إعـادة نشـــــر {حوش بنات ود العمدة}

مرحبا Guest
اخر زيارك لك: 03-28-2024, 08:51 PM الصفحة الرئيسية

منتديات سودانيزاونلاين    مكتبة الفساد    ابحث    اخبار و بيانات    مواضيع توثيقية    منبر الشعبية    اراء حرة و مقالات    مدخل أرشيف اراء حرة و مقالات   
News and Press Releases    اتصل بنا    Articles and Views    English Forum    ناس الزقازيق   
مكتبة سناء جعفر(sanaa gaffer)
نسخة قابلة للطباعة من الموضوع   ارسل الموضوع لصديق   اقرا المشاركات فى صورة مستقيمة « | »
اقرا احدث مداخلة فى هذا الموضوع »
12-21-2008, 04:03 PM

Maawya Hussein
<aMaawya Hussein
تاريخ التسجيل: 12-27-2007
مجموع المشاركات: 10136

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: إعـادة نشـــــر {حوش بنات ود العمدة} (Re: Maawya Hussein)

    الفصل الثالث عشر




    وقف حامد بهيبته الطاغية وهو يودع الحضور بعد نهاية الحفل الصاخب ... كانت نظراته تدور بحثاً عن ابراهيم الذي اختفى منذ فترة طويلة .. احس بالضيق والغضب لتصرفات ابن اخيه اللامبالية .. وتذكر بغيظ الغمزات التي تبادلها اصدقاءه عند مروره بهم اثناء خروجه ... كان يدرك بان سلوك ابراهيم المشين لم يعد سرا مخفيا كما اراد له ان يكون ... لقد استمات طيلة السنوات الماضية في تغطيته حتى لا ينفضح ويصبح نقطة سوداء تلطخ سمعة العائلة ... لكن من الواضح ان ابراهيم لم يكن مهتما باخفاء افعاله .. بل وبدا له في بعض الاحيان كانه يتعمد المجاهرة بفواحشه نكاية فيه مثلما فعل حين تم القبض عليه في احد البيوت المشبوهة عندما كان في الثامنة عشرة من عمره .. يومها ايقظه رنين الهاتف بعد منتصف الليل ليخبره بوجود ابن اخيه في قسم الشرطة ويطلب حضوره .. قبل خروجه اجرى عدة مكالمات طلبا لدعم يحتاجه في هذا الموقف العصيب ... عندما وصل الى قسم الشرطة وجد ان ابراهيم قد اخرج من زنزانته ووضع في مكتب الضابط المناوب بعد مكالمة اتته من ضابط اعلى رتبة منه .. كما وجد المحامي بانتظاره امام البوابة فدفع الكفالة بسرعة وسحب ابراهيم المخمور من ذراعه ورماه داخل السيارة بعنف وترك للمحامي مهمة تسوية الاجراءات القانونية ... قاد بصمت وقد قرر ان المنزل هو المكان المناسب لمحاسبة هذا الولد الماجن الذي جلس ساكنا بعيون ناعسة وابتسامة شامتة معلقة بشفتيه ..كانت تفوح منه رائحة عرق كريه ..وعبأت انفاسه المخمورة فضاء السيارة الضيق حتى احس حامد بالاختناق ...
    في ذلك اليوم كانت المرة الاولى التي يرفع فيها حامد يده ويضرب ابراهيم .. عندما اصبحا داخل المنزل التفت الى ابن اخيه الذي بدا يتجه بخطوات مترنحة نحو غرفته وهو يدندن لحناً شائعاً .. كان غضبه قد وصل الى مداه فصرخ فيه ..

    - انت يا حيوان انت .. اقيف قبلك .. ماشي وين ؟؟!! ...

    التفت اليه ابراهيم وما زالت ابتسامته البغيضة معلقة على شفتيه ...

    - ماشي انوم يا عم حامد .. عاوز شئ ؟؟ تأمر باي خدمة ؟؟ قول .. احنا تحت الطلب..
    كانت حامد قد وصل الى اقصى حدود صبره ... هدر صوته وتغلغل في كل اركان البيت النائم .. اتت السرة تركض فزعاً ومن خلفها بلقيس وبدور والصغيرة بسمة التي اخافها الصوت وبدات تبكي بصوت عال زاد غضب حامد وجعله يلتفت الى السرة ..

    - السرة .. سوقي بناتك وادخلي جوة .. ما عاوز اسمع صوت زول فيكم فاهمة ولا لا ؟؟

    حاولت السرة الاحتجاج ومنع المواجهة الوشيكة بين زوجها وابنها .. لكن خطوات حامد المهددة بقبضتيه المضمومتين ونظراته النارية التي تراها لاول مرة منذ زواجهما اجبرتها على ابتلاع كلماتها وتراجعت بذعر وهي تسحب بناتها امامها حتى دخلت غرفتها ووقفت تختلس النظرات من خلف الباب الموارب .. تلقى ابراهيم صفعة قوية ادت الى سقوطه ارضاً بصوت طغت عليه شهقة السرة الجزعة .. وظل مستلقياً ارضاً وهو ينظر الى حامد بحقد وقد اتسعت ابتسامته ...

    - بتضربني يا عم حامد ؟؟ بتضربني هسة بعد ما بقيت راجل ؟؟ تكون عاوز تادبني بعد العمر دة ؟؟ ولا يادوبك اتذكرت تربيني ؟؟ ههة .. انت ما شايف انك اتاخرت شوية في موضوع التربية والادب دة ؟؟ ولا يمكن تكون حتى ما عارف انا عمري بقى كم ؟؟ حتى لو بقيت ما عارف عادي ما في مشكلة .. ما انت طول عمرك ما بتعرف حاجة عني .. لكن بس عاوز اسالك بمناسبة انك يادوبك قررت تادبني وتربيني .. كنت وين لمن انا كنت صغير ومحتاج فعلا لزول يوجهني ويوريني الصح من الغلط ؟؟ كنت وين لمن شربت اول سيجارة واول كاس ؟؟ كنت وين لمن بديت اسقط في المدرسة واجيب الشهادات كلها كعك تعاين ليها بدون اهتمام وتديها لامي ؟؟ جاي هسة تعمل لي فيها المربي الفاضل ؟؟ سوري ليك يا عمو .. جيت متاخر خالص وبعد ما فات الاوان زي ما بتقول الاغنية ..

    وبدا يدندن مرة اخرى بصوت مهزوز باغنية عن فوات الاوان ..احس حامد بالمرارة تملا جوفه وهو يقر بصحة كلمات ابراهيم التي جعلته متهما بعد ان كان جلاداً .. حاول ان يدافع عن نفسه بالعذر الوحيد الذي يعرفه ..

    - كنت وين يا ولد يا قليل الادب ؟؟ كنت باشتغل واجيب قروش عشان انت تعيش في العز العايش فيهو دة ...
    ضحك ابراهيم بهستريا وهو يضرب الارض بكفيه ..

    - قروش ؟؟ قروش شنو يا عمي وعز شنو ؟؟ ومنو القال ليك انا كنت عاوز قروشك ولا محتاج ليها ؟؟ انا كنت محتاج ليك انت .. لرعايتك .. لاهتمامك .. لتوجيهك .. لابوتك الابيت تديني ليها .. وكنت كل ما اطالبك بحاجة من الحاجات دي تديني بدلها قروش وفي النهاية لمن فهمت اللعبة صاح بقيت اشيل قروشك واشتري بيها الحاجات دي من برة ... بقيت شاطر في التجارة بسببك وبراس المال حقك ... بقيت اشتري حب الناس واهتمامهم بقروشك .. بشتريهم زي ما باشتري (البنقو) و ( العرقي ) واي حاجة تانية انا عاوزها ... لكن معليش الحاجة الوحيدة القصرت فيها اني كان مفروض كل فترة كدة اعمل ليك كشف حساب عشان تعرف قروشك البتديني ليها بدل ابوتك وحبك بتمشي وين ...

    ولدهشة حامد الشديدة بدات الدموع تجري من عيني ابراهيم ... فهو لم يره يبكي منذ ان كان في الحادية عشرة من عمره عندما التقاه مندفعا من غرفة السرة وهو يجهش ببكاء مرير .. وعندما حاول ايقافه ليساله عما به .. اجابه بكل برود ..

    - عاوز تعرف مالي يا عم حامد ؟؟ ... اسال السرة وهي بتوريك ...

    يومها فوجئ بكلمة ( عم حامد ) التي خرجت من بين شفتي ابراهيم وكانه يبصقها .. عندما دخل الى الغرفة وجد السرة تنوح ببكاء ذكره بحالتها عندما مات شقيقه وتركها تحمل طفله ... كانت ارضية الغرفة مغطاة بشظايا الزجاج المخلوط بحبيبات السكر .. ادرك ما حدث دون ان تخبره .. تاملها طويلا ثم تركها وخرج وهو يحس براحة تغمره بعد ان تحرر من عبء التظاهر بابوة فرضت عليه ولم يرغب فيها قط ... عزى ضميره بان ابراهيم كان لابد يعلم الحقيقة عاجلاً ام آجلاً ...
    عندما تمكن ابراهيم من الوقوف على قدميه رفع يد حانقة ومسح بها دموع متجددة من وجه غابت عنه التعابير ... توجه نحو باب غرفته .. وقبل ان يطأها التفت ببطء الى حامد الذي جرفته ذكريات بعيدة ومتشابهة وخيل اليه انه فقد القدرة على تمييز الماضي من الحاضر ... وان اللحظة التي يعيشها ما هي الا تكرار للحظة اخرى عاشها سابقاً وبنفس تفاصيلها ... باستثناء كلمات ابراهيم الغاضبة ..

