نقد الانتلجنسيا السودانية

مرحبا Guest
اخر زيارك لك: 04-18-2024, 03:32 PM الصفحة الرئيسية

منتديات سودانيزاونلاين    مكتبة الفساد    ابحث    اخبار و بيانات    مواضيع توثيقية    منبر الشعبية    اراء حرة و مقالات    مدخل أرشيف اراء حرة و مقالات   
News and Press Releases    اتصل بنا    Articles and Views    English Forum    ناس الزقازيق   
مكتبة هشام ادم(هشام آدم)
نسخة قابلة للطباعة من الموضوع   ارسل الموضوع لصديق   اقرا المشاركات فى صورة مستقيمة « | »
اقرا احدث مداخلة فى هذا الموضوع »
06-19-2007, 03:32 PM

هشام آدم
<aهشام آدم
تاريخ التسجيل: 11-06-2005
مجموع المشاركات: 12249

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: نقد الانتلجنسيا السودانية (Re: هشام آدم)

    ______________________________

    نماذج نقدية

    التجربة الإبداعية لإبراهيم إسحق , لهي تجربة غنية . تجعلنا نتوقف عندها طويلا , ونحن نحاول سبر أغوارها , العصية في لغتها وتقنيات سردها وتنوعها الحكائي , الذي يتقاطع فيه الأسطوري مع الواقعي مع السحري ..
    القامة الإبداعية لإبراهيم إسحق لا تقل عن قامة الطيب صالح . فإسحق دون المبدعين الآخرين, الذين كتبوا منذ الستينيات. وعاصروا مرحلة التحولات الحداثية , شكلت كتابته نسيجا حداثويا منذ الوهلة الأولى على مستوى استخدامات اللغة والتقنيات ...

    وربما استخداماته للغة هي ما جعلته يعتني بشرح المفردات الواردة في متن روايته أخبار البنت مياكايا - على سبيل المثال - حتى لا تحول هذه الاستخدامات ومفرداتها في تلقي هذا النص الروائي المدهش .

    والولوج إلى عالم إبراهيم إسحق الروائي, لهو أمر تحفه المغامرة , لذا لا نملك أمام أعماله الشاهقة, سوى أن نأمل في التمكن - فعلا - من الكشف عن بعض القواعد الأساسية , التي ينهض فيها عالم إبراهيم إسحق الروائي, من خلال هذه الرواية البارزة: أخبار البنت مياكايا والتي يقول عنها: "كل الذي فعلته أنني أخذت قصة شعبية صغيرة ووسعتها من خلال الدراسة التاريخية (..) ووضع صورة واقعية لتلك القصة الشعبية , ومواجهة الأسئلة الملحة التي تفرضها أحداث رواية كهذه , في كيفية الاستطاعة على التفاهم وقبول الاختلاف بين العرب والشلك" (1 ) .. ويكشف هذا المجتزأ من كلامه عن مدى إدراكه لتوظيف الأسطوري في العمل السردي , بما ينطوي على أهداف نبيلة تعني بالحراك الاجتماعي , وعمليات التشكيل القومي, من خلال المعرفة الجمالية التي نتحصلها من النص دون تواطؤات أيديولوجية ..

    يحاول إبراهيم إسحق, عبر توظيفه للأسطوره. هدم هذا العالم - المحيط بمياكايا .. بنا - وإعادة بناءه من جديد , محاولا إبراز إسهام البسطاء البدائيين - إذا جازت التسمية - في صناعة هذا العالم الجديد والمعنى الاجتماعي العام لوجودهم ووجود الآخرين فيه . فهم, يمتلكون قدرة تامة على التفكير اللانفعي , إذ يتحركون بدافع الحاجة, أو الرغبة في فهم العالم المحيط بهم .. في فهم طبيعته وفهم مجتمعهم من جهة أخرى , كما نلاحظ - لاحقا - في علاقتهم بالتماسيح وأفراس البحر والأرواح , الخ ..

