|
Re: الإسـلام والعـروبـة فـي منـظور حـزب البعـث العـربـي الاشـتراكـي (Re: حسين يوسف احمد)
|
لقد تأسس حزب البعث العربي الاشتراكي عام 1947م ، بعد مرحلة طويلة من التحضير الفكري والنشاط التنظيمي والنضال في صفوف المثقفين والعمال . وقد كان مؤسس البعث الأستاذ أحمد ميشيل عفلق قد أكمل دراسته الجامعية في السوربون واختص في التاريخ وأطلع مباشرة على التيارات الفكرية المعاصرة ، وكان الشاغل الرئيسي بالنسبة إليه ، وللجيل الذي ينتسب إليه ، شاغلاً نضالياً وحضارياً بقدر ما هو شاغل فكري . فقد كان يتحسس مشاكل الأمة بكل أبعادها القومية والاجتماعية والثقافية والروحية ، وكان يصطدم بنقص الأجوبة التي كانت تقدمها الأيديولوجيات الدينية والقومية والاجتماعية في مرحلة الثلاثينات . وكان الهم الأول هو اكتشاف الطريق الى الحرية والى التقدم الأصيل . وفي ضوء هذه المعاناة الفكرية والنضالية تتحول حب الوطن ، والاعتزاز بتراث الأمة الروحي والحضاري ، والاعجاب بالأفكار التقدمية لعصرنا ، الى ينابيع متكاملة في انضاج ( أيديولوجية عربية ) ، تستند الى موقف تقدمي من الماضي ، وموقف ثوري من الحاضر ، وموقف حضاري من المستقبل . ووفق هذا المنظور ، حدد البعث العلاقة بين العروبة والإسلام . أ. فهي ليست علاقة ( تضاد ) : فالنص الوارد في كتاب ( في سبيل البعث ) للأستاذ عفلق يقول (2) : (( كان التفكير السطحي قبل ظهور حركتنا ، يوحي أو يوهم بوجود تضاد بين القومية وبين هذا التراث الروحي بحجة الحرص على العلمانية . ولكن وجدنا أن لا تعارض بين العلمانية وبين الاعتراف بما يغذي روح حضارتنا من تجارب ماضي شعبنا الغنية )) . وفي هذا النص انتقاد للمفهوم العلماني التقليدي الذي يكتفي برد الفعل على النزعة السلفية ، دون أن يأخذ بعين الاعتبار أهمية التراث القومي والروحي للأمة ، كمحرك حضاري للنهضة العربية الحديثة . وعلى هذا الأساس ، يحدد البعث نظرته العلمانية الجديدة من خلال النص التالي (3) : (( العلمانية التي نطلبها للدولة ، هي التي بتحريرها الدين من ظروف السياسة وملابساتها ، تسمح له بأن ينطلق في مجاله الحر في حياة الأفراد والمجتمع ، وبأن تبعث فيه روحه العميقة الأصيلة التي هي شرط من شروط بعث الأمة )) . ب. ثم أن العلاقة بين العروبة والإسلام ، ليست علاقة دمج : وهذا يتضح من خلال النصوص المتعددة التالية (4) : (( الدولة الدينية ، كانت تجربة في القرون الوسطى ، وتجربة انتهت بالفشل ، وكلفت البشرية كثيراً من الجهد والدماء ومن المشاكل ، وحدثت تقريباً في أوقات متقاربة ، في البلاد الإسلامية وفي أوربا المسيحية )) .. (( البعث حركة قومية تتوجه الى العرب كافة على احتلاف أديانهم ومذاهبهم ، وتقدس حرية الاعتقاد ، وتنظر الى الأديان نظرة مساواة في التقدير والاحترام )) . ج. العلاقة إذن حسب منظور البعث هي علاقة استقلال من جهة ، وتكامل من جهة أخرى : فالعروبة والإسلام ، مستقلان من حيث أنهما ( قومية ) و ( دين ) . ولكنهم متكاملان باعتبارهما ثورة شاملة على الواقع ، تتجاوز كلاً من الاطار الديني الخالص والاطار القومي الخالص الى الأفق الحضاري الإنساني الجامع لهما . فقد نظر البعث الى الإسلام من خلال كونه ( ثورة شاملة ) ، والنص التالي يوضح ذلك (5) : (( الإسلام عند ظهوره هو حركة ثورية . حالة الثورة هي حالة واحدة لا تتجزأ . وهي قبل ألف سنة وبعد ألوف السنين : الثورة واحدة . لها نفس الشروط النفسية . ولها نفس الشروط الموضوعية أيضاً الى حد كبير . ولذلك من الطبيعي جداً أن يكون أقرب الناس الى الإسلام فهماً وتحسساً وتجاوباً هو الجيل الثوري . الجيل الثائر على الفساد . لأن لا دين مع الفساد والظلم والاستغلال . فالدين الحقيقي هو دوماً مع المظلومين ومع الثائرين على الفساد )) . د. فحالة الثورة هي التي تجعل العلاقة بين العروبة والإسلام عللاقة تكامل ، بالرغم من استقلالهما . ولذلك رأي البعث في هذه العلاقة خصوصية متميزة لا تتوفر لا في التجارب التي دمجت الدين بالقومية ، ولا في تلك التي باعدت وفصلت بينهما . لأن المسألة في الحالتين بقيت علاقة بين ( قومية ) من جهة و ( دين ) من جهة أخرى . أما على صعيد العروبة والإسلام فإن ما يجمع بينهما بالرغم من استقلالهما ، فهي حالة الثورة التي تتجاوز القومية والدين الى بعث الوجود الذاتي والموضوعي للإنسان ، وللمجتمع الذي يعيش فيه ، من أجل تحقيق رسالة إنسانية . وعلى هذا الأساس وجد البعث أن المعنى الذي يفصح عنه الإسلام بالنسبة الى العرب في هذه المرحلة التاريخية المعاصرة ، يتمثل فيما يؤكد عليه النص التالي (6) : (( المعنى الذي يفصح عنه الإسلام في هذه الحقبة التاريخية الخطيرة ، وفي هذه المرحلة الحاسمة من التطور ، هو أن توجه كل الجهود الى تقوية العرب وأهدافهم ، وأن تحصر هذه الجهود في نطاق القومية العربية )) . فالمحركان التاريخيان للنضال العربي ينبغي أن يتكاملا في تحقيق مشروع الانبعاث الجديد . فالعروبة ثورة شاملة معاصرة ، كما كان الإسلام ثورة شاملة في الحياة العربية قبل خمسة عشر قرناً . وكلاهما يشكلان حياة متكاملة صاعدة للعرب في طريق المشاركة الإنسانية في الحضارة ، فالإسلام ، كما تقول نصوص البعث (7) ، قد كان ( حركة عربية ، وكان معناه : تجدد العروبة وتكاملها ) . وكانت رسالة الإسلام تعني بالدرجة الأولى ( خلق إنسانية عربية ) . لذلك فإن مفهوم البعث للقومية يتسم بالبعد الإنساني وبالبعد الروحي ، جنباً الى جنب مع ابعاده الاجتماعية والديمقراطية والقومية ، لأنه مفهوم حضاري يتنسد الى منظور ثوري علمي شمولي . وعلى هذا الأساس ، كان رفض البعث المزذوج ، للتعصب القومي وللتعصب الديني ، وللنظرة الأممية ، التي تتسلح بالدين أو بالأيديولوجية الماركسية ، لغرض نظرة شمولية ونموذج واحد وبسط امبرياليات جديدة على البشر . ومصادرة الحرية والتجاوز على حقوق الإنسان . أي على روح الحضارة الحديثة التي تتفق مع روح الديانات والحضارات الخالدة في التاريخ . وهذا يتضح من خلال النص الآتي ( : (( فهمنا للعروبة يختلف كثيراً عن المفاهيم التقليدية .. لبقومية المغلقة المتعصبة أكبر خطر علينا ، لأنها تغذي الفروق وتمزيق وحدة الشعب . لقد وجد في البلاد العربية من تبنى النظرية النازية ، وصور العروبة بأنها مقتصرة على نوع معين وعدد معين من الناس ، وأنها تفاخر واستعلاء على الآخرين . وطبيعي أن يحدث هذا رد فعل وأن تشعر الأقليات ( الأثنية ) بأنها مهددة بوجودها أمام مثل هذه القومية ، كالأكراد والآشوريين والأرمن .. فنحن أحوج ما نكون الى مفهوم صحيح للعروبة نقدمه للعالم وللحضارة وللتفكير الإنساني .. إننا فسرنا قوميتنا بالاشتراكية وبفكرة الحرية )) . وهكذا فإن الثورة ( الوحدة والحرية والاشتراكية ) التي ينادي بها البعث ، تحتم على البعثي أن تتوافر فيه شروط صعبة جداً وتكاد تكون متناقضة فيما يتعلق بتقرير العلاقة بين العروبة والإسلام . فهو كما يقول النص التالي (9) : (( البعثي حرب على كل تدجيل باسم الدين ، ولكنه في الوقت نفسه ، يعرف حقيقة الدين وحقيقة النفس الإنسانية أي هي إيجابية ، قائمة على الإيمان .. فعندما يحارب الرجعية عليه أن يتذكر دوماً أنه يؤمن بالقيم الإيججبية والقيم الروحية ، وإنه إنما يحارب تزييف القيم ولا يحارب القيم نفسها )) . العروبة والإسلام في