مقالات مختارة ...تعالج القضايا السودانية المتعددة ....ادخل+ 2012

مرحبا Guest
اخر زيارك لك: 04-26-2024, 10:00 PM الصفحة الرئيسية

منتديات سودانيزاونلاين    مكتبة الفساد    ابحث    اخبار و بيانات    مواضيع توثيقية    منبر الشعبية    اراء حرة و مقالات    مدخل أرشيف اراء حرة و مقالات   
News and Press Releases    اتصل بنا    Articles and Views    English Forum    ناس الزقازيق   
مكتبة معالى ابوشريف (الكيك)
نسخة قابلة للطباعة من الموضوع   ارسل الموضوع لصديق   اقرا المشاركات فى صورة مستقيمة « | »
اقرا احدث مداخلة فى هذا الموضوع »
01-05-2012, 02:19 PM

الكيك
<aالكيك
تاريخ التسجيل: 11-26-2002
مجموع المشاركات: 21172

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: مقالات مختارة ...تعالج القضايا السودانية المتعددة ....ادخل+ 2012 (Re: الكيك)

    شئ من حتي
    صديق تاور

    الشبيحة والكتائب في سيرة نظام العجائب


    وجد مقطع الفيديو الذي صور مداخلة المهندس الشاب محمد حسن عالم «بوشي» في مواجهة الدكتور نافع علي نافع بندوة حزب المؤتمر الوطني بجامعة الخرطوم قبل شهر تقريبا، صدى واسعاً من المشاهدة والتداول والتجاوب ، بحيث جعل المواقع الالكترونية التي عرضته هي الاكثر مشاهدة دون سائر المواقع الاخرى، والسبب بتقديرنا هو أن هذا المهندس الشاب قد استطاع في دقائق معدودة هي كل الفرصة التي اتيحت له في تلك الندوة، ان يعلق على حديث الدكتور نافع بطريقة عبرت عن قطاعات واسعة جدا من السودانيين، بلغة حوارية بسيطة وواضحة وبحقائق يعيشها الناس في علاقتهم بالحكومة دون ان يجدوا منبراً مناسباً يوصلون من خلاله صوتهم..


    الدكتور نافع من جانبه تقبل الهجوم الذي وجهه له المهندس «بوشي» بذات الروح الحوارية، وحرص على ان يرد على النقاط التي أثارها في معرض ردوده على المداخلات التي جرت في الندوة، وانتهت بذلك تلك الندوة مثل اية ندوة عامة بانفضاض الحضور.. والذي حدث بعد ذلك هو أن الكلمات التي تفضل بها المهندس «عالم» في تلك المداخلة القصيرة، وبعد ان وجدت طريقها الى المواقع الالكترونية السودانية تحديدا، قد تحولت بسرعة مذهلة إلى حديث يتناقله كل الناس، ومقطع يتبادلونه في بريدهم الالكتروني أو مواقع الفيس بوك واليوتيوب والتويتر، او في أجهزة الموبايل، مشفوعة بتعليقات متفاعلة بحماس مع هذه الكلمات التي حوت بالنسبة لهم «المختصر المفيد».. وما زاد من هذا التفاعل هو كون هذه الكلمات قد قيلت في وجه الدكتور نافع بما يمثله من رمزية لأنصار حزبه ولنظامه، وبما يمثله في ذاكرة الكثير من خصوم النظام بوصفه مصدر استعداء وحماسة للخصومة الزائدة والعداء السافر والظلم المبين.



    ٭ وبالمقابل هناك فريق من المتفائلين اعتبروا ما حدث دليلاً دامغاً على جدية نظام «الإنقاذ؟!» في التحول الديمقراطي والاستعداد لقبول الآخر والتحاور معه من موقع القوة والثقة بالنفس وبالتجربة، لا من موقع الضعف والخوف من الانهزام امام المنطق والحجة. وقد راهن هذا الفريق على أن سوءاً بأية درجة لن يمس المهندس «بوشي» ولا شيء يستدعي ذلك.. وقد استدعى هؤلاء من ذاكرتهم اقوالا وافعالا كثيرة في هذا الخصوص، مثل الدعوة للحكومة العريضة، واشتراك خمسة عشر «حزبا؟!» فيها، ودخول الاتحادي «الاصل» بجلالة قدره في الحكومة، واشتراك المهدي بابنه فيها، والصحف تقول ما تقول في حرية «تامة»، وحديث الرئيس عن أهمية وجود معارضة قوية، فضلاً عن الحديث عن عدم وجود معارضة تزعج الحكومة «قال قطبي المهدي رئيس القطاع السياسي في حزب المؤتمر الوطني انه لا توجد قوى معارضة في السودان،