    وهكذا نجد هؤلاء الذين تخيم عليهم, أجواء الأساطير والوعي الأسطوري.. هؤلاء (العالم ثالثيون) المنسيين , الذين عبرت عنهم أخبار البنت ماياكايا , استطاعوا أن يمضوا في حياتهم, عبر وسائل فكرية ووجدانية , لا تقل أهمية عن وسائل الفيلسوف أو العالم (2)..
    وبهذا الوعي التام من قبل إبراهيم إسحق, لمعنى الأسطورة. وما تحمله من معرفة مختزنة, منذ آلاف السنين , بما يصوغ الإنسان في اللحظة الراهنة. على نحو ما وفقا لما كان عليه أسلافه - بهذا الإسقاط - تعاصر الرواية فضاء البلاد الكبيرة - خاصة أن أحداثها ووقائعها تجري في مساحة واسعة على امتداد النيل الأبيض من قلبه وصعودا إلى ادغال الجنوب فهذه المساحة الواسعة من الوسط والجنوب هي التمازج بين السكان الأصليين والوافدين , ومنبع سؤال الهوية !! - بأساطيرها التي شكلت وجدان إنسانها, وصاغت قوانين استمراريته, وطرق تفكيره وممارسته اليومية ..

    إن اعتناء إبراهيم إسحق بالأسطورة في أعماله الإبداعية المختلفة, يعكس الحاجة الملحة لتفسير الحاضر عبر هذا الماضي الذي ينطوي عليه حاضرنا بصورة من الصور , ولذلك نجد الأسطورة في شخصيات مثل الزاكي ود بخيت, الذي اشتهر لدى الأتراك وأعوانهم, باسم راصد القيزان وصار طريدا مطلوبا, من قبل السلطة التركية (3) . فالزاكي نموذج للبطل الخارج من قلب الجماهير الشعبية , والذي لديه القدرة على الإتيان, بضروب من الشجاعة والبسالة الأسطورية التي تستعصي على سواه , والزاكي ببطولته هذه يتبدى عن قانون اجتماعي ونفسي, حول الشخصية السودانية واستجاباتها لموضوعات صراعها الوجودي, قانون حكم مسيرة شعب اللوة العظيم بقيادة نيكانج في هجرته البطولية مصارعا الطبيعة وعابرا البحر الكبير , إلى أن وصل إلى تخوم الجنوب وشكل قبائله المختلفة .. ذات القانون يمكننا ملاحظته في شخصية أسطورية مثل مرين (4) الطفل الصغير الذي اتسم بالشجاعة والجرأة إلى الحد الذي جعله يواجه المفتش الإنجليزي .. هذا القانون الذي يتخذ مظاهره المختلفة يرتبط في أعمال إسحق بصراع الإنسان ضد قوى الطبيعة - الناهضة في قلب الليل بكل ما يحتوي من هيبة المبتدأ ورعب القرون الماضية - وتوسله للماورائيات والأسطورة والسحر..حينا كما في أخبار البنت ماياكايا أو بتصعيد البطولة في الأشخاص العاديين, الذين ينتمون إلى عامة الشعب - كالزاكي ود بخيت ومرين - , وتحويلهم إلى أبطال ..

    ما أشرت إليه أتصور أنه من السمات الأساسية لعالم إبراهيم إسحق الروائي, الغني بالمعرفة بالتاريخ واللغة في بنيته الظاهرية والرؤيا الثرية للعالم في بنيته الباطنية .
    ففي أخبار البنت ميا كايا على المستوى الظاهري للنص , نتعرف على كثير من الألفاظ غير المألوفة لأذننا التي شكلتها ثقافة الوسط , ونتعرف على أسماء العديد من الأماكن, والمواقع الوظيفية في جهاز القيم الهرمي, بل ونكاد نمتلك شجرة نسب , نمضي على هداها مستكشفين أغوار الرواية.. تماما مثلما نكتشف على المستوى الباطني الرغبة في هدم هذا العالم, الناهض في قلب الظلام بسحره وشعوذته , وبناء عالم آخر جديد متحرر من سلطة الظلام على كل شيء حتى قصص الحب الجميلة ..
    هذا الظلام الكثيف الذي يخيم على فضاء الرواية - وهو ما لاحظه أيضا الصديق الناقد المصري أحمد الشريف -, الذي هو مثير الذكريات , ومتكأ الإنسان عندما تهتاجه الانفعالات والأشجان ..هو ملك الزمان , وهو الرحم الذي خرجت منه البشرية إلى فجرها.. وهو رمز الصراع الدائم على قاعدة الأضداد الثنائية : الظلمة / النور .. الخير/ الشر .. ولطالما ارتبط بالسحر والخرافة والأساطير , وظل مكمن خوف الإنسان , ورمزية لا شعوره.. هذا الظلام الذي تكون فيه الإنسان جنينيا بمثابة الرحم , الذي ينطوي على النور , بمثابة الرحم للوجود الإنساني في الصراع الدائم لأجل الاستمرارية والبقاء .. لقد وظف إسحق الليل كثيرا, في هذه الرواية . على هذه القاعدة, التي يقابل فيها الأسود/ الأبيض .. ولقاء الأضداد عموما ظل يشكل محورا للإبداع الإنساني بأجناسه المختلفة ومن هنا يمكننا الزعم - على مستوى التأويل - أن الظلمة أو الليل في أخبار البنت ميا كايا تطرح سؤلا مستمرا : هل هو ليل الإنسان أم الليل الناتج عن الحركة الظاهرية للقمر المضيء حول الأرض .. . أم هي تلك الأفكار التي تنبع ليلا من اللاشعور أشبه بالأساطير فللأساطير ملامح حلمية والليل هو لا شعور السلطة كما الريف أيضا حيال المدينة , وكما بلاد المستعمرات حيال المراكز الاستعمارية .. لكن هل النهار هو مفتاح المعرفة ومعراج الرقي؟ تركيز إسحق على تعاقب الليل والنهار في هذه الرواية لا يتوقف عند الإحالة إلى ليل الأساطير .. ليل مايكايا المطرود في أعماق اللاشعور حيث القدرات العجائبية.. ربما ليل الإنسان الراهن , بعد وقت طويل من فجر ميكايا ..


