|
طائر البحر .. يا فانيا .
|
في العام الماضي ماتت فانيا .. " فانيا أكسرجيان " .. بنت مما تبقى من العطر الأرمني المتجول في دروب القاهره وحواريها .. كانت الجاليات اليونانيه والارمنيه والطليان واليهود قد بدأوا في الرحيل عن البلاد المصريه إثر تنامي المد القومي في ستينيات القرن الماضيه , بعد أن تمظهر الصراع السياسي وكأنه صراع بين الهويات ..
طول عبد الناصر بدأ في الإرتفاع وظله إمتد .. وإنهمكت الدوله الناصريه في مصادرة ممتلكات هؤلاء القوم والنظر إليهم بعين جاحده , ففقدوا بيوتهم ومدارسهم ونواديهم وما تبقى من أمان .. حزموا حقائبهم ونزحوا مغادرين البلاد ميناء الإسكندريه البحري ملوحين للجنوب بمناديل محزونه .. عائلة " فانيا " من القليل الذين آثروا البقاء والتشبث بصمغ الوطن .. كانوا من الأرمن الذين يرجع غرسهم في البلاد لزمن بعيد ( ربما جاء بهم الى مصر خوف من تلك المذابح التي إستشرت في مناطقهم على يد الأتراك .. ) . عمل مظم الأغاريق المصريون في المطاعم والبارات فاضفوا على مأكل القوم ومشربهم نكهةُ متوسطيه لم تغادر ريق البلاد الى اليوم .
الأرمن عرفتهم الوجوه من خلال عدساتهم وكاميراتهم إذ كانو في غالبهم مصوراتيه تخرج من تحت إيديهم الملونه بالحبر والأحماض تلك الصور التي لا تزال تزين جوازات السفر وجدارات الصوالين العتيقه بلقطات الزفاف الأبيض وأسود .. كانت إستوديوهاتهم تملأ شارع شريف وترتص على جانبيه , وكنت ترى الأرمني في قميصه الابيض المحشور في البنطلون القماشي المرفوع بالحمالات .. في عيونهم تلمح عيوب المهنه : العين اليمين دائماُ أضيق من اليسرى من كثر تزريرها عند التصوير .
ولدت " فانيا " في القاهره ودرست في جامعتها الأميريكيه وإنخرطت في مجتمع " الوسط " كما يطلقون عليه هناك , بين المثقفين والمخرجين والممثلين والمغنيين والباحثين عن التراث وهواة الرسم . إشتهرت البنت بسبب سحابة الود والحب التي كانت تلفها في كل مكان تحل عليه . كانت نوارة المجالس والمحبوبه ..
في العام 2003 .. ماتت " فانيا " . قتلها جارهم في شقتها بوسط البلد , ذبح أباها وذبحها بعد أن طرق باب الشقه برفق .. لم تكن فانيا رحمها الله تعلم وهي تفتح باب الشقه أن الطارق نصل سكين حاد ومتوتر ..
كانت شقراء وجميله .. تحب الرقص والمسرح , وكانت من أجمل البنات , تطوف على المسارح والمسرحيين وتغني مع المغنين وترفع وتيرة الليالي ببسمتها الشفافه .
عملت لسنوات طويله مع فرقة الورشة المسرحيه بقيادة حسن الجريتلي . سافرت للصعيد والمدن البعيده , تعلم الأطفال المسرح وتساعد الفرق الشبابيه ...
كانت تحب الأغاني البورسعيديه , أغاني الصيادين , التي يغنونها إستدراراً للسمك والبحر شحيح . وفي ليالي رأس السنه والاحتفالات والقعدات الخاصه لم يكن فينا , لا ليلى ولا يافا ولا إيهاب ولا أنا من يتصور أن هذه البنت ستسحبها من الدنيا سكين . ولذا رقصنا طويلاً معها وبادلناها كوبليهات الغناء وطققنا كاساتنا في كاسات بعض لطفاً وحناناً ..
