كتاب الشهر:السودان حروب الموارد والهوية.....د.محمد سليمان

مرحبا Guest
اخر زيارك لك: 04-24-2024, 03:49 AM الصفحة الرئيسية

منتديات سودانيزاونلاين    مكتبة الفساد    ابحث    اخبار و بيانات    مواضيع توثيقية    منبر الشعبية    اراء حرة و مقالات    مدخل أرشيف اراء حرة و مقالات   
News and Press Releases    اتصل بنا    Articles and Views    English Forum    ناس الزقازيق   
مكتبة عادل محمود احمد الامين(adil amin)
نسخة قابلة للطباعة من الموضوع   ارسل الموضوع لصديق   اقرا المشاركات فى صورة مستقيمة « | »
اقرا احدث مداخلة فى هذا الموضوع »
04-25-2007, 10:58 AM

adil amin
<aadil amin
تاريخ التسجيل: 08-01-2002
مجموع المشاركات: 36891

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: كتاب الشهر:السودان حروب الموارد والهوية.....د.محمد سليمان (Re: adil amin)

    الرأسماليون الإسلاميون:
    ماذا يفعلون فى الحركة الإسلامية؟(2-2)
    د. التجاني عبد القادر [email protected]
    (3)
    كنت أقف ذات مرة أمام شباك الزكاة بإدارة المغتربين بمطار الخرطوم استكمالا لإجراءات تأشيرة الخروج.سألنى الموظف باحترام ظاهر عن مقدار راتبى الشهرى، وقبل أن أنطق بشىء لكزنى الشخص الذى كان يقف خلفى فى الصف لكزة ذات معنى،ولما التفت اليه قال بنبرة حازمة: لا تخبره بكل المرتب، قل له أن مرتبى ألفين أو ثلاثة، أصلو ديل....، ثم قال كلمة جعلت موظف الزكاة يشيح بوجهه.دفعت الزكاة كاملة والرسوم وبعضا من متأخرات الضرائب ثم خرجت وأنا أشعر بغصة فى حلقى. صحيح أننى ذهبت لشباك الزكاة لأنى كنت محتاجا مثل غيرى لتأشيرة للخروج، ولكن الصحيح أيضا أننى كنت على قناعة بوجوب الزكاة باعتبارها عبادة فى ذاتها، وباعتبار أنها قد شرعت من أجل الفقراء والمساكين الذين قد تخرجهم اضطرابات المعاش، أو تشوهات الأسواق، أو طغيان رأس المال، قد تخرجهم من دورة الاقتصاد وتوقعهم فى ذل الحاجة،أو تدفعهم فى طريق الرذيلة أو الجريمة، فيريد صاحب الشرع من خلال نظام الزكاة أن يسد حاجاتهم الأساسية، وأن يحفظ كرامتهم الانسانية، حتى يتمكنوا من الاندراج مرة أخرى فى دورة الاقتصاد.قلت فى نفسى: لماذا غابت هذه "الرؤية" وحلت مكانها "صورة" سلبية عن الزكاة وعن العاملين عليها؟ هل يعود ذلك أيضا الى عدم الشفافية والصدق؟ اذ يرى الناس دقة وانضباطا فى "تحصيل" الزكاة ولكنهم لا يرون مثل تلك الدقة والانضباط فى "توزيعها"، يرى الموظف أن الزكاة تؤخذ منه على "دائرة المليم" ولكنه حينما يذهب الى قريته ويتعلق به الفقراء والمساكين وأولو القربى، فلا يصادف منهم من تلقى شيئا من الزكاة طيلة حياته الدنيا، فيقول فى نفسه: اذا كانت زكاتى لا تكفى فأين زكاة العمارات والمصانع والماكينات والفنادق والشاحنات والطائرات، ثم أين زكاة الذهب والنفط، ألم يقل سبحانه وتعالى(يأيها الذين آمنوا أنفقوا من طيبات ما رزقناكم ومما أخرجنا لكم من الأرض)، أليس النفط "ركازا" أخرجه الله من الأرض، أو ليست زكاة الركاز الخمس(20%) كما ورد فى الحديث؟
    على أن الزكاة مهما تنوعت مصادرها وتكاثرت أقدارها ووزعت بالقسط ليست الا جزءا من رؤية اجتماعية-اقتصادية متكاملة؛ رؤية يعلو فيها الإنسان والعمل على المال، ويغلب فيها التضامن والتكافل على المحاصصة والأثرة، رؤية منحازة للمستضعفين من الرجال والنساء والولدان الذين لا يستطيعون حيلة ولا يهتدون سبيلا، فهل نحن نملك هذه الرؤية؟وهل نحن جادون فى تطبيقها؟ سؤال نوجهه الى أنفسنا فى الحركة الاسلامية، ثم الى "الفريق" من مفكرينا الاقتصاديين وعلمائنا الشرعيين الذين ظلوا على رأس المصارف الإسلامية وديوان الزكاة وهيئة الأوقاف ووزارة المالية والتخطيط الإقتصادى ردحا من الزمن. هل منهم من يملك بالفعل رؤية إسلامية للاقتصاد، أم أن جل ما يعتمدون عليه هو صيغة "المرابحة" التى عثروا عليها جاهزة فى حاشية ابن عابدين فصارت وصفة سحرية تستخدمها البنوك الاسلامية فى تعظيم أرباح عملائها من الرأسماليين، ثم أضافوا اليها فتوى بعض علماء الأزهر بوجوب أخذ الزكاة من الموظفين دون انتظار الحول، ثم أضافوا لهما "روشتة" البنك الدولى برفع الدعم وتحرير الأسعار، أهذا هو الإقتصاد الإسلامى؟
    ان السؤال عن البعد الإسلامى فى السياسات الاقتصادية(ولا أقول البديل الاسلامى)ليس من نوافل القول أو فضول الكلام، وانما هو سؤال يتعلق بعلة وجود الحركة الاسلامية ذاتها كحركة اجتماعية-سياسية تتصدى للاصلاح والنهضة، غير أن الفريق الاقتصادى الحاكم، مثله مثل الفريق الأمنى، لا يهتم كثيرا "بالمرجعية الإسلامية"، ويعتبر ما نقوله ضربا من "الكلام الفارغ"، ولقد هالنى أن اطلعت ذات مرة على مقابلة مع واحد من القيادات الإقتصادية الاسلامية. كانت المقابلة تهدف لقراءة "ذهنية" النخبة الإسلامية المتحكمة فى القطاع الإقتصادى، وذلك أهم عندى من قراءة الأرقام التى يحيلوننا اليها، اذ بدون معرفة "الذهنية" يصعب علينا أن نتعرف على مرامى السياسات والخطط. كان السؤال المحورى فى المقابلة: ما معنى انتهاجكم سياسة اسلامية فى الإقتصاد؟وما هى المقومات الإسلامية فى الإقتصاد السودانى؟ وهو سؤال جيد فى نظرى لأنه يحاول أن يكتشف عما اذا كان الاقتصاديون الإسلاميون يملكون بالفعل رؤية أو "نموذجا"، وعما اذا كان ذلك النموذج المستبطن فى ذهن المخطط يرتكز بصورة واعية او غير واعية على مذهب إسلامى فى الإقتصاد، أم أنهم يسيرون على أهزوجة الشعار التى صاحبتنا طيلة العقود الماضية؟ وجه السؤال بصورة مباشرة لأحد وزراء الدولة آنذاك فى وزارة المالية، وهو رجل يحمل الدكتوراة فى مجال الإقتصاد، وظل لفترة طويلة يشغل مناصبا تنفيذية عليا فى القطاع الاقتصادى باختيار من قيادة الحركة الاسلامية والدولة،فأجاب على السؤال كما يلى: "هذا سؤال كبير يحتاج الى ندوة، ولكن التصور الإسلامى الكامل معروف، والمبادىء الاقتصادية تنطلق من التصور الاسلامى حول حقيقة هذا الكون من ربه والى أين يسير، وينطلق أيضا من المبادىء الأساسية فى القرآن والسنة والمعاملات وفى الاقتصاد..أنتهى"،
    والسؤال لم يكن بالطبع عن التصور الاسلامى العام للكون، أو المبادىء الكلية التى قررت فى القرآن والسنة، وانما كان عن "الطريقة" التى يتم عبرها تجميع وتنظيم تلكم التصورات الاسلامية العامة وتحويلها الى رؤية اسلامية-اقتصادية متماسكة تستوعب خصوصيات المعاش فى المجتمع السودانى بأوضاعه الراهنة،ثم ربطها بالخطط الإقتصادية الجزئية التى يشرف عليها سعادة الوزير، وما اذا كان لمثل هذه العملية نتاج معرفى ملموس يجعل الوزير وحكومته يعلنون على الملأ انهم ينتهجون سياسة اسلامية فى الاقتصاد، ولكن الوزير لم يشأ أن يواجه السؤال، ليس لجهله، وانما لمعرفته التامة بأن النخبة الرأسمالية التى يمثلها، والتى صارت تهيمن على مفاصل الدورة الاقتصادية فى الريف وفى المدن، لا ترى لها مصلحة فى استنباط مذهب اسلامى واضح فى الاقتصاد، لأن المذهب الاسلامى يضع محددات أخلاقية وقانونية على الثروة، كما يضع التزامات اجتماعية عليها، والشريحة الرأسمالية تريد أن يكون السوق "حرا" من هذه المحددات والإلزامات حتى تستطيع أن تعظم أرباحها كيفما تشاء؛ أى أن الشريحة الرأسمالية لا تريد "رؤية" اسلامية متماسكة، وانما تريد "شعارا" فضفاضا( أو قل ماركة تجارية) تحرك به العاطفة الدينية، وتستقطب به رؤوس الأموال.أما السذج من أمثالنا، والذين دخلوا فى الحركة الإسلامية على أمل أن يتمكنوا من بلورة برنامج اسلامى للتنمية الإقتصادية المتوازنة والعدل الإجتماعى، أو على أمل أن يوصلوا أصوات الفقراء المستضعفين الى مسامع السلطة، هؤلاء الساذجين عليهم أن يبحثوا عن طريق آخر، فالرأسمالية المتوحشة قد استولدت لها أنصارا فى صفوفنا الأمامية.
    (4)
    ويبقى السؤال الكبير: لماذا صار الانسان فى السودان على هذه الدرجة من الفقر حتى أنه صار يحتاج الى الصدقة والزكاة؟ ألم يكن القطاع الأكبر من الأسر فى الريف السودانى ينتج موادا غذائية تكفى حاجته المباشرة دون دعم من أحد؟ فكيف تحطمت تلك الوحدات الإنتاجية التى كان يعتمد عليها الوجود المادى للمجتمع، والمتمثلة فى الأسرة ذات المزرعة والمراح في القرية السودانية؟وكيف تبدل نمط الإنتاج التقليدى ومن الذى استفاد من ذلك؟ الأسباب عديدة ومتنوعة ولكن تأتى على رأسها أربعة: أولها الهجمة الهائلة التي قامت بها الأسواق الرأسمالية منذ زمن طويل في اختراق المجتمعات الزراعية والرعوية في الدول النامية وإدراجها في نظمها النقدية والصناعية بحيث صارت المزارع والمراعي في الدول النامية موارداًً رخيصةً لاحتياجات الصناعة الغربية من المواد الخام، دون اعتبارٍ لما يصيب البيئة من تخريب أو لما يصيب العامل من ضرر، فصار المزارعون والرعاة في الدول النامية ينتجون سلعا ً لأسواق عالمية لا قدرة لهم في التحكم فيها، ولا معرفة لهم بما تتعرض له من تقلبات، وما ينشأ فيها من