رقراقة تسبحُ فتنقشِعُ غشاوة الرؤية إذ هيَّ فراشة من نور . أطراف أجنحتها تذوب خجلاً من شُعاع نور وجهها حين تبتسم . ما كُنتُ أحسب أن الدُنيا بصخبها تُنسينني إياها . بجانبي أُسودٌ بشرية تراها مُستبشِرة تسُد فجوة الآكام . يفيض الفرح نَشوان بينهم يسبح ينشُر أجنحته وقلبي مُعلق بمئذنتها في الذاكرة . خفاقة تسبحُ بين السحاب وبين الزُرقة .
(2)
في قمة تلك الرابية ومن ملمح يد أُنثى تُمسٍك شِراع الثوب من طرفه توهجت صورتها في الذاكرة ، وبرقت لآلئ تصطف على شاطئ مَبسمها . عرفت اليوم أن السعادة غير ما اعتاد البشر ، تدلُف عليك من فرجة باب أو عند هَباء يسبحُ في خيط نور الشمس إلى مكان الظل . نور وجهها لا يُضاهيه نور ، حين أجدها تُسامر الآخرين وأنا من البُعد أشهد حِراكها صورة بلا صوت . الصوت يصنعه الإحساس والصورة تلتقطها عيون مُُبصرة .
(3)
لم أكن أعرف أن الفراق يدلُف من أُنبوب الذاكرة ، ومن فتحات في الجانب يُحدث هواؤه صوت نأيٍ ينشج حنيناً . أ هي حسرة دافقة بالبِشر أن تكون معي دون غيرها ؟. لقد فارقني بالأمس قلقٌ كان يُسامرني عُدة أيام على أحباء أشفقتُ عليهم . فالعافية تضِنُّ عند المُنعطفات ، نُرخي لها المقود فتنطلق الأجساد تنفُض عنها رُكام السموم وتفرح الدواخل .
(4)
اهتزت الأرض بمن عليها فسُلطان حضورها إلى الذاكرة يُزلزل جسدي ، وأقبعُ عُصفوراً ينظُر من بوابة عُشه ما تفعل الريح حين تؤاخي المَطر . أراها مُتحدثةً تأخذ انتباه الحضور . أراها ضاحكة تُوزِّع ثمار الجنان على الحضور والأرائك نشوى . أراها ساكنة سكوناً عاصفاً وسط نفسي وهي تتفجر بفرحٍ يُغالب كل الأهواء . قلتُ لنفسي أهو انفجار العِشق حين أوانه من بعد تَخَمُّر وأنا بعيد عمن أُحب ، أم أن النفس بما عليها من ثِقل السنين استرخصت الأفراح أن نكون اليوم بدونها ؟
(5)
على المسرح مُطربٌ يصدح بأغاني الزمن الجميل جلسنا جميعاً ، فكيف لا تصحو صورتها النائمة في الذاكرة لتخرُج علينا من صخب الحُضور فيُكمل الكون دورته الطبيعية وترحل الكآبة على أجنحة طائرها الرمادي إلى البعيد . دوماً كانت أفراحي تُكمل نصفها بحضورها البهي . نخرُج من مسكننا منذ تاريخنا الأول : هي تتلمس ببنانها تفاصيل الهندام على مُجسَّمِي ، تُريدني أن أبدو أجمل . على القليل الذي يتيسر تتوهج بجانبي ، شمسٌ ناصعةٌ هيَّ وقمرٌ أنا محتجب من وراء الكثبان .
(6)
أتقرأ هي ما أكتُب أم أن البريد أبطأ في الوطن ؟ السعي في الدروب الوعرة يُنسي أن حبيباً أخذته المنافي ترك بطاقته في السماء ساعة شوق . وعندما تنفتح بوابة السماء ذات زمان ، تهبط رسائلي وملائكة النور في مواسم الأعياد عندما يقصدون الأرض بالبِشر : رسائلي عاشقة والملائكة يطيعون المشيئة ، فما أغرب الجوار ! . تُسافر أشواقي بسفنٍ أظهُرها تبرُق . في برهة سكون بين الفينة والأخرى تصلني رسائلها راقصة نديَّة ، نقشها مموه بلا تفاصيل.أعرف أن الفراق تمثال جمرٍ ، هي الدُنيا تُبعد الثمرة عن فرعها بفعل الريح وفعل المنافي .
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة