|
Re: محمد طه محمد احمد ....يدفع ثمن تربية سياسة خاطئة (Re: الكيك)
|
الصحافة10/9/2006 الجريمة النكراء وإشكالية القانون والحرية د. الطيب زين العابدين الجريمة النكراء التى أودت بحياة محمد طه محمد أحمد لا سابقة لها فى تاريخنا المعاصر، بدوافعها والكيفية التى تمت بها، فالدلائل تشير الى أن الدافع للجريمة هو ما يكتبه محمد طه من أراء حادة تثير الغيظ عند بعض الناس، ولم يسبق أن وصل الغيظ بالكتابات الصحفية الى حد ارتكاب جريمة القتل لكاتب الرأى، والكيفية التى تم بها القتل تدل على ترصد جبان ونفس مريضة مشوهة. فأهل السودان يميلون الى المواجهة مع الخصم وجها لوجه وسلاحا بسلاح، ويحتقرون القتل غيلة والطعن فى الظهر، لأن ذلك من شيم الجبن والخسة، فالشجاعة عندهم أن تكون المواجهة صريحة، ومن النبل أن يكون الخصم على ذات الدرجة من الاستعداد للمواجهة. وجاء قتل محمد طه فى منتصف الليل بعد الترصد له واستدراجه من منزله وربما بتخديره حتى لا يقاوم الجناة وبربط يديه من وراء ظهره، ثم جاءت طريقة القتل قبيحة بشعة تعكس بشاعة الأنفس التى ارتكبت الجريمة، فقد ذبحه القتلة من الوريد الى الوريد الى أن فصل رأسه عن جسده وهذه ما لا يفعله المرء السوى حتى بالبهائم والحيوانات التى لا تؤكل! ولكن السودان لا يعيش فى جزيرة معزولة، ولا بد له أن يتأثر بظاهرة العنف والارهاب التى تجتاح العالم فى أفغانستان والعراق وفلسطين ومصر وأميركا والعديد من البلاد الافريقية، وقد تجلت ظاهرة العنف الدموى بصورة غير معهودة فى أحداث دارفور، حيث قتل آلاف الأشخاص الأبرياء وحرقت مئات القرى واغتصبت مئات النساء ونزح مئات الآلاف من البشر من ديارهم خوفا على حياتهم من المعتدين وطلبا للقمة العيش التى تقيم الأود. ان تيارات التطرف فى الرأى والعنف بدأت تغزو السودان، فينبغى اعداد العدة لهذه الموجة الغازية، فهى مازالت فى بداياتها والطبيعة السودانية المسالمة المتسامحة هى الغالبة، ولكن المشكلة تحتاج الى مواجهة شاملة ثقافية وسياسية واقتصادية وقانونية واجتماعية من أجهزة التربية والتوجيه ومن القوى السياسية والمدنية ومن مؤسسات الدولة. فلنأخذ الدرس المبكر من حادثة القتل البارد لمحمد طه فى داره بقلب الخرطوم دون استفزاز مباشر ودون أى قصد آخر سوى القتل، لقد غزا فيروس العنف جسم المجتمع السودانى وينبغى بذل أقصى الجهد لاقتلاعه قبل اضمحلال الجسد وفوات الآوان. وأود فى هذا المقام أن أتعرض لقضيتين لهما صلة بجرائم العنف، وهما القانون والحرية. لقد ضعف الالتزام بالقانون فى السنوات الأخيرة فى كل مناحى الحياة، وصار الخروج على القانون أمراً لا يسترعى الانتباه ولا يتبعه عقاب فى معظم الأحوال، وكأنما القاعدة هى الخروج عليه، وهذا أمر فى غاية الخطورة لأى مجتمع متحضر. وتبدأ قائمة الخروج على القانون من استلام السلطة بالقوة وتعطيل كافة القوانين الديمقراطية واعتماد القمع وسيلة لإرهاب الخصوم وبناء هيبة الدولة وإملاء قراراتها، وتلجأ القوى المتضررة من الاستبداد بالسلطة الى التمرد وحمل السلاح وسيلة لجبر الضرر والمشاركة فى السلطة، وتستهين سلطة القوة حتى بالقوانين التى وضعتها، فتخرج عليها متى شاءت ومتى كان ذلك فى مصلحة بقائها فى السلطة، وتمتد الحماية لخرق القانون لكل المدافعين عن السلطة والمؤيدين لها، وعندها يضعف سلطان القضاء فى محاسبة المسؤولين لأنهم فوق القانون، وتصبح أجهزة انفاذ القانون أجهزة لحماية