أصيلة والطيب صالح... حكاية عشق أبدي

مرحبا Guest
اخر زيارك لك: 04-24-2024, 03:13 AM الصفحة الرئيسية

منتديات سودانيزاونلاين    مكتبة الفساد    ابحث    اخبار و بيانات    مواضيع توثيقية    منبر الشعبية    اراء حرة و مقالات    مدخل أرشيف اراء حرة و مقالات   
News and Press Releases    اتصل بنا    Articles and Views    English Forum    ناس الزقازيق   
مكتبة الراحل المقيم الطيب صالح
نسخة قابلة للطباعة من الموضوع   ارسل الموضوع لصديق   اقرا المشاركات فى صورة مستقيمة « | »
اقرا احدث مداخلة فى هذا الموضوع »
08-13-2009, 11:32 AM

طارق جبريل
<aطارق جبريل
تاريخ التسجيل: 10-11-2005
مجموع المشاركات: 22555

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: أصيلة والطيب صالح... حكاية عشق أبدي (Re: طارق جبريل)

    Quote:



    الطيب صالح الذي أعرفه
    طلحة جبريل


    كنت احتاج الى الكثير من الوقت ، حتى تتوارى صورة بقيت في ذاكرتي منذ ذلك الصباح في فبراير(شباط) الماضي. صورة رجل ملفوف بعلم وطنه يصلي عليه الناس في الصباح الباكر في مدينة امدرمان السودانية. كانت رحلة زاخرة تلك التي بدأت في نهار قائظ من صيف بعيد في قرية صغيرة عند منحنى النيل في شمال السودان، وانتهت ذات صباح في "مقابر البكري" في امدرمان. رحلة كاتب عظيم وشخص نبيل جعلنا جميعاً نحن أهل السودان نقول بفخر واعتزاز " نحن من بلد الطيب صالح". هل سمعتم بشعب ينسب نفسه الى كاتب وروائي.
    في هذه اللحظة تتزاحم الصور في ذهني ، صور سنوات تراكمت تجر بعضها بعضاً، وفي كل مكان أو زمان هناك حكاية أو بعض حكايات.
    أقول صادقاً مازلت غير قادر على أن أضع فاصلاً بين ما حدث في حوالي التاسعة من ليل الثلاثاء 17 فبراير في احدى غرف مستشفى برمبتون في لندن، وبين الصور التي راحت تغطي بعضها بعضاً في مخيلتي على مدار الدقيقة إن لم أقل الثانية،غطت الصور على الصور ولم يبق لي سوى اجترار الأسى والحزن.
    وخلال الفترة الفاصلة بين كتابة هذه الورقة وما حدث في إحدى غرف مستشفى برمبتون تعرضت لمعاناة شخصية غير مسبوقة. إذ كان علي أن أتحدث لوسائل اعلام عديدة، وفي كل مرة أجد أن دمعة تقفز الى المآقي اتمنى أن آغلبها لكنها سرعان ما تغلبني.
     
