|
في الليل المظلم والقدر المحتوم (Re: ملكة سبأ)
|
السر حسن جكسم
لم يعد الوقت مبكراً في تلك الأمسية الخريفية الحزينة الموغلة في الحزن.. وكان الهدوء الساجي الحزين يلف حي كوبر الفقير وقد خلد الناس جميعهم للراحة والنوم.. وكان محمد طه المهموم بأفكاره وعبقريته يتصيد النوم بين أحضان أسرته الصغيرة الوادعة المسالمة.. لم ترعد السماء.. إلا من تجمعات للسحب الرمادية الداكنة التي تكاد أن تمطر مطراً حمضياً. وكانت دقات الموت الرهيبة الغادرة تطرق على بابك المفتوح للجميع وقلبك المفتوح للجميع.. فخرجت كعادتك لتستقبل ضيفاً عزيزاً عليك أو من زمرة ذويك وعشيرتك الكثر.. وما أشد دهشتك في تلك اللحظات الرهيبة.. والوحش الكاسر يتلصص في ظلمة تلك الليلة الحالكة السواد.. يشهر أنيابه في وجهك ولا أحد يستطيع ولو بالخيال أن يتصور على الأقل ما كان يحدث أو ما كان يدور من حديث بينك وبين تيم الإعدام المأجورين من القتلة في تلك اللحظات المتواضعة. إنه الوقت الملائم لبداية النهاية وإكمال مسلسل الجريمة.. والله وحده يعلم.. بداية الرحلة المشؤومة.. والمدينة لم تفق من هجعتها.. في إنتظار الفجر الرمادي الرصاصي مما تخبئه الأقدار.. لقد كان مصيرك يا محمد في غاية البشاعة.. ذبحوك كما تذبح الخراف الوادعة وألقوا بجسدك الطاهر في عراء فلوات الكلاكلات.. للكلاب الضالة السائبة.. وأسدل الستار البائس المأساوي على أكثر الحقائق مرارة في عالمنا المليء بالأحقاد والظنون السيئة.. وتوقفت دقات القلب القوي الكبير إلى الأبد.. ترى ما الذي حرّك أيادي قاتليك.. لقد كانوا غرباء عن ديارنا إنهم ينشدون الحظوة لإرضاء غرائزهم وأهوائهم الفائرة الطائشة وعشق منظر الدماء والأشلاء.. لقد سلبوا الوطن أعظم كُتّابه ومفكريه وترمّل الشعب وأصبح فقيراً.. لقد عاش محمد طه بسيطاً متواضعاً.. متقشفاً كراهب.. ولم يفقد قوانين المهارة طوال رحلته الطويلة مع القلم وسكب المداد على الورق. اليوم فقط نستطيع ونحن نذيب أرواحنا في النحيب والبكاء أن نسترجع كلماته القوية الجريئة المدهشة.. وفي تلك الشوكة التي انغرست في نفوسنا التي أضناها الألم.. لأن الصدمة العاتية المربكة المرّة قد استحالت إلى عذاب مرير.. موجع. لقد ذهب محمد طه شهيداً بعد أن خدعه صعلوك مأفون.. مأجور وما درى الفعلة أن محمد طه.. ليس بالإنسان العادي الذي يندر أن يتكرر مرّة أخرى على أرض الواقع.. وهذا دائماً هو مصير الأفذاذ المتفردين الذين قد لا يجود الزمان بمثلهم في كل مرّة.. من أجل مَنْ كل هذا العذاب أستاذي محمد طه أمن أجل الوطن الذي تكالبت عليه الأهوال والمحن أو من أجل الفقراء والمستضعفين والمتعبين والترابلة وصغار الصناع والمهمشين.. أو من أجل الأيادي الآثمة المأجورة التي تسعى لتمزيق الوطن.. وجرّه إلى ظلمات المستعمر البغيض.. أمن أجل كل هؤلاء قدمت رأسك إلى مقصلة المأجورين الخونة.. دون مساومة في الثمن.. يا فارس القلم. نعاهدك أيها الشهيد بأننا جمهور الصحفيين.. سنواصل الإبحار.. برغم سفائننا مازالت فوق الأرض.. وقبل أن تتم اجتياز دروبها ومسالكها.. تتشابك عند احد المنعطفات.. بأشياء هدبية تعرقل مسارها.. ولكن في نهاية المطاف عندما تتجاوز العاصفة السفائن.. وتقترب أكثر.. وأكثر من الشمس.. وتجيء إلى المرفأ وتستريح السفائن إلى الشاطيء قبالة المدن الفاضلة المبهورة سوف يقشر أبناؤنا ثمار البرتقال والمانجو والأنناس الممزوج بزبد قناديل البحر.. إلى جنات الخلد والفردوس الأعلى بين الحور العين في جمالهن الأخاذ الذي يسلب الألباب.
|
|
|
|
|
|
|
العنوان |
الكاتب |
Date |
نار الغيرة من فهمك .. مع جرأة مداد قلمك | ملكة سبأ | 09-14-06, 06:23 AM |
صباح الجنة والفردوس نجم الوفاق وإبن القُرير | ملكة سبأ | 09-14-06, 06:28 AM |
محمد طه... هذا الغريب | ملكة سبأ | 09-14-06, 06:30 AM |
لا أحب الخصومات .. لكن إذا فرضت على أدافع عن نفسي | ملكة سبأ | 09-14-06, 06:44 AM |
محمد طه محمد أحمد.. شهيد عقيدته | ملكة سبأ | 09-14-06, 06:48 AM |
آخر صورة اجتماعية للفقيد | ملكة سبأ | 09-14-06, 06:53 AM |
الموت التراجيدي للأشجار | ملكة سبأ | 09-14-06, 06:57 AM |
محمد طه يمرق من بيت العدو | ملكة سبأ | 09-14-06, 07:02 AM |
طه ما ابتلاك ربك الا ليتحد وطنك | ملكة سبأ | 09-14-06, 07:13 AM |
في الليل المظلم والقدر المحتوم | ملكة سبأ | 09-14-06, 07:21 AM |
Re: في الليل المظلم والقدر المحتوم | فتحي البحيري | 09-14-06, 07:49 AM |
Re: في الليل المظلم والقدر المحتوم | ملكة سبأ | 09-16-06, 02:33 AM |
Re: في الليل المظلم والقدر المحتوم | شهاب الفاتح عثمان | 09-16-06, 04:19 AM |
|
|
|