضي ويجتره، وأنا أريد أن أحيا الحاضر واستثمره. وهنا مربط الفرس وأس الخلاف.

    يرفض صديقي الحوار جملة وتفصيلا، ويبخس دعوتنا لارتياد آفاقه واختبار دينامياته وتقليب مخرجاته ومنتجاته. لماذا؟ لأن الحوار لا يستقيم عنده ولا يصح ولا تتحقق له مشروعية إلا إذا تم إجبار الحركة الإسلامية على الخضوع لشروط معينة، حددها هو، فتعترف بجرائمها أولاً، ثم لا بد من محاسبتها على تلك الجرائم ثانياً، ولا يكفي ذلك كله فيؤكد صاحبي على شرطه الثالث للحوار وهو أن تتم معاقبة الحركة الإسلامية العقاب اللائق. فإذا استوفيت الشروط الثلاث جاز لنا – بحسب فتحي - أن نتحاور مع الإنقاذ. نجبرها على الاعتراف بالجريمة ونحاسبها ونعاقبها وندخلها السجن ثم نتحاور معها بعد ذلك. نتحاور حول ماذا؟ لا أعلم. العلم عند فتحي. ولكن علمي أنا المتواضع يقول أن الذي في السجن لا يحاوره أحد، بل يزوره ذووه ومعارفه في المناسبات ويحملون له خبزاً وطحنية. اقرأ ما كتب صاحبي: (وتتحمل [الحركة الإسلامية] وحدها مالآت الأوضاع السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية المتدهورة. وما لم يتم الاعتراف بهذا الجرم، وما لم يعقب الاعتراف فتح صحائف المحاسبة، وما لم يتم التخلي عن القانون العرفي الذي كبَّل السودانيون به أنفسهم "عفا الله عما سلف" يكون الحوار أشبه بحوار الطرشان). تقرأ مثل هذه الفقرات المتكررة والثابتة في كتابات فتحي فتحس بأنك تتوه في "صندوق الزمان" الذي تراه في بعض أفلام الخيال العلمي، إذ يضيع عندك الإحساس بالوقت فما تدري هل أنت في العام 1990م أم في العام 2009م؟!

    وتقتحمنا الحيرة من كل باب: شروط فتحي وعشيرته من الروافض وأصحاب اللاءات فهمناها واستوعبناها، ولكن هناك مشكلة واحدة نتمنى من هؤلاء أن يدلونا على سبيل مجاوزتها. شروطهم – ولا شك - من قبيل تلك التي يفرضها المنتصر على المنهزم، وإنفاذها يتطلب بالضرورة أن تكون لفتحي وزمرته الصولة والسطوة والغلبة في المشهد السياسي السوداني حتى ينصاع لها قادة الإنقاذ عن يد وهم صاغرون. فهلا أعاننا فتحي على تحليل هذا المشهد السياسي وبصّرنا بموجبات ومسوغات تلك الثقة وهذا اليقين اللذان يملآنه وينفخانه، ويزيّنان له أن كفة الروافض وأصحاب اللاءات هي العليا وأن كفة الإنقاذ وأساطينها هي السفلى؟ نريد من هؤلاء أن يبينوا لنا مواقع جيوشهم التي ستأتي لتحرر الخرطوم من قبضة العصبة المنقذة فتملأ بيوت فقرائها أمناً وسمناً، بعد أن ملأتها العصبة هماً وغُبناً، ثم تعرج على المنقذين فتجبرهم على الإقرار بذنوبهم وتحاسبهم وتعاقبهم وتودعهم السجون والاصلاحيات. أو لعلهم لا يملكون جيوشاً ولكن لهم داخل بلادنا كسباً جماهيرياً مهولا، كنا عنه غافلين، يهشون عليه بعصاهم فإذا الانتفاضة الشعبية تقتلع الإنقاذ والمنقذين اقتلاعاً وتلقي بهم في مقالب الزبالة. فليشيروا لنا إذن باتجاه ذلك الكسب حتى نراه فنصدقهم، اليسوا هم من سيقودون هذه الحشود ويفرضون التغيير ويُمضون الشروط؟!