تطورات، ودون أن يكون لهم بديل آخر يلوذون به؛ وثانى الأسباب هو إلحاح الدولة الوطنية، في مرحلة ما بعد الاستقلال السياسي، في الطلب على السلع الزراعية التي توفر عائدا ً نقديا ً بالعملات الأجنبية، لكي تتمكن من تغطية نفقاتها المتصاعدة، ليس في المجال التنموي ولكن في المجالات العسكرية والأمنية، على أن اعتماد الدولة شبه الكامل على قطاع الزراعة والرعي لم يقابله استثمار من قبلها في مجال البنيات الأساسية أو الأبحاث الزراعية والصناعية أو الحماية البيئية أو الخدمات الاجتماعية التي يحتاجها الريف "المخزن"؛ وثالث تلك الأسباب هو تشريد المزارع التقليدي واخراجه من الأرض، وظهور المزارع "التجاري" والمشاريع الزراعية التجارية، حيث يكون الاعتماد على رأس المال والآلات الحديثة أو العمالة الرخيصة؛ وآخر تلك الأسباب هو ضمور القطاع الصناعي الوطني وعجزه المستمر، إذ لم تستطع الدولة أو الرأسمالية المحلية المرتبطة بها أن توطن أي صناعة من الصناعات الاستراتيجية أو تنفذ خطة مناسبة للنهضة الصناعية. فكان لزاما ً أن يؤدي تدهور القطاع الصناعي وعجزه إلى تدهور أكبر في القطاع الزراعي.
    وكانت النتيجة، كما هو متوقع في مثل هذه الحالة، أن يتم الفصل بين المزارع التقليدى والأرض من جهة، ثم يفصل بينه وبين أدوات الإنتاج ورأس المال من جهة ثانية، فيجبر عدد كبير من المزارعين والرعاة ليصيروا عمالا ً مؤقتين في قطاع صناعي كسيح ليست له قدرة على البقاء فضلا ً عن النمو وامتصاص العمالة الفائضة، أو جنودا فى الجيش والشرطة والسجون، أو "خفراء" فى قطاع المنشئات والمبانى،أو يتركون فى قارعة الطريق، حتى صار من المألوف فى السودان أن ترى الرعاة يتجولون بلا ماشية، وأن ترى المزارعين يتحولون الى باعة فى شوارع العاصمة تطاردهم البلدية، وترى نساءهم يتحولن الى بائعات للشاى والقهوة فى نواصى الطرقات. وكما انقطعت الصلة فى الريف السودانى بين المزارع و الأرض وبين الراعى والماشية، فقد انقطعت الصلة كذلك فى المدينة بين العمل و الأجر، فصارت الوظيفة حقا يطالب به المتخرجون فى المدارس و الجامعات سواء وجدت أعمال يؤدونها فى المقابل أو لم توجد، فاذا نال أحدهم وظيفة وجدها لا تسد رمقا ولا ترضى طموحا، واذا لم يجدها علق آماله بالحصول على عقد للعمل فى دول الجوار الغنية بالنفط، أو وقف أمام السفارات طلبا للهجرة، وصار كل هؤلاء، من وجد ومن لم يجد، ومن تعلم ومن لم يتعلم، يمثلون "فائضا بشريا" دائما، ومليشيات عسكرية جاهزة، تتغذى منها الحركات المتمردة فى شرق البلاد وغربها، وتحولها الى جيوش تقاتل بهم إخوانهم المستضعفين الذين سبقوهم بالإنخراط فى الجيش والشرطة طلبا للمعاش، وهذه بالطبع ظاهرة فريدة فى نوعها، ومؤلمة لمن تأملها، إذ نرى "البروليتاريا المسلمة" تنقسم على نفسها، ويقوم بعضها بضرب رقاب بعض، فى غفلة تامة عن القاعدة الإجتماعية الواحدة التى ينحدرون منها، وفى جهل بطبيعة العدو الإستراتيجى الذى يستهدفون.