    والسودانيون كلمتهم أجمعت بمشاركتهم في الحكومة العريضة، ومن بقوا لا يملكون مقومات لتكوين حزب دعك من تشكيل معرضة». أخبار اليوم، العدد «6176» والصحافة، العدد «6591» بتاريخ 2011/12/5م، وهكذا وهكذا، ولكن الذي حدث هو أنه في ظهر يوم الثلاثاء 2011/12/26م، داهمت مجموعة كانت مرابطة على مقربة من منزل المهندس «عالم» منزله، بعد أن اطمأنت الى عدم وجود شخص آخر معه بالمنزل.. فقد قامت هذه المجموعة المكونة من ثمانية أشخاص بحسب الروايات المتواترة بتسوّر الحائط، وهم يحملون عصي ومسدسات بينما ساعدتهم عربة بوكس عبرت امام المنزل واخذوه بطريقة «الاختطاف» لا الاعتقال، حيث شاهد المنظر بعض الجيران بينما لاذت العربة بالفرار، وقد ظل مكان اختفاؤه مجهولا بسبب النفي الذي وجدته أسرته من قبل جهاز الأمن حول علمهم باعتقاله، ولكنه تبيَّن وجوده بطرف الجهاز بعد الملاحقة المستمرة من جانب الاسرة التي انتهت بالسماح لوالدته باحضار بعض الملابس له، وأيضا كتابة طلب مقابلة بعد «15» يوماً، حسبما أورد موقع «سودانيز اونلاين» يوم أول من أمس.
    ٭ السؤال الذي يطرح نفسه هنا، هو لماذا اعتقال «البوشي» وبعد اسابيع من الندوة المذكورة؟ ولماذا بهذه الطريقة.. المثيرة للانتباه والشكوك؟!


    فهو قد عبَّر عن وجهة نظره في منبر عام، ومُنح الفرصة من منصة الندوة، ورد عليه المتحدث فيها بما يعتقد أنه كافٍ ومقنع.. وتحدث البوشي عن حال البلد في ظل حكم الدكتور نافع وحزبه، وعن البطانة والمحسوبية والفقر ومواطني دارفور وهمشكوريب ودار السلامات والظلم والقهر. وهو ليس وحده الذي يقول بذلك، وإلا لما وجد حديثه كل هذه الرواج والصيت الذائع.. واذا كان كل من لديه مثل هذا الرأي يستحق الاعتقال والاختطاف على طريقة «البوشي» فإن على الحكومة العريضة أن توسع من مساحات سجونها لتأوي ملايين السودانيين الساخطين عليها.. ألقى خطيب «الجمعة» في احد مساجد العاصمة في خطبة عنوانها «السودان يحترق» كان قد خصصها لحال السودان بعد 23 عاما من حكم «الانقاذ»، حيث قال من بين ما قال: نحن امام كارثة، 23 سنة كل ما تم قد تم باسم الله، والله يصبر ويوشك الله ألا يصبر فإن القذافي قد فعل بقومه ما فعل 40 عاما باسم الكتاب الاخضر، وحسني مبارك فعل ما فعل بشعبه باسم العلمانية، وبشار الأسد يفعل ما يفعل بشعبه باسم القومية العربية، ونحن فعلنا ما فعلنا بقومنا من تمزيق للكتلة الاسلامية، وانتقاص السيادة الوطنية، واحياء النعرات القبلية باسم القرآن.. الخ..



    وهناك الكثير الكثير الذي يُقال في منابر عديدة على هذا النحو وأكثر، بما يجعل معالجة الأسباب مقدمة على معالجة الظاهرة، فالجهر بالحق في وجه السلطان الجائر «او غير الجائر» هو من مطلوبات الدين القيّم، والسكوت عن الحق يصنفنا ضمن قائمة الشيطان الأخرس، و«سيد الشهداء حمزة ثم رجل قام الى امام جائر فقوَّمه فنهاه فقتله».. الخ والقرآن الكريم يأمرنا ان نتواصى بالحق قبل أن يأمرنا بالتواصي بالصبر.. اذن ما الذي فعله هذا الشاب حتى يحدث له ما حدث؟! ولماذا تسوَّر الحوائط والاختطاف والاخفاء؟! وكان بالامكان استدعاؤه بطريقة اجرائية عادية، واتباع صيغ العدالة المعروفة اذا كان هناك ما يلزم.. وهنا يبرز استفهام اهم من كل ذلك عن التكييف الشرعي والفقهي قبل القانوني والدستوري لما حدث، خاصة ونحن نرفع شعار دولة «المشروع الحضاري» والحكم بما انزله الله، ونعاهد الله وانفسنا ان نقتدي بالصحابة والتابعين وتابعي التابعين. نُسب للرئيس المخلوع نميري في لقاء المكاشفة الشهري الذي درج على مخاطبة المواطنين عبره عن استفساراتهم وآرائهم، نُسب اليه قوله عن مشروعية ما يقوم به جهاز أمنه ضد معارضيه السياسيين، بينما القرآن يمنع التجسس على الناس.. فقال: الآية بتقول ولا تجسسوا ولا تحسسوا، لكن نحنا حا نتجسس ونتحسس وننط الحيط كمان.. والعهدة على الراوي



    ٭ من بين ما شغل تفكير الناس حول ما جرى للمهندس «بوشي» هو من الذي اصدر قراره باعتقاله، وكيف سيقوم باخراج العملية التي هي في نظر الغالب الأعم من المتابعين، لا تزيد عن كونها انتقاما منه على ما قاله في مواجهة الدكتور نافع في ندوة جامعة الخرطوم. هل سيُقدم للمحاكمة؟! وبأية تهمة ؟! وهل سيُطلق سراحه ام يبقى هكذا الى اجل غير مسمى؟! وتحت اي مسوغ قانوني؟! ومن الذي لديه المصلحة من غير الدكتور نافع في هذا الاجراء من اساسه؟! وما هو القانون الذي يحكم البلد؟!
    وهل في فقه الجماعة أن قول الحق في وجه الحكام جريمة؟! هل الحكام مقدَّسون أم منزَّهون عن الخطأ حتى يتم تجريم منتقديهم؟! وأين هؤلاء من المقولة الشهيرة التي قيلت لأمير المؤمنين «لو رأينا فيك إعوجاجاً لقوّمناك بسيوفنا»؟!!
    وأمير المؤمنين «رضي الله عنه» نفسه يقول لنا: متى استعبدتم الناس وقد ولدتهم أمهاتهم أحراراً؟!



    --------------------------

    ستة وخمسون عاماً من التيه .. ألا تكفي؟

    خالد التجانى


    عام آخر أضيف لسنوات استقلال السودان. ذكرى ظلت تتعاقب لستة وخمسين عاماً، تحتفل بها الطبقة السياسية بخطابات باردة الحس وفاقدة للمعنى لا تكاد تعي حجم مآزقنا، وتتغنى بأناشيد تجتر الحنين لماضي لم تتعظ ولم تتعلم ولم تنس شيئاً من حوادث دهره، وقد عجزت أن تبني وطناً نفتخر بحاضره، أو نتطلع بأمل لمستقبله، كيف نحتفل وقد جاء احتفال هذا العام والسودان ليس هو السودان الذي طالما احتفلنا شكلاً باستقلاله وفقدنا معناه، صار السودان سودانين فبأيهما نحتفي؟، انحتفل بخيبتنا الوطنية الكبرى بتقسيم البلاد في خطوة لم تكن قدراً مقدوراً ولا قضاءً محتوماً لا سبيل لدفعه، وبلا مسوغات مقبولة ولا مبررات منطقية في سباحة رعناء عكس تيار التاريخ، وخارج سياق العصر في عالم تتغير فيه حدود الدول ويعاد رسمها خرائطها من أجل خلق كيانات أكبر، وليس توليد كيانات أصغر، كما ذهب إلى ذلك المفكر الاستراتيجي ووزير الخارجية التركي أحمد داؤود أوغلو، وهو يشخص الحالة السودانية.