    - شوف يا عم حامد .. من هسة باقول ليك .. عشان ما تخجل من العملتو واللسة حاعملوا لو أي زول لومك على تصرفاتي قول ليهم دة ما ولدي .. دة ولد اخوي وطلع كدة لانه ابوه مات من زمان وما لقى زول يربيهو ..
    دخل غرفته وصفع الباب خلفه بعنف اهتزت له الجدران ... من يومها تفادى حامد اثارة أي نقاش مع ابراهيم .. اقتصر دوره في حياته على تزويده بالمال واخراجه من المآزق التي يورط نفسه فيها حتى عندما اتاه يخبره بقراره الزواج من حبيبة ابنة بخيت لم يستطع ردعه برغم غضب السرة العارم الذي زاده عنادا خصوصا عندما علم بزيارتها المحذرة لاهل البيت الصغير والتي اتت نتيجتها لصالحه بعد ان وافقت حبيبة على الزواج منه نكاية في السرة وتحديا لاهاناتها السافرة ...
    كانت المرة الاولى التي يرى فيها حامد السرة بهذا الغضب ... كانت تزار كلبوة جريحة وتعلن رفضها القاطع لهذه الزيجة الملعونة .. استعانت بكبار رجال الاسرة وامتلا منزل ود العمدة بوفود تعود وتذهب في رحلات مكوكية لاقناع الابن العنيد بالتخلي عن الفكرة المجنونة ... كان كل ما زاد ضغطهم عليه .. ازداد هو تمسكا برايه واصرارا على اتمام الزيجة ... وعندما وصل الجميع الى طريق مغلق وعدمت السرة كل الحيل لاثنائه عن عزمه .. هددته بقطع ثديها ان هو فعلها ... وفوجئ الجميع برده البارد اللامبالي ...

    - السرة ما تقولي كلام انتي ما قدرو ولا بتقدري تسويهو ... شوفي .. لو قعدتي من هنا لبكرة تقولي لي بقطع شطري ولا بقطع ايدي ما بيهمني .. حعرس حبيبة يعني حعرسها هو انتي لمن عرستي عم حامد بعد ابوي كنتي انتظرتيني عشان تشاوريني موافق ولا لا ؟؟؟

    وقبل ان يخرج منهيا النقاش في الموضوع .. اضاف جملة غريبة ظلت معلقة في الجو فترة طويلة بعد رحيله ..

    - وبعدين اقول ليكم كلام .. انتو مفروض تحمدوا ربكم وتبوسوا يدكم وش وضهر انها وافقت تعرسني .. لاني لو خليتها ومشيت عرست ليكم أي واحدة من الانتوا عاوزينهم ديل فضيحتكم حتبقى بجلاجل .. يعني عرسي لحبيبة سترة لاسم عيلتكم الخايفين عليها اكتر من خوفكم علي انا زاتي ...

    عندما جلس معه حامد لاحقاً لمناقشة تفاصيل الزواج ساله ..

    - ابراهيم .. ممكن اعرف انت ليه مصر على حبيبة ؟؟!! ليه عاوز تغضب امك عليك ؟؟ السرة كايسة مصلحتك وعاوزاك تناسب احسن بيت في البلد .. انت نسيت انت ولد منو واهلك منو ؟؟!! ولا يمكن ما قادر تتخيل عرسك دة حيجيب لينا كلام قدر شنو ؟؟

    رد ابراهيم ببروده المعتاد ...

    - اسمع يا عم حامد ... انا الناس ما بتهمني كتير واتعودت على كلامهم عني .. لكن لو انتوا عاوزين تتفادوا الكلام بالجد .. وتحافظوا على سمعتكم نضيفة .. يبقى توافقوا على حبيبة لانو أي واحدة تانية غيرها ما حتنفع ..

    حاول حامد ان يكذب ظنونه التي صارت شبه يقين فساله ملحاً ومتظاهرا بعد فهم تلميحاته ..

    - ليه ما حتنفع يا ابراهيم ؟؟ انت راجل ما ناقصك شئ .. وشايل اسم يخلي أي بت تتمنى ترتبط بيك سواء هنا ولا في البلد ..

    قاطعه ابراهيم بحسم ...

    - لكن انا عاوز حبيبة .. وقصة الحسب والنسب العاملة ليكم هوس دي انا ما بتهمني كتير انا عاوز انسانة اكون مرتاح معاها .. تكون عارفاني جوة وبرة وما اضطر قدامها البس قناع ولا اتظاهر بشئ ما فيني ... وحبيبة فيها الميزات دي كلها ... وزيادة عليها انها بتحبني من زمان ... مش بيقولوا الحب بيغفر العيوب وما بيشوف الا الجانب الكويس ؟؟
    اصبح وجه حامد شاحبا من تلميحات ابن اخيه التي وصلت الى مرحلة التصريح ..

    - حبيبة عارفة يا ابراهيم ؟؟ وموافقة ؟؟!! .. طيب ليه رفضتك من البداية ؟؟

    - ايوة حبيبة عارفة يا عم حامد .. عارفة كل حاجة .. حتى الانتوا ما بتعرفوهو عني هي عارفاهو .. ورفضتني في البداية لانها ما بتحترمني ... ولانها انسانة معتزة بنفسها شديد .. واقول ليك حاجة ... لو كانت وافقت من اول مرة اتقدمت ليها فيها ما كنت اصريت عليها الاصرار دة كلو .. لانو وقتها كنت حاعرف انها وافقت علي واتغاضت عن حاجات كتيرة ما عاجباها فيني بس عشان انا عندي قروش وانتو اهلي ... لكن لمن رفضتني وبشدة ... انا احترمتها شديد .. وبقيت مصَر اني اتزوجها اكتر من الاول .. وحاسي انو زواجنا ممكن ينجح .. عارف ليه ؟؟ لانو كل واحد فينا بيكمل نقص التاني هي بتحبني لكن ما بتحترمني .. وانا باحترمها لكن ما بحبها .. وكدة كفوف الميزان حتتساوى بيننا ...

    عندما تم تحديد مواعيد عقد القرآن .. حزمت السرة حقائبها واصطحبت بناتها الى القرية ... عادت مجبرة في مواعيد فتح المدارس وبضغط من حامد ... رفضت وجود حبيبة معها في نفس المنزل .. لكن حامد المهموم باخفاء تصرفات ابراهيم اصر على بقائهم داخل المنزل ... وخلال مدة قصيرة تم بناء منزل في ابعد اركان الحوش الفسيح ... انتقلت حبيبة الى بيتها وقد اعلنت السرة الحرب عليها فبادلتها حبيبة عداء بعداء .. وكرها بكره اشد منه .. حتى انجاب البنات لم يهدئ من حدة العلاقة بينهما .. وبرغم احتضان السرة لحفيداتها من ولدها الوحيد .. الا انها لم تغفر يوما لحبيبة زواجها من ابراهيم وما زالت تطلق زفرة غيظ وترفع صوتها بعبارتها الماثورة كلما احست بها على مرمى سمعها ...

    - والله اللقتو " الفرخة " عمرها ما كانت تحلم بيهو ..

    وبرغم تجاهل حبيبة وابراهيم لها .. وتحذيرات حامد من استخدام هذه العبارات المسيئة بحق زوجة ابنها .. الا انها لم ترعوي بل وكانت تستمتع برؤية اثر كلماتها الجارحة على ملامح المراة التي تحدتها وانتصرت عليها ...
    كان تفكير حامد يتجول في الماضي ويعود الى الحاضر مع كل هزة تحية لضيوفه المغادرين .. احس بالارهاق وبرغبة جارفة في الانعزال عن كل ما يحيط به .. هذه الرغبة التي تعتريه كلما حضر عرساً .. الاعراس تثير فيه مشاعر متضاربة وتقلق ذكرياته التي حاول عبثاً ان ينساها عن زواج اتعسه .. وآخر وهبه فرحاً لا يوصف ... دارت نظراته بلهفة ليتاكد من مغادرة جميع ضيوفه ... خلا الصيوان الكبير الا من مجموعات من الشباب جلسوا في حلقات وهم يتبادلون التعليقات المرحة وتعلو ضحكاتهم بانسجام ... وحول الطاولات الخالية تجمع عدد من الصبية الصغار بوجوه كالحة معفرة وملابس ممزقة يحملون اكياس يفرغون فيها كل ما تقع عليه ايديهم من بقايا الاطباق ... القى نظرة اخيرة ثم اتجه بخطواته الرزينة الى داخل المنزل وهو يتوق للبقاء وحيداً واجترار ذكرياته النابضة بالحياة برغم مرور السنين وتعاقب الاحداث ... كان توقه للوحدة يقود خطواته نحو غرفته الملاصقة للديوان الذي عج بالاقرباء القادمين من القرية .. تناثرت الحقائب في جنباته الفسيحة وضاقت ارضيته بالمراتب التي وضعت بعشوائية استعدادا للنوم .. احس حامد بضيق مفاجئ لرؤية هذا الجمع الكبير لكنه وقف قليلاً مجاملاً ومحيياً ... سائلاً ومجيباً ... ثم استاذن بكياسة واتجه الى غرفته .. دخل واغلق الباب خلفه بالمفتاح واسند ظهره عليه ... احس بالهدؤ يتسلل الى اعصابه المشدودة .. لقد بنى هذه الغرفة بعد رحيل امونة المفاجئ الذي اغرقه في بئر عميق من الحزن والقنوط وجعله يزهد في كل ما حوله ومن حوله حتى زوجتيه وبناته واحفاده ... تم بناءها والحمام الملحق بها في زمن قياسي .. نقل اليها كل متعلقاته واصبحت عالمه الخاص المحرم دخوله على الجميع ... كانت غرفة فسيحة توزعت فيها قطع اثاث قليلة بذوق زاهد .. سرير عريض انعكس لونه البني الداكن على الجدران المطلية بلون بيج فاتح .. تقابله خزانة ملابس بواجهة مصمتة وخالية من الزخارف ... على جهة اليمين اختفى الحمام خلف الباب المغلق .. بينما احتلت نافذة زجاجية عريضة معظم مساحة الحائط الايسر .. ومن خلالها تسللت انوار الساحة الخارجية لتصنع ظلاً ممتداً من طقم الجلوس الصغير بلونه الشاحب وحتى منتصف ارضية الغرفة ...تهدلت اكتاف حامد بتعب وفقدت مشيته هيبتها المعتادة .. عندما يصبح وحيدا لا يحتاج الى التظاهر بالقوة او ادعاء الصلابة .. ففي غرفته المتقشفة يتحرر من كل اقنعته ... يتداعى ويترك لمشاعره حرية اختيار الاسلوب الذي تعبر به عن وجودها وتعلن عن ضعفه الانساني بلا قيود ...
    رمى العصا على طـرف السريـر باهمـال .. وتبعتها العباءة ثم تخلص من بقية ملابسه واكتفى ( بالعراقي) و( السروال ) .. اتجه الى الطاولة الصغيرة الملاصقة لسريره واضاء الاباجورة المغطاة بالزجاج الملون فشع ضؤ خافت حالم جعل الغرفة الجامدة تمتلئ بالظلال الرومانسية .. ابتسم برضا كانت هذه الاضاءة المفضلة لامونة ... تنهد بحرقة وهو يتذكر المرأة الوحيدة التي احبها منذ طفولته وحتى الان ... برغم الثلاث عشرة سنة التي انقضت على وفاتها الا ان حبه لها ظل متقداً .. لم يستطع أي شئ ان يطغي على احساسه بها ... استلقى حامد على السرير وهو يتابع بنظره حركة الظلال المعكوسة على الحائط .. كان مدركاً سبب عداؤه المستعر مع احتفالات الزواج ... فهي تنكأ جراحه بكل قسوة وتغرقه في دوامة الذكريات المريرة ... تعيده الى تلك الايام عندما غيّر القدر حياته بصورة جذرية بموافقته الزواج من السرة تحت رجاء والحاح امونة .. لقد اعتاد ان يجتر هذه التفاصيل ويلوكها داخل عقله مرارا وتكرارا على مر السنوات الفائتة ...ففي تلك الليلة التي زارته فيها امونة في المستشفى وعقب خروجها .. ايقن بان دنياه التي يعرفها قد تغيرت الى الابد ... تلاشت كل احاسيسه وملأه خواء غريب زحف كنبتة شيطانية سامة تسلقت روحه واعتصرت قلبه وامتصت سعادته ... تقرر عقد قرآنه على السرة في الخميس الذي اعقب خروجه من المستشفى .. لم يهتم باي تفاصيل .. كان يقضي وقته اما مستلقيا في سريره بعيون مفتوحة خاصمها النوم .. او هائماً على وجهه في شاطئ منعزل يراقب جريان المياه وتصادمها .. اصبح يتجنب التواجد في أي مكان قد يلتقي فيه بامونة .. كانت عدم رؤيتها هي الضمان الوحيد لقدرته على مواصلة الحياة بدونها
    قبل عقد القرآن بيوم كان قد اتخذ قراره بضرورة مغادرة القرية الى ابعد مكان يستطيع الوصول اليه اتجه الى الديوان فوجد ابيه برفقة عمه وهما يناقشان تفاصيل الزواج بينما جلس بله صامتاً يراقب الجميع بهدوؤه المعتاد .. عند دخوله ساد صمت ملئ بالهواجس .. بدده حامد بصوته المهتز المتحشرج ...

    - ابوي .. بعد العقد انا ماشي العاصمة .. حاقعد هناك واقدم للجامعة ..

    تبادل الجميع نظرات حائرة مرتبكة ... تنحنح العمدة ثم سال ولده دون ان ينظر اليه مباشرة في عينيه...

    - ماشي العاصمة ؟؟!! وتقدم للجامعة ؟؟!! متين قررت الكلام دة ؟؟ طيب ومرتك ؟؟ حتسوقها معاك ولا الراي شنو ؟؟

    رد حامد بصوت بارد لا حياة فيه ..

    - انا من زمان كنت اتفقت مع امونة اننا بعد العرس حنمشي سوا نكمل قرايتنا هناك ...

    امتقعت الوجوه وتصلبت الملامح عندما نطق حامد اسم امونة .. لكنه لم يهتم وواصل كلماته بنفس الصوت الميت ..

    - انا غايتو حسافر بعد العقد طوالي .. السرة على كيفها .. لو عاوزة تقعد هنا أو تمشي معاي مع انو انا شايف لو قعدت هنا احسن ليها ... انا هناك ما حكون فاضي ليها وعاوز اسكن في الداخلية اريح لي ...

    هب العم غاضباً وضرب بعصاه الارض ...

    - دة كلام شنو دة يا حامد ؟؟ كيفن يعني تقول السرة على كيفها وبعدين تقول احسن ليها تقعد هنا ؟؟ المرة مكانها مع راجلها وين ما مشى .. السرة حتبقى مسئوليتك وانت راجلها .. ولا هي القصة عقد وخلاص وبعد داك تتملص منها ترميها هنا وتمشي هناك تسوى الدايرو ؟؟ اذا الموضوع كدة يبقى ما تعقد عليها وننتهي هنا .. بتي هسة ترجع معاي بيتي معززة مكرمة ..

    رفع العمدة راسه بحدة عندما سمع العبارة الاخيرة ...

    - تاني يا محمد احمد ؟؟ تاني بتقول كلامك الما عندو طعم دة ؟؟ ..
    - يعني ياللمين يا اخوي انت ما شايف كلام ولدك الاعوج ؟؟ كيفن يقول عاوز يعقد ويمشي يخلي مرتو وراهو ؟؟ ..

    كان حامد يقف متصلباً بملامح جامدة وعيون انطفا بريقها .. اصبح كالعود اليابس بعد ان فقد الكثير من وزنه خلال الفترة الماضية .. غارت عيناه في محجريهما وارتسمت حولهما دوائر سوداء .. نبت شعر لحيته بلا ترتيب واستطال شعر راسه بفوضى ... تراوحت كلمات العمدة بين الاشفاق والحزم وهو يحسم النقاس بصرامة ..

    - حامد .. انا ما بمنعك تمشي تكمل تعليمك .. لكن ما في حاجة اسمها تخلي السرة وراك دي مرتك .. وانت ملزوم تسوقها معاك محل ما تمش .. ولو على مكان قعادكم هناك مافي مشكلة .. بديك حوش أبروف اصلو قاعد فاضي .. حاكتبو ليك باسمك عشان تكون قاعد في ملكك ... وكمان بديك العينة وعيالها عشان يخدموكم هناك لكن بخيت بخليهو معاي لاني محتاج ليهو في شغلي ...

    رد حامد بسخرية ...

    - انت يا ابوي ما بتتعب من تفريق الناس من بعض ؟؟ كيفن يعني تديني العينة وعيالها وتمسك بخيت عندك ؟؟ مش انت هسة الكنت بتقول المرة مكانها مع راجلها وين ما مشى ؟؟ انت بتناقض نفسك ؟؟ وبعدين انت عارف انا من زمان عندي راي في قصة امتلاك البشر دي .. يا عالم ديل ناس زيهم زينا .. ما شوالات بصل ولا صفايح فحم تبيعوها وتشتروها وتتهادوا بيها وتوزعوها كيمان زي ما عاوزين ..
    اندهش الجميع من ثورته العارمة وقاطعه ابوه غاضباً ...

    - اسمع يا ولد .. ما تتفلسف وتعمل لي فيها مصلح اجتماعي .. دة نظام اتربينا عليهو من جدود جدودنا .. لقيناهو من ما قمنا وتبينا .. ديل ( هولنا ) لا مشينا سوق اشتريناهم ولا بنوديهم سوق نبيعهم .. بنعاملهم احسن معاملة .. لا بنهينهم ولا بنضربهم .. بياكلوا من اكلنا .. وبيشربوا من شرابنا ... عايشين معانا وراضيين بعيشتهم .. وهسة دي لو قلنا ليهم امشوا بيقولوا لا ما بنمش لانو ما عندهم غيرنا ... احنا عزوتهم وسندهم في الدنيا دي وهم مقتنعين بكدة ... وبخيت دة ( الليلنا ) من يوم ما اتولد لكن لو قال داير يمش ما كنت بمنعو .. الا هو قاعد معانا عشان هو داير ما عشان احنا ماسكينو .. وبعدين دة ما موضوعنا .. ما تتزاوغ من الكلام الاصلي وتدخل لي في حاجات فارغة احنا بنتكلم عنك وعن مرتك .. انا من بكرة برسل ناس تمشي الحوش وتفتح البيت وتنضفو .. بديك عربية جديدة وافتح ليك حساب في البنك وكل شهر حتلقى فيهو البيكفيك انت ومرتك وولدك وبالزيادة كمان..
    انتفض جسد حامد عند سماعه كلمة " ولدك " .. احس بموجات من الحقد تعبر قلبه تجاه هذا الطفل الذي تسبب في تدمير حياته وتغيير قدره .. هز راسه محاولاً نفض الاحساس القبيح الذي تملكه تجاه الصغير البرئ فاعطت حركته انطباع الرفض لدى الجمع المتوتر .. فزمجر العمدة بغضب ...

    - يا ولد اوعك تهز راسك ... من بكرة ابراهيم حيبقى ولدك .. لازم تقبل الوضع دة وتفهمو كويس .. وكمان عشان تبطل فلسفتك الفارغة دي بديك بخيت مع العينة .. مرتك بتكون تعبانة وما بتقدر تخدم البيت الكبير داك براها .. اصلاً في جزء في البيت انا بنيتو للغفير .. بوديهو مكان تاني وناس بخيت يقعدوا فيهو ...

    رفع حامد كتفيه بحركة لا مبالية ...

    - اعملوا الدايرين تعملو .. المهم انا الاسبوع الجاي ما عاوز اكون هنا ...

    ادار لهم ظهره وغادر الغرفة تاركاً الجميع في حالة توجس مما قد يتمخض عنه موقفه الرافض ...

    تم عقد القرآن بغياب حامد بعد ان اوكل لابيه مهمة تمثيله .. اقتصر المدعوين على اقرب الاقربين واعلن اتمام الزواج بخمس طلقات من مسدس العمدة تبعها صمت حزين .. لم تجروء أي امراة على اطلاق زغرودة .. انزوت السرة في غرفتها وهي تبكي بمرارة ويجاوبها طفلها بصرخات ملتاعة .. واصيبت بحالة هستريا عندما اصرت عليها والدتها ان تغير ملابس الحداد .. طغى على جو المنزل ظل كئيب وتبارى الحضور في المغادرة بعد انتهاء مراسم العقد مباشرة هربا من هذا الجو الخانق..
    بعد يومين من زواجه حزم حامد امتعته وطلب من ابيه اخطار السرة بتجهيز نفسها وصغيرها لمغادرة القرية .. كان يتوق للفرار من المكان الذي شهد احلى لحظات عمره .. واتعسها ... لم يكن قد اعتاد الدرب بين القرية والعاصمة لذلك جلس ساهماً بجانب السائق الذي استأجره والده لايصاله .. في الخلف جلست السرة متلفحة بصمتها وحزنها وهي تحتضن صغيرها الباكي .. كان يتبعهم البوكس الذي يحمل بخيت والعينة وولديهما اضافة للامتعة ...
    كان المنزل الذي منح له كرشوة من ضمن اشياء اخرى حتى يقبل الزيجة التي يرفضها يطل على النيل مباشرة ويفصله عنه شارع اسفلتي ضيق يحتل مساحة شاسعة تكفي لبناء عدة منازل اخرى بدا مهيباً بابوابه الحديدية الضخمة وسوره الحجري العالي .. كان حامد يفكر بانه في ظروف اخرى ومع شخص آخر كان ليطير فرحاً بعطايا والده .. لكنه الآن مسكون بالفراغ واللامبالاة .. سرعان ما استقر الجميع في المنزل الجديد الذي تم تجهيزه بكرم .. ترك حامد للسرة وطفلها غرفة النوم الكبيرة بسريرها العريض واختار غرفة صغيرة بالكاد تسع السريرين والخزانة .. لم يفكر ولو للحظة واحدة مشاركتها نفس المكان .. امر بخيت بفرز الامتعة .. وبدت الدهشة على ملامح العينة من اختيار الزوجين الحديثين غرف منفصلة وبعيدة عن بعضهما ...
    بعد ان تم ترتيب كل شئ في مكانه .. حمل بخيت ابنه عبد الستار ذو التسعة أعوام بينما استقر عبد الرزاق الذي يصغر شقيقه باربعة اعوام بين ذراعي العينة .. اتجه الجميع الى البيت الصغير المبني بالطين في آخر الساحة .. وبعدها ساد المنزل سكون مميت ...
    في الايام التي تلت وصولهم شغل حامد نفسه بالتقديم للجامعة وقيادة سيارته بلا هدى في الشوراع متفاديا التواجد في المنزل لاطول فترة ممكنة حتى لا يرى السرة بعيونها الدامعة وطفلها الباكي دوماً كانت هي ايضا تتجنبه وتحرص على عدم البقاء معه في مكان واحد .. لم يكن يجمعهما الا وجبة الغداء التي تنتهي بسرعة بعد ان يزدرد كل منهما بضع لقيمات على عجل حتى يتخلص من وجود الآخر باسرع ما يمكن .. واصبحت الجامعة رخصة حامد للبقاء خارج المنزل طيلة النهار وجزء من الليل .. وتقلصت اللحظات التي تجمعه بالسرة حتى كادت تنعدم .. تعمد الخروج مبكراً قبل استيقاظها والعودة متاخراً بعد نومها .. سخّر كل الطاقة المتبقية في عقله وروحه لتحصيل دروسه اهله ذكاؤه واجتهاده وحصوله على المراكز الاولى لاكتساب شهرة واسعة في محيطه .. كما اصبحت وسامته وغموضه وعزوفه عن مخالطة البنات عامل جذب قوي لزميلاته اللائي استهوتهن نظرة الحزن العميقة في عينيه الساحرتين .. وكلما تباعد زاد تنافسهن للفوز به دون ان يدرين بزواجه .. كان كتوماً ووضع خطاً واضحاً بين علاقة الصداقة التي تربطه بعدد قليل من زملائه وبين حياته الخاصة ... ولم يسمح لاي كان بعبور هذا الخط .. لم يدع احدهم يوماً لزيارته في بيته ولم يرتد ابداً خاتم زواج ...
    كانت قد مرت خمسة اشهر منذ حضورهما عندما استقبلا اول زائر من القرية .. اتت والدة السرة لزيارة ابنتها وانفردت بها طويلاً ... عندما خرجت رمقته بنظرات نارية غاضبة لم يفهم سببها... كما لم يهتم بمعرفة اسباب معاملتها الجافة المتحفزة خلال الايام التي مكثتها في بيته .. بعد عودتها الى القرية بيومين اتت والدته يصحبها " بله " فاصابته الدهشة من هذا التواصل المكثف بعد فترة التباعد المتعمد التي عاشها وانقطع فيها عن عالمه القديم .. كان قد عاد متاخرا كعادته وهو يتوقع ان يجد البيت غارقا في الظلام .. فوجئ بالانوار المضاءة والاصوات الصادرة من غرفة الضيوف ... ساد صمت غريب عند ظهوره في عتبة الباب .. بحركة لا شعورية رفعت السرة ثوبها وغطت به شعرها الطويل الغزير .. كانت نظرات امه عاتبة .. مسامحة .. متفهمة .. بينما ابتسم له بله الذي حمل ابراهيم بين ذراعيه وهو يدغدغه حتى ارتفعت ضحكاته ..تامل حامد هذا المشهد الحميم بين شقيقه ومن يفترض انه ابنه وصفعه الادراك بانه لم يحمل هذا الطفل يوما بين ذراعيه ولم يلاعبه قط كما يفعل بله الان ... احس بالفزع الذي انعكس في نظراته وهي تلتقي بعيني السرة المليئتين بالحزن فأشاح عنها وعانق امه وشقيقه ثم جلس بينهم ليسود ارتباك محير جو الغرفة التي كانت تضج بالحياة قبل دخوله .. بعد لحظات انسحبت السرة بحجة وضع ابراهيم في سريره .. بعدها تعلل بله برغبته في استكشاف المكان لينسحب تاركا حامد وحيدا مع والدتهما التي ربتت على السرير بجانبها وطلبت منه الجلوس .. جلس ملتصقاً بها وهو يحس تجاهها بشوق جارف لم يكن يدرك مداه حتى رآها .. كانت تقص عليه اخبار القرية بالتفصيل وكان هو متلهفاً لاخبار شخص بعينه لكنه لم يجرؤ على سؤالها عن احوال امونة .. وهي لم تتبرع باعطائه أي معلومة عنها ... وبعد ساعة كاملة من الاخبار والقصص صمتت امه فهب واقفا وهو يخاطبها بحنو ...

    - امي .. انتي شكلك تعبانة من السفر .. انا حخليك ترتاحي هسة وبكرة نواصل الونسة انا ما حامشي الجامعة عشان اقعد اتونس معاكم ...

    كان يهم بالنهوض من مكانه بجانبها عندما امسكت بيده وطلبت منه البقاء .. كان صوتها المتعب خافتاً وخاطبته دون ان ترفع نظراتها اليه ...

    - حامد ؟؟ متين حنشوف اخو ولا اخت لابراهيم ؟؟
    وقع السؤال على راسه كالصاعقة .. تجمدت حركته حتى اصبح كالتمثال .. تعمق الصمت حتى بدا كيانا آخرا يجاورهما في الغرفة .. اختنقت انفاسه ونظر الى امه بصدمة .. عندما امتد سكونه .. رفعت امه راسها وترقرقت الدموع في عينيها ...
    - يعني ما رديت علي يا حامد ؟؟ ما تسكت كدة .. سكوتك دة بيخوفني .. اتكلم .. قول أي حاجة ...
    اتى رده في شكل سؤال حائر ...
    - اخو ولا اخت لابراهيم ؟؟ كيف يعني ؟؟ ...

    - زي باقي خلق الله يا ولدي .. انت السرة دي مش مرتك ؟؟ يعني لو كنت دخلت عليها من يوم ما عرستو .. مش كانت هسة بقت حامل ..

    لحظتها فقط ادرك حامد سر النظرة النارية التي رمقته بها زوجة عمه لحظة خروجها من غرفة السرة واسلوبها الجاف في التعامل .. كما ادرك سر زيارة امه وشقيقه ... اصيب بالذعر من المعنى المبطن لكل ما يحدث فاتى رده خشنا ..

    - ادخل عليها ؟؟ ادخل عليها كيف يا امي ؟؟ السرة دي مرت ابراهيم .. وانا عرستها بس عشان انتوا قلتوا عاوزين الولد يتربى معانا وما يجي راجل غريب يربي ولد اخوي ...

    - حامد يا ولدي .. ابراهيم مات الله يرحمو ويغفر ليه .. والسرة ما بقت مرتو .. السرة هسة مرتك انت .. والعرس عرس يا ولدي .. ومادام عرستها يبقى لازم تاخد حقك وتديها حقها ...

