بحري طراوة... ويا ناس بحري .. قالوا بتحبوا يلا حبونا..

Quote: قبل قليل وعقب صلاة المغرب ودع حي الختمية بمدينة بحري علماً من أعلامها حيث تقاطر أبناء المدينة في موكب مهيب لمرافقة جثمان المرحوم "أبوعلي" لمثواه الأخير. كان أبوعلي في عقدي السبعينات والثمانينات من القرن الماضي علما على رأسه نار في حقبة زمنية ماضية كانت تقدر سمات الفتوة والقوة. كان أبوعلي في ذلك الزمان شاباً فتياً ممتلئاً بالقوة فكان ركناً حارسا لحي الختمية كما كان شخصية متعددة المواهب فهو حكم الكرة والمغني الذي يحي حفلات الحي والأحياء المجاورة كما كان الشهم الذي يهب لمساعدة أبناء الحي حيث عرف بإشرافة على الأعمال المتعلقة بدفن الموتي. وعندما مرت السنوات أصبحت لأبوعلى ميولا صوفية فصار مادحا كما أن المرض والسقم وسنة الله الماصية في خلقه قد نالت من قوته المهيبة ورغم هذا إستمرعلما بالحي حيث كان جلوسه بسوق الختمية يمثل جزءاً مكملا للوحة تراثية جميلةً للحي فما أن تراه جالساً بجسده المهيب حاملاًُ مسبحته التي أضحت لا تفرق يداه حتى تدرك أنك قد دخلت حي الختمية. إنتابني شعور غريب وأنا أتابع تلك الأعداد الغفيرة بمقابر حلة حمد إذ أن الشخص المار بالجنازة يظن أن صاحبها من الوزراء أو علية القوم الذين يتبعهم الناس خوفاً وطمعاً غير أن الأمر المدهش أن هذا الجلال لم يكن إلا لوداع رجل من عامة الناس منهم وإليهم. أحبه الناس لبساطته التي لم تتكدر مع مرور الزمن وتبعوا جنازته لمسواها الأخير دون أن تربطهم به صلة الدم والقربي فكل ما يربطهم به هو الشعور القوى بالإنتماء فكل الذين ودعوه إنما ودعوا حقبة نضرة من تاريخنا الشعبي الذي يكتبه الإنسان العادي البسيط في ثنايا الحياة اليومية دون تنطع أو تفلسف أجوف. مثل هذه الشخصية النادرة أيقونات تتكرر في أحيائنا الشعبية ينتظر سعيد الحظ منها أديباً لماحاً من طراز الطيب صالح حتى يخرجها من محيطها المحدود لآفاق الرواية الرحبة بينما تموت البقية فتتحول إلى حكاية شجية في لسان من عاشوها في داخل الحي المعين. رحم الله "أبوعلي" وأسكنه فسيح جناته وزاد في إحسانه وتجاوز عن سيئاته إنه سميع عليم.