    تأتي ذكرى الاستقلال هذا العام وقد بلغت أزمتنا الوطنية ذروة سنامها، لم تصب وحدة البلاد في مقتل فحسب بل باتت مرشحة للمزيد من التمزق والتشرذم، وقد تهدد نسيجها الاجتماعي إذ إرتدت إلى أتون الصراعات القبلية والعنصرية البغيضة، وتاهت في النزعات الجهوية والإقليمية وحروب لا تنتهي يخبأ أوار إحداها فتنشب محله حروب وحروب عبثية لا طائل وراءها، لتصبح هذه الصورة المأساوية القاتمة عنواناً لعجز الطبقة السياسية بعد أكثر من نصف قرن عن بناء مشروع وطني حقيقي لا يحفظ وحدة البلاد فحسب، بل يحقق لها الأمن من خوف والإطعام من جوع والتطلع للتنافس على مكانة رفيعة بين الأمم، يستحقها الشعب السوداني الذي حباه الله تعالى موارد بشرية وطبيعية وإمكانات كامنة هائلة مما قل نظيرها بين الدول، كانت قمينة بأن ترفع ذكره بين الشعوب وتمنحه مجداً وشأناً لو قيض له من بين طبقته السياسية قيادة صالحة فالحة عالية الهمة على قدر الوطن وفي مقامه



    ليس السودان بدعاً بين الأمم حتى نركن لتبريرات بائسة وساذجة تحاول هذه الطبقة السياسية المأزومة عبثاً أن تغطي بها عورة فشلها وعدم قدرتها على التصدي لمهمة بناء وطن يملك كل مقومات النهوض، ولننظر لعشرات الدول في أركان الدنيا الأربعة التي تشابه ظروفها السياسية وتنوع تركيبتها الاجتماعية المتعددة ما يشابه واقعنا لولا أن السودان كان حظه عاثراً لم يحظ بما حظيت به تلك الدول من قادة ذوي بصيرة نافذة ورؤية ثاقبة، وبعد نظر وإرادة سياسية قوية وعزيمة لا تلين وتخطيط سليم وأهم من ذلك كله سلموا من شح النفس وتمتعوا بعلو الهمة فصنعوا من بلاد ليس لها ما للسودان من نصيب وافر في كل مقومات النهوض، ومع ذلك صنعوا أوطاناً آمنة مستقرة وبلداناً ناهضة ارتقت لمصاف تنافس أرقى الدول وكبرياتها، ودوننا نماذج الهند، وكوريا، وماليزيا. نهض بها قادة نجحوا في أن يحولوا واقع بلدانهم المعقد وتناقضاتها الاجتماعية إلى روافع للبناء، وهندسوا أنظمة سياسية خلاقة ومشروعات وطنية فعالة إئتلفت حولها العقول والقلوب، واستجابت بوعي وتضحية ومسؤولية لتلك التحديات، وخلقت فرصاً سانحة أمام شعوبهم للتطلع إلى المستقبل بأمل لا الركون إلى الماضي والغرق في وحله



    لقد كان حرياً بالطبقة السياسية على امتداد طيفها أن تصحو اخيراً على هول ما انتهى إليه حالنا، فحدث تقسيم السودان أمر جلل، إن لم نقل كارثة وطنية بكل المقاييس، لم يمر وقت طويل حتى استبنا حدود ومعالم التوازنات والتغييرات الاستراتيجية التي خلفها على الصعد كافة جيوسياسياً واقتصادياً واجتماعياً، وطالت آثاره السلبية العميقة الطرفين المنقسمين، ولا تزال تنذر بالمزيد.


    وكانت دواعي المنطق والحكمة تفترض أن حدثاً بهذا الحجم والتأثير الجذري العميق والمحتوم على مستقبل أوضاع البلاد أن تتداعى له الجماعة الوطنية إلى حراك سياسي غير مسبوق يسبر أغوار أسباب الأزمة الحقيقية في النظام السياسي والاجتماعي والاقتصادي السوداني التي أدت بعد أكثر من نصف قرن من الاستقلال إلى هذه النتيجة المفجعة، تقسيم البلاد وفتح الطرق أمام تفتيتها بالكامل، والاستفادة من عظات وعبرات هذا الدرس القاسي في استعادة الوعي والضمير الحي والتضحية الجسورة للعبور إلى مشروع وطني جديد جامع لا يقي البلاد من المزيد من التشرذم فحسب، بل يفتح كوة أمل أمام إنطلاق جديد.


    بيد أن ما يجري على المسرح السياسي في الخرطوم لا يشي بأن أي شيئ من هذا يحدث على الإطلاق. لقد كان الظن أن صدمة التقسيم ستكون صاعقة بدرجة تكفي لأن تقتنع الطبقة السياسية على امتداد طيفها بأن الوقت قد حان، ولو متأخراً وبعد أن دفعت البلاد هذا الثمن الباهظ، لأن تتواضع بعض الشئ وتعكف على مراجعة جذرية لمواقفها وحساباتها، وتقدم بشجاعة على إطلاق بداية جديدة حقيقية وفعلية لمشروع وطني، ظل مفقوداً، قادر على مخاطبة التحديات الراهنة ويضع أسسا متينة لنظام سياسي ديمقراطي سداته الحرية، والعدالة، واحترام التنوع وكفالة حقوق الإنسان، والنزاهة وتكافؤ الفرص والمساءلة والمحاسبة.



    ولكن نظرة واحدة على المشهد السياسي السوداني خلال الأشهر الماضية منذ الإعلان رسمياً عن قبر حقبة «السودان الموحد»، تكفي ليرتد إليك بصرك حسيراً، لا شئ مما تظن أن الشروع فيه عاجلاً بحسبانه أمرا بدهيا يحدث على الإطلاق، فالطبقة السياسية، في الحكم والمعارضة، تعاطت ببرود تحسد عليه مع هذه الكارثة الوطنية، ولم يتعد تفاعلها معه أكثر من تعليقات سطحية عابرة مما درج أن يتداوله غمار الناس في مجالس المدينة، لا تصح ولا تصلح أن تكون هي سقف مواقف من يتحملون مسؤولية الحكم أوالمعارضة في مثل هذه اللحظة التاريخية الحاسمة، ويعول عليهم أن يكونوا الطليعة التي تأخذ بيد مواطنيها إلى بر الأمان.
    إن أكبر خطر يهدد البلاد في هذه اللحظة التاريخية الفارقة، وينذر بذهاب ريحها وتشرذم وتفتت ما تبقى منها، هو حالة الفراغ العريض السائدة حالياً بسبب عجز الطبقة السياسية المستشري، وهي حالة فريدة من العجز السياسي والفراغ القيادي غير مسبوقة، فلا حزب المؤتمر الوطني الممسك بسدة السلطة قادر على تحمل مسؤولية الحكم والقيام بواجباته، ولا أحزاب المعارضة بشتى أشكالها قادرة على تحمل أعباء المعارضة والنهوض بدورها والعمل بجدية لتكون بديلاً موضوعياً جاهزاً لحزب حاكم شاخ في السلطة وترهل وأرهق ولم يعد لديه ما يقدمه، ولا سبب يبقيه ممسكاً بتلابيب الحكم إلا ضعف معارضيه وهزال دورهم.



    ما يحتاجه السودان لينهض من تحت براثن هذه السقطة والخيبة الوطنية الكبرى أعظم شأناً، وأعمق بعداً، وأوسع مدى بكثير مما تحاول الطبقة السياسية، في الحكم والمعارضة، الإيحاء بأنها تزمع الإقدام عليه من أجل الخروج من هذا الوضع المأزقي، وكلا الطرفين لا يبدو أنه معني بأكثر من الفوز في معركة التشبث بالسلطة بأي ثمن، أو الوصول إليها بأية وسيلة.
    فالمؤتمر الوطني الحاكم، الذي اجتهدت نخبته لدفع الأمور بإتجاه تقسيم البلاد ظناً منها أن ذلك سيخلي لها جو السلطة صافياً من عنت من ينازعونها الشراكة فيها، وقف حمارها في العقبة فلم تحر ما تفعل بما حل بالبلاد من كوارث سياسية واقتصادية وعودة الحرب بعد أن ذهب الجنوب في حال سبيله، مكتفية بإطلاق شعار هلامي «الجمهورية الثانية» التي لا يعرف لها أحد معنى ولا مبنى غير وعود مبهمة بتغييرات شكلية، وفي الحقيقة لا يعني أكثر من أن تمضي الأمور كالمعتاد، لا تمضي خطوة أكثر من أن تردف في مركب السلطة بعض من ينازعونها من معارضيها. ولم يعد من بيدهم السلطة يملكون مشروعاً سياسياً للحكم اللهم إلا إذا كانوا يحسبون التشبث بكراسي السلطة بأية وسيلة وبغض النظر عن التبعات مشروعاً سياسياً في حد ذاته.


    لقد حان الوقت لتدرك الطبقة السياسية، في الحكم والمعارضة، وقوى المجتمع المدني والأهلي الحية، أن نواميس الكون لا تعرف الفراغ، واستمرار الحلقة المفرغة الحالية لن يورث إلا فوضى لن تبقي ولا تذر، وما من سبيل للخروج من ذلك إلا بتغيير حقيقي يقدم عليه الجميع، ومسؤوليته لا تعفي أحداً، فلا الحكم يستطيع الاستمرار في سلطته وهو في هذه الحالة المنكرة من انعدام الرؤية والفاعلية السياسية وعدم القدرة على تحمل مسؤولية الحكم بحقها، ولا المعارضة تستطيع الزعم أنها تمثل بديلاً ناجعاً وحالها ليس أقل بؤساً ممن بيدهم الأمر، وقوى المجتمع الأهلي لا تستطيع الوقوف متفرجة تنتظر أن تمطر السماء تغييراً وسلاماً واستقراراً.
    وحان الوقت لأن تنهض الأغلبية الصامتة من قوى المجتمع السوداني من غفوتها الطويلة لتصنع مستقبلاً أفضل لأبنائها، وواقعنا الذي وصلت حالته المرضية مداها لا يمكن أن يعالج بغير تشخيص صحيح لجذور أزمتنا الوطنية.


    لقد ارتهنت البلاد لنصف قرن لوهم أن هناك فروقاً حقيقية بين القوى السياسية التي ظلت تسيطر على السلطة فيما يعرف بهتاناً بالدورة الخبيثة بين أنظمة شمولية وأخرى ديمقراطية، والحقيقية الجلية أنه ليست هناك دورة خبيثة ولا يحزنون، بل هناك ذهنية سياسية واحدة معطوبة ظلت تدور في رحاها هذه القوى السياسية جميعاً على الرغم مما يبدو من خلافات ظاهرة بينها، فهي العقلية ذاتها تتشكل بأزياء متعددة ترتدي مرة لبوساً عسكرياً وتتعمعم في أخرى، فالأحزاب التي تدعي الديمقراطية ليس لها من ممارستها شئ في ذاتها حتى تزعم تحقيقها في دست الحكم، وفاقد الشئ لا يعطيه، هل هي مصادفة ظاهرة الخلود في الزعامة حتى يأتي أمر الله، لا تسلم من ذلك الأحزاب المؤدلجة ذات اليمين أو ذات اليسار، أو ما بينها من قوى تستند على طاعة المريدين العمياء يشرقون معها ويغربون؟. وهل هي مصادفة أن تمارس «أحزابنا الديمقراطية» التوريث السياسي جهاراً نهاراً لا تخشى عاقبة ولا تعبأ بلوم؟.
    وهل هي مصادفة أن الحكم الديمقراطي الذي تذرف عليه هذه الأحزاب السياسية دموع التماسيح هي ذاتها التي ظلت تتآمر عليه؟، اختلفت في كل شئ إلا أنها اشتركت جميعاً وتفننت في قيادة الانقلابات العسكرية، حتى أنه للغرابة ومع أن العسكريين حكموا أغلب سني الاستقلال، إلا أن انقلاباً عسكرياً صرفاً واحداً لم ينجح في الوصول إلى القصر الجمهوري. لقد كانت هذه الطبقة السياسية هي نفسها التي ظلت تحمل جواز مرور العسكريين إلى السلطة. وهل هي مصادفة أن الأحزاب السياسية الأعلى صوتاً في التنديد بالحكم الشمولي هم الأسرع دائماً في الانخراط في لعبته طمعاً فيما عنده من ذهب السلطة؟.



