قبيل عيد الفطر المبارك!! وبالضبط مساء التاسوعة، وأنا اقف عاريا، كما ولدتني الحاجة سعاد، فوق السرير، كي أجرب قميصي الجميل والجديد، وكعادتي، تساءلت (الله بلبس قمصان؟).
فقال أخي الأكبر (عبد العزيز): لا فقلت متعجباً: الله عريان.
صمت أخي، وتعجب خالي، وزجرتني أختي (فاطمة)...
واصلت قفزي فوق سرير الياي، مستمتعاً بمعاندة الجاذبية الأرضية الشريرة، كنت أهوي، ثم يقذف بي (يايي السرير) مرة أخرى، إلى عالمي الأرحب، وعلى وجهي ارتسمت كل الأسارير المفرحة.
للحق، أنا مسكون بالتساؤل عن الله، (وهل للطفولة هم أكبر من ذلك) أرهقت أهلي في طفولتي، عن أمه! وأبيه!، وأين يسكن!، وحجمه!، (لماذا لا يموت، إن كان لا يأكل إطلاقاً).. وأرهقني في مراهقتي، فقد كنت مهدد بالجنون، فالأسئلة تتعقد كل يوم، مثل حيرتي، ولا جواب يشفي الغليل...
وللحق أيضا، هذه الحيرة هي التي جعلتني من أحب التلاميذ للمعلم العظيم (أحمد حسن)، والذي نحت بيديه الحكيمة، صنم عقلي، (إنه نهر من الصفاء والعمق والجمال)، كان يلقى حجر على بركة فكري، كي تنهض من سباتها، وكأن سقراط يقطن عقله، مع الحلاج وكانت وبوذا، كان شفوقا، وكأني خرجت من رحمه، مثل أمي معاً، كان يحب أن يعلمنا شئ أكبر من الحروف والمعلومات والدين، شئ لا علاقه له بدنيا السبورة المحدودة....
وفي طريقي للمدرسة، أمر بالمسيد، مسيد شيخ يوسف، وفي عقلي الرخو تصور الإله، (وقد أثارته رائحة البخور، ورمال المسيد وأوجه الدواريش الصبوحة):
لا بيت له...لا ينام.. لا ينسى...لا يعرق... لا يلعب لا يحاط... لا يخاف.... لا عين لا يمرض..... لا أم له.. ولا أب.. ولا يحب الشكولاته..
كيف يمكن ان اتصوره، ليس لدى أدنى فكره عنه......
في الفصل أكون نعسا، متعبا، من خوف الغول، وتلكم الأسئلة، فيصلني صوت التلاميذ المتعب، وكأنه جزء من الحلم وهم يجيبون على سؤال (ماذا ترغب أن تكون؟):
معلم، هكذا قال بركات ود عشه.. فراش... (رد سعيد).. سواق بص...( الطيب، والذي يتشعلق كل يوم في ظهر البص).. وحين افقت، والمعلم واقفا امام رأسي قلت : أريد أن أطير كالسنبر...
ضحك الاستاذ، وقال (ممتاز)... لم يضربي، (كما تتصورون) فقد كنت محفوظا، بل محظوظ جدا، مع هذا الاستاذ الجميل، والذي يعرف أكثر مني بأن الطفولة، لا حدود لها!!...
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة