|
Re: الإسـلام والعـروبـة فـي منـظور حـزب البعـث العـربـي الاشـتراكـي (Re: حسين يوسف احمد)
|
لعلكم تذكرون كيف دخل ( نابليون بونابرت ) مصر عام 1798 ، حاملاً لوحات كتبت فيها آيات القرآن الكريم الى جانب حقوق الإنسان ، كرمز لإلتقاء التراث العربي بالحضارة الأوربية .. منذ ذلك الحين ، بدأت الأنظار تتجه الى حقيقة جديدة في النهضة العربية الحديثة ، عبرت عن نفسها من خلال تتابع أجيال من المفكرين ، وفي حركات الإصلاح الديني ، التي بدأت مع الحركة الوهابية (1744-181 فكان مفهوم ( بعث الإسلام ) و ( بعث العروبة ) متكاملين لدى الرواد الأوائل لتلك النهضة . ( فجمال الدين الأفغاني ) (1) ، يعتبر ( لغة الإسلام ) وهي ( اللغة العربية ) المعيار الأول ، ويتحدث عن ضرورة ( تعريب الترك ) كرد فعل على سياسة ( تتريك العرب ) في الدولة العثمانية ، لكي تصبح الأمتين أمة واحدة ويزول التعصب القومي تحت راية ( القرآن ) . وفي مطلع القرن العشرين ، كان تلامذة ( الشيخ محمد عبدو ) و ( عبدالرحمن الكواكبي ) ، يربطون اليقظة الإسلامية بدور قيادي للأمة العربية . وكذلك ( ابن باديس ) الذي كان يعتبر النبي محمد ، رسولاً للإنسانية ، ورجل الأمة العربية في آن واحد . وحتى في مطلع الثلاثينات ، نلاحظ ( حسن البنا ) مرشد الأخوان المسلمين في مصر ، يعتبر الطريق للوحدة الإسلامية هو الطريق الى الوحدة العربية ، وهو لا يجد تعارضاً بين ( الدائرة الإسلامية والعربية والوطنية والإسلامية ) . ولكننا نلاحظ منذ الثلاثينات وجود تيارات متعارضة في طريقة فهمها للعروبة والإسلام لأن بعض هذه التيارات قد استسلم بسهولة للنظريات التي كانت تطرح نفسها بقوة من خارج سياق النهضة العربية ، فالفاشية ، والماركسية ، والنزعات الاشتراكية والليبرالية والعلمانية ، قد وجدت طريقها الى تلك التيارات بكل ما تحمله من مفاهيم عن القومية والدين والعلاقة بينهما . كما أن التيار السلفي قد تذرع برد الفعل على تلك المفاهيم والنظريات ، واكتفى بالعودة الى الماضي وبالاستسلام لمفاهيمه التي تكونت بدورها خارج اطار المرحلة الراهنة . وعلى هذا الأساس ، نستطيع أن نميز ثلاثة اتجاهات رئيسية في المرحلة التي سبقت نشوء البعث وهي : أ. ( الاتجاه الديني ) الذي كان يركز على الطابع العالمي للإسلام ( L’universalisme ) وعلى ( الفكرة الإسلامية ) أي الايديولوجية الدينية ، التي تعتبر تعاليم الإسلام تغني عن أية أيديولوجية أخرى . فشريعته هي شريعة السماء ، وهي صالحة لكل زمان ومكان ، وهي تغني عن الشرائع الوضعية التي هي من صنع البشر ، والإسلام دين ودولة والفكرة الإسلامية موجهة للناس أجمعين . لذلك فإن القومية تتعارض مع الطابع العالمي للإسلام . وقد تطور هذا ( الاتجاه الديني ) تطوراً متزايداً ، نحو مواقف أكثر سلبية من العروبة ، وباتجاه الفصل بينهما ، كما أن هذا التطور سار في طريق توظيف متزايد للمفاهيم الإسلامية توظيفاً سياسياً ، ونحو تأثر أكثر وضوحاً بتيارات فكرية إسلامية خارج الوطن العربي . كأفكار المفكر الإسلامي الهندي ( المودودي ) ، وكالخمينية في إيران ، التي كان تأثيرها السياسي أقوى من تأثيرها الديني .. فقد انعشت التيارات الدينية ، إلا أنها طرحت أمامها نموذجاً للحكم الإسلامي ، لم تتوفر فيه عناصر التعبير عن الصورة المشرقة للإسلام . لذلك فإن حصيلة تأثير الموجه الخمينية قد انحصر في دفع التيارات الإسلامية في الوطن العربي باتجاه المزيد من العنف ، وباتجاه المزيد من معاداة الاتجاهات التقدمية ، والابتعاد عن العروبة ، والانتقاص من أهمية البعد التاريخي لعلاقة العروبة بالإسلام ، الذي يرجع الى عام 610 م عندما بدأ الرسول دعوته داخل المجتمع العربي ، وأطل على الإنسانية من خلال نضال كانت أدواته ولغته ومحيطه ، عربية ، وكانت فيه فكرة التوحيد الإلهية مقترنة بتوحيده للمجتمع العربي . كما كانت فكرة الإله الواحد طريقاً لتوحيد الأمة بالإنسانية .. وقد ذهبت الدوافع ( الشعوبية ) أي المعادية للعرب الى حد إنكار ذلك كله وتصوير المرحلة العربية السابقة للإسلام بأنها مرحلة ( جاهلية ) أي مرحلة ضياع تام ، وعماء ( Cahos ) مطلق وإنها لم تكن تجمع سوى الجهل والضلال والكفر . وأن الإله قد اختار الجزيرة العربية ومجتمعها ، لحكمة إلهية ، ولتحقيق معجزة تفوق تصور البشر . وقد تأثرت الكتابات ذات الطابع الديني الخالص بهذا المنطق الذي لا يقيم وزناً للتحليل الاجتماعي والتحليل التاريخي . لذلك لم تهتم بدراسة المرحلة السابقة وتناقضاتها ، وكيف قدم الإسلام لتلك التناقضات حلولها . ولا بالعلاقة التي تربط النبي بمجتمعه ، وبمعاناة شعبه .. ولذلك أيضاً لم تتمكن التيارات المختلفة للاتجاه الديني أن تعترف أو أن تكتشف عناصر إيجابية في المرحلة الممهدة للإسلام ، لأنها كانت تنطلق من نظرة لاهوتية ظلت تحاول جاهدة أن تدعمها بتفسيرات ذات مظهر علمي أحياناً .. ولكنها شأن كل فكرة ( سابقة للتجربة ) ، وقناعة متبلورة خارج اطار البحث الموضوعي ، لم تتمكن من رؤية المسار التاريخي والحضاري للعروبة والإسلام واكتفت بأن تطلق أحكاماً مطلقة وغير موضوعية ، وبخاصة في حق العروبة ، والعلاقة بين العروبة والإسلام . ب. أما الاتجاه الثاني الذي نتبين جذوره في المرحلة السابقة لنشوء البعث . فهو ( التيار القومي ) المتعصب للقومية كرد فعل على محاولات الانتقاص منها والتقليل من شأنها . وقد أخذ طابع الدفاع عن العروبة وعن دور العرب في نصرة رسالة الإسلام والنهوض بأعباء الجهاد من أجل انتصارها وتبليغها للأمم الأخرى . ولهذا الاتجاه القومي بعد تاريخي يصعد الى القرن التاسع الميلادي عندما قام أدباء ومفكرون أمثال الجاحظ بالتصدي للحركة الشعوبية في العهد العباسي . بيد أن الاتجاه القومي في الثلاثينات من القرن العشرين ، قد تأثرت بالنزعات العرقية التي برزت في الأيديولوجية القوية في أوربا ، وبخاصة الحركة النازية . لذلك انصب اهتمام الاتجاه القومي العربي على إبراز أهمية البعد القومي للإسلام ، سواء من حيث لغة القرآن أو كون النبي محمد عربياً أو كون الجيل الأول للإسلام هو جيل عربي وكون المجتمع الذي ولد فيه الإسلام هو أيضاً مجتمع عربي ، وأن المعارك الأولى للإسلام هي داخل هذا المجتمع العربي والانتصارات الأولى هي انتصارات العرب على أنفسهم حتى استطاعوا أن يقوموا بنشر رسالة الإسلام في العالم . وأن الإسلام لا يمكن أن يفهم من الداخل فهماً عميقاً إلا من خلال هذه الوحدة بين العروبة والإسلام . فالمطالبة بينهما تكاد تكون أساس نظرة الاتجاه القومي الى العلاقة بين العروبة كقومية وبين الإسلام كدين . على أن بعض تيارات هذا الاتجاه القومي ، كانت قد ذهبت من جهة أخرى نحو المبالغة في التركيز على العامل القومي ، الى درجة اعتبر معها الأستاذ ( زكي الارسوزي ) المرحلة التي سبقت ظهور الإسلام بمثابة العصر الذهبي للعروبة . وذلك على النقيض مما كان يطلق عليها التيار الديني اسم ( الجاهلية ) . فقد أبرز التيار القومي بعض الحقائق الإيجابية لهذه المرحلة ، من حيث تألق الشعر ، وبلوغ اللغة العربية قمة نضجها في التعبير عن عبقرية الأمة ، ومن حيث الفضائل الخلقية التي اتسمت بها حياة العرب ، والنزعة الفنية ، وتطور الظاهرة الروحية بعد انتشار الديانتين السماويتين ، اليهودية والمسيحية في الجزيرة العربية ، والتعبير المبكر عن تطلع الشعب العربي الى الوحدة بقيام التحالفات الكبرى بين القبائل ، والتي قام على رأسها ملك العرب منذ عام 328 ميلادية أي قبل ظهور الإسلام بثلاثة قرون . كما أن الاتجاه القومي يبرز أيضاً ما كان في مجتمع المركز أي مكة ، من ازدهار اقتصادي وتجاري قبيل الإسلام ومن اتصال حركة القوافل التجارية بالحضارات المجاورة آنذاك . وكذلك من قيام حكومة في مكة ومجلس للشورى ومن تلاحم بين الابعاد الاقتصادية والثقافية والدينية ، في مواسم الحج وأسواقه التي كانت تقام حول البيت الحرام قبل مجيء الإسلام . فالدين في مفهوم هذا الاتجاه القومي الخالص لم يكن سوى تعبير مضاف عن عبقرية الأمة العربية التي كان مجتمعها مهيأ دوماً لظهور الديانات السماوية المتعاقبة ، ولحمل رسالتها الإنسانية . فالظاهرة الروحية بهذا المعنى ليست سوى جزء من محتوى الظاهرة القومية العربية . وهو الجزء المعبر عن إنسانيتها . ج. بالإضافة للإتجاهين ، الديني والقومي ، شهدت المرحلة كتابات تأثرت بالفكر الماركسي ، ركزت على البعد الاجتماعي على حساب البعدين ، الديني والقومي . واكتفت بالكشف عن التناقضات الاجتماعية في المرحلة السابقة لظهور الإسلام ثم خلال انتشاره ، وعبر مراحل تطور الدولة العربية فيما بعد . فالى جانب الصراع بين القبائل ، اهتمت الدراسات الاجتماعية بابراز البعد الطبقي لهذا الصراع ، سواء بين القبائل الغنية – كقبيلة قريش – والقبائل الأخرى . أو فيما بين البطون العشرة التي كانت تتألف منها ، حيث كان رؤساؤها ( السادة ) ( الأغنياء ) هم الذين يؤلفون حكومة مكة ، التي كانت تضم طبقات متوسطة وفقيرة ومعدمة وعبيداً .. فقد نحت هذه الاتجاهات الاجتماعية منحى التركيز على العامل الاقتصادي الى درجة غابت معها صورة الإسلام كدين وكذلك صورة الأمة ، واعتمدت أحياناً في تفسيرها للإسلام على عبارة كارل ماركس التي تصف الإسلام بأنه دين الصحراء . ولم تر من الأمة غير قبائل متصارعة فالعروبة والإسلام في نظرها ( بني عليا ) للقاعدة الاقتصادية وهما أيديولوجيتان رجعيتان تعيقان تطور المجتمعات العربية والإسلامية . والغريب أن الكتابات الاجتماعية ذات الأصول الماركسية الأممية قد إلتقت مع الاتجاهات الشعوبية التي تنطق من مواقع عنصرية طائفية ، ركزت على العامل الاجتماعي واستغلته في التحريض على الثورة ضد الطابع العربي للدولة الأموية . ومن أجل القضاء على ما تبقى من سلطة للعرب في الدولة العباسية . فعندما ظهر البعث في مطلع الاربعينات من هذا القرن ، كانت الأيديولوجيات الدينية والقومية التقليدية والماركسية ، تتقاسم الرأي العربي حول الموقف من القومية ومن الدين . وقد كان للبعث موقف نقدي من هذه الاتجاهات والتيارات الفكرية ، اعتمد فيه على منهج جديد من التحليل يعتمد التعددية والتداخل في عوامل التحليل التاريخي والاجتماعي والحضاري . وعلى نظرة علمية شمولية للعلاقة بين ماضي العرب وحاضرهم ، وعلى منظور حضاري يتجه نحو المستقبل ، ويأخذ بعين الاعتبار التناقض الأساسي الذي يعاني منه المجتمع العربي في المرحلة الراهنة : وهو الانقطاع الحضاري المزدوج مع التراث الحضاري القومي ومع حضارة ذا العصر ، ومن جهة ، ثم حاجات المرحلة التاريخية الراهنة ، التي هي مرحلة انبعاث حضاري جديد .
نـواصـل باذنـه تعـالـى >>>
|
|
|
|
|
|
|
������� ��������� � ������ �������� �� ������� ������ ������� �� ������
�������
�� ���� �������� ����� ������ ����� ������ �� ������� ��� ���� �� ���� ���� ��� ������
|
� Copyright 2001-02
Sudanese
Online All rights
reserved.
|
|