    - حق شنو يا امي ؟؟ انا ما عندي حق عندها ولاعاوز منها حاجة .. ولا يمكن هي اشتكت ليكم وقالت عاوزة حقها ؟؟ امي انا السرة دي بالنسبة لي زيها زي أي واحدة من اخواتي .. ما بحس نحوها باي شئ غير احساس الاخو باخته ... انتي بالذات يا امي اكتر واحدة عارفة انا رفضت العرس دة قدر شنو .. وعارفة كمان انا في النهاية وافقت ليه ... انا وافقت عشانك .. وعشان ما اكون سبب طلاقك بعد العمر دة كلو ...

    تلبست حامد حالة من الانفعال العنيف واصبح صوته قاسياً .. لم يعبأ بالالم الذي انطبع على وجه امه وهو يذكرها بتضحيته من اجلها ...

    - امي .. لازم كلكم تعرفوا انو دة اقصى شئ ممكن اسويه .. مافي زول فيكم يطالبني بازيد منو .. دخول على السرة ما داخل .. ولو هي اشتكت وطالبت بحاجة زي دي يبقى تشوف ليها راجل تاني غيري ...
    قاطعته امه بغضب ..

    - إتأدب يا ولد وما تنسى انت بتتكلم مع منو .. السرة ما اشتكت ولا عمرها حتشتكي حاشاها المربية بت الاصول العيبة ما بتطلع منها .. احنا عرفنا لانو امها لمن جات تزورها سالتها ليه ما حملت لغاية هسة وانتو معرسين ليكم خمسة شهور .. واضطرت السرة تقول لامها انك لغاية هسة ما لمستها .. امها جاتني جارية وكانت عاوزاني اكلم العمدة .. اقنعتها بعد تعب انو تخلي الموضوع علي وانا بتكلم معاك من غير ما ابوك يتدخل ... حامد يا ولدي مافي حاجة اسمها زي اختك ... لا هي بت امك وابوك ولا رضعت معاك .. دي مرتك والبتسوي فيهو دة حرام وبيدخلك في حساب رب العالمين .. انت انسان صلاي وقراي .. يعني ما عارف انو الوضع دة حرام ؟؟ السرة مرتك وليها عليك حقوق حتى لو ما طالبت بيها .. وانت راجلها .. لازم تصونها وتحفظها .. السرة سمحة ونضيفة وعفيفة .. وانت ما حتلقى احسن منها .. لازم تتعود على حياتك وما تفكر تهرب منها .. يا حامد حرام عليك البنية المسكينة دي الدنيا ظلمتها وشالت منها راجلها وهي في عز فرحتها .. ما تظلمها انت كمان لانك بتعرف طعم الظلم ... هي ما ليها ذنب في الحصل دة وما تنسى انها اتجبرت عليك زي ما انت اتجبرت عليها .. الفرق بينكم انها قبلت بالامر الواقع وانت لا ... لازم تقبل الشئ دة وتبدا توعى لمرتك وولدك .. ابراهيم دة بقى ولدك .. ما عرف وما حيعرف ابو غيرك يا ولدي خاف الله فيهو وفي امو .. خاف الله في روحك ...
    انهارت الام باكية وهي تغطي وجهها بطرف ثوبها .. احس حامد بالالم والذنب وهو يرى دموعها التى ملأت خدودها .. عاد وجلس بجانبها .. قبل راسها المختفي خلف الثوب .. لف ذراعه حول كتفيها وضع راسه على راسها وبكى ... بكى طويلاً .. واحس بغضبه يتسلل من داخله مع قطرات دموعه .. احس بحزنه يخرج حاراً مع زفراته ... لقد كشفت كلمات امه الصادقة الغطاء عن كل مشاعر الحقد والحزن والاحباط التي كانت مدفونة باعماقه منذ ان اجبره والده على الزواج بارملة اخيه .. بكى كما لم يبك من قبل في حياته ... بكى ضياع المراة التي احبها بجنون منذ طفولته .. بكى موت حلمه ومشاعره التي اصابها الجمود .. بكى حتى على السرة وصغيرها وعجزه عن منحهم الحب والاهتمام والرعاية ...
    عندما دخل بلة الغرفة وجد امه وشقيقه متعانقين وتلفهما موجة من البكاء .. اقترب منهما واحتضنهما معا .. كان كثيرا ما يشعر بالغضب من نفسه لسلبيته وانصاعيه التام لارادة ابيه وجبروته .. موقعه الاوسط بين ابراهيم الكبير صاحب الحظوة والكلمة المسموعة .. وحامد الصغير المدلل جعله منذ الصغر في حالة صراع للحصول على مكان بينهما في قلب ابيه .. فكانت الطاعة العمياء المطلقة هي وسيلته للتقرب من الوالد القاسي والحصول على رضاه .. شب على هذا حتى تحولت الطاعة الى سلبية مفرطة تصبغ كل ردود افعاله تجاه ما يحدث حوله ...
    في تلك الليلة اصيب حامد بارق سرق نومه وجعله يدور في الساحة الخارجية والافكار تتلاطم في راسه كانت كلمات امه عن ظلمه للسرة وصغيرها وحرمانية ما يفعل هي اكثرها ايلاماً .. لكن عقله يصر على ان السرة هي زوجة اخيه .. وانها ما زالت مقيمة على حب زوجها الراحل ولن ترضى عنه بديلا كما هو حاله مع امونة .. سخر من نفسه وسذاجة تفكيره لانه ظن ان باستطاعته العيش في هذا الوضع الى الابد .. السرة بالنسبة اليه زوجة اخيه وام طفله .. كيف يتوقعون منه ان يعاشر زوجة اخيه ؟؟ كما وانها لا تثير فيه أي رغبة جسدية .. لقد ماتت كل احساسيه منذ ان اجبر على ترك امونة .. حبيبته الصغيرة التي كانت نظراتها البريئة تشعل النار في حواسه ولمساتها تحيله الى بركان ... لقد حفظ نفسه لاجلها واخذ على نفسه عهداً ان تكون اول امراة في حياته كما سيكون هو الاول في حياتها ... كيف يطالبونه الان ان يخون العهد ويعطي لغيرها ما هو لها ؟؟!! ...
    غادرت امه مع شقيقه بعد يومين من وصولهما .. لم يتناقشا في الموضوع مرة اخرى .. لكن نظراتها كانت تستعدي عليه ضميره في كل مرة تلتقي عيناهما .. عندما احتضنها مودعاً حاول ان يطمئنها .. فاحكمت قبضتها حوله وهي تدعو له بالرضا .. والهداية ...
    ظل لمدة شهر كامل يناقش نفسه محاولاً اقناعها بفعل الصواب .. تدفعه كلمات امه ودموعها .. ونظرات الانكسار في عيني السرة .. بدا يغير عادته في الغياب .. تعمد ان ياتي قبل مواعيد نوم السرة التي كانت تختبئ خلف ثوبها ما ان تراه وتحرص على تغطية اجزاء جسدها كانه غريب عنها ... حاول ان يتجاذب معها اطراف الحديث الذي سرعان ما يتحول الى جمل متباعدة ومبتورة .. لم يكن هناك شئ مشترك يجمعهما .. على عكس امونة التي لم يمل يوما حديثها .. وكانت نقاشاتهما تنتهي لتبدا مرة اخرى .. وكانت لحظات الصمت نادرة بينهما ولا تحدث الا عندما تغلبه مشاعره اثر لمسة عفوية او متعمدة بينهما ....
    في نهاية الشهر كان قد حزم امره على ضرورة تقبل حياته كما هي بعد ان اصبحت امونة حلماً بعيد المنال .. قرر ان ينقل علاقته بالسرة من الورق الى الواقع ... لم يكن يستطيع ان يفعلها وهو واع لذلك عمد الى تخدير حواسه حتى ينسى من هي ويتذكر فقط انها امراة ... وانها زوجته ..
    كانت المرة الاولى التي يتذوق فيها طعم الخمر منذ انهياره الشهير على عتبة باب بائعة الخمور في القرية .. احتسى الخمر بشراهة كبيرة حتى احس بان عقله قد غادر جسده مصطحباً معه كل الاحاسيس المتصارعة .. بخطوات مترنحة غادر غرفته واتجه الى غرفتها .. فتح الباب الموارب بهدؤ مصطنع ليقع نظره مباشرة على صدر السرة العاري الملتصق بفم ابراهيم .. لقد اتى وهو مصمما على نسيان كل شئ عدا انها امراة وانها زوجته .. لكن رؤيتها وهي ترضع صغيرها اعادت اليه جزء من احساسه الاول .. تجاهله بعناد وتقدم ببطء يشي بنواياه .. واكدت السرة فهمها بنظرات حزينة .. ودللت على قبولها بحمل صغيرها النائم ووضعه في سريره الملاصق لها ثم جلست تنتظره باستسلام ..
    كانت قد اكتسبت مزيدا من الوزن منذ حضورهما من القرية وبدا تكدس الشحم في ردفيها وخلفيتها واضحا خلف قميصها بقماشه الناعم الملتصق بثنيات جسدها محددا معالمه بوضوح .. اصبح وجهها اكثر استدارة وشلوخها اكثر عمقاً .. كانت قد خاصمت الطيب منذ وفاة شقيقه .. الا انها ما زالت جميلة ... لم تعتري حامد اية رغبة في الحصول عليها برغم كمية الخمر التي احتساها ومظهرها المستسلم المغري .. وظل واقفا يتاملها وهو يحفز تفكيره وخياله بانها امراة .. وانها زوجته .. ويحاول ان يقنع حواسه بانه رجل يتوق للقاء امراة تفض بكارته .. دفعه تفكيره خطوة الى الامام .. اقترب منها حتى اصبح امامها مباشرة واحس بالحرارة التي تنبعث من جسدها وصوت انفاسها المرتبكة التي فقدت انتظامها ... كان يهم بوضع يده على صدرها المتحرر من كل القيود عندما احس بحركة خفيفة على السرير خلفها ... رفع راسه بغيظ لان هناك شيئا يحاول مقاطعته بعد ان استجمع شجاعته وخطا الخطوة الاولى .. اصابه المنظر الذي يواجهه بذعر هائل جعله يتراجع خلفا بسرعة اسقطته على الارض تلاحقه نظرات السرة المندهشة بعد ان التفتت لترى سبب تصرفه فلم تجد غير الفراغ ... حاول حامد النهوض فاحس بساقيه كالهلام وهي تلتوي تحته .. كانت علامات الفزع تتزايد في ملامحه وهو ينظر الى نقطة محددة خلف السرة التي نهضت وتقدمت نحوه تحاول مساعدته على النهوض .. حجب جسدها ما وراءه فاستعاد قدرته على الحركة ..رفض يدها الممدودة لمساعدته ونهض بضعف .. هرول خارجاً لا يلوى على شئ تاركاً زوجته غارقة في بحر من الذل والحيرة ..
    استيقظ صباحاً بصداع فتاك ورغبة في التقيؤ .. كانت ذكرياته عن ليلة امس مهزوزة .. تحامل على نفسه ودخل الحمام .. افرغ كل ما في جوفه ثم ترك الماء البارد يندفع الى راسه ليزيل بقايا الخمر .. فجاة عاودته ذكرى الرؤية التي افزعته الليلة الماضية فاعتراه حزن قاس جعله يجهش بالبكاء .. ظل واقفاً تحت سيل الماء فترة طويلة حتى انحسرت موجة البكاء ...خرج من غرفته متلهفاً لمغادرة المنزل فتعثرت قدماه بجسد ابراهيم الصغير الذي اصبح يتجول حبواً في مكان .. رفعه من الارض وحمله بتمنّع وهو يتامل ملامحه الجذلة وخيط اللعاب الذي يسيل من فمه بلا انقطاع و يبلل الصدرية الصغيرة الملتفة حول عنقه .. بادله الصغير نظرة تشع براءة ودهشة .. وضعه في حجر السرة متفاديا النظر الى عينيها الحائرتين تمتم بكلمات مبهمة ثم ولى الادبار خارجاً .. لم يعد باستطاعته مواجهتها بعد ما حدث الليلة الماضية..
    مرت ثلاثة اشهر اخرى قبل ان ياتيه صوت والده عبر الهاتف حادا وصارما وهو يطلب منه الحضور الى القرية على وجه السرعة مصطحبا السرة وابراهيم .. لم يواجه صعوبة في تخمين سبب الاستدعاء العاجل .. لابد ان خبر هجرانه لزوجته قد وصل الى مسامع ابيه بعد ان فشلت محاولات امه المستميتة في ابقاء الامر طي الكتمان ..
    قاد سيارته بذهن شارد .. لم يكن متخوفا من لقاء ابيه بقدر ما اصابه الوهن العاطفي من احتمال لقاء امونة .. كان يظن بانه قد تجاوز حزنه على فقدانها واصبح اكثر قوة وصلابة واكثر قدرة على رؤيتها لكن عودته القسرية كشفت الغطاء الوهمي الذي غلف به مشاعره .. وتدفقت ذكراها بداخله كالشلال واكتشف حامد ان التسعة اشهر الماضية لم تمكنه من النسيان .. بل عمقت اصغر التفاصيل وجعلتها اكبر حجما واكثر وضوحاً .. كان يستفيق من شروده على صوت السرة الخائف عندما تنبهه بانحراف السيارة او اقترابه من حافة الطريق ... عندما وصلا الى القرية كانت تسبح في بحر من الضؤ وشمس منتصف النهار تصلي كل الزوايا بوهج حار .. احس بغربة تغمره وهو يتامل الشوارع والبيوت .. كانه لم يعش فيها يوماً ... بالنسبة اليه .. القرية كانت امونة .. وعندما ضاعت امونة اصبحت مجرد مكان غريب موحش ...
    كان الاستقبال حافلاً .. نحرت الذبائح وظل المنزل غاصاً بالضيوف حتى وقت متاخر من الليل .. بعد تفرق الحشود وجد حامد نفسه وحيدا في مواجهة ابيه ..جلسا بصمت متحفز وكل يطالع الآخر بنظرات متحدية .. اخيراً رفع العمدة صوته وساله ما كان يتوقعه ...