    الناس يتحدثون عن "الطيب صالح" الرمز والكاتب والأديب والمبدع والمفكر وعبقري الرواية وصاحب واحد من بين أهم مائة عمل في تاريخ الانسانية، والمواطن الذي رفع اسم وطنه عالياً، والسياسي الذي كان ضد الأنظمة الشمولية، لكنني كنت اتحدث عن الطيب صالح الصديق العزيز، الرجل الذي ظل يعطف علي عطفاً خاصاً، الرجل الذي كانت تهمه جميع تفاصيل حياتي، وكانت آخر وصاياه" لا تبقى في اميركا طويلاً عليك أن تعود ، لا تكرر تجارب الآخرين". 
    عندما سمعت الخبر للوهلة الاولى صعقت، وكان بفارق التوقيت بين واشنطن ولندن حالة غروب في العاصمة الاميركية وليل في بريطانيا. قال الصوت من الضفة الاخرى من الاطلسي بنبرات متهدجة ومتعبة " ...توفي قبل قليل". أصبت بالوجوم. لم انطق ولو بكلمة واحدة. بقيت ساهماً لفترة طويلة، غامت عيناي بدموع غلبتني. غرقت في حزن تدافعت امواجه واحدة تلو الاخرى. ثم تحولت تداعياته في كل ساعة بل كل دقيقة إلى سيل متدافع متسارع من الاحزان تتزايد حركتها وتتعالى منذرة بليالي عامرة بالأرق.
    لا أدري لماذا قفز من بين كل المشاهد مشهد محدد.
     ذلك النهار اتصل بي الطيب صالح في لندن، قال سننتظرك انا ومحمد الحسن أحمد ، التحق بنا لنذهب جميعاً الى السفير السابق سيداحمد الحردلو الذي كان طريح الفراش ، بقينا فترة مع الحردلو في المستشفى، ثم خرجنا نتمشى الطيب ومحمد الحسن وانا ، في ذلك اليوم راح يزودني بنصائح كثيرة ،إذ كنت استعد بعد يومين للسفر الى واشنطن لموقع عمل جديد، وحين لاحظت ان تلك النصائح استثنائية وملفتة وبلا حصر قلت له " يا شيخ الطيب (وكنت هكذا اخاطبه) كأننا لن نلتقي بعد اليوم" رد قائلاً بضحكته المميزة ونبرات صوته العميقة وأسلوبه المتمهل في الحديث " يا شقي الحال (وهكذا اعتاد مخاطبتي) العمر لم تعد فيه بقية" وفي إشارة ملفتة عبر عن رغبة غامضة أن يجد له قبراً في بلد شاسع واسع. لم يكن الطيب يملك متراً مربعاً في البلد الذي اعتاد ان يطلق عليه " الوطن الحبيب اللعين" عاد الي هذا الوطن داخل نعش وهو لا يملك سوى جواز سفره.

    ذهبت الى ذلك الكلام أستعيده واحاول استرجاع ما قاله. وكانت تلك آخر مرة التقي فيها الطيب صالح وجهاً لوجه. أعتدت بعد ذلك ان اتحدث معه هاتفياً، لكن كان مرضه يشتد  لذلك اقتصرت مكالماتنا في ايامه الاخيرة على التحية والسلام، كنت افضل الاتصال بزوجته "جولي" لاعرف تفاصيل حالته الصحية ، أو بالصديق محمود عثمان صالح الذي ظل الى جانب الطيب صالح ورافقه في السنوات الاخيرة حتى خلال زياراته خارج بريطانيا. اتسم موقف محمود، بالمروءة والشهامة، بقى الى جانب الطيب حتى فاضت روحه ورافق جثمانه الى الوطن. قال لي الطيب في آخر مكالمة هاتفية "هل انت بخير" صمت. وكانت تلك آخر مرة اسمع فيها صوته.
