الوجود مظهر الله.. ووحدة الوجود تعني هذا.. نقاش مع د. نزار محمد عثمان

مرحبا Guest
اخر زيارك لك: 04-25-2024, 09:54 PM الصفحة الرئيسية

منتديات سودانيزاونلاين    مكتبة الفساد    ابحث    اخبار و بيانات    مواضيع توثيقية    منبر الشعبية    اراء حرة و مقالات    مدخل أرشيف اراء حرة و مقالات   
News and Press Releases    اتصل بنا    Articles and Views    English Forum    ناس الزقازيق   
مكتبة د.ياسر الشريف المليح(Yasir Elsharif)
نسخة قابلة للطباعة من الموضوع   ارسل الموضوع لصديق   اقرا المشاركات فى صورة مستقيمة « | »
اقرا احدث مداخلة فى هذا الموضوع »
01-05-2005, 09:58 AM

Yasir Elsharif
<aYasir Elsharif
تاريخ التسجيل: 12-09-2002
مجموع المشاركات: 48727

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: الوجود مظهر الله.. ووحدة الوجود تعني هذا.. نقاش مع د. نزار محمد عثمان (Re: Yasir Elsharif)



    الأخ الدكتور نزار والقراء الكرام،
    تحية طيبة
    النقل من كتاب أدب السالك سببه أنك قد أخذت عليّ عدم إيرادي لوصلات أو مقتطفات مما يقول به الأستاذ محمود.. أتذكر أنني قلت لك بأنني في هذه المسألة أقول بما يقول به الأستاذ محمود؟؟ والمسألة متروكة للقراء كما قلت في مداخلة سابقة..
    والكتاب يستمر في تبيين مسائل سيجد القراء فيها الرد على أسئلتك عن العبودية.. وسأكتفي بكتابة تلك المواضع التي أريد التركيز عليها بلون مختلف..
    ياسر

    الأدب مع الله
    أدب العبودية

    الله ، المطلق ، والاسم
    إن حقيقة الأدب، وقمته، وخلاصته، هي الأدب مع الله .. والأدب مع الله إنما يكون بالتزام العبودية، والتزام مقتضياتها في حسن التأدب مع الربوبية .. ونحن لا نستطيع أن نتأدب مع الله، إلا إذا عرفناه، وهذا يقتضي أن نجعل المدخل على حديثنا عن الأدب، الحديث عن الله ..
    فالله تعالى من حيث ذاته الصرفة، المطلقة، فوق أن يعرف، أو يوصف، أو يشار إليه فهو مطلق يتسامى عن كل قيد، أو تحديد .. ثم انه تعالى لكى يعرف، تنزل من إطلاقه إلى مرتبة القيد، فكان أول التنزل إلي مرتبة الاسم - الله، ثم مرتبة الصفة - الرحمن، ثم مرتبة الفعل- الرحيم .. وفي مرتبة الفعل برز الخلق، وببروزه أمكنت معرفة الله .. والى ذلك الإشارة بالحديث القدسى، الذى نصه: (كنت كنزا مخفيا، فأحببت أن أعرف فخلقت الخلق، فتعرفت إليهم فبى عرفونى) .. ف (كنت كنزا مخفيا)، يعنى في حضرة اطلاق لا تعرف، وهذا معنى (مخفيا) .. فهو من حيث ذاته المطلقة، كان، ولا يزال، ولن ينفك، في حضرة خفاء، تجل عن أن تعرف .. ولكن لكى يعرف، تنزل الى مرتبة الخلق، والى ذلك الإشارة بقوله (فأحببت أن أعرف، فخلقت الخلق) .. فالله إنما يعرف بخلقه .. وخلقه ليسوا غيره، وإنما هم هو في تنزل .. هم فعله، وفعله ليس غيره .. وقمة الخلق، وأكملهم في الدلالة على الله، هو الإنسان الكامل هو صاحب مقام الاسم الأعظم (الله) .. فالله اسم علم على الإنسان الكامل، الذى بين الذات المطلقة في إطلاقها، وبين جميع الخلق .. فأسماء الله الحسنى إنما هي في حق الإنسان الكامل، في المكان الأول، ثم هي لا تكون في حق الذات الصرفة، المطلقة، الا عند التناهي، عندما تعجز العبارة وتكاد تنقطع الإشارة .. ذلك بأن الذات المطلقة فوق الاسم، وفوق الصفة .. الإنسان الكامل هو أعظم أسماء المطلق، واعظم صفات المطلق، وهو أول تنزل من صرافة الذات، وهو الذات المحمدية، المشار إليها بقول المعصوم: (أول ما خلق الله نور نبيك يا جابر) .. فهو مخلوق بالذات، وهذا معنى انه أول تنزل منها .. وكل من عداه، وما عداه، مخلوق بالواسطة، بالأسماء، وبالصفات، وبالأفعال .. هو مخلوق به، ومنه .. فالإنسان الكامل هو الأمر الواحد، المشار إليه في قوله تعالى: (انا كل شيء خلقناه بقدر، وما أمرنا إلا واحدة كلمح بالبصر) .. فهذا الأمر الواحد، هو التنزل الى مقام الاسم (الله) ، وعبارة (كلمح بالبصر) تشير الى لحظة بروز المحدود من المطلق .. وعن هذا الأمر الواحد، يتم تنزل، وبروز، جميع الوجود الحادث، في الزمان والمكان، وبه يتم عروج جميع أفراد هذا الوجود في سيرهم السرمدى نحو الإطلاق.
    فالإنسان الكامل، مقام الاسم الأعظم (الله)، هو الذى يعرف ذات الله، ويعرّف غيره بها، والى ذلك الإشارة بعبارة (فبى عرفونى) الواردة في الحديث القدسى .. يعنى بالله، صاحب مقام الاسم الأعظم، تعرف ذات الله، وهذا معنى قولهم: (لا يعرف الله إلا الله) .. يعنى لا يعرف ذات الله، إلا الإنسان الكامل .. وذات الله، تعرف بالله، بمعنى انه يقيد من إطلاقها، فتعرف عن طريق هذا التقييد ..

      وعن كون ذات الله الصرفة لا تعرف، ولا توصف، ولا يشار إليها، يجيء قوله تعالى في القرآن: (سبحان ربك رب العزة عما يصفون، وسلام على المرسلين، والحمد لله رب العالمين)، فـ(سبحان ربك رب العزة عما يصفون) يعنى تنزه الله في ذاته عن كل وصف، (وسلام على المرسلين) يعنى أن خير من وصف الله هم المرسلون، لأنهم وصفوه بما وصف به نفسه، وفق ما تقتضيه حكمته في التنزل، ومن هنا يأتيهم السلام .. وفي هذا المعنى أيضا يأتى قول المعصوم: (تفكروا في مخلوقات الله، ولا تفكروا في ذاته فتهلكوا)، فذات الله لا يحويها الفكر، لأنها مطلقة، والفكر محدود، ولأنها وحدة، والفكر يقوم على الثنائية، ولذلك قيل (كل ما خطر ببالك فالله من حيث ذاته، بخلاف ذلك) .. من كل ذلك يتضح أن الله هو اسم علم على الإنسان الكامل .. وان جميع صفاته هي في حق الإنسان الكامل، في المكان الأول، وان الذات المطلقة إنما هي فوق الاسم، وفوق الصفة، وتقصر عنها العبارة، والإشارة .. فالله المشار إليه في القرآن، بين دفتى المصحف هو صاحب الاسم الأعظم .. هو الإنسان الكامل .. وهذا المقام، مقام الحقيقة المحمدية، هو مقام في الملكوت ولكن بفضل الله يتنزل في كل يوم الى عالم الملك، حتى يتجسد على الأرض، وبتجسيده، تتحقق خلافة الأرض، المشار إليها بقوله تعالى: (إني جاعل في الأرض خليفة) .. وبذلك يتم التزاوج بين الملك والملكوت، فتتحقق جنة الأرض، ويحل في ربوعها السلام- وهذا أمر سيأتى تفصيله في الأبواب التالية .. والإنسان الكامل هو اكبر من يحقق الأدب مع الذات .. فمقامه هو مقام العبودية الكاملة - هو (المسلم) .. فهو بالنسبة للذات، مجرد بوق تنفخ فيه .. ولذلك هو العبد حقا، والمسلم حقا .. وإنما يأتى كمال عبودية الإنسان الكامل (الله)، من كمال علمه المتجدد، الذى يجدد به عبوديته، ويجدد به أدبه في عبوديته، كل حين .. فهو في كل وقت جديد، صاحب علم جديد، متخلقا في ذلك بقوله تعالى: (كل يوم هو في شأن) .. فشأن الله هو إبداء ذاته لخلقه ليعرفوه .. ويوم الله هنا، هو وحدة زمنية التجلى، وهو لحظة بروز المحدود من المطلق، وهي لحظة تدق حتى تكاد تخرج من الزمن .. وإبداء ذات الله لخلقه، إنما يتم عن طريق تقييد الإنسان الكامل للمطلق، فهو في كل لحظة يقيد من المطلق ما به يزيد علمه، وتتجدد عبوديته، وتتسع حياته، وعن طريق هذا التقييد تقع معرفة الخلق لذات الله، ويقع سيرهم إليه .. والإنسان الكامل، لما كان بين المطلق في إطلاقه وبين جميع الخلق، فهو من وجهه الذى يلي المطلق، مطلق، بمعنى أنه في تجدد مستمر، ومن وجهه الذى يلي الخلق مقيد، بمعنى انه مجسد ..
      ولما كان الإنسان الكامل هو قيد الذات بالصورة التى ذكرناها، فان كل الوجود مستمد منه .. وكل أنوار الولايات وأنوار النبوات، مستمدة من نوره .. وكل حركة التطور إنما تطلبه .. فما تحرك من متحرك، ولا سكن من ساكن إلا في سبيله، سبيل ان يتنزل من الملكوت الى الملك ..

      وعلى ضوء هذا الفهم عن الله، نتحدث عن أدب العبودية الأدب مع الله، وهو الأدب الذى وردت تفاصيله في القرآن كما سنرى، إنشاء الله ..

      العبوديــــة
      إن العبودية هي تكليفنا الأساسى .. نحن ما خلقنا إلا لنكون عبيدا لله، وفي ذلك يجيء قوله تعالى: (وما خلقت والجن والإنس إلا ليعبدون) يعنى ما خلقتهم إلا ليصيروا لى عبيدا بواسطة العبادة .. أو ما خلقتهم، إلا ليعبدونى كما أمرتهم على لسان رسلى، ليكونوا لى عبيدا كما أمرتهم على لسان عزتى، حيث قلت (إن كل من في السموات والأرض إلا آتى الرحمن عبدا * لقد أحصاهم وعدهم عدا * وكلهم آتيه يوم القيامة فردا) .. فالعبودية هي تكليفنا الأساسي، وهي تعنى معرفة أسرار الربوبية، والأدب معها .. فهي خلاصة الأدب، وقمته .. ولما كانت الربوبية مطلقة، فكذلك العبودية، ولذلك فان عملنا في التأدب بأدب العبودية، عمل مستمر، لا يتم الفراغ منه .. فكأن حقيقة تكليفنا هي أن نتأدب مع الربوبية، الأدب الكامل، الذى يليق بعظمتها، وجمالها، وجلالها، وكمالها، وهيهات!!
      ونحن إنما نتحقق بأدب العبودية، عن طريق التخلص من الدعوى، ومعرفة أنفسنا بما هي عليه من العجز، والتخلص من رق الأشياء التى تسترقنا من دون الله، وفي قمتها الزمن .. وكل ذلك لا يتم إلا عن طريق تجويد التوحيد، بتقليد النبي المعصوم، بوعى، وبأدب.
      الأدب بين العلم والإيمان
      إن سبب سوء الأدب مع الله، هو الجهل به تعالى .. نحن لشدة جهلنا به نكون سيئي الأدب معه، فنقدم أنفسنا عليه، ولا نطيعه، ولا نخضع، ونستسلم له كما ينبغى .. ولا نأمنه على أنفسنا، ونرضى به مدبرا لشئوننا .. ونتهمه تعالى، ونسخط عليه، في معنى ما نسخط على فعله فينا وفيما حولنا .. ونحن لشدة، جهلنا، وسوء أدبنا، نغفل عنه تعالى، ننشغل عنه بغيره، ونخشى، ونطمع في غيره .. الى غير ذلك من صور سوء الأدب مع الربوبية، التى عليها الناس اليوم ..
      ونحن لا نطمئن الى الله تمام الاطمئنان، ونرضى به ونسلمه أنفسنا، دون اعتراض منا عليه، إلا إذا بلغ علمنا به مرتبة حق اليقين، فأصبح علما مجسدا، معاشا، يقوم على التجربة والذوق .. ونموذج هذا العلم هو ما تحكيه تجربة سيدنا ابراهيم، ومنها تجربته مع الحريق بالنار التى شبها له النمرود، وقذفه فيها، فأنجاه الله منها، بحسن توكله عليه .. ومنها اخذ فرعون مصر زوجته سارة، فباتت ليلتها في قصر فرعون وبات ابراهيم آمنا مطمئنا على زوجته، وذلك لحسن ثقته بالله، فأنجاها الله وأكرمها .. ومنها تركه هاجر، وطفلها إسماعيل، في موضع البيت الحرام، حيث لا زرع، ولا ضرع، ولا ماء، ولا أنيس، تنفيذا لأمر الله، فنبع لهم الماء، وفك الله كربها وآنسها .. ومنها تصديقه الرؤيا، وعمله على ذبح ابنه إسماعيل، تنفيذا لأمر الله ففداه الله .. ومنها تجربة إحياء الطير، بعد تقطيعه .. فبعد هذه التجارب العملية حقق سيدنا ابراهيم مراتب اليقين، وقال تعالى في حقه: (وكذلك نرى ابراهيم ملكوت السموات والأرض، وليكون من الموقنين) .. فهو من خلال التجارب العملية اطمأن قلبه، وقوى يقينه، فجاءه الأمر بالإسلام، بعد أن جاءه الإذن به: (إذ قال له ربه: أسلم!! قال: أسلمت لرب العالمين) ..
      وعلم اليقين ليس أمرا معلقا، ليس إليه من سبيل، وإنما هو أمر عملي، يبدأ بداية بسيطة، هي الإيمان، الذى هو مقدمة كل علم .. فحركة السير الى الله، هي دائما بين إيمان وعلم، ولن تتفك .. والإيمان يزيد بالعمل في العبادة، والمعاملة وفق نهج السنة، حتى يتجسد، فيصبح يقينا، وتطمئن إليه النفس .. فمثلا سيدنا ابراهيم، كان يؤمن بأن الله يحي الموتى، ولكنه كان يريد أن يطمئن قلبه لذلك، كان يريد أن يوقن .. ولذلك طلب أن يريه الله كيف يحيي الموتى، فقص علينا القرآن القصة بقوله تعالى: (وإذ قال ابراهيم: رب أرنى كيف تحيي الموتى .. قال: أولم تؤمن؟ قال: بلى !! ولكن ليطمئن قلبى .. قال: فخذ أربعة من الطير، فصرهنّ إليك، ثم اجعل على كل جبل منهن جزءا، ثم أدعهن .. يأتينك سعيا .. وأعلم أن الله عزيز حكيم) .. فإبراهيم كان يؤمن بأن الله يحي الموتى، ولكنه كان يريد أن يوقن، فأراه الله التجربة، فلما رأى بعينى رأسه كيف يحي الله الموتى، أصبح إيمانه مجسدا، وبذلك اصبح يقينا .. وهكذا فان الاختلاف بين الإيمان، وبين العلم ليس اختلاف نوع، وإنما هو اختلاف مقدار ..
      ونحن لكى تطمئن نفوسنا لله، فتتأدب معه، وتسلم له، علينا أن نستيقن حقيقة أن الله خير محض .. وان الشر إنما هو من عند أنفسنا، هو إنما يجيء من تدبيرنا و وحرصنا، وبسبب توسعنا في أمور الدنيا .. إن سبب الشر هو جهلنا، الذى يجعلنا نختار إرادتنا دون إرادته تعالى، فنتقدمه، ولا نرضى به .. ونحن لشدة جهلنا قد نحب أشياء هي في الحقيقة شر لنا، وقد نكره أشياء هي في الحقيقة خير لنا، وفي ذلك يقول تعالى: (وعسى أن تكرهوا شيئا وهو خير لكم، وعسى أن تحبوا شيئا وهو شر لكم، والله يعلم وأنتم لا تعلمون) .. فنحن لما كنا لا نعلم- وهذا أمر يمكن أن يكون واضحا لكل منا- علينا أن نترك الأمر لمن يعلم، لله، ثقة به، وتوكلا عليه .. فهو أرأف بنا منا .. وأعلم بخيرنا، وأقدر على توصيله إلينا، منا .. فهو الرؤوف الرحيم (إن الله بالناس لرؤوف رحيم) فالإيمان، والثقة، بأن الله خير محض، هو مقدمة العلم الذى به تطمئن القلوب، وتتخلص من الخوف فترضى بالله، وتتأدب معه .. وهذا الإيمان هو السبيل العملي لتخليصنا من الخوف من الغيب .. فاللحظة المقبلة غيب، ونحن لا نعلم ما يصيبنا فيها .. ولكن إذا آمنا أن ما يصيبنا فيها هو مكتوب لنا وانه على كل حال خير، لأنه لا يصدر من الله في الحقيقة، إلا الخير، فان هذا الإيمان هو البداية العملية لمحاربة الخوف، وتحقيق العلم بالله، والأدب معه .. وقد جاء القرآن ليؤكد هذا المعنى، في العديد من الآيات منها قوله تعالى: (قل لن يصيبنا إلا ما كتب الله لنا، هو مولانا، وعلى الله فليتوكل المؤمنون) .. (قل لن يصيبنا إلا ما كتب الله لنا) يعنى أن كل ما يصيبنا هو من عند الله، وهو مكتوب لنا سلفا، وهو خير، وقد جاءت الإشارة الى كونه خيرا بقوله (كتب الله لنا) .. فهو قد قال (لنا) ولم يقل (علينا)، مما يؤكد أن المكتوب خير، وهو لمصلحتنا .. وقوله (هو مولانا) يعنى أن الله تعالى هو المتولى أمورنا، والراعى لشيءوننا .. فاذا كان الله تعالى هو خير محض، وهو بنا رؤوف رحيم، وهو على كماله يتولى أمورنا، فان هذا أمر يبعث إلى الثقة، والطمأنينة في النفس، ثقة بالله وتوكلا عليه، ولذلك ختم الآية بقوله تعالى: (وعلى الله فليتوكل المؤمنون) .. فالإيمان بالله وحسن الظن به، وهما البداية العملية للعلم بالله الذى يعين على الأدب معه، وهي بداية بسيطة وممكنة، وقد توفرت لها الأسباب .. وعن حسن الظن بالله، يقول تعالى في الحديث القدسى: (أنا عند ظن عبدى بى، فليظن بى خيرا) .. فبالإيمان وحسن الظن بالله، وبالعمل في العبادة والمعاملة، يتحقق العلم بالله، الذى يفضى الى الأدب معه ..
      والآن أنتقل إلى جزء آخر من الكتاب يتحدث عن القرآن..
      أدب القــرآن

      القـرآن
      لقد قلنا أن الله، لكى يعرف تنزل من صرافة الذات، الى مرتبة الاسم، والصفة، والفعل .. وقد جاء القرآن يحكى هذه التنزلات .. فالقرآن، بين دفتى المصحف، هو كلام الله .. هو صورة لفظية لهذا الكلام، والى ذلك الإشارة بقوله تعالى: (وان أحد من المشركين استجارك، فأجره، حتى يسمع كلام الله ثم أبلغه مأمنه) .. وصفة الكلام هي الصفة السابعة، من الصفات النفسية السبع .. فأولى هذه الصفات هي الحياة، ثم العلم، والإرادة، والقدرة، والسمع، والبصر، والكلام .. والقرآن، في كل جزئية من جزئياته، يحكي هذه الصفات .. والى تنزلات القرآن تشير الآية الكريمة: (وقرآنا فرقناه، لتقرأه على الناس، على مكث، ونزلناه تنزيلا) .. وقد كانت النزلة الأولى، هي النزلة الى مقام الاسم الله، حيث نزل القرآن جملة .. ثم توالت التنزلات في تفصيله .. وقد ذكرنا إن الله تنزل من صرافة ذاته ليعرف .. وتنزلات القرآن الغرض منها التعريف بالله .. والى ذلك الإشارة بقوله تعالى (حم * والكتاب المبين * انا جعلناه قرآنا عربيا لعلكم تعقلون * وإنه في أم الكتاب لدينا لعلى حكيم) .. فقد نزل القرآن في قوالب اللغة العربية لندرك نحن الذين ندرك عن طريق اللغة .. أما حقيقة القرآن، فهي فوق اللغة، فالله تعالى من حيث ذاته، لا يتكلم بجارحة، إنما يتكلم بذاته، وكلامه في حقيقته خلق .. فحقيقة القرآن هي في أم الكتاب، عند الذات، وهي الذات، والى ذلك الإشارة بقوله تعالى (وانه في أم الكتاب لدينا لعلى حكيم) .. وأم الكتاب هي نفس الإنسان الكامل، وهي عند الله، والى ذلك الإشارة بعبارة (لدينا) فقد تنزل القرآن من صرافة الذات، الى الاسم، الحقيقة المحمدية، ومنها بدأ يتنزل في صورته الخلقية أولا، ثم تنزلت صورته اللفظية على نبينا.. فالقرآن هو علم هذه النفس الكاملة، الحقيقة المحمدية.. وهو هي.. فالذات التى في القرآن، هي الإنسان الكامل.. والقرآن جميعه تعبير عن هذه الذات، فهو، كما أشرنا في حق الإنسان الكامل، في المكان الأول.. أما الذات الصرفة فهي فوق الإشارة، وفوق العبارة.. وكمال القرآن ليس في آيات الآفاق، وليس في القرطاس، وإنما هو في آيات النفوس، التى ما آيات الآفاق إلا مظهرها، وإلا مقدمة لها، ودالة عليها .. والى ذلك الإشارة بقوله تعالى: (سنريهم آياتنا في الآفاق، وفي أنفسهم، حتى يتبين لهم أنه الحق أولم يكف بربك أنه على كل شيء شهيد؟؟) .. فآيات النفوس، هي حقيقة القرآن، وموطن إعجازه، وذلك لأن الإنسان هو الكون الأكبر، في حين أن جميع العوالم هي الكون الأصغر، ولذلك قال تعالى في الحديث القدسي: (ما وسعنى أرضى، ولا سمائى، وإنما وسعنى قلب عبدى المؤمن) .. فالإنسان هو مقصود الله بالأصالة، وهو موضع نظره الى خلقه .. والأكوان، جميعها هي مقصود الله بالحوالة، وهي مطية الإنسان، ووسيلة سيره الى ربه - الى كماله - وإنما يأتى الشرف للأكوان، من الإنسان، الذى إليه صيرورتها.. فليس في الكون الحادث، كما ذكرنا، سوى الإنسان، في طور من أطواره .. وشرف القرآن إنما يأتيه من انه تعبير عن الإنسان، ووسيلة إلى تحقيقه .. يأتيه من أنه آيات نفوس .. والى ذلك الإشارة بقوله تعالى: (بل هو آيات بينات في صدور الذين أوتوا العلم) .. هذا هوعلم الصدور، العلم بالله .. هو علم القرآن، الحقيقى، مستوى التأويل منه .. أما مستوى التفسير، مستوى الظاهر، آيات الآفاق، فإنما قيمته في أن يقود الى مستوى التأويل، آيات النفوس، فإذا لم يفعل ذلك فهو لا قيمة له.. ولذلك هو لا يعنينا هنا، إلا بالقدر، الذى به يعين على إدراك آيات النفوس.
      إن الأمر الذى يهمنا تقريره هنا، هو أن القرآن هو قصة النفس البشرية، ووسيلة تحقيق كمالها .. فهو في جميع آياته، يتحدث عن الإنسان .. هو يتحدث عن الإنسان الكامل، مقام الاسم الأعظم (الله)، بالذات .. وهذا هو تأويله .. فالقرآن، كما هو بين دفتى المصحف، قد صدر عن الإنسان الكامل، الحقيقة المحمدية .. والى ذلك الإشارة بالحديث النبوى الذى سأل فيه النبي، جبريل من أين يأتى بالقرآن .. فأجاب انه يأتى به من قبة عند ساق العرش .. ومعلوم أن جبريل لا يلاقى الذات الإلهية لأنه لا ذات له، لا نفس له، ولذلك وقف في المعراج عند (قاب قوسين) .. وعندما قال له النبي: (تقدم أهذا مقام يترك فيه الخليل خليله؟ قال: هذا مقامى ولو تقدمت خطوة لاحترقت) .. ومن هنا يتضح أن المقام الذى يأتى منه جبريل بالقرآن، هو بالضرورة دون مستوى الحقيقة المحمدية، ذلك المقام الذى قامه النبي الكريم في ليلة المعراج، ووقف دونه جبريل .. ومقام الحقيقة المحمدية هو فوق العرش، وهو المشار اليه بقوله تعالى: (الرحمن على العرش استوى) .. هذا في حين أن المقام الذى يأتى منه جبريل بالقرآن هو عند ساق العرش .. والعرش هو النفس الكاملة .. والاستواء هو الاستقامة على السراط المستقيم .. وهذا الاستواء هو الذى به يتم تنزل المقام المحمود الى عالم الملك، فيتجسد القرآن في مستوى الحياة الكاملة التى لا تؤوفها آفة النقص، أو المرض، أو الموت .. فهذا المقام هو مقام حياة، في حين أن المقام الذى يتلقى منه جبريل القرآن، هو مقام علم، والعلم قاعدة الحياة ووسيلتها .. وعند استواء الإنسان الكامل على عرشه، وهو نفسه، يتم له الاستواء على عرش المملكة، وهي جميع الخلائق، من علويها الى سفليها، والتى يستوى الإنسان الكامل في قمتها، كملك في مملكته، يصرف شؤونها كخليفة عن الذات المطلقة.. فهذا الاستواء على العرش، هو تحقيق خلافة الأرض.. وهو النزلة التى يبدأ فيها تجسيد القرآن، هو النزلة الى مستوى الحياة الكاملة .. فالقرآن في صورته اللفظية، قد تم إنزاله بين دفتى المصحف وختمت بذلك النبوة، فلن يأتى جبريل بعد ذلك بوحى جديد .. أما القرآن في صورته الخلقية، صورته الحياتية، التى ما المصحف إلا صورة لفظية لها، القرآن في هذا المستوى لم يتم إنزاله، ولن يتم .. فالله تعالى بهذا المعنى متكلم سرمدا .. فكلامه لا يبدأ ثم ينتهي في زمن معين، تعالى الله عن ذلك علوا كبيرا .. وإنما كلامه صفة قائمة بذاته، هي عند التناهي، ليست غير الذات الصرفة .. فالقرآن كما كانت له نزلة أولى، في الملكوت، الى مقام الاسم الله، ستكون له نزلة أخرى في عالم الملك بها يتحقق مقام الاسم (الله) في الأرض، في تجسيد، تكتمل به الحياة على الأرض، وتفتتح به دورة جديدة من دورات الوجود، هي دورة الإنسان .. والإنسان هو قفزة على البشرية، كما كانت البشرية قفزة على الحيوانية .. وكمال الحياة إنما يتم ببروز الحاسة السادسة، والحاسة السابعة .. وذلك بتحقيق النفس السابعة، النفس الكاملة .. فالحاسة السادسة هي الدماغ .. ووظيفتها الإدراك المحيط، والموحد لجميع معطيات الحواس الأخرى .. ففي هذه المرحلة يكون العقل قويا، بالصورة التى يمارس بها جميع وظائف الحواس في وحدة .. أما الحاسة السابعة فهي القلب .. ووظيفتها الحياة الكاملة، وليس للحياة الكاملة نهاية كمال، وإنما كمالها، دائما نسبى، وغايتها أن تكون مطلقة الكمال كما إن خالقها هو مطلق الكمال، ولكن هيهات!!
      والنزلة الثانية للقرآن التى بها يتم تجسيد مقام الاسم الأعظم الله، تشير إليها الآيات الكريمات من سورة القدر: (انا أنزلناه في ليلة القدر * وما أدراك ما ليلة القدر * ليلة القدر خير من ألف شهر * تنزل الملائكة والروح فيها بإذن ربهم من كل أمر * سلام .. هي حتى مطلع الفجر) .. (انا أنزلناه) يعنى القرآن مجسدا .. يعنى الإنسان الكامل (الله) .. وهو المسيح هو (رسول الله وكلمته، ألقاها الى مريم، وروح منه) .. (رسول الله) يعنى رسول الذات الى جميع الخلائق .. (وكلمته) يعنى كلمة الله فالمسيح هو الكلمة (الله) .. (ألقاها الى مريم) يعنى الى النفس الطاهرة .. و (ليلة القدر)، هي لحظة نزول المسيح .. وهي الساعة، ساعة التعمير .. والساعة هي أيضا المسيح .. والى ذلك الإشارة بقوله تعالى (وانه لعلم للساعة فلا تمترن بها) .. وقوله: (تنزل الملائكة والروح فيها) الروح هو المسيح، والملائكة إشارة الى أعوانه .. والى كون المسيح هو الروح، تأتى الإشارة بقوله تعالى: (يلقى الروح من أمره، على من يشاء من عباده، لينذر يوم التلاق) .. والى ذلك الإشارة أيضا بقوله تعالى عن المسيح: (وكلمته، ألقاها الى مريم، وروح منه) .. وفي هذا المعنى تجيء بشارة النبي، من حديث طويل، يبشر فيه بالمسيح، كان بعض ما جاء فيه قوله: (فإذا هم بعيسى، فيقال: تقدم يا روح الله .. فيقول ليتقدم إمامكم فليصل بكم) رواه أحمد .. فالنبي قد سمى المسيح في هذا الحديث (روح الله).
      ونزول القرآن الى مقام التجسيد في الحياة، مقام الاسم الأعظم، ليس واسطته جبريل .. وإنما واسطته اسرافيل، ملك النفخ بالحياة .. فبهذا النفخ يتم التجلى الجمالى الذى به تشرق الأرض بنور ربها .. والى ذلك الإشارة بقوله تعالى: (ونفخ في الصور فصعق من في السموات ومن في الأرض إلا من شاء الله، ثم نفخ فيه أخري، فإذا هم قيام ينظرون * وأشرقت الأرض بنور ربها .. ووضع الكتاب .. وجئ بالنبيين والشهداء، وقضى بينهم بالحق وهم لا يظلمون) .. (ونفخ في الصور) يعنى في الأجساد، وعلى قمتها جسد الإنسان الكامل .. والصور يعنى أيضا البوق، فقد ذكرنا إن الإنسان الكامل هو بالنسبة للذات الإلهية عبارة عن بوق تنفخ فيه، فيعكس إرادتها، ويقيد إطلاقها .. (وأشرقت الأرض بنور ربها) يعنى أرض الجسد، جسد الإنسان الكامل، تشرق بنور الحياة الكاملة، والعلم الكامل .. والأرض أيضا تعنى الكوكب الأرضى، يشرق بنور الإسلام، فلا يصبح فيه إلا مسلما .. وهذا أيضا معنى (ووضع الكتاب)، أى وضع المصحف موضع التطبيق، فتمت النزلة الى مستوى الحياة، فأصبح القرآن معاشا، في قمة، في الإنسان الكامل، ثم بين سائر الأفراد والجماعات، وبذلك تتحقق المقامات العرفانية الكبيرة والى ذلك الإشارة بقوله (وجئ بالنبيين والشهداء) ..
      هذه النزلة الأخيرة للقرآن الى مقام التطبيق، كآيات نفوس، مقام الإنسان، هي ما يبشر به هذا الكتاب، ويعمل على أن يكون الطريق إليه ممهدا .. فالقرآن إنما جاء ليعاش، ويجسد كحياة تمشى مطمئنة على الأرض ..

      تجسيد القرآن
      إن حقيقة القرآن هي العلم المطلق، وهو فينا في حالة كمون، لا يفترّ منا إلا في الزمان والمكان .. والى كون العلم المطلق فينا الإشارة بالحديث القدسى (ما وسعنى أرضى ولا سمائى، وانما وسعنى قلب عبدى المؤمن) .. فالسعة هنا، إنما هي سعة علم .. و(العبد المؤمن) في القمة إنما هو الإنسان الكامل (الله)، والذى يحقق قمة العبودية، وهو من أسمائه المؤمن.. فهو الذى يسع المطلق، وهذه السعة ليست سعة إحاطة، إنما هي سعة صيرورة.. ثم .. (العبد المؤمن) هو كل عبد مؤمن على تفاوت بينهم في ذلك .. فحقيقة القرآن هي هذا (العبد)، الإنسان الكامل، فالقرآن جميعه إنما يتحدث عنه في المكان الأول كما ذكرنا.. أما الذات الصرفة، فهي فوق القرآن المرقوم، لأنها فوق العبارة وفوق الإشارة، فهي لا تعرف، ولكي تعرف تنزلت بمحض الفضل في المقامات المختلفة .. فالله، الإنسان الكامل، هو حقيقة القرآن، وتأويله .. والتأويل هو رد الشيء الى ما يؤول اليه .. والقرآن جميعه يؤول الى الله .. عنه صدر، وعنه يحكي، واليه يرسم خط السير .. فالقرآن هو المعراج الى النفس الكاملة، نفس الإنسان الكامل .. وجرثومة الإنسان الكامل موجودة في كل فرد بشرى، فلكل منا نفسان، نفس دنيا، ونفس عليا .. النفس الدنيا هي الحيوان، الذى ينبغى تأديبه وتهذيبه، والنفس العليا هي الإنسان، الإنسان الكامل، الذى بتأديب وتهذيب النفس السفلى يتم الوصول إليه، وإنما يتم ذلك عن طريق التأدب بأدب القرآن ..
      والإشارة الى كون (الله) هو حقيقة القرآن، وتأويله، تجيء من قوله تعالى: (هل ينظرون إلا تأويله، يوم يأتى تأويله يقول الذين نسوه من قبل قد جاءت رسل ربنا بالحق، فهل لنا من شفعاء فيشفوا لنا، أو نرد فنعمل غير الذى كنا نعمل، قد خسروا أنفسهم وضل عنهم ما كانوا يفترون) .. ف (هل ينظرون إلا تأويله) يعنى هل ينظرون إلا تأويل القرآن .. و (يوم يأتى تأويله) يعنى يوم يأتي (الله) في تجسيد، فهو تأويل القرآن .. والى ذلك الإشارة بقوله تعالى: (هل ينظرون إلا أن يأتيهم الله في ظلل من الغمام، والملائكة، وقضى الأمر والى الله ترجع الأمور) .. (الله في ظلل من الغمام) يعنى في تجسيد .. والملائكة هنا هم أعوان المسيح، كما أشرنا عند الحديث عن سورة القدر .. فالتأويل إذن هو (الله) في تجسيد .. ويوم إتيانه، هو لحظة الظهور هو الساعة، كما ذكرنا .. والى ذلك أيضا الإشارة بقوله تعالى: (هل ينظرون إلا الساعة، أن تأتيهم بغتة، وهم لا يشعرون؟).
      فتأويل القرآن هو (الله في ظلل من الغمام) أي في تجسيد .. وهذا هو مقام الوسيلة، الذى يكون بين الله في إطلاقه، وبين جميع الخلق .. ومجيئه يكون في اليوم الآخر، وهو آخر أيام الدنيا، وأول أيام الآخرة .. ومقامه هو المقام المحمود الذى تم للنبي في المامة في المعراج، ثم ظل يطلبه طوال حياته، وقد حققه في النزع، وانتقل به الى البرزخ، وعن ذلك جاء حديث عائشة (.. وجاء جبريل في ساعته ، فسلم .. فعرفت حسه .. وخرج أهل البيت، فدخل .. فقال: إن الله عز وجل يقرأ عليك السلام، ويقول لك كيف تجدك؟ وهو أعلم بالذى تجد منك، ولكن أراد أن يزيدك كرامة وشرفا، وان يتم كرامتك وشرفك على الخلق وان تكون سنة في أمتك .. فقال: أجدنى وجعا .. قال: أبشر!! فان الله قد أراد أن يبلغك ما أعد لك ..) .. يشير بقوله (ابشر!! فان الله قد أراد أن يبلغك ما أعد لك) الى قول الله تعالى: (ومن الليل فتهجد به نافلة لك عسى أن يبعثك ربك مقاما محمودا) .. فقد بلغ النبي المقام المحمود بالنزع، ونزل به الى البرزخ .. وقد ظل النبي طوال حياته، وفي برزخه يعمل على تنزيل هذا المقام من الملكوت الى الملك، حيث يتم تجسيده، إلى الأرض .. فالنبي، في برزخه، هو مدد كل الولايات، وهو مرشدها .. وعن طريق أنوار هذه الولايات، هو يعد الأرض لتلقى (النبأ العظيم) .. فالإنسان الكامل هو تجسيد القرآن في الدم واللحم .. هو القرآن يسير على قدمين .. هو معجزة القرآن الخالدة .. الإنسان الكامل هو ظاهر القرآن وباطنه، هو جماع آيات آفاقه، وجماع آيات نفوسه .. هو القرآن المرقوم، وهو القرآن المعاش، في تجسيد الصفات النفسية السبع، التى تحكى تنزلات القرآن .. والى ذلك الإشارة بقوله تعالى: (والطور * وكتاب مسطور * في رق منشور * والبيت المعمور) .. فالطور إشارة الى عقل الإنسان الكامل، الحاسة السادسة .. (وكتاب مسطور) هو القرآن، مسطور (في رق منشور) والرق هو الجلد، هو جلد الإنسان الكامل، يكون فيه القرآن مسطورا بالحروف الرقمية .. و(منشور) يعنى أنه حي، مبعوث من الموت ذلك الموت الذى تسبب فيه الخوف عند الإنسان فحجر جلده .. فبالعلم، والتحرر من الخوف، يلين جلد الإنسان الكامل، وتشيع فيه الحياة التى تنبعث من القلب، فيصير حيا كله .. (والبيت المعمور) هو قلب الإنسان الكامل، وهو جسده، فالإنسان الكامل كله قلب!! فهو قد تخلق بالاسم (الحى)، فشاعت الحياة في جميع جسده، فأصبح جسده حيا حياة قلبه .. وقلب الإنسان الكامل (جسده) معمور بذكر الله، فهو بيت الرب .. وهو معمور بذكر الله، لأن الإنسان الكامل هو (الله) .. فكل ذرة من ذرات جسد الإنسان الكامل تذكر الله بلسان عربي فصيح .. فهو الذكر المبين .. وأخلاق الإنسان الكامل هي أخلاق الله، أخلاق القرآن، ولذلك قلنا إن الإنسان الكامل هو تجسيد ظاهر القرآن وباطنه ..
      هذا هو أدب القرآن في قمته حيث الحياة الكاملة، حياة الإنسان الكامل، الولاية المحمدية مجسدة .. وهذا هو مقام الأصالة المتفردة، التى لا يشبهها أي أحد في تفردها، والتى لا يحيط بعلمها أحد إلا بما تشاء .. فعلمها هو العلم المحيط الذى يقع كل علم سواه، دونه، وفي إطاره، أما دون هذه القمة الشماء فان للعارفين مواقعهم في التأدب بأدب القرآن .. وهي مواقع مختلفة، ومتفاوتة بحسب تفاوتهم في العلم بالله .. والى هذه المواقع في التأدب بأدب القرآن، تشير الآية الكريمة (بل هو آيات بينات في صدور الذين أوتوا العلم) فهي تتحدث عن القرآن، وتجعل شرفه أن يكون معاشا (في صدور الذبن أوتوا العلم) .. وذلك على تفاوت بينهم، فانه (فوق كل ذى علم عليم) ..

      القرآن ، ومعرفة النفس
      إن تربية النفس، وتأديبها، أمر يقتضي المعرفة بها، حتى يتم التأدب على هدى ورشد .. وقد ذكرنا، أن الأدب مع الله يقتضي معرفته، ونحن إنما نعرفه بخلقه .. وأكمل خلقه في الدلالة عليه هو الإنسان نفسه .. ولذلك نحن نعرف الله عن طريق معرفة أنفسنا .. وقد قال المعصوم: (من عرف نفسه فقد عرف ربه) .. يعنى من عرف نفسه بما هو عليه من العبودية عرف ربه بما هو له من الربوبية .. فمعرفة الربوبية تقتضى أن نعرف عبوديتنا، ونتحلى بأدبها .. والقرآن هو منهاج لتعريفنا بأنفسنا، وهدايتنا إليها، فهو قصة النفس البشرية .. وهو يحكى خط سيرها في الصدور، منذ أن كانت في أحسن تقويم، الى أن ردت الى أسفل سافلين .. وهو يخط طريق رجعاها من أسفل سافلين، الى أحسن تقويم مرة أخرى .. ولذلك فان القرآن هو علم نفس .. وهو عن الهداية للنفوس يقول: (فمن اهتدى فانما يهتدى لنفسه، ومن ضل إنما يضل عليها)، فمن اهتدى إنما يهتدى لنفسه العليا، ومن ضل إنما يضل في متاهات نفسه السفلى .. والله تعالى قد كتب على نفسه الهداية الى النفوس، عن طريق أدب القرآن، فهو تعالى قد قال: (إن علينا للهدى * وان لنا للآخرة والأولى) .. (إن لنا للآخرة والأولى) يعنى من لم يهتدى في الأولى، لا بد أن يهتدى في الآخرة، كان على ربك حتما مقضيا .. فان الله قد كتب على نفسه الهدى، وما كتبه الله على نفسه، لا بد كائن .. وهدى الله النفوس، عن طريق القرآن، يتم عن طريق تذكيرها بما كانت عليه في عالم الأرواح، ثم نسيته، وذهلت عنه، عندما نزلت الى عالم الأجساد .. وتذكر هذا الإقرار، والعمل وفقه، هو تحقيق العبودية .. وعن الحالة التى كان عليها الناس في عالم الأرواح يقول تعالى: (وإذ اخذ ربك من بنى آدم من ظهورهم ذريتهم، وأشهدهم على أنفسهم: ألست بربكم؟؟ قالوا: بلى!! شهدنا!! أن تقولوا يوم القيامة انا كنا عن هذا غافلين!!) .. فجميع الناس، في عالم الأرواح شهدوا لله بالربوبية، لكنهم لما جاءوا الى عالم الأجساد، نسوا هذه الشهادة - نسوا حقيقة أنهم عبيد، وأن الله هو ربهم - فأصبحت هذه الحقيقة كامنة في القلوب، وقد غطى عليها الرين: (كلا!! بل ران على قلوبهم ما كانوا يكسبون * كلا انهم عن ربهم يومئذ لمحجوبون) .. فالحجاب الذى بيننا وبين ربنا هو نفوسنا - هو رغائبها، وشهواتها، ورعوناتها .. وبرفع هذا الحجاب، بالتخلص من رعونات النفس وتأديبها، وتهذيبها، تتم لنا معرفة الله، ويتم لنا تحقيق أدب العبودية .. والقرآن هو وسيلتنا لهذه المعرفة، وهذا الأدب .. هو وسيلة تذكيرنا بالحقيقة التى ذهلنا عنها، وفي ذلك يقول تعالى: (ولقد يسرنا القرآن للذكر فهل من مدكر؟) فالمعرفة هي تذكر .. تذكر لما نسينا من حقيقة إننا عبيد .. ووسيلة القرآن في المعرفة، هي التقوى .. وهي العمل في تقليد المعصوم، في العبادة والمعاملة .. وعن ذلك يقول تعالى: (واتقوا الله، ويعلمكم الله، والله بكل شيء عليم) .. وبالعلم وبالعمل وفق نهج السنة، تتحقق لنا العبودية، ويتحقق لنا أدبها .. ونحن عندما نلتزم أدب العبودية، تفض علينا الربوبية من علمها، ومن إرادتها، ومن قدرتها، ومن حياتها، ومن جميع صفاتها .. وهذا هو معنى التخلق بأخلاق الله - فهو التزام لأدب العبودية .. وفي هذا المعنى يجيء الحديث القدسي: (من آذى لى وليا فقد آذنته بحرب .. وما تقرب الىّ عبدى بأحب مما افترضته عليه، ولا يزال عبدى بتقرب الىّ بالنوافل حتى أحبه .. فإذا أحببته، كنت سمعه الذى يسمع به، وبصره الذى يبصر به، ويده التى يبطش بها، ورجله التى يسعى بها، ولئن سألني لأجيبنّه ..) .. فهذا الحديث القدسى عن التخلق بأخلاق الله، بالتزام أدب العبودية، عن طريق تجويد العبادة .. فإذا التزم العبد أدب العبودية، حتى أحبه الله، صار سمعه من سمع الله، وبصره من بصره .. الخ، وهكذا تصبح جميع جوارحه رحمانية .. وتحقيق محبة الله للعبد إنما يتم عن طريق اتباع النبي، وفي ذلك يقول تعالى: (قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله) .. فأدب السلوك في طريق محمد هو الذى يحقق محبة الله للعبد ويحقق التخلق بأخلاق الله - أخلاق القرآن.
      وفي هذا المعنى أيضا يجيء قوله تعالى في القرآن (لهم ما يشاءون عند ربهم، ذلك جزاء المحسنين) .. فقوله تعالى: (لهم ما يشاءون) يعنى هم مخيرون، وإرادتهم نافذة، وذلك لأنها من إرادة الله، وليست مغايرة لها .. و(عند ربهم) يعنى مقام العبودية، لأنه لا يكون عند الرب إلا العبد .. وقوله (ذلك جزاء المحسنين) يعنى من أحسنوا التصرف في الحرية الفردية المطلقة، بأن التزموا أدب العبودية ..

      التخلق بأخلاق الله واتباع سنته
      ما ذكرناه آنفا هو في معنى التخلق بأخلاق القرآن .. ذلك التخلق الذى امرنا الله تعالى به، وذلك حيث قال: (كونوا ربانيين، بما كنتم تعلمون الكتاب، وبما كنتم تدرسون) .. وامرنا المعصوم به، وذلك حيث قال: (تخلقوا بأخلاق الله، إن ربي على سراط مستقيم) .. فالتخلق بأخلاق الله هو اتباع لسنة الله، عن طريق اتباع سنة النبي، التى هي من سنة الله .. فالسنة واحدة، هي سنة الله، وهي الإسلام، وهي الاستقامة .. فالتخلق بأخلاق الله هو أن تكون على السراط المستقيم، فان الله تعالى على السراط المستقيم .. وهو قد قال في القرآن، على لسان هود: (إني توكلت على الله ربي وربكم، ما من دابة إلا هو آخذ بناصيتها، إن ربي على سراط مستقيم) .. وقد أمر النبي بان يكون على السراط المستقيم، وأمرنا معه بذلك، وذلك حيث قال تعالى من سورة هود: (فاستقم كما أمرت، ومن تاب معك، ولا تطغوا .. انه بما تعملون بصير) .. ولصعوبة هذه الاستقامة قال عنها النبي: (شيبتنى هود وإخوانها)، يشير الى هذه الآية التى ذكرناها من سورة هود .. فالاستقامة هي سنة الله، وهي سنة النبي، وهي سنة الأصحاب، على تفاوت كبير بينهم وبين النبي، وعلى تفاوت بينهم فيما بينهم .. والاستقامة هي الاستواء على الوسط بين طرفين، كلاهما اذا اخذ بمفرده خطأ .. فمن الطرفين مثلا، الشريعة، والحقيقة .. فالشريعة اذا أخذت بمفردها بلا حقيقة فهي خطأ، والحقيقة إذا ادعيت بلا شريعة فهي خطا ..

        وإلى كون أن سنة الله هي الإسلام، تجيء الإشارة بقوله تعالى: (أفغير دين الله يبغون، وله أسلم من في السموات والأرض طوعا وكرها، واليه يرجعون؟؟) وأيضا الإشارة بقوله تعالى: (إن الدين عند الله الإسلام) .. فدين (الله) - الإنسان الكامل - هو الإسلام، وهذا معنى قوله: (إن الدين عند الله الإسلام) .. والإشارة الى المطلق موجودة بالطبع، ولكن في القيد فاٍن الإسلام إنما هو سنة الله، وهو الفطرة، والى ذلك الإشارة بقوله تعالى: (فأقم وجهك للدين حنيفا فطرة الله التى فطر الناس عليها، لا تبديل لخلق الله ذلك الدين القيم، ولكن أكثر الناس لا يعلمون) .. (فطرة الله) يعنى ما عليه هو من صفاء الفكر، وسلامة القلب، فهذه الفطرة إنما هي سنته .. (التى فطر الناس عليها) الاشارة الى المطلق هنا واضحة، وهذا يعنى أن كل الناس هنا مفطورون على هذه الفطرة السوية، فطرة الإسلام، ولكن غطى عليها (الرين)، بما اكتسبوه في صراع الحياة من ضغائن، وانحرافات سلوك، نتجت عن الخوف .. وذلك (الرين) هو الذى حجب حقيقتهم، أو فطرتهم، وهي نفسها نفوسهم العليا .. (ذلك الدين القيم) .. الإشارة بذلك الى (فطرة الله)، فهي الدين القيم .. والدين القيم هو الإسلام، وهو الاٍستقامة .. والى ذلك الإشارة بقوله تعالى: (قل إنني هدانى ربي الى سراط مستقيم، دينا قيّما ملة ابراهيم حنيفا، وما كان من المشركين * قل إن صلاتى، ونسكى، ومحياى ومماتى، لله رب العالمين، لا شريك له وبذلك أمرت، وأنا أول المسلمين) .. (قل إنني هدانى ربي الى سراط مستقيم، دينا قيّما) يعنى أن السراط المستقيم، هو نفسه الدين القيّم، هو الإسلام .. والى كونه هو الإسلام تجيء الإشارة بعبارة (ملة ابراهيم حنيفا) فملة ابراهيم هي الإسلام .. والى ذلك الإشارة أيضا بعبارة (وأنا أول المسلمين) .. والى كون الإسلام هو دين الفطرة، يشير أبضا حديث المعصوم الذى يقول فيه (كل مولود يولد على الفطرة، فأبواه يهودانه، أو ينصرانه، أو يمجسانه) ..
        فسنة الله هي فطرته، وهي الإسلام، وهي الاستقامة .. وسنة النبي هي نفس سنة الله، فالسنة واحدة .. وليس للأصحاب سنة خاصة بهم، كما توهم البعض من حديث (عليكم بسنتى، وسنة الخلفاء الراشدين، المهديين، من بعدى) .. فسنة الخلفاء هي القدر الذى طاقه كل منهم من سنة النبي .. فهي ليست سنة أخرى بازاء سنة النبي .. وأوضح ما يتضح ذلك في الإنفاق، فالمال هو محك التوحيد .. فقد كانت سنة النبي في المال هي أن ينفق كل ما زاد عن حاجته الحاضرة، عملا بقوله تعالى: (ويسألونك ماذا ينفقون، قل العفو) .. وكان بعض الأصحاب يحاول اتباعه في سنته هذه .. فكان سيدنا أبوبكر يجمع المال، ثم ينزل عنه كله، وعمله هذا كان قمة عمل الأصحاب، وهو دون مستوى النبي بكثير، فالنبي لم يكن يجمع المال، وإنما كان ينفق عنه كل ما زاد عن حاجته الحاضرة .. وهو قد قال: (ما أحب أن يكون لى مثل أحد ذهبا، أنفقه جميعه في سبيل الله، إلا دريهمات أرصدهن لدين) .. أما سيدنا عمر فقد كان ينفق نصف ماله، فالفرقة بينه وبين أبى بكر كبيرة .. وفي حين قبل النبي من أبى بكر ماله كله، وقبل من عمر نصف ماله، لم يقبل من عبد الرحمن ابن عوف إلا أن يؤدى الزكاة ويتصدق بما شاء ويحتفظ بأصل ماله .. ثم أنه أوصى سعد ابن أبى وقاص بألا يتصدق بأكثر من الثلث .. وذلك لعلمه بأن مستواه في التوحيد لا يعدو هذا القدر .. قد جاء في الحديث (عن سعد ابن أبى وقاص رضى الله عنه، قال: مرضت عام الفتح، مرضا، أشفيت منه على الموت، فأتانى رسول الله يعودنى، فقلت: يا رسول الله!! إن لى مالا كثيرا ولا يرثنى إلا ابنتي، فأوصى بمالى كله؟ قال: لا .. قلت فثلثى مالى؟ قال: لا .. قلت: فالشطر؟ قال: لا .. قلت فالثلث؟ قال: الثلث، والثلث كثير .. انك أن تدع ورثتك أغنياء، خير من أن تدعهم عالة يتكففون الناس .. والنبي في حق أبى بكر، وعمر، لم يشر الى الورثة .. وهو قد قال عن نفسه (نحن معاشر الأنبياء لا نورث، وما تركناه صدقة) .. فهذا الاختلاف الكبير بين مستويات الأصحاب في الإنفاق، هو دليل واضح على أنه ليس للأصحاب سنة خاصة بهم، وإنما سنتهم هي محاولة كل واحد منهم اتباع سنة النبي، قدر طاقته .. وسنة النبي كما بينّا هي من سنة الله .. فالسنة واحدة إذن، هي سنة الله ..
        من كل ما تقدم في هذا الباب عن القرآن، يتضح أن الله هو حقيقة القرآن .. وان أدب القرآن، هو أدب الله الحادث (المقيد)، ثم هو الأدب مع الله القديم (المطلق) .. هذا الأدب إنما يتحقق عن طريق التخلق بأخلاق القرآن، بتقليد النبي المعصوم، والتقليد عمل يبدأ بدايات بسيطة، ثم يتسامى الى القمم الرفيعة التى تحدثنا عنها، حيث يفضى التقليد بالمقلد المجوّد الى الأصالة- الى سقوط التقليد!!

        تقديس القرآن
        ومما يعين على التأدب بأدب القرآن، تقديسه وتوقيره .. هذا التقديس يبدأ من تقديس الحرف العربي، الذى نزل به القرآن، بل تقديس كل حرف، ورعايته، وحفظه، من أن يوضع موضع امتهان، أو تحقير، أو يستخدم استخداما خاطئا، مثل ما يقوم به الناس اليوم من استخدام الورق المكتوب عليه، في لف الأشياء .. ومن الأدب مع القرآن وتقديسه التأدب عند سماعه .. وأدب السماع تلخصه الآية الكريمة: (وإذا قريء القرآن فاستمعوا له، وأنصتوا، لعلكم ترحمون) .. فالأدب مع القرآن كما تحدد، الآية، هو الحضور معه .. حضور العقل، وحضور القلب .. فعبارة (فاستمعوا له) تشير الى حضور العقل .. وعبارة (وأنصتوا) تشير الى حضور القلب .. فكأن الاستماع المؤدب للقرآن، هو أن تستمع الأذن، والعقل حاضر، يتابع معاني القرآن .. أما الإنصات، فهو أن تكون الأذن أثناء سماع القرآن، وكأنها مفتوحة على القلب مباشرة، تصب فيه أصوات القرآن، وموسيقاه .. والاستماع للقرآن يجب أن يكون، ولو كان الصوت به يأتي من بعيد .. ولو كانت الكلمات غير واضحة، وغير مفهومة .. ويجب ألا يكون هنالك انصراف عن القرآن أثناء تلاوته، سواء كانت تلاوة حية، أو كانت تلاوة من تسجيل، فان هذا الانصراف من سوء الأدب مع القرآن، وهو يورث الحرمان .. ومجرد التأدب مع القرآن، بالاهتمام به، وحسن الاستماع إليه، هو من التعرض للرحمة، والى ذلك الإشارة بعبارة (لعلكم ترحمون) من الآية ..
        وسوء الأدب مع القرآن، يتسبب في اللعنة، والحرمان، والطرد لأنه سوء أدب مع الله .. فالقرآن كلام الله .. فإذا كان الرب يتكلم، والعبد غافلا عنه، منصرفا الى غيره فان هذا لممّا يؤدى الى الطرد، وإلى ذلك الإشارة بقول المعصوم: (رب قاريء للقرآن والقرآن يلعنه) .. وقوله: (رب مصل لم تزده صلاته من الله إلا بعدا) .. ولذلك لا بد من الحرص، والحذر، الشديدين، من الوقوع في سوء الأدب مع القرآن .. ولا بد من الحرص الشديد على تقديس القرآن، وتوقيره، وإدمان الاطلاع عليه، والاستماع له، وحفظ ما يتعبد به منه .. وفوق كل ذلك العمل به ..

        أدب العقل والنفس والقلب والجسد
        إن أدب القرآن، هو أدب عقول، وأدب نفوس .. وهو أدب قلوب، وأدب أجساد أيضا .. وأدب العقول هو وسيلة لأدب النفوس .. فقد ذكرنا في المقدمة، إن العقل هو الذى يقوم بتأديب النفس، وتربيتها .. ولكى يتأتى له ذلك، على احسن الوجوه، لا بد أن يكون هو نفسه مؤدبا .. وان يكون عالما، واسع العلم، حكيما، واسع الحكمة، حتى يتمكن من سياسة النفس، سياسة تقوم على العلم، وعلى الحكمة، فيرقى بها من مرحلة الحيوانية، الى مرحلة الإنسانية .. وقمة أدب العقل، أن يعرف مكانه من القلب، فلا يتقدم عليه .. فعدم الأدب بالنسبة للعقل، هو تقدمه على سيده القلب .. وهذا التقدم أملاه الخوف .. فالعقل إنما يتقدم، ليستكشف مواطن الخطر، حتى يستطيع أن يتفاداه، ويحمى الحياة .. وهذا ما جعل العقل في حركة دائمة بين الماضي، والمستقبل .. فهو قد أزعجه الخوف من أن يعيش في اللحظة الحاضرة، وقد خدم هذا الخوف تطور الحياة خدمة جليلة، ولكن الحياة لن تكتمل إلا بعد التخلص منه ..


          رياضة العقول والنفوس وتأديبها
          إن سبيل العقول والنفوس الى الرياضة، والأدب، هو التقوى .. والتقوى هي علم، وعمل بمقتضى هذا العلم .. هي، في البداية، علم بالشريعة، وعمل بمقتضاه .. ثم هي علم بالطريقة، وعمل بمقتضاه .. ثم هي علم بالحقيقة، وعمل بمقتضاه .. والتقوى تثمر فرقانا، وهو نور في القلوب، يتم به التمييز بين ما يليق، ومالا يليق .. وعن ذلك يقول تعالى (يا أيها الذين آمنوا!! إن تتقوا الله يجعل لكم فرقانا) .. (إن تتقوا الله) يعنى تعملوا بالشريعة، فتأتمروا بالأمر، وتنتهوا عند النهي .. (يجعل لكم فرقانا) يعنى نورا في عقولكم وقلوبكم، به تفرقون بين الحق والباطل .. يعنى يجعل لكم مقدرة في عقولكم بفضل التقوى، بها تقوون على التفكير الدقيق، والتمييز السليم، بين ما يليق، ومالا يليق، بين الحلال والحرام .. فالتقوى تبدأ من صورة غليظة ثم تسير نحو الدقة .. وكذلك الفرقان، يبدأ بداية بسيطة، وضعيفة، ثم يسير نحو الدقة، والقوة، تبعا لسير التقوى .. هذه الصورة في العلاقة بين التقوى والفرقان، يحكيها الحديث الشريف (الحلال بين والحرام بين، وبينهما أمور مشتبهات، لا يعلمهن كثير من الناس، فمن اتقى الشبهات، فقد استبرأ لدينه وعرضه) .. فالتقوى في بدايتها لا تحتاج الى كبير عناء، كذلك قوة العقل المميزة بين الحلال والحرام لا تحتاج الى شدة دقة .. وعندما يبدأ السير من الطرفين الغليظين نحو الوسط- نحو منطقة الأمور المشتبهات- تبدأ الحاجة الى قوة فكرية زائدة، بها يقع التمييز بين الحلال والحرام .. وتبدأ أيضا الحاجة الى قوة في الإرادة زائدة، بها تتم القدرة على فعل ما هو به مأمور وترك ما هو عنه منهي .. وتصبح التقوى هنا قوة على التمييز، ودقة فيه، ومقدرة على التنفيذ حسب ما يمليه التمييز .. وهكذا، كلما اصبح العقل دقيقا في تمييزه، قويا في إرادته، استطاع أن يحمل النفس على الالتزام بمقتضبات الواجب، وهذه هي تربيته لها، وهي تربية تدق، وتتسامى، باستمرار، في مستوى الشريعة، ومستوى الطريقة، ومستوى الحقيقة .. والسير في الترقى في تربية العقول والنفوس يتم في ست مراحل، أولها مرحلة المؤمن العادى، ثم الورع، ثم صاحب اليمين، والبر، والمقرب، ثم صاحب الاستقامة .. وهذه الدرجات الست مقابلة لمراحل النفوس السبع، والتى هي نفسها درجات العقل، الا أن النفس الأمارة دون مرتبة المؤمن العادى، ولذلك تبدأ النفوس من اللوامة، فالملهمة، والمطمئنة، والراضية، والمرضية، والكاملة ..
          ووسيلة تأديب العقل، هي الصلاة
          .. فقمة أدب العقل هي لحظة التوقف الفكرى .. تلك اللحظة التى حققها النبي الكريم، وحكى عنها القرآن بقوله تعالى: (ما زاغ البصر وما طغى) يعنى ما انشغل فكر النبي بالماضي، ولا بالمستقبل .. وبذلك التوقف الفكرى، تمت للنبي الصلة بالله، في قمة .. وكانت تلك الصلة هي قمة الصلاة، هي صلاة الصلة التى أشار إليها المعصوم بقوله: (الصلاة صلة بين العبد وربه) .. وقد فرضت الصلاة الشرعية، كوسيلة لتحقيق هذه الصلاة - كوسيلة لتحقيق صلاة الصلة - وبالتالى لتحقيق أدب العقل في قمة .. والصلاة الشرعية، قد فرضت في مقام: (قاب قوسين أو أدنى) .. والقوسان هما الماضي والمستقبل، وبينهما اللحظة الحاضرة - بينهما صلاة الصلة ..

            والسجود هو وضع الأنف، والجبهة في الأرض، تخضعا، وتواضعا لله .. وتواضع العقل هو أكبر صور أدبه .. والعقل المتواضع، هو العقل الذى يعرف قدر نفسه، فلا يتقدم على القلب، ولا يدعى العلم والمعرفة .. فادعاء العلم هو الجهل الحقيقى، والتخلى عن هذه الدعوى هو العلم الحقيقى، والى ذلك الإشارة بقول المعصوم: (لا يزال المرء يعلم، ما لم يظن أنه قد علم .. فان ظن أنه قد علم ، فقد جهل) ..
            والعقل المحايد، هو العقل الذى يلتزم الحق، فلا ينحرف عنه يمنة، ولا يسرة .. فهو لا ينحرف مع الهوى، ولا ينحاز لنفسه ضد الآخرين، فهو يقول الحق ولو على نفسه .. والحياد والتواضع الفكرى هما أهم صور أدب العقل ..
            من كل ذلك يتضح أن تأديب العقول، وتأديب النفوس وفق نهج السنة، نهج القرآن، هو أمر علمى، وعملي، يتم عن طريق التقوى، بتقليد المعصوم وفق مراحل سلوكية محددة تقوم على العلم، وعلى العمل بمقتضى العلم، وتقوم على الحكمة الحكيمة في سياسة النفوس.

            أدب القلب وأدب الجسد
            القلب كما ذكرنا، هو بيت الرب، وأدبه هو أن يكون بيتا نظيفا بالصورة التى تليق بالرب، فلا يجاوره فيه ما لا يرضاه .. وإنما يتم ذلك عن طريق التقوى، عن طريق التخلص من الرين، بوسيلة العقل الصافي المؤدب .. فالقلب المؤدب، هو القلب السليم، سليم من الانقسام، وسليم من الضغائن، ومن الأحقاد .. والى ذلك الإشارة بقوله تعالى: (ولا تخزنى يوم يبعثون * يوم لا ينفع مال ولا بنون * إلا من أتى الله بقلب سليم) .. فالقلب السليم، هو القلب السلام الذى لا ينطوى إلا على ما ينفع الناس ويصلحهم ..
            والعقل الصافي، والقلب السليم، يكون لهما انعكاسهما على الجسد، فيكون جسدا حيا، وجميلا بالقدر الذى يفيضه عليه العقل والقلب من العلم والحياة .. وللجسد أدبه، وهو أن يكون جسدا خاشعا، ومطيعا لا يستخدم حواسه وجوارحه إلا في ما يرضى الله .. فلكل حاسة، وجارحة، أدبها وهو أن تتقيد عن معصية الله، وان توظف في طاعته .. وأدب الجسد هو أيضا، أدب العبودية، وهو أدب يبدأ من الشريعة .. فعند ممارسة الشريعة، في الصلاة مثلا، يجب ألا يكون تعبير الجسد، تعبيرا يدل على الشعور بالقوة، وبالعظمة، وإنما ينبغى أن يكون تعبيرا يدل على الخشوع، واستشعار الضعف .. ويجب أن تكون أطراف الجسد، أثناء الصلاة، ساكنة. وقد روى أن النبي صلى الله عليه وسلم رأى أحد الأصحاب ويده كثيرة الحركة أثناء صلاته فقال: (لو خشع قلبه، لسكنت جوارحه) .. ومن أدب الجسد أن يكون نظيفا، وطاهرا، دائما -أن يكون نظيفا النظافة الحسية، والنظافة المعنوية .. ولتحقيق هذه النظافة لابد أن يكون السالك في طريق محمد على طهارة بصورة دائمة عن طريق طبق الوضوء على الوضوء أو عن طريق التيمم ..
            والأدب في جميع النواحى، والمستويات و التى ذكرناها، لا يتم إلا عن طريق العمل المتقن في تقليد المعصوم، وفي الاقتداء به، في العبادة وفي المعاملة، ولذلك أسميناه أدب السالك في طريق محمد .. والقضية الأساسية في هذا الأدب هي الأدب مع صاحب المنهاج نفسه- مع النبي .. فالمنهاج ليس بمعزول عن صاحبه، وهو إنما يستمد قيمته من قيمة صاحبه .. فكمال منهاج السنة، مستمد من كمال النبي .. فبقدر العلاقة مع صاحب المنهاج، والأدب معه، تكون الاستفادة من المنهاج .. والأدب علم، هو علم بمقام النبي، وعلم بقيمته لنا .. فلتجويد الأدب مع النبي، لا بد من التعريف به، والتعريف بمقتضيات الأدب معه، وهذا ما سنعمل على تبينه في الباب الثالث ..
                  