    - حامد .. الكلام السمعتو دة صحي ؟؟

    رد حامد بلامبالاة متعمدة ..

    - ياتو كلام يا حاج ؟؟ ...

    - يا ولد ما تعمل لي فيها رايح وما فاهم انا بسالك من شنو ...

    تخلى حامد عن لامبالاته ورد باقتضاب وتحدي ..

    - ايوة صح ...

    ضرب العمدة الارض بعصاته واشتعلت ملامحه غضباً ...

    - يا ولد انت ماك راجل ؟؟ كيف يعني مرتك تقعد معاك تسعة شهور بدون ما تلمسها ؟؟!! انت عاوز تفضحنا ؟؟ الناس تقول علينا شنو لو عرفت ....

    قاطعه حامد بانفعال ...

    - الناس .. الناس .. الناس .. كل حاجة تقول لي الناس .. جبرتني اخلي الانسانة الطول عمري بحبها عشان كلام الناس .. جبرتني اعرس السرة عشان كلام الناس .. هسة عاوز تتدخل في ادق خصوصياتي وبرضو بحجة كلام الناس ؟؟ اقول ليك كلام يا ابوي ؟؟ لو الناس سالوك ليه ولدك ما رقد مع مرتو لغاية هسة .. قول ليهم عشان هو ما راجل .. ما قدر .. حاول وما قدر ...

    هب العمدة واقفاً وسدد صفعة قوية تجاه حامد الذي تراجع خلفاً وتفاداها ليتلقاها الفراغ .. تصاعد غضب حامد من محاولة ابيه ضربه وارتفع صوته بلهجة حاقدة مريرة ...

    - شنو يا عمدة ؟؟ انت قايلني لسة ولد صغير تضربه عشان يسمع كلامك ؟؟!! ... خلاص انا كبرت على سمعان الكلام بالضرب .. ويكون في علمك .. لا انت ولا غيرك حتجبروني ارقد مع السرة .. لو عاجبكم كدة يمشي الحال .. ولو ما عاجبكم اهي عندكم امسكوها وبكرة تجيكم ورقتها ..
    تهاوى العمدة على كرسيه مذهولاً من اسلوب ولده وبراكين الغضب المتفجرة من صوته وعينيه .. فهو لم يكن يتوقع ان ياتي يوم ويخاطبه احد اولاده بهذا التحدي السافر ... خرج حامد من الديوان ليجد بله واقفا خلف الباب وقد تجمد من الخوف والدهشة .. تخطاه وخرج مسرعاً ... قاد سيارته الى بقعته المفضلة امام النيل .. جلس ارضا واتكا بظهره على هيكل السيارة الحار .. تامل المياه الجارية بصوت ناعم وقد انعكس عليها ضوء القمر المكتمل فبدت وكان حبيبات من الفضة نثرت فوقها .. كان صوت انسياب المياه يتغلغل داخله ويهدئ روعه .. لطالما كان للنيل تاثير قوي عليه .. لطالما كان صديقه الحميم الذي يبثه شكواه ويرمي في جوفه همومه وحزنه ولوعته ... لم يخذله يوماً .. ولم يضق به يوماً...
    عندما عاد اخيرا قرابة منتصف الليل وجد المنزل غارقا في السكون .. توجه الى غرفة الضيوف متفادياً المرور بغرفة ابيه او الغرفة التي خصصت له مع السرة ... دخلها وهو يحس بتعب يستوطنه روحا وجسدا ً .. فوجئ بوجود شبح يجلس ساكناً في الظلمة .. فاضاء النور ليجد والدته النائمة في جلوسها واضعة يدها على خدها .. احس نحوها بالشفقة وبرغبة قوية للارتماء في احضانها .. دخل بهدوء ففتحت عيناها على الفور .. هاله كم الحزن المرتسم على ملامحها الطيبة ... جلس بجانبها مطرقا .. وخاطبها همساً ....

    - امي .. انتي الوحيدة البيهمني تعرف اني حاولت ... والله العظيم يا امي حاولت زي ما وعدتك ... لكن ما قدرت ... برغم اني اليوم داك شربت لمن عروقي بقت ملانة خمرة بدل الدم .. ضغطت على روحي واقنعتها انو السرة دي مرتي وانو الليلة لازم ادخل عليها ... وفعلا مشيت اوضتها وكنت خلاص حانهي الموضوع .. عارفة المنعني شنو ؟؟ منعني ابراهيم اخوي ..

    تابع حامد كلامه دون ان يهتم لشهقة الهلع التي صدرت عن امه ...

    - تعرفي يا امي لمن قربت شديد من السرة .. حسيت بحركة في طرف السرير التاني .. رفعت راسي اشوف شنو البيحرك السرير لقيت ابراهيم قاعد يعاين لي ووشه ملان زعل .. بحلف ليك يا امي اني شفت ابراهيم وعرفت من تعابير وشو انو ما راضي عن الشئ دة .. ومن اليوم داك ما فكرت تاني اقرب من السرة .. ما عارف يمكن يكون الشئ الشفتو مجرد خيال زول سكران .. او انعكاس لرفضي انا للموضوع دة .. لكن خلاص الدخل جواي دخل وما اظن يطلع تاني ... يا امي انا عارف اني ظالم السرة معاي .. لكن ما بيدي ... ما قادر .. ما عندي أي احساس ناحيتها .. اعمل شنو .. انتي قولي لي اعمل شنو ؟؟ ..
    اتي الرد من العمدة الذي انتصب بجسده المهيب وسد باب الغرفة ...
    - اعمل أي حاجة يا حامد بس ما تفضحنا ... احنا ما عندنا حاجة اسمها طلاق .. دي بت عمك .. لحمك ودمك وعرضك .. ودة ولد اخوك المات .. يعني ولدك ..

    رقت لهجة العمدة وبدت اقرب للضراعة منها للامر ...

    - حامد يا ولدي انت راجل وسيد الرجال ... والسرة مرا تمام وست النسوان ... انت بس خت الرحمن في قلبك واطرد منو الاوهام ... ابراهيم الله يرحمو مستحيل يكون زعلان منك لانك صنت مرتو وبتربي ولدو ... منو حيكون امين عليهم اكتر منك ؟؟ منو حيحافظ عليهم اكتر منك ؟؟ ... حامد يا ولدي لازم تدخل على مرتك ... الكلام دة اعوج منك .. وحرام عليك .. حسابك عند رب العالمين حيكون كبير على الانت بتسويهو دة .. انت بس خت الفكرة في راسك ومع مرور الايام حتلقاها بقت مقبولة .. المرة الاولى حتكون صعبة .. اعمل أي شئ عشان تمش وتفوتها .. المهم المرة الاولى تعدي وبعد داك ببقى الموضوع طبيعي ..

    قضى عدة ايام في القرية هائماً في الطرقات ممنياً نفسه بلقاء صدقة يرى فيه امونة .. لم يجرؤ على الذهاب الى بيت خالته لالقاء التحية .. لم يكن يثق بنفسه ورد فعله لو رآها .. في النهاية قرر ان يجنب نفسه ويجنبها عذاب اللقاء ..لكنه كان يدعو في سره ان يرى طيفها او لمحة منها في احد الدروب .. عندما اصابه الياس وشعر بغربته تتعمق .. قرر ان اوان الرحيل قد حان ...
    كان يجلس متململاً خلف المقود في انتظار خروج السرة وصغيرها .. وعندما فتح الباب بجانبه اخترقت خياشيمه روائح الدخان والصندلية .. التفت بدهشة ليكتشف ان السرة قد تحولت الى امراة اخرى غير تلك المخلوقة الباهتة التي اعتاد عليها طيلة الاشهر الماضية .. اختفى البياض الذي استوطن شعرها وبات لونه كجناح الغراب لامعاً وتفوح منه رائحة دهن ( الكركار ) .. اصبح وجهها لامعاً واذدادت عيناها اتساعا بفضل الكحل الاسود الذي سال تحت جفونها مضفيا على ملامحها غموضا آسراً .. بدت شلوخها اكثر عمقاً بينما توردت شفتاها واصبح لون الوشم ملفتاً ومغرياً ... عندما ادخلت ساقها بحرص ارتفع طرف ثوبها ليكشف عن جسد صبغ باللون البرتقالي الذي تضارب مع نقوش سوداء ارتفعت حتى منتصف الساق ... استقرت بجانبه وهي تحاول ايجاد وضع مريح لها ولصغيرها النائم في حضنها وارتفع رنين الحلى الذهبية في يديها الممتلئتين ... تفادت النظر اليه وهي تعي نظراته المندهشة من التبدل الذي حصل لهيئتها ... لقد ذكرته بايام زواجها الاولى لشقيقه كان مدركا لسر التحول واسبابه ... انهم يدفعونه لتقبل واقع زواجه .. يدفعونه ليغير موقفه ومشاعره تجاه السرة .. تنهد بتعب ورفع يده ملوحاً لمودعيهم وقد تعمق احساسه بالغربة ... والرفض ...
    مر شهر منذ رجوعهما من القرية ظلت فيه السرة مواظبة على حرق جسدها بحطب الشاف والطلح يوميا .. تغيرت رائحة المنزل واصبح مغمورا بعبق بخور الصندل والدلكة والمحلبية والحنة ... وتغيرت معها ايضا نوعية ملابس السرة .. اختفت القمصان القطنية الواسعة والثياب الخشنة .. واصبح جسدها يتمايل مع همس الحرير والشيفون ... باتت تنتظره بالوجبات مهما طال غيابه مما جعله يشعر بالذنب ويعجل مواعيد عودته حتى لا يحمل نفسه وزر تركها جائعة ...
    حاول كثيرا ان يجبر نفسه على دخول غرفتها ليلا مدركا بانها ستكون بانتظاره .. الباب الموارب والاضاءة الخافتة كانت اشارات واضحة ... كان يقطع نصف المسافة بين غرفتيهما ... ثم تداهمه ذكرى ابراهيم الجالس خلفها بوجه عابس .. فيتراجع .. ومع تكرار تراجعه تراجع ايضا اهتمام السرة بنفسها .. انحسرت الروائح المغرية واختفت القمصان الحريرية وعادت تكسو جسدها بثيابها الخشنة .. واظبت على انتظاره في مواعيد الوجبات .. لكن بنظرات كسيرة وملامح جامدة ...
    لم يندهش هذه المرة عندما عاد ليلاً ليجد امه وزوجة عمه وشقيقه في المنزل .. كان يتوقع هذه الزيارة عاجلاً ام آجلاً ... اعتصمت السرة مع والدتها في غرفتها بينما جلس هو مع امه وشقيقه في غرفة الضيوف .. كانت المرة الاولى التي يبادر فيها بله بالحديث .. لحظتها فقط ادرك حامد بانه قد تجاوز كل الحدود .. وبان صبر الجميع قد فرغ بما فيهم شقيقه الصامت دوماً ...

    - حامد يا اخوي .. هلاّ هلاّ على الجد .. والجد هلاّ هلاّ عليهو ... الوضع الانت عايش فيهو دة وضع ما طبيعي وغلط وحرام ... وتصرفاتك مخليانا داخليين في اضافرينا .. والبتسوي في بت عمك دة ما مرضي أي زول ... كلنا مدينا ليك حبل الصبر تقديرا لحالتك والظروف التم فيها العرس لكن يا حامد عشرة شهور ؟؟!! ...قريب السنة وانت هاجر المرة ؟؟ دة لا يرضي الله ولا رسوله .. ياخي السرة زاتها ما كانت عاوزة العرس دة لكن لمن لقت روحها قدام الامر الواقع بدت تتاقلم وعاوزة تعيش حياة طبيعية معاك ... حرام عليك يا حامد .. كسرت خاطرها وحسستها انها عبء تقيل على قلبك لمن جبرتها ترسل لامها وتقول عاوزة تتطلق ..

    اهتز حامد عند سماع الكلمة الاخيرة ورددها بدهشة ..

    - عاوزة تتطلق ؟؟!! .. السرة قالت عاوزة تتطلق ؟؟!! ...

    - ايوة يا حامد السرة قالت عاوزة تتطلق لانها عاوزة تحفظ كرامتها الانت بتدوسها ليها كل يوم .. انت قايلها شنو ؟؟ حجر ؟؟ ما عندها احساس ؟؟ تعرف لو أي واحدة تانية غيرها كانت طلبت الطلاق من اول شهر .. لكن لانها بت ناس ومتربية سترت عليك وابت تشتكي الا بعد ما خلاص فاض بيها .. انا بس عاوز اعرف يا حامد انت عاوز شنو ؟؟!! حتعيش كدة لمتين ؟؟ انت خلاص ما بقيت صغير .. عمرك وصل تستعتاشر سنة .. كدة ورينا محتاج كم سنة تاني عشان تنسى الفات وتبدا تقبل حياتك ؟؟ ولا خلاص نبدا نناقش تفاصيل طلاقك من بت عمك ونشوف راجل تاني يربي ولد اخوك والله والله والله والحلف بالله ما خلى شئ .. انا لولا معرس اختها .. كنت عرست السرة وانا شاكر ربي على النعمة الاداني ليها ..

    كانت الكلمات تنهال على حامد كطعنات السكين التي لا يملك دفعها .. احس بدموع العجز تملا عينيه وتسيل على خديه .. سكت بله مبهوتاً من دموع شقيقه الاصغر .. وهمسه الموجوع ..

    - بله انا حاولت ... حاولت وما قدرت .. كل يوم في الشهر الفات دة بقعد في اوضتي واقول الليلة بمشي ليها .. اتحفز واعبي نفسي .. لكن اول ما اوصل نص المسافة بين الاوضتين بلقى كل حاجة جواي ماتت .. طوالي برجع لانو احسن مليون مرة اني ما ادخل خالص مما ادخل وانا بالحالة البكون عليها ..
    ارتفع نحيب الام على ولدها وخرجت كلمتها متقطعة ..

    - يبقى كلام مرت عمك صح .. انت معمول ليك عمل ... امونة وامها ربطوك عشان ما تدخل على السرة .. انا بالاول ابيت اصدق الكلام دة لمن جاتني وقالتوا لي وقلت مستحيل اختي تعمل كدة .. مستحيل تاذيك لانها بتحبك زي ولدها .. وهي عارفة انك ما خليت امونة الا غصبا عنك .. لكن هسة بعد الكلام القلتو دة انا بقيت متاكدة انهم ربطوك ..

    هز حامد راسه بعنف رافضاً الفكرة ..

    - امي ربط شنو ؟؟ دة كلام فاضي وخزعبلات ساكت ..

    - لا ما كلام فاضي .. السحر مذكور في القرآن .. انا بكرة بدري راجعة البلد ومن دربي عديل لشيخ العبيد احكي ليهو الحصل واخلي يشوف ليك علاج .. وياريت لو انت زاتك تجي معاي عشان يشوفك ..

    - امي انا امتحاناتي على الابواب وما عندي وقت للكلام الفارغ دة ...

    غابت الام اسبوع وعادت بعده محملة باشياء شتى .. كانت تشرف بنفسها على خطوات العلاج كما اسمتها .. تطلق البخور في كل وقت تراه .. وتجبره على شرب سوائل كريهة المذاق .. لم يكن مقتنعاً بما يفعل وكان بداخله رفض قوي لكل ما يحدث لكنه خضع لضغوط امه ارضاء لها ولنظرة الترقب في عيني السرة الملئتين بالامل .. كان موقناً بان المشكلة تكمن بداخله هو وليس لاي مخلوق آخر يد فيها .. عدم رغبته بزوجته سببها حبه لامونة التي كان عقله الباطن يرفض وجود أي امراة اخرى في حياته غيرها .. العهد الذي قطعه لها بان تكون اول امراة تمتلك جسده كما امتلكت روحه وقلبه وعقله .. لم يكن يرغب بخيانتها مع اخرى حتى لو كانت زوجته ..
    بانتهاء العلاج المزعوم وقبيل مغادرتها الى القرية انفردت به امه وسكبت في اذنه جملة من النصائح ختمتها بواحدة افزعته ..

    - حامد يا ولدي انا حاسة بيك وعارفة الجواك .. لكن الشئ دة ما منو مفر ولازم تعملو السرة دي لحمك ودمك .. واجبك تحافظ عليها زي ما حافظت عليك الفترة الفاتت دي كلها ولو بقى صعب عليك تمشي ليها عشان هي السرة وكانت مرة ابراهيم اخوك (الله يرحمه) .. امشي ليها واتخيل انها امونة ...
    هب واقفا ونظر اليها بعدم تصديق .. حاول ان يغادر الغرفة لكنها سدت الدرب بجسدها وامسكت بذراعه ...

    - اتخلعت من كلامي ؟؟ مالو ما فيها حاجة لمن تتخيل انها المرة البتحبها وبتتمنى تكون معاها .. انت ما حتكون اول ولا آخر زول يعمل كدة ... دة ممكن يسهل عليك وعلى السرة حاجات كتيرة .. اقلها ما حيكون خيال المرحوم بينكم .. وصدقني يا حامد بس المرة الاولى الحتكون صعبة عليك .. لكن بعد كدة كل شئ حيبقى طبيعي وعادي ..

    بعد مغادرة امه بيومين فكر ان يطبق نصيحتها .. اطلق لخياله العنان مع طيف حبيبته الغائبة حتى اصبح مشحوناً بطاقة لم يظن انه يملكها .. وفي تلك الليلة اصبحت السرة زوجة فعلية لحامد الذي امتلكها بعنفوان رجل محروم يمتزج للمرة الاولى مع امراة يعشقها ... في غمرة الانفعال الاول لم ينتبه للكمات المتقطعة التي كانت تخرج منهما بصعوبة ...في لحظة انفجاره وعندما كان يهتف باسم امونة سمع السرة تردد اسم ابراهيم ... مع مرور الايام اصبح الامر أكثر سهولة .. خصوصا عندما يرافقه خيال حبيبته ويحتل مكان زوجته في السرير ...
    كان حامد مستلقياً بين النوم واليقظة .. اخرجته من غفوته صوت طرقات ملحة على الباب فافاق من عالم الاحلام والذكريات ورفع راسه المثقل بخدر النعاس ليسمع الطرقات تتوالى وتتقاطع مع صوت الاذان وصوت رجل ينادي من وراء الباب ..

    - حاج حامد ... قوم الاذان اذن .. هوي يا ود العمدة قوم الصلاة ما تفوتك ...

    نظر الى المنبه الصعير بجوار سريره ثم نهض وسارع بفتح الباب ليوقف سيل الطرقات .. واجه ميقظه بابتسامة عريضة ..

    - خلاص يا ود سعد صحيت .. افرشوا البروش انا بدخل الحمام سريع والحقكم ..

    أمّ حامد صفين من المصلين الذين تشابهت ملامحهم واختلفت اعمارهم .. ما ان انتهت الصلاة حتى امتلا المكان برائحة الشاي واللبن المقنن .. جلس عمار ارضا يعبئ الاكواب وتولى فتى صغير السن توزيعها مع الاطباق المليئة بالبسكويت والكعك ومربعات الفطير المرشوش بالسكر الناعم .. تعالت اصوات الرشفات وطقطقات الالسن استحسانا بطعم الشاي ...

    رفع ود سعد عقيرته منشدا مقاطع دوبيت بصوته الرخيم .. ارتسمت ابتسامات الرضا على الوجوه وبدا كل يجود بما لديه من شعر وغناء .. غمر حامد احساس بالسعادة والرضا كان قد غادره منذ وقت طويل ...عبر النوافذ العريضة تسللت هبات نسيم باردة تبشر بشتاء قاس ... كانت محملة برائحة رطوبة البحر والسمك والبن المحمص ... بدا ضوء الفجر الباهت يشق الظلمة الحالكة وظهر في الافق لون حائر بين البنفسجي والفيروزي .. ارتفعت زقزقة عشرات العصافير التي تسكن السور الشجري في آخر الساحة لتطغي على كل ما عداها وبدا ان حركتها قد استفزت الازهار المنتشرة .. ففاحت رائحة زهور الفل والياسمين وامتزجت مع عبق زهور شجر النيم والبرتقال ...
    شعت ابتسامة حامد وأضاءت وجهه الوسيم وارتفعت معها اصوات الدوبيت بين ود سعد وبقية الحضور كان صباحاً مثالياً لم يعشه منذ ما يقارب الثلاثة عشر عاماً ...


                  

العنوان الكاتب Date
إعـادة نشـــــر {حوش بنات ود العمدة} Maawya Hussein12-21-08, 03:47 PM
  Re: إعـادة نشـــــر {حوش بنات ود العمدة} Maawya Hussein12-21-08, 03:48 PM
    Re: إعـادة نشـــــر {حوش بنات ود العمدة} Maawya Hussein12-21-08, 03:49 PM
      Re: إعـادة نشـــــر {حوش بنات ود العمدة} Maawya Hussein12-21-08, 03:50 PM
        Re: إعـادة نشـــــر {حوش بنات ود العمدة} Maawya Hussein12-21-08, 03:51 PM
          Re: إعـادة نشـــــر {حوش بنات ود العمدة} Maawya Hussein12-21-08, 03:52 PM
            Re: إعـادة نشـــــر {حوش بنات ود العمدة} Maawya Hussein12-21-08, 03:53 PM
              Re: إعـادة نشـــــر {حوش بنات ود العمدة} Maawya Hussein12-21-08, 03:55 PM
                Re: إعـادة نشـــــر {حوش بنات ود العمدة} Maawya Hussein12-21-08, 03:56 PM
                  Re: إعـادة نشـــــر {حوش بنات ود العمدة} Maawya Hussein12-21-08, 03:57 PM
                    Re: إعـادة نشـــــر {حوش بنات ود العمدة} Maawya Hussein12-21-08, 04:00 PM
                      Re: إعـادة نشـــــر {حوش بنات ود العمدة} Maawya Hussein12-21-08, 04:01 PM
                        Re: إعـادة نشـــــر {حوش بنات ود العمدة} Maawya Hussein12-21-08, 04:03 PM
                          Re: إعـادة نشـــــر {حوش بنات ود العمدة} Maawya Hussein12-21-08, 04:04 PM
                            Re: إعـادة نشـــــر {حوش بنات ود العمدة} Maawya Hussein12-21-08, 04:05 PM
                              Re: إعـادة نشـــــر {حوش بنات ود العمدة} Maawya Hussein12-21-08, 04:29 PM
                                Re: إعـادة نشـــــر {حوش بنات ود العمدة} Maawya Hussein12-21-08, 04:30 PM
                                  Re: إعـادة نشـــــر {حوش بنات ود العمدة} Maawya Hussein12-21-08, 04:31 PM
                                    Re: إعـادة نشـــــر {حوش بنات ود العمدة} Maawya Hussein12-21-08, 04:32 PM
                                      Re: إعـادة نشـــــر {حوش بنات ود العمدة} Maawya Hussein12-21-08, 04:33 PM
                                        Re: إعـادة نشـــــر {حوش بنات ود العمدة} Maawya Hussein12-21-08, 04:34 PM
                                          Re: إعـادة نشـــــر {حوش بنات ود العمدة} Maawya Hussein12-21-08, 04:38 PM
              Re: إعـادة نشـــــر {حوش بنات ود العمدة} najma12-21-08, 03:59 PM
                Re: إعـادة نشـــــر {حوش بنات ود العمدة} Maawya Hussein12-22-08, 09:36 AM
                  Re: إعـادة نشـــــر {حوش بنات ود العمدة} nadus200012-22-08, 04:25 PM
                    Re: إعـادة نشـــــر {حوش بنات ود العمدة} Maawya Hussein12-23-08, 08:40 AM
  Re: إعـادة نشـــــر {حوش بنات ود العمدة} محمد عبد الماجد الصايم12-23-08, 08:07 PM
    Re: إعـادة نشـــــر {حوش بنات ود العمدة} Maawya Hussein12-24-08, 08:17 AM
  Re: إعـادة نشـــــر {حوش بنات ود العمدة} Maawya Hussein12-31-08, 04:21 PM
  Re: إعـادة نشـــــر {حوش بنات ود العمدة} Maawya Hussein01-14-09, 12:13 PM


[رد على الموضوع] صفحة 1 „‰ 1:   <<  1  >>




احدث عناوين سودانيز اون لاين الان
اراء حرة و مقالات
Latest Posts in English Forum
Articles and Views
اخر المواضيع فى المنبر العام
News and Press Releases
اخبار و بيانات



فيس بوك تويتر انستقرام يوتيوب بنتيريست
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة
About Us
Contact Us
About Sudanese Online
اخبار و بيانات
اراء حرة و مقالات
صور سودانيزاونلاين
فيديوهات سودانيزاونلاين
ويكيبيديا سودانيز اون لاين
منتديات سودانيزاونلاين
News and Press Releases
Articles and Views
SudaneseOnline Images
Sudanese Online Videos
Sudanese Online Wikipedia
Sudanese Online Forums
If you're looking to submit News,Video,a Press Release or or Article please feel free to send it to [email protected]

© 2014 SudaneseOnline.com

Software Version 1.3.0 © 2N-com.de