أستقلال القضاء السودانى ونفاق فتحى خليل

Quote: عادل الباز دفاعاً عن القضاء السودانى لجنة مجلس الامن التى كان من المفترض انها لجنة مختصة بالتحقيق فى جرائم الحرب فى دارفور بحكم القرار الصادر من المجلس. تجاوزت هذه اللجنة اختصاصاتها ودخلت إلى حيز قضايا لا تعنيها. ويبدو ان ذلك يرجع إلى الاحباط الذى اصاب اللجنة من عدم توفر ادلة دامغة على التهم الرئيسية المنسوبة للحكومة السودانية والمتعلقة بممارسة التطهير العرقى. اللجنة جاءت إلى السودان ولها ادلة تثبت ذلك، وخاصة انها جاءت وهي تنوء بأثقال قرارات الكنغرس المتعجلة، ومن خلفها تصريحات السيدين بوش وكولن باول اللذىن عزفا على انغام الكنغرس مؤكدين ارتكاب الحكومة جريمة التطهير العرقى . بدأت اللجنة أعمالها في قضية دارفور تحت هذه العاصفة من الضغوط، فمكثت ثلاثة اشهر لم تعثر على اثر لما سُمِي فى الاعلام العالمى بالتطهير العرقى، آثرت هذه اللجنة ان تتعاطى مع القضايا التي لاعلاقة لها بها اصلا، وذلك حتى تقوى ادانتها للحكومة السودانية وتنزع من بين يديها اىة حجة للتعامل مع هذه القضية داخليا . فكان او ما فعلته هو استهداف القضاء السودانى. وليتها فعلت بالحكومة ما فعلت واكتفت بذلك، فالحكومات والانظمة متغيرة، ولكن يظل القضاء السودانى باقيا كمؤسسة وكجهاز ظل عبر التاريخ موضع ثقة السودانيين على تقلب حركتهم السياسية. اولا مارست اللجنة خلطا غريبا بين القضاء السودانى وهياكله من ناحية، وبين القضاء وقانون الامن الوطنى من ناحية اخرى، وخلصت إلى أحكام اكثر غرابة فى حق القضاء. بدأت اللجنة فى هذا الجزء الخاص بالقضاء السودانى باستعراض هياكله ومحاكمه المختلفة و المتدرجة فى سلطاتها. هنا لم تتبرع اللجنة بتقديم اى اقتراح لمعالجة هذا الخلل فى الهياكل التى استفاضت فى دراستها، وكأنها لجنة معنية بإصلاح هيكلي للجهاز القضائى. لا اعرف ما منعها ان تفعل. ثم ذهبت اللجنة إلى مناقشة القوانين السودانية ومدى عدالتها واتساقها مع القانون الدولى .هنا وبناءً على ما انتقته اللجنة من مواد فى القوانين، ادّعت ان القانون السودانى مفارق تماما للاعراف والعدالة الدولية. لم تلبث اللجنة إلا قليلا حتى مضت تقلّب فى قانون الامن الوطنى التى لم ترَ فيه شيئا ايجابيا على الاطلاق، ومضت ابعد من ذلك مطالبة بإلغائه كليةً. لا اناقش فى عدالة ام عدم عدالة قانون الامن الوطنى، الذى كنا من ضحاياه اكثر من مرة، ولكنني اناقش افتراء هذه اللجنة التى عُيّنت للتحقيق فى قضية دارفور فإذا بها تحقق فى مدى صلاحية الاجهزة والقوانين ومدى عدالتها وتطالب بإلغائها. الغريب ان اللجنة نفسها فى مفتتح التقرير تذكر بصلاحيتها التى حددها مجلس الامن في اربعة مجالات وهى :- 1- ان تحقق اللجنة فى تقارير انتهاكات القانون الانسانى الدولى وقانون حقوق الانسان فى دارفور. 2- ان تحدد اللجنة اذا ما وقعت اعمال ابادة جماعية ام لا . 3- ان تحدد مرتكبي انتهاكات القانون الدولى وقانون حقوق الانسان فى دارفور. 4- ان تقترح وسائل ضمان وقوع اولئك المسؤولين عن الانتهاكات تحت طائلة المحاسبة. ليس من بين هذه المهام ما يشير من قريب او بعيد إلى اجراء تحقيق حول القوانين السودانية وهياكلها ومدى صلاحيتها لأداء مهامها. ادعت لجنة السيد انطوانيو كاسيس (ان القضاء السودانى عاجز وغير راغب فى معالجة الاوضاع فى دارفور ). من اين جاءت اللجنة بهذه المفتريات؟ هل تم القبض على الجناة فى دارفور وعجز القضاء عن محاكمتهم؟ ام ان اللجنة تطلب من القضاء ان يباشر مهمة القبض على الجنجويد لتقديمهم امام ساحته ؟ ثم من أين للجنة ان تعلم ان القضاء غير راغب فى محاكمة المتهمين فى حرب دارفور؟. أليس هذا تجنياً على القضاء السودانى؟ . لو ان اللجنة ادعت عجز الحكومة وعدم رغبتها فى تقديم المتهمين للمحاكمة، لقلنا ان هذا معقول ومنطقى. الأسوأ من ذلك ان اللجنة استندت فى مقولتها عن عجز الجهاز القضائى على المعلومات التي أفاد بها الضحايا فى دارفور. طبيعى ان يتشكك الضحايا للظروف التى يمرون بها فى عدالة الدولة التى يشعرون بمرارة بالغة تجاهها. ولكن هل يمكن اخذ اقوالهم بينة دامغة على عجز القضاء السودانى؟ ومن ثم ادانته والطعن فى نزاهته وكفاءته ؟ لو برأت محكمة العدل الدولية الجناة فى احداث دارفور هل سيعترف اهل الضحايا بعدالتها ؟ . بناءً على هذه المزاعم التى ادعتها اللجنة، تقدمت لجنة كاسيس باقتراحين عاجلين إلى الحكومة، اولهما ان تقوم بدعم واستقلال حياد الجهاز القضائى وتعطى صلاحية للمحاكم للتعاطى مع انتهاكات حقوق الانسان . ثانيهما ان تعزز قدرات الجهاز القضائى من خلال تدريب القضاة والمدعين والقانونيين والمحامين (كمان). مطالب تبعث على الضحك، فإذا كانت الحكومة الآن تحت التحقيق فى جرائم حرب وابادة هل يتصور عاقل ان تقوم على وجه السرعة بهذه الاصلاحات ؟. باختصار ليست لدينا قوانين او هى فاسدة، وليس لدينا قضاء، والقضاة بحاجة إلى تدريب، وليس لدينا قانونيون مؤهلون، وليس لدينا مدعون ولا محامين، باختصار خالص نحن مفلسون قانونيا. والنتيجة الطبيعية التى يريد السيد كاسيس ورفاقه ان يصلوا إليها ان هذه البلاد (الخلا) من الناحية القانونية لا بد من محاكمة مرتكبي الانتهاكات فيها خارج حدودها، وانقاذ العدالة الدولية من هذا الخراب القانونى الشامل .( جاءنى احساس ان هذه اللجنة كان ينبغى اولا ان تلحق بمفاوضات نيفاشا، او القاهرة ومن ثم تأتي لتواصل تحقيقاتها) . نظرت إلى أسماء الدول التى جاء منها هذا الخماسى لحملة التفتيش القانونية هذه، وتأملت حال القوانين فيها( تدى) ربك العجب . يا ترى هل يتجرأ هؤلاء السادة على تقديم نصائح كالتى بذلوها لنا لرؤساء دولهم وقضائهم ؟. بالطبع ليس من ضمن اهدافنا ان نقول ان كل شئ فى القضاء والقانون والاجهزة على ما يرام، بل ان الاعتراف بحاجة الاجهزة والقوانين إلى الاصلاح هى الآن محل اتفاق بين جميع الفرقاء من نيفاشا إلى القاهرة إلى أبوجا. ووافقت الحكومة فى كل هذه المحاور على ضرورة اصلاح الاجهزة العدلية. خلافنا مع السيد كاسيس ولجنته انهم تدخلوا فى ما لا يعنيهم. هذه قضايانا ونحن ادرى الناس بطرائق حلها، فإذا كان هذا الزمن اللئيم قد اوقعنا ببؤس سياستنا تحت طائلة مجلسهم، فليس معنى ذلك ان نوافق على استباحة أوطاننا. ما احزننى ايضا، ان الإفتاء بفساد البيئة القانونية والعدلية يتعدى المجال القانونى ليضرب فى صميم الاقتصاد السودانى، وهذا ما لم تنتبه له الحكومة، وانصب تركيزها على موضوع المحاكمات، رغم ان المحاكمات يمكن ان تطال افرادا محددين ولكن التهمة بعدم نزاهة الاجهزة العدلية يصيب الحياة الاقتصادية بضرر بالغ ومميت . فأى مستثمر مجنون يأتى بأمواله فى بلد مطعون فى نزاهة عدالته؟. ان هذا اخطر على الوطن من محاكمة افراد قليلين. اشد ما احزننى انه لم ينهض حتى الآن أى من القانونيين لمناهضة مزاعم اللجنة التي نشرت اتهاماتها على الملأ والجميع كأنهم لم يسمعوا بها. هذه قضية لا تخص الحكومة، انما من صميم قضايا مهنهم التى ينبغى أن يصدوا عنها العدوان . ولا اعرف اذا لم يتصدَ القانونيون للدفاع عن شرف مهنتهم، فعن أي شئ سيدافعون؟. اخيرا أرجو ان اذكر السيد انطونيو كاسيس الايطالى، ان القضاء فى السودان لم يكن في يومٍ من الأيام على رأسه زعيم للمافيا.