العنوان الكاتب Date
الوجود مظهر الله.. ووحدة الوجود تعني هذا.. نقاش مع د. نزار محمد عثمان Yasir Elsharif12-04-04, 03:31 AM
  Re: الوجود مظهر الله.. ووحدة الوجود تعني هذا.. نقاش مع د. نزار محمد عثمان Yasir Elsharif12-04-04, 03:38 AM
    Re: الوجود مظهر الله.. ووحدة الوجود تعني هذا.. نقاش مع د. نزار محمد عثمان غادة نصر01-04-05, 11:14 PM
  Re: الوجود مظهر الله.. ووحدة الوجود تعني هذا.. نقاش مع د. نزار محمد عثمان Yasir Elsharif12-04-04, 03:42 AM
  Re: الوجود مظهر الله.. ووحدة الوجود تعني هذا.. نقاش مع د. نزار محمد عثمان Yasir Elsharif12-04-04, 03:46 AM
  Re: الوجود مظهر الله.. ووحدة الوجود تعني هذا.. نقاش مع د. نزار محمد عثمان Yasir Elsharif12-04-04, 03:48 AM
  Re: الوجود مظهر الله.. ووحدة الوجود تعني هذا.. نقاش مع د. نزار محمد عثمان قصي مجدي سليم12-04-04, 06:00 AM
    Re: الوجود مظهر الله.. ووحدة الوجود تعني هذا.. نقاش مع د. نزار محمد عثمان نزار محمد عثمان12-04-04, 11:10 PM
      Re: الوجود مظهر الله.. ووحدة الوجود تعني هذا.. نقاش مع د. نزار محمد عثمان Yasir Elsharif12-06-04, 07:32 AM
        Re: الوجود مظهر الله.. ووحدة الوجود تعني هذا.. نقاش مع د. نزار محمد عثمان نزار محمد عثمان12-06-04, 09:53 PM
          Re: الوجود مظهر الله.. ووحدة الوجود تعني هذا.. نقاش مع د. نزار محمد عثمان Yasir Elsharif12-07-04, 00:56 AM
            Re: الوجود مظهر الله.. ووحدة الوجود تعني هذا.. نقاش مع د. نزار محمد عثمان نزار محمد عثمان12-07-04, 01:40 AM
              Re: الوجود مظهر الله.. ووحدة الوجود تعني هذا.. نقاش مع د. نزار محمد عثمان Yasir Elsharif12-07-04, 05:02 AM
                Re: الوجود مظهر الله.. ووحدة الوجود تعني هذا.. نقاش مع د. نزار محمد عثمان نزار محمد عثمان12-08-04, 01:39 AM
                  Re: الوجود مظهر الله.. ووحدة الوجود تعني هذا.. نقاش مع د. نزار محمد عثمان Yasir Elsharif12-08-04, 05:06 AM
                  Re: الوجود مظهر الله.. ووحدة الوجود تعني هذا.. نقاش مع د. نزار محمد عثمان مهيرة12-08-04, 08:46 AM
                    Re: الوجود مظهر الله.. ووحدة الوجود تعني هذا.. نقاش مع د. نزار محمد عثمان Yasir Elsharif12-08-04, 10:41 AM
  Re: الوجود مظهر الله.. ووحدة الوجود تعني هذا.. نقاش مع د. نزار محمد عثمان Yasir Elsharif12-09-04, 00:52 AM
  Re: الوجود مظهر الله.. ووحدة الوجود تعني هذا.. نقاش مع د. نزار محمد عثمان قصي مجدي سليم12-09-04, 01:37 AM
  Re: الوجود مظهر الله.. ووحدة الوجود تعني هذا.. نقاش مع د. نزار محمد عثمان Yasir Elsharif12-09-04, 09:23 AM
  Re: الوجود مظهر الله.. ووحدة الوجود تعني هذا.. نقاش مع د. نزار محمد عثمان قصي مجدي سليم12-11-04, 06:15 AM
    Re: الوجود مظهر الله.. ووحدة الوجود تعني هذا.. نقاش مع د. نزار محمد عثمان هاشم نوريت12-11-04, 06:24 AM
      Re: الوجود مظهر الله.. ووحدة الوجود تعني هذا.. نقاش مع د. نزار محمد عثمان نزار محمد عثمان12-12-04, 00:11 AM
        Re: الوجود مظهر الله.. ووحدة الوجود تعني هذا.. نقاش مع د. نزار محمد عثمان نزار محمد عثمان12-12-04, 00:17 AM
          Re: الوجود مظهر الله.. ووحدة الوجود تعني هذا.. نقاش مع د. نزار محمد عثمان نزار محمد عثمان12-12-04, 00:32 AM
    Re: الوجود مظهر الله.. ووحدة الوجود تعني هذا.. نقاش مع د. نزار محمد عثمان مهيرة12-13-04, 08:37 AM
  Re: الوجود مظهر الله.. ووحدة الوجود تعني هذا.. نقاش مع د. نزار محمد عثمان Yasir Elsharif12-12-04, 03:03 AM
  Re: الوجود مظهر الله.. ووحدة الوجود تعني هذا.. نقاش مع د. نزار محمد عثمان مأمون التلب12-12-04, 11:02 PM
  Re: الوجود مظهر الله.. ووحدة الوجود تعني هذا.. نقاش مع د. نزار محمد عثمان قصي مجدي سليم12-13-04, 06:16 AM
    Re: الوجود مظهر الله.. ووحدة الوجود تعني هذا.. نقاش مع د. نزار محمد عثمان نزار محمد عثمان12-14-04, 02:25 AM
  Re: الوجود مظهر الله.. ووحدة الوجود تعني هذا.. نقاش مع د. نزار محمد عثمان Yasir Elsharif12-14-04, 01:06 PM
    Re: الوجود مظهر الله.. ووحدة الوجود تعني هذا.. نقاش مع د. نزار محمد عثمان Yasir Elsharif12-15-04, 02:15 AM
    Re: الوجود مظهر الله.. ووحدة الوجود تعني هذا.. نقاش مع د. نزار محمد عثمان نزار محمد عثمان12-15-04, 04:14 AM
  Re: الوجود مظهر الله.. ووحدة الوجود تعني هذا.. نقاش مع د. نزار محمد عثمان أبو ساندرا12-15-04, 02:23 AM
    Re: الوجود مظهر الله.. ووحدة الوجود تعني هذا.. نقاش مع د. نزار محمد عثمان Yasir Elsharif12-15-04, 02:46 AM
      Re: الوجود مظهر الله.. ووحدة الوجود تعني هذا.. نقاش مع د. نزار محمد عثمان نزار محمد عثمان12-15-04, 10:15 PM
        Re: الوجود مظهر الله.. ووحدة الوجود تعني هذا.. نقاش مع د. نزار محمد عثمان نزار محمد عثمان12-16-04, 00:21 AM
      Re: الوجود مظهر الله.. ووحدة الوجود تعني هذا.. نقاش مع د. نزار محمد عثمان انور الطيب12-17-04, 10:25 AM
        Re: الوجود مظهر الله.. ووحدة الوجود تعني هذا.. نقاش مع د. نزار محمد عثمان Yasir Elsharif12-17-04, 10:59 AM
  Re: الوجود مظهر الله.. ووحدة الوجود تعني هذا.. نقاش مع د. نزار محمد عثمان قصي مجدي سليم12-16-04, 10:22 AM
  Re: الوجود مظهر الله.. ووحدة الوجود تعني هذا.. نقاش مع د. نزار محمد عثمان Yasir Elsharif12-17-04, 05:57 AM
    Re: الوجود مظهر الله.. ووحدة الوجود تعني هذا.. نقاش مع د. نزار محمد عثمان Yasir Elsharif12-17-04, 11:16 PM
    Re: الوجود مظهر الله.. ووحدة الوجود تعني هذا.. نقاش مع د. نزار محمد عثمان نزار محمد عثمان12-17-04, 11:29 PM
      Re: الوجود مظهر الله.. ووحدة الوجود تعني هذا.. نقاش مع د. نزار محمد عثمان نزار محمد عثمان12-17-04, 11:37 PM
        Re: الوجود مظهر الله.. ووحدة الوجود تعني هذا.. نقاش مع د. نزار محمد عثمان نزار محمد عثمان12-18-04, 00:31 AM
          Re: الوجود مظهر الله.. ووحدة الوجود تعني هذا.. نقاش مع د. نزار محمد عثمان Yasir Elsharif12-19-04, 01:40 AM
        Re: الوجود مظهر الله.. ووحدة الوجود تعني هذا.. نقاش مع د. نزار محمد عثمان Yasir Elsharif12-18-04, 00:46 AM
  Re: الوجود مظهر الله.. ووحدة الوجود تعني هذا.. نقاش مع د. نزار محمد عثمان مأمون التلب12-18-04, 00:38 AM
    Re: الوجود مظهر الله.. ووحدة الوجود تعني هذا.. نقاش مع د. نزار محمد عثمان Yasir Elsharif12-18-04, 08:02 AM
  Re: الوجود مظهر الله.. ووحدة الوجود تعني هذا.. نقاش مع د. نزار محمد عثمان مأمون التلب12-19-04, 00:26 AM
    Re: الوجود مظهر الله.. ووحدة الوجود تعني هذا.. نقاش مع د. نزار محمد عثمان مهيرة12-19-04, 08:37 AM
      Re: الوجود مظهر الله.. ووحدة الوجود تعني هذا.. نقاش مع د. نزار محمد عثمان Rashid Elhag12-19-04, 11:57 AM
        Re: الوجود مظهر الله.. ووحدة الوجود تعني هذا.. نقاش مع د. نزار محمد عثمان نزار محمد عثمان12-20-04, 02:30 AM
          Re: الوجود مظهر الله.. ووحدة الوجود تعني هذا.. نقاش مع د. نزار محمد عثمان نزار محمد عثمان12-20-04, 03:06 AM
        Re: الوجود مظهر الله.. ووحدة الوجود تعني هذا.. نقاش مع د. نزار محمد عثمان مهيرة12-20-04, 06:17 AM
      Re: الوجود مظهر الله.. ووحدة الوجود تعني هذا.. نقاش مع د. نزار محمد عثمان Yasir Elsharif12-20-04, 01:42 AM
        Re: الوجود مظهر الله.. ووحدة الوجود تعني هذا.. نقاش مع د. نزار محمد عثمان المكاشفي الخضر الطاهر12-20-04, 02:54 AM
        Re: الوجود مظهر الله.. ووحدة الوجود تعني هذا.. نقاش مع د. نزار محمد عثمان مهيرة12-20-04, 01:53 PM
  Re: الوجود مظهر الله.. ووحدة الوجود تعني هذا.. نقاش مع د. نزار محمد عثمان قصي مجدي سليم12-20-04, 10:48 AM
    Re: الوجود مظهر الله.. ووحدة الوجود تعني هذا.. نقاش مع د. نزار محمد عثمان Yasir Elsharif12-20-04, 10:58 AM
      Re: الوجود مظهر الله.. ووحدة الوجود تعني هذا.. نقاش مع د. نزار محمد عثمان هاشم نوريت12-20-04, 03:51 PM
        Re: الوجود مظهر الله.. ووحدة الوجود تعني هذا.. نقاش مع د. نزار محمد عثمان نزار محمد عثمان12-21-04, 10:52 PM
      Re: الوجود مظهر الله.. ووحدة الوجود تعني هذا.. نقاش مع د. نزار محمد عثمان نزار محمد عثمان12-20-04, 10:42 PM
  Re: الوجود مظهر الله.. ووحدة الوجود تعني هذا.. نقاش مع د. نزار محمد عثمان Yasir Elsharif12-21-04, 02:55 AM
    Re: الوجود مظهر الله.. ووحدة الوجود تعني هذا.. نقاش مع د. نزار محمد عثمان نزار محمد عثمان12-22-04, 02:19 AM
  Re: الوجود مظهر الله.. ووحدة الوجود تعني هذا.. نقاش مع د. نزار محمد عثمان Yasir Elsharif12-21-04, 09:48 AM
    Re: الوجود مظهر الله.. ووحدة الوجود تعني هذا.. نقاش مع د. نزار محمد عثمان مهيرة12-24-04, 11:00 AM
      Re: الوجود مظهر الله.. ووحدة الوجود تعني هذا.. نقاش مع د. نزار محمد عثمان Yasir Elsharif12-24-04, 12:46 PM
        Re: الوجود مظهر الله.. ووحدة الوجود تعني هذا.. نقاش مع د. نزار محمد عثمان مهيرة12-25-04, 03:47 AM
  Re: الوجود مظهر الله.. ووحدة الوجود تعني هذا.. نقاش مع د. نزار محمد عثمان قصي مجدي سليم12-21-04, 10:25 AM
    Re: الوجود مظهر الله.. ووحدة الوجود تعني هذا.. نقاش مع د. نزار محمد عثمان Elmosley12-22-04, 06:55 AM
      Re: الوجود مظهر الله.. ووحدة الوجود تعني هذا.. نقاش مع د. نزار محمد عثمان انور الطيب12-22-04, 10:18 AM
    Re: الوجود مظهر الله.. ووحدة الوجود تعني هذا.. نقاش مع د. نزار محمد عثمان هاشم نوريت12-22-04, 01:37 PM
      Re: الوجود مظهر الله.. ووحدة الوجود تعني هذا.. نقاش مع د. نزار محمد عثمان نزار محمد عثمان12-22-04, 10:01 PM
  Re: الوجود مظهر الله.. ووحدة الوجود تعني هذا.. نقاش مع د. نزار محمد عثمان kamalabas12-22-04, 10:13 PM
  Re: الوجود مظهر الله.. ووحدة الوجود تعني هذا.. نقاش مع د. نزار محمد عثمان Yasir Elsharif12-23-04, 00:30 AM
  Re: الوجود مظهر الله.. ووحدة الوجود تعني هذا.. نقاش مع د. نزار محمد عثمان Yasir Elsharif12-24-04, 09:47 AM
  Re: الوجود مظهر الله.. ووحدة الوجود تعني هذا.. نقاش مع د. نزار محمد عثمان kamalabas12-24-04, 10:21 AM
    Re: الوجود مظهر الله.. ووحدة الوجود تعني هذا.. نقاش مع د. نزار محمد عثمان مهيرة12-25-04, 04:06 AM
  Re: الوجود مظهر الله.. ووحدة الوجود تعني هذا.. نقاش مع د. نزار محمد عثمان قصي مجدي سليم12-24-04, 10:24 AM
  Re: الوجود مظهر الله.. ووحدة الوجود تعني هذا.. نقاش مع د. نزار محمد عثمان Yasir Elsharif12-24-04, 12:25 PM
    Re: الوجود مظهر الله.. ووحدة الوجود تعني هذا.. نقاش مع د. نزار محمد عثمان نزار محمد عثمان12-24-04, 09:32 PM
      Re: الوجود مظهر الله.. ووحدة الوجود تعني هذا.. نقاش مع د. نزار محمد عثمان Muhib12-24-04, 09:45 PM
    Re: الوجود مظهر الله.. ووحدة الوجود تعني هذا.. نقاش مع د. نزار محمد عثمان نزار محمد عثمان12-27-04, 04:20 AM
      Re: الوجود مظهر الله.. ووحدة الوجود تعني هذا.. نقاش مع د. نزار محمد عثمان Yasir Elsharif12-27-04, 06:54 AM
      Re: الوجود مظهر الله.. ووحدة الوجود تعني هذا.. نقاش مع د. نزار محمد عثمان نزار محمد عثمان12-27-04, 10:38 PM
  Re: الوجود مظهر الله.. ووحدة الوجود تعني هذا.. نقاش مع د. نزار محمد عثمان kamalabas12-26-04, 09:17 AM
    Re: الوجود مظهر الله.. ووحدة الوجود تعني هذا.. نقاش مع د. نزار محمد عثمان نزار محمد عثمان12-28-04, 01:25 AM
  Re: الوجود مظهر الله.. ووحدة الوجود تعني هذا.. نقاش مع د. نزار محمد عثمان Yasir Elsharif12-29-04, 04:07 AM
    Re: الوجود مظهر الله.. ووحدة الوجود تعني هذا.. نقاش مع د. نزار محمد عثمان مهيرة12-31-04, 03:02 AM
  Re: الوجود مظهر الله.. ووحدة الوجود تعني هذا.. نقاش مع د. نزار محمد عثمان Yasir Elsharif12-30-04, 08:05 AM
  Re: الوجود مظهر الله.. ووحدة الوجود تعني هذا.. نقاش مع د. نزار محمد عثمان Yasir Elsharif12-31-04, 01:47 PM
  Re: الوجود مظهر الله.. ووحدة الوجود تعني هذا.. نقاش مع د. نزار محمد عثمان Yasir Elsharif01-04-05, 06:05 AM
    Re: الوجود مظهر الله.. ووحدة الوجود تعني هذا.. نقاش مع د. نزار محمد عثمان نزار محمد عثمان01-05-05, 02:11 AM
  Re: الوجود مظهر الله.. ووحدة الوجود تعني هذا.. نقاش مع د. نزار محمد عثمان Yasir Elsharif01-05-05, 09:58 AM
    Re: الوجود مظهر الله.. ووحدة الوجود تعني هذا.. نقاش مع د. نزار محمد عثمان نزار محمد عثمان01-06-05, 00:41 AM
      Re: الوجود مظهر الله.. ووحدة الوجود تعني هذا.. نقاش مع د. نزار محمد عثمان نزار محمد عثمان01-06-05, 01:28 AM
        Re: الوجود مظهر الله.. ووحدة الوجود تعني هذا.. نقاش مع د. نزار محمد عثمان Yasir Elsharif01-06-05, 03:42 AM
          Re: الوجود مظهر الله.. ووحدة الوجود تعني هذا.. نقاش مع د. نزار محمد عثمان نزار محمد عثمان01-06-05, 04:55 AM
  Re: الوجود مظهر الله.. ووحدة الوجود تعني هذا.. نقاش مع د. نزار محمد عثمان Yasir Elsharif01-16-05, 03:08 AM
    Re: الوجود مظهر الله.. ووحدة الوجود تعني هذا.. نقاش مع د. نزار محمد عثمان نزار محمد عثمان04-11-05, 06:34 AM


[رد على الموضوع] صفحة 1 „‰ 1:   <<  1  >>




احدث عناوين سودانيز اون لاين الان
اراء حرة و مقالات
Latest Posts in English Forum
Articles and Views
اخر المواضيع فى المنبر العام
News and Press Releases
اخبار و بيانات



فيس بوك تويتر انستقرام يوتيوب بنتيريست
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة
About Us
Contact Us
About Sudanese Online
اخبار و بيانات
اراء حرة و مقالات
صور سودانيزاونلاين
فيديوهات سودانيزاونلاين
ويكيبيديا سودانيز اون لاين
منتديات سودانيزاونلاين
News and Press Releases
Articles and Views
SudaneseOnline Images
Sudanese Online Videos
Sudanese Online Wikipedia
Sudanese Online Forums
If you're looking to submit News,Video,a Press Release or or Article please feel free to send it to [email protected]

© 2014 SudaneseOnline.com

Software Version 1.3.0 © 2N-com.de