    تلك هى اذن عملية الإستنزاف المستمر، والتحطيم البنيوى، والإفقار المتعمد للريف السودانى، وتلك اذن هى ثمارها المرة، والتى ساهمت فى انتاجها الرأسمالية العالمية والشريحة الرأسمالية المحلية(اسلامية وغير اسلامية)، وذلك من خلال هيمنتها على مفاصل الدورة الاقتصادية في الريف وفي المدن وفي الأسواق الإقليمية، ومن خلال ارتباطاتها القوية بالمصارف والشركات ومراكز السلطة السياسية، مانعة بذلك قطاعات واسعة من الجمهور من الانخراط فى دورة الاقتصاد، ودافعة أعدادا مهولة من السودانيين نحو الهجرة الجبرية المتواصلة الى المدن، أو الى المليشيات المتمردة، أو نحو الثورة الإجتماعية الكامنة التى لا يعرف مداها ومآلاتها أحد الا الله.
    إن تفكيك النظام الاجتماعي والاقتصادي في الريف وما صحبه ولحق به من تهجير جماعي مفزع من الريف إلى المدن لم تصحبه كما هو معلوم ثورة صناعية توفر قاعدة جديدة للإنتاج، كما لم تسنده قاعدة تعليمية أو تكنولوجية توفر مهارات ومعارف تفتح منافذ بديلة للمعاش، فشكل ذلك الوضع حالة من الاحتقان النفسي والانفراط الاجتماعي جعلت الجميع يحلمون باسترداد هوية ضائعة وثروة مسلوبة، فلم يجدوا أطرا تستوعب تلك الأشواق سوى المليشيات العرقية المسلحة، أو التنظيمات السياسية المتطرفة؛ اذ أن البحث عن " الهوية الضائعة " وعن" الثروة " المسلوبة يعملان معاً في صناعة ايديولوجيه "المفاصلة"، سواءً كانت مفاصلة دينية أو عرقية، وهي الأيديولوجية التي تسوغ لأصحابها الانقضاض على السلطة، وقد ينجحون في ذلك بالفعل ولكنهم سينتهون،عاجلاً أو آجلاً،إلى النتيجة نفسها التي انتهى إليها الإنقلابيون من قبلهم وهي أن المشكل الاجتماعي-الاقتصادى الراهن لا يمكن أن يحَّل عن طريق البتر العسكري أو الإقصاء العرقى أو الدينى.
    (5)
    على أن المشكلة لا تقف عند هذا الحد،اذ أن القاعدة الإنتاجية التقليدية المشار اليها آنفا، لن تعود الى الريف وتستأنف عمليات الإنتاج لمجرد وجود الطرق والجسور(والتى تجتهد الحكومة فى بنائها)، ولكن وعلى افتراض عودتها وممارستها للانتاج فانها لن تستطيع تحت هيمنة الرأسمالية الشرسة واقتصاد السوق غير المقيد أن تلبى حاجاتها الاقتصادية المباشرة فضلا عن أن تلبى حاجاتنا القومية من السلع الزراعية، وسيترتب على هذا أن توجه جل الموارد القومية المتحصلة من عائد النفط لاستيراد السلع الغذائية والصناعية التي ترد من الأسواق الخارجية، ولإسترضاء المليشيات المسلحة، ودفع استحقاقاتها وتعويضاتها، مما يؤدى لاختلال مستمر فى ميزان المدفوعات، ولنضوب الاعتمادات التي يمكن أن توجه الى قطاعات الإنتاج الزراعي و الصناعي، فتزداد هذه القطاعات تحطما على ما كانت عليه، وسيزداد لدينا عندئذ عدد المزارعين الذين لا زراعة لهم، والعمال الذين ليست لدينا مصانع تستوعبهم، والخريجين الذين ليست لدينا وظائف لهم، وسيشكلون جميعا، وقد انحل ترابطهم الاجتماعي القديم وتناثرت تنظيماتهم التقليدية، حزاما متجددا من الفقر والإحباط يحيط بالعمارات الشاهقة التي يتبارى في تشييدها الأغنياء القدامى والجدد.