    لا نحتاج إلى تسويد الصفحات بالمزيد من البراهين لتأكيد أن الشعب السوداني سيحصد وهماً كبيراً إن انتظر أن تخرجه من أزمته الوطنية هذه الطبقة السياسية التي ثبت أنها تنتمي إلى ذهن شمولي واحد، تتعدد تمثلاته، ولذلك تتبدل الحكومات وتتغير الوجوه والأزمة باقية، بل وتزداد أزماتنا عمقاً، فقد ثار الشعب بدل المرة مرتين في غضون عقدين في سابقة لم يشهدها بلد آخر، وانتخب أربع حكومات حزبية، وخضع لحكم ثلاثة انقلابات مدنية-عسكرية، وفي كل مرة نرذل أكثر، ونفتن مرات ولا مرات فلا نتوب ولا نتذكر شيئاً. وليس صحيحاً أن الحكومات الحزبية لم تجد فرصة كافية لتحقق حكماً ديمقراطياً، بل الصحيح أنها لم تكن أحزاباً ديمقراطية حقاً ولا تمارسها فعلاً ولذلك عجزت أن تقيم نظاماً ديمقراطياً حقيقياً ذا جذور عميقة في وعي الشعب وبإرادته؛ لأنها لو فعلت لما تجرأ أحد على الانقلاب عليها عسكرياً.
    لقد كتب على بني إسرائيل التيه أربعين عاماً حتى يفنى الجيل الذي لا يستحق الأرض المقدسة التي كتبها الله لهم وطناً، وها هم السودانيون وبعد ستة وخمسين عاماً لا يزالون في تيه لأن الطبقة السياسية عجزت أن تبني الوطن الذي يستحقه الشعب السوداني، وما يزال هناك من يأمل أن تفعل ذلك، ستة وخمسون عاماً من العجز.. ألا تكفي؟.


    لقد آن الأوان لأن تتنادى القوى الحية في المجتمع من شرائحه المختلفة، لا سيما الشباب الذين يشكلون أغلبية السكان، وتنهض بدعوة لحوار جامع جدي جهير وعميق تتجاوز به الوقوف عند محطة الطبقة السياسية المأزومة التي هرمت وتكلست وليس لها ما تقدمه سوى المزيد من الفشل، وتتجاوز الجدل السطحي أو السعي المتحمس لتغيير الوجوه أو الأشكال وتبقى جرثومة الأزمة حية لتنتقل من جديد، وأن تؤسس لحراك اجتماعي وسياسي وحوار عميق بآفاق جديدة تفتح الأبواب لطريق ثالث يتوافق فيه على مشروع وطني جديد، يمنح بداية جديدة وأملاً جديداً يتساوى فيه السودانيون جميعاً بالعدل والقسط والحرية في رسم مستقبلهم.
    [email protected]
                  