    أخبار البنت مياكايا:
    أخبار البنت ميا كايا يأتي اختلافها عن أعمال إسحق , الروائية والقصصية الأخرى, في كون مسرحها هو النيل الأبيض , فأحداثها التاريخية, والمستلهمة من وقائع حدثت في القرن السادس عشر, تجري على امتداد واسع, من أطراف الجزيرة ابا إلى مقرن السوباط وبحر العرب - ويمكن الإحالة هنا أيضا, إلى مقرن النيلين الأبيض والأزرق, موطن الشلك الأول "توتي" - . على عكس مسرح الأعمال الأخرى لإبراهيم إسحق: أم درمان اوقري وحلالات غرب السودان..
    عالم هذه الرواية " أخبار البنت مياكايا ", محتشد و متشابك ومكثف . تنساب فيه اللغة بكل شاعريتها ومحتوياتها التاريخية , لتدفق عبرها الأزمنة والحكايات التي لا تخلو من شجن : عن أسلافنا وتاريخنا "الشخصي" - هذه الحكايات الخرافية والتي "ليست خرافية"- والتي كانت جداتنا "تحجينا" بها كل مغرب بعد أن نشرب الحليب استعدادا للنوم. مع إبراهيم إسحق في أخبار البنت ميا كايا تتداعي إلى أذهاننا كل حكايا طفولاتنا , لنخرج من قلب هذه الطفولة إلى اللحظة الراهنة التي أراد أن ينقلنا إليها إسحق , ويتركنا عند مفترق أسئلة عن الأمس واليوم ونحن ..

    إن إبراهيم إسحق يستعيدنا إلى لحظات عزيزة علينا, تعود إلى عهد براءتنا ودهشتنا البكر , فنرقب معه الآن التحولات التي طرأت علينا , فنشعر بالمرارة لاندثار مؤسسة الجدة "الحبوبة" . صحيح أنها رواية قصيرة, لكنها متخمة بالأشياء والعوالم التي تعبر عن البدايات في قلب عالم يمور بالأساطير والخرافات, التي تعطي الحياة لكل شيء في هذه الجغرافيا التي يرتبط فيها الإنسان بالطبيعة البكر حيث تعكس حال الأشجار والنهر , والهمس السري وهمس اللغة , ما يعتمل في النفوس "من جهة النهر هدأ الحال تماما , فلا شجار ولا غزل إلا غرغرة الماء على الجروف , كالأبد يهمهم الدفاق بأسرار كونية كالطلاسم" (5).. يهدأ كل شيء وتبقى الطبيعة/ الإنسان وحدها , متحفزة للتواصل ..

    أخبار البنت مياكايا غنية بنهوضها في اللغة والتاريخ والذاكرة الشعبية , التي عندما نقرأ تقاطعاتنا فيها نكتشف مدى ما فقدناه من حنين .. فهي رواية تستعيد الحنين الهارب منا مرة أخرى إلى داخلنا ؛ ليتخذ شكلا معذبا وملتاعا, في الحكي المشحون بالرموز, والدلالات والأساطير والأقنعة ..
    إذ يوظف إسحق كل ذلك وفقا لآلية التضمين, من خلال اصطناع عدد من الأساليب المحايثة , في السرد , حيث نجد أن آراء طبيعة النفس الإنسانية - إيحاء - والإنسان البدائي, والتمازج بين العرب والسكان الأصليين.. كل ذلك نجده دون تنظير, بقدر ما هو معرفة عميقة بالتاريخ والذاكرة الشعبية, تحملها الرؤيا الباطنية للرواية .. ربما هي الحاجة الملحة عند إسحق, في محاولة تدمير القوالب, والديمومات والرتابة, دعته إلى اقتراح هذا الشكل الروائي أخبار البنت مياكايا (6) .. هذه الرواية المتمردة في شكلها ومضمونها على ما هو سائد , وتشكل بنضجها خط شروع جديد للرواية الاستيهامية , في السودان ..
    من خلال اللغة الإشارية بين غانم العربي, وماياكايا ابنة رث الشلك, يتعرفان على بعضهما- في الليل - وتنشأ العلاقة بينهما لتفضي في نهاية المطاف إلى الزواج . لتنهض في لغتهما الإشارية أسئلة اللغة/ الثقافة/ التنوع .. مثلما تنهض لغة الرواية ذاتها, بتعابيرها غير المألوفة لثقافة وسط السودان التي ينتمي إليها غانم . لتفضي الرواية في التحليل النهائي إلى سؤال الهوية : هؤلاء العرب الوافدون, واختلاطاتهم بالقبائل الأصلية من خلال علاقة غانم بميا كايا . وحول هذا السؤال يخلق إبراهيم إسحق الحوار الداخلي للنص, بين مكونات الأنواع السودانية المختلفة , محيلا عبر لغة السرد الروائي إلى القوانين التي صاغت إنسان هذا المسرح الواسع , الممتد من الجزيرة ابا حتى قلب الجنوب .

    تحتشد أخبار البنت مياكايا ببنى حكائية - صغرى - عديدة تتشكل من الأساطير . مثل أخذ التماسيح لجثة زوج اينابور "يقولون أن جدتهم تمساحة فهي تستلم أولادها من كل جرف .. وأهلها هن أفراس البحر" (7) والوعي الأسطوري يهيمن على فضاءات الرواية, من خلال محاولات الاستفادة, من علاقة القرابة بأفراس البحر , الخ "فرس البحر التي تمرن أولادها على الشط الشرقي اغتاظت لمرورها . ترنمت أمامها وتعذرت لها بكلام حفظته عن أبيها , فما أجدى يقولون أنها وكل القرابات الدنيا تنسى علاقتها أحيانا بالشولو" (8) الخ من أساطير تشكل البنى الحكائية الصغرى إلى جانب البنية الحكائية المركزية (علاقة ميا كايا بغانم) ..

    منذ أول فقرة في الرواية, نلحظ تشابك وتعدد الرواة والشخصيات, وهو ما أشارت إليه دكتورة آسيا محمد وقيع الله, في بحثها القيم عن الأسطورة, في عالم إبراهيم إسحق الروائي (9) كما نلاحظ الروي الذي يتوسل صيغة الراوي/ المتكلم "جليل يغالطني يا حازم, من الذي يعرف هذه الأعاجيب هنا غير عمر وعبد القادر. يقول لي, ولا أجدني أرضى, أقول له يا جليل أقول لك حكاها لي رجل في محطة لواري على الرمال وراء ود عشانة تحت القمر والليل صاف وحله المساعد تكركر فوق اللهيب يحيكها لنا ذلك الحساني القادم من بادية الدويم" (10).. فهذه الرواية حاولت أن تلقي بكل أعباء المواقف والأحداث على شخصياتها , دون سلطة قابضة للراوي أو المؤلف , وقد نجحت في ذلك .

    نلاحظ أيضا أن نتوءات الجغرافيا وتعرجاتها , التي وسمت الإنسان حملتها لغة السرد فاتسمت بها , فجاء السرد معقدا , وانعكس ذلك وظيفيا على التقنيات المستخدمة (أعني بالتفاعل الوظيفي هنا التأثير المتبادل بين السرد والتقنية السردية) والاستخدامات اللغوية غير المألوفة - كما أشار أحمد عبد المكرم في بحثه القيم عن فتح مغاليق عالم إبراهيم إسحق الروائي إلى وعورة السرد في أعمال إبراهيم إسحق , وهي ملاحظة قريبة الشبه من ملاحظتنا - (11) . فأدب إبراهيم إسحق ينزع باستمرار- نحو البحث عن قيمة اكتشاف, أو تحليل شارح لواقع ما: كما يقول عبد المكرم - .. واقع ملتبس غائب أو معزول تسعى النصوص في تكاملها إلى تبيانه أو تجليته..

    أسلوب إبراهيم إسحق شديد الإيجاز والثراء .. ثراء موضوع هذه الرواية , التي تنهض تيمتها في الطبيعة الفسيحة جغرافيا والمعقدة إنسانيا , لكنها رغك كونها شائكة بهذا القدر من زاوية أخرى بسيطة , فهؤلاء الذين ارتبطوا بها "يتصارعون كالجواميس وبشراتهم تجمرت مثل أكباد الإبل ووجوههم عندما تشوه تصبح كالذي تمضغ في أحشائه الأفاعي, وهم حذرون ينسابون على تعاريج الشط كالثعابين, يتحركون عندما تموت الشمس ويهبط الظلام على الكون, يحيط بهم عواء الذئاب والثعالب والصقور التي تداوم على خطف الأرانب والقطى والجديان. عندما ترجع الشمس وتكشف أماكن الأنهر والبحار ومجاري الأودية وغابات السنط والجبال وجذوع الأشجار والبردي في المستنقعات وطين الماء الضحل, يمكثون في قطياتهم حتى يظلم الليل لمثل لون الغراب (12) هذه اللوحة التشكيلية , تشير إلى تقنية محددة لجأ إليها إسحق عبر توظيف الوصف في السرد التشكيلي بهذه الرواية , إذ نرى لوحة كاملة لإنسان بدائي وحياة برية , بطبيعتها الخلابة التي تنطوي على غموض الطبيعة وقوتها ومخاوف الإنسان .. فكل شيء في هذه الرواية يحدث باتفاق مع الطبيعة التي يحيطها الليل في رحمه, وظواهر هذه الطبيعة القابضة على فضاءات الرواية فحتى علاقة الحب بين غانم وماياكايا ترعاها هذه الطبيعة إذ تنشأ في ليلها المدلهم .. حيث يتم كل شيء في الرواية على قاعدة الأضداد الثنائية - على مستوى المضمون - كذلك على مستوى الشكل نجد تزاوج التراثي والحداثي والثقافي والشعبي التاريخي واليومي والعامي والفصيح والإيقاعي والسردي وذلك في ساق التفكك والتشظي وكسر النموذج وزواج غانم من ماياكايا هو الإيحاء بقصة كليلة ودمنة عن الليل والنهار والجرذين الذين يتناوبان قرض الحبل : الحياة والموت (13) فالحياة والموت كليهما مظهر من مظاهر هذه الطبيعة , وسمت به أبناءها فحمله سلوكهم وحياتهم .. ومثلما الشمس تموت لتحيا الدنيا بأسرها تولد من جديد "كأن الدنيا بأسرها ولدت من جديد عندما عوعى الديك" (14).. هذا الثنائي في خروج الحياة من الموت.. والموت من الحياة . وخروجهما كليهما من مصدرهما الأساسي : الطبيعة , يدفعنا إلى المجازفة بزعم أن النص يقيم حوارا مع التفسير الديني للخلق ..

    ____________
    هوامش :
    (1) كتابات سودانية "كتاب غيردوري". مركز الدراسات السودانية. العدد الثاني والعشرون . ديسمبر 2002 . ص :82
    (2) كلود ليفي شيتراوس. الأسطورة والمعنى . ترجمة صبحي حديدي . دار الحوار طبعة أولى 1985. ص:18
    (3) إبراهيم إسحق . وبال في كلمندو . مركز الدراسات السودانية 2001.
    (4) إبراهيم إسحق . مهرجان المدرسة القديمة . إدارة النشر الثقافي .طبعة أولى 1976 .
    (5) إبراهيم إسحق . أخبار البنت ماياكايا. مركز الدراسات السودانية . 2001.
    (6) السابق . ص 17
    (7) السابق ص :5
    (8) نفسه ص : 6
    (9) كتابات سودانية . مرجع سابق . ص :73
    (10) إبراهيم إسحق ." مرجع سابق " . ص 9
    (11) كتابات سودانية مرجع سابق . ص :95
    (12) إبراهيم إسحق .مرجع سابق .. ص : 63
    (13) مجلة إبداع . العدد العاشر أكتوبر 1997. ص 54
    (14) إبراهيم إسحق مرجع سابق .. ص 13

