|
Re: (كش... كش...كش)، عزف المكشاشة اليومي!! (Re: عبدالغني كرم الله بشير)
|
طفولة (3)
خرف الشمس
(كل شئ حين يكبر، سوف يخرف، مثل حبوبتك عشة)... هكذا إجابت خالتي فاطمة، حين دعوتها للعب معي في الطين قائلا: (خالتي فاطمة تعالي ألعبي معانا، أنا وحبوتي عشة).
هكذا قالت لي خالتي فاطمة، وهكذا سرح خيالي، للشمس، فأنا أحبها، ليس كحب الشعراء، ولكني لأني اكره الظلام، ففي قريتي لا أُثر للنور، فالنجوم تظهر جبروتها، والقمر يتسيد الجو في الليالي الملاح، وهكذا تصورت الشمس وقد خرفت مثل حبوبتي عشة، فحبوتي، تبكي مثلي، وتطلب الحلوى مثلي أيضا، وتتبول مثلي، في أي مكان يحلو لها، وتبلع حبات السبحة مثلي، وكأنها حلوى، أنني احبها، لأنها تمارس حياتها، كما تمليها عليها فطرتها الداخلية، لا كما يتطلبها الجو المحيط، (كما انا حبوبتي تتلكم مع الزير، والحائط وصور الحائط، مثلي، لأننا نسمع اصواتها، ونرى الخجل يتورد في خدودها)....
ولذا فقد خرفت الشمس، أنها أكبر من حبوبتي، بل من حبوبة حبوبتي، وكان من اكثر المتضررين من خرف الشمس، وجنونها، عم سعد، فهو يضع عنقريبه الخشبي كي يستمتع بظل الضحى، فكان يضع عنقريبه تحت غرفة طينية عالية، حتى يستمتع بظل الضحى، ولكن مع جهله بمكان شروقها كان يتعب كثير حين ينقل عنقريبه مع كل توقع خاطئ لطلوع الشمس، وهو المصاب بداء الروماتيزويم، بعد كل هذا الترحال، واللف والدوران حول الأرض، تعبت الشمس وخرفت، وضلت طريقها، لم تعد تظهر من قبل الشرق كعادتها، فقد صارت احياناً تشرق من الجنوب، وأحيانا تتوقف ولساعات طويلة في مكان واحد، بل احيانا تشرق من الشرق ثم تغير رأيها وترجع للشرق مرة أخرى، بل حصل أن وقفت ثلاثة أشهر كاملة في مكان واحد، ومن حسن حظنا فقد وقفت في مكان الغروب بالنسبة لقريتنا، وخلال هذا الشهر لم تحدث حالة طلاق واحدة، وللحق حتى العمدة، صار يحضر الحفلات العصرية، وصارت الصلوات كلها عصر فقط، والمواعيد عصر، وتفنن الناس، أول العصر، وهي الثمان ساعات الأولى، وأخر العصر، وهي الساعات الثمان الأخيرة، وقد صارت قريتنا المنسية عبر ا لتاريخ ملاذا للناس، وللشعراء، وللفنانين، وخاصة من الدول سيئة الحظ والتي وقعت في قلب الظهيرة، فقد حجت لقريتتنا، وقامت مطارات وفنادق، بسرعة جنونية، ولقد دعا الناس للشمس بالمكوث في الغروب، وكان اكثر الناس سعادة هم الشعراء ونبات عباد الشمس،، وفجأة غيرت الشمس طريقها، وذهبت للأعلى، صارت تمضي للأعلى، صارت كاللميونة، وبدأ ضوئها ضيلي، كأنها شعمة، ارتفعت اسعار البطاريات، ورخصت اسعار المراوح والمكيفات، وصار الارض كلها ليلاً لأول مرة، وارتفعت اسعار البطانيات بصورة مخيفة، البطانية الواحدة صارت بسبعة مليار، وفجاة بدأت الشمس تقترب من الأرض، تجاوزت موقعها القديم اقتربت اكثر من اللازم، بدأت البحار في الفوران، والتبخر، ولكنها غيرت رأيها فجأة، كملل الأطفال.
وأحيانا تلف الشمس بسرعة حول الارض، حتى يستحيل اليوم إلى دقيقة، بل ثانية، كانت تلف بسرعة فائقة حول الارض، وأكثر الأحياء تعباً هو زهرة عبادة الشمس، فقد تصحو وتنام، تركع وتقوم في جزء من الثانية، وكنا نهم بالذهاب للمدرسة، ونرجع من الباب، ولكن مع استمرار هذه الظاهرة، مرور الشمس السريع، صارت لنا قوى خارقة، بحيث يتركز الفكر، ويحفظ ويرى الاشياء بقوة، ونعمل اشياء كنا نعملها في ساعات طويلة، بل مقدورنا ان نحفظ النشيد الطويل في جزء من الثانية، ومع تكرار الحالة الخارقة لدى الجميع، صار الزمن طويلا، أن الثانية طويلة جداً، ففي متنها نحفظ القصائد، ونراقب ذواتنا، وننام، ونصحو، صارت أفكارنا اسرع من الضوء، وصارت الثانية أطول من القرن...
|
|
|
|
|
|
|
|
|