العنوان الكاتب Date
مقالات مختارة ...تعالج القضايا السودانية المتعددة ....ادخل+ 2012 الكيك12-28-11, 04:14 PM
  Re: مقالات مختارة ...تعالج القضايا السودانية المتعددة ....ادخل+ 2012 الكيك12-28-11, 10:22 PM
    Re: مقالات مختارة ...تعالج القضايا السودانية المتعددة ....ادخل+ 2012 الكيك12-30-11, 12:06 PM
      Re: مقالات مختارة ...تعالج القضايا السودانية المتعددة ....ادخل+ 2012 الكيك12-30-11, 09:54 PM
        Re: مقالات مختارة ...تعالج القضايا السودانية المتعددة ....ادخل+ 2012 الكيك01-01-12, 08:25 PM
          Re: مقالات مختارة ...تعالج القضايا السودانية المتعددة ....ادخل+ 2012 الكيك01-05-12, 02:19 PM
            Re: مقالات مختارة ...تعالج القضايا السودانية المتعددة ....ادخل+ 2012 الكيك01-06-12, 10:10 PM
              Re: مقالات مختارة ...تعالج القضايا السودانية المتعددة ....ادخل+ 2012 الكيك01-07-12, 07:52 PM
                Re: مقالات مختارة ...تعالج القضايا السودانية المتعددة ....ادخل+ 2012 الكيك01-12-12, 03:53 PM
                  Re: مقالات مختارة ...تعالج القضايا السودانية المتعددة ....ادخل+ 2012 الكيك01-12-12, 09:22 PM
                    Re: مقالات مختارة ...تعالج القضايا السودانية المتعددة ....ادخل+ 2012 الكيك01-19-12, 11:30 AM
                      Re: مقالات مختارة ...تعالج القضايا السودانية المتعددة ....ادخل+ 2012 الكيك01-19-12, 08:20 PM
                        Re: مقالات مختارة ...تعالج القضايا السودانية المتعددة ....ادخل+ 2012 الكيك01-21-12, 01:20 PM
                          Re: مقالات مختارة ...تعالج القضايا السودانية المتعددة ....ادخل+ 2012 الكيك01-22-12, 05:45 AM
                            Re: مقالات مختارة ...تعالج القضايا السودانية المتعددة ....ادخل+ 2012 الكيك01-23-12, 08:48 AM
                            Re: مقالات مختارة ...تعالج القضايا السودانية المتعددة ....ادخل+ 2012 الكيك01-23-12, 08:48 AM
                              Re: مقالات مختارة ...تعالج القضايا السودانية المتعددة ....ادخل+ 2012 الكيك01-24-12, 05:02 AM
                                Re: مقالات مختارة ...تعالج القضايا السودانية المتعددة ....ادخل+ 2012 الكيك01-24-12, 09:50 PM
                                  Re: مقالات مختارة ...تعالج القضايا السودانية المتعددة ....ادخل+ 2012 الكيك01-26-12, 07:07 AM
                                    Re: مقالات مختارة ...تعالج القضايا السودانية المتعددة ....ادخل+ 2012 أبو ساندرا01-26-12, 11:32 AM
                                      Re: مقالات مختارة ...تعالج القضايا السودانية المتعددة ....ادخل+ 2012 الكيك01-28-12, 11:21 AM
                                        Re: مقالات مختارة ...تعالج القضايا السودانية المتعددة ....ادخل+ 2012 الكيك01-29-12, 10:29 AM
                                          Re: مقالات مختارة ...تعالج القضايا السودانية المتعددة ....ادخل+ 2012 الكيك01-31-12, 09:33 AM
                                            Re: مقالات مختارة ...تعالج القضايا السودانية المتعددة ....ادخل+ 2012 الكيك02-02-12, 10:38 PM
                                              Re: مقالات مختارة ...تعالج القضايا السودانية المتعددة ....ادخل+ 2012 الكيك02-04-12, 08:55 PM
                                                Re: مقالات مختارة ...تعالج القضايا السودانية المتعددة ....ادخل+ 2012 الكيك02-05-12, 08:59 AM
                                                  Re: مقالات مختارة ...تعالج القضايا السودانية المتعددة ....ادخل+ 2012 الكيك02-07-12, 05:28 AM
                                                    Re: مقالات مختارة ...تعالج القضايا السودانية المتعددة ....ادخل+ 2012 الكيك02-08-12, 05:09 PM
                                                      Re: مقالات مختارة ...تعالج القضايا السودانية المتعددة ....ادخل+ 2012 الكيك02-14-12, 08:55 PM
                                                        Re: مقالات مختارة ...تعالج القضايا السودانية المتعددة ....ادخل+ 2012 الكيك02-15-12, 10:47 AM
                                                          Re: مقالات مختارة ...تعالج القضايا السودانية المتعددة ....ادخل+ 2012 الكيك02-18-12, 08:34 PM
                                                            Re: مقالات مختارة ...تعالج القضايا السودانية المتعددة ....ادخل+ 2012 الكيك02-20-12, 05:49 PM
                                                              Re: مقالات مختارة ...تعالج القضايا السودانية المتعددة ....ادخل+ 2012 الكيك02-23-12, 09:06 AM
                                                                Re: مقالات مختارة ...تعالج القضايا السودانية المتعددة ....ادخل+ 2012 الكيك03-06-12, 10:37 AM
                                                                  Re: مقالات مختارة ...تعالج القضايا السودانية المتعددة ....ادخل+ 2012 الكيك03-12-12, 05:47 AM
                                                                    Re: مقالات مختارة ...تعالج القضايا السودانية المتعددة ....ادخل+ 2012 الكيك03-15-12, 10:55 AM
                                                                      Re: مقالات مختارة ...تعالج القضايا السودانية المتعددة ....ادخل+ 2012 الكيك03-31-12, 01:06 PM


[رد على الموضوع] صفحة 1 „‰ 1:   <<  1  >>




احدث عناوين سودانيز اون لاين الان
اراء حرة و مقالات
Latest Posts in English Forum
Articles and Views
اخر المواضيع فى المنبر العام
News and Press Releases
اخبار و بيانات



فيس بوك تويتر انستقرام يوتيوب بنتيريست
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة
About Us
Contact Us
About Sudanese Online
اخبار و بيانات
اراء حرة و مقالات
صور سودانيزاونلاين
فيديوهات سودانيزاونلاين
ويكيبيديا سودانيز اون لاين
منتديات سودانيزاونلاين
News and Press Releases
Articles and Views
SudaneseOnline Images
Sudanese Online Videos
Sudanese Online Wikipedia
Sudanese Online Forums
If you're looking to submit News,Video,a Press Release or or Article please feel free to send it to [email protected]

© 2014 SudaneseOnline.com

Software Version 1.3.0 © 2N-com.de