السودان: عبيد أفارقة وأحرار عرب !!!

Quote: وهنا يجب أن أذكر أنه عندما فتح الزبير باشا دار فور تركها لعناية ابنه سليمان وسافر هو إلى القاهرة. وفي سنة 1877 عين غوردون سليمان هذا حاكماً على بحر الغزال ولكن فشا خلاف بينه وبين من يدعي إدريس أبتر أحد أهالي دنقلة وكان الزبير باشا قد وكل إليه العناية ببعض المسائل. ولكن أسرة الزبير تنتمي إلى قبيلة الجعليين الذين كان بينهم وبين الدناقلة تحاسد وتباغض. وإني أعتقد أن كثيراً من القلق في السودان يرجع إلى هذه الحقيقة. فإن سكان مديرية بحر الغزال خليط من قبائل الزنوج التي كانت مستقلة كل منها عن الأخرى حتى جاءهم عرب الدناقلة وعرب الجعليين فاتحين بغية الإتجار بالعبيد. وينسب عرب الجعليين أنفسهم إلى عباس عم النبي وهم يفخرون بهذا النسب ويباهون الدناقلة به. والدناقلة ينتمون في زعمهم إلى العبد دنقل والمأثور أن هذا الرجل على الرغم من أنه كان عبداً قد أرتفع إلى أن صار حاكم النوبة وإن كان مع ذلك يدفع خراجاً لبهنسة الأسقف القبضي للبلاد الواقعة بين صرص والدبة. وقد أسس دنقل هذا بلدة سماها دنقلة وصار سكان هذا القسم بعد ذلك يدعون دناقلة. وغالبيتهم من أصل عربي ولكنهم لإختلاطهم بالسكان قد فقدوا مرتبتهم. وهم بالطبع يؤكدون إنتسابهم للعرب ولكن الجعليين لا ينفكون يذكرون أن أصلهم من العبد دنقل ويعاملونهم بالإحتقار والإزدراء. ويجب على القارئ أن يذكر هذه العلاقة بين الجعليين والدناقلة لأنه يتوقف على فهمها فهم كثير من حوادث السودان التي وقعت بعد ذلك. وانتهى الخلاف بين سليمان الزبير وإدريس إلى شجار. فشكا إدريس سليمان في الخرطوم وطلب معاونة الحكومة وحصل على جيش بقيادة جسي باشا ثم تلا ذلك تلك الحملات التي إنتهت بسقوط سليمان في بحر الغزال. وكان جسي قد وعده بالإبقاء على حياته ولكن الدناقلة دسوا له فأعدم. وكان له شريك يدعى رابح لم يسلم معه خوفاً من انتقام الدناقلة. فأخذ كوكبة من الجنود وسار بهم في الشمال الغربي فأخذ يجازف ويقتحم الأهوال حتى بلغ قطراً قريباً من بحيرة تشاد فاستولى عليه وصار ذا خطر عظيم في حظوظ القارة السوداء. وهناك مسألة أخرى يجب عليَّ ذكرها بخصوص الخلافات بين القبائل لما لها من الأثر في حوادث السودان التي وقعت بعد ذلك والتي يسحن لذلك شرحها مع بعض التفاصيل. ولما زار غوردون دارفور زيارته الثانية عرف وتحقق من أن تجار الأبيض السودانيين يبيعون الأسلحة والبارود للثائر سليمان وكانوا بالطبع يعطفون عليه لما ينالون منه من الربح. وكانت هذه الذخائر الحربية ترسل بواسطة الجلابة أو صغار التجار بين الأبيض وبين بحر الغزال وكان هؤلاء يربحون منها ربحاً عظيماً. مثال لذلك أن ثمن البندقية ذات الأنبوبتين كان من ستة عبيد إلى ثمانية وكان ثمن صندوق الخراطيش عبداً أو عبدين. وقد حاول الموظفون في الأبيض وقف هذه التجارة ولكن الصعوبات كانت عظيمة. وكانت قبائل العرب الرحل تسكن المراكز الواقعة بين كردفان وبحر الغزال. وكان بين هؤلاء العرب قبائل الرزيقات والحوازمة والحمر والمسيرية. وكان من السهل على التجار الجلابة أن يخرجوا قوافل صغيرة وأن يجتازوا ويختبئوا في الغابات الكثيرة التي لم يكن يسكنها أحد. وإذا اتفق أن موظفاً مصرياً ألتى بهم فإنه كان يمكن التغلب عليه برشوة صغيرة. وكان غوردون يعرف كل هذه ولذلك أمر بوقف التجارة بكل أنواعها بين بحر الغزال والأبيض. وأمر كذلك التجار بترك المراكز الواقعة جنوب الطويشة وطريق داره وحصر تجارتهم في الجزء الشمالي والغربي ما دامت الحرب دائرة في بحر الغزال. ولكن على الرغم من الدقة التي اتبعت في تنفيذ هذه الأوامر كان الربح الناتج عن التجارة مع سليمان أكبر وأقوى إغواء من أن تقفه هذه الأوامر حتى كان التجار لا يعبأون بإكتشاف أمرهم. ولم يكن في يد الحكومة ما يمكنها من أن تقف هذه التجارة التي زادت بدلاً من أن تنقص بعد ذيوع هذه الأوامر. فعمد غردون لهذا السبب إلى وسائل حاسمة وأمر المشايخ والعرب بأن يقبضوا على التجار الجلابة ويرسلوهم بالقوة إلى داره والطويشة وأم شنقة والأبيض وألقى عليهم تبعة وجود الجلابة في بلادهم بعد تاريخ معين.

Quote: وألقى عليهم تبعة وجود الجلابة في بلادهم بعد تاريخ معين

سياسة المناطق المقفولة غير المعلنة..
وللإستزادة أقرأ:
مقالات: الإســلام في جنــوب الســودان بقلم:أ. أبوبكر دينق الجاك.

Quote: وقد عمد الإنجليز إلى بسط سيطرة الكنائس في الجنوب حيث قسموا الجنوب إلى مناطق نفوذ بين الطوائف الكنسية المختلفة ، وبالغوا في محاربة المظاهر الإسلامية فمنعوا حركة التجار الشماليين في الجنوب وحرموا لبس الجلباب العربي ، وعمدوا إلى نقل السلطة من المراكز والمدن الإسلامية إلى مدن جديدة خططت على طراز كنسي وأصدر قانون المناطق المقفولة 1922م ، ثم سياسة الجنوب 1930م .

فوق..