    لم يتحدث معي الطيب صالح عن الموت الا مرة واحدة.
     عندما أكملت كتابي" على الدرب مع الطيب صالح ..ملامح من سيرة ذاتية" عام 1997، عرضت عليه نسخة الكتاب قبل إرسالها الى صحيفة " الحياة" وكنت وقتها عاطلاً عن العمل. ذهبت اليه في لندن ،ومعي نسخة الكتاب كما كتبتها ،وبعد ثلاثة ايام التقينا، وكان ان قرر حذف مقاطع من الكتاب وفي ظنه انها قد تحرج بعض الناس، ثم قال لي مازحاً " كيف جعلتني اقول كل هذه المصائب" وفاجأني قائلاً "على اية حال هذا هو المخطوط لكن اقترح عليك نشره بعد ان اتوكل على الله وأمضي الى حال سبيلي، وإذا وجد الناس في ما أكتبه وكتبته ما يستحق هذا كاف" كان ردي أن الاعمار بيد الله ولا أعرف من منا سيسبق الآخر. لم يقتنع. لكن عندما قلت له إنني التزمت مع صحيفة " الحياة" وهم سيدفعون مبلغاً معقولاً احتاجه لانني عاطل عن العمل أجاب بحسم " في هذه الحالة لا نقاش".
    كنت خلال الفترة الاخيرة اتجنب الحديث عن الطيب صالح حتى لا أقلب المواجع ، وبقى الحال كذلك الى أن جئت يوم افتتاح موسم أصيلة الحالي، المدينة التي أحبها الطيب صالح كثيراً كثيراً وقال وكتب عنها الكثير ، وظل يعتبر الاستاذ محمد بن عيسى من أعز أصدقائه ويحمل له في دواخله مودة وتقديراً استثنائياً.
    ولعل من مفارقات هذا الزمان أن يغادر سلام إبن أصيلة والذي كان الطيب صالح يكن له حباً خاصاً ربما لانه يحاكي بهلول عرس الزين ، هذه الدنيا قبل أسابيع من رحيل الطيب صالح. وكان الطيب أوصى محود عثمان صالح أن يتكرم على سلام بمبلغ من المال عندما يزور أصيلة وهو لا يدري أن سلام سبقه الى هناك.
    في ليلة افتتاح موسم أصيلة التقيت دنيا زوكروفسكو ، هذه السيدة الرومانية الرائعة التي تحمل وجهاً طفولياً وتضع ابتسامة دائمة وغير متطفلة على وجهها .المترجمة الفورية صديقة الجميع ، والتي قالت لي مرة في حوار منشور "تشرفت بالتعرف على الطيب صالح ، أنا مفتونة به ككاتب وكانسان وأعتقد أن هناك ما يربط بين الصفتين ، لايمكن أن نفصل بين الكاتب والانسان".
    التقيت هذه السيدة الفاضلة ، بعد انتهاء الجلسة الافتتاحية ، وتعانقنا طويلاً وبكينا سوياً على الرجل الذي قال "لم أرغب أن أكون كاتباً في يوم من الايام مثل ما لم تكن لدي رغبة في نشر ما كتبته. لم أحب مطلقاً أن يقال أنني كاتب" وقال أيضاً" لدي شعور، وهذه نقطة قد لايستوعبها كثيرون أن الشهرة توبخني لذا لا أحس باية متعة من وراء الشهرة، بعض الناس قد يعتقدون هذا من قبيل التواضع ، لكنه قطعاً ليس كذلك ، أشعر بالتوبيخ الداخلي إذ أني أدرك أن الشهرة جاءتني بسبب تنكري أصلاً لبيئتي ومحاولة إقامة جسور معها من خلال الكتابة".
     