ماتت فانيا .. وأصابنا ذهول . ما كان في مقدورنا إستيعاب فكرة أن القتل قريب .. وأن في البلاد كل هذا الجنون .. ظننا , ببساطه , أننا مثقفون ومحبون للفن والرقص , وبيننا وبين المجتمع وهوسه وتراجعاته عزله , و أن لنا مملكتنا الأميره و أحزاننا الخاصه وأفراحنا .. فداهمنا القاتل في عقر دارنا و أخذ فانيا , ورحل ..
قد لا يعرف الناس فانيا .. إذ كان ظهورها العام قاصراً على مسرحيات لا يشاهدها إلا القلة من محبي الفن المسرحي في " زائر الليل العزيز" , و " رصاصة في القلب " .. بجانب مشاركاتها في مجموعة أعمال " ليالي الورشه " .. ثم كان حلمها الموؤود بتحقيق كتابة " آرنست همينجوي " ( طائر البحر) , من خلال فيلم سينمائي طويل . سوى أنها ماتت وتركت للبحر طائره , وغادرتنا وبنا فجيعه عاليه .
أذكر الآن فانيا وهي تغني أغاني " الشيخ أمام " .. وأذكرها وهي تحشد الناس لصالح المسأله الفلسطينية .. تجمع التبرعات والتوقيعات .. وتنشط لأجل إطلاق سراح " مروان البرغوثي " ( آخر الوجوه المشرفه على المشهد العربي ) .. وكان إسمها , بعد , فانيا .. وكانت أرمنيه ..
لو كان بي إحتمال لحكيت عنها الكثير .. ولو كان بي صبر لفصًصت لكم عمرها البرتقالي .. ولقصصت عليكم كيف كانت تسمع فيروز و ترتدي بناطيلها الزيتيه وقمصانها البيض ..
كان بها ألق و وعد .. وكانت تحلم بالأيام ..
نوفمبر في عليائه .. والقلب يسأل عنك يا أرمنيه..
.... طلال
|
|
|
|
|
|
|
العنوان |
الكاتب |
Date |
طائر البحر .. يا فانيا . | طلال عفيفي | 11-28-04, 04:50 AM |
Re: طائر البحر .. يا فانيا . | NAZIM IBRAHIM ALI | 11-28-04, 07:04 AM |
Re: طائر البحر .. يا فانيا . | طلال عفيفي | 11-30-04, 07:03 AM |
Re: طائر البحر .. يا فانيا . | إيمان أحمد | 11-28-04, 10:25 AM |
Re: طائر البحر .. يا فانيا . | طلال عفيفي | 11-30-04, 07:14 AM |
Re: طائر البحر .. يا فانيا . | Nagat Mohamed Ali | 11-29-04, 06:20 PM |
Re: طائر البحر .. يا فانيا . | طلال عفيفي | 11-30-04, 07:22 AM |
Re: طائر البحر .. يا فانيا . | مأمون التلب | 11-30-04, 11:02 AM |
Re: طائر البحر .. يا فانيا . | طلال عفيفي | 12-01-04, 03:29 AM |
Re: طائر البحر .. يا فانيا . | haleem | 11-30-04, 10:35 PM |
Re: طائر البحر .. يا فانيا . | طلال عفيفي | 12-01-04, 03:46 AM |
Re: طائر البحر .. يا فانيا . | ودقاسم | 12-01-04, 03:53 AM |
Re: طائر البحر .. يا فانيا . | طلال عفيفي | 12-01-04, 06:40 AM |
Re: طائر البحر .. يا فانيا . | Dia eldin khalil | 12-01-04, 06:41 AM |
Re: طائر البحر .. يا فانيا . | طلال عفيفي | 12-01-04, 07:12 AM |
Re: طائر البحر .. يا فانيا . | mohammed alfadla | 12-02-04, 09:24 AM |
Re: طائر البحر .. يا فانيا . | mohammed alfadla | 12-07-04, 05:51 AM |
فوق | وليد محمد المبارك | 12-22-04, 09:08 AM |
|
|
|