بكائية من الرصيف الآخر ..

مرحبا Guest
اخر زيارك لك: 03-29-2024, 02:30 PM الصفحة الرئيسية

منتديات سودانيزاونلاين    مكتبة الفساد    ابحث    اخبار و بيانات    مواضيع توثيقية    منبر الشعبية    اراء حرة و مقالات    مدخل أرشيف اراء حرة و مقالات   
News and Press Releases    اتصل بنا    Articles and Views    English Forum    ناس الزقازيق   
مكتبة جلال داوؤد(ابو جهينة)
نسخة قابلة للطباعة من الموضوع   ارسل الموضوع لصديق   اقرا المشاركات فى صورة مستقيمة « | »
اقرا احدث مداخلة فى هذا الموضوع »
10-28-2004, 12:39 PM

ابو جهينة
<aابو جهينة
تاريخ التسجيل: 05-20-2003
مجموع المشاركات: 22457

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
بكائية من الرصيف الآخر ..

    الخرطوم .. بري اللاماب .. صيف عام 1989

    لأول مرة تجتمع كل الأسرة من كل أنحاء المعمورة لحضور زواج شقيقي الذي يصغرني .. الفرحة على وجوه الكل بالحدث السعيد و بهذا اللقاء الحميم ..
    أفراد من الأسرة لم ألتق بهم منذ سنوات طويلة .. و شباب و شابات لم أعرفهم لأنهم ولدوا و أنا بعيد في المنفى الإختياري ..

    شقيقتي الكبرى يبدو عليها الإرهاق واضحا .. نصحناها بالراحة لأنها كانت كأم العروس طوال أيام الزواج .. رقصتْ ليلتها كما لم ترقص من قبل .. لم تفارق الإبتسامة و الضحكة فمها .. تترك حلبة الرقص لتتأكد من أن واجب الضيافة على أكمل وجه ..

    إنتهتْ أيام الزواج .. و إنشغلت بأمور معلقة .. و عندما عدت يومها لمنزل الأسرة .. وجدت الجميع واجمين ..
    و شقيقتي ممدة بوجه شاحب و ممتقع ..
    نقلناها لمستشفى سوبا عندما كانت هذه المستشفى في أوج مجدها ..
    صدمتنا الحقيقة في مقتل .. فقد كان المرض اللعين هو الفشل الكلوي .. و كان وقتها مرضا غير منتشر كما أيامنا هذه ..
    إضطررت لقطع إجازتي و عدت للرياض .. و قمت بعمل الإجراءات اللازمة لنقلها للمستشفى العسكري .. و صارَحَنا الأطباء بضرورة نقل كلية لها و على جناح السرعة ..
    لم تكن أيامها عملية نقل كلية لمريض من شخص حى لآخر من الأمور المألوفة لدى الناس .. حتى أن البعض لم يكن يعرف أن الإنسان يمكنه أن يعيش حياته العادية بكلية واحدة ..
    إضطررنا لجلب كل أفراد الأسرة من الخرطوم للرياض لعمل الفحوصات اللازمة لمعرفة الشخص المناسب ليتبرع بكليته ..
    جاءت نتيجة الفحوصات بأن الوالد و شقيقتي الصغرى هما الأنسب لذلك من كل النواحي الطبية ..
    تم إستبعاد الوالد لكبر سنه ..
    و إنحصر أمل شفاء الشقيقة على تبرع الشقيقة الصغرى التي كانت يومئذ طالبة بحقوق الفرع ..
    و كما أسلفتُ فإن فكرة تبرع شخص بكليته لشخص آخر لم تكن في من الأمور المسلم بها عند كبار السن ، لذا لم تقتنع الوالدة و إعتبرتْ الموضوع و كأنه تضحية بالبنتين في وقت واحد .. و فشلت كل مساعينا بإقناعها و خاصة بعد أن أوعز إليها البعض بإمكانية شراء كلية في الهند أو مصر ...
    لم أستطع الصمود طويلا أمام توسلاتها و دموعها ..
    في لحظة صفاء .. حدثت الأمير سلمان بن عبدالعزيز ( أطال الله عمره و أمد في أيامه و متعه بالصحة ، و كنت وقتها المدرس الخاص لإبنه و إبنته الوحيدة ) حدثته بالأمر برمته ، و حدثته بفزع الوالدة من فكرة تبرع أختي ، و تشبثها بقشة شراء كلية بأي شكل من الأشكال ..
    لم يتوانى الرجل من إصدار أمره بسفرها للقاهرة ، و إستئجار شقة للأسرة مع سائق و سيارة تحت تصرفها ، و أوعز للقائم بالأعمال وقتها ( حيث كانت السفارة السعودية مغلقة في القاهرة بعد توقيع السادات إتفاقية السلام مع إسرائيل ) ..أوعز إليه بأن يعلن في الصحف المصرية عن إمكانية تبرع أو شراء كلية ..
    و قد كان .. تقاطر البائعون من كل أنحاء مصر ..
    وقع الإختيار على ( مصري نوبي ) .. شاب أنيق في منتصف العقد الثالث من عمره .. بشوش ضاحك الوجه ..
    سألته : لماذا تبيع كليتك ؟
    فقال بثقة : لسببين .. لكى أعالج أمي و أتزوج إن بقى من المبلغ شيئا .
    خطيبتي هي إبنة عمي و يتيمة و قام أبي و أمي بتربيتها .. خطوبتنا دامت ثلاث سنوات .. و الحال لا يعلم به إلا الله .. و شقتنا لا تكفي حتى لسكني أنا و إخوتي .. خليها على ربك يا إبن عمي ..
    ( و لاحت عند أطراف عينيه دمعة عصية لم يرغب في أن تنزلق في حضورنا ، فإنصرف سريعا ) ..

