كان أخي الكبير (عبد العزيز)، يرسم في لوحة وهو جالس ظل الدار، كانت اللوحة جميلة، وهي عبارة عن قلعة على قمة جبل، ويتدفق من عل نهر جميل، واشجار جميلة على الشاطئ (كنت اسمع صوت العصافير، مجرد أن تودع ريشة أخي اللوحة)....
(داير ادخل اللوحة؟)......
نظر لي أخي بتمعن، وكأنه يراني لأول مرة، ثم واصل الرسم، (يارب يوقف اسئلته)، ثم رش لون برتقالي، وبكل بساطة، فبدت الشجرة تحمل ثمار برتقال جميل، أهكدا يخلق البرتقال (حتى في السماء!!)...
أشرت إلي شجرة بعيدة، تحتاج لعجلة للوصول إليها، ولكني سأركض، كانت الشجرة بعيدة، بالقرب من القلعة، بعد النهر مباشرة، بل على الشاطئ المقابل، (كيف اقطع النهر، وأنا لا أجيد السباحة)، وللحق لم أفكر في عبور النهر، كانت الشجرة تشغلني، فلم أفكر في الوسائل (وللحق لا استحالة مع الطفولة)... كان ظل الشجرة ساحرا، وهناك بقايا برتقال.. وأخاف ان يصابه العطن، قبل أن تلتهمه شفتاي!!
يا دثوري، دي لوحة، يعني بعدين، طول وعرض بس، والبعد الخامس خيال، وهو الأهم مجرد خيال، البعد الثالث ما موجود، كماء السراب.) رد اخي علي، وهو يخاطبني ب (دثوري)، دائما، (حتى في قمة غضبة مني)، يظل يدلعني (كان البكر، وكنت الصغير)..
أصريت على دخول اللوحة، والجلوس في الشجرة، (طبعا بكيت داير عجلة عشان الشجرة بعيدة في اللوحة)....
وللحق اخي لا يزجرني من الاسئلة، ولكنه يمضي في سبيله، وكأن الأسئلة لم تكن....
ظللت احدق في اللوحة، متعجبا من وقوف الشمس في كبد السماء طوال النهار، والمركب لم تقطع النهر لأسبوع كامل، وهناك معزة لم ترفع رأسها من السعدة، (وللحق أنا اعرف الاغنام)، أنها من اكثر الحيوانات مللا، وترفع رأسها كي تمضغ، وكي تشكر الراعي بنظر قله نظيرها، سوى بين الام والابن.....
والشمس، في اللوحة، فقدت انيابها، كنت احدق فيها ملء بصري، ولا أثر للعرق على صدري......
البعد الثالث هو الخيال، والبعد الرابع هو الروح، حين يسرح الخيال في الاعماق، يرى ما لا يرى، (أيها الإنسان، لا ضفاف لك)، فحيث المنتهى، شد الرحال!!.... هكذا كانت خواطر أخي، لم يقلها لأنني لأن أحس بأني لن أفهم ( كم مغرورون هؤلاء الكبار، وجهلى)..
(أغمض عينك، فاجمل لوحة رسمها الله في داخلك، فالخيال، واقع، يعاش، ويحس في الدواخل، بمقدور خيالك، أن يمطر في الشتاء، ويشعل النار في الماء، ويحيل الحجارة إلى خبز دافئ)، رد اخي علي، كي يعزيني في فشلي في الدخول إلى اللوحة....
معزرة، فقد كانت اللوحة جميلة، وخضراء، ومليئة بالزهور (فأخي ينفس بريشته عما يرتجيه)، فضوا الكبت، بطرق سوية، (ألم يقل فرويد مثل هدا)، أنه التسامى....
كل ردود أخي، لم تعجبني، أود الدخول في اللوحة، كما يدخل الضوء من خلال الزجاج، وكما تتدخل الأغنية إلى القلب!! لن أفسد عليك لوحتك، هل يكسر الضوء الزجاج؟!!....
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة