تواصل خريجى وطلبة الجامعات والمعاهد العليا الهندية

Quote: مرور أكثر من عشر أعوام على اختفاء الرفيق قيفت وارالي ((Gift Warrile .... كوكو: مدينق ودا منيل [email protected] إنها قصة حقيقية أيها الرفاق .. و قبل أن أشرع في الكتابة عنه .. فإنني أستميح أسرته و أقاربه المعذرة .. و ألتمس إليهم أن يمنحوني الفرصة لأخاطب الوجدان الإنساني بغض النظر عن اعتبارات الهوية و العرق و الدين و الجنس .. لعلنا نعثر على ضمير إنساني مرهف يتفهم بعد هذه المأساة التي حلت بصديقنا و زميلنا الذي اختفى في ظروف غاية الغموض .. أود في البدء أن أسرد نبذة بسيطة بما يتوفر لدّي من معلومات عن الرفيق المناضل .. و في هذا غيض من فيض عن فضائل هذا الإنسان المخلص الودود (قيفت وارالي) .. ولد قيفت وارالي لعائلة وارالي العريقة من غرب الاستوائية .. عرف أفراد هذه العائلة بالشهامة و النبل .. إضافة إلى مساهماتهم في تطوير المجتمع .. خاصة و أفرادها من المتفوقين في كل مجال يطرقوه .. فهناك المرحوم الدكتور نويل ورالي .. و الصحفي الكبير بنجاميين وارالي .. و بعض من زاملتهم في الدراسة من أفراد الأسرة أمثال الدكتور أيمن وارالي .. و الأخ الصديق المهندس كينياتا وارالى و لكن المجال لا يتسع هنا للحصر .. فهنالك أجيال عديدة من هذه الأسرة نالت الدرجات الأكاديمية العليا .. أتيحت لصديقنا قفت فرصة التعلم حتى إكمال تعليمه الثانوي في السودان .. التحق بعدها بقسم العلوم السياسية في كلية رامجاز بجامعة دلهي في الهند .. ثم التحقت بعد عامين في ذات الكلية بقسم التجارة .. و من هنا تأتي باكورة صداقتنا .. نشأت بيننا أواصر صداقة عميقة خلال زمن وجيز نتيجة تطابق وجهات النظر فيما يختص بهموم البلاد .. وضع طوباوي و لعله كان في تلك الفترة ترفاً فكرياً نمارسه مثل غيرنا من الجامعيين السودانيين سواء في الوطن أو في الخارج .. حصل قيفت على البكالوريوس بتقدير جيد جداً .. و أتبعه بالماجستير .. و من ثم الامتياز .. بعدها حمل صديقنا عصا الترحال إلى جنوب مدينة دلهي و التحق بجامعة جواهر لال نهرو .. و التي اشتهرت بتقديمها منحاً للدراسات العليا للطلبة المتفوقين .. ألتحق قيفت بقسم العلوم السياسية لنيل درجة الدكتورة .. و اجتهد في صياغة رسالته عن الأنظمة الديمقراطية في أفريقيا و الانقلابات العسكرية .. متخذاً السودان حالة بحثه نسبه لإلمامه التام و إحاطته المتفحص بمجريات الأوضاع في وطنه السودان .. و رغم الضغوط الأكاديمية ذات الصلة بإعداد رسالة الدكتوراة .. إلا أن صديقنا قيفت .. شعلة النشاط المتقدة مارس نشاطات طلابية متميزة .. حيث كان رئيساً لاتحاد الطلبة الأجانب في الجامعة .. و في حادثة لا تزال ذاكرة المجتمع الطلابي في شبه القارة الهندية تذكرها .. و قع إشكال بينه و بين اثنين من زملائه من الهندوس المتطرفين .. أدت تلك الحادثة إلى اعتصام جميع الطلبة الأجانب في الجامعة تضامناً معه .. و اتخذت الأحداث منحى خطيراً حتى تدخل رئيس وزراء الهند بذاك شخصياً و أرسل مبعوثاً يمثله و خطاب اعتذار ممهور بتوقيعه معتذراً لاتحاد الطلبة الأجانب و لشخص زميلنا قيفت .. و قد قوبل الخطاب بترحاب من قبل سكرتارية اتحاد الطلبة الأجانب .. بل و أصدرت إدارة الجامعة قراراً بفصل الطالبين المعتدين . كيف بدأت المأساة ؟ كان رفيقنا قيفت يزامل في دراسته العليا طالباً سودانياً من كوادر الجبهة الإسلامية القومية .. درس المذكور في الهند .. وبعد تخرجه ذهب مثل أنداده ليلتحق بالخارجية السودانية في وصمة عار لحقت بالخدمة المدنية السودانية كما تعودنّا من هذه الحكومة الجليلة في التعيين لدى الحكومة على أساس الولاء لا الكفاءة .. تم ابتعاث هذا الكادر لاحقاً عائداً إلى الهند هذه المرة ليمارس التجسس ضد المناضلين الشرفاء من أنصار الحركة الطلابية الوطنية في شبه القارة الهندية .. نمت نتيجة الزمالة والجوار علاقات صداقة بين قيفت وذلك الشخص .. بالنسبة لي فرغم ابتعادي جغرافياً عن دلهي والتحاقي بالدراسات العليا في بونا .. إلا أنني كنت على اتصال مستمر مع رفيقنا قيفت .. و إبان إحدى زياراتي إلى دلهي حذرت قيفت من ذلك الشخص .. إلا أن ثغره افتّر عن ابتسامة مليئة بالثقة بالنفس كعادته .. وأجابني بأن العلاقة بينهما سطحية لا تتجاوز حد الزمالة .. أعدت تذكيره مستخدماً مثلاً متداولاً في الجنوب بأن الغدر شيمة متأصلة لدى أولئك القوم فما أشبههم بالكوبرا .. مهما ألفتك فإنها تظل خطراً محدقاً قد يقضي عليك يوماً ما .. ابتسم كعادته متفائلاً وأخبرني بأنه قومي الهوى يشعر بانتمائه إلى السودان بكل ربوعه و أرجائه القاصية و الدانية .. و أضاف أنه مسيحي ملتزم يؤمن بتعاليم السيد المسيح عليه السلام و يحرص على نشر السلام و المحبة بين الناس .. سافر قيفت إلى السودان لظروف عائلية بعد أكثر من سبع سنوات لم ير خلالها ذويه .. وكان يخطط للزيارة أن تستمر لشهر واحد فقط يعود بعدها لإكمال تعليمه .. وأخبرني في ذلك الحين بسفره فتمنيت له رحلة سعيدة و عوداً حميداً .. و بالفعل وصل قيفت إلى الخرطوم ليجد من أهله بالغ الترحاب و الشوق لرؤياه بعد سنين طويلة من الفراق .. ترك قيفت بعض مقتنياته المتعلقة برسالة الدكتوراة في دلهي .. وقام بتكليف الدبلوماسي الذي زامله أن يجلبها إليه في السودان حيث كان يخطط للسفر في زيارة قصيرة .. روى لنا بعض الأصدقاء وأفراد العائلة أنه قبل يومين من أعياد الكريسماس اتصل الدبلوماسي بقيفت وطلب الالتقاء به في فندق ميريديان بالخرطوم .. بالفعل وحسب أقوال شهود العيان قابل صديقنا هذا الشخص في فندق ميريديان وسلمّه المجلدات وتبادلا بعض الأحاديث الودية .. خرج قيفت من الفندق وهو يحمل مجلداته .. ليفاجأ على بعد بضعة أمتار من بوابة الفندق بشخصين يعترضانه ويطلبان منه ركوب السيارة التي كان اثنين آخرين ينتظران بداخلها .. توجس قيفت ورفض الخضوع للأمر .. فما كان منهما إلا أن أرغماه على صعود السيارة تحت تهديد السلاح في رائعة النهار وعلى مسمع ومرأى من المارة .. وذلك حسب ما ذكره بعض باعة السجائر المتواجدين بالقرب من الفندق .. دقت! الأجراس معلنة بذلك نهاية مأساوية لهذا الفصل الحزين من حياة قيفت وارالي . أروي هذه القصة ليس بغرض المكايدة السياسية ضد أي تنظيم .. و لكنها قضية إنسانية بحتة .. ما يجعل الموضوع أكثر غموضاً هو أن قيفت لم يكن من المشتغلين بالسياسة .. بل كان ببساطة مواطناً سودانياً شريفاً يحب هذا الوطن بكل أرجائه المتناهية .. ترى هل نطمح إلى أن تلبي اتفاقية السلام مطالب المظلومين .. ويخضع بموجبها كل المذنبين لقضاء عادل نزيه .. خاصة وأن معظم الجرائم المماثلة لفاجعة صديقنا قيفت وارالي ليست ذات صبغة سياسية .. بل جنائية بحتة .. ترى هل سيستعيد السودان عافيته القانونية .. حيث لا يتدخل مسئول في حكم .. ولا يتوسط حزبي في مداولة أو إجراء .. و لا يتطاول عسكري – مهما علا شأنه – لتسيير محكمة باتجاه تبرئة شخص معين ؟ أسئلة تطرح نفسها .. و نقف متأملين بانتظار ما تسفر عنه الأيام القادمة .. مدينق ودا منيل [email protected] [email protected]