    بقلم : أحمد ضحية
    ...... كاتب وناقد سوداني مقيم في القاهرة

    المصدر
                  

العنوان الكاتب Date
نقد الانتلجنسيا السودانية هشام آدم06-19-07, 02:24 PM
  Re: نقد الانتلجنسيا السودانية هشام آدم06-19-07, 03:32 PM
    Re: نقد الانتلجنسيا السودانية هشام آدم06-19-07, 05:19 PM
      Re: نقد الانتلجنسيا السودانية هشام آدم06-19-07, 05:31 PM
        Re: نقد الانتلجنسيا السودانية هشام آدم06-19-07, 07:34 PM
          Re: نقد الانتلجنسيا السودانية هشام آدم06-20-07, 09:03 AM
            Re: نقد الانتلجنسيا السودانية هشام آدم06-20-07, 10:55 AM
              Re: نقد الانتلجنسيا السودانية هشام آدم06-20-07, 11:05 AM
                Re: نقد الانتلجنسيا السودانية هشام آدم06-20-07, 11:10 AM
                  Re: نقد الانتلجنسيا السودانية هشام آدم06-20-07, 11:43 AM
                    Re: نقد الانتلجنسيا السودانية هشام آدم06-20-07, 11:50 AM
                      Re: نقد الانتلجنسيا السودانية هشام آدم06-20-07, 12:09 PM
                        Re: نقد الانتلجنسيا السودانية هشام آدم06-23-07, 10:17 AM
                          Re: نقد الانتلجنسيا السودانية هشام آدم06-23-07, 10:51 AM
                            Re: نقد الانتلجنسيا السودانية هشام آدم06-23-07, 10:59 AM
                            Re: نقد الانتلجنسيا السودانية هشام آدم06-23-07, 11:06 AM
                              Re: نقد الانتلجنسيا السودانية هشام آدم06-23-07, 01:09 PM
                                Re: نقد الانتلجنسيا السودانية هشام آدم06-24-07, 08:56 AM
                                  Re: نقد الانتلجنسيا السودانية هشام آدم06-24-07, 09:01 AM
                                    Re: نقد الانتلجنسيا السودانية هشام آدم06-24-07, 05:15 PM
                                      Re: نقد الانتلجنسيا السودانية هشام آدم06-24-07, 05:33 PM
                                        Re: نقد الانتلجنسيا السودانية هشام آدم06-24-07, 05:43 PM
                                          Re: نقد الانتلجنسيا السودانية هشام آدم06-24-07, 05:52 PM
                                            Re: نقد الانتلجنسيا السودانية هشام آدم06-24-07, 06:40 PM
                                              Re: نقد الانتلجنسيا السودانية هشام آدم06-24-07, 06:46 PM
                                                Re: نقد الانتلجنسيا السودانية هشام آدم06-24-07, 06:52 PM
                                                  Re: نقد الانتلجنسيا السودانية هشام آدم06-24-07, 07:05 PM


[رد على الموضوع] صفحة 1 „‰ 1:   <<  1  >>




احدث عناوين سودانيز اون لاين الان
اراء حرة و مقالات
Latest Posts in English Forum
Articles and Views
اخر المواضيع فى المنبر العام
News and Press Releases
اخبار و بيانات



فيس بوك تويتر انستقرام يوتيوب بنتيريست
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة
About Us
Contact Us
About Sudanese Online
اخبار و بيانات
اراء حرة و مقالات
صور سودانيزاونلاين
فيديوهات سودانيزاونلاين
ويكيبيديا سودانيز اون لاين
منتديات سودانيزاونلاين
News and Press Releases
Articles and Views
SudaneseOnline Images
Sudanese Online Videos
Sudanese Online Wikipedia
Sudanese Online Forums
If you're looking to submit News,Video,a Press Release or or Article please feel free to send it to [email protected]

© 2014 SudaneseOnline.com

Software Version 1.3.0 © 2N-com.de