قناديل محاسن

مرحبا Guest
اخر زيارك لك: 04-19-2024, 05:15 AM الصفحة الرئيسية

منتديات سودانيزاونلاين    مكتبة الفساد    ابحث    اخبار و بيانات    مواضيع توثيقية    منبر الشعبية    اراء حرة و مقالات    مدخل أرشيف اراء حرة و مقالات   
News and Press Releases    اتصل بنا    Articles and Views    English Forum    ناس الزقازيق   
مكتبة جلال داوؤد(ابو جهينة)
نسخة قابلة للطباعة من الموضوع   ارسل الموضوع لصديق   اقرا المشاركات فى صورة مستقيمة « | »
اقرا احدث مداخلة فى هذا الموضوع »
01-11-2004, 03:56 PM

ابو جهينة
<aابو جهينة
تاريخ التسجيل: 05-20-2003
مجموع المشاركات: 22483

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
قناديل محاسن

    إلى محاسن ، الفتاة الجميلة ( جدا ) التي رأيتها لمرة واحدة في رحلة بالقطار بين الخرطوم و عطبرة عام 1974، حادثتها ، فعرفت أنها ضريرة ، و لكنها كانت تحمل قلبا بصيرا و ذهنا متوقدا :
    --------------------------------------

    أنامل أمي تتحسس جسدي ، هي كل صلتي بهذا العالم الذي لا أعرف له شكلا أو لونا.
    تحادثني بصوتها الحنون و تغني لي به ، هو كل ما أود سماعه كل يوم دون ملل أو كلل.
    ترعرعت ، و نموت ، و كبرت ، و الدفء و الأمان يعنيان حضن أمي.
    صوتها يعني أنني أتمتع بحاسة عوَضني الله بها عن بصري.
    إن إبتعدتْ عني أحس و كأنني أسبح في فضاء دون أجنحة ، أحس أن شيئا سيتلقفني و يطير بي ، و لكن ما أن تلامسني حتى أحس بمعنى وجودي.
    ترى ، كيف شكل أمي؟
    كيف شكلي ؟ و شكل إخوتي و أبي و كل هؤلاء الذين أسمع أصواتهم و أعرفهم .
    أتحسس أطرافي ، و أتخيلها كما لمستها.
    أتحسس شعري . كيف هو هذا الناعم المجدول ؟
    منذ نعومة أظافري و أنا أسمع ( كم هي جميلة هذه الطفلة ، و لكن خسارة ...... ).
    لا يكملون العبارة. لم أكن أفهم معنى أن أبصر أو لا أبصر.
    خالتي كانت تأتي من البلد ، أعرفها من رائحتها المميزة المعطونة بعرق السفر الطويل و عناقها الحار.
    أناديها و أنا أبحث عن مصدر صوتها مهرولة أتعثر في ملابسي ، و يداى الصغيرتان تمتدان بلهفة نحو مصدر رائحتها و صوتها و صراخي يسبقني :
    ( خالتي خديجة .... خالتي خديجة )
    و أرتمي بين ذراعيها المفتوحتين ، فترفعني لتقبلني ، فأحس بدمعاتها تبلل خدي.
    كانت تحبني بجنون ، لا ترضى أن يغضبني أحد.
    عاهتي كانت سببا في أن يدللني الجميع ، و لكن خالتي كانت تحبني لدرجة كبيرة. كل ما تجنيه من ثمن محصولها ، كان يتحول إلى ملابس لي و أحذية و حلويات و لعب و هدايا.
    عندما تسافر عائدة إلى البلد ، أنام ليلتها في حضنها و أنا أبكي طوال الليل ، أنتفض مذعورة من النوم و كأنها ذهبت و تركتني دون وداع.
    عندما كبرت ، و صرت فتاة ناضجة ، كنت أسمع كلمات الإطراء من الجميع : سبحان الخالق ، كل شيء فيها جميل ، و لكن لله في خلقه شئون.
    يقولون أن جمالي منقطع النظير ، و قد أضفتْ عيناى اللتان لا تريان شيئا ، أضفتْ سحرا خاصا على تقاطيع وجهي فكلما سمعت صوت أحد ، لا تستقر عيناى على هدف محدد في محاولة يائسة للمشاهدة ، فتجول في غير ما هدف ، و تستقر ساكنة قانعة في محجريهما في هذا الظلام السرمدي.
    يقولون أن هذه الحركة و الإستكانة كانتا لهما فعل السحر .