السلطة مهما ارتكبت من موبقات وجرائم، ويعدى ذلك السلوك رجال الخدمة المدنية خاصة من كان منهم قريبا من المسؤولين فى الدولة، فتصبح مهمتهم تنفيذ ما يطلبه الحكام بصرف النظر عن موافقته للقانون أم لا، ويعم سلوك التسيب والرشوة والمحسوبية فى دواوين الحكومة، لأن العقد قد انفرط. وينتقل الخروج على القانون من الأمور السياسية والأمنية الى مجال المال العام، فيسود فيه تجاهل القانون والضوابط وتسخير المال العام لحماية السلطة والدفاع عنها، ثم الى اثراء المحاسيب والمؤيدين وتصبح الدولة أشبه بعصابة المافيا التى ترتكب كل جريرة لحماية «الشركة القابضة» وأفرادها والمؤلفة قلوبهم. ويشهد الناس كل ذلك أمام أعينهم فتزول هيبة الدولة والقانون من نفوسهم، ويقتنعون بأن اتباع القانون هو وسيلة الضعيف الذى لا ظهر له. ويستشرى بعد ذلك الاستهانة بالقانون فى مجالات الحياة المختلفة حتى فى نظم تشييد المبانى ورعاية حرمة الساحات والميادين والأسواق والشوارع، بل وعلى حركة السير فى الشوارع، فما عاد قانون المرور هو الحاكم للسير! وتجد أن أكثر الناس خرقا للقانون هم مؤسسات السلطة ورموزها والمرتبطين بها، وتتنزل بعد ذلك الى مستويات المجتمع الدنيا كل بقدر جرأته وسطوته. ومن باب أولى أن تضعف قيم التعامل بين الناس فى الأمور المالية وأداء الواجب وتنفيذ الأعمال والالتزام بالوقت والعهد. وحسب طبيعة الشعب السودانى التى تميل الى «الرجالة» والثأر للكرامة والتناصر بالعصبية وتكره «الحقارة» فإن الاستهانة بالقانون تتحول تلقائيا الى سلوك العنف والتعدى، وتجلت الأمثلة على ذلك فى العنف الذى استشرى بعد مقتل جون قرنق، وفى الاعتداء على الشرطة فى سوبا وفى العنف الطلابى الذى زادت نسبته بالجامعات. وثقافة احترام القانون عملية حضارية طويلة تحتاج الى وقت وتوعية وقدوة صالحة تضرب المثل للناس، ولكن لا بد منها للحياة السلمية المدنية المعاصرة. والقضية الثانية هى الحرية، وليس هناك تناقض بين الدعوة الى احترام القانون وممارسة الحرية، فالقانون هو الذى ينظم ممارسة الحرية حتى لا تنقلب الى فوضى، وان كانت الأنظمة السلطوية تسخر القانون لتكبت به حركة المجتمع السياسية. وهنا يجوز للقوى السياسية المعارضة أن تتمرد سلميا على القوانين غير الديمقراطية أو تطبيقها بصورة جائرة متحيزة مثل ما حدث فى منع المسيرات السلمية لأحزاب المعارضة فى الأيام الماضية، فالمدافعة مع الأنظمة المستبدة شرط لتثبيت الحقوق المدنية المتعارفة. والحقيقة ان مصادرة الحريات العامة على مستوى أجهزة الدولة تعدي بقية قطاعات المجتمع، فإن كانت الدولة تعاقب جماعة أو فردا بسبب رأيه، فلماذا لا تفعل الجماعات المدنية ذلك ضد بعضها البعض؟ وقد تستغل الدولة بعض الجماعات الموالية لها فى التحريض وإثارة الكراهية ضد المخالفين لها، مما يهيئ المناخ لممارسة العنف والعدوان. فالذين قتلوا محمد طه لا يؤمنون بقيمة الحرية التى منحها الله سبحانه وتعالى للناس كافة فى عقد آصرة الايمان «فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر»، وحصر مهمة الرسول فى البلاغ المبين لا تتعداها الى الإكراه بحال من الأحوال «أفأنت تكره الناس حتى يكونوا مؤمنين» وجعلها الله مناط التكليف، فكل شئ يقوم على الإكراه باطل قولاً أو فعلاً أو عقداً. والكبت الفكرى والسياسى الذى مارسته ثورة الإنقاذ فى سنواتها السابقة ساهم فى اضعاف قيمة الحرية والتقليل من شأنها، وقد