منظور البعث تعبيران متكاملان إذن عن ثورتين تاريخيتين حضاريتين تجدان بالرغم من اختلاف الظروف والمرحلة انهما تنبعان من منبع واحد هو استعداد الأمة العربية المتجدد للمشاركة الإيجابية في المصير الإنساني . هذا فضلاً عن كونهما تجابهان مشكلات أساسية متشابهة في الجوهر . فثورة الإسلام التي كانت ثورة على التجزئة والتخلف والسيطرة الأجنبية في المجتمع العربي – وهي الثورة المطلقة التي قادها نبي – تجد نفسها من جديد أمام الموقف التاريخي نفسه الذي جعل من العروبة بعد خمسة عشر قرناً ثورة على التجزئة والتخلف والنفوذ الأجنبي ضمن واقع العصر ومنطق الحضارة الحديثة . فعلاقة ( الاستقلالية والتكامل ) بين العروة والإسلام ، علاقة من طراز جدلي حي ، فالإسلام قد خرج من العروبة ليصبح أفقها الحضاري ، وسماءها الروحية ، ولتبقى هي ، قاعدة انطلاقه وتجدده . وقد تأكد جوهر هذه العلاقة من خلال التطور التاريخي الذي سار فيه المجتمع العربي وكذلك فيما كان يطرح أيضاً خلال المراحل السابقة من علاقة بين ( الحكمة والشريعة ) من إتصال وانفصال ، وبين ( الدولة والرسالة ) وبين ( القومية والدين ) .. ففي مراحل النهضة والصعود ، كانت علاقة ( الاستقلالية والتكامل ) تتشابك وتأخذ شكل ( وحدة ذاتية وتطابق موضوعي ) . في حين انها كانت تميل في فترات النكسات الى التصدع والافتراق . لذلك كلما كانت الدولة العربية تبتعد عن رسالتها كانت تقترب من النكسة الحضارية . وكذلك كلما طغى التيار الشعوبي المعادي للعروبة ، واختلت المعادلة بين ما هو عام في الإسلام وما هو عربي فيه ، تعرضا معاً الى نكسة حضارية . وعندما حلت التجزئة السياسية في الوطن العربي ، كانت التجزئة الطائفية قد طغت ، وتحولت الفرق الإسلامية التي كانت أشبه بمائة زهرة تتفتح في عهود الازدهار التي مر بها المجتمع العربي ، الى القوقعة ، تتنافس وتتصادم ، كما كانت القبائل في مرحلة ما قبل الإسلام . فالانبعاث الروحي والحياة الروحية لم تعد ممكنة التحقيق إلا في ظل النضال الموحد من أجل الحرية والتقدم الحضاري والوحدة التي تجمع العرب حول هدف حضاري إنساني ، يساهمون من خلاله مع تجارب النضال الأخرى في العالم ، ومع شعوب العالم في بناء عالم جديد ، بنظام اقتصادي جديد ، وبعلاقات دولية قائمة على أسس التكافؤ والعدل ، وعلى الإيمان بقدرة الإنسان على التغلب على معيقات بناء إنسانية جديدة . لقد وجد المشروع الانبعاثي الذي طرحه البعث منذ أربعة عقود كتصور متكامل لبعث الأمة العربية في المرحلة التاريخية الراهنة ، صدى إيجابياً في التجارب العربية التي جاءت في مراحل الخمسينات والتينات ، كالتجربة الناصرية ، والتجربة الجزائرية والثورة الفلسطينية ، لأنها بالرغم من أنها لم تنطلق من مفهوم تقدمي للعروبة ، ومن نظرة ثورية الى الإسلام ، ومن نظرة أصيلة الى علاقة العروبة والإسلام ، فإنها تأثرت بتصور البعث لهذه العلاقة . وبهذا الوضوح المبدئي ، والكثافة الروحية ، استطاعت تجربة البعث الثورية في العراق ، أن توقف خطر الموجه الرجعية التي ركزت عدوانها عليه . لأن تلك المبادئ التي أطلقها البعث قبل أكثر من أربعين عاماً ، قد تجسدت في تجربة حية صاعدة وفي أجيال حضارية جديدة ، وإنسان جديد ، ولأن ما فيها من كثافة روحية ومن استلهام لروح العروبة والإسلام يزودانها بقوة تاريخية .
نـواصـل >>>
|
|
|
|
|
|
|
������� ��������� � ������ �������� �� ������� ������ ������� �� ������
�������
�� ���� �������� ����� ������ ����� ������ �� ������� ��� ���� �� ���� ���� ��� ������
|
� Copyright 2001-02
Sudanese
Online All rights
reserved.
|
|