|
Re: نقد الانتلجنسيا السودانية (Re: هشام آدم)
|
___________________________
صفحة من دفتر الحياة!!
بقلم: د. عبد الله صالح
تحتوي هذه القراءة النقدية لرواية الكاتبة ملكة الفاضل عمر، والتي خرجت الى الوجود بعنوان «الجدران القاسية» على التحية والاحترام اللازم تسجيله لكل قلم يتوكأ على الكتابة في درب الابداع الانساني بصفة عامة، كما تحتوي على الوان واشكال من التهانيء بعد النشر. وبالنظر الى الظروف الغرائبية السلبية لعوالم الطباعة والنشر في بلد كالسودان، تميل وتختل جميع الموازين فيه لمصلحة الخبز قبل الكتابة والادب والفن بشهادة واقع الحال الاصدق من كل مقال. تشير السطور المنثورة عن السيرة الذاتية للكاتبة ملكة الفاضل، الى اشتغالها بالقصة القصيرة والشعر قبل كتابة او نشر روايتها موضوع هذا المقال.. ولا شك ان لهذين الحقلين الابداعيين، تأثيرا واضحا على قلم الكاتب عندما يضع نفسه مكان الراوي او الكاتب السارد او المخرج الصانع لاحداث العمل الروائي، باعتباره عالما مصنوعا من ذلك المزيج المركب: رواية الاوهام واوهام الرواية. فالشعر بانفتاحه على الكلام ـ تقليديا كان ام تفعيليا، او حداثيا ـ قادر على نشر وتوصيل العديد من اشكال المعاني والصور من جهة، كما انه الاقدر على ممارسة الاخفاء والغموض والتبختر في دهاليز الاستتار امام قاريء النص. وربما لهذا كله، تأتي مساهمته المفترضة في النص الروائي مطبوعة بطابع الترميز والاغناء لشعرية العمل وشاعريته، كما تشهد بذلك العديد من الاعمال الروائية التي كتبها شعراء مطبوعون، انتقلوا الى السياحة في عالم السرد الروائي المفتوح على اكثر من شخصية ومشهد، واوسع من زمان ومكان.
اما القصة القصيرة التي تتركز حكمتها وخلاصة هويتها في عنصر «التكثيف» الشبيه بضغط وتصفية واستخلاص المكالمات والعبارات والعبرات والمعاني والمشاهد والاحداث في قالب ادبي معين، هو القص وتقديمها للقاريء على هيئة «كبسولة» ادبية تحتوي على معناها ومبناها المحدد وغير المحدد بشهادةالتأويل او التفسير الذي يمتحن تذوق القاريء لها. وقد يكون مفهوما هنا الاتجاه نحو اعادة قراءة «عينة» رمزية من القصص الفائتة للكاتب نجيب محفوظ للتفهم ما تقصده عن كيفية الاشتغال والانتقال من القصة الى الرواية وبالعكس.
كان لا بد من هذه المقدمة قبل الدخول الى عالم رواية «الجدران القاسية» التي شيدتها مخيلة الكاتبة ملكة الفاضل خريجة جامعة الخرطوم التي كانت وما زالت وستظل معلمة ورمزا حاضنا وحاويا للتاريخ والتراث والهوية والآمال المستقبلية للمجتمع المدني السوداني الذي تشهد فعالياته بحضور ساطع لخريجيها في جميع مرافقه ومشاريعه السياسية منها او الاقتصادية والثقافية رغم التراجع المذهل لدورها في السنوات الاخيرة بسبب من الظروف المحبطة والمرهقة التي اقعدت الوطن وانسانه عن ذلك الدور الطليعي المنتظر.
ينفتح السرد الروائي في «الجدران القاسية» على مشهد «امبراطورية صلاح»: الشاب المحامي الذي يحظى بنوع من الرعاية والدلال عند اسرته ووالدته بصفة خاصة منذ طفولته. كان قد اختار مساحة من الباحة الخلفية من الحوش الكبير الحاوي لمنزل الاسرة الكبيرة ليقوم بتعميره وتسويره بشكل عفوي حتى اصبح بواقع الركن اليماني الاكثر رحابة ودفئا في الحوش فمن الاثاث المنتقى بعناية الى نباتات اللبلاب المتسلقة والشجيرات التي تزين المكان مروربا بـ«قلة» ا لماء الصغيرة و«شاي باللبن»وجلسة الانس الحميمية في المكان المصطفى على ضوء الفانوس الصغير. ان التفسير الرمزي لانفراد بطل روايتنا صلاح المدلل سابقا والمحامي لاحقا بهذا المكان او ا لحيز المكاني في مستهل الرواية والذي اختار الروائي ان يسميه «امبراطورية صلاح» هو التفسير الذي يشكل مدخلا يتجه نحو النفق المسود بتلك الجدران القاسية التي احاطت بفضاء ووقائع السرد البنائي لاحداث الرواية واتجهت بها الى البقاء بين الوقائع المحددة والخواتيم المحدودة نظريا ودراميا كما سنرى.