    الآن ماذا أقول؟
    كان حظ الطيب صالح موفوراً مع الدنيا والناس، وفي مساره ورحلة عمره التقي كثيرين والتقاه كثيرون، ظل يعتقد دائماً ان جميع الناس، كل الناس، طيبين وخيرين تسهل معاشرتهم. كان يرى محاسن الناس لذلك احبه كل من تعرف عليه عن قرب. كل العالم العربي أحب الطيب صالح لانه بشر من طراز نادر.
    كان الطيب صالح من أعز أصدقائي...ورحيل صديق من أكبر الفواجع .
    حزيناً دامعاً أقولها.

                  

العنوان الكاتب Date
أصيلة والطيب صالح... حكاية عشق أبدي طارق جبريل08-13-09, 11:17 AM
  Re: أصيلة والطيب صالح... حكاية عشق أبدي طارق جبريل08-13-09, 11:29 AM
    Re: أصيلة والطيب صالح... حكاية عشق أبدي طارق جبريل08-13-09, 11:32 AM
      Re: أصيلة والطيب صالح... حكاية عشق أبدي طارق جبريل08-13-09, 12:15 PM
        Re: أصيلة والطيب صالح... حكاية عشق أبدي حيدر حسن ميرغني08-13-09, 12:31 PM
          Re: أصيلة والطيب صالح... حكاية عشق أبدي طارق جبريل08-13-09, 02:28 PM
            Re: أصيلة والطيب صالح... حكاية عشق أبدي طارق جبريل08-13-09, 02:30 PM
              Re: أصيلة والطيب صالح... حكاية عشق أبدي عبدالحليم حامد النعيم08-13-09, 04:04 PM
                Re: أصيلة والطيب صالح... حكاية عشق أبدي حيدر حسن ميرغني08-13-09, 04:27 PM
                  Re: أصيلة والطيب صالح... حكاية عشق أبدي زهير عثمان حمد08-13-09, 05:46 PM
                    Re: أصيلة والطيب صالح... حكاية عشق أبدي طارق جبريل08-13-09, 06:51 PM
                  Re: أصيلة والطيب صالح... حكاية عشق أبدي طارق جبريل08-13-09, 06:23 PM
                Re: أصيلة والطيب صالح... حكاية عشق أبدي طارق جبريل08-13-09, 06:20 PM
                  Re: أصيلة والطيب صالح... حكاية عشق أبدي طارق جبريل08-13-09, 06:52 PM
                    Re: أصيلة والطيب صالح... حكاية عشق أبدي عبد الحميد البرنس08-13-09, 08:53 PM
                      Re: أصيلة والطيب صالح... حكاية عشق أبدي مجدي عبدالرحيم فضل08-13-09, 09:29 PM
                        Re: أصيلة والطيب صالح... حكاية عشق أبدي هواري نمر08-14-09, 06:26 AM
                          Re: أصيلة والطيب صالح... حكاية عشق أبدي طارق جبريل08-14-09, 09:24 AM
                        Re: أصيلة والطيب صالح... حكاية عشق أبدي طارق جبريل08-14-09, 09:22 AM
                          Re: أصيلة والطيب صالح... حكاية عشق أبدي طارق جبريل08-14-09, 09:25 AM
                            Re: أصيلة والطيب صالح... حكاية عشق أبدي omer abdelsalam08-14-09, 09:48 AM
                              Re: أصيلة والطيب صالح... حكاية عشق أبدي Ibrahim Algrefwi08-14-09, 12:31 PM
                                Re: أصيلة والطيب صالح... حكاية عشق أبدي طارق جبريل08-14-09, 03:07 PM
                              Re: أصيلة والطيب صالح... حكاية عشق أبدي طارق جبريل08-14-09, 02:55 PM
                                Re: أصيلة والطيب صالح... حكاية عشق أبدي طارق جبريل08-14-09, 03:14 PM
                                  Re: أصيلة والطيب صالح... حكاية عشق أبدي طارق جبريل08-14-09, 03:17 PM
                                    Re: أصيلة والطيب صالح... حكاية عشق أبدي طارق جبريل08-14-09, 03:20 PM
                                      Re: أصيلة والطيب صالح... حكاية عشق أبدي نصار08-14-09, 04:05 PM
                                        Re: أصيلة والطيب صالح... حكاية عشق أبدي حيدر حسن ميرغني08-14-09, 04:16 PM
                                          Re: أصيلة والطيب صالح... حكاية عشق أبدي طارق جبريل08-14-09, 04:59 PM
                                        Re: أصيلة والطيب صالح... حكاية عشق أبدي طارق جبريل08-14-09, 04:58 PM
                                          Re: أصيلة والطيب صالح... حكاية عشق أبدي طارق جبريل08-14-09, 05:00 PM
                                            Re: أصيلة والطيب صالح... حكاية عشق أبدي طارق جبريل08-14-09, 05:02 PM
                                              Re: أصيلة والطيب صالح... حكاية عشق أبدي طارق جبريل08-14-09, 05:07 PM
                                                Re: أصيلة والطيب صالح... حكاية عشق أبدي طارق جبريل08-15-09, 08:44 AM


[رد على الموضوع] صفحة 1 „‰ 1:   <<  1  >>




احدث عناوين سودانيز اون لاين الان
اراء حرة و مقالات
Latest Posts in English Forum
Articles and Views
اخر المواضيع فى المنبر العام
News and Press Releases
اخبار و بيانات



فيس بوك تويتر انستقرام يوتيوب بنتيريست
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة
About Us
Contact Us
About Sudanese Online
اخبار و بيانات
اراء حرة و مقالات
صور سودانيزاونلاين
فيديوهات سودانيزاونلاين
ويكيبيديا سودانيز اون لاين
منتديات سودانيزاونلاين
News and Press Releases
Articles and Views
SudaneseOnline Images
Sudanese Online Videos
Sudanese Online Wikipedia
Sudanese Online Forums
If you're looking to submit News,Video,a Press Release or or Article please feel free to send it to [email protected]

© 2014 SudaneseOnline.com

Software Version 1.3.0 © 2N-com.de