    أما أنت وأنا – يا هداك الله – فعندنا علم البئر وغطائه. نحن نعلم أن التخطيط والممارسة في العمل السياسي تحكمها نواميس لا تختلف عن التخطيط والممارسة في العمل العسكري. وأن كلاهما تضبط سكناته وحركاته معايير "تقدير الموقف" المستند على رؤى المنظور الاستراتيجي، ترسم معالمه المعطيات الراكزة على أرض الواقع. وأمامنا الساحة السياسية السودانية مسطحة ومنفسحة. نُحدِّق في داخلها فنرى الحركة الشعبية لتحرير السودان شريكاً في الحكم، ونرى الأحزاب والكيانات السياسية ذات الوزن المقدر والمشاركة في مؤسسات الحكم توالي تحضيراتها للانتخابات القادمة وفق قانون شرعه برلمان الإنقاذ، ونشهد قوى المجتمع المدني وقد نهضت في جهد مثابر لاستثمار مناخ الحريات السياسية النسبية وتعظيمه تطويره. ونعلم علماً نافياً للجهالة أن فتحي وأصحابه لا يملكون جيوشاً لتحريرنا، وليست لهم في السودان قواعد شعبية يحيلوننا إليها، تبدل الواقع وتفرض شروطها على الحاكمين وتحاسبهم وتعاقبهم. وإنما هو كلام التنميق يُرسل على عواهنه فيستدر التصفيق. كلامٌ يهوّم بالناس فى سموات الوهم، عشرين بعد عشرين، فنلحق بقوم موسى الذين جالوا فى صحراء التيه اربعين عاما. وإخوتنا في شمال الوادي يقولون: (هو الكلام بفلوس؟) وإنما هي الأماني فى عُقب الأماني، وعلى بن أبي طالب يوصينا: (إياكم والأماني فإنها مرْكَب الحمقى)، والقرآن يقول: (ليس بأمانيكم).

    (5)

    يستنكر عليَّ صاحبي نقدي للحزب الشيوعي، كونه يبني استراتيجياته السياسية على منابذة الآخرين وتبخيس بضاعتهم عوضاً عن عرض بضاعته هو للناس. ويقول في معرض الرد: (يعلم البطل علم اليقين، بل ويعلم القاصي والداني من الذي استنَّ هذه السنة غير الحميدة... فلماذا نطعن الظل إذن والفيل قائم لا تخطئه العين). وعند فتحي أن الجبهة الإسلامية القومية وممارساتها في الماضي هي (الفيل) الذي يتهمنا بأننا نراه ولكنا نحوم حوله ونطعن ظله. ونحن إذ نوجِّه إنتقاداتنا للحزب الشيوعي اليوم فإنما نفعل ذلك لأننا نراه قوة يُعتد بها ويُعوَّل عليها في حركة التحول الديمقراطي المرتقب، ويهمنا والحال كذلك أن يُصوِّب الحزب مناهجه ويشحذ أدواته في العمل السياسي باتجاه المستقبل المفتوح الذي نتطلع إليه. ولكننا بالقطع لا نرى في عبث الجبهة الإسلامية التي أصبحت في ذمة التاريخ ( فيلاً) يتهددنا، بل نرى فيه ديناصوراً اندثر وانطمر في أوحال الماضي وتجاوزته حركة الوعي السياسي في وطننا. ولكن فتحي لا يريد أن يغادر محطة (ألوان) وحسين خوجلي، والإبتزاز السياسي الذي مارسته الجبهة الإسلامية القومية وأفسدت به الحياة السياسية مستعينة بآلتها الإعلامية خلال سنوات الديمقراطية الثالثة. نحن نقول بأن اجترار ذلك الماضي لا يفيدنا إلا بمقدار ما نستلهم منه العبر. الانتخابات النيابية والرئاسية القادمة يحسم أمرها جيل جديد ولد في العام 1989م، عام انقلاب الحركة الإسلامية، وسيبلغ عمر الشبيبة من أبناء هذا الجيل واحداً وعشرين عاماً بتمام وكمال يوم تقام الانتخابات العامة في موعدها المضروب. هذا الجيل لا يلبس جلباب أبيه ولا جلباب جده، فله رؤاه وقضاياه ومُرادات نفسه وتصوراتها لمستقبلٍ ناهض يضع السودان في طريق التنمية السياسية الراشدة. هذا الجيل لا يهمه شغب (ألوان) الأثيم في تاريخها الغائر، ولا يهمه حسين خوجلي ولا غيره من أشباح الماضي، ولا يرون فيه (فيلاً) ولا حتى أرنباً.

    (6)

    ويمضي فتحي فيضيف بأنه ما لم تتحقق الشروط الثلاث: (يكون الحوار مجرد ترف يتعاطاه المانح كلما اشتد وثاق الأزمة والتفَّ حبلها حول عنقه). وذلك كلام إنشائي محض يكتبه من داخل كهفه الذي تخندق في داخله في زمن قديم. أما في الزمن الذي نعيشه وغاب عنه صاحبنا، فقد تم الحوار بالفعل وانتظمت حلقاته، بدون تحقيق الشروط الثلاث، بين الحركة الشعبية لتحرير السودان ونظام الإنقاذ، وأعقبه توقيع إتفاقية نيفاشا الذي لبَّى مطالب الجنوب وجنت من ورائه في ذات الوقت القوى السياسية في الشمال مكاسب مقدرة على صعيد توسيع مواعين الحريات العامة. كما انعقدت حوارات مستفيضة بين الإنقاذ ومختلف القوى السياسية السودانية تمت بموجبها معالجة الدستور والإتفاق على مسارات التحول الديمقراطي.

    وهاك من بديع نظم صاحبي هذه: (هب أن رفاقنا فى التجمع الوطنى مدوا أياديهم بيضاء لمصالحة الإنقاذ فهل يعنى ذلك بالضرورة أن تتبعهم جحافل الشعب؟). والتجمع هو التنظيم الذى ثابت اليه كل القوى السياسية السودانية المختبرة ديمقراطيا الى جانب النقابات الشرعية، ولم يعرف شعب السودان قوى سياسية غيرها بخلاف الحركة الاسلامية القابضة على زمام الحكم. وفتحى وعشيرته فى كهوف اللاءات والشروط لا يريدون لجحافل الشعب أن تتبع هذه القوى السياسية والنقابية. حباً وكرامة. ولكن يا هؤلاء، لا نذهب بعيدا، فهذا هو الجمل وذاك هو الجمّال وأمامنا المشهد الوطنى السودانى. فليبصرنا الروافض إذن ويشيرون بسباباتهم الى القيادة التى يرونها موئلا للحكمة وموضعا للثقة فى هذا المشهد فتتبعها جحافل الشعب. هل رأيت يا صاح كيف ان الامر كله كلام فى الهواء، يشف صدور قوم متخندقين، ويستدر تصفيق إخوة لنا هائمين تائهين، ولكنه لا يُنتج طحينا؟!

    واقرأ هذا: (ومن جهة أخري وحتى يكتمل المفهوم، أقول لصديقي ما ظللت أردده دوماً... لسنا ضد الجبهة الإسلامية لمجرد اسمها أو حتى وإن تغيرت مسمياتها، ولكننا ضد من يأتي ليحكمنا دون إرادتنا، وضد من يستلم السلطة بوسائل غير ديمقراطية، وضد من ....). ألا تحس، يا رعاك الله، وأنت تسمع هذا النظم بأنه يتهادى إليك من سراديب التاريخ؟ يا أخانا الذي في شيكاغو، شعب السودان كله، بقضه وقضيضه، ضد من يأتي ليحكمه بدون إرادته وضد من يتسلم السلطة بوسائل غير ديمقراطية. وإلا فلماذا تراصت صفوف قواه السياسية والمدنية وطرقت كل السبل، بما فيها العمل المسلح، لمناهضة النظام واسترداد الديمقراطية، ثم انقلبت تواصل مشوارها على درب التحول الديمقراطى السلمي؟!

    ونشنّف آذانك بمقطع آخر: (لطالما أعلنت انحيازي المباشر لقيم الحق والحرية والعدالة الاجتماعية والديمقراطية، وهو انحياز يجعلني تلقائياً ضد الذين تتقاطع أجندتهم مع هذه القيم السامية). ونحن وشعب السودان كله، بل وشعوب الأرض قاطبة، نقف معك صفاً واحداً وننحاز إلى قيم الحق والخير وغيرها من القيم السامية، وليس منا من يرغب قط في الانحياز للقيم الواطية، ونعرف والله العظيم وكتابه الكريم ان قيم الحق تتقاطع تلقائياً مع قيم الباطل والشر. طيب وبعدين؟! هل رأيت أيها العزيز الأكرم كيف اننا بعد اطراح السجع والبديع والمحسنات اللفظية عن بضاعة فتحي نقبض الهواء؟

    (7)