    والسؤال هنا:هل يمكن إحداث نوع من التكامل البنيوى بين المزارع التقليدي والأرض البور والنخب الإجتماعية الحديثة ذات الكفاءة المهنية والقدرة الإدارية المتطورة حتى يتم إحياء القاعدة الإنتاجية التي يقوم عليها المجتمع؟ أم أن عائدات النفط وما ينتج عنها من فرص استثمارية ستصب فى جيوب النخبة الرأسمالية ذاتها؛ النخبة التى لا ترغب فى تطوير برنامج تنموى إسلامى، ولا ترغب فى الدخول فى العمليات الإنتاجية الإستراتيجية(زراعة وصناعة) وتفضل الإستثمار المضمون فى قطاع العقارات والخدمات والإستيراد؟ لأنه وما لم يتم إدراج القوى الريفية التقليدية (التى أخرجت من ديارها، وأبطلت طرائق معاشها) في البنية الاقتصادية الحديثة، وما لم تتم إعادة الشرائح الرأسمالية الجديدة الى قطاعات الإنتاج الاستراتيجي، فان الفجوة بين هاتين الفئتين ستتباعد وقد تتحول الى تناقض أساسي بين الدولة والمجتمع قد يتبلور في اتجاه الثورة الاجتماعية الشاملة.
    ولكن ما هو الدور المتبقي للدولة؟ هناك من يقول ان الدولة في العالم الثالث في عهد العولمة الأمريكية الذى نشهده مهددة بالتلاشى والزوال، على أية حال، سواء كانت اسلامية أو لبرالية، اذ من المؤكد أن تجد نفسها دائما غير قادرة على التحكم فى الرأسمالية المحلية أو توجيه مساراتها نحو انتاج السلع الأساسية التى يمكن أن تدفع في اتجاه التنمية القومية؛ وستجد نفسها (ثانيا) غير قادرة على إحداث تنمية اقتصادية عن طريق الصناعة والتقانة بصورة مستقلة؛ وستجد نفسها (ثالثا) غير قادرة(حتى ولو أنتجت سلعا أساسية كالسلع الزراعية) على المنافسة في السواق العالمية، اذ أن فائض الإنتاج الزراعى في الدول الصناعية الكبرى، والذى تقف وراءه بقوة إتحادات المزارعين ووكلائهم في المجالس التشريعية في الديقراطيات الغربية لا يتيح فرصة حقيقية لأى دولة نامية أن تجد سوقا لمنتوجاتها الزراعية، أما اذا كانت تلك الدولة النامية ذات شعار اسلامى كحالتنا هذه فسوف يتعذر عليها أن تجد منفذا للأسواق العالمية ما لم تتخلى عن الحواجز الثقافية و الأخلاقية التي يفرضها مشروعها الإسلامى.
    فهذه كما ترى أمور شديدة التعقيد، لا يحلها خبير اقتصادى واحد، أو فريق من التكنوقراط، أو فقيه تخصص فى باب البيوع، وانما يحتاج الأمر الى قاعدة فكرية وعلمية راسخة يعهد اليها ببناء رؤية متعمقة للتنمية القومية- تصورا فكريا، وتخطيطا استراتيجيا، وإدارة علمية، كما يحتاج الى شريحة إجتماعية رائدة ذات رغبة صادقة فى احتضان عمليات التنمية، توطينا للصناعة والتكنولوجية،وتشجيعا ورعاية للعلماء والمخترعين، ورد اعتبار للزراعة والرعى؛ وتحتاج علاوة على هذا لقيادة سياسية مترفعة عن الولاءات العشائرية الضيقة ومتجردة للمصلحة القومية، فتناط بها عمليات التعبئة الشعبية و التنسيق المؤسسي والتشريعي لإنجاز العملية التنموية على قواعد العدل الاجتماعي.فهل يستطيع الرأسماليون الإسلاميون أن يقوموا بهذه العمليات؟
    ان الإقتصاديين الاسلاميين سيفقدون كل مشروعية للبقاء فى قمة الهرم الاقتصادى أو فى قيادة الحركة الإسلامية ما لم يقوموا بتطوير أطروحة فكرية اسلامية متماسكة يجاب فيها على هذه التساؤلات، وترفع فيها هذه التناقضات، ثم يبلوروا فى ضوء ذلك برنامجا اجتماعيا-اقتصاديا ينحاز بصورة واضحة للطبقات الدنيا فى المجتمع، أما اذا بقوا على حالهم هذه، وتركت سياسات الدولة ومؤسساتها الاقتصادية تحت تصرفهم وتصرف مجموعات المصالح الخاصة المرتبطة بهم فان ذلك سيكون فى تقديرى أمرا شديد الضرر على المستوى التنظيمى الخاص بالحركة الإسلامية وعلى المستوى القومى العام.
    ولكن، وحتى لا تبلغ الأمور نقطة اللاعودة فإن الحكمة والحاجة يقتضيان أن تكف الحركة الإسلامية عن تعلقها بالنخبة الرأسمالية، وأن تعلق أملها بالله وبالناس، وأن تبدأ بصورة جادة فى إعادة النظر فى برنامجها الاجتماعى-الاقتصادى، فالعمل من خلال القضايا الاجتماعية المحورية(الفقر والمرض والعجز والبطالة والجريمة والطفولة والأمومة ونحوها)هو الذى يعمق الوعى بالرؤية الإسلامية،ويرهف الحس الاجتماعى-الانسانى، وينمى الروح، ويقود الى التلاحم بين شرائح المستضعفين، ويرفع التناقضات المتوهمة بينهم، وهو خير من انتظار نهايات للحرب الضروس بين داحس القصر وغبراء المنشية.


                  

العنوان الكاتب Date
كتاب الشهر:السودان حروب الموارد والهوية.....د.محمد سليمان adil amin04-23-07, 01:50 PM
  Re: كتاب الشهر:السودان حروب الموارد والهوية.....د.محمد سليمان adil amin04-25-07, 10:53 AM
    Re: كتاب الشهر:السودان حروب الموارد والهوية.....د.محمد سليمان adil amin04-25-07, 10:56 AM
    Re: كتاب الشهر:السودان حروب الموارد والهوية.....د.محمد سليمان adil amin04-25-07, 10:58 AM
      Re: كتاب الشهر:السودان حروب الموارد والهوية.....د.محمد سليمان adil amin04-25-07, 11:02 AM
        Re: كتاب الشهر:السودان حروب الموارد والهوية.....د.محمد سليمان adil amin04-25-07, 11:07 AM
        Re: كتاب الشهر:السودان حروب الموارد والهوية.....د.محمد سليمان Muna Khugali04-25-07, 11:11 AM
          Re: كتاب الشهر:السودان حروب الموارد والهوية.....د.محمد سليمان adil amin05-29-07, 10:21 AM
  Re: كتاب الشهر:السودان حروب الموارد والهوية.....د.محمد سليمان adil amin06-19-07, 10:29 AM


[رد على الموضوع] صفحة 1 „‰ 1:   <<  1  >>




احدث عناوين سودانيز اون لاين الان
اراء حرة و مقالات
Latest Posts in English Forum
Articles and Views
اخر المواضيع فى المنبر العام
News and Press Releases
اخبار و بيانات



فيس بوك تويتر انستقرام يوتيوب بنتيريست
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة
About Us
Contact Us
About Sudanese Online
اخبار و بيانات
اراء حرة و مقالات
صور سودانيزاونلاين
فيديوهات سودانيزاونلاين
ويكيبيديا سودانيز اون لاين
منتديات سودانيزاونلاين
News and Press Releases
Articles and Views
SudaneseOnline Images
Sudanese Online Videos
Sudanese Online Wikipedia
Sudanese Online Forums
If you're looking to submit News,Video,a Press Release or or Article please feel free to send it to [email protected]

© 2014 SudaneseOnline.com

Software Version 1.3.0 © 2N-com.de