داخل هذا الحيز المكاني الخاص في الحوش الكبير وفي احضان الاسرة والوالدة وداخل مكتب خاص للمحاماة عاش صلاح حتى تعدى سن الخامسة والثلاثين و«مازالت امه تخاف عليه كأنه طفل صغير». ولكن.. وقعت الطامة الكبرى يوم ان اقتحم زوار الفجر منزلهم واقتادوه بهدوء وبرود شديدين الى المعتقل.. كان يتساءل حينما الجمته المفاجأة «لا بد ان في الامر خطأ» وكان الحي يغط بسكانه وقططه وكلابه في نوم عميق.
لم يكن صلاح سياسيا بالمعنى المفهوم كما يسجل الراوي اي انه لم ينتم الى اي تنظيم سياسي او حزب بعينه ظل مستقلا بافكاره وسط اصدقائه منذ ايام الجامعة.. «ظل الانسان قضيته الكبرى» وسخر مهنته كمحام وقلمه ككاتب صحفي لهذه القضية، للدفاع عن العدل والحرية. ولكن انزرعت المفارقة الدرامية هنا ـ في الرواية ـ في مشهد اعتقال رجل هو من هذا الصنف.. وايداعه غرفة مظلمة تنضح بالرطوبة وتضج بالعفونة والصمت والحيطان الرمادية والقضبان الحديدية.
كان من الطبيعي ضمن هذا الاتجاه الجنائزي ان يحظى هذا المعتقل السياسي بعلقة ساخنة حتى يعترف اويقر او يتقيأ ما كان وما سيكون من معلومات واحتمالات او مؤامرات تريد السلطة الوصول الى المبتدأ والخبر في شأنها. فالاعتقال بآلية زوار الفجر لا يكون عادة في الوطن العربي والبلدان المتخلفة ـ الا لاسباب سياسية تمس بامن البلاد او هيبة صاحبة الجلالة الحكومة او رموز السلطة او ربما احيانا لحسابات خاطئة في الجوهر ولكن لا بد وان يعطى الاعتقال والتعذيب فيها على المظهر حتى اشعار آخر. لقد تفنن زبانية المعتقل: تمساح و«شلته» في تعذيب صلاح المعتقل دون سابق انذار كما تبارى المحققون في استجوابه دون كلمة واضحة.. ويبدو ان بنية شخصيته الدرامية كمحام ملتزم بالدفاع عن العدالة وحقوق الانسان المتشفع له في مسلسل التعذيب كما لم تشفع له حالته الصحية المتردية ما دامت المعلومات المطلوبة من طرف المحققين غير كافية لتوقيف فنون التعذيب ودرجاته ويبدو ان الاستفزاز قد زاد من عناده فرفض اطلاقا الادلاء بأية معلومات عن معاملاته وعلاقاته كما رفض عرضا بالتعاون مع اجهزة الامن بعدما لمح المحققون بذلك من باب التخفيف عن التعذيب.
ننتقل الى مشهدآخر من الرواية حيث يطل علينا ضابط الامن برتبة رائد اختار له الراوي اسم «الطيب» وهو شاب لا يشبه الزمان ولا المكان الذي اعتقل وعذب فيه صلاح.. وقد نسج قلم الراوي علاقة روحية بين الاثنين انتهت الى علاقة حقيقية استمع خلالها ضابط الامن الى شكوى المعتقل عبر وسيط ثم التزام بانقاذه من محنته وابعد من ذلك «....» التزم ا لتزاما حميميا وعنتريا / عسكريا بالبحث عن الاسم والرمز «زينب» التي تشكل عالما قائما بذاته من الحب البتول المعجون بنداوة الطفولة وطلاوة المعشر وطيب الذكر. كانت المحبوبة في مرتبة اشبه بالقداسة لكنها شقيقة الشهيد والصديق ورفيق الدرب والدراسة.. وقد قست عليها شواغل الظروف والاقدار حتى انتهت الى اليتم الفاضح بعد وفاة الاب والام واعتقال الحبيب «صلاح» وكانت وفاة والدتها في غياب صلاح بالمعتقل قد انتهت بها الى رحلة قسرية من قلب ام درمان الى منزل خالها والمتزمت والمتزوج من ثلاث نساء في احدى قرى شمال السودان. والشاهد ان الضابط الطيب قد تعاطف مع صلاح وجند نفسه لخدمته بفك اسره والعثور على حبيبته مهما وكيفما كان!!!
تنداح دائرة الاحداث ليتدخل القدر الضاحك فيساعد من فك عقدة الرواية حين يتضح ان السبب في اعتقال صلاح هو مكيدة دبرها ضابط سام هو «الزعيم» في جهاز الامن انتقاما من صديقه وزميله ـ سابقا ـ بعدما وقع اصطدام على مستوى المواقف والقناعات.. وقد كان الشهيد عبد الرحمن شقيق زينب ضحية عمل جبان ساهم فيه بشكل ما ضابط الامن الزعيم في غابر السنوات، ثم ترقى وتسنم المناصب في ظل النظام الحاكم لينتهي اخيرا الى ضرورة اغلاق ملفاته القديمة وتصفية الشهود الاحياء حتى لا تعكر مزاجه فكان صلاح هو الضحية لهذا المزاج. وقد اجتهد الرائد الطيب في التحري حتى وصل الى الادلة الدامغة على خيانة رئيسه الزعيم وشرب حليب السباع برسم المواجهة سلمه وثائق الادانة لافعال ضباط جهاز امن النظام وهو في طريقه الى خارج السودان ليفصحها امام الرأي العالمي اذا دعت الحاجة.تنتهي الرواية بالخاتمة التقليدية لكل قصة حب ساهم في اشتغالها مزيج التوابل السياسية والبهارات الفكرية والادبية التي اندمجت في السياق الاجتماعي ليفوز الرائد البطل الطيب بانقاذ المعتقل صلاح من براثن زعيم جهاز امن النظام وليخرج به منتصرا على غريمه ثم يزفه الى حبيبته زينب وسط اهله والليالي الملاح.
المصدر : صحيفة الصحافة
|
|
|
|
|
|
|
العنوان |
الكاتب |
Date |
نقد الانتلجنسيا السودانية | هشام آدم | 06-19-07, 02:24 PM |
Re: نقد الانتلجنسيا السودانية | هشام آدم | 06-19-07, 03:32 PM |
Re: نقد الانتلجنسيا السودانية | هشام آدم | 06-19-07, 05:19 PM |
Re: نقد الانتلجنسيا السودانية | هشام آدم | 06-19-07, 05:31 PM |
Re: نقد الانتلجنسيا السودانية | هشام آدم | 06-19-07, 07:34 PM |
Re: نقد الانتلجنسيا السودانية | هشام آدم | 06-20-07, 09:03 AM |
Re: نقد الانتلجنسيا السودانية | هشام آدم | 06-20-07, 10:55 AM |
Re: نقد الانتلجنسيا السودانية | هشام آدم | 06-20-07, 11:05 AM |
Re: نقد الانتلجنسيا السودانية | هشام آدم | 06-20-07, 11:10 AM |
Re: نقد الانتلجنسيا السودانية | هشام آدم | 06-20-07, 11:43 AM |
Re: نقد الانتلجنسيا السودانية | هشام آدم | 06-20-07, 11:50 AM |
Re: نقد الانتلجنسيا السودانية | هشام آدم | 06-20-07, 12:09 PM |
Re: نقد الانتلجنسيا السودانية | هشام آدم | 06-23-07, 10:17 AM |
Re: نقد الانتلجنسيا السودانية | هشام آدم | 06-23-07, 10:51 AM |
Re: نقد الانتلجنسيا السودانية | هشام آدم | 06-23-07, 10:59 AM |
Re: نقد الانتلجنسيا السودانية | هشام آدم | 06-23-07, 11:06 AM |
Re: نقد الانتلجنسيا السودانية | هشام آدم | 06-23-07, 01:09 PM |
Re: نقد الانتلجنسيا السودانية | هشام آدم | 06-24-07, 08:56 AM |
Re: نقد الانتلجنسيا السودانية | هشام آدم | 06-24-07, 09:01 AM |
Re: نقد الانتلجنسيا السودانية | هشام آدم | 06-24-07, 05:15 PM |
Re: نقد الانتلجنسيا السودانية | هشام آدم | 06-24-07, 05:33 PM |
Re: نقد الانتلجنسيا السودانية | هشام آدم | 06-24-07, 05:43 PM |
Re: نقد الانتلجنسيا السودانية | هشام آدم | 06-24-07, 05:52 PM |
Re: نقد الانتلجنسيا السودانية | هشام آدم | 06-24-07, 06:40 PM |
Re: نقد الانتلجنسيا السودانية | هشام آدم | 06-24-07, 06:46 PM |
Re: نقد الانتلجنسيا السودانية | هشام آدم | 06-24-07, 06:52 PM |
Re: نقد الانتلجنسيا السودانية | هشام آدم | 06-24-07, 07:05 PM |
|
|
|