    بقيت نقطة واحدة عن رواية عجيبة رواها صاحبي منسوبةً إلى الأستاذ صديق محيسي الذي ترأس المجلس الوطني لحزب التحالف في إحدى مراحل عمله السياسي في الماضي. إذ ذكر بأن الأستاذ محيسي قد اتصل به هاتفياً لينفي له الرواية التي وردت في مقالي، أو بحسب كلمات فتحي ( ليدرأ ويتبرأ من العبارات التي سقتها على لسانه). والواقع أننى لم أسُق أية عبارات على لسان الأستاذ صديق محيسي، بل أشرت إلى فقرة محددة وردت في مقال مسطور نشرته صحيفة "سودانايل" الالكترونية تحت توقيع (صديق محيسى). وكنت أتمنى لو أن فتحي أقلع عن عادته في نقل محتويات محادثاته الهاتفية الخاصة وإذاعتها على الملأ بغير إذن أصحابها، إذن لدفع عني حرجاً عظيماً. والواقع أنني بالرغم من اطلاعي على النص الكامل لمقال الأستاذ محيسي في حينه إلا انني حرصت من باب التحوط والاستيثاق على الحصول على تأكيد منه شخصياً قبل نشري لتلك الفقرة ضمن مادتي الأسبوعية، ومن هنا كانت مبادرتى بالاتصال به مرتين متوجها إليه بأسئلة محددة ألتمس إجاباته عليها. كان الاتصال الأول عن طريق الاعلامي المعروف المقيم بدولة قطر الأستاذ الزبير نايل، الذي وصلتني منه رسالة مكتوبة منقولة عن الأستاذ صديق محيسي هي الآن بحوزتي. وكانت الثانية اتصالاً مباشراً بالأستاذ صديق محيسي نفسه الذي تفضل مشكوراً فبعث إليَّ برسالة احتفظ بها نصاً إلكترونياً ونسخةً ورقية. وأجد نفسي في ضوء ما كتبه الأخ فتحي من عبارات تقدح قدحا مباشرا في أمانتي ومصداقيتي ككاتب صحفي يفترض أنه يحرص على استقامة جسور الثقة بينه وبين قرائه، مضطراً لنشر نص الرسالة المؤرخة في الثلاثين من مايو 2009م:

    (الأخ العزيز مصطفى – لك مودتي وآسف على التأخير لأنني لا أفتح إيميلي بانتظام. نعم كتبت المقالة التي أشرت إليها، وأخذت على الصديق فتحي الضو أنه لم يكن محايداً عندما تعرض في كتابه للانقسام الذي حدث في التحالف، إذ اعتمد وجهة نظر مجموعة عبد العزيز خالد محملاً مجموعة تيسير المسئولية. لم أكن من مؤسسي التحالف ولكنني التحقت به عام 1997م. ورأست المجلس الوطني الذي أجاز مشروع الوحدة مع الحركة الشعبية وذلك عام 2000م - التوقيع: صديق محيسي). انتهى نص الرسالة.

    نقلا عن صحيفة ( الاحداث )

    منقول من سودانايل
                  

العنوان الكاتب Date
الليلُ إذا عَسْعَس و”البطلُ“ إذا تَنْفَس (1)! ... بقلم: فتحي الضَّـو مجاهد عبدالله06-14-09, 09:54 PM
  Re: الليلُ إذا عَسْعَس و”البطلُ“ إذا تَنْفَس (1)! ... بقلم: فتحي الضَّـو عبد المنعم سليمان06-14-09, 11:18 PM
    Re: الليلُ إذا عَسْعَس و”البطلُ“ إذا تَنْفَس (1)! ... بقلم: فتحي الضَّـو عبد المنعم سليمان06-15-09, 00:19 AM
      Re: الليلُ إذا عَسْعَس و”البطلُ“ إذا تَنْفَس (1)! ... بقلم: فتحي الضَّـو كمال عباس06-15-09, 01:32 AM
      Re: الليلُ إذا عَسْعَس و”البطلُ“ إذا تَنْفَس (1)! ... بقلم: فتحي الضَّـو حيدر حسن ميرغني06-15-09, 01:50 AM
        Re: الليلُ إذا عَسْعَس و”البطلُ“ إذا تَنْفَس (1)! ... بقلم: فتحي الضَّـو مجاهد عبدالله06-15-09, 09:43 AM
          Re: الليلُ إذا عَسْعَس و”البطلُ“ إذا تَنْفَس (1)! ... بقلم: فتحي الضَّـو مجاهد عبدالله06-15-09, 11:05 AM
            Re: الليلُ إذا عَسْعَس و”البطلُ“ إذا تَنْفَس (1)! ... بقلم: فتحي الضَّـو مجاهد عبدالله06-15-09, 11:28 AM
              Re: الليلُ إذا عَسْعَس و”البطلُ“ إذا تَنْفَس (1)! ... بقلم: فتحي الضَّـو مجاهد عبدالله06-15-09, 11:51 AM
                Re: الليلُ إذا عَسْعَس و”البطلُ“ إذا تَنْفَس (1)! ... بقلم: فتحي الضَّـو مجاهد عبدالله06-15-09, 08:18 PM
                  Re: الليلُ إذا عَسْعَس و”البطلُ“ إذا تَنْفَس (1)! ... بقلم: فتحي الضَّـو على عجب06-15-09, 09:16 PM
                    Re: الليلُ إذا عَسْعَس و”البطلُ“ إذا تَنْفَس (1)! ... بقلم: فتحي الضَّـو كمال عباس06-15-09, 09:56 PM
                      Re: الليلُ إذا عَسْعَس و”البطلُ“ إذا تَنْفَس (1)! ... بقلم: فتحي الضَّـو مجاهد عبدالله06-15-09, 10:54 PM
                        Re: الليلُ إذا عَسْعَس و”البطلُ“ إذا تَنْفَس (1)! ... بقلم: فتحي الضَّـو عمر ادريس محمد06-16-09, 00:14 AM
                          Re: الليلُ إذا عَسْعَس و”البطلُ“ إذا تَنْفَس (1)! ... بقلم: فتحي الضَّـو saif addawla06-16-09, 07:04 AM
                            Re: الليلُ إذا عَسْعَس و”البطلُ“ إذا تَنْفَس (1)! ... بقلم: فتحي الضَّـو مجاهد عبدالله06-16-09, 07:47 AM
                              Re: الليلُ إذا عَسْعَس و”البطلُ“ إذا تَنْفَس (1)! ... بقلم: فتحي الضَّـو مجاهد عبدالله06-16-09, 11:41 AM
                                Re: الليلُ إذا عَسْعَس و”البطلُ“ إذا تَنْفَس (1)! ... بقلم: فتحي الضَّـو مجاهد عبدالله06-16-09, 10:52 PM
                                  Re: الليلُ إذا عَسْعَس و”البطلُ“ إذا تَنْفَس (1)! ... بقلم: فتحي الضَّـو مجاهد عبدالله06-17-09, 12:35 PM
                                    Re: الليلُ إذا عَسْعَس و”البطلُ“ إذا تَنْفَس (1)! ... بقلم: فتحي الضَّـو أحمد أمين06-17-09, 01:55 PM
                                    Re: الليلُ إذا عَسْعَس و”البطلُ“ إذا تَنْفَس (1)! ... بقلم: فتحي الضَّـو مجاهد عبدالله06-17-09, 10:49 PM
                                      Re: الليلُ إذا عَسْعَس و”البطلُ“ إذا تَنْفَس (1)! ... بقلم: فتحي الضَّـو عمر عبد الله فضل المولى06-17-09, 11:03 PM
                                        Re: الليلُ إذا عَسْعَس و”البطلُ“ إذا تَنْفَس (1)! ... بقلم: فتحي الضَّـو عبد المنعم سليمان06-17-09, 11:13 PM
                                        Re: الليلُ إذا عَسْعَس و”البطلُ“ إذا تَنْفَس (1)! ... بقلم: فتحي الضَّـو مجاهد عبدالله06-18-09, 10:05 PM
                                          Re: الليلُ إذا عَسْعَس و”البطلُ“ إذا تَنْفَس (1)! ... بقلم: فتحي الضَّـو مجاهد عبدالله06-20-09, 12:08 PM
                                            Re: الليلُ إذا عَسْعَس و”البطلُ“ إذا تَنْفَس (1)! ... بقلم: فتحي الضَّـو مجاهد عبدالله06-22-09, 08:37 AM


[رد على الموضوع] صفحة 1 „‰ 1:   <<  1  >>




احدث عناوين سودانيز اون لاين الان
اراء حرة و مقالات
Latest Posts in English Forum
Articles and Views
اخر المواضيع فى المنبر العام
News and Press Releases
اخبار و بيانات



فيس بوك تويتر انستقرام يوتيوب بنتيريست
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة
About Us
Contact Us
About Sudanese Online
اخبار و بيانات
اراء حرة و مقالات
صور سودانيزاونلاين
فيديوهات سودانيزاونلاين
ويكيبيديا سودانيز اون لاين
منتديات سودانيزاونلاين
News and Press Releases
Articles and Views
SudaneseOnline Images
Sudanese Online Videos
Sudanese Online Wikipedia
Sudanese Online Forums
If you're looking to submit News,Video,a Press Release or or Article please feel free to send it to [email protected]

© 2014 SudaneseOnline.com

Software Version 1.3.0 © 2N-com.de