أرقو ... زهرة الوادي....إبراهيم عبد العزيز عثمان

Quote: قصر ملوك أرقـو وإيـوان گسـرى د. عبد الله حمدنا الله * مثلما وقف البحتري في إيوان كسرى، وقف الصحافي النابه التاج عثمان في داخل قصر الملوك في ارقو، ورسم لنا بقلمه صورة رائعة عن القصر ومحتوياته، ولا شك عندي أن كثيرين لم يدركوا معنى قصر الملوك، ولكن لا شك عندي أن أكثر منهم أدركوا ذلك المعنى، وقدروا التفات الصحفي المقتدر في «الرأى العام» لجزء عزيز من تاريخنا القومي ولأثر قاوم الزمن ولما يزل واقفاً شاهداً على الأحداث التي شكَّلت تاريخنا وبنت شخصيتنا القومية. ومن قبل وقف رأس المجددين في الادب السوداني حمزة الملك طمبل على قصر أرقو من خلال قصيدة هى جزء من ذاته، مثلما تحدث عن مكانة أسرة الملوك الذين أضحوا محل احترام الحكام بمختلف توجهاتهم بحيث لم يستطع الانجليز غير إكرامها وذلك كله من خلال قوله وهو يرثي أباه: بيتك السادر في حرز حريز * فهو يرعاه كرام الانجليز قد اجازونا كما كنت تجيز * لم تزل أنت على الناس عزيز وبغض النظر عن دوافع التحقيق فقد وجدت في نفسي قرابة قريبة بين القصر ودوافع الزيارة وبين وقوف البحتري بإيوان كسرى ودوافع ذلك الوقوف، فما نحن فيه من واقع سياسي واضطراب الأحوال وغموضها وحجم التآمر ومداه هو ذات ما وجده البحتري في ذاته وهو مع الخليفة المتوكل فإذا المتآمرون يغتالون الخليفة والبحتري شاهد الاغتيال فعزَّ عليه ما شاهد ولم ينس أبداً ولا بارحت القتلة وجدانه فقال: ولم أنس وحش القصر إذ ريع سربه * وإذ ذعرت أطلاؤه وجآذره وإذ صحيح فيه بالرحيل * فهتكت على عجل أستاره وستائره وحين لم يجد ما ينسيه خرج للإيوان بوصفه معادلاً موضوعياً يتعزى به وهو شاخص يقاوم الزمن ويتحدث مع الماضين خطة غبن بعد بيعه الحاضر بيعة وكس: حضرت رحلي الهموم فوجهت الى ابيض المدائن عنسى أتسلى عن الحظوظ وآسى * لمحل من آل ساسان درس أذكرتنيهم الخطوب الدواهي * ولقد تذكر الخطوب وتنسى والقصور أنواع كالبشر منها ماهو جميل رخو ومنها ماهو جليل مهيب، ومنها ما يبلوه الزمن فيذهب بالإبتلاء، ومنها ما هو صامد يزيده الزمن عراقة ويقف شاهداً على عزم أهله وقوة صبرهم، وحين يتحدث الصحافي النابه عن عراقة قصر ملوك ارقو وصموده امام الحوادث وابتلاء الزمن فإنما يضع البحتري أمام ناظريك وهو واقف بالايوان في دهشة: ليس يدري أصنع إنس لجن * سكنوه أم صنع جن لانس غير اني أراه يشهد ان لم * يك بانيه في الملوك بنكس والصور النادرة التي وضعها التاج عثمان امام نواظرنا وهى تحكي حقباً سياسية مختلفة، وطنية وغير وطنية، سياسية وغير سياسية، وصناعها يزينون القصر ويزيدون جلاله جمالاً هى عين ما رآه البحتري في أنو شروان يزجي الصفوف تحت الدرفس والمعركة بين الروم والفرس في انطاكية، وهى ذاتها الاقوام والمراتب والوفود والقيان وسط المقاصير يرجعن بين حو ولعس. الفرق بين قصر الملوك في ارقو وإيوان كسرى أن القصر لما يزل تدب فيه الحياة، وانه عامر بأهله يزوره الزائر فيجد فيه كرماً بتقاليد الملوك، وانه لم يتحول الى طلل يطيل العاشقون فيه الوقوف وتفيض دموع العين منهم صبابة، ولم تنخ عنده الأبل والنياق، بينما إيوان كسرى طلل عند وقوف البحتري فيه، مرت عليه ثلاثة قرون وهو يقاوم عواتي الزمن وعوادي الايام، فارقته الحياة ولكنه يأبى ان يموت، وذات الصور التي تعلو جدره كأنها اناسين أحياء تغدو وتروح، وليست صوراً من صنع رسام: تصف العين أنهم جد أحياء * لهم بينهم إشارة خرسي يغتلي فيهم ارتيابي * حتى تتقراهم يداي بلمس أحسنت صحيفة «الرأى العام» بمثل هذه المتابعات فليس السودان قاصراً على الخرطوم، وليس تاريخنا قاصراً على مافي المكتبات والمتاحف، ففي كل ربوع وصقع سطر من ذلك التاريخ: قصر أرقو أحد القصور، ومثله قصر الشناوي في سواكن أحد نماذج العمارة التركية، وقصر على دينار في الفاشر، وهى كلها مما ينبغي الحفاظ عليها وصيانتها، وهى جميعاً مما يصدق عليها قول العباسي حين زار سنار ووقف بأطلالها والجوانح أسرى زفرات هدت قوى الصبر هداً وقد محا الدهر حسنها بعد أن كانت مراداً للمعتفين. كم لها في الرقاب منا ديون * وعزيز علىَّ ألا تؤدي وجميل لأهلها عند أهلي * ويد بالصنائع الغر تندي