    أصابتني إجابته بجرح عميق في أعماقي .. و أحسست بمرارة في حلقي .. ( ملعون أبو الحاجة ) ..
    تم إستلام جواز سفره عند القائم بالأعمال السعودي كإجراء إحترازي .. و تم تسليمه نصف المبلغ بعد أن وقع على الإستلام بقلب ثابت و مطمئن .. إستلم مبلغ خمسة و عشرون ألف جنيه مصري و إنطلق و الفرحة لا تسعه ..
    دخلت شقيقتي المستشفى .. يحدونا أمل بأن تعود لصغارها و تستعيد صخب حبها للناس و مجاملاتها التي لا تنتهي ..
    تفاجأنا بأن قرر الأطباء إخراجها من المستشفي .. فسألت كبير المعالجين عن السبب .. فقال لي بلهجة لم تجعلني مطمأنا كثيرا :
    لقد لاحظنا أن الكليتين إستعادتا العمل بشكل مفاجيْ .. ستراجعنا بعد شهر و نرى بعدها إمكانية نقل الكلية إن لاحظنا أي خلل ..

    إجابته لم تقنعني .. و لكن فرحة شقيقتي و أمي طغتْ على هواجسي و وسواسي ..
    رجعت إلى الرياض .. ثم سافرت إلى جنيف ..
    ليلتها .. و أنا أقبع في فندق ( إنتركونتتنتال ) .. و معي السفير ( عبدالمجيد محمد حسن ،، رن جرس الهاتف .. لا أدري ما الذي جعلني أجفل و كأنني أتنبأ بسماع خبر غير سار ..
    لقد ماتت شقيقتنا ..
    هكذا أتانا صوت شقيقي من الرياض .. ينعيها و ينعي الأمل الذي لم يكن سوى بذرة في كومة تراب ..
    زوجة السفير عبدالمجيد قلبتْ الفندق إلى بيت بكاء سوداني .. لم أحفل بفرجة الناس علينا .. و لكن وجود زوجة السفير خفف عني الكثير .. أسمعها تبكي و أتخيل نفسي أقف وسط أسرتي أسمع ولولتهم و عويلهم .
    لقد كان الفشل الكلوي الذي أصابها من ألعن الأنواع .. يسميه الأطباء ( الذئبة الحمراء ) .. فحتى إن تمت نقل كلية فستصاب بنفس الجرثومة . لذا كان قرار الأطباء بأن يعطوها أملا تعيش عليه لحين إجراء العملية ..
    كانت رحلة مملة و طويلة من جنيف إلى روما ثم إلى أثينا .. ثم القاهرة ثم إلى الخرطوم .. أتفحص في كل مطار الوجوه و كأنني سأرى شقيقتي تكذب الخبر ...
    وصلت الخرطوم ليلا .. عانقتني أمي ببكاء مكتوم و بقية الأسرة في وجوم ما زالوا من أثر صدمة الموت المفاجيء .. و هي تتمتم : البركة فيك يا ولدي .. ماتت و هي بتقول أنا أتعبت أخوى شديد .. البركة فيك يا ولدي ..
    عندما عدت للرياض .. إتصل القائم بالأعمال بسمو الأمير و قال له : هل أستعيد المبلغ من المتبرع ؟
    فجاءه جواب الأمير حاسما : لا .. بل أكمل له بقية المبلغ و بلغه شكرنا الجزيل و إن أراد القدوم للملكة للعمل فلا مانع لدينا ..
    يحكي لي القائم بالأعمال بأن المتبرع عندما أخبروه بأن شقيقتي قد توفيت و أن الأمير قد أمر له ببقية المبلغ و كأنه قد تبرع بالفعل .. يقول القائم بالأعمال أن الرجل جثا على ركبتيه و راح يجهش ببكاء غريب لم يفهم معناه ..
    إنه بكاء معطون بالحزن و الشكر لله و العرفان للأمير و الفرح بقرب زواجه من إبنه عمه و السعادة بقرب علاج أمه .. بكاء يشوبه خليط من عدة مشاعر .. و في مثل هذه المشاعر المتداخلة .. يأتي البكاء مؤلما جدا .. يأتي عبر مخاض من كل الجوارح و ينابيع الأحاسيس ..
    تزوج الشاب .. و دعانا لزواجه .. و تماثلت أمه للشفاء .. و أتى للرياض .. ثم حزم أمره للكويت فأنقطعت أخباره عني ..
    إبن شقيقتي المرحومة الأصغر هو السكرتير الخاص للفنان العملاق وردي .. و كلما أراه أقول له :
    مرض أمك أنقذ إمرأة أخرى و فتح أبواب الحياة لشاب كان يعيش في وهدة اليأس ..
    لله في خلقه شئون ..