    بنيت عالما خاصا بي. عالما لا أستطيع أن أصفه لأي أحد ، إلا لخالتي خديجة. لا أدري سر إرتباطي الوثيق بها ، و لكن يبدو أن السبب هو أنها كانت بجوار أمي المريضة طوال أشهر الحمل و حتى الولادة ، و مكثتْ معنا حتى تماثلت أمي للشفاء. لذا كانت يدا خالتي أيضا هما أول شكل من أشكال عالمي الخاص الذي بنيته في خيالي الغائص في هذا الظلام الدامس.
    أمي كانت تعني لي شيئا يحيط بي من كل جانب ، تماما كجدران الغرف التي أتحسسها ، صوتها كان يأتيني فينتشلني من تفكيري المستمر عن العالم من حولي.
    أبي ، كان كلما إقتربت منه ، يقبلني على رأسي ، و أحس أنه لا يريد أن يتحدث عن مشكلتي. و لكنني كنت أحس أنه كقطع الأثاث التي أتحسسها ، قوية و متينة .
    إخوتي كانوا دائما في عراك مستمر معي بسبب تدليل الكل لي. لذا كانوا يعطونني شعورا دائما بالتحفز و الإستعداد للملاسنة.
    كبرت ، و يقولون أنني صرت مكتملة الأنوثة و جميلة لحد بعيد. لا أدري ماذا يقصدون. لا أعرف الفرق بين أن أكون جميلة أو غير ذلك.
    ما عكس صفة جميلة ؟ لا أدري.
    من بين كل الذين يترددون على بيتنا من أهل و جيران و معارف ، كان هناك صوتا واحدا يجعلني أرهف السمع و أتابع صوته. ألتقط نبرات صوته من بين عدة أصوات مجتمعة. فيدق قلبي بشدة ، و أتلعثم في الرد على تحيته التي أحس أنه ينتقي كلماتها بعناية.
    ليته يصافحني ، لديَ مقدرة على معرفة الناس أحيانا من حرارة أياديهم و دفئها.
    يا ترى ، كيف تبدو يا ( تاج السر ؟ )
    هل أنت جميل كما يقولون عني ؟
    لا فرق عندي ، و لكن صوته يقتحم روحي الغائصة في جسدي.
    سألت أختي يوما : ما معنى تاج ؟
    قالت : التاج هو شيء من الذهب و مرصع بالجواهر و الفصوص و يضعه الملك على راسه رمز ملكه .
    قلت : كيف ؟
    قالت : زى طاقية أبوي ، بس هي من الدهب ، و الدهب زى خاتم أمي الكبير الفي أصبعها.
    قلت لها : إذن ما معنى تاج السر ؟
    فقالت : أختي : يعني واحد بيحفظ سر الناس ، فيقوموا يدوهو أسرارهم كلها ، و يبقى ليهم زى رمز كبير لأسرارهم ، أو ملك على أسرارهم. فهمتي؟
    يا ترى يا تاج السر ، هل أنا سر في مملكتك ؟
    أعجبني شرح أختي ، فتخيلت نفسي أحدى رعاياه ، يتعهدني بالرعاية و الإهتمام ، و يخاف على .
    أحس بأنه يكمل نقصا في روحي الهائمة في بحر متلاطم من ليل بهيم.
    يفرهد الفرح في داخلي ، فأبتسم و أنا مطمأنة و مرتاحة البال.
    أتخيله شيئا يومض داخل حناياى عندما يسألني ( كيف أصبحت ؟ ) و ( كيف أمسيت ؟ )
    أسئلة كهذه تجرحني إن سألني إياها الآخرون ، لأنني أدري أنهم يدرون أن مسائي و صباحي سيان ، إلا أنني أنتظر أسئلته هذه منه فقط ، و أتعمد الإطالة في الرد عليه :
    تاج السر ؟ مش كدة ؟ الحمد لله أنا كويسة ، كيف ناس البيت ؟ و كيف الوالدة ؟
    و أطرح عليه الأسئلة متقطعة ، حتى أحظى بأطول وقت ممكن من صوته الذي يهدهد كياني المتعب.
    شكل آخر ( لتاج السر ) جسَدته في مخيلتي الجرداء.
    كنت في صغري ، أرهق عقلي في بناء عالم خاص بي.
    عالم أبني بيوته و أشجاره و أنهاره و طعامه و شرابه بتصوري الخاص.
    كلمات أسمعها من إخوتي و أولاد و بنات الجيران ، فأسألهم عن مكنوناتها ، فيصفونها ، فأرسمها في خيالي و تظل محفورة لفترة طويلة ، أجلس أشكلها بحدس لا أدري إن كان صائبا أم مخطئا.
    فأضع أمي في خانة البيوت و الحجرات.
    و أبي ، أتخيله مصدرا للأكل و الشرب ، و كأنه يحملهما بين يديه طوال الوقت.