خففت من غلواء ذلك الكبت ليس قناعة ولكن لضرورات سياسية «أتذكرون الجماعات التى جاء بها أحد المسؤولين فى الدولة لتقتحم ساحة البرلمان محتجة على السماح بحرية التنظيمات السياسية فى دستور 98 واضطر رئيس البرلمان لأن يغير كلمة التنظيمات الى كلمة التوالى حتى يبلعها أصحابه الاستبداديون؟». ومازالت روح الكبت القديمة تراود بعض المسؤولين خاصة اذا ظنوا أنها تهدد عرشهم! وممارسة الحرية بمسؤولية ووعى أمر شاق وطويل مثل ثقافة احترام القانون، والبداية أن تضرب الدولة المثل فى تقنين الحريات العامة التى أصبحت أمرا معروفا فى كل أنحاء العالم توثقه المعاهدات الدولية وحقوق الانسان، وأن تلتزم بحماية ورعاية تلك الحريات ضد كل من يحاول المساس بها. وعلى قوى المجتمع المدنية من مفكرين وكتاب ومثقفين ومنظمات أهلية، أن تقف بصلابة ضد الاعتداء على الحريات، وهذا يعنى حرية الرأى للجميع، فلا يقال ان هذا رأى متطرف لا ينبغى أن يسمح به، فالقانون واضح فى منع التحريض على العنف أو اثارة الكراهية أو اشانة السمعة أو نحو ذلك من التعبير. وما سوى ذلك فهو تعبير مباح مهما اشتط يمينا أو يسارا، فى مثل هذا المناخ يعتاد الناس على ممارسة حرية الرأى ويقدرونها ولا يعتدى شخص على آخر بسبب رأيه، ولن تتكرر جريمة قتل محمد طه لكاتب آخر. رحم الله الصديق المجاهد محمد طه محمد أحمد، فقد كان جريئا شجاعا يقتحم كل ميادين الفكر مدافعا عن قناعاته مهما كانت المعارضة لها. أمثال هؤلاء المجاهدين هم الذين ينصرون قيمة الحرية ويثبتونها فى تاريخ تطور المجتمعات
|
|
|
|
|
|
|
العنوان |
الكاتب |
Date |
محمد طه محمد احمد ....يدفع ثمن تربية سياسة خاطئة | الكيك | 09-07-06, 00:15 AM |
Re: محمد طه محمد احمد ....يدفع ثمن تربية سياسة خاطئة | Omer54 | 09-07-06, 00:50 AM |
Re: محمد طه محمد احمد ....يدفع ثمن تربية سياسة خاطئة | الكيك | 09-07-06, 01:34 AM |
Re: محمد طه محمد احمد ....يدفع ثمن تربية سياسة خاطئة | صلاح شعيب | 09-07-06, 01:50 AM |
Re: محمد طه محمد احمد ....يدفع ثمن تربية سياسة خاطئة | ahmed haneen | 09-07-06, 01:53 AM |
Re: محمد طه محمد احمد ....يدفع ثمن تربية سياسة خاطئة | الكيك | 09-07-06, 03:10 AM |
Re: محمد طه محمد احمد ....يدفع ثمن تربية سياسة خاطئة | haleem | 09-07-06, 03:08 AM |
Re: محمد طه محمد احمد ....يدفع ثمن تربية سياسة خاطئة | hatim | 09-07-06, 03:31 AM |
Re: محمد طه محمد احمد ....يدفع ثمن تربية سياسة خاطئة | انعام عبد الحفيظ | 09-07-06, 03:57 AM |
Re: محمد طه محمد احمد ....يدفع ثمن تربية سياسة خاطئة | عبده عبدا لحميد جاد الله | 09-07-06, 04:12 AM |
Re: محمد طه محمد احمد ....يدفع ثمن تربية سياسة خاطئة | Omer54 | 09-07-06, 04:20 AM |
Re: محمد طه محمد احمد ....يدفع ثمن تربية سياسة خاطئة | Zoal Wahid | 09-07-06, 04:55 AM |
Re: محمد طه محمد احمد ....يدفع ثمن تربية سياسة خاطئة | الكيك | 09-09-06, 11:30 PM |
Re: محمد طه محمد احمد ....يدفع ثمن تربية سياسة خاطئة | الكيك | 09-10-06, 02:12 AM |
Re: محمد طه محمد احمد ....يدفع ثمن تربية سياسة خاطئة | Yasir Elsharif | 09-10-06, 02:45 AM |
Re: محمد طه محمد احمد ....يدفع ثمن تربية سياسة خاطئة | الكيك | 09-10-06, 10:50 PM |
Re: محمد طه محمد احمد ....يدفع ثمن تربية سياسة خاطئة | الكيك | 09-12-06, 11:21 PM |
|
|
|