    (عدل بواسطة ابو جهينة on 10-28-2004, 12:49 PM)

                  

العنوان الكاتب Date
بكائية من الرصيف الآخر .. ابو جهينة10-28-04, 12:39 PM
  Re: بكائية من الرصيف الآخر .. محمد اشرف10-28-04, 01:06 PM
    Re: بكائية من الرصيف الآخر .. ابو جهينة10-28-04, 03:01 PM
      Re: بكائية من الرصيف الآخر .. حبيب نورة10-28-04, 03:09 PM
        Re: بكائية من الرصيف الآخر .. ابو جهينة10-28-04, 03:36 PM
          Re: بكائية من الرصيف الآخر .. حبيب نورة10-28-04, 03:44 PM
            Re: بكائية من الرصيف الآخر .. bayan10-28-04, 05:52 PM
  Re: بكائية من الرصيف الآخر .. بدرالدين شنا10-28-04, 07:32 PM
    Re: بكائية من الرصيف الآخر .. soma10-28-04, 11:24 PM
      Re: بكائية من الرصيف الآخر .. ابو جهينة10-29-04, 02:05 AM
        Re: بكائية من الرصيف الآخر .. ابو جهينة10-29-04, 02:13 AM
          Re: بكائية من الرصيف الآخر .. ابو جهينة10-29-04, 02:23 AM
        Re: بكائية من الرصيف الآخر .. Osman M Salih10-29-04, 02:16 AM
          Re: بكائية من الرصيف الآخر .. bayan10-29-04, 02:24 AM
            Re: بكائية من الرصيف الآخر .. ابو جهينة10-29-04, 02:29 AM
              Re: بكائية من الرصيف الآخر .. ابو جهينة10-29-04, 02:38 AM
  Re: بكائية من الرصيف الآخر .. سلمي النصري10-29-04, 05:53 AM
    Re: بكائية من الرصيف الآخر .. Raja10-29-04, 06:11 AM
      Re: بكائية من الرصيف الآخر .. ابو جهينة10-29-04, 10:18 AM
        Re: بكائية من الرصيف الآخر .. ابو جهينة10-29-04, 10:24 AM
  Re: بكائية من الرصيف الآخر .. lana mahdi10-29-04, 10:36 AM
    Re: بكائية من الرصيف الآخر .. ابو جهينة10-29-04, 01:56 PM
  Re: بكائية من الرصيف الآخر .. مناهل محمد الحسن10-30-04, 02:31 AM
    Re: بكائية من الرصيف الآخر .. ابو جهينة10-30-04, 02:47 AM
  Re: بكائية من الرصيف الآخر .. Al-Shaygi10-30-04, 03:15 AM
    Re: بكائية من الرصيف الآخر .. Sidig Rahama Elnour10-30-04, 03:36 AM
      Re: بكائية من الرصيف الآخر .. ابو جهينة10-30-04, 03:41 AM
        Re: بكائية من الرصيف الآخر .. ابو جهينة10-30-04, 03:43 AM


[رد على الموضوع] صفحة 1 „‰ 1:   <<  1  >>




احدث عناوين سودانيز اون لاين الان
اراء حرة و مقالات
Latest Posts in English Forum
Articles and Views
اخر المواضيع فى المنبر العام
News and Press Releases
اخبار و بيانات



فيس بوك تويتر انستقرام يوتيوب بنتيريست
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة
About Us
Contact Us
About Sudanese Online
اخبار و بيانات
اراء حرة و مقالات
صور سودانيزاونلاين
فيديوهات سودانيزاونلاين
ويكيبيديا سودانيز اون لاين
منتديات سودانيزاونلاين
News and Press Releases
Articles and Views
SudaneseOnline Images
Sudanese Online Videos
Sudanese Online Wikipedia
Sudanese Online Forums
If you're looking to submit News,Video,a Press Release or or Article please feel free to send it to [email protected]

© 2014 SudaneseOnline.com

Software Version 1.3.0 © 2N-com.de