    و خالتي خديجة ، أتخيلها دائما حفل صاخب مملوء بالفرح و الزغاريد.
    و إخوتي أتخيلهم أشجارا لا أسمع حفيفها ، و لكنني أرتطم بهم في مشاحنات يومية.
    و لكن بعد أن كبرت ، صار ( تاج السر ) هو همي الذي أنام عليه ، و شغلي الشاغل إن أصبح الصباح.
    فاجأتني أمي ذات يوم : إبتسامتك الحلوة دي يا محاسن بقينا ما بنشوفها إلا لما يجي تاج السر ، يا ربي السبب شنو ؟
    فاجأني السؤال ، ليتني كنت أستطيع أن أرى وجه أمي لأرى تعابير وجهها ، و بالرغم من أن صوتها كان يغلفه المزاح ، فقد ران صمت طويل بيننا ، قطعته أمي :
    إنت حلوة حتى بدون إبتسامة يا بتي.
    هل لاحظوا شيئا ؟ معنى ذلك أنهم يعرفون ، و ربما يتحدثون في غيابي عن مشاعري نحو تاج السر.
    واخجلتاه.
    كأنهم فاجأوني في غرفة نومي عارية.
    لا أدري إن كانوا يتغامزون عندما كانت أساريري تنطلق بالفرح و تفرهد بالحبور عند حضوره.
    إنزويت في ركن قصي ، لم أعد أختلط بالحضور.
    لم يأت تاج السر ليسأل عن سبب إحتجابي.
    هل مشاعري نحوه من طرفي فقط ؟
    فاجأني تساؤل أخافني : هل تظنين أنه سيحب فتاة عمياء ؟
    تسليتي الوحيدة كانت أن أجلس وسطهم و أستمع إليهم و أحفظ عن ظهر قلب كل ما يقولون.
    حاولوا مرارا أن يعرفوا سبب إكتئابي.
    أمي تعرف السبب ، و لكنها خافت أن تعيد الكرة و تنطق إسمه أمامي ، تعرف أنني حساسة لدرجة كبيرة.
    مسكينة أمي ، أنا أعرف أنها لم تقصد أن تجرحني.
    ( كيف أصبحت يا محاسن ؟ )
    جفلت ، ثم هببت واقفة . لم أرد عليه ، أعطيته ظهري.
    وضع يده على كتفي.
    لأول مرة يضع شخص غريب عني يده على كتفي.
    شعرت و كأن شحنة من طاقة قد هزت كياني. و خرجتْ مني شهقة عفوية و تقدمت عنه خطوات مبتعدة.
    تصبب العرق باردا يبلل عنقي.
    ( إنت زعلانة مني ؟ ).
    أردت أن ألتفت و أجعله يتفرس و يتمعن في وجهي ، و لكني خفت أن يكون هناك من يسترق السمع أو ينظر إلينا.
    قال : ( وين ناس البيت ؟ ).
    عندها إلتفت إليه ، و أنفاسي تتلاحق ، و وجهي مشحون بالإنفعال.
    قلت له : هل يعرفون ؟
    قال : يعرفون ماذا ؟
    هل يصطنع الغباء أم أنه بالفعل لا يدري ؟
    إذن أنت أيضا لا تدري ؟
    أنا أدري شيئا واحدا ، هو أنك إنسانة فاضلة تستحق كل خير.
    قلت و أنا أزدرد ريقي و بشجاعة لا أدري من أين أتيت بها : الخير في داخلي لا يكتمل بي وحدي. أشعر بأن هناك من يكمل لي ذاتي.
    ران صمت عميق.
    ليتني أقرأ ما يجول في خاطره. أنتظر إجابته و الأمل شعلة تتقد و تفرهد في داخلي.
    قال و كأنه يعاني صعوبة في النطق : جئت أدعوكم لزفافي الأسبوع المقبل.
    لأول مرة أحس أن شيئا إنطفأ داخل صدري .
    إنكمش جسدي كله.
    أحسست أن كل ما بنيته في وجداني قد إنكسر و تناثر قطعا مسنونة و مدببة إنغرستْ في كل أنحاء جسدي.
    إنهارت كل الصور التي جمعتها كل هذه السنوات ، أصبح رأسي فارغا من كل ما تصورته. بدا صوته و كأنه دبيب أقدام على الأرض تبتعد رويدا رويدا.
    أسرعت إلى غرفتي و أنا أصطدم بكل شيء أمامي ، و هو طريق كنت أحفظ كل تفاصيله و منحنياته.
    أحسست أنني غريبة حتى عن نفسي.
    بكيت كما لم أبك من قبل.
    خيل إلي أن رائحة خالتي البعيدة في البلد قد عادت لتعبق جو البيت و تملأ خياشيم أنفي.. وددت لو أنها الآن هنا ، لأهرول نحوها فاتحة ذراعي و أقفز إلى حضنها لأعود أحس بذلك الشعور الذي أحسسته في طفولتي.

    (عدل بواسطة ابو جهينة on 01-11-2004, 04:15 PM)
    (عدل بواسطة ابو جهينة on 01-12-2004, 10:30 AM)

                  

العنوان الكاتب Date
قناديل محاسن ابو جهينة01-11-04, 03:56 PM
  Re: قناديل محاسن Yasir Elsharif01-11-04, 04:04 PM
    Re: قناديل محاسن ابو جهينة01-11-04, 04:10 PM
      Re: قناديل محاسن Yasir Elsharif01-11-04, 04:51 PM
  Re: قناديل محاسن THE RAIN01-11-04, 05:09 PM
  Re: قناديل محاسن انور الطيب01-11-04, 08:22 PM
    Re: قناديل محاسن haneena01-11-04, 11:53 PM
  Re: قناديل محاسن ودقاسم01-12-04, 08:29 AM
    Re: قناديل محاسن ابو جهينة01-12-04, 09:34 AM
      Re: قناديل محاسن ابو جهينة01-12-04, 09:37 AM
        Re: قناديل محاسن ابو جهينة01-12-04, 09:40 AM
  Re: قناديل محاسن maia01-12-04, 09:39 AM
    Re: قناديل محاسن ابو جهينة01-12-04, 09:42 AM
      Re: قناديل محاسن ابو جهينة01-12-04, 09:44 AM
        Re: قناديل محاسن ابو جهينة01-12-04, 09:50 AM
          Re: قناديل محاسن ابو جهينة01-13-04, 09:18 AM
            Re: قناديل محاسن shiry01-13-04, 10:32 AM
              Re: قناديل محاسن ابو جهينة01-13-04, 10:40 AM


[رد على الموضوع] صفحة 1 „‰ 1:   <<  1  >>




احدث عناوين سودانيز اون لاين الان
اراء حرة و مقالات
Latest Posts in English Forum
Articles and Views
اخر المواضيع فى المنبر العام
News and Press Releases
اخبار و بيانات



فيس بوك تويتر انستقرام يوتيوب بنتيريست
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة
About Us
Contact Us
About Sudanese Online
اخبار و بيانات
اراء حرة و مقالات
صور سودانيزاونلاين
فيديوهات سودانيزاونلاين
ويكيبيديا سودانيز اون لاين
منتديات سودانيزاونلاين
News and Press Releases
Articles and Views
SudaneseOnline Images
Sudanese Online Videos
Sudanese Online Wikipedia
Sudanese Online Forums
If you're looking to submit News,Video,a Press Release or or Article please feel free to send it to [email protected]

© 2014 SudaneseOnline.com

Software Version 